دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20 ذو الحجة 1429هـ/18-12-2008م, 01:55 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي إعمال اسم الفاعل

إعمالُ اسمِ الفاعلِ

كفعْلِهِ اسمُ فاعلٍ في العَمَلِ = إنْ كانَ عنْ مُضِيِّهِ بِمَعْزِلِ
ووَالِيَ استفهامًااوْ حَرْفَ نِدَا = أوْ نَفيًا اوْ جَا صِفةً أوْ مُسْنَدَا
وقدْ يكونُ نعتَ محذوفٍ عُرِفْ = فيَسْتَحِقُّ العملَ الذي وُصِفْ
وإنْ يكُنْ صِلةَ ألْ ففِي الْمُضِي = وغيرِهِ إعمالُهُ قد ارْتُضِي

  #2  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 12:01 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ابن عقيل (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


إِعْمَالُ اسمِ الفاعِلِ([1])
كفِعْلِهِ اسمُ فاعلٍ في العَمَلِ = إنْ كانَ عن مُضِيِّهِ بِمَعْزِلِ ([2])

لا يَخْلُو اسمُ الفاعِلِ مِن أنْ يَكونَ مُعَرَّفاً بألْ، أو مُجَرَّداً، فإنْ كانَ مُجَرَّداً عَمِلَ عَمَلَ فِعْلِه مِن الرفْعِ والنَّصْبِ؛ إنْ كانَ مُستَقْبَلاً أو حَالاً، نحوُ: "هذا ضارِبٌ زَيداً الآنَ، أو غَداً".
وإنما عَمِلَ لِجَرَيَانِه على الفعْلِ الذي هو بِمَعناهُ، وهو الْمُضارِعُ، ومَعنى جَرَيانِه عليه أنه مُوَافِقٌ له في الحركاتِ والسَّكَناتِ؛ لِمُوافَقَةِ "ضارِبٍ" لـ "يَضْرِبُ" فهو مُشْبِهٌ للفعْلِ الذي هو بِمَعناهُ لفْظاً ومَعنًى.
وإنْ كانَ بِمَعنى الْمَاضي لم يَعْمَلْ؛ لعَدَمِ جَريانِه على الفعْلِ الذي هو بِمَعناه، فهو مُشْبِهٌ له مَعْنًى، لا لَفْظاً، فلا تَقولُ: "هذا ضارِبٌ زَيداً أَمْسِ"، بل يَجِبُ إضافتُه فتَقولُ: "هذا ضارِبُ زَيْدٍ أَمْسِ"، وأَجازَ الكِسائيُّ إِعمالَه، وجَعَلَ مِنه قولَه تعالى: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ}، فـ "ذِرَاعَيْهِ" مَنصوبٌ بـ "باسِطٌ"، وهو ماضٍ، وَخَرَّجَه غيرُه على أنَّه حِكايةُ حالٍ مَاضِيَةٍ([3]).
ووَلِيَ استفهاماً او حَرْفَ نِدَا = أو نَفياً اوْ جَا صِفةً أو مُسْنَدَا ([4])
أَشارَ بهذا البيتِ إلى أنَّ اسمَ الفاعِلِ لا يَعمَلُ إلاَّ إذا اعتَمَدَ على شيءٍ قَبْلَه؛ كأنْ يَقَعَ بعدَ الاستفهامِ، نحوُ: "أَضَارِبٌ زَيْدٌ عَمْراً"، أو حرْفِ النداءِ، نحوُ: "يا طالِعاً جَبَلاً"، أو النفْيِ، نحوُ: "ما ضارِبٌ زَيْدٌ عَمْراً"، أو يَقَعَ نَعْتاً، نحوُ: "مَررْتُ برَجُلٍ ضارِبٍ زَيْداً"، أو حَالاً، نحوُ: "جاءَ زَيدٌ راكِباً فَرَساً"، ويَشمَلُ هَذينِ النَّوعينِ قولُه: "او جَا صِفَةً". وقولُه: "أو مُسْنَدَا" معناه: أنَّه يَعْمَلُ إذا وقَعَ خَبَراً، وهذا يَشْمَلُ خَبَرَ الْمُبتدَأِ، نحوُ: "زيدٌ ضارِبٌ عَمْراً"، وخبَرَ ناسخِه، أو مَفعولَهُ، نحوُ: "كانَ زيدٌ ضارِباً عَمْراً، وإنَّ زَيداً ضارِبٌ عَمْراً، وظَنَنْتُ زيداً ضارِباً عَمْراً، وأَعْلَمْتُ زَيداً عَمْراً ضارِباً بكْراً".
وقد يكونُ نعتَ محذوفٍ عُرِفْ = فيَسْتَحِقُّ العَمَلَ الذي وُصِفْ ([5])
قد يَعْتَمِدُ اسمُ الفاعِلِ على مَوصوفٍ مُقَدَّرٍ، فيَعْمَلُ عَمَلَ فِعْلِه؛ كما لو اعتَمَدَ على مَذكورٍ، ومِنه قولُه:
256- وكَمْ مَالِئٍ عَيْنَيْهِ مِنْ شَيْءِ غَيْرِهِ = إذَا رَاحَ نحوَ الْجَمْرَةِ البِيضُ كالدُّمَى([6])
فـ"عَيْنَيْهِ" مَنصوبٌ بـ "مَالِئٍ"، و"مَالِئٍ" صِفَةٌ لِمَوصوفٍ مَحذوفٍ، وتَقديرُه: وكمْ شخْصٍ مالِئٍ، ومِثلُه قولُه:
257- كناطِحٍ صَخْرَةً يَوْماً ليُوهِنَها = فلَمْ يَضِرْهَا وأَوْهَى قَرْنَهُ الوَعِلُ([7])
التقديرُ: كوَعِلٍ ناطِحٍ صَخْرَةً.
وإنْ يَكُنْ صِلةَ ألْ ففِي الْمُضِي = وغيرِهِ إعمالُه قدِ ارْتُضِي ([8])
إذا وَقَعَ اسمُ الفاعِلِ صِلَةً للألِفِ واللامِ، عَمِلَ ماضِياً ومستَقْبَلاً وحالاً؛ لِوُقُوعِه حِينَئذٍ مَوْقِعَ الفعْلِ؛ إذْ حَقُّ الصِّلَةِ أنْ تَكونَ جُملةً، فتَقولُ: "هذا الضارِبُ زَيْداً الآنَ، أو غَداً، أو أَمْسِ".
هذا هو الْمَشهورُ مِن قَوْلِ النَّحْوِيِّينَ، وزَعَمَ جماعةٌ مِن النَّحْوِيِّينَ، مِنهم الرُّمَّانِيُّ، أنَّه إذا وَقَعَ صِلَةً لألْ لا يَعمَلُ إلاَّ مَاضِياً، ولا يَعْمَلُ مُستَقْبَلاً ولا حالاً، وزَعَمَ بعضُهم أنَّه لا يَعْمَلُ مُطلَقاً، وأنَّ المنصوبَ بعْدَه مَنصوبٌ بإضمارِ فِعْلٍ، والعَجَبُ أنَّ هَذينِ الْمَذْهَبَيْنِ ذَكَرَهما الْمُصَنِّفُ في (التَّسهيلِ)، وزَعَمَ ابنُه بدْرُ الدِّينِ في شَرْحِه أنَّ اسمَ الفاعِلِ إذا وقَعَ صِلَةً للألِفِ واللامِ عمِلَ مَاضِياً ومُستَقْبَلاً وحالاً باتِّفاقٍ، وقالَ بعْدَ هذا أيضاً: ارْتَضَى جميعُ النَّحْوِيِّينَ إعمالَه. يَعنِي إذا كانَ صِلَةً لألْ.


([1]) عَرَّفَ ابنُ مالِكٍ في تَسهيلِه اسمَ الفاعِلِ بأنه (الصِّفَةُ الدالَّةُ على فاعِلِ الْحَدَثِ، الجارِيَةُ في مُطْلَقِ الحرَكَاتِ والسَّكَنَاتِ على المضارِعِ مِن أَفعالِها في حالَتَيِ التذكيرِ والتأنيثِ، الْمُفيدَةُ لِمَعْنَى المضارِعِ أو الماضِي).

([2]) (كفِعْلِه) الجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحذوفٍ خَبَرٌ مقَدَّمٌ، وفِعْلِ مُضافٌ وضَميرُ الغائبِ مُضافٌ إليه، (اسمُ) مبتدَأٌ مؤَخَّرٌ، واسمُ مضَافٌ و(فاعِلٍ) مُضافٌ إليه، (في العمَلِ) مُتَعَلِّقٌ بما تَعَلَّقَ به الجارُّ والمجرورُ السابِقُ الواقِعُ خَبَراً، (إنْ) شَرطيَّةٌ، (كانَ) فعْلٌ ماضٍ ناقِصٌ، فعْلُ الشرْطِ، واسْمُه ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقديرُه هو يَعودُ إلى اسمُ فاعِلٍ، (عن مُضِيِّهِ) الجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بقولِه: (مَعْزِلِ) الآتي، ومُضِيِّ مُضافٌ والضميرُ مُضافٌ إليه، (بِمَعْزِلِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبَرُ كانَ، وجَوابُ الشرْطِ محذوفٌ يَدُلُّ عليه سابِقُ الكلامِ، وتَقديرُ الكلامِ: إنْ كانَ بِمَعْزِلٍ عن مُضِيِّهِ فهو كفِعْلِه في العمَلِ.

([3]) معنَى حِكايَةِ الحالِ: أنْ يُقَدِّرَ المتكلِّمُ نفْسَه مَوجوداً في وقْتِ حُصولِ الحادِثَةِ، فيَتكلَّمَ على ما يَقتَضِيهِ، والدليلُ على صِحَّةِ ذلك في الآيةِ الكريمةِ قولُه سُبحانَه: {وَنُقَلِّبُهُمْ}، ولا يَخْفَى عليكَ أنَّ المرادَ بالمتكلِّمِ الذي يَفْرِضُ نفْسَه غيرُ اللهِ تعالى.

([4])، (ووَلِيَ) فعْلٌ ماضٍ، ويَحْتَمِلُ أنْ تَكونَ الواوُ عاطِفَةً، فيَكونَ مَعطوفاً على (كانَ)، ويَحْتَمِلُ أنْ تَكونَ الواوُ واوَ الحالِ، فالجُملةُ منه ومِن فاعِلِه الْمُسْتَتِرِ فيه في مَحَلِّ نصْبٍ حالٌ، وقَبْلَها (قد) مُقَدَّرَةٌ، (استفهاماً) مَفعولٌ به لوَلِيَ، (أو) عاطِفَةٌ، (حرْفَ) معطوفٌ على قولِه: (استفهاماً)، وحرْفُ مُضافٌ و(نِدَا) قُصِرَ للضَّرورَةِ: مُضافٌ إليه، (أو نَفْياً) معطوفٌ على (استفهاماً) أو عاطِفَةٌ، (جَا) قُصِرَ للضرورة: فعْلٌ ماضٍ معطوفٌ على وَلِيَ، وفيه ضَميرٌ مُستَتِرٌ فاعلٌ، (صِفَةً) حالٌ مِن فاعِلِ جاءَ، (أو) حرْفُ عطْفٍ، (مُسنَدَا) معطوفٌ على قولِه: (صِفةً).

([5]) (وقد) حرْفُ تَقليلٍ، (يَكونُ) فعْلٌ مُضارِعٌ ناقِصٌ، واسمُه ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقديرُه هو يَعودُ إلى اسمِ الفاعِلِ، (نعْتَ) خبَرُ يَكونُ، ونعْتَ مُضافٌ و(مَحذوفٍ) مُضافٌ إليه، (عُرِفْ) فعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ للمَجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقديرُه هو، والجُملَةُ في مَحَلِّ جَرٍّ نعْتٌ لقولِه: (محذوفٍ)، (فيَسْتَحِقُّ) فعْلٌ مُضارِعٌ معطوفٌ بالفاءِ على يَكونُ، وفاعلُه ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه، (العمَلَ) مَفعولٌ به ليَسْتَحِقُّ، (الذي) اسمٌ مَوْصُولٌ نعْتٌ للعمَلَ، وجُملةُ (وُصِفْ) مِن الفعْلِ الماضِي الْمَبْنِيِّ للمَجهولِ ونائبِ الفاعلِ المستَتِرِ فيه لا مَحَلَّ لها صِلَةُ الذي.

([6]) 256 - البيتُ لعُمرَ بنِ أبي رَبيعةَ الْمَخزومِيِّ.
اللُّغَةُ: (الْجَمْرَةِ) مُجتَمَعُ الْحَصَى بِمِنًى، (البِيضُ) جمْعُ بَيْضَاءَ، وهو صِفَةٌ لموصوفٍ مَحذوفٍ؛ أي: النساءُ البِيضُ، مِثلُ (الدُّمَى) جَمْعُ دُمْيَةٍ – بضَمِّ الدالِ فيهما – كقولِك: غُرْفَةٌ وغُرَفٌ، والدُّمْيَةُ: الصُّورَةُ مِن العاجِ، وبها تُشَبَّهُ النساءُ في الْحُسْنِ والبَيَاضِ تُخالِطُه صُفْرَةٌ.
المعنى: يَقولُ: كثيرٌ مِن الناسِ يَتطَلَّعونَ إلى النِّساءِ الْجَميلاتِ الْمُشْبِهاتِ للدُّمَى في بَيَاضِهِنَّ وحُسْنِهِنَّ وقْتَ ذَهابِهِنَ إلى الْجَمَرَاتِ بِمِنًى، ولكنَّ الناظِرَ إليهِنَّ لا يَفِيدُ شَيئاً.
الإعرابُ: (وكَمْ) خَبَرِيَّةٌ مُبتَدَأٌ، (مَالِئٍ) تَمييزٌ لكَمْ مَجرورٌ بِمِنِ الْمُقَدَّرَةِ أو بإضافَةِ (كَمْ) إِلَيْهِ، على الْخِلافِ المعروفِ، وفي مَالِئٍ ضَميرٌ مُستَتِرٌ فاعِلٌ، وخَبَرُ المُبْتَدَأِ – وهو كَمْ – مَحذوفٌ، تَقديرُه: لا يَفيدُ مَن نَظَرَه شَيْئاً، أو نحوُ ذلك، (عَيْنَيْهِ) مَفعولٌ به لِمَالِئٍ، والضميرُ مُضافٌ إليه، (مِن شَيْءِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بِمَالئٍ، وشيءِ مُضافٌ وغيرِ مِنْ (غَيْرِه) مُضافٌ إليه، وغيرِ مُضافٌ، وضَميرُ الغائِبِ مُضافٌ إليه، (إذا) ظَرفيَّةٌ، (راحَ) فعْلٌ ماضٍ، (نحوَ) مَنصوبٌ على الظَّرفيَّةِ الْمَكانِيَّةِ يَتعلَّقُ برَاحَ، ونحوَ مُضافٌ (والْجَمْرَةِ) مُضافٌ إليه، (الْبِيضُ) فاعِلُ راحَ، (كالدُّمَى) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ حالٌ مِن البِيضِ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (مَالِئٍ عَيْنَيْهِ)؛ حيثُ عَمِلَ اسمُ الفاعِلِ، وهو قولُه: (مَالِئٍ) النصْبَ في المفعولِ به؛ بسببِ كونِه مُعتَمِداً على مَوصوفٍ مَحذوفٍ مَعلومٍ مِن الكلامِ، وتَقديرُه: وكَمْ شَخْصٍ مَالِئٍ... إلخْ.

([7]) 257 - البيتُ للأَعْشَى مَيمونِ بنِ قَيْسٍ، مِن لاَمِيَّتِه الْمَشهورَةِ، وهو مِن شَواهِدِ الأَشْمُونِيِّ، (رَقْم 698).
اللُّغَةُ: (لِيُوهِنَها) مُضارِعُ أَوْهَنَ الشيءَ إذا أَضْعَفَه، ومِن الناسِ مَن يَرْوِيهِ: (لِيُوهِيَهَا) على أنَّه مُضارِعُ أَوْهَى الشيءَ يُوهِيهِ – مِثلُ أَعطاهُ يُعطِيهِ – ومَعناهُ: أضْعَفَ أَيْضاً، (يَضِرْهَا) مُضارِعُ ضَارَهُ يَضِيرُه ضَيْراً؛ أيْ: أَضَرَّ به، (وأَوْهَى) أَضْعَفَ، (الوَعِلُ) بزِنَةِ كَتِفٍ، ذَكَرُ الأَرْوَى.
المعنَى: إنَّ الرجُلَ الذي يُكَلِّفُ نفْسَه ما لا سَبيلَ له إليه، ولا مَطمَعَ له فيه، كالوَعِلِ الذي يَنْطَحُ الصخْرَةَ ليُضْعِفَها، فلا يُؤَثِّرُ فيها شَيئاً، بل يُضْعِفُ قَرْنَه ويُؤْذِيهِ.
الإعرابُ: (كنَاطِحٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبَرٌ لِمُبتَدَأٍ مَحذوفٍ، تَقديرُه: هو كائنٌ كنَاطِحٍ، ونحوُه، وناطِحٍ – في الأصْلِ – صِفَةٌ لِمَوصوفٍ محذوفٍ، وأَصْلُ الكلامِ: كوَعِلٍ نَاطِحٍ، فحُذِفَ الموصوفُ وأُقِيمَتْ صِفَتُه مَقامَه؛ كقَولِه تعالَى: {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ}؛ أي: اعْمَلْ دُرُوعاتٍ سابِغاتٍ. وفِي (ناطِحٍ) ضميرٌ مُستَتِرٌ فاعِلٌ، (صَخْرَةً) مَفعولٌ به لنَاطِحٍ، (يَوْماً) ظرْفُ زَمانٍ مُتَعَلِّقٌ بنَاطِحٍ، (ليُوهِنَها) اللامُ لامُ كَيْ، يُوهِنَ: فعْلٌ مُضارِعٌ مَنصوبٌ بأنِ الْمُضمَرَةِ بعْدَ لامِ التعليلِ، وفاعلُه ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه جَوازاً، وها: مَفعولٌ به، (فلَمْ) نَافِيَةٌ جازِمَةٌ، (يَضِرْها) يَضِرْ: فعْلٌ مُضارِعٌ مَجزومٌ بلَمْ، وفيه ضَميرٌ مُستَتِرٌ فاعلٌ، وها: مَفعولٌ به، (وأَوْهَى) فعْلٌ ماضٍ، (قَرْنَهُ) قَرْنَ: مَفعولٌ به تَقَدَّمَ على الفاعِلِ، والضميرُ الْمُتَّصِلُ به يَعودُ على الفاعِلِ المتأخِّرِ في اللفْظِ، وساغَ ذلك؛ لأنَّ رُتبَتَه التقديمُ على المفعولِ، (الوَعِلُ) فاعِلُ أَوْهَى، وقد استَعْمَلَ الظاهِرَ مكانَ المضمَرِ، والأصْلُ أنْ يقولَ: (فلَمْ يَضِرْها وأَوْهَى قَرْنَه)، فيَكونُ في (أَوْهَى) ضميرٌ مُستَتِرٌ هو الفاعِلُ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (كناطِحٍ صَخرةً)، حيثُ أَعْمَلَ اسمَ الفاعِلِ – وهو قولُه: (ناطِحٍ) - عمَلَ الفعْلِ، ونصَبَ به مَفعولاً، وهو قولُه: (صَخرةً)؛ لأنه جارٍ على مَوصوفٍ محذوفٍ مَعلومٍ مِن الكلامِ، كما تَقَدَّمَ في البَيتِ قَبْلَه، وكما قَرَّرْناهُ في إعرابِ هذا البيتِ.

([8]) (وإنْ) شَرطيَّةٌ، (يَكنْ) فعْلٌ مُضارِعٌ ناقِصٌ فعْلُ الشرْطِ، واسْمُه ضَميرٌ مُستَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقديرُه هو، يَعودُ على اسْمِ الفاعِلِ، (صِلَةَ) خبَرُ يَكُنْ، وصلَةُ مُضافٌ و(ألْ) قَصَدَ لفْظَه: مُضافٌ إليه، (ففِي الْمُضِي) الفاءُ لرَبْطِ الجوابِ بالشرْطِ، والجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بـ (ارْتُضِي) الآتِي في آخِرِ البيتِ، و(غيرِه) الواوُ عاطِفَةٌ، وغيرِ: معطوفٌ بالواوِ على الْمُضِيِّ، وغيرِ مُضافٌ والهاءُ مُضافٌ إليه، (إعمالُه) إعمالُ: مُبتدَأٌ، وإعمالُ مُضافٌ والهاءُ مُضافٌ إليه، (قدْ) حرْفُ تَحقيقٍ، (ارْتُضِي) فعْلٌ ماضٍ مَبنيٌّ للمَجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقديرُه هو يَعودُ إلى إعمالُ، والجُملَةُ في مَحَلِّ رفْعٍ خَبَرُ المبتدَأِ.


  #3  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 12:03 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


هذَا بَابُ إِعْمَالِ اسْمِ الفَاعِلِ
وهو: مَا دَلَّ علَى الحَدَثِ والحُدُوثِ وفَاعِلِهِ.
فخَرَجَ بالحُدُوثِ نَحْوُ: (أَفْضَل) و(حَسَن) فإنَّهُمَا إنَّمَا يَدُلاَّن علَى الثُّبُوتِ، وخَرَجَ بذِكْرِ فَاعِلِهِ نَحْوُ: (مَضْرُوب) و(قَامَ)(21).
فإِنْ كانَ صِلَةً لأل عَمِلَ مُطْلَقاً([1]) ، وإِنْ لَمْ يَكُنْ عَمِلَ بشَرْطَيْنِ([2]):
أَحَدُهُمَا: كَونُهُ للحَالِ أو الاستِقْبَالِ([3]) ، لا المَاضِي، خِلافاً للكِسَائِيِّ، ولا حُجَّةَ لهُ فِي: {بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ}([4]) ؛ لأنَّهُ علَى حِكَايَةِ الحَالِ، والمَعْنَى: يَبْسُطُ ذِرَاعَيْهِ، بدَلِيلِ: {وَنُقَلِّبُهُمْ}، ولَمْ يَقُلْ: وقَلَّبْنَاهُمْ.
والثَّانِي: اعْتِمَادُهُ علَى اسْتِفْهَامٍ أو نَفْيٍ أو مُخْبَرٍ عَنْهُ أو مَوْصُوفٍ، نَحْوُ: (أضَارِبٌ زَيْدٌ عَمْراً)، و(مَا ضَارِبٌ زَيْدٌ عَمْراً) و(زَيْدٌ ضَارِبٌ أَبُوهُ عَمْراً) و(مَرَرْتُ برَجُلٍ ضَارِبٌ أَبُوهُ عَمْراً).
والاعتِمَادُ علَى المُقَدَّرِ كالاعتِمَادِ على المَلْفُوظِ بهِ، نَحْوُ: (مُهِينٌ زَيْدٌ عَمْراً أم مُكْرِمُهُ)؛ أي: أمُهِينٌ، ونَحْوُ: {مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ}([5]) ؛ أي: صِنْفٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ، وقَوْلُهُ:
371- كَنَاطِحٍ صَخْرَةً يَوْماً لِيُوهِنَهَا([6])
أي: كَوَعْلٍ نَاطِحٍ، ومِنْهُ (يَا طَالِعاً جَبَلاً)؛ أي: يَا رَجُلاً طَالِعاً، وقَوْلُ ابْنِ مَالِكٍ: (إنَّهُ اعْتَمَدَ علَى حَرْفِ النِّدَاءِ) سَهْوٌ؛ لأنَّهُ مُخْتَصٌّ بالاسْمِ؛ فكَيْفَ يَكُونُ مُقَرَّباً مِنَ الفِعْلِ.


([1]) المُرَادُ بالإِطْلاقِ أنَّهُ يَعْمَلُ، سَوَاءٌ أكَانَ بمَعْنَى المَاضِي أم بمَعْنَى غَيْرِهِ، وسَوَاءٌ أكانَ مُعْتَمِداً على شَيْءٍ ممَّا سَيَذْكُرُهُ في النَّوْعِ الثَّانِي أم لم يَكُنْ مُعْتَمِداً علَى شَيْءٍ مِنْهَا.

([2]) بَقِيَ شَرْطَانِ آخَرَانِ، وهُمَا: ألاَّ يَكُونَ مُصَغَّراً، وألاَّ يَكُونَ مَوْصُوفاً، وخَالَفَ الكِسَائِيُّ فِيهِمَا جَمِيعاً.

([3]) السِّرُّ في اشْتِرَاطِ هذا الشَّرْطِ هو أنَّ اسْمَ الفَاعِلِ إنَّمَا عَمِلَ بالحَمْلِ على الفِعْلِ المُضَارِعِ، والفِعْلُ المُضَارِعُ المَحْمُولُ علَيْهِ إنَّمَا يَدُلُّ علَى الزَّمَانِ الحَاضِرِ أو الزَّمَانِ المُسْتَقْبَلِ، فإذا أُرِيدَ باسْمِ الفَاعِلِ الزَّمَانُ المَاضِي فقَدْ زَالَ شَبَّهَهُ بالفِعْلِ المُضَارِعِ، فلَمْ يَبْقَ وَجْهٌ لعَمَلِهِ.

([4]) سُورَةُ (الكَهْفُ)، الآيَةُ: 18. وقد ظَنَّ الكِسَائِيُّ ومَنْ وَافَقَهُ كهِشَامٍ وأَبِي جَعْفَرٍ أنَّ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ: {بَاسِطٌ} بمَعْنَى المَاضِي، ولَكِنَّ الجُمْهُورَ رَدُّوا ذلك وقَالُوا: إِنَّ هذهِ القِصَّةَ حِكَايَةُ حَالٍ، ومَعْنَى ذلكَ أنْ يَفْرِضَ المُتَكَلِّمُ حينَ كَلامِهِ أنَّ القِصَّةَ وَاقِعَةٌ الآنَ فهو يَصِفُهَا، وعلى هذا لا يَكُونُ {بَاسِطٌ} مَاضِياٌ، ولَكِنَّهُ حَاضِرٌ.

([5]) سُورَةُ (النَّحْلُ)، الآيَةُ: 69. والتَّمْثِيلُ بالآيَةِ الكَرِيمَةِ في هذَا المَوْضِعِ إمَّا سَهْوٌ وإما مَبْنِيٌّ على رَأْيٍ ضَعِيفٍ، وبَيَانُ ذلك أنَّ عَمَلَ اسْمِ الفَاعِلِ الذي يُشْتَرَطُ لهُ الاعتِمَادُ على شَيْءٍ ممَّا ذُكِرَ إنَّمَا هو نَصْبُه للمَفْعُولِ بهِ، أمَّا رَفْعُهُ للفَاعِلِ مُطْلَقاً فلا يُشْتَرَطُ لهُ شَيْءٌ ممَّا ذُكِرَ، وهذا هو الصَّحِيحُ المُعْتَمَدُ عِنْدَ النُّحَاةِ، ولَيْسَ في الآيَةِ مَفْعُولٌ بهِ حتَّى نَلْتَمِسَ لاسْمِ الفَاعِلِ الذي هو {مُخْتَلِفٌ} شَيْئاً يَعْتَمِدُ علَيْهِ، فاعْرِفْ ذلك وكُنْ بهِ حَفِيًّا. والرَّأْيُ الضَّعِيفُ الذي أَشَرْنَا إليهِ هو أنَّ الاعتِمَادَ على شَيْءٍ ممَّا ذُكِرَ شَرْطٌ في رَفْعِهِ الفَاعِلَ الظَّاهِرَ كما أنَّهُ شَرْطٌ في نَصْبِهِ المَفْعُولَ بهِ، فأمَّا رَفْعُهُ الضَّمِيرَ المُستَتِرَ فهو الذي لا يُشْتَرَطُ له الاعْتِمَادُ، وفي الآية التي تَلاهَا المُؤَلِّفُ رَفَعَ اسْمُ الفَاعِلِ الذي هو مُخْتَلِفٌ فَاعِلاً هو اسْمٌ ظَاهِرٌ وهو أَلْوَانُهُ، فكانَ لا بُدَّ لهُ – على هذا القَوْلِ – مِن الاعْتِمَادِ، فلهذا قَدَّرْنَا المَوْصُوفَ بمُخْتَلِفٍ ليَكُونَ مُعْتَمِداً عَلَيْهِ.

([6]) 371- هذا الشَّاهِدُ مِن كَلامِ الأَعْشَى مَيْمُونِ بْنِ قَيْسٍ، وما ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ ههنا صَدْرُ بَيْتٍ مِن البَسِيطِ، وعَجُزُهُ قَوْلُهُ:

*فَلَمْ يَضِرْهَا وَأَوْهَى قَرْنَهُ الوَعِلُ*

اللُّغَةُ: (نَاطِحٍ) تَقُولُ: نَطَحَ الثَّوْرُ أو الكَبْشُ أو نَحْوُهُمَا، تُرِيدُ أنَّهُ ضَرَبَ بقَرْنِهِ. (لَمْ يَضِرْهَا) تَقُولُ: ضَارَهُ يُضِيرُهُ ضَيْراً، ومَعْنَاهُ ضَرَّهُ أو نَقَصَهُ. (أَوْهَى) أَضْعَفَ. (الوَعْلُ) بفَتْحِ الوَاوِ وكَسْرِ العَيْنِ، وفيهِ لُغَةٌ أُخْرَى حَكَاهَا اللَّيْثُ بضَمِّ الوَاوِ وكَسْرِ العَيْنِ، على الوَزْنِ النَّادِرِ أو المُهْمَلِ – هو تَيْسُ الجَبَلِ، وأَكْثَرُ أَهْلِ اللُغَةِ على أنَّ الأُنْثَى تُسَمَّى أَرْوِيَةً، وحَكَى في اللِّسَانِ أنَّهُ يُقَالُ للأُنْثَى: وَعْلَةٌ، ويُجْمَعُ الوَعْلُ علَى أَوْعَالٍ ووُعُولٍ ووُعْلٍ، بضَمٍّ فسُكُونٍ في الأخِيرِ.
المَعْنَى: يَقُولُ: إنَكَ تُكَلِّفُ نَفْسَكَ مَا لا قِبَلَ لكَ بِهِ، وتُجَشِّمُهَا مَا يُضْعِفُكَ هَوْلُهُ ولا تَنَالُ مِنْهُ مَنَالاً، ولا يَعُودُ ضَرَرُهُ إلا علَيْكَ، وإنَّمَا مِثْلُكَ فيمَا تَصْنَعُ مِثْلُ تَيْسٍ جَبَلِيٍّ يَضْرِبُ صَخْرَةً بقَرْنِهِ يَظُنُّ أنَّهُ يَفْلِقُهَا فلا يَنَالُ مِنْهَا ويَنْكَسِرُ قَرْنُهُ.
الإعْرَابُ: (كَنَاطِحٍ) الكَافُ حَرْفُ جَرٍّ مَبْنِيٌّ على الفَتْحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعْرَابِ، ونَاطِحٍ: مَجْرُورٌ بالكَافِ، وأَصْلُهُ صِفَةٌ لمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ، وتَقْدِيرُ الكَلامِ: كَوَعْلٍ نَاطِحٍ، والجَارُّ والمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بمَحْذُوفٍ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، والتَّقْدِيرُ: أنتَ كنَاطِحٍ، وفي نَاطِحٍ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ تَقْدِيرُهُ هو، وهو فَاعِلُهُ؛ لأنَّهُ اسْمُ فَاعِلٍ يَعْمَلُ عَمَلَ الفِعْلِ، فيَرْفَعُ الفَاعِلَ دَائِماً، ويَنْصِبُ المَفْعُولَ إنْ كَانَ فِعْلُهُ مُتَعَدِّياً واسْتَكْمَلَ ما ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ مِن الشُّرُوطِ. (صَخْرَةً) مَفْعُولٌ بهِ لنَاطِحٍ مَنْصُوبٌ بالفَتْحَةِ الظَّاهِرَةِ. (لِيُوهِنَهَا) اللاَّمُ لامُ (كَيْ) مَبْنِيٌّ على الكَسْرِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعْرَابِ، يُوهِنَ: فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَنْصُوبٌ بأن المُضْمَرَةِ بَعْدَ لامِ التَّعْلِيلِ، وفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يَعُودُ إلى النَّاطِحِ، وضَمِيرُ الغَائِبَةِ العَائِدُ إلى الصَّخْرَةِ مَفْعُولٌ بهِ، وأَنِ المَصْدَرِيَّةِ معَ ما دَخَلَتْ عليهِ في تَأْوِيلِ مَصْدَرٍ مَجْرُورٍ بلامِ التَّعْلِيلِ، والجَارُّ والمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بنَاطِحٍ. (فَلَمْ) الفَاءُ حَرْفُ عَطْفٍ، لمْ: حَرْفُ نَفْيٍ وجَزْمٍ وقَلْبٍ. (يَضِرْهَا) يَضِرْ: فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَجْزُومٌ بلَمْ وعَلامَةُ جَزْمِهِ السُّكُونُ، وفَاعِلُهُ ضَمِيرُ النَّاطِحِ مُسْتَتِراً فيهِ جَوَازاً.
وضَمِيرُ الغَائِبَةِ العَائِدُ إلى الصَّخْرَةِ مَفْعُولٌ بهِ. (وَأَوْهَى) الوَاوُ حَرْفُ عَطْفٍ، أَوْهَى: فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ على فَتْحٍ مُقَدَّرٍ على الألِفِ مَنَعَ مِن ظُهُورِهِ التَّعَذُّرُ. (قَرْنَهُ) قَرْنَ: مَفْعُولً بهِ لأَوْهَى، وقَرْنَ: مُضَافٌ وضَمِيرُ الغَائِبِ مُضَافٌ إليْهِ. (الوَعْلُ) فَاعِلُ أَوْهَى مَرْفُوعً بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ.
الشَّاهِدُ فيهِ: قَوْلُهُ: (نَاطِحٍ صَخْرَةً) حَيْثُ أَعْمَلَ اسْمَ الفَاعِلِ وهو قَوْلُهُ: (نَاطِحٍ) إِعْمَالَ فِعْلِهِ؛ فنَصَبَ بهِ المَفْعُولَ بهِ وهُو (صَخْرَةً) معَ أنَّهُ غَيْرُ مُعْتَمِدٍ في الظَّاهِرِ علَى شَيْءٍ، لكنَّهُ لمَّا كانَ في المَعْنَى مُعْتَمِداً؛ لكَوْنِ نَاطِحٍ صِفَةً لمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ، والأصْلُ (كَوَعْلٍ نَاطِحٍ) رَاعَى ذلك المَعْنَى واعْتَبَرَهُ مُعْتَمِداً فأَعْمَلَهُ.


  #4  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 12:03 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني


إعمالُ اسمِ الفاعلِ

428 - كَفِعْلِهِ اسْمُ فَاعِلٍ فِي العَمَل = إِنْ كَانَ عِنْ مُضِيِّهِ بِمَعْزِلِ
(كَفِعْلِهِ اسْمُ فَاعِلٍ فِي العَمَل) واسمُ الفاعلِ هو: الصفةِ الدَّالةُ على فاعلٍ جاريةً في التذكيرِ والتأنيثِ على المضارعِ مِنْ أفعالِها لمعنَاه أو معنَى الماضي كذا عرَّفَهُ في (التسهيلِ).
فالصفةُ: جنسٌ والدَّالةُ على فاعلٍ ؛ لإخراجِ اسمِ المفعولِ وما بمعناه، وجاريةً في التذكيرِ والتأنيث ِعلى المضارعِ مِنْ أفعالِها: لإخراجِ الجاريةِ على الماضي، نحوُ: "فَرِحَ" وغيرُ الجاريةِ نحوُ: "كريمٍ" وفي التذكيرِ والتأنيثِ لإخراجِ: نحوِ "أَهْيَفُ" فإنَّه لا يَجرِي على المضارِع إلا في التذكيرِ ولمعناه أو معنى الماضي: لإخراجِ نحوِ: "ضامرِ الكَشِْح".
مِنَ الصفةِ المشبَّهَةِ.
ويعمَلُ اسمُ الفاعلِ عمَلَ فِعْلِه في التعدِّي واللزُومِ (إِنْ كَانَ عِنْ مُضِيِّهِ بِمَعْزِلِ) بأنْ كانَ بمعنَى الحالِ أو الاستقبالِ ؛ لأنه إنما عمَلَ حملًا على المضارعِ، وهو كذلك.
429 - وَوَلِيَ اسْتِفْهَامًا، أَوْ حَرْفَ نِدَا = أَوْ نَفْيًا،اوْ جَا صِفَةً، أَوْ مُسْنَدًا
(وَوَلِيَ) مَا يَقْرِبُهُ مِنَ الفعليَّةِ، بأَنْ وَلِيَ (اسْتِفْهَامًا) ملفوظًا به، نحوُ: "أضاربٌ زيدٌ عَمْرًا"؟ وقولُه:
أَمُنْجِزٌ أَنْتُمُ وَعْدًا وَثِقْتُ بِهِ
أو مقدَّرًا نحوُ: "مُهِينٌ زيدٌ عَمْرًا أَمْ مُكْرِمُهُ"؟ (أَوْ حَرْفَ نِدَا)، نحوُ "يَا طَالِعًا جَبَلًا" والصوابُ أنَّ النداءَ ليسَ مِنْ ذلك، والمسوغُ إنما هو الاعتمادُ على الموصوفِ المقدَّرِ، والتقديرُ: "يَا رجُلًا طالعًا جبلًا" (أو نفيًا) نحوُ: "ما ضَارِبٌ زيدٌ عمرًا" (اوْ جَا صِفَةً) إِمَّا لمذكورٍ، نحوُ: "مررْتُ برجلٍ قائدٍ بعيرًا" ومنه الحالُ: نحوُ: "جاءَ زيدٌ راكبَا فرسًا" أو محذوفٍ وسيأتي، (أو مسندًا) لمبتدأٍ أو لما أصلُه المبتدأُ نحو: "زيدٌ مكرِمٌ عمرًا" و"إنَّ زيدًا مكرِمٌ عمرًا".
فإن تخلَّفَ شرطً من هذين لم يعمَلْ بأنْ كانَ بمعنَى الماضي خلافًا للكِسَائِيِّ، ولا حجَّةَ له في {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ} فإنَّه على حكايةِ الحالِ والمعنَى يُبْسِطُ ذراعية، بدليلِ ما قبلَه وهو {وَنُقَلِّبُهُمْ} ولم يقُلْ وَقَلَّبْنَاهُمْ، أَوْ لَمْ يَعْتَمِدْ على شيءٍ ممَّا سَبَقَ خلافًا للكوفيِّين والأخفشِ فلا يجوزُ: ضاربٌ زيدًا أمسِ.
تنبيهانِ: الأَوَّلُ: هذا الخلافُ في عمَلِ الماضي دونَ "أل" بالنسبةِ إلى المفعولِ به، وأما رفْعُه الفاعلَ فذهبَ بعضُهم إلى أنه لا يرفَعُ الظاهرُ وبهِ قال ابنُ جنِّي والشَّلَوْبِينُ، وذهبَ قومٌ إلى أنَّه يرفَعُه وهو ظاهرُ كلامِ سيبويهِ، واختارَه ابنُ عصفورٍ وأما المضمرُ فحكَى ابنُ عصفورٍ الاتِّفاقَ على أنَّه يرفَعُه، وحكَى غيرُه عنِ ابْنِ طاهرٍ وابْنِ خَرُوفٍ المنعَ وهو بعيدٌ.
الثاني: مِنْ شروطِ إعمالِ اسمِ الفاعلِ المجرَّدِ أيضًا: أنْ لا يكونُ مصغَّرًا ولا موصوفًا خلافًا للكِسَائِيِّ فيهما لأنَّهما يختصَّانِ بالاسمِ فيَبْعُدَانِ الوصفَ عَنِ الفعليَّةِ ولا حُجَّةَ له في قولِ بعضِهم: " أَظُنُّنِي مُرْتَحِلًا وَسُوَيِّرًا فَرْسَخًا". لأنَّ "فَرْسَخًا" ظرفٌ يكتفِي برائحةِ الفعلِ، وقالَ بعضُ المتأخِّرِينَ: إِنْ لم يُحْفَظْ له مُكَّبَرٌ جازَ كما في قولِه [من الطويل]:
696 - فَمَا طَعْمُ َراحٍ فِي الزجَاجِ مُدَامَةٍ = تَرَقْرَقُ فِي الأَيْدِي كُمَيْتٍ عَصِيرُهَا
حيثُ رفعَ "عصيرُها" بـ "كُمَيْتٍ" ولا حُجَّةَ له أيضًا على إعمالِ الموصوفِ في قولِه [من الطويل]:
697 - إِذَا فَاقِدٌ خَطْبَاءَ فَرْخَيْنِ رَجَّعَتْ = ذَكَرْتُ سُلَيْمَى فِي الخَلِيطِ المُزَايِلِ
إِذَ "فَرْخَيْنِ" نُصِبَ بفعلٍ مضمرٍ يفسِّرُه فاقدٌ، والتقديرُ: فقدْتُ فَرْخَيْنِ ؛ لأنَّ فَاقِدَ ليسَ جاريًا على فِعْلِه في التأنيثِ فلا يعمَلُ ؛ إذْ لا يقالُ: "هذه امرأةٌ مُرْضِعٌ ولدَها" ؛ لأنه بمعنى النسبِ قالَ في (شرحِ التسهيلِ): ووافَقَ بعضُ أصحابِنَا الكِسَائِيَّ في إعمالِ الموصوفِ قبلَ الصفةِ ؛لأنَّ ضَعْفَه يحصُلُ بعدَها لا قبلَها، ونقلَ غيرُه أنَّ مذهبَ البصريِّينَ والفراءَ هو هذا التفصيلُ، وأنَّ مذهبَ الكسائِيِّ وباقِي الكوفيِّينَ إجازةُ ذلك مُطْلَقًا.
430 - وَقَدْ يَكُونُ نَعْتَ مَحْذُوفٍ عُرِفْ = فَيَسْتَحِقُّ العَمَلَ الذِي وُصِفْ
(وَقَدْ يَكُونُ) اسمُ الفاعلِ (نَعْتَ مَحْذُوفٍ عُرِفْ = فَيَسْتَحِقُّ العَمَلَ الذِي وُصِفْ) مع المنعوتِ الملفوظِ به، نحوُ: {مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ} أي: صِنْفٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ وقولُه [من البسيط]:
698 - كَنَاطِحٍ صَخْرَةً يَوْمًا لِيُوهِنَهَا = فَلَمْ يَضِرْهَا وَأَوْهَى قَرْنَهُ الوَعِلُ
أي: كوعِلٍ نَاطِحٍ ومنُه "يَا طَالِعًا جَبَلًا" أي: يا رجُلًا طالعًا جبلًا
تنبيهٌ: الِاستفهامُ المُقَدَّرُ أيضًا كالملفوظِ، نحوُ: "مُهِينٌ زَيدٌ عمرًا أمْ مكرِمُه؟" أي: أمهينٌ.
431 - وَإِنْ يَكُنْ صِلَةَ أَلْ فَفِي المُضِي = وَغَيْرِه إِعْمَالُه قَدِ ارْتُضِي
(وَإِنْ يَكُنْ) اسمُ الفاعلِ (صِلَةُ ألْ فَفِي المُضِيِّ * وغيرِهِ إِعْمَالُه قَدِ ارْتُضِي) قالَ في (شرحِ الكافيةِ): بلا خلافٍ وتبِعَه ولدُه لكنَّه حكَى الخلافَ في (التسهيلِ) فقالَ وليسَ نصبُ ما بعد المقرونِ بـ "أل" مخصوصًا بِالمضيِّ خلافًا للمازنِيِّ ومَنْ وافقَه, ولا على التشبيهِ بالمفعولِ به خلافًا للأخفشِ, ولا بفعلٍ مضمرٍ خلافاً لقومٍ على أنَّهُ قولُه: "قد ارتضَي" يُشْعِرُ بذلك، والحاصلُ أربعةُ مذاهبَ، المشهورُ أنَّهُ يعمَلُ مطلقًا لوقوعِه موقعًا يجِبُ تأويلُه بالفعلِ.

  #5  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 12:04 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان


إعْمَالُ اسْمِ الْفَاعِلِ
عمَلُ اسمِ الفاعلِ وشُروطُهُ
428- كَفِعْلِهِ اسْمُ فَاعِلٍ فِي الْعَمَلِ = إنْ كَانَ عَنْ مُضِيِّهِ بِمَعْزِلِ
429- وَوَلِيَ اسْتِفْهَاماً أوْ حَرْفَ نِدَا = أوْ نَفْياً أوْ جَا صِفَةً أوْ مُسْنَدَا
430- وَقَدْ يَكُونُ نَعْتَ مَحْذُفٍ عُرِفْ = فَيَسْتَحِقُّ الْعَمَلَ الَّذِي وُصِفْ
هذا النَّوْعُ الثاني مِن الأسماءِ العامِلَةِ عَمَلَ الفعلِ، وهوَ اسمُ الفاعلِ، وكذا صِيَغُ المبالَغَةِ.
تعريفُ اسمِ الفاعلِ
واسمُ الفاعلِ: اسمٌ مُشْتَقٌّ للدَّلالةِ على مَعْنًى مُجَرَّدٍ حادثٍ، وعلى فاعلِهِ.
فقولُنا: اسمٌ مُشْتَقٌّ؛ أيْ: مأخوذٌ مِنْ مَصدرِ الثلاثيِّ؛ كـ(نَادِمٍ) أوْ غيرِهِ كـ(مُكْرِمٍ).
وقَوْلُنا: على مَعْنًى مُجَرَّدٍ، هوَ الحدَثُ الخالِي عن الزمانِ؛ كالقيامِ والقعودِ ونحوِهما.
وقولُنا: حَادِثٌ؛ أيْ: عارِضٌ يَتغيَّرُ ويَزولُ. وهذا هوَ الغالبُ في اسمِ الفاعلِ، ويَخرُجُ بهذا الصفةُ الْمُشَبَّهَةُ واسمُ التفضيلِ؛ لأنَّهُما للثبوتِ، لا للتجَدُّدِ والحدوثِ.
وقولُنا: (وَعَلَى فَاعِلِه)؛ أيْ: مَنْ حَدَثَ منهُ الفعْلُ وصَدَرَ عنهُ؛ كضارِبٍ. وهذا يُخْرِجُ اسمَ المفعولِ كمضروبٍ؛ لأنَّهُ يُشْتَقُّ لِمَنْ وَقَعَ عليهِ الْحَدَثُ.

أحوالُ اسمِ الفاعلِ
1- عَمَلُ المُجَرَّدِ
واسمُ الفاعلِ لا يَخْلُو مِنْ حالَيْنِ:
الأُولَى: أنْ يَكُونَ مُقْتَرِناً بـ(أَلْ)، وهذا سَيَأْتِي حُكْمُهُ إنْ شاءَ اللَّهُ.
الثانيَةُ: أنْ يكونَ مُجَرَّداً منها، وهذا يَرفعُ الفاعلَ مُطْلَقاً بلا شَرْطٍ؛ نحوُ: اللَّهُ عَالِمٌ ببواطنِ الأمورِ، ففي (عالِمٌ) ضميرٌ مُسْتَتِرٌ هوَ الفاعلُ، وكقولِهِ تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ}، فَـ ( أَلْوَانُهُ ) فَاعِلٌ لاسمِ الفاعلِ.
وأمَّا نَصْبُهُ المفعولَ بهِ فلا بُدَّ مِنْ شَرطَيْنِ:
الأوَّلُ: أنْ يكونَ للحالِ أو الاستقبالِ، وذلكَ لأنَّ اسمَ الفاعِلِ - كما يقولونَ - إنَّما عَمِلَ لِجَريانِهِ على الفِعْلِ الذي هوَ بمعناهُ، وهوَ المضارِعُ، ومَعْنَى جَريانِهِ عليهِ أنَّهُ مُوافِقٌ لهُ في الحركاتِ والسَّكَنَاتِ، بِمَعْنَى: أَنَّ السَّاكِنَ في أَحَدِهِما مُقَابِلٌ في تَرْتِيبِهِ للساكِنِ في الآخَرِ، وكذا المُتَحَرِّكُ، فـ(نَادِمٌ) موافِقٌ لِمُضارِعِهِ (نَنْدَمُ) في كلِّ ما ذُكِرَ.
الشرْطُ الثاني: أنْ يَعْتَمِدَ على شيءٍ قَبْلَهُ؛ كالاستفهامِ نحوُ: أَبَالِغٌ أَنْتَ قَصْدَكَ، فالهمزةُ للاستفهامِ، وَ(بَالِغٌ): مُبتدأٌ، (أَنْتَ): فاعلٌ سَدَّ مَسَدَّ الخبرِ، (قَصْدَكَ): مَفْعُولٌ بهِ لاسمِ الفاعلِ، والكافُ: مُضافٌ إليهِ.
أوْ يَعْتَمِدُ على نَفْيٍ؛ نحوُ: مَا حَامِدٌ السُّوقَ إلاَّ مَنْ رَبِحَ، فـ(حَامِدٌ): مُبتدأٌ، (السُّوقَ): مفعولٌ بهِ لاسمِ الفاعلِ، (إلاَّ): أداةُ استثناءٍ مُلغاةٌ، (مِن): اسمٌ موصولٌ مَبْنِيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ رفْعٍ فاعلٍ سَدَّ مَسَدَّ الخبرِ، (رَبِحَ): صِلةُ الموصولِ.
أو يَعتمِدُ على نِدَاءٍ؛ نَحْوُ: يَا سَائِقاً سَيَّارَةً تَمَهَّلْ، فَـ(يَا): حرْفُ نداءٍ، (سَائِقاً): مُنَادًى مَنصوبٌ، والفاعلُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ، (سَيَّارَةً): مفعولٌ بهِ لاسمِ الفاعلِ.
أَوْ يَقَعُ نَعْتاً لمنعوتٍ مذكورٍ؛ نحوُ: صَحِبْتُ رَجُلاً عارِفاً آدَابَ السَّفَرِ، أوْ لمنعوتٍ محذوفٍ لوُجودِ قَرينةٍ تَدُلُّ عليهِ؛ نحوُ: كَمْ مُعَذِّبٍ نفسَهُ في طَلَبِ الدُّنْيَا يَرَى أنَّهُ أَسْعَدُ النَّاسِ؛ أيْ: كَمْ شَخْصٍ مُعَذِّبٍ نَفْسَهُ.
أوْ يَقَعُ حالاً؛ نحوُ: جاءَ خالدٌ راكباً فَرَساً، قالَ تعالى: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ}.
أوْ يَقَعُ خَبَراً لِمُبتدأٍ؛ نحوُ: أنتَ حافظٌ غَيْبةَ جَارِكَ.
أوْ يَقَعُ خبراً لناسِخٍ؛ نحوُ: إنَّكَ حافظٌ غَيْبَةَ جارِكَ، قالَ تعالى: {مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونَ}.
فإنْ كانَ اسمُ الفاعلِ للماضي لم يَعملْ، فلا يَصِحُّ أنْ تقولَ: محمَّدٌ كَاتِبٌ وَاجِبَهُ أَمْسِ، بنَصْبِ (وَاجِبَهُ)، بلْ يَجِبُ فيهِ الإضافةُ، فنقولُ: محمَّدٌ كاتبُ واجبِهِ أمسِ.
وخالَفَ في ذلكَ الكِسائيُّ، فأجازَ عَمَلَهُ وإنْ كانَ ماضِياً، مُحْتَجًّا بقولِهِ تعالى: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ}، فـ ( بَاسِطٌ ) بمَعْنَى الماضِي، وخَرَّجَهُ غيرُهُ على أنَّهُ حكايَةُ حَالٍ ماضيَةٍ، ومعنى ذلكَ: أنْ يَفْرِضَ المُتَكَلِّمُ حينَ كلامِهِ أنَّ القِصَّةَ وَاقِعَةٌ الآنَ فَهُوَ يَصِفُها، وعَلَيْهِ لا يَكُونُ ( بَاسِطٌ ) ماضياً، وإنَّما هوَ حاضِرٌ، والسِّرُّ في ذلكَ إحضارُهُ في الذِّهْنِ حتَّى كأنَّهُ مُشَاهَدٌ.
وإنْ لم يَعْتَمِد اسمُ الفاعلِ لم يَعْمَلْ، وخالَفَ في ذلكَ الأَخْفَشُ فأجازَ عمَلَهُ، واحتَجَّ بقولِ الشاعِرِ:
خَبِيرٌ بَنُو لِهْبٍ فلا تَكُ مُلْغِياً = مَقالةَ لِهْبِيٍّ إذا الطَّيْرُ مَرَّتِ
فإنَّ قولَهُ: (خَبيرٌ) مُبتدأٌ، وقَوْلَهُ: (بَنُو لِهْبٍ) فاعلٌ سَدَّ مَسَدَّ الخبرِ، ولم يَعتمد اسمُ الفاعلِ على شيءٍ ممَّا ذُكِرَ.
والجمهورُ على اشتراطِ الاعتمادِ كما تَقَدَّمَ، ولا حُجَّةَ للأخفَشِ في هذا البيتِ؛ لِجَوَازِ أنْ يَكُونَ قولُهُ: (خَبِيرٌ) خَبَراً مُقَدَّماً، وقولُهُ: (بَنُو لِهْبٍ) مُبتدأً مُؤَخَّراً، ولا يَضُرُّ الإخبارُ بالمفرَدِ عن الجمْعِ؛ لأنَّ صِيغةَ (فَعِيلٍ) على وزْنِ المصدَرِ؛ كالصَّهِيلِ والنَّعِيقِ، والمصدَرُ يُخْبَرُ بهِ عن المفرَدِ والمثنَّى والجمْعِ، فكذا ما هُوَ على وَزْنِهِ، وقدْ وَرَدَ ذلكَ صريحاً في قولِهِ تعالى: {وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ}، فَـ ( الملائكةُ ) مُبتدأٌ، وَ(ظَهيرٌ) خبرُ المبتدأِ، معَ أنَّ المبتدأَ جَمْعٌ.
وإلى ما تَقَدَّمَ مِنْ عَمَلِ اسمِ الفاعلِ وشُرُوطِهِ قالَ ابنُ مالكٍ: (كفعْلِهِ اسْمُ فاعلٍ في العَمَلِ.. إلخ)؛ أيْ: أنَّ اسمَ الفاعلِ كفِعْلِهِ في العملِ، مُتَعَدِّياً كانَ الفعلُ أوْ لازِماً، بشَرْطِ أنْ يكونَ بِمَعْزِلٍ عن الزمانِ الماضِي؛ أيْ: بمكانٍ بعيدٍ عنهُ، والمرادُ أنَّهُ لا بُدَّ أنْ يكونَ للحالِ أو الاستقبالِ، كما يُشْتَرَطُ أنْ يَلِيَ استفهاماً؛ أيْ: يَقَعَ بعدَ استفهامٍ، أوْ بعدَ حَرْفِ نداءٍ، أوْ بعدَ نَفْيٍ، أوْ يَأْتِيَ اسمُ الفاعلِ صِفَةً، (والمرادُ بها هنا النعْتُ والحالُ)، أوْ مُسْنَداً؛ أيْ: مُخْبَراً بهِ عنْ مُبتدأٍ أوْ ناسخٍ مِن النواسخِ، ثمَّ ذَكَرَ أنَّ اسمَ الفاعلِ قدْ يَقَعُ نَعْتاً لمنعوتٍ محذوفٍ معروفٍ فيَعملُ العمَلَ المذكورَ.
2- عمَلُ اسمِ الفاعلِ الْمُحَلَّى بـ(أَلْ)
431- وَإنْ يَكُنْ صِلَةَ أَلْ فَفِي الْمُضِي = وَغَيْرِهِ إعْمَالُهُ قَدِ ارْتُضِي
هَذِهِ الحَالَةُ الثانيَةُ مِنْ أحوالِ اسمِ الفاعلِ، وَهِيَ أنْ يَكُونَ مُقْتَرَناً بـ(أَلْ)، فَيَعْمَلَ عَمَلَ فِعْلِهِ مُطْلَقاً بغيرِ تَقَيُّدٍ بزَمَنٍ مُعَيَّنٍ، ودُونَ أنْ يَعْتَمِدَ على شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ؛ نحوُ: الكَاتِمُ سِرَّ إِخْوَانِهِ مَحْبُوبٌ، فـ(الكاتِمُ): مُبتدأٌ، وفيهِ ضَميرٌ مُسْتَتِرٌ هوَ الفاعلُ، (سِرَّ): مفعولٌ بهِ لاسمِ الفاعلِ، (محبوبٌ): خبرُ المبتدِأ. ومنهُ قولُهُ تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ}، فـ ( الْغَيْظَ ): مفعولٌ بهِ لاسمِ الفاعلِ الْمُحَلَّى بـ(أَلْ).
وهذا مَعْنَى قولِهِ: (وَإِنْ يَكُنْ صِلَةَ أَلْ.. إلخ)؛ أيْ: وإنْ يَكُن اسمُ الفاعلِ مَبْدُوءاً بـ(أَل) الموصولةِ؛ فإنَّهُ يَعملُ عَمَلَ فِعْلِهِ في الزمانِ الماضِي وغيرِهِ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
اسم, إعمال

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:28 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir