دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب البيوع

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28 صفر 1430هـ/23-02-2009م, 02:49 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الثالث: خيار الغبن

( الثالثُ): إذا غُبِنَ في الْمَبيعِ غَبْنًا يَخْرُجُ عن العادةِ، وبزيادةِ الناجِشِ، والمستَرْسِلِ.


  #2  
قديم 28 صفر 1430هـ/23-02-2009م, 06:55 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

........................

  #3  
قديم 28 صفر 1430هـ/23-02-2009م, 07:51 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي

(الثالثُ) مِن أقسامِ الخِيارِ: خيارُ الغَبْنِ (إذا غُبِنَ في المَبيعِ غَبْناً يَخْرُجُ عَن العَادَةِ)؛ لأنَّه لم يَرِدِ الشرعُ بتحديدِه فرُجِعَ فيه إلى العُرْفِ، وله ثلاثُ صُوَرٍ:
إِحْدَاها: تَلَقِّي الرُّكْبَانِ، لقَولِه صلَّى اللَّه عليه وسَلَّمَ: ((لاَ تَلَقَّوُا الجَلَبَ، فَمَنْ تَلَقَّاهُ فَاشْتَرَى مِنْهُ فَإِذَا أَتَى السُّوقَ فَهُوَ بِالخِيَارِ)) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(و) الثانيةُ المُشَارُ إليها بقَوْلِه: (بزِيَادَةِ النَّاجِشِ) الذي لا يُرِيدُ شِرَاءً ولو بلا مُوَاطَأَةٍ، ومنه أَعْطَيْتُ كذا وهو كاذبٌ لتَغْرِيرِه المُشْتَرِيَ.
الثالثةُ ذَكَرَها بقَوْلِه: (والمُسْتَرْسِلُ) وهو مَن جَهِلَ القِيمَةَ ولا يحسن= بمَاكِسِ مَن استَرْسَلَ إذا اطمَأَنَّ واستَأْنَسَ، فإذا غُبِنَ ثَبَتَ له الخيارُ ولا أَرْشَ معَ إمساكٍ، والغَبْنُ مُحَرَّمٌ وخِيَارُه على الترَاخِي.


  #4  
قديم 28 صفر 1430هـ/23-02-2009م, 07:52 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم

(الثالث) من أقسام الخيار، خيار الغبن([1]) (إذا غبن في المبيع غبنا يخرج عن العادة) ([2]) لأنه لم يرد الشرع بتحديده، فرجع فيه إلى العرف([3]).
وله ثلاث صور([4]) إحداها تلقي الركبان([5]) لقوله صلى الله عليه وسلم ((لا تلقوا الجلب، فمن تلقاه فاشترى منه، فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار)) رواه مسلم([6]).
(و) الثانية: المشار إليها بقوله (بزيادة الناجش) الذي لا يريد شراء([7]) ولو بلا مواطأة([8]).
ومنه: أعطيت كذا، وهو كاذب، لتغريره المشتري([9]).
«الثالثة» ذكرها بقوله (والمسترسل) ([10]).
وهو من جهل القيمة، ولا يحسن يماكس([11]) من استرسل، إذا اطمأن، واستأنس([12]) فإذا غبن ثبت له الخيار([13]) ولا أرش مع إمساك([14]).
والغبن محرم([15]) وخياره على التراخي([16])



([1]) بسكون الموحدة، مصدر: غبنه يغبنه، خدعة في البيع، والتغابن أن يغبن بعضهم بعضا، فإذا حصل الغبن فللمغبون الخيار، بين الإمساك والرد، للأخبار وقال ابن رجب: ويحط ما غبن به من الثمن ذكره الأصحاب قال المنقح: وهو قياس خيار العيب والتدليس، وعلى قول اختاره جمع.
([2]) وهو أن يبيع ما يساوي عشرة بثمانية، أو يشتري ما يساوي ثمانية بعشرة، وكبيع في غبن إجارة، لأنها بيع المنافع،وكذا صلح وهبة.
([3]) فما عده الناس غبنا، ويخرج عن العادة أوجب الخيار، وحده بعضهم بالثلث، وهو مذهب مالك، وقيل: بالربع، وقيل: بالسدس، وقيل: بمجرد الغبن، لحديث ((لا ضرر، ولا ضرار)) وحديث ((لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة نفس منه)) وغير ذلك، والمغبون لم تطب نفسه، فإن لم يخرج عن عادة، فلا فسخ، لأنه يتسامح به، وقال الوزير: اتفقوا على أن الغبن في المبيع بما لا يفحش لا يؤثر في صحته.
([4]) أي للغبن الذي يثبت به الخيار ثلاث صور، للأخبار، ولو كان وكيلا، قبل إعلام موكله، وأما غبن أحد الزوجين في مهر مثل، فلا فسخ فيه.
([5]) جمع راكب، وهو في الأصل: راكب البعير، ثم اتسع فيه، فأطلق على كل راكب، والمراد بهم هنا القادمون من السفر بجلوبة، وإن كانوا مشاة.
([6]) وفي رواية «لا تلقوا الركبان» ولهما: «نهى عن تلقي البيوع» وفي رواية «لا تلقوا السلع، حتى يهبط بها السوق» فنهى عن تلقي الجلب خارج السوق، الذي تباع فيه السلع، فدل على التحريم، وهو مذهب الجمهور، وأخبر أنه إذا أتى سيده الذي تعرف فيه قيم السلع، يعني السوق، فهو بالخيار، أي إذا فعل ذلك، وأتى البائع السوق، وعرف، فهو بالخيارين أن يمضي البيع، أو يفسخ، وقال: أحمد: إن كان في البيع غبن.
وقال الشيخ: وأثبت النبي صلى الله عليه وسلم للركبان الخيار إذا تلقوا، لأن فيه نوع تدليس، وغش، وقال ابن القيم: نهى عن ذلك لما فيه من تغرير البائع، فإنه لا يعرف السعر، فيشتري منه المشتري بدون القيمة، ولذلك أثبت له النبي صلى الله عليه وسلم الخيار إذا دخل السوق.
ولا نزاع في ثبوت الخيار له مع الغبن، فإن الجالب إذا لم يعرف السعر، كان جاهلا بثمن المثل، فيكون المشتري غارا له، وكذا البائع إذا باعهم شيئا، فلهم الخيار إذا هبطوا السوق، وعلموا أنهم قد غبنوا غبنا يخرج عن العادة، أما إذا صادف الجلب، فلا خيار له، والعقد صحيح، لأنه قصره على التلقي، ولم يقل
لا تشتروا بل قال: «لا تلقوا» والحديث وإن كان ظاهره الإطلاق، فيقيد بما هو جار، متسامح فيه، من التغابن اليسير، الجاري في الأسواق.
([7]) تفسير للناجش، وهو أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها، من : نجشت الصيد، إذا أثرته ، كأن الناجش يثير كثرة الثمن بنجشه، ويرفع ثمنها، وأجمعوا على تحريمه، لخبر «نهى عن النجش» ولما فيه من تغرير المشتري وخديعته، فهو في معنى الغش، ويتجه: من زاد ليغر، فإن زاد ليبلغ القيمة فلا تحريم.
([8]) أي ولو كانت زيادة من لا يريد شراء، بغير مواطأة من البائع لمن يزيد فيها، أو زاد بنفسه والمشتري لا يعلم، قال الشيخ: فإنه يكون ظالما ناجشا، بل هو أعظم من نجش الأجنبي.
([9]) أي ومن النجش حكما لا لغة: قول بائع سلعة: أعطيت فيها كذا والبائع كاذب، فيحرم النجش، لتغريره المشتري، وقد نهى الشارع عن بيع الغرر، وقال ابن القيم: الغرر ما انطوت عنا معرفته، وجهلت مغبته، ويثبت له الخيار، وكذا لو أخبره أنه اشتراها بكذا، وهو زائد عما اشتراها به، فيثبت له الخيار، لأنه باعه مساومة، وقال الشيخ: يحرم تغرير مشتر، بأن يسومه كثيرا، ليبذل قريبا منه، كأن يقول في سلعة ثمنها خمسة: أبيعها بعشرة.
([10]) أي الصورة الثالثة، من صور الغبن، ذكرها الماتن بقوله: والمسترسل قال ابن القيم: وفي الحديث ((غبن المسترسل ربا)) واختار الشيخ ثبوت خيار
الغبن لمسترسل لم يماكس، وهو المذهب، وقال: لا يربح على المسترسل أكثر من غيره، قال: وهو الذي لا يماكس، بل يقول: أعطني، والجاهل بقيمة المبيع، فلا يغبن غبنا فاحشا، لا هذا ولا هذا، وكذا المضطر الذي لا يجد حاجته إلا عند شخص، ينبغي أن لا يربح عليه إلا كما يربح على غيره.
([11]) أي يشاح في المبيع، ويناقص في الثمن، ويحاط صاحبه، من بائع ومشتر، فيثبت له الخيار، لأنه حصل له الغبن لذلك، ولجهله بالبيع، أشبه القادم من سفر.
([12]) أي من قولهم: استرسل إذا اطمأن وسكن، وفي القاموس: استرسل إليه، انبسط واستأنس، ضد استوحش، وقال أحمد: المسترسل الذي لا يماكس، بل يسترسل إلى البائع، ويقول: أعطني هذا: معتمدا على صدق غيره، لسلامة سريرته فينقاد له انقياد الدابة لقائدها.
([13]) أي فإذا غبن غبنا يخرج عن العادة، ثبت له الخيار، ويقبل قوله بيمينه أنه جاهل بالقيمة، ما لم تكن قرينة تكذبه، لخبر حبان «فقل: لا خلابة» أي لا خديعة، وأما من له خبرة بسعر المبيع، ويدخل على بصيرة بالغبن، ومن غبن لاستعجاله في البيع، ولو تثبت لم يغبن، فلا خيار لعدم التغرير.
([14]) أي ولا أرش لمغبون مع إمساك مبيع، في صور الغبن الثلاث، لأن الشرع لم يجعله له، ولم يفته جزء من مبيع يأخذ الأرش في مقابلته، بل إما أن يرده ويأخذ ثمنه، أو لا يرده بخلاف الرد بالعيب على ما يأتي.
([15]) لما فيه من التغرير للمشتري، والغش المنهي عنه، ويحرم تعاطي أسبابه، ثم هذا التحريم ليس خاصا بالثلاث الصور، بل يحرم أن تبيع ما يساوي سبعة بعشرة، قال شيخنا: وهذا كثير في بياعات الناس، فلا يصح ، ويستثنى منه أحوال الموسم، فما كان من زيادة السوق أيام الموسم فلا يدخل فيه، ولا يقال: غبن، لأنه حدوث رغبة،والعقد صحيح في الصور الثلاث، لما تقدم في تلقي الركبان.
([16]) أي لا يسقط إلا بما يدل على الرضا، من تصرف ونحوه، كخيار العيب.



  #5  
قديم 17 جمادى الأولى 1431هـ/30-04-2010م, 03:16 PM
ريحانة الجنان ريحانة الجنان غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الثاني
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 133
افتراضي الشرح المختصر على متن زاد المستقنع للشيخ صالح بن فوزان الفوزان

( الثالثُ) (37): إذا غُبِنَ في الْمَبيعِ غَبْنًا يَخْرُجُ عن العادةِ(38)، وبزيادةِ الناجِشِ، والمستَرْسِلِ(39).



(37) أي : من أنواع الخيار خيار الغبن بسكون الباء مصدر : غبنه يغبنه إذا خدعه في البيع ، إذا حصل فللمغبون الخيار بين الإمساك والرد .
(38) لأنه لم يرد الشرع بتحديده فرجع فيه إلى العرف مما عده الناس غبناً يخرج عن العادة أوجب الخيار .
(39) هاتان من صور الغبن ، والناجش : من يزيد في السلعة ولا يريد شراءها ، والمسترسل : من يجهل القيمة ولا يحسن المماكسة .


  #6  
قديم 14 ربيع الثاني 1432هـ/19-03-2011م, 04:04 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

الثَّالِثُ: إِذا غُبِنَ في المَبِيْعِ غَبْناً يَخْرُج عَن العَادَةِ وبِزِيَادَةِ النَّاجِشِ وَالمُستَرسِلِ.
قوله: «الثالث: إذا غبن في المبيع غبناً يخرج عن العادة» «الثالث» أي: من أقسام الخيار، خيار الغبن، وأشار إليه بقوله: ((إذا غبن في المبيع)) ، وكذلك إذا غبن في الثمن، فإذا كان الثمن غير نقود أو كان نقوداً مغشوشة أو ما أشبه ذلك، فالمهم أنه غبن في المبيع غبناً يخرج عن العادة، والغبن معناه الغلبة، أي: إذا غلب غلبة تخرج عن العادة فله الخيار، فالمؤلف قيد الغبن بأن يخرج عن العادة، فمثلاً إذا غبن بريال واحد من مليون بأن اشترى أرضاً بمليون وهي تساوي مليوناً إلا ريالاً، فهذا مما يتغابنه الناس، وواحد من ألف كذلك، وواحد من مائة كذلك لا يخرج عن العادة، وهل واحد من عشرة يعتبر غبناً؟.
الظاهر لي يعتبر غبناً، ولا سيما إذا كانت السيولة بأيدي الناس عزيزة؛ لأن واحداً من عشرة ربما يكون صعباً على كثير من الناس إذا كانت السيولة قليلة، أما مع وفرة المال، فقد يقال: واحد من عشرة ليس بشيء.
وقال بعض العلماء: إن الغبن الذي يخرج عن العادة هو واحد من خمسة، ونسبة واحد من خمسة إلى المائة عشرون في المائة، ولكن في القلب من هذا شيء، بل يقال: إذا جعلنا الأمر مرتبطاً بالعادة فهو أحسن، فإن اختلفنا نرجع إلى أهل الخبرة، إلى الدلاَّلين المعتبرين في البلد، فيقال: ما تقولون إذا غبن في واحد من عشرة؟ وقد يقال: أيضاً إنه يختلف باختلاف الأموال، بعضها الواحد من عشرة غبن، وبعضها غير غبن.
فإذا غُبن الإنسان غبناً يخرج عن العادة، فهل له الخيار به أو لا خيار له؟
يرى بعض العلماء أنه لا خيار له إلا إذا اشترط لنفسه وتحفظ، ويستدلون بحديث الرجل الذي شكى لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه يُغبن في البيوع، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((إذا بايعت فقل: لا خلابة)) ، فكان يبايع ويقول: لا خلابة[(1)]، فقالوا: إن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ جعله يشترط لنفسه أن لا خلابة، أي أن لا غلبة، فلو كان هذا الغبن موجباً للخيار بدون شرط، لقال له الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ: إذا غبنت فرد ما غبنت به، ولم يقل له: إذا بايعت فقل: لا خلابة.
هذا رأي لبعض العلماء وهو قوي جداً، ويرى آخرون أنه يثبت به الخيار وإن لم يشترط، قالوا: إن هذا من الغش والخيانة، ولو لم نثبت الفسخ لكان في ذلك فتح لباب الغش والخيانة، والشارع يأتي بدرء المفاسد وجلب المصالح، فما دمنا نعرف أن في هذا درءاً للمفسدة وقطعاً على أهل الخيانة والغش طريقهم، فإن الواجب سلوك هذا الطريق، وهذا تعليل قوي، ولكنه يحتاج إلى الإجابة عن الحديث؛ لأن صاحب القول إذا رجح قوله لا بد أن يأتي بالمرجحات، وبالدافعات التي تدفع قول خصمه، فيقولون: إنما أمره الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ أن يشترط وإن كان ثابتاً له بدون اشتراط، لأمرين:
الأول: أنه إذا قال: «لا خلابة»، صار له الخيار فيما غلب فيه سواء كان يخرج عن العادة أم لا يخرج؛ لأن «لا» نافية للجنس، و«خلابة» نكرة في سياق «لا» النافية للجنس فتفيد العموم، أي: لا خلابة، قليلة أو كثيرة.
الثاني: قطع النزاع بين الطرفين لأنه إذا لم يشترط أنه لا خلابة، يمكن للبائع أن يقول: أنا ما غلبتك، فبمجرد ما يقول: لا خلابة، فإن البائع يمتنع من الخلابة من أول الأمر؛ لأنه إذا شرط عليه سيعرف أنه إذا غبن سوف يرد عليه، فهذا فائدة إرشاد النبي صلّى الله عليه وسلّم هذا الرجل لاشتراط أن لا غبن، وعلى هذا يتوجه أن القول الراجح إثبات خيار الغبن، سواء شرط أو لم يشترط.
وقوله: «يخرج عن العادة» أحالنا المؤلف إلى العرف، فما عدّه الناس غبناً فهو غبن، وما لم يعدّوه غبناً فليس بغبن، وقدره بعض العلماء بالثلث، وبعضهم بالربع، وبعضهم بالخمس.
ولكن ما ذهب إليه المؤلف أولى أن يرجع في ذلك إلى العادة، والمحكم في العادة هم أصحاب الخبرة، فإذا قالوا: هذا غبن؛ لأنه يخرج عن العادة، قلنا: يثبت الخيار له.
مسألة: هل خيار الغبن مقيد بشيء معين، أو متى حصل الغبن حصل له الخيار؟.
الجواب: هذه المسألة فيها خلاف، أما المذهب فإن خيار الغبن مخصص بثلاث صور:
الصورة الأولى: تلقي الركبان، أي: أن يخرج عن البلد ليتلقى الجالبين إليه فيشتري منهم، ومن المعلوم أن هذا المتلقي سوف يشتري بأقل من الثمن، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((لا تلقوا الجلب، فمن تلقاه فاشترى منه ـ أي: من الجلب ـ فإذا أتى سيده السوق ـ وهو البائع ـ فهو بالخيار)) [(2)]، هذا خيار غبن.
وقوله: «فهو بالخيار» إذا قال قائل: الحديث مطلق «فهو بالخيار» ، ولم يقل: إذا غبن؟.
فالجواب: أنه يحمل على الغالب المعتاد؛ لأن الجالب إذا قدم للسوق، ولم يجد أنه غبن فإنه لن يفسخ، إذ لا فائدة من الفسخ ثم البيع مرة أخرى، فيحمل الحديث على أنه إذا غبن، وإن كان ظاهر الحديث الخيار مطلقاً.
الصورة الثانية: قوله: «وبزيادة الناجش» «الباء» في قوله: «بزيادة» للسببية، أي: بسبب زيادة الناجش، والناجش اسم فاعل من نَجَش يَنْجُش، وأصل النجش الإثارة، فإثارة الشيء نجشه.
والناجش هو من يزيد في السلعة، وهو لا يريد شراءها، وإنما يريد الإضرار بالمشتري، أو نفع البائع، أو الأمرين جميعاً.
مثال ذلك: عرضت سلعة للسوم فصار الناس يتزايدون فيها، وكان أحد هؤلاء يزيد في الثمن، وهو لا يريد الشراء، ولكن من أجل منفعة البائع؛ لأنه صاحبه، أما هو فلا يريد السلعة، أو يريد إضرار المشتري؛ لأنه عدوه، أو يريد نفع نفسه كأن يكون عنده سلعة مثلها فزاد في ثمنها لأجل أن يزيد ثمن سلعته، أو يريد أن يقول الناس: فلان ما شاء الله يزيد في السلعة، وهذا معناه أنه عنده أموال وتاجر.
فالضابط هو: أن يزيد وهو لا يريد الشراء، وإنما يريد غرضاً آخر، فإذا غبن المشتري بسبب هذه الزيادة غبناً يخرج عن العادة فإن له الخيار.
والنجش محرم؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى عنه فقال: ((لا تناجشوا)) [(3)] ولأنه يورث العداوة والبغضاء بين المسلمين؛ لأنه إذا علم أن هذا ينجش من أجل الإضرار بالمشترين كرهوه وأبغضوه، ثم عند الفسخ في الغبن ربما لا يرضى البائع بالفسخ، فيحصل بينه وبين المشتري عداوة أيضاً.
الصورة الثالثة: قوله: «والمسترسل» وهو المنقاد مع غيره المطمئن إلى قوله، هذا في اللغة.
وفي الاصطلاح: من جهل القيمة ولم يحسن المماكسة.
والمماكسة هي المحاطة في الثمن، وهي التي تعرف عندنا بالمكاسرة، فإذا أتى إلى صاحب الدكان، وقال: بكم هذه الحاجة؟ قال: بعشرة ريالات، وهو رجل يجهل القيمة ولا يحسن أن يماكس فأخذها بعشرة، فلما عرضها على الناس، قالوا: هذه بخمسة ريالات، قال: ما علمت، فنسمي هذا مسترسلاً له الخيار؛ لأنه إذا كانت قيمة الشيء بخمسة، واشتراها بعشرة فهذا غبن يخرج عن العادة فله الخيار، والدليل أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ((من غش فليس منا)) [(4)]، وهو من الخيانة للمسلمين، وكل من غش فيجب أن يحال بينه وبين مأربه، فإن كان يعلم القيمة ويدري أن قيمتها خمسة، ولكنه أخذها بعشرة تطييباً لقلب البائع، كما يعمله بعض الناس مثلاً إذا وجد رجلاً فقيراً عنده بسطة صغيرة، قال: بكم هذه يا فلان؟ قال: بعشرة وهو يعرف أنها بخمسة فأخذها بعشرة فلا يكون مسترسلاً؛ لأنه يعلم القيمة، وكذلك لو رأى مع صبي دجاجة تساوي عشرة، قال: بكم يا بني هذه؟ قال: هذه يا عم بعشرين وهو يدري أنها تساوي عشرة، لكن جبراً لقلب هذا الصبي وإدخالاً للسرور عليه، قال: خذ هذه العشرين، ثم بعدئذٍ ندم قال: كيف أبذل عشرين بما يساوي عشرة؟ فرجع إلى الصبي وقال: يا بني غبنتني فلا خيار له؛ لأنه يعلم القيمة ودخل على بصيرة.
وقوله في الروض[(5)]: «ولم يحسن المماكسة» ظاهره أنه إذا كان يحسن المماكسة فإنه لا خيار له ولو غبن، مثاله: رجل يجهل قيمة الأشياء لكنه جيد في المماكسة، فأتى إلى صاحب الدكان، وقال له: كم قيمة هذا المسجل؟ قال: قيمته مائتا ريال وصاحب الدكان وضع ورقة عليه صغيرة وكتب عليها مائتي ريال، وهو جيد في المماكسة، لكن ظن أن هذه قيمته في الأسواق، فأخذ المسجل ثم لما عرضه على إخوانه، قالوا: هذا يباع في السوق بثمانين ريالاً، فغبن بمائة وعشرين، فرجع إلى الرجل، وقال له: هذا بثمانين ريالاً، فعلى كلام المؤلف لا خيار له؛ لأنه يحسن المماكسة ويقدر أن يحاطه في الثمن حتى يصل إلى الثمانين.
ولكن الصحيح أن له الخيار لجهله بالقيمة ولتغرير البائع به، فلا ينبغي إلا أن نعامل البائع بنقيض قصده لما غره، ونقول: له الخيار.
فإذا قال: هذا الرجل يعرف البيع والشراء لماذا لم يماكسني؟.
نقول: جزاه الله خيراً وثق بك ولست أهلاً للثقة، والآن له الخيار.
ومن المناجشة وهي نوع من الاسترسال أن يقول البائع للمشتري: أعطيت في السلعة كذا وهو يكذب، والمشتري سوف يقول: إذا كانت سيمت بمائتين فسأشتريها بمائتين وعشرة، وفعلاً اشتراها بمائتين وعشرة، وتبين أن قيمتها مائة وخمسون فإن له الخيار؛ لأنه غبن على وجه يشبه النجش.
ومن ذلك ـ أيضاً ـ إذا قال: اشتريتها بمائة وهو كاذب اشتراها بخمسين فأخذها المشتري بمائة وخمسة؛ ليربح ذاك خمسة ريالات، وتبين أنه اشتراها بخمسين فإنه له الخيار؛ لأن هذا من النجش؛ لأنه استثار المشتري حتى اشتراها بأكثر من ثمنها.
فإن قيل: ما حكم النجش، وما حكم أن يفعل ما يسترسل معه المشتري؟.
فالجواب: كله حرام؛ لأنه خلاف ما يجب أن يكون عليه المؤمن لأخيه، فقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) [(6)].
فإن قيل: بعض الباعة إذا سئل عن قيمة السلعة، قال: قيمتها مائة وهو يبيعها بثمانين، لكنه يخشى أن يكون المشتري ممن يماكسون، فقال: بمائة على تقدير أنه سيماكس حتى تنزل إلى ثمانين، فهل يجوز له ذلك؟.
الجواب: فيه تفصيل، إذا كان المشتري سيطمئن ويأخذها بما قدره فهذا حرام؛ لأنه من الغش، وإن كان البائع إذا رأى المشتري عازماً على الأخذ، قال له: اصبر يا أخي أنا قلت لك: بمائة؛ لأن بعض الناس يماكسني ويضطرني إلى أن أنزل، ولكن قيمتها الحقيقية ثمانون فهذا جائز، وإن كان فيه شيء بالنسبة للبائع، لكن هو الذي جنى على نفسه؛ لأنه إذا قال: يا أخي القيمة ثمانون، لكني قلت لك بمائة خوفاً من المماكسة فإن المشتري سوف لا يطمئن ـ أيضاً ـ إلى أن القيمة ثمانون، ولهذا نجد بعض المشترين إذا قال له البائع هذا الكلام يأنف ويستنكف ويذهب إلى غيره، فيقال للبائع: قل الثمن ثمانون ولا مماكسة، إن أخذ فهذا المطلوب وإن لم يأخذ فالسلعة باقية.
ويوجد ـ أيضاً ـ بعض الناس إذا جاءه الرجل المحنك الجيد في المماكسة أعلمه بالثمن فَوراً، وإذا جاءه الرجل الذي يكون سليم الصدر، ولا يعرف أو امرأة أو فتى شاب لا يعرف الأمور زاد عليهم في الثمن، فهذا لا يجوز؛ لأنه أخذ للناس بالغرات، فالإنسان الغرير له عنده ثمن، والذكي الجيد له ثمن فهذا حرام، فالواجب أن يكون مخلصاً ناصحاً للعباد؛ لأن هذا من الدين.
فإن قال قائل: هل الغبن يكون للبائع أيضاً؟
الجواب: نعم وهذه تقع كثيراً لا سيما فيما سبق من الزمان، ـ فمثلاً ـ يعلم التاجر بأن السكر ارتفعت قيمته، فيذهب إلى من عندهم السكر، ويشتري كل ما عندهم بالقيمة الحاضرة، وهم لا يعلمون أن قيمته ارتفعت فيكون غبناً ولا شك، وهم لم يفرطوا في الواقع في مثل الصورة التي ذكرتها الآن؛ لأنه باع على أن هذه القيمة، وأن الأسعار مستقرة.
والحاصل أنه كما أن للمشتري الحق إذا غبن في فسخ البيع، فللبائع الحق إذا غبن في فسخ البيع ولا فرق.



[1] أخرجه البخاري في البيوع/ باب ما يكره من الخداع في البيع (2117)؛ ومسلم في البيوع/ باب ما يخدع في البيع (1533) عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ.
[2] سبق تخريجه ص(287).
[3] أخرجه البخاري في الأدب/ باب {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ} ... (6066)؛ ومسلم في البر والصلة/ باب تحريم الظن (2563) (30) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
[4] أخرجه مسلم في الإيمان/ باب قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((من غشنا فليس منا)) (164) (101)، وأبو داود في البيوع/ باب في النهي عن الغش (3452) والترمذي في البيوع/ باب ما جاء في كراهية الغش... (315) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
[5] حاشية ابن قاسم على الروض المربع (4/436).
[6] سبق تخريجه ص(201).


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الثالث, خيار

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:49 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir