دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > أصول الفقه > متون أصول الفقه > قواعد الأصول

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ربيع الثاني 1431هـ/2-04-2010م, 06:41 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي باب المطلق والمقيد

باب المطلق والمقيد
ومنه : (المطلق) وهو ما تناول واحداً لا بعينه باعتبار حقيقة شاملة لجنسه .
قيل : لفظ يدل على معنى مبهم في جنسه .
ويقابله (المقيد) وهو المتناول لموصوف بأمر زائد على الحقيقة الشاملة لجنسه كـ (رقبة مؤمنة) . فإن ورد مطلق ومقيد ، فإن اتحدا في الحكم والسبب كـ ((لانكاح إلا بولي)) مع ((لا نكاح إلا بولي مرشد)) حمل المطلق على المقيد ، وقال أبو حنيفة : زيادة فهي نسخ . وإن اختلف السبب كالعتق في كفارة اليمين قيد بالإيمان ، وأطلق في الظهار ، فالمنصوص لا يحمل ، واختاره ابن شاقلا وهو قول أكثر الحنفية خلافاً للقاضي والمالكية وبعض الشافعية .
وقال أبو الخطاب : تقييد المطلق كتخصيص العموم وهو جائز بالقياس الخاص فها هنا مثله ، فإن كان ثم مقيدان حمل أقربهما شبها به ، وإن اختلف الحكم فلا حمل ، اتحد السبب أو اختلف .

  #2  
قديم 20 ربيع الثاني 1431هـ/4-04-2010م, 06:40 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي تيسير الوصول إلى قواعد الأصول للشيخ عبد الله بن صالح الفوزان

باب المطلق والمقيد
قوله: (ومنه: المطلق) أي: ومن الكلام المفيد: المطلق والمقيد، وأكثر الأصوليين يذكر ذلك بعد العام والخاص؛ للتشابه بين المطلق والعام، والمقيد والخاص.
والمطلق لغة: مأخوذ من مادة تدور على معنى التخلية والإرسال[(586)]، فالإطلاق في الألفاظ مستعار من الإطلاق في الذوات، كالإنسان والحيوان، وهكذا يقال في المقيد.
قوله: (وهو ما تناول واحداً لا بعينه باعتبار حقيقة شاملة لجنسه) هذا تعريف المطلق اصطلاحاً. ومثاله: قوله تعالى في كفارة الظهار: {{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}} [المجادلة: 3] فلفظ «رقبة» قد تناول فرداً غير معين من جنس الرقاب.
فمعنى المطلق أن يُقتصر على مسمى اللفظة المفردة، دون أي زيادة على مدلولها، كرقبة، وإنسان، وطالب، ورجل، وكل نكرة في سياق الإثبات فهي من المطلق، ما لم يرد قرينة تفيد العموم، فإذا زيد على مدلول اللفظة مدلولاً آخر كوصفٍ، صارت مقيدة.
وبهذا يتضح الفرق بين العام والمطلق، فالعام يستغرق أفراده ـ كما تقدم ـ والمطلق يراد به فرد غير معين، فهو لا يستغرق أفراده إلا على سبيل البدل، لا على سبيل الشمول، فإذا قيل: أكرم الطلاب، فالمراد جميع الأفراد، وإذا قيل: أكرم طالباً، فهذا فيه عموم من جهة أنه لا يخص طالباً بعينه، بل هو شائع في جميع الأفراد، لكن لا يتناول إلا فرداً واحداً، فإذا أُكرم خالد ـ مثلاً ـ لم يكرم غيره.
قوله: (وقيل: لفظ يدل على معنى مبهم في جنسه) هذا تعريف آخر للمطلق، وهو قريب من التعريف الأول، والمراد: أن المطلق لفظ يدل على فرد شائع في جنسه غير مقيد لفظاً بأي قيد يَحُدُّ من انتشاره وشيوعه.
قوله: (ويقابله المقيد) أي: إن المقيد يقابل المطلق في تعريفه اللغوي والاصطلاحي، فالمقيد لغة: ما جعل فيه قيد من بعير ونحوه[(587)].
قوله: (وهو المتناول لموصوف بأمر زائد على الحقيقة الشاملة لجنسه...) هذا تعريف المقيد اصطلاحاً، ومعناه: أن اللفظ المقيد يدل على فرد من أفراد الحقيقة، ولكن اقترن به أمر زائد يدل على تقييده، وتقليل شيوعه، كقولك: أكرم طالباً مجداً، فلا يصدق الإكرام على غير المجد، لأنه قُيِّد بالوصف، ومنه قوله تعالى في كفارة القتل: {{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}} [النساء: 92] فلا تصدق الرقبة ـ هنا ـ على الكافرة؛ لأن الله تعالى قيّدها بوصف الإيمان. وقوله تعالى: {{أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا}} [الأنعام: 145] ففيه تقييد الدم المحرم أكلُه بالمسفوح.
وهذا القيد قد يكون صفة كما مثّل. وقد يكون شرطاً كقوله تعالى: {{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ}} [المائدة: 89] وقد يكون غاية كقوله تعالى: {{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}} [البقرة: 187] .
فإن ورد مطلق ومقيد، فإن اتحد الحكم والسبب، كـ «لا نكاح إلا بولي» مع «لا نكاح إلا بولي مرشد» حمل المطلق على المقيد.
وقال أبو حنيفة: زيادة فهي نسخ، وإن اختلف السبب كالعتق في كفارة اليمين قُيِّد بالإيمان، وأطلق في الظهار، فالمنصوص: لا يحمل، واختاره ابن شاقلا، وهو قول أكثر الحنفية خلافاً للقاضي والمالكية وبعض الشافعية.
قوله: (فإن ورد مطلق ومقيد) شرع المصنف رحمه الله في بيان أحوال المطلق والمقيد، وذلك بأن يرد اللفظ مطلقاً في نص، ويرد بعينه مقيداً في نص آخر، وهذا هو الذي فيه التفصيل.
ولا خلاف بين العلماء في أن المطلق يجب العمل به على إطلاقه إلا بدليل يدل على تقييده، وأن المقيد يعمل به بقيده، ولا يخرج المكلف من العهدة إلا بذلك، لأن العمل بنصوص الكتاب والسنة واجب على ما تقتضيه دلالتها، حتى يقوم دليل على خلاف ذلك.
فمثال العمل بالمطلق الذي لم يرد تقييده: قوله تعالى في كفارة الظهار: {{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَآسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ *}} [المجادلة: 3] فلفظ {{رَقَبَةٍ}} مطلق لم يقيد بشيء، فيجزئ إعتاق الرقبة الكافرة على أحد قولي أهل العلم، كما سيأتي ـ إن شاء الله ـ.
ومثال المطلق الذي ورد تقييده: قوله تعالى: {{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ}} فلفظ (وصية) مطلق، جاء في السنة تقييده بالثلث، كما في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: «لا» . قلت: أفأتصدق بشطره؟ قال: «لا» . قلت: أفأتصدق بثلثه؟ قال: «الثلث، والثلث كثير....» الحديث»[(588)].
ومثال العمل بالمقيد على تقييده: قوله تعالى في كفارة الظهار: {{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَآسَّا}} [المجادلة: 4] فجاء الصيام مقيداً بالتتابع، وبكونه قبل التماس، فيعمل به على تقييده بهذين القيدين[(589)].
قوله: (فإن اتحد الحكم والسبب..) إلخ، هذه أحوال المطلق والمقيد، وهي ثلاثة، ووجه الحصر: أنه إذا ورد لفظان: مطلق ومقيد، فإمَّا أن يتحد حكمهما، أو يختلف؛ فإن اتحد الحكم، فإمَّا أن يتحد سببهما، أو يختلف.
فالأولى: أن يتحد الحكم والسبب، أي: يكون حكمهما واحداً وسببهما واحداً، كقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا نكاح إلا بولي» [(590)]، مع حديث: «لا نكاح إلا بولي مرشد» [(591)].
فالأول مطلق في الولي، والثاني مقيد بالرشد. وهما متحدان سبباً، وهو النكاح، وحكماً، وهو نفي النكاح إلا بولي، فيحمل المطلق على المقيد في هذه الحالة، ويشترط رشد الولي على أحد القولين.
ومثله قوله تعالى: {{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ}} [المائدة: 3] فهذا مطلق جاء تقييده بالمسفوح في آية الأنعام، كما تقدم، والحكم واحد وهو التحريم، والسبب الذي بني عليه الحكم واحد، وهو كونه دماً، فيكون الدم الباقي في اللحم حلالاً، ولا يحرم إلا الدم المفسوح، وهو الدم الجاري، وغير المسفوح معفوٌّ عنه، كالدم الذي يبقى في العروق بعد الذبح، ومنه الكبد والطحال، وما يتلطخ به اللحم من الدم، وقد حكى القرطبي الإجماع على هذا[(592)].
قوله: (وقال أبو حنيفة: زيادة فهي نسخ) هذا رأي أبي حنيفة في الحالة المذكورة، فهو يرى أن هذا التقييد زيادة على المطلق، والزيادة على النص نسخ، فلو حمل المطلق على المقيد لكان هذا نسخاً للمطلق وإبطالاً للعمل به؛ لأنه إذا صار المطلق مقيداً، فمعناه انتهاء العمل به؛ لثبوت حكم التقييد. وتوضيح ذلك: أن زيادة اشتراط الرشد في الولي رفعت إجزاء الولي مطلقاً الذي دل عليه النص المطلق، والإجزاء حكم شرعي.
والصحيح أن هذه الزيادة ليست نسخاً؛ لأن النسخ رفعُ حكمٍ شرعي، وهنا لم يرفع حكم شرعي، بل هي زيادة سكت عنها النص الأول، فلم يتعرض لها بصريح إثبات ولا نفي، ثم إن الناسخ والمنسوخ يشترط فيهما المنافاة، ولا منافاة هنا بين المطلق والمقيد.
ولم يظهر لي فرق واضح بين مذهب الجمهور والحنفية؛ لأن المُؤدَّى واحد، وقد نُقِل أن الحنفية يقولون بحمل المطلق على المقيد في هذه الحالة، بل نُقل فيها الاتفاق[(593)]، ولعل الفرق أن المطلق على مذهب الجمهور محكم، وعلى مذهب الحنفية منسوخ، على أن ابن بدران قال: ثبت أن مذهب الحنفية حمل المطلق على المقيد، وأن الخلاف في غير هذه الصورة[(594)].
فلعل المصنف هنا توهم الخلاف في الكل تبعاً للموفَّق في الروضة، والعلم عند الله تعالى.
قوله: (وإن اختلف السبب كالعتق في كفارة اليمين...) هذه الحالة الثانية من أحوال المطلق والمقيد، وهي أن يختلف السبب ويتحد الحكم، ومثاله: قوله تعالى في كفارة الظهار: {{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَآسَّا}} [المجادلة: 3] وقوله في كفارة القتل: {{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}} [النساء: 92] فلفظ {{رَقَبَةٍ}} في الآية الأولى مطلق، وفي الثانية مقيد بالإيمان، والحكم واحد، وهو تحرير الرقبة. والسبب مختلف، ففي الأولى ظهار، وفي الثانية قتل. فهذا فيه خلاف.
قوله: (فالمنصوص لا يحمل، واختاره ابن شاقلا وهو قول أكثر الحنفية) هذا القول الأول ، وهو أنه إذا اختلف السبب فلا يحمل المطلق على المقيد، بل يعمل بالمطلق على إطلاقه، والمقيد على تقييده، فتجزئ الرقبة الكافرة في الظهار، ولا يجزئ في كفارة القتل إلا مؤمنة، وهو قول أكثر الحنفية، وأكثر الشافعية.
وقد ورد عن أحمدَ ما يدل على ذلك. قال في رواية أبي الحارث: التيمم ضربة للوجه والكفين، فقيل له: أليس التيمم بدلاً عن الوضوء، والوضوء إلى المرفقين؟ فقال: إنَّما قال الله تعالى: {{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ}} [النساء: 43] ولم يقل: إلى المرافق، وقال في الوضوء: {{إِلَى الْمَرَافِقِ}}.
فظاهر هذا أن الإمام أحمد لم يَبْنِ التيمم المطلق في الأيدي على الوضوء المقيد إلى المرافق، هكذا ذكر الأصوليون الحنابلة كالقاضي وأبي الخطاب. مع أن الحكم مختلف، وكأنهم نظروا إلى اتحاد السبب، وهو التطهر للصلاة. وسيأتي بيان ذلك ـ إن شاء الله ـ.
وظاهر عبارة المصنف أن هذا هو المنصوص عن أحمد، وأنه لم يرد عنه خلافه، مع أنه رُوِيَ عن أحمد ما يدل على أنه يُبنى المطلق على المقيد، قال في رواية أبي طالب: أحبُّ إليَّ أن يعتق في الظهار مسلمة، فعلى هذا يكون للإمام أحمد روايتان، والله أعلم[(595)].
واحتج هؤلاء المانعون بأن ظاهر المطلق يقتضي أن يُعمل به على إطلاقه، فلا يختص بالمقيد، إلا أن يكون بينهما ارتباط لفظي أو معنوي، فالارتباط اللفظي كأن يُعطف المطلق على المقيد، وهذا مفقود هنا، والارتباط المعنوي أن يتفق العتقان في علة التقييد، وهذا حمل بالقياس، وليس كلامنا فيه، فقد يكون التقييد في كفارة القتل لشدة أمره، بخلاف الظهار، فَنَقْلُ القيد إليه زيادة في الشرع، ومشقة على الأمة.
وقول المؤلف (كالعتق في كفارة اليمين) وهم منه أو من الناسخ، وصوابه: في كفارة القتل، لأن العتق في كفارة اليمين مطلق كالظهار.
قوله: (خلافاً للقاضي والمالكية وبعض الشافعية) هذا القول الثاني في مسألة اتحاد الحكم واختلاف السبب: وهو أنه يحمل المطلق على المقيد، وهو قول القاضي أبي يعلى، والمالكية، وبعض الشافعية.
وحجة هؤلاء: أن كلام الله تعالى متحد في ذاته لا تعدد فيه، فإذا نص على اشتراط الإيمان في كفارة القتل، كان ذلك تنصيصاً على اشتراطه في كفارة الظهار. قالوا: ويعتضد حمل هذا المطلق على المقيد بقوله صلّى الله عليه وسلّم في قصة جارية معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه: «أعتقها فإنها مؤمنة» ولم يستفصله عنها: هل هي كفارة أو لا؟[(596)].
قالوا: ولأن الشهادة لما قُيدت بالعدالة مرة واحدة في قوله تعالى: {{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}} [الطلاق: 2] وأطلقت في سائر المواضع، حملنا المطلق على المقيد، فكذا هنا.
وقد نسب المصنف ـ كغيره من الحنابلة ـ إلى المالكية القول بحمل المطلق على المقيد. وقد ذكر القرافي المالكي وغيره أن أكثرهم لا يقولون بذلك[(597)].
وقال أبو الخطاب: تقييد المطلق كتخصيص العموم، وهو جائز بالقياس الخاص، فهاهنا مثله، فإن كان ثَمَّ مقيدان حُمِلَ على أقربهما شبهاً به، وإن اختلف الحكم فلا حَمْلَ، اتحد السبب أو اختلف.
قوله: (وقال أبو الخطاب: تقييد المطلق كتخصيص العموم، وهو جائز بالقياس الخاص، فهاهنا مثله) هذا القول الثالث في المسألة، وهو أنه لا يحمل المطلق على المقيد بنفس اللفظ، بل لا بُدَّ من دليل من قياس أو غيره، وذلك لأن المطلق يقتضي العموم، والتقييد شبيه بالتخصيص، فإذا وقع التخصيص بالقياس كما مر، وقع التقييد بالقياس، ومقتضاه أنه إن حصل قياس صحيح مقتضٍ لتقييده قُيّد، كاشتراك الظهار والقتل في خلاص الرقبة المؤمنة من الرق؛ لتشوّف الشارع إليه، وإن لم يحصل أُقِرَّ المطلق على إطلاقه والمقيد على تقييده[(598)].
والأظهر ـ والله أعلم ـ هو القول الأول، وهو أنه إذا اختلف السبب فلا يحمل المطلق على المقيد؛ لأن تقييد المطلق مع اختلاف السبب زيادة تنافي الإطلاق، ولعل الشرع أراد التفريق بين القتل والظهار.
وقولهم: إن كلام الله متحد، فيترتب فيه المطلق على المقيد، فيه نظر، فإن قضايا الألفاظ في كتاب الله مختلفة، لبعضها حكم التعلق والاختصاص، ولبعضها حكم الاستقلال والانقطاع، واختلاف السبب يؤثر على حمل المطلق على المقيد؛ لما تقدم، وأمَّا الشهادة فإنَّما قُيدت بالعدالة بالإجماع، والله أعلم[(599)].
قوله: (فإن كان ثَمَّ مقيدان حُمِلَ على أقربهما شبهاً به) أي: إذا اجتمع مطلق ومقيَّدان حمل المطلق على ما هو أشبه به، وأقرب إليه من المقيَّدين.
مثال ذلك: إطلاق صوم كفارة اليمين عن القيد، في قوله تعالى: {{فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ}} [البقرة: 196] مع تقييد صوم كفارة الظهار بالتتابع في قوله تعالى: {{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ}} [النساء: 92] ، وتقييد صوم التمتع بالتفريق في قوله تعالى: {{فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ}} [البقرة: 196] فالظهار أقرب لليمين من التمتع؛ لأن كلاً منهما كفارة، فيقيد صوم كفارة اليمين بالتتابع ـ على أحد القولين[(600)] ـ حملاً على الصوم المقيد بالتتابع في كفارة الظهار.
فإن لم يكن أحدهما أقرب لم يحمل المطلق على واحد منهما اتفاقاً، ومثاله: صوم قضاءِ رمضان، فإن الله تعالى أطلقه في قوله: {{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}} [البقرة: 184] مع تقييد صوم الظهار بالتتابع، وصوم التمتع بالتفريق ـ كما تقدم ـ وقضاءُ رمضان ليس أقرب لواحد منهما، فيبقى على إطلاقه: من شاء تابعه، ومن شاء فرّقه[(601)].
قوله: (وإن اختلف الحكم فلا حَمْلَ اتحد السبب أو اختلف) هذه الحالة الثالثة من أحوال المطلق والمقيد، وهي أن يختلف حكم المطلق عن حكم المقيد، وفي هذه الحالة لا يحمل المطلق على المقيد، بل يعمل بالمطلق على إطلاقه، وبالمقيد على تقييده. سواء اتحدا في السبب أو اختلفا.
فمثال اختلاف الحكم واتحاد السبب قوله تعالى: {{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}} [المائدة: 6] مع قوله تعالى في الآية نفسها: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}} [المائدة: 6] فلفظ (الأيدي) جاء مطلقاً في التيمم، ومقيداً (إلى المرافق) في الغسل، فلا يحمل المطلق على المقيد ـ هنا&#146>;ـ لاختلاف الحكم، وهو التيمم في الأول، والغسل في الثاني، وإن كان السبب واحداً، وهو القيام إلى الصلاة.
ومثال اختلاف الحكم والسبب: قوله تعالى: {{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيدِيَهُمَا}} [المائدة: 38] مع قوله تعالى في آية الوضوء: {{وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}} فلفظ الأيدي جاء مطلقاً في آية السرقة، ومقيداً في آية الوضوء، فلا يحمل المطلق على المقيد؛ لاختلاف الحكم؛ لأنه في الأولى قطع، وفي الثانية غسل، والسبب مختلف ـ أيضاً ـ لأن السبب في الأولى سرقة، وفي الثانية القيام إلى الصلاة، وهذا مما لا خلاف فيه؛ فتبقى الآية الأولى على إطلاقها، ويكون القطع من الكوعِ مفصلِ الكف[(602)]، والثانية على تقييدها ويكون الغسل إلى المرافق. والله أعلم.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المطلق, باب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:52 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir