دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة البناء في التفسير > صفحات الدراسة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23 جمادى الآخرة 1436هـ/12-04-2015م, 10:42 AM
الصورة الرمزية هيا أبوداهوم
هيا أبوداهوم هيا أبوداهوم غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 607
افتراضي

تعديل المشاركة السابقة لتخليص مقدمة تفسير ابن جرير :


تلخيص مقاصد مقدمة تفسير ابن جرير الطبري
المقصد العام من الكتاب :
بيان معاني القرآن وشرح تأويله .
بيان الأقوال واتفاق الحجة واختلافها والصواب منها .

المقصد العام من المقدمة :
- الحض على تعلم التفسير وبيان فضله .
-بيان أمور ومعاني مهمة معينة في تأويل القرآن وتفسيره .

المقاصد الفرعية :
القول في البيان عن اتفاق معاني آي القرآن ومعاني اللسان العربي، وفضل بيان القرآن على سائر الكلام.

القول في البيان عن الأحرف التي اتفقت فيها ألفاظ العرب وألفاظ غيرها من بعض أجناس الأمم
القول في اللغة التي نزل بها القرآن من لغات العرب.
بيان نزول القرآن على سبعة أحرف ومعنى حديث نزول القرآن من سبعة أبواب .
القول في الوجوه التي من قِبَلها يوصل إلى معرفة تأويل القرآن.
ذكر بعض الأخبار التي رويت بالنهي عن القول في تأويل القرآن بالرأي.
بيان مسألة صحة تأويل القرآن وذكر الأخبار التي غلط في تأويلها منكرو القول في تأويل القرآن.
القول في تأويل أسماء القرآن وسوره وآيه.
بيان تأويل أسماء سورة الفاتحة .
=============
تلخيص مقاصد مقدمة تفسير ابن جرير :

القول في البيان عن اتفاق معاني آي القرآن ومعاني اللسان العربي، وفضل بيان القرآن على سائر الكلام.

فضل البيان :
- بيان مافي الضمائر والصدور .
- تذليل الألسن ، فسهل توحيد الله وتسبيحه وقديسه .
- سهولة التحاور والتعارف والتعامل .

فضل البيان على من فضلهم به عليه من ذى البكم والمستعجم اللسان:
-قال تعالى ذكره: {أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين} [ الزخرف: 18]
-فضل أهل البيان على أهل البكم والمستعجم اللسان، بفضل اقتدار هذا من نفسه على إبانة ما أراد إبانته عن نفسه ببيانه، واستعجام لسان هذا عما حاول إبانته بلسانه.

فضل بيان القرآن عن سائر الكلام :
-أفضل الكلام كلامه، وأن قدر فضل بيانه، جل ذكره، على بيان جميع خلقه، كفضله على جميع عباده.
-بيان ومنطق القرآن تحدى به امرؤ قوما في زمان هم فيه رؤساء صناعة الخطب والبلاغة، وقيل الشعر والفصاحة، والسجع والكهانة، على كل خطيب منهم وبليغ وشاعر منهم وفصيح.
-دلالته على صدق مقالته، وحجته على حقيقة نبوته- ما أتاهم به من البيان، والحكمة والفرقان، بلسان مثل ألسنتهم، ومنطق موافقة معانيه معاني منطقهم.
-أنبأ جميعهم أنهم عن أن يأتوا بمثل بعضه عجزة، ومن القدرة عليه نقصة. فأقر جميعهم بالعجز، وأذعنوا له بالتصديق، وشهدوا على أنفسهم بالنقص.

موافقة معاني القرآن مع معاني كلام العرب :
- قال جل ثناؤه في محكم تنزيله: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم} [ إبراهيم: 4]. وقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} [ النحل: 64].
- كتاب الله الذي أنزله إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، بلسان محمد صلى الله عليه وسلم. وإذ كان لسان محمد صلى الله عليه وسلم عربيا، فبين أن القرآن عربي.
دليله : فقال جل ذكره: {إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون} [ يوسف: 2]. وقال: {وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين} [ الشعراء: 192-195].
- فبين -إذ كان موجودا في كلام العرب الإيجاز والاختصار، والاجتزاء بالإخفاء من الإظهار، وبالقلة من الإكثار في بعض الأحوال، واستعمال الإطالة والإكثار، والترداد والتكرار، وإظهار المعاني بالأسماء دون الكناية عنها، والإسرار في بعض الأوقات، والخبر عن الخاص في المراد بالعام الظاهر، وعن العام في المراد بالخاص الظاهر، وعن الكناية والمراد منه المصرح، وعن الصفة والمراد الموصوف، وعن الموصوف والمراد الصفة، وتقديم ما هو في المعنى مؤخر، وتأخير ما هو في المعنى مقدم، والاكتفاء ببعض من بعض، وبما يظهر عما يحذف، وإظهار ما حظه الحذف- أن يكون ما في كتاب الله المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم من ذلك، في كل ذلك له نظيرا، وله مثلا وشبيها.



القول في البيان عن الأحرف التي اتفقت فيها ألفاظ العرب وألفاظ غيرها من بعض أجناس الأمم

أدلة وجود ألفاظ غير عربية في القرآن :
-عن أبي موسى: {يؤتكم كفلين من رحمته} [ الحديد: 28]، قال: الكفلان: ضعفان من الأجر، بلسان الحبشة.
-عن ابن عباس: {إن ناشئة الليل} [المزمل: 6] قال: بلسان الحبشة إذا قام الرجل من الليل قالوا: نشأ.
-عن أبي ميسرة: {يا جبال أوبي معه} [سبأ: 10] قال: سبحي، بلسان الحبشة ؟

قال أبو جعفر: وكل ما قلنا في هذا الكتاب "حدثكم" فقد حدثونا به.
- عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن قوله: {فرت من قسورة} [المدثر: 51] قال: هو بالعربية الأسد، وبالفارسية شار، وبالنبطية أريا، وبالحبشية قسورة.
-عن سعيد بن جبير قال: قالت قريش: لولا أنزل هذا القرآن أعجميا وعربيا؟ فأنزل الله تعالى ذكره: {ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء} [فصلت: 44] فأنزل الله بعد هذه الآية في القرآن بكل لسان فمنه: {حجارة من سجيل} [هود: 82] قال: فارسية أعربت "سنك وكل".
-عن أبي ميسرة، قال: في القرآن من كل لسان.

بيان اتفاق كثير من الكلام بلسان الأجناس المختلفة مع لسان العرب :
- وجدنا اتفاق كثير منه فيما قد علمناه من الألسن المختلفة، وذلك كالدرهم والدينار والدواة والقلم والقرطاس، وغير ذلك.

خطأ قول أن في القرآن من كل لسان ومعناه :
معناه : أن فيه من كل لسان اتفق فيه لفظ العرب ولفظ غيرها من الأمم التي تنطق به.
بيان خطأ هذا القول :
غير جائز أن يتوهم على ذي فطرة صحيحة، مقر بكتاب الله، ممن قد قرأ القرآن وعرف حدود الله -أن يعتقد أن بعض القرآن فارسي لا عربي، وبعضه نبطي لا عربي، وبعضه رومي لا عربي، وبعضه حبشي لا عربي ، بعد ما أخبر الله تعالى ذكره عنه أنه جعله قرآنا عربيا. لأن ذلك إن كان كذلك، فليس قول القائل: القرآن حبشي أو فارسي، ولا نسبة من نسبه إلى بعض ألسن الأمم التي بعضه بلسانها دون العرب- بأولى بالتطويل من قول القائل: هو عربي. ولا قول القائل: هو عربي بأولى بالصحة والصواب من قول ناسبه إلى بعض الأجناس التي ذكرنا. إذ كان الذي بلسان غير العرب من سائر ألسن أجناس الأمم فيه، نظير الذي فيه من لسان العرب.

بيان حال الأحرف العربية :
- بيان التسلسل في الرد على من زعم أن الأحرف العربية إنما هي كلام أجناس من الأمم سوى العرب، وقعت إلى العرب فعربته:
1) مطالبته بالبرهان وتوضيح الفرق :
فيقال له :ما برهانك على صحة ما قلت في ذلك، من الوجه الذي يجب التسليم له، فقد علمت من خالفك في ذلك، فقال فيه خلاف قولك؟ وما الفرق بينك وبين من عارضك في ذلك فقال: هذه الأحرف، وما أشبهها من الأحرف غيرها، أصلها عربي، غير أنها وقعت إلى سائر أجناس الأمم غيرها فنطقت كل أمة منها ببعض ذلك بألسنتها- من الوجه الذي يجب التسليم له؟ فلن يقول في شيء من ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله.
2) فإن اعتل في ذلك بأقوال السلف التي قد ذكرنا بعضها وما أشبهها، طولب -مطالبتنا من تأول عليهم في ذلك تأويله- بالذي قد تقدم في بياننا.
وقيل له: ما أنكرت أن يكون من نسب شيئا من ذلك منهم إلى من نسبه من أجناس الأمم سوى العرب، إنما نسبه إلى إحدى نسبتيه التي هو لها مستحق، من غير نفي منه عنه النسبة الأخرى؟ ثم يقال له: أرأيت من قال لأرض سهلية جبلية: هي سهلية، ولم ينكر أن تكون جبلية، أو قال: هي جبلية، ولم يدفع أن تكون سهلية، أناف عنها أن تكون لها الصفة الأخرى بقيله ذلك؟

3)فإن قال: نعم! كابر عقله. وإن قال: لا قيل له: فما أنكرت أن يكون قول من قال في سجيل: هي فارسية، وفي القسطاس: هي رومية- نظير ذلك؟ وسئل الفرق بين ذلك، فلن يقول في أحدهما قولا إلا ألزم في الآخر مثله.


القول في اللغة التي نزل بها القرآن من لغات العرب:
-الله جل ثناؤه أنزل جميع القرآن بلسان العرب دون غيرها من ألسن سائر أجناس الأمم.

الدلالة على نزول القرآن بلسان العرب :
1) اختلاف ألسنة العرب وتباينها ، واختلاف المنطق والكلام .
2) إخبار الله لعباده أنه أنزل القرآن بلسان عربي مبين .
3) تظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك .

الأدلة من السنة :
- عن أبي سلمة، قال: لا أعلمه إلا عن أبي هريرة-: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف، فالمراء في القرآن كفر -ثلاث مرات- فما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه))
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرأوا ما تيسر منها)).



بيان نزول القرآن على سبعة أحرف ومعنى حديث نزول القرآن من سبعة أبواب :

معنى السبعة أحرف :
-والسبعة الأحرف: هو الألسن السبعة. والأبواب السبعة من الجنة: هي المعاني التي فيها، من الأمر والنهي والترغيب والترهيب والقصص والمثل، التي إذا عمل بها العامل، وانتهى إلى حدودها المنتهي، استوجب به الجنة.
-الأحرف السبعة التي أنزل الله بها القرآن، هن لغات سبع، في حرف واحد، وكلمة واحدة، باختلاف الألفاظ واتفاق المعاني.

-والدلالة على صحة ما قلناه - من أنمعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((نزل القرآن على سبعة أحرف))، إنما هو أنه نزل بسبع لغات، كما تقدم ذكرنا من الروايات الثابتة عن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب، وسائر من قد قدمنا الرواية عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنزل القرآن على سبعة أحرف، عليم حكيم، غفور رحيم.
- عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف، لكل حرف منها ظهر وبطن، ولكل حرف حد، ولكل حد مطلع)).
- عن ابن شهاب، قال: حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن ابن عباس حدثه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أقرأني جبريل على حرف، فراجعته، فلم أزل أستزيده فيزيدني، حتى انتهى إلى سبعة أحرف)). قال ابن شهاب: بلغني أن تلك السبعة الأحرف، إنما هي في الأمر الذي يكون واحدا، لا يختلف في حلال ولا حرام.

معنى حديث نزول القرآن من سبعة أبواب الجنة :
- خص الله جل وعز نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم وأمته، بأن أنزل عليهم كتابه على أوجه سبعة من الوجوه التي ينالون بها رضوان الله، ويدركون بها الفوز بالجنة، إذا أقاموها فكل وجه من أوجهه السبعة باب من أبواب الجنة الذي نزل منه القرآن. لأن العامل بكل وجه من أوجهه السبعة، عامل على باب من أبواب الجنة، وطالب من قبله الفوز بها. فالعمل بما أمر الله جل ذكره في كتابه، باب من أبواب الجنة، وترك ما نهى الله عنه فيه؛ باب آخر ثان من أبوابها؛ وتحليل ما حلل الله فيه، باب ثالث من أبوابها؛ وتحريم ما حرم الله فيه، باب رابع من أبوابها؛ والإيمان بمحكمه المبين، باب خامس من أبوابها؛ والتسليم لمتشابهه الذي استأثر الله بعلمه وحجب علمه عن خلقه والإقرار بأن كل ذلك من عند ربه، باب سادس من أبوابها؛ والاعتبار بأمثاله والاتعاظ بعظاته، باب سابع من أبوابها.
دليله :- روي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((كان الكتاب الأول نزل من باب واحد وعلى حرف واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب وعلى سبعة أحرف: زاجر وآمر وحلال وحرام، ومحكم ومتشابه، وأمثال، فأحلوا حلاله وحرموا حرامه، وافعلوا ما أمرتم به، وانتهوا عما نهيتم عنه، واعتبروا بأمثاله، واعملوا بمحكمه، وآمنوا بمتشابهه، وقولوا: آمنا به كل من عند ربنا)).

القراءة من حرف إلى سبعة أحرف :
-كل كتاب تقدم كتابنا نزوله على نبي من أنبياء الله صلى الله عليهم، فإنما نزل بلسان واحد، متى حول إلى غير اللسان الذي نزل به، كان ذلك له ترجمة وتفسيرا لا تلاوة له على ما أنزله الله وأنزل كتابنا بألسن سبعة، بأي تلك الألسن السبعة تلاه التالي، كان له تاليا على ما أنزله الله لا مترجما ولا مفسرا، حتى يحوله عن تلك الألسن السبعة إلى غيرها، فيصير فاعل ذلك حينئذ -إذا أصاب معناه- له مترجما. كما كان التالي بعض الكتب التي أنزلها الله بلسان واحد -إذا تلاه بغير اللسان الذي نزل به- له مترجما، لا تاليا على ما أنزله الله به.

فذلك معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((كان الكتاب الأول، نزل على حرف واحد، ونزل القرآن على سبعة أحرف)).
من الأحاديث الواردة في ذلك :
-عن أبي بن كعب، قال: رحت إلى المسجد، فسمعت رجلا يقرأ، فقلت: من أقرأك؟ فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم. فانطلقت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: استقرئ هذا. قال: فقرأ، فقال: ((أحسنت)). قال فقلت: إنك أقرأتني كذا وكذا! فقال: ((وأنت قد أحسنت)). قال: فقلت: قد أحسنت! قد أحسنت! قال: فضرب بيده على صدري، ثم قال: ((اللهم أذهب عن أُبيٍّ الشك)). قال: ففضت عرقا، وامتلأ جوفي فرقا- ثم قال: ((إن الملكين أتياني، فقال أحدهما اقرأ القرآن على حرف. وقال الآخر: زده. قال: فقلت: زدني. قال: اقرأه على حرفين. حتى بلغ سبعة أحرف، فقال: اقرأ على سبعة أحرف)).
- عن أبي بن كعب رضي الله عنه، قال: ما حاك في صدري شيء منذ أسلمت، إلا أني قرأت آية، فقرأها رجل غير قراءتي، فقلت: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الرجل: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: أقرأتني آية كذا وكذا؟ قال: ((بلى)). قال الرجل: ألم تقرئني آية كذا وكذا؟ قال: ((بلى، إن جبريل وميكائيل أتياني، فقعد جبريل عن يميني، وميكائيل عن يساري، فقال جبريل: اقرأ القرآن على حرف واحد. وقال ميكائيل: استزده، قال جبريل: اقرأ القرآن على حرفين. فقال ميكائيل: استزده. حتى بلغ ستة أو سبعة))
- عن زر، عن أبي، قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عند أحجار المراء فقال: ((إني بعثت إلى أمة أميين، منهم الغلام والخادم والشيخ العاسي والعجوز))، فقال جبريل: فليقرأوا القرآن على سبعة أحرف. ولفظ الحديث لأبي أسامة

موقف الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الإختلاف على قراءة القرآن :
الصحابة تماروا في القرآن، فخالف بعضهم بعضا في نفس التلاوة، دون ما في ذلك من المعاني، وأنهم احتكموا فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستقرأ كل رجل منهم، ثم صوب جميعهم في قراءتهم على اختلافها، حتى ارتاب بعضهم لتصويبه إياهم، فقال صلى الله عليه وسلم للذي ارتاب منهم عند تصويبه جميعهم: ((إن الله أمرني أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف)).
الدليل على ذلك :
-قال تعالى ذكره: {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} [النساء: 82].

وفي نفي الله جل ثناؤه ذلك عن حكم كتابه، أوضح الدليل على أنه لم ينزل كتابه على لسان محمد صلى الله عليه وسلم إلا بحكم واحد متفق في جميع خلقه، لا بأحكام فيهم مختلفة.

ابطال قول من اختلف على القراءة بأوجه أخرى :
1)لأنه صلى الله عليه وسلم قد أمر جميعهم بالثبوت على قراءته، ورضي قراءة كل قارئ منهم - على خلافها قراءة خصومه ومنازعيه فيها- وصوبها. ولو كان ذلك منه تصويبا فيما اختلفت فيه المعاني .
2)وكان قوله صلى الله عليه وسلم: ((أنزل علي القرآن على سبعة أحرف)) إعلاما منه لهم أنه نزل بسبعة أوجه مختلفة، وسبعة معان مفترقة - كان ذلك إثباتا لما قد نفى الله عن كتابه من الاختلاف، ونفيا لما قد أوجب له من الائتلاف.
3)أن الذين تماروا فيما تماروا فيه من قراءتهم فاحتكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لم يكن منكرا عند أحد منهم أن يأمر الله عباده جل ثناؤه في كتابه وتنزيله بما شاء، وينهى عما شاء، ويعد فيما أحب من طاعاته، ويوعد على معاصيه، ويحتم لنبيه ويعظه فيه ويضرب فيه لعباده الأمثال- فيخاصم غيره على إنكاره سماع ذلك من قارئه. بل على الإقرار بذلك كله كان إسلام من أسلم منهم.

أوجه الاختلاف في الأحرف السبعة :
-اختلاف الأحرف السبعة، إنما هو اختلاف ألفاظ، كقولك "هلم وتعال" باتفاق المعاني، لا باختلاف معان موجبة اختلاف أحكام.

وبمثل الذي قلنا في ذلك صحت الأخبار عن جماعة من السلف والخلف.
أدلة ذلك :
-عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال جبريل: اقرأ القرآن على حرف. قال ميكائيل: استزده. فقال: على حرفين. حتى بلغ ستة أو سبعة أحرف، فقال: كلها شاف كاف، ما لم يختم آية عذاب بآية رحمة، أو آية رحمة بآية عذاب، كقولك: هلم وتعال)).
-عن شقيق، قال: قال عبد الله: إني قد سمعت القرأة، فوجدتهم متقاربين فاقرأوا كما علمتم، وإياكم والتنطع، فإنما هو كقول أحدكم: هلم وتعال.
- عن الأعمش، قال: قرأ أنس هذه الآية: (إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأصوب قيلا) فقال له بعض القوم: يا أبا حمزة، إنما هي: {وأقوم} فقال: أقوم وأصوب وأهيأ، واحد.
-عن مجاهد: أنه كان يقرأ القرآن على خمسة أحرف.
-عن سالم: أن سعيد بن جبير كان يقرأ القرآن على حرفين.
- عن مغيرة، قال: كان يزيد بن الوليد يقرأ القرآن على ثلاثة أحرف.
-عن ابن شهاب، قال: أخبرني سعيد بن المسيب: أن الذي ذكر الله تعالى ذكره {إنما يعلمه بشر} [النحل: 103] إنما افتتن أنه كان يكتب الوحي، فكان يملي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: سميع عليم، أو عزيز حكيم، أو غير ذلك من خواتم الآي، ثم يشتغل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على الوحي، فيستفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: أعزيز حكيم، أو سميع عليم أو عزيز عليم؟ فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أي ذلك كتبت فهو كذلك)). ففتنه ذلك، فقال: إن محمدا وكل ذلك إلي، فأكتب ما شئت. وهو الذي ذكر لي سعيد بن المسيب من الحروف السبعة.
- عن أبي إسحاق، عمن سمع ابن مسعود يقول: من قرأ منكم على حرف فلا يتحولن، ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله لأتيته.
-عن عبد الله بن مسعود، قال: من قرأ القرآن على حرف فلا يتحولن منه إلى غيره.
معنى قول عبد الله بن مسعود:
إنما عنى رحمة الله عليه أن من قرأ بحرفه - وحرفه: قراءته، وكذلك تقول العرب لقراءة رجل: حرف فلان، وتقول للحرف من حروف الهجاء المقطعة: حرف، كما تقول لقصيدة من قصائد الشاعر: كلمة فلان- فلا يتحولن عنه إلى غيره رغبة عنه. ومن قرأ بحرف أبي، أو بحرف زيد، أو بحرف بعض من قرأ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض الأحرف السبعة - فلا يتحولن عنه إلى غيره رغبة عنه، فإن الكفر ببعضه كفر بجميعه، والكفر بحرف من ذلك كفر بجميعه يعني بالحرف ما وصفنا من قراءة بعض من قرأ ببعض الأحرف السبعة.

العلة التي أوجبت عليها الثبات على حرف واحد دون سائر الأحرف الستة الباقية:
1) أمرت بحفظ القرآن، وخيرت في قراءته وحفظه بأي تلك الأحرف السبعة شاءت.
2) اختلاف الناس في القرآن بسبب اختلاف القراءة .
3) إشفاقا من عثمان رضي الله عنه عليهم، ورأفة منه بهم، حذار الردة من بعضهم بعد الإسلام، والدخول في الكفر بعد الإيمان.
الأحاديث الواردة في ذلك :
إن حذيفة بن اليمان قدم من غزوة كان غزاها في فرج إرمينية فلم يدخل بيته حتى أتى عثمان بن عفان فقال: "يا أمير المؤمنين: أدرك الناس! فقال عثمان: "وما ذاك؟" قال غزوت فرج إرمينية، فحضرها أهل العراق وأهل الشام، فإذا أهل الشام يقرءون بقراءة أبي بن كعب، فيأتون بما لم يسمع أهل العراق، فيكفرهم أهل العراق. وإذا أهل العراق يقرءون بقراءة ابن مسعود، فيأتون بما لم يسمع أهل الشام، فيكفرهم أهل الشام. قال زيد: فأمرني عثمان بن عفان أكتب له مصحفا، وقال: إني مدخل معك رجلا لبيبا فصيحا، فما اجتمعتما عليه فاكتباه، وما اختلفتما فيه فارفعاه إلي. فجعل أبان بن سعيد بن العاص، قال: فلما بلغا: {إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت} [البقرة: 248] قال: زيد فقلت: "التابوه" وقال أبان بن سعيد: "التابوت"، فرفعنا ذلك إلى عثمان فكتب: "التابوت" قال: فلما فرغت عرضته معه عرضة، فلم أجد فيه هذه الآية: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} إلى قوله: {وما بدلوا تبديلا} [الأحزاب: 23] قال: فاستعرضت المهاجرين أسألهم عنها، فلم أجدها عند أحد منهم، ثم استعرضت الأنصار أسألهم عنها، فلم أجدها عند أحد منهم، حتى وجدتها عند خزيمة بن ثابت، فكتبتها، ثم عرضته عرضة أخرى، فلم أجد فيه هاتين الآيتين: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم} إلى آخر السورة [التوبة: 128، 129] فاستعرضت المهاجرين، فلم أجدها عند أحد منهم، ثم استعرضت الأنصار أسألهم عنها فلم أجدها عند أحد منهم، حتى وجدتها مع رجل آخر يدعى خزيمة أيضا، فأثبتها في آخر "براءة"، ولو تمت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة. ثم عرضته عرضة أخرى، فلم أجد فيه شيئا، ثم أرسل عثمان إلى حفصة يسألها أن تعطيه الصحيفة، وحلف لها ليردنها إليها فأعطته إياها، فعرض المصحف عليها، فلم يختلفا في شيء. فردها إليها، وطابت نفسه، وأمر الناس أن يكتبوا مصاحف. فلما ماتت حفصة أرسل إلى عبد الله بن عمر في الصحيفة بعزمة، فأعطاهم إياها فغسلت غسلا.
-عن أبي قلابة، قال: لما كان في خلافة عثمان، جعل المعلم يعلم قراءة الرجل، والمعلم يعلم قراءة الرجل، فجعل الغلمان يلتقون فيختلفون، حتى ارتفع ذلك إلى المعلمين - قال أيوب: فلا أعلمه إلا قال-: حتى كفر بعضهم بقراءة بعض. فبلغ ذلك عثمان، فقام خطيبا فقال: "أنتم عندي تختلفون فيه وتلحنون، فمن نأى عني من أهل الأمصار أشد فيه اختلافا وأشد لحنا. اجتمعوا يا أصحاب محمد، فاكتبوا للناس إماما". قال أبو قلابة، فحدثني مالك أبو أنس قال: كنت فيمن يملى عليهم، قال: فربما اختلفوا في الآية فيذكرون الرجل قد تلقاها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولعله أن يكون غائبا أو في بعض البوادي، فيكتبون ما قبلها وما بعدها، ويدعون موضعها، حتى يجيء أو يرسل إليه. فلما فرغ من المصحف، كتب عثمان إلى أهل الأمصار: "إني قد صنعت كذا وكذا، ومحوت ما عندي، فامحوا ما عندكم".
-قال ابن شهاب: أخبرني أنس بن مالك الأنصاري: أنه اجتمع لغزوة أذربيجان وإرمينية أهل الشام وأهل العراق، فتذاكروا القرآن، فاختلفوا فيه حتى كاد يكون بينهم فتنة. فركب حذيفة بن اليمان - لما رأى اختلافهم في القرآن - إلى عثمان، فقال: "إن الناس قد اختلفوا في القرآن، حتى إني والله لأخشى أن يصيبهم مثل ما أصاب اليهود والنصارى من الاختلاف". قال: ففزع لذلك فزعا شديدا، فأرسل إلى حفصة فاستخرج الصحف التي كان أبو بكر أمر زيدا بجمعها، فنسخ منها مصاحف، فبعث بها إلى الآفاق.
- عن الشعبي، عن صعصعة أن أبا بكر أول من ورث الكلالة وجمع المصحف.


القول في الوجوه التي من قِبَلها يوصل إلى معرفة تأويل القرآن:
وجوه تأويل القرآن :
1) منها ما لا يدرك علمها إلا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته :وذلك تأويل جميع ما فيه: من وجوه أمره -واجبه وندبه وإرشاده-، وصنوف نهيه، ووظائف حقوقه وحدوده، ومبالغ فرائضه، ومقادير اللازم بعض خلقه لبعض، وما أشبه ذلك من أحكام آيه.
حكم هذا الوجه من التأويل :
هذا وجه له لا يجوز لأحد القول فيه، إلا ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم له تأويله بنص منه عليه، أو بدلالة قد نصبها، دالة أمته على تأويله.
دليله :
-قال الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه، لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} [النحل: 44].
-وقال أيضا له جل ذكره: {وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} [النحل: 64].
- وقال: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب} [آل عمران: 7].
2) منه ما لا يعلم تأويله إلا الله الواحد القهار: وذلك ما فيه من الخبر عن آجال حادثة، وأوقات آتية، كوقت قيام الساعة، والنفخ في الصور، ونزول عيسى بن مريم، وما أشبه ذلك: فإن تلك أوقات لا يعلم أحد حدودها، ولا يعرف أحد من تأويلها إلا بالخبر عن أشراطها، لاستئثار الله بعلم ذلك على خلقه.
دليله :
- أنزل ربنا محكم كتابه فقال: {يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون} [الأعراف: 187].
- وكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إذا ذكر شيئا من ذلك، لم يدل عليه إلا بأشراطه دون تحديده بوقته كالذي روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه، إذ ذكر الدجال: ((إن يخرج وأنا فيكم، فأنا حجيجه، وإن يخرج بعدي، فالله خليفتي عليكم)) وما أشبه ذلك من الأخبار.
3) منه ما يعلم تأويله كل ذي علم باللسان الذي نزل به القرآن. وذلك: إقامة إعرابه، ومعرفة المسميات بأسمائها اللازمة غير المشترك فيها، والموصوفات بصفاتها الخاصة دون ما سواها، فإن ذلك لا يجهله أحد منهم.
مثاله :
- كسامع منهم لو سمع تاليا يتلو: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون * ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون} [البقرة: 11، 12]، لم يجهل أن معنى الإفساد هو ما ينبغي تركه مما هو مضرة، وأن الإصلاح هو ما ينبغي فعله مما فعله منفعة، وإن جهل المعاني التي جعلها الله إفسادا، والمعاني التي جعلها الله إصلاحا. فالذي يعلمه ذو اللسان -الذي بلسانه نزل القرآن- من تأويل القرآن، هو ما وصفت: من معرفة أعيان المسميات بأسمائها اللازمة غير المشترك فيها، والموصوفات بصفاتها الخاصة، دون الواجب من أحكامها وصفاتها وهيئاتها التي خص الله بعلمها نبيه صلى الله عليه وسلم، فلا يدرك علمه إلا ببيانه، دون ما استأثر الله بعلمه دون خلقه.
4) وجه لا يعذر أحد بجهالته :
-قال ابن عباس: التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله.
- قال أبو جعفر: وهذا الوجه الرابع الذي ذكره ابن عباس: من أن أحدا لا يعذر بجهالته، معنى غير الإبانة عن وجوه مطالب تأويله. وإنما هو خبر عن أن من تأويله ما لا يجوز لأحد الجهل به.


ذكر بعض الأخبار التي رويت بالنهي عن القول في تأويل القرآن بالرأي:

حكم الـتأويل بالرأي المجرد :
-ما كان من تأويل القرآن الذي لا يدرك علمه إلا بنص بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بنصبه الدلالة عليه - فغير جائز لأحد القيل فيه برأيه. بل القائل في ذلك برأيه - وإن أصاب عين الحق فيه - فمخطئ في فعله، بقيله فيه برأيه.
دليله : عن جندب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال في القرآن برأيه فأصاب، فقد أخطأ)).

سبب خطأ التأويل بالرأي المجرد وإن أصاب :
1) لأن إصابته ليست إصابة موقن أنه محق، وإنما هو إصابة خارص وظان.
2) القائل في دين الله بالظن، قائل على الله ما لم يعلم. وقد حرم الله جل ثناؤه ذلك في كتابه على عباده، فقال: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} [الأعراف: 33].
3) قال أبو جعفر : لأن قيله فيه برأيه، ليس بقيل عالم أن الذي قال فيه من قول حق وصواب، فهو قائل على الله ما لا يعلم، آثم بفعله ما قد نهي عنه وحظر عليه.

الأحاديث الواردة في النهى عن تأويل القرآن بالرأي المجرد :
- عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار)).
- عن أبي معمر، قال: قال أبو بكر الصديق: أي أرض تقلني، وأي سماء تظلني، إذا قلت في القرآن ما لا أعلم!
- عن أبي معمر، قال: قال أبو بكر الصديق: أي أرض تقلني، وأي سماء تظلني، إذا قلت في كتاب الله عز وجل برأيي - أو: بما لا أعلم.


ذكر بعض الأخبار التي رويت في الحض على العلم بتفسير القرآن :

الحث على تعلم القرآن مع العمل به :
- عن ابن مسعود، قال: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن،والعمل بهن.
- عن أبي عبد الرحمن، قال: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا: أنهم كانوا يستقرئون من النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل، فتعلمنا القرآن والعمل جميعا.

الحض على تفسير القرآن :
- عن سعيد بن جبير، قال: من قرأ القرآن ثم لم يفسره، كان كالأعجمي أو كالأعرابي.

بيان أهمية معرفة تأويل القرآن :
- في حث الله عز وجل عباده على الاعتبار بما في آي القرآن من المواعظ والبينات - بقوله جل ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب} [ص: 29] وقوله: {ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون * قرآناعربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون} [الزمر: 27، 28] وما أشبه ذلك من آي القرآن، التيأمر الله عباده وحثهم فيها على الاعتبار بأمثال آي القرآن، والاتعاظ بمواعظه .
- محال أن يقال لمن لا يفهم مايقال له ولا يعقل تأويله: "اعتبر بما لافهم لك به ولا معرفة من القيل والبيان والكلام"- إلا على معنى الأمر بأن يفهمه ويفقهه، ثم يتدبره ويعتبر به. فأما قبل ذلك، فمستحيل أمره بتدبره وهو بمعناه جاهل.


ذكر الأخبار عن بعض السلف فيمن كان من قدماء المفسرين محمودا علمه بالتفسير ومن كان منهم مذموما علمه به
المفسرون من الصحابة :
من أمثلتهم :
1) ابن مسعود رضي الله عنه :
- عن مسلم، عن مسروق، قال: قال عبد الله: والذي لا إله غيره، ما نزلت آية في كتاب الله إلاوأنا أعلم فيم نزلت؟ وأين نزلت؟ ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله منى تناله المطايا لأتيته.
- عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، قال: كان عبد الله يقرأ علينا السورة، ثم يحدثنا فيها ويفسرها عامة النهار.
2) ابن عباس رضي الله عنه :
- عن شقيق، قال: استعمل علي ابن عباس على الحج، قال: فخطب الناس خطبة لو سمعها الترك والروم لأسلموا، ثم قرأ عليهم سورة النور، فجعل يفسرها.
- عن الأعمش، عن أبي وائل شقيق بن سلمة، قال: قرأ ابن عباس سورة البقرة، فجعل يفسرها، فقال رجل: لو سمعت هذا الديلم لأسلمت.
- ذكر أبو بكر بن عياش: الأعمش، قال: قال أبو وائل: ولي ابن عباس الموسم؛ فخطبهم، فقرأ على المنبر سورة النور، والله لو سمعها الترك لأسلموا. فقيل له: حدثنا به عن عاصم؟ فسكت.
- سمعت الأعمش، عن شقيق، قال: شهدت ابن عباس وولى الموسم، فقرأ سورة النور على المنبر، وفسرها، لو سمعت الروم لأسلمت !
- عن مسلم، قال: قال عبد الله: نعم ترجمان القرآن ابن عباس.

من المفسرين من التابعين :
مجاهد
- عن ابن أبي مليكة قال: رأيت مجاهدا يسأل ابن عباس عن تفسير القرآن، ومعه ألواحه، فيقول له ابن عباس: "اكتب"، قال: حتى سأله عن التفسير كله.
- عن مجاهد، قال: عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات، من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها.
- عن أبي بكر الحنفي، قال: سمعت سفيان الثوري يقول: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به.

المفسرون ممن تلقوا من التابعين (من السلف) :
الضحاك .
- عن عبد الملك بن ميسرة، قال: لم يلق الضحاك ابن عباس، وإنما لقي سعيد بن جبير بالري، فأخذ عنه التفسير.

من القدماء من كان تفسيره مذموما :
أبي صالح ، الكلبي ، السدي .
- حدثنا زكريا، قال: كان الشعبي يمر بأبي صالح باذان، فيأخذ بأذنه فيعركها ويقول: تفسر القرآن وأنت لا تقرأ القرآن!
- حدثنا الأعمش، قال: حدثني سعيد بن جبير، عن ابن عباس: {والله يقضي بالحق} [غافر: 20] قال: قادر على أن يجزي بالحسنة الحسنة وبالسيئة السيئة {إن الله هو السميع البصير} [غافر: 20]، قال الحسين: فقلت للأعمش: حدثني به الكلبي، إلا أنه قال: إن الله قادر أن يجزى بالسيئة السيئة وبالحسنة عشرا، فقال الأعمش: لو أن الذي عندالكلبي عندي ما خرج مني إلا بخفير.
- عن صالح بن مسلم، قال: مر الشعبي على السدي وهو يفسر، فقال: لأن يضرب على استك بالطبل، خير لك من مجلسك هذا.
- عن سلم بن عبد الرحمن النخعي، قال: كنت مع إبراهيم، فرأى السدي، فقال: أما إنه يفسر تفسير القوم.
- عن قتادة، قال: ما بقي أحدا يجري مع الكلبي في التفسير في عنان.


بيان مسألة صحة تأويل القرآن وذكر الأخبار التي غلط في تأويلها منكرو القول في تأويل القرآن:
الأخبار التي غلط فيها من أنكر تفسير القرآن :
1) الأخبار الواردة عن موقف الصحابة من تفسير القرآن :
- عن عائشة، قالت: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفسر شيئا من القرآن إلا آيا بعدد، علمهن إياه جبريل.
- عن عائشة، قالت: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يفسر شيئا من القرآن، إلا آيا بعدد، علمهن إياه جبريل عليه السلام.
- عن ابن أبي مليكة: أن ابن عباس سئل عن آية لو سئل عنها بعضكم لقال فيها، فأبى أن يقول فيها.
- عن الوليد بن مسلم، قال: جاء طلق بن حبيب إلى جندب بن عبد الله، فسأله عن آية من القرآن، فقال له: أحرج عليك إن كنت مسلما، لما قمت عنى - أو قال: أن تجالسني.
2) احجام التابعين وتعظيمهم في القول في التفسير :
- حدثنا عبيد الله بن عمر، قال: لقد أدركت فقهاء المدينة، وإنهم ليعظمون القول في التفسير منهم: سالم بن عبد الله، والقاسم بن محمد، وسعيد بن المسيب،ونافع.
- عن يحيى بن سعيد، قال: سمعت رجلا يسأل سعيد بن المسيب عن آية من القرآن، فقال: لا أقول في القرآن شيئا.
- عن عمرو بن مرة، قال: سأل رجل سعيد بن المسيب عن آية من القرآن، فقال: لا تسألني عن القرآن، وسل من يزعم أنه لا يخفى عليه شيء منه- يعني عكرمة.
- عن يحيى بن سعيد، عن ابن المسيب: أنه كان لا يتكلم إلا في المعلوم من القرآن.
- حدثني يزيد بن أبي يزيد، قال: كنا نسأل سعيد بن المسيب عن الحلال والحرام، وكان أعلم الناس، فإذا سألناه عن تفسير آية من القرآن سكت كأن لم يسمع.
- عن محمد بن سيرين، قال: سألت عبيدة عن آية من القرآن فقال: ذهب الذين كانوا يعلمون فيم أنزل القرآن، فاتق الله وعليك بالسداد.
- عن عبد الله بن أبي السفر، قال: قال الشعبي: والله ما من آية إلا قد سألت عنها، ولكنها الرواية عن الله تعالى.
- عن صالح -يعني ابن مسلم- قال: حدثني رجل، عن الشعبي، قال: ثلاث لا أقول فيهن حتى أموت: القرآن، والروح، والرأي.
- عن سعيد بن المسيب: أنه كان إذا سئل عن تفسير آية من القرآن، قال: إنا لا نقول في القرآن شيئا.
- عن ابن المسيب: أنه كان لا يتكلم إلا في المعلوم من القرآن.
- عن ابن سيرين، قال: سألت عبيدة السلماني عن آية، قال: عليك بالسداد، فقد ذهب الذين علموا فيم أنزل القرآن.
- عن محمد بن سيرين، قال: سألت عبيدة عن آية من القرآن فقال: ذهب الذين كانوا يعلمون فيم أنزل القرآن، فاتق الله وعليك بالسداد.
- عن ابن أبي مليكة: أن ابن عباس سئل عن آية لو سئل عنها بعضكم لقال فيها، فأبى أن يقول فيها.
- عن الوليد بن مسلم، قال: جاء طلق بن حبيب إلى جندب بن عبد الله، فسأله عن آية من القرآن، فقال له: أحرج عليك إن كنت مسلما، لما قمت عنى - أو قال: أن تجالسني.
- حدثني يزيد بن أبي يزيد، قال: كنا نسأل سعيد بن المسيب عن الحلال والحرام، وكان أعلم الناس، فإذا سألناه عن تفسير آية من القرآن سكت كأن لم يسمع.

الرد على الأخبار التي يستدل بها من أنكر تفسير المفسرين :
الرد على من تأول موقف الصحابة في تأويل القرآن :
أما الخبر الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن يفسر من القرآن شيئا إلا آيا بعدد، فإن ذلك مصحح ما قلنا من القول في الباب الماضي قبل، وهو: أن من تأويل القرآن ما لا يدرك علمه إلا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم. وذلك تفصيل جمل ما في آيه من أمر الله ونهيه وحلاله وحرامه، وحدوده وفرائضه، وسائر معاني شرائع دينه، الذي هو مجمل فيظاهر التنزيل، وبالعباد إلى تفسيره الحاجة - لا يدرك علم تأويله إلا ببيان من عند الله على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذلك هو الآي التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسرها لأصحابه بتعليم جبريل إياه، وهن لا شكآي ذوات عدد.
1) ومن آي القرآن ما قد ذكرنا أن الله جل ثناؤه استأثر بعلم تأويله، فلم يطلع على علمه ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا ولكنهم يؤمنون بأنه من عنده، وأنه لا يعلم تأويله إلا الله.
2) وفي أمر الله جل ثناؤه نبيه صلى الله عليه وسلم ببلاغ ما أنزل إليه، وإعلامه إياه أنه إنما نزل إليه ما أنزل ليبين لناسما نزل إليهم، وقيام الحجة على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ وأدى ما أمره الله ببلاغه وأدائه على ما أمره به، وصحة الخبر عن عبد الله بن مسعود بقيله: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعلم معانيهن والعمل بهن - ما ينبئ عن جهل من ظن أو توهم أن معنى الخبر الذي ذكرنا عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه لم يكن يفسر من القرآن شيئا إلا آيا بعدد، هو أنه لم يكن يبين لأمته من تأويله إلا اليسير القليل منه
.
هذا مع ما في الخبر الذي روي عن عائشة من العلة التي في إسناده، التي لا يجوز معها الاحتجاج به لأحد ممن علم صحيح سند الآثار وفاسدها في الدين. لأن راويه ممن لا يعرف في أهل الآثار، وهو: جعفر بن محمد الزبيري.
الرد على من تأول أخبار التابعين في تأويل القرآن :
وأما الأخبار التي ذكرناها عمن ذكرناها عنه من التابعين، بإحجامه عن التأويل، فإن فعل من فعل ذلك منهم، كفعل من أحجم منهم عن الفتيا في النوازل والحوادث، مع إقراره بأن الله جل ثناؤه لم يقبض نبيه إليه، إلا بعد إكمال الدين به لعباده، وعلمه بأن لله في كل نازلة وحادثة حكما موجودا بنص أو دلالة. فلم يكن إحجامه عن القول في ذلك إحجام جاحد أن يكون لله فيه حكم موجود بين أظهر عباده، ولكن إحجام خائف أن لا يبلغ باجتهاده ما كلف الله العلماء من عباده فيه
.
فكذلك معنى إحجام من أحجم عن القيل في تأويل القرآن وتفسيره من العلماء السلف، إنما كان إحجامه عنه حذارا أن لا يبلغ أداء ما كلف من إصابة صواب القول فيه، لا على أن تأويل ذلك محجوب عن علماء الأمة، غير موجود بين أظهرهم.


بيان خلاصة فساد قول من أنكر تفسير المفسرين ( مالم يحجب تأويله ) :
1) الله جل ثناؤه قد أمر عباده بتدبره وحثهم على الاعتبار بأمثاله- كان معلوما أنه لم يأمر بذلك من كان بما يدل عليه آيه جاهلا.
2)وإذ لم يجز أن يأمرهم بذلك إلا وهم بما يدلهم عليه عالمون، صح أنهم -بتأويل ما لم يحجب عنهم علمه من آيه الذي استأثر الله بعلمه منه دون خلقه، الذي قدمنا صفته آنفا- عارفون.
3) وإذ صح ذلك فسد قول من أنكر تفسير المفسرين -من كتاب الله وتنزيله- ما لم يحجب عن خلقه تأويله.

ضوابط التفسير :
1) أوضحهم بيانا هو الإستعانة بتأويل الرسول صلى الله عليه وسلم بأخبار ثابته عنه :
- إما من جهة النقل المستفيض .
- وإما من جهة نقل عدول .
- وإما من جهة الدلالة المنصوبة على صحته .
2)أوضحهم حجة هو مما كان مدركا علمه من جهة اللسان:
- إما بالشواهد من أشعارهم السائرة.
- وإما من منطقهم ولغاتهم المستفيضة المعروفة.
3) أن لا يكون خارجا تأويله وتفسيره ما تأول وفسر من ذلك، عن أقوال السلف من الصحابة والأئمة، والخلف من التابعين وعلماء الأمة.


القول في تأويل أسماء القرآن وسوره وآيه:
أسماء القرآن أربعة :
1) القرآن : اختلفوا في معناها :
1: يأتي مصدرا معنى القراءة من قرأ :
قالوا :الواجب أن يكون تأويله على قول ابن عباس: من التلاوة والقراءة، وأن يكون مصدرا منقول القائل: قرأت القرآن، كقولك: "الخسران" من "خسرت"، و "الغفران" من "غفر الله لك"، و "الكفران" من "كفرتك"، "والفرقان" من "فرق الله بين الحق والباطل".
دليل هذا القول :
-عن ابن عباس في قوله: {فإذا قرأناه} يقول: بيناه، {فاتبع قرآنه} [القيامة: 18] يقول: اعمل به
.
ومعنى قول ابن عباس هذا: فإذا بيناه بالقراءة، فاعمل بما بيناه لك بالقراءة.
-عن ابن عباس: {إن علينا جمعه وقرآنه} [القيامة: 17] قال: أن نقرئك فلا تنسى {فإذا قرأناه} عليك {فاتبع قرآنه} يقول: إذا تلي عليك فاتبع ما فيه
.
قال أبو جعفر: فقد صرح هذا الخبر عن ابن عباس: أن معنى "القرآن" عنده القراءة، وإنه مصدر من قول القائل: قرأت، على ما بيناه.
2)أو يأتي مصدرا بمعنى التأليف : على قول قتادة، فإن الواجب أن يكون مصدرا، منقول القائل: قرأت الشيء، إذا جمعته وضممت بعضه إلى بعض.
دليل هذا القول :
-عن قتادة في قوله تعالى: {إن علينا جمعه وقرآنه} يقول: حفظه وتأليفه، {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} يقول: اتبع حلاله، واجتنب حرامه.
الراجح والعلة في الترجيح :
الترجيح:قال أبو جعفر: ولكلا القولين -أعني قول ابن عباسوقول قتادة- اللذين حكيناهما، وجه صحيح في كلام العرب. غير أن أولى قوليهما بتأويل قول الله تعالى: {إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} قول ابن عباس
.
العلة :1-لأن الله جل ثناؤه أمر نبيه صلى الله عليه وسلم في غير آية من تنزيله باتباع ما أوحى إليه، ولم يرخص له في ترك اتباع شيء من أمره إلى وقت تأليفه القرآن. فكذلك قوله: {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} نظير سائر ما في آي القرآن التي أمره الله فيها باتباع ما أوحى إليه في تنزيله.
2-وإذ صح أن حكم كل آية من آي القرآن كان لازم االنبي صلى الله عليه وسلم اتباعه والعمل به، مؤلفة كانت إلى غيرها أو غير مؤلفة -صح ما قال ابن عباس في تأويل قوله: {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} أنه معني به: فإذا بيناه لك بقراءتنا، فاتبع ما بيناه لك بقراءتنا- دون قول من قال: معناه، فإذا ألفناه فاتبع ما ألفناه.

2) الفرقان : وأما تأويل اسمه الذي هو "فرقان"، فإن تفسير أهلا لتفسير جاء في ذلك بألفاظ مختلفة، هي في المعاني مؤتلفة.
أصل معنى الفرقان وسبب تسمية القرآن بذلك :
-الفرق بين الشيئين والفصل بينهما. وقد يكون ذلك بقضاء، واستنقاذ، وإظهار حجة، ونصر وغير ذلك من المعاني المفرقة بين المحق والمبطل.
السبب في هذه التسمية :
1: لفصله -بحججه وأدلته وحدود فرائضه وسائر معاني حكمه- بين المحق والمبطل.
2:وفرقانه بينهما: بنصره المحق، وتخذيله المبطل، حكما وقضاء.
الأقوال الواردة في معنى الفرقان :
- عن عكرمة: أنه كان يقول: هو النجاة
.
وكذلك كان السدي يتأوله.
- وكان ابن عباس يقول: "الفرقان": المخرج
- وكان مجاهد يقول في قول الله جل ثناؤه: {يوم الفرقان} [الأنفال: 41] يوم فرق الله فيه بين الحق والباطل.
الجمع بين الأقوال :
-وكل هذه التأويلات في معنى "الفرقان" -على اختلاف ألفاظها- متقاربات المعاني.
-فجميع ما روينا -عمن روينا عنه- في معنى "الفرقان"، قول صحيح المعنى، لاتفاق معاني ألفاظهم في ذلك.
3
) الكتاب:
أصله :هو مصدر من قولك: "كتبت كتابا" كما تقول: قمت قياما، وحسبت الشيء حسابا.
معناه: هو خط الكاتب حروف الكتاب المعجم مجموعة ومفترقة.

4) الذكر:
تأويل اسمه الذي هو "ذكر"، فإنه محتمل معنيين:
1: ذكر من الله جل ذكره، ذكر به عباده ،أنه فعرفهم فيه حدوده وفرائضه، وسائر ما أودعه من حكمه.
2: أنه ذكر و شرف وفخر لمن آمن به وصدق بما فيه، كما قال جل ثناؤه: {وإنه لذكر لك ولقومك} [الزخرف: 44]، يعني به أنه شرف له ولقومه.

أسماء سور القرآن :
-السبع الطول: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، ويونس، في قول سعيد بن جبير.
وإنما سميت هذه السور السبع الطول، لطولها على سائر سور القرآن.
-وأما "المئون: فهي ما كان من سور القرآن عدد آيه مائة آية، أو تزيد عليها شيئا أو تنقص منها شيئا يسيرا.
-وأما "المفصل": فإنما سميت مفصلا لكثرة الفصول التي بين سورها بـ "بسم الله الرحمن الرحيم".
-وأما "المثاني: فإنها ما ثنى المئين فتلاها، وكان المئون لها أوائل، وكان المثاني لها ثواني.
الأقوال الواردة في سبب تسميتها بذلك :
1)وقد قيل: إن المثاني سميت مثاني، لتثنية الله جل ذكره فيها الأمثال والخبر والعبر، وهو قول ابن عباس.
2)وروي عن سعيد بن جبير، أنه كان يقول: إنما سميت مثاني لأنها ثنيت فيها الفرائض والحدود.
3) قال جماعة يكثر تعدادهم: القرآن كله مثان.
4)وقال جماعة أخر: بل المثاني فاتحة الكتاب، لأنها تثنى قراءتها في كل صلاة.

تسمية سورة لسور القرآن :
تسمى كل سورة من سور القرآن سورة، وتجمع سورا، على تقدير "خطبة وخطب"، "وغرفة وغرف".
معنى السورة :
والسورة، بغير همز: المنزلة من منازل الارتفاع. ومن ذلك سور المدينة، سمي بذلك الحائط الذي يحويها، لارتفاعه على ما يحويه.
جمع كلمة سورة :
السورة من سور المدينة لم يسمع في جمعها "سور"، كما سمع في جمع سورة من القرآن "سور .
فخرج تقدير جمعها على تقدير جمع برة وبسرة، لأن ذلك يجمع برا وبسرا. وكذلك لم يسمع في جمع سورة من القرآن سور.
معنى السورة بالهمز :
همز بعضهم السورة من القرآن. وتأويلها، في لغة من همزها، القطعة التي قد أفضلت من القرآن عما سواها وأبقيت.

معنى آي القرآن :
آي القرآن تحتمل وجهين :
1) أن تكون سميت آية، لأنها علامة يعرف بها تمام ما قبلها وابتداؤها، كالآية التي تكون دلالة على الشيء يستدل بها عليه.
2) القصة، كما قال كعب بن زهير بن أبي سلمى:
ألا أبلغا هذا المعرض آية = أيقظان قال القول إذ قال أم حلم.
فيكون معنى الآيات: القصص، قصة تتلو قصة، بفصول ووصول.


بيان تأويل أسماء سورة الفاتحة :
عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((هي أم القرآن، وهي فاتحة الكتاب، وهي السبع المثاني)).
أسماء سورة الفاتحة :
1)فاتحة الكتاب : وسميت "فاتحة الكتاب"، لأنها يفتتح بكتابتها المصاحف، وبقراءتها في الصلوات، فهي فواتح لما يتلوها من سور القرآن في الكتاب والقراءة.
2)أم القرآن : وسميت "أم القرآن" لتقدمها على سائر سور القرآن غيرها، وتأخر ما سواها خلفها في القراءة والكتابة. وذلك من معناها شبيه بمعنى فاتحة الكتاب. وإنما قيل لها -لكونها كذلك- أم القرآن، لتسمية العرب كل جامع أمرا -أو مقدم لأمر إذا كانت له توابع تتبعه، هو لها إمام جامع- "أما .
3)السبع المثاني: وأما تأويل اسمها أنها "السبع"، فإنها سبع آيات، لا خلاف بين الجميع من القراء والعلماء في ذلك.
وأما وصف النبي صلى الله عليه وسلم آياتها السبع بأنهن مثان، فلأنها تثنى قراءتها في كل صلاة تطوع ومكتوبة. وكذلك كان الحسن البصري يتأول ذلك.
دليل ذلك : عن أبي رجاء، قال سألت الحسن عن قوله: {ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم} [الحجر: 87] قال: هي فاتحة الكتاب. ثم سئل عنها وأنا أسمع فقرأها: {الحمدلله رب العالمين} حتى أتى على آخرها، فقال: تثنى في كل قراءة - أو قال - في كل صلاة. الشك من أبي جعفر.
========
تم بحمد الله وتوفيقه .





رد مع اقتباس
  #2  
قديم 15 شوال 1437هـ/20-07-2016م, 12:27 AM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هيا أبوداهوم مشاهدة المشاركة
تعديل المشاركة السابقة لتخليص مقدمة تفسير ابن جرير :


تلخيص مقاصد مقدمة تفسير ابن جرير الطبري
المقصد العام من الكتاب :
بيان معاني القرآن وشرح تأويله .
بيان الأقوال واتفاق الحجة واختلافها والصواب منها .

المقصد العام من المقدمة :
- الحض على تعلم التفسير وبيان فضله .
-بيان أمور ومعاني مهمة معينة في تأويل القرآن وتفسيره .

المقاصد الفرعية :
القول في البيان عن اتفاق معاني آي القرآن ومعاني اللسان العربي، وفضل بيان القرآن على سائر الكلام.

القول في البيان عن الأحرف التي اتفقت فيها ألفاظ العرب وألفاظ غيرها من بعض أجناس الأمم
القول في اللغة التي نزل بها القرآن من لغات العرب.
بيان نزول القرآن على سبعة أحرف ومعنى حديث نزول القرآن من سبعة أبواب .
القول في الوجوه التي من قِبَلها يوصل إلى معرفة تأويل القرآن.
ذكر بعض الأخبار التي رويت بالنهي عن القول في تأويل القرآن بالرأي.
بيان مسألة صحة تأويل القرآن وذكر الأخبار التي غلط في تأويلها منكرو القول في تأويل القرآن.
القول في تأويل أسماء القرآن وسوره وآيه.
بيان تأويل أسماء سورة الفاتحة .
=============
تلخيص مقاصد مقدمة تفسير ابن جرير :

القول في البيان عن اتفاق معاني آي القرآن ومعاني اللسان العربي، وفضل بيان القرآن على سائر الكلام.

فضل البيان :
- بيان مافي الضمائر والصدور .
- تذليل الألسن ، فسهل توحيد الله وتسبيحه وقديسه .
- سهولة التحاور والتعارف والتعامل .

فضل البيان على من فضلهم به عليه من ذى البكم والمستعجم اللسان:
-قال تعالى ذكره: {أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين} [ الزخرف: 18]
-فضل أهل البيان على أهل البكم والمستعجم اللسان، بفضل اقتدار هذا من نفسه على إبانة ما أراد إبانته عن نفسه ببيانه، واستعجام لسان هذا عما حاول إبانته بلسانه.

فضل بيان القرآن عن سائر الكلام :
-أفضل الكلام كلامه، وأن قدر فضل بيانه، جل ذكره، على بيان جميع خلقه، كفضله على جميع عباده.
-بيان ومنطق القرآن تحدى به امرؤ قوما في زمان هم فيه رؤساء صناعة الخطب والبلاغة، وقيل الشعر والفصاحة، والسجع والكهانة، على كل خطيب منهم وبليغ وشاعر منهم وفصيح.
-دلالته على صدق مقالته، وحجته على حقيقة نبوته- ما أتاهم به من البيان، والحكمة والفرقان، بلسان مثل ألسنتهم، ومنطق موافقة معانيه معاني منطقهم.
-أنبأ جميعهم أنهم عن أن يأتوا بمثل بعضه عجزة، ومن القدرة عليه نقصة. فأقر جميعهم بالعجز، وأذعنوا له بالتصديق، وشهدوا على أنفسهم بالنقص.

موافقة معاني القرآن مع معاني كلام العرب :
- قال جل ثناؤه في محكم تنزيله: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم} [ إبراهيم: 4]. وقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} [ النحل: 64].
- كتاب الله الذي أنزله إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، بلسان محمد صلى الله عليه وسلم. وإذ كان لسان محمد صلى الله عليه وسلم عربيا، فبين أن القرآن عربي.
دليله : فقال جل ذكره: {إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون} [ يوسف: 2]. وقال: {وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين} [ الشعراء: 192-195].
- فبين -إذ كان موجودا في كلام العرب الإيجاز والاختصار، والاجتزاء بالإخفاء من الإظهار، وبالقلة من الإكثار في بعض الأحوال، واستعمال الإطالة والإكثار، والترداد والتكرار، وإظهار المعاني بالأسماء دون الكناية عنها، والإسرار في بعض الأوقات، والخبر عن الخاص في المراد بالعام الظاهر، وعن العام في المراد بالخاص الظاهر، وعن الكناية والمراد منه المصرح، وعن الصفة والمراد الموصوف، وعن الموصوف والمراد الصفة، وتقديم ما هو في المعنى مؤخر، وتأخير ما هو في المعنى مقدم، والاكتفاء ببعض من بعض، وبما يظهر عما يحذف، وإظهار ما حظه الحذف- أن يكون ما في كتاب الله المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم من ذلك، في كل ذلك له نظيرا، وله مثلا وشبيها.



القول في البيان عن الأحرف التي اتفقت فيها ألفاظ العرب وألفاظ غيرها من بعض أجناس الأمم

أدلة وجود ألفاظ غير عربية في القرآن :
-عن أبي موسى: {يؤتكم كفلين من رحمته} [ الحديد: 28]، قال: الكفلان: ضعفان من الأجر، بلسان الحبشة.
-عن ابن عباس: {إن ناشئة الليل} [المزمل: 6] قال: بلسان الحبشة إذا قام الرجل من الليل قالوا: نشأ.
-عن أبي ميسرة: {يا جبال أوبي معه} [سبأ: 10] قال: سبحي، بلسان الحبشة ؟

قال أبو جعفر: وكل ما قلنا في هذا الكتاب "حدثكم" فقد حدثونا به.
- عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن قوله: {فرت من قسورة} [المدثر: 51] قال: هو بالعربية الأسد، وبالفارسية شار، وبالنبطية أريا، وبالحبشية قسورة.
-عن سعيد بن جبير قال: قالت قريش: لولا أنزل هذا القرآن أعجميا وعربيا؟ فأنزل الله تعالى ذكره: {ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء} [فصلت: 44] فأنزل الله بعد هذه الآية في القرآن بكل لسان فمنه: {حجارة من سجيل} [هود: 82] قال: فارسية أعربت "سنك وكل".
-عن أبي ميسرة، قال: في القرآن من كل لسان.

بيان اتفاق كثير من الكلام بلسان الأجناس المختلفة مع لسان العرب :
- وجدنا اتفاق كثير منه فيما قد علمناه من الألسن المختلفة، وذلك كالدرهم والدينار والدواة والقلم والقرطاس، وغير ذلك.

خطأ قول أن في القرآن من كل لسان ومعناه :
معناه : أن فيه من كل لسان اتفق فيه لفظ العرب ولفظ غيرها من الأمم التي تنطق به.
بيان خطأ هذا القول :
غير جائز أن يتوهم على ذي فطرة صحيحة، مقر بكتاب الله، ممن قد قرأ القرآن وعرف حدود الله -أن يعتقد أن بعض القرآن فارسي لا عربي، وبعضه نبطي لا عربي، وبعضه رومي لا عربي، وبعضه حبشي لا عربي ، بعد ما أخبر الله تعالى ذكره عنه أنه جعله قرآنا عربيا. لأن ذلك إن كان كذلك، فليس قول القائل: القرآن حبشي أو فارسي، ولا نسبة من نسبه إلى بعض ألسن الأمم التي بعضه بلسانها دون العرب- بأولى بالتطويل من قول القائل: هو عربي. ولا قول القائل: هو عربي بأولى بالصحة والصواب من قول ناسبه إلى بعض الأجناس التي ذكرنا. إذ كان الذي بلسان غير العرب من سائر ألسن أجناس الأمم فيه، نظير الذي فيه من لسان العرب.

بيان حال الأحرف العربية :
- بيان التسلسل في الرد على من زعم أن الأحرف العربية إنما هي كلام أجناس من الأمم سوى العرب، وقعت إلى العرب فعربته:
1) مطالبته بالبرهان وتوضيح الفرق :
فيقال له :ما برهانك على صحة ما قلت في ذلك، من الوجه الذي يجب التسليم له، فقد علمت من خالفك في ذلك، فقال فيه خلاف قولك؟ وما الفرق بينك وبين من عارضك في ذلك فقال: هذه الأحرف، وما أشبهها من الأحرف غيرها، أصلها عربي، غير أنها وقعت إلى سائر أجناس الأمم غيرها فنطقت كل أمة منها ببعض ذلك بألسنتها- من الوجه الذي يجب التسليم له؟ فلن يقول في شيء من ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله.
2) فإن اعتل في ذلك بأقوال السلف التي قد ذكرنا بعضها وما أشبهها، طولب -مطالبتنا من تأول عليهم في ذلك تأويله- بالذي قد تقدم في بياننا.
وقيل له: ما أنكرت أن يكون من نسب شيئا من ذلك منهم إلى من نسبه من أجناس الأمم سوى العرب، إنما نسبه إلى إحدى نسبتيه التي هو لها مستحق، من غير نفي منه عنه النسبة الأخرى؟ ثم يقال له: أرأيت من قال لأرض سهلية جبلية: هي سهلية، ولم ينكر أن تكون جبلية، أو قال: هي جبلية، ولم يدفع أن تكون سهلية، أناف عنها أن تكون لها الصفة الأخرى بقيله ذلك؟

3)فإن قال: نعم! كابر عقله. وإن قال: لا قيل له: فما أنكرت أن يكون قول من قال في سجيل: هي فارسية، وفي القسطاس: هي رومية- نظير ذلك؟ وسئل الفرق بين ذلك، فلن يقول في أحدهما قولا إلا ألزم في الآخر مثله.


القول في اللغة التي نزل بها القرآن من لغات العرب:
-الله جل ثناؤه أنزل جميع القرآن بلسان العرب دون غيرها من ألسن سائر أجناس الأمم.

الدلالة على نزول القرآن بلسان العرب :
1) اختلاف ألسنة العرب وتباينها ، واختلاف المنطق والكلام .
2) إخبار الله لعباده أنه أنزل القرآن بلسان عربي مبين .
3) تظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك .

الأدلة من السنة :
- عن أبي سلمة، قال: لا أعلمه إلا عن أبي هريرة-: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف، فالمراء في القرآن كفر -ثلاث مرات- فما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه))
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرأوا ما تيسر منها)).



بيان نزول القرآن على سبعة أحرف ومعنى حديث نزول القرآن من سبعة أبواب :

معنى السبعة أحرف :
-والسبعة الأحرف: هو الألسن السبعة. والأبواب السبعة من الجنة: هي المعاني التي فيها، من الأمر والنهي والترغيب والترهيب والقصص والمثل، التي إذا عمل بها العامل، وانتهى إلى حدودها المنتهي، استوجب به الجنة.
-الأحرف السبعة التي أنزل الله بها القرآن، هن لغات سبع، في حرف واحد، وكلمة واحدة، باختلاف الألفاظ واتفاق المعاني.

-والدلالة على صحة ما قلناه - من أنمعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((نزل القرآن على سبعة أحرف))، إنما هو أنه نزل بسبع لغات، كما تقدم ذكرنا من الروايات الثابتة عن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب، وسائر من قد قدمنا الرواية عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنزل القرآن على سبعة أحرف، عليم حكيم، غفور رحيم.
- عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف، لكل حرف منها ظهر وبطن، ولكل حرف حد، ولكل حد مطلع)).
- عن ابن شهاب، قال: حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن ابن عباس حدثه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أقرأني جبريل على حرف، فراجعته، فلم أزل أستزيده فيزيدني، حتى انتهى إلى سبعة أحرف)). قال ابن شهاب: بلغني أن تلك السبعة الأحرف، إنما هي في الأمر الذي يكون واحدا، لا يختلف في حلال ولا حرام.

معنى حديث نزول القرآن من سبعة أبواب الجنة :
- خص الله جل وعز نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم وأمته، بأن أنزل عليهم كتابه على أوجه سبعة من الوجوه التي ينالون بها رضوان الله، ويدركون بها الفوز بالجنة، إذا أقاموها فكل وجه من أوجهه السبعة باب من أبواب الجنة الذي نزل منه القرآن. لأن العامل بكل وجه من أوجهه السبعة، عامل على باب من أبواب الجنة، وطالب من قبله الفوز بها. فالعمل بما أمر الله جل ذكره في كتابه، باب من أبواب الجنة، وترك ما نهى الله عنه فيه؛ باب آخر ثان من أبوابها؛ وتحليل ما حلل الله فيه، باب ثالث من أبوابها؛ وتحريم ما حرم الله فيه، باب رابع من أبوابها؛ والإيمان بمحكمه المبين، باب خامس من أبوابها؛ والتسليم لمتشابهه الذي استأثر الله بعلمه وحجب علمه عن خلقه والإقرار بأن كل ذلك من عند ربه، باب سادس من أبوابها؛ والاعتبار بأمثاله والاتعاظ بعظاته، باب سابع من أبوابها.
دليله :- روي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((كان الكتاب الأول نزل من باب واحد وعلى حرف واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب وعلى سبعة أحرف: زاجر وآمر وحلال وحرام، ومحكم ومتشابه، وأمثال، فأحلوا حلاله وحرموا حرامه، وافعلوا ما أمرتم به، وانتهوا عما نهيتم عنه، واعتبروا بأمثاله، واعملوا بمحكمه، وآمنوا بمتشابهه، وقولوا: آمنا به كل من عند ربنا)).

القراءة من حرف إلى سبعة أحرف :
-كل كتاب تقدم كتابنا نزوله على نبي من أنبياء الله صلى الله عليهم، فإنما نزل بلسان واحد، متى حول إلى غير اللسان الذي نزل به، كان ذلك له ترجمة وتفسيرا لا تلاوة له على ما أنزله الله وأنزل كتابنا بألسن سبعة، بأي تلك الألسن السبعة تلاه التالي، كان له تاليا على ما أنزله الله لا مترجما ولا مفسرا، حتى يحوله عن تلك الألسن السبعة إلى غيرها، فيصير فاعل ذلك حينئذ -إذا أصاب معناه- له مترجما. كما كان التالي بعض الكتب التي أنزلها الله بلسان واحد -إذا تلاه بغير اللسان الذي نزل به- له مترجما، لا تاليا على ما أنزله الله به.

فذلك معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((كان الكتاب الأول، نزل على حرف واحد، ونزل القرآن على سبعة أحرف)).
من الأحاديث الواردة في ذلك :
-عن أبي بن كعب، قال: رحت إلى المسجد، فسمعت رجلا يقرأ، فقلت: من أقرأك؟ فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم. فانطلقت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: استقرئ هذا. قال: فقرأ، فقال: ((أحسنت)). قال فقلت: إنك أقرأتني كذا وكذا! فقال: ((وأنت قد أحسنت)). قال: فقلت: قد أحسنت! قد أحسنت! قال: فضرب بيده على صدري، ثم قال: ((اللهم أذهب عن أُبيٍّ الشك)). قال: ففضت عرقا، وامتلأ جوفي فرقا- ثم قال: ((إن الملكين أتياني، فقال أحدهما اقرأ القرآن على حرف. وقال الآخر: زده. قال: فقلت: زدني. قال: اقرأه على حرفين. حتى بلغ سبعة أحرف، فقال: اقرأ على سبعة أحرف)).
- عن أبي بن كعب رضي الله عنه، قال: ما حاك في صدري شيء منذ أسلمت، إلا أني قرأت آية، فقرأها رجل غير قراءتي، فقلت: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الرجل: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: أقرأتني آية كذا وكذا؟ قال: ((بلى)). قال الرجل: ألم تقرئني آية كذا وكذا؟ قال: ((بلى، إن جبريل وميكائيل أتياني، فقعد جبريل عن يميني، وميكائيل عن يساري، فقال جبريل: اقرأ القرآن على حرف واحد. وقال ميكائيل: استزده، قال جبريل: اقرأ القرآن على حرفين. فقال ميكائيل: استزده. حتى بلغ ستة أو سبعة))
- عن زر، عن أبي، قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عند أحجار المراء فقال: ((إني بعثت إلى أمة أميين، منهم الغلام والخادم والشيخ العاسي والعجوز))، فقال جبريل: فليقرأوا القرآن على سبعة أحرف. ولفظ الحديث لأبي أسامة

موقف الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الإختلاف على قراءة القرآن :
الصحابة تماروا في القرآن، فخالف بعضهم بعضا في نفس التلاوة، دون ما في ذلك من المعاني، وأنهم احتكموا فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستقرأ كل رجل منهم، ثم صوب جميعهم في قراءتهم على اختلافها، حتى ارتاب بعضهم لتصويبه إياهم، فقال صلى الله عليه وسلم للذي ارتاب منهم عند تصويبه جميعهم: ((إن الله أمرني أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف)).
الدليل على ذلك :
-قال تعالى ذكره: {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} [النساء: 82].

وفي نفي الله جل ثناؤه ذلك عن حكم كتابه، أوضح الدليل على أنه لم ينزل كتابه على لسان محمد صلى الله عليه وسلم إلا بحكم واحد متفق في جميع خلقه، لا بأحكام فيهم مختلفة.

ابطال قول من اختلف على القراءة بأوجه أخرى :
1)لأنه صلى الله عليه وسلم قد أمر جميعهم بالثبوت على قراءته، ورضي قراءة كل قارئ منهم - على خلافها قراءة خصومه ومنازعيه فيها- وصوبها. ولو كان ذلك منه تصويبا فيما اختلفت فيه المعاني .
2)وكان قوله صلى الله عليه وسلم: ((أنزل علي القرآن على سبعة أحرف)) إعلاما منه لهم أنه نزل بسبعة أوجه مختلفة، وسبعة معان مفترقة - كان ذلك إثباتا لما قد نفى الله عن كتابه من الاختلاف، ونفيا لما قد أوجب له من الائتلاف.
3)أن الذين تماروا فيما تماروا فيه من قراءتهم فاحتكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لم يكن منكرا عند أحد منهم أن يأمر الله عباده جل ثناؤه في كتابه وتنزيله بما شاء، وينهى عما شاء، ويعد فيما أحب من طاعاته، ويوعد على معاصيه، ويحتم لنبيه ويعظه فيه ويضرب فيه لعباده الأمثال- فيخاصم غيره على إنكاره سماع ذلك من قارئه. بل على الإقرار بذلك كله كان إسلام من أسلم منهم.

أوجه الاختلاف في الأحرف السبعة :
-اختلاف الأحرف السبعة، إنما هو اختلاف ألفاظ، كقولك "هلم وتعال" باتفاق المعاني، لا باختلاف معان موجبة اختلاف أحكام.

وبمثل الذي قلنا في ذلك صحت الأخبار عن جماعة من السلف والخلف.
أدلة ذلك :
-عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال جبريل: اقرأ القرآن على حرف. قال ميكائيل: استزده. فقال: على حرفين. حتى بلغ ستة أو سبعة أحرف، فقال: كلها شاف كاف، ما لم يختم آية عذاب بآية رحمة، أو آية رحمة بآية عذاب، كقولك: هلم وتعال)).
-عن شقيق، قال: قال عبد الله: إني قد سمعت القرأة، فوجدتهم متقاربين فاقرأوا كما علمتم، وإياكم والتنطع، فإنما هو كقول أحدكم: هلم وتعال.
- عن الأعمش، قال: قرأ أنس هذه الآية: (إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأصوب قيلا) فقال له بعض القوم: يا أبا حمزة، إنما هي: {وأقوم} فقال: أقوم وأصوب وأهيأ، واحد.
-عن مجاهد: أنه كان يقرأ القرآن على خمسة أحرف.
-عن سالم: أن سعيد بن جبير كان يقرأ القرآن على حرفين.
- عن مغيرة، قال: كان يزيد بن الوليد يقرأ القرآن على ثلاثة أحرف.
-عن ابن شهاب، قال: أخبرني سعيد بن المسيب: أن الذي ذكر الله تعالى ذكره {إنما يعلمه بشر} [النحل: 103] إنما افتتن أنه كان يكتب الوحي، فكان يملي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: سميع عليم، أو عزيز حكيم، أو غير ذلك من خواتم الآي، ثم يشتغل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على الوحي، فيستفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: أعزيز حكيم، أو سميع عليم أو عزيز عليم؟ فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أي ذلك كتبت فهو كذلك)). ففتنه ذلك، فقال: إن محمدا وكل ذلك إلي، فأكتب ما شئت. وهو الذي ذكر لي سعيد بن المسيب من الحروف السبعة.
- عن أبي إسحاق، عمن سمع ابن مسعود يقول: من قرأ منكم على حرف فلا يتحولن، ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله لأتيته.
-عن عبد الله بن مسعود، قال: من قرأ القرآن على حرف فلا يتحولن منه إلى غيره.
معنى قول عبد الله بن مسعود:
إنما عنى رحمة الله عليه أن من قرأ بحرفه - وحرفه: قراءته، وكذلك تقول العرب لقراءة رجل: حرف فلان، وتقول للحرف من حروف الهجاء المقطعة: حرف، كما تقول لقصيدة من قصائد الشاعر: كلمة فلان- فلا يتحولن عنه إلى غيره رغبة عنه. ومن قرأ بحرف أبي، أو بحرف زيد، أو بحرف بعض من قرأ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض الأحرف السبعة - فلا يتحولن عنه إلى غيره رغبة عنه، فإن الكفر ببعضه كفر بجميعه، والكفر بحرف من ذلك كفر بجميعه يعني بالحرف ما وصفنا من قراءة بعض من قرأ ببعض الأحرف السبعة.

العلة التي أوجبت عليها الثبات على حرف واحد دون سائر الأحرف الستة الباقية:
1) أمرت بحفظ القرآن، وخيرت في قراءته وحفظه بأي تلك الأحرف السبعة شاءت.
2) اختلاف الناس في القرآن بسبب اختلاف القراءة .
3) إشفاقا من عثمان رضي الله عنه عليهم، ورأفة منه بهم، حذار الردة من بعضهم بعد الإسلام، والدخول في الكفر بعد الإيمان.
الأحاديث الواردة في ذلك :
إن حذيفة بن اليمان قدم من غزوة كان غزاها في فرج إرمينية فلم يدخل بيته حتى أتى عثمان بن عفان فقال: "يا أمير المؤمنين: أدرك الناس! فقال عثمان: "وما ذاك؟" قال غزوت فرج إرمينية، فحضرها أهل العراق وأهل الشام، فإذا أهل الشام يقرءون بقراءة أبي بن كعب، فيأتون بما لم يسمع أهل العراق، فيكفرهم أهل العراق. وإذا أهل العراق يقرءون بقراءة ابن مسعود، فيأتون بما لم يسمع أهل الشام، فيكفرهم أهل الشام. قال زيد: فأمرني عثمان بن عفان أكتب له مصحفا، وقال: إني مدخل معك رجلا لبيبا فصيحا، فما اجتمعتما عليه فاكتباه، وما اختلفتما فيه فارفعاه إلي. فجعل أبان بن سعيد بن العاص، قال: فلما بلغا: {إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت} [البقرة: 248] قال: زيد فقلت: "التابوه" وقال أبان بن سعيد: "التابوت"، فرفعنا ذلك إلى عثمان فكتب: "التابوت" قال: فلما فرغت عرضته معه عرضة، فلم أجد فيه هذه الآية: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} إلى قوله: {وما بدلوا تبديلا} [الأحزاب: 23] قال: فاستعرضت المهاجرين أسألهم عنها، فلم أجدها عند أحد منهم، ثم استعرضت الأنصار أسألهم عنها، فلم أجدها عند أحد منهم، حتى وجدتها عند خزيمة بن ثابت، فكتبتها، ثم عرضته عرضة أخرى، فلم أجد فيه هاتين الآيتين: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم} إلى آخر السورة [التوبة: 128، 129] فاستعرضت المهاجرين، فلم أجدها عند أحد منهم، ثم استعرضت الأنصار أسألهم عنها فلم أجدها عند أحد منهم، حتى وجدتها مع رجل آخر يدعى خزيمة أيضا، فأثبتها في آخر "براءة"، ولو تمت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة. ثم عرضته عرضة أخرى، فلم أجد فيه شيئا، ثم أرسل عثمان إلى حفصة يسألها أن تعطيه الصحيفة، وحلف لها ليردنها إليها فأعطته إياها، فعرض المصحف عليها، فلم يختلفا في شيء. فردها إليها، وطابت نفسه، وأمر الناس أن يكتبوا مصاحف. فلما ماتت حفصة أرسل إلى عبد الله بن عمر في الصحيفة بعزمة، فأعطاهم إياها فغسلت غسلا.
-عن أبي قلابة، قال: لما كان في خلافة عثمان، جعل المعلم يعلم قراءة الرجل، والمعلم يعلم قراءة الرجل، فجعل الغلمان يلتقون فيختلفون، حتى ارتفع ذلك إلى المعلمين - قال أيوب: فلا أعلمه إلا قال-: حتى كفر بعضهم بقراءة بعض. فبلغ ذلك عثمان، فقام خطيبا فقال: "أنتم عندي تختلفون فيه وتلحنون، فمن نأى عني من أهل الأمصار أشد فيه اختلافا وأشد لحنا. اجتمعوا يا أصحاب محمد، فاكتبوا للناس إماما". قال أبو قلابة، فحدثني مالك أبو أنس قال: كنت فيمن يملى عليهم، قال: فربما اختلفوا في الآية فيذكرون الرجل قد تلقاها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولعله أن يكون غائبا أو في بعض البوادي، فيكتبون ما قبلها وما بعدها، ويدعون موضعها، حتى يجيء أو يرسل إليه. فلما فرغ من المصحف، كتب عثمان إلى أهل الأمصار: "إني قد صنعت كذا وكذا، ومحوت ما عندي، فامحوا ما عندكم".
-قال ابن شهاب: أخبرني أنس بن مالك الأنصاري: أنه اجتمع لغزوة أذربيجان وإرمينية أهل الشام وأهل العراق، فتذاكروا القرآن، فاختلفوا فيه حتى كاد يكون بينهم فتنة. فركب حذيفة بن اليمان - لما رأى اختلافهم في القرآن - إلى عثمان، فقال: "إن الناس قد اختلفوا في القرآن، حتى إني والله لأخشى أن يصيبهم مثل ما أصاب اليهود والنصارى من الاختلاف". قال: ففزع لذلك فزعا شديدا، فأرسل إلى حفصة فاستخرج الصحف التي كان أبو بكر أمر زيدا بجمعها، فنسخ منها مصاحف، فبعث بها إلى الآفاق.
- عن الشعبي، عن صعصعة أن أبا بكر أول من ورث الكلالة وجمع المصحف.


القول في الوجوه التي من قِبَلها يوصل إلى معرفة تأويل القرآن:
وجوه تأويل القرآن :
1) منها ما لا يدرك علمها إلا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته :وذلك تأويل جميع ما فيه: من وجوه أمره -واجبه وندبه وإرشاده-، وصنوف نهيه، ووظائف حقوقه وحدوده، ومبالغ فرائضه، ومقادير اللازم بعض خلقه لبعض، وما أشبه ذلك من أحكام آيه.
حكم هذا الوجه من التأويل :
هذا وجه له لا يجوز لأحد القول فيه، إلا ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم له تأويله بنص منه عليه، أو بدلالة قد نصبها، دالة أمته على تأويله.
دليله :
-قال الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه، لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} [النحل: 44].
-وقال أيضا له جل ذكره: {وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} [النحل: 64].
- وقال: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب} [آل عمران: 7].
2) منه ما لا يعلم تأويله إلا الله الواحد القهار: وذلك ما فيه من الخبر عن آجال حادثة، وأوقات آتية، كوقت قيام الساعة، والنفخ في الصور، ونزول عيسى بن مريم، وما أشبه ذلك: فإن تلك أوقات لا يعلم أحد حدودها، ولا يعرف أحد من تأويلها إلا بالخبر عن أشراطها، لاستئثار الله بعلم ذلك على خلقه.
دليله :
- أنزل ربنا محكم كتابه فقال: {يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون} [الأعراف: 187].
- وكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إذا ذكر شيئا من ذلك، لم يدل عليه إلا بأشراطه دون تحديده بوقته كالذي روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه، إذ ذكر الدجال: ((إن يخرج وأنا فيكم، فأنا حجيجه، وإن يخرج بعدي، فالله خليفتي عليكم)) وما أشبه ذلك من الأخبار.
3) منه ما يعلم تأويله كل ذي علم باللسان الذي نزل به القرآن. وذلك: إقامة إعرابه، ومعرفة المسميات بأسمائها اللازمة غير المشترك فيها، والموصوفات بصفاتها الخاصة دون ما سواها، فإن ذلك لا يجهله أحد منهم.
مثاله :
- كسامع منهم لو سمع تاليا يتلو: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون * ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون} [البقرة: 11، 12]، لم يجهل أن معنى الإفساد هو ما ينبغي تركه مما هو مضرة، وأن الإصلاح هو ما ينبغي فعله مما فعله منفعة، وإن جهل المعاني التي جعلها الله إفسادا، والمعاني التي جعلها الله إصلاحا. فالذي يعلمه ذو اللسان -الذي بلسانه نزل القرآن- من تأويل القرآن، هو ما وصفت: من معرفة أعيان المسميات بأسمائها اللازمة غير المشترك فيها، والموصوفات بصفاتها الخاصة، دون الواجب من أحكامها وصفاتها وهيئاتها التي خص الله بعلمها نبيه صلى الله عليه وسلم، فلا يدرك علمه إلا ببيانه، دون ما استأثر الله بعلمه دون خلقه.
4) وجه لا يعذر أحد بجهالته :
-قال ابن عباس: التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله.
- قال أبو جعفر: وهذا الوجه الرابع الذي ذكره ابن عباس: من أن أحدا لا يعذر بجهالته، معنى غير الإبانة عن وجوه مطالب تأويله. وإنما هو خبر عن أن من تأويله ما لا يجوز لأحد الجهل به.


ذكر بعض الأخبار التي رويت بالنهي عن القول في تأويل القرآن بالرأي:

حكم الـتأويل بالرأي المجرد :
-ما كان من تأويل القرآن الذي لا يدرك علمه إلا بنص بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بنصبه الدلالة عليه - فغير جائز لأحد القيل فيه برأيه. بل القائل في ذلك برأيه - وإن أصاب عين الحق فيه - فمخطئ في فعله، بقيله فيه برأيه.
دليله : عن جندب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال في القرآن برأيه فأصاب، فقد أخطأ)).

سبب خطأ التأويل بالرأي المجرد وإن أصاب :
1) لأن إصابته ليست إصابة موقن أنه محق، وإنما هو إصابة خارص وظان.
2) القائل في دين الله بالظن، قائل على الله ما لم يعلم. وقد حرم الله جل ثناؤه ذلك في كتابه على عباده، فقال: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} [الأعراف: 33].
3) قال أبو جعفر : لأن قيله فيه برأيه، ليس بقيل عالم أن الذي قال فيه من قول حق وصواب، فهو قائل على الله ما لا يعلم، آثم بفعله ما قد نهي عنه وحظر عليه.

الأحاديث الواردة في النهى عن تأويل القرآن بالرأي المجرد :
- عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار)).
- عن أبي معمر، قال: قال أبو بكر الصديق: أي أرض تقلني، وأي سماء تظلني، إذا قلت في القرآن ما لا أعلم!
- عن أبي معمر، قال: قال أبو بكر الصديق: أي أرض تقلني، وأي سماء تظلني، إذا قلت في كتاب الله عز وجل برأيي - أو: بما لا أعلم.


ذكر بعض الأخبار التي رويت في الحض على العلم بتفسير القرآن :

الحث على تعلم القرآن مع العمل به :
- عن ابن مسعود، قال: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن،والعمل بهن.
- عن أبي عبد الرحمن، قال: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا: أنهم كانوا يستقرئون من النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل، فتعلمنا القرآن والعمل جميعا.

الحض على تفسير القرآن :
- عن سعيد بن جبير، قال: من قرأ القرآن ثم لم يفسره، كان كالأعجمي أو كالأعرابي.

بيان أهمية معرفة تأويل القرآن :
- في حث الله عز وجل عباده على الاعتبار بما في آي القرآن من المواعظ والبينات - بقوله جل ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب} [ص: 29] وقوله: {ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون * قرآناعربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون} [الزمر: 27، 28] وما أشبه ذلك من آي القرآن، التيأمر الله عباده وحثهم فيها على الاعتبار بأمثال آي القرآن، والاتعاظ بمواعظه .
- محال أن يقال لمن لا يفهم مايقال له ولا يعقل تأويله: "اعتبر بما لافهم لك به ولا معرفة من القيل والبيان والكلام"- إلا على معنى الأمر بأن يفهمه ويفقهه، ثم يتدبره ويعتبر به. فأما قبل ذلك، فمستحيل أمره بتدبره وهو بمعناه جاهل.


ذكر الأخبار عن بعض السلف فيمن كان من قدماء المفسرين محمودا علمه بالتفسير ومن كان منهم مذموما علمه به
المفسرون من الصحابة :
من أمثلتهم :
1) ابن مسعود رضي الله عنه :
- عن مسلم، عن مسروق، قال: قال عبد الله: والذي لا إله غيره، ما نزلت آية في كتاب الله إلاوأنا أعلم فيم نزلت؟ وأين نزلت؟ ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله منى تناله المطايا لأتيته.
- عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، قال: كان عبد الله يقرأ علينا السورة، ثم يحدثنا فيها ويفسرها عامة النهار.
2) ابن عباس رضي الله عنه :
- عن شقيق، قال: استعمل علي ابن عباس على الحج، قال: فخطب الناس خطبة لو سمعها الترك والروم لأسلموا، ثم قرأ عليهم سورة النور، فجعل يفسرها.
- عن الأعمش، عن أبي وائل شقيق بن سلمة، قال: قرأ ابن عباس سورة البقرة، فجعل يفسرها، فقال رجل: لو سمعت هذا الديلم لأسلمت.
- ذكر أبو بكر بن عياش: الأعمش، قال: قال أبو وائل: ولي ابن عباس الموسم؛ فخطبهم، فقرأ على المنبر سورة النور، والله لو سمعها الترك لأسلموا. فقيل له: حدثنا به عن عاصم؟ فسكت.
- سمعت الأعمش، عن شقيق، قال: شهدت ابن عباس وولى الموسم، فقرأ سورة النور على المنبر، وفسرها، لو سمعت الروم لأسلمت !
- عن مسلم، قال: قال عبد الله: نعم ترجمان القرآن ابن عباس.

من المفسرين من التابعين :
مجاهد
- عن ابن أبي مليكة قال: رأيت مجاهدا يسأل ابن عباس عن تفسير القرآن، ومعه ألواحه، فيقول له ابن عباس: "اكتب"، قال: حتى سأله عن التفسير كله.
- عن مجاهد، قال: عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات، من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها.
- عن أبي بكر الحنفي، قال: سمعت سفيان الثوري يقول: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به.

المفسرون ممن تلقوا من التابعين (من السلف) :
الضحاك .
- عن عبد الملك بن ميسرة، قال: لم يلق الضحاك ابن عباس، وإنما لقي سعيد بن جبير بالري، فأخذ عنه التفسير.

من القدماء من كان تفسيره مذموما :
أبي صالح ، الكلبي ، السدي .
- حدثنا زكريا، قال: كان الشعبي يمر بأبي صالح باذان، فيأخذ بأذنه فيعركها ويقول: تفسر القرآن وأنت لا تقرأ القرآن!
- حدثنا الأعمش، قال: حدثني سعيد بن جبير، عن ابن عباس: {والله يقضي بالحق} [غافر: 20] قال: قادر على أن يجزي بالحسنة الحسنة وبالسيئة السيئة {إن الله هو السميع البصير} [غافر: 20]، قال الحسين: فقلت للأعمش: حدثني به الكلبي، إلا أنه قال: إن الله قادر أن يجزى بالسيئة السيئة وبالحسنة عشرا، فقال الأعمش: لو أن الذي عندالكلبي عندي ما خرج مني إلا بخفير.
- عن صالح بن مسلم، قال: مر الشعبي على السدي وهو يفسر، فقال: لأن يضرب على استك بالطبل، خير لك من مجلسك هذا.
- عن سلم بن عبد الرحمن النخعي، قال: كنت مع إبراهيم، فرأى السدي، فقال: أما إنه يفسر تفسير القوم.
- عن قتادة، قال: ما بقي أحدا يجري مع الكلبي في التفسير في عنان.


بيان مسألة صحة تأويل القرآن وذكر الأخبار التي غلط في تأويلها منكرو القول في تأويل القرآن:
الأخبار التي غلط فيها من أنكر تفسير القرآن :
1) الأخبار الواردة عن موقف الصحابة من تفسير القرآن :
- عن عائشة، قالت: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفسر شيئا من القرآن إلا آيا بعدد، علمهن إياه جبريل.
- عن عائشة، قالت: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يفسر شيئا من القرآن، إلا آيا بعدد، علمهن إياه جبريل عليه السلام.
- عن ابن أبي مليكة: أن ابن عباس سئل عن آية لو سئل عنها بعضكم لقال فيها، فأبى أن يقول فيها.
- عن الوليد بن مسلم، قال: جاء طلق بن حبيب إلى جندب بن عبد الله، فسأله عن آية من القرآن، فقال له: أحرج عليك إن كنت مسلما، لما قمت عنى - أو قال: أن تجالسني.
2) احجام التابعين وتعظيمهم في القول في التفسير :
- حدثنا عبيد الله بن عمر، قال: لقد أدركت فقهاء المدينة، وإنهم ليعظمون القول في التفسير منهم: سالم بن عبد الله، والقاسم بن محمد، وسعيد بن المسيب،ونافع.
- عن يحيى بن سعيد، قال: سمعت رجلا يسأل سعيد بن المسيب عن آية من القرآن، فقال: لا أقول في القرآن شيئا.
- عن عمرو بن مرة، قال: سأل رجل سعيد بن المسيب عن آية من القرآن، فقال: لا تسألني عن القرآن، وسل من يزعم أنه لا يخفى عليه شيء منه- يعني عكرمة.
- عن يحيى بن سعيد، عن ابن المسيب: أنه كان لا يتكلم إلا في المعلوم من القرآن.
- حدثني يزيد بن أبي يزيد، قال: كنا نسأل سعيد بن المسيب عن الحلال والحرام، وكان أعلم الناس، فإذا سألناه عن تفسير آية من القرآن سكت كأن لم يسمع.
- عن محمد بن سيرين، قال: سألت عبيدة عن آية من القرآن فقال: ذهب الذين كانوا يعلمون فيم أنزل القرآن، فاتق الله وعليك بالسداد.
- عن عبد الله بن أبي السفر، قال: قال الشعبي: والله ما من آية إلا قد سألت عنها، ولكنها الرواية عن الله تعالى.
- عن صالح -يعني ابن مسلم- قال: حدثني رجل، عن الشعبي، قال: ثلاث لا أقول فيهن حتى أموت: القرآن، والروح، والرأي.
- عن سعيد بن المسيب: أنه كان إذا سئل عن تفسير آية من القرآن، قال: إنا لا نقول في القرآن شيئا.
- عن ابن المسيب: أنه كان لا يتكلم إلا في المعلوم من القرآن.
- عن ابن سيرين، قال: سألت عبيدة السلماني عن آية، قال: عليك بالسداد، فقد ذهب الذين علموا فيم أنزل القرآن.
- عن محمد بن سيرين، قال: سألت عبيدة عن آية من القرآن فقال: ذهب الذين كانوا يعلمون فيم أنزل القرآن، فاتق الله وعليك بالسداد.
- عن ابن أبي مليكة: أن ابن عباس سئل عن آية لو سئل عنها بعضكم لقال فيها، فأبى أن يقول فيها.
- عن الوليد بن مسلم، قال: جاء طلق بن حبيب إلى جندب بن عبد الله، فسأله عن آية من القرآن، فقال له: أحرج عليك إن كنت مسلما، لما قمت عنى - أو قال: أن تجالسني.
- حدثني يزيد بن أبي يزيد، قال: كنا نسأل سعيد بن المسيب عن الحلال والحرام، وكان أعلم الناس، فإذا سألناه عن تفسير آية من القرآن سكت كأن لم يسمع.

الرد على الأخبار التي يستدل بها من أنكر تفسير المفسرين :
الرد على من تأول موقف الصحابة في تأويل القرآن :
أما الخبر الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن يفسر من القرآن شيئا إلا آيا بعدد، فإن ذلك مصحح ما قلنا من القول في الباب الماضي قبل، وهو: أن من تأويل القرآن ما لا يدرك علمه إلا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم. وذلك تفصيل جمل ما في آيه من أمر الله ونهيه وحلاله وحرامه، وحدوده وفرائضه، وسائر معاني شرائع دينه، الذي هو مجمل فيظاهر التنزيل، وبالعباد إلى تفسيره الحاجة - لا يدرك علم تأويله إلا ببيان من عند الله على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذلك هو الآي التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسرها لأصحابه بتعليم جبريل إياه، وهن لا شكآي ذوات عدد.
1) ومن آي القرآن ما قد ذكرنا أن الله جل ثناؤه استأثر بعلم تأويله، فلم يطلع على علمه ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا ولكنهم يؤمنون بأنه من عنده، وأنه لا يعلم تأويله إلا الله.
2) وفي أمر الله جل ثناؤه نبيه صلى الله عليه وسلم ببلاغ ما أنزل إليه، وإعلامه إياه أنه إنما نزل إليه ما أنزل ليبين لناسما نزل إليهم، وقيام الحجة على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ وأدى ما أمره الله ببلاغه وأدائه على ما أمره به، وصحة الخبر عن عبد الله بن مسعود بقيله: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعلم معانيهن والعمل بهن - ما ينبئ عن جهل من ظن أو توهم أن معنى الخبر الذي ذكرنا عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه لم يكن يفسر من القرآن شيئا إلا آيا بعدد، هو أنه لم يكن يبين لأمته من تأويله إلا اليسير القليل منه
.
هذا مع ما في الخبر الذي روي عن عائشة من العلة التي في إسناده، التي لا يجوز معها الاحتجاج به لأحد ممن علم صحيح سند الآثار وفاسدها في الدين. لأن راويه ممن لا يعرف في أهل الآثار، وهو: جعفر بن محمد الزبيري.
الرد على من تأول أخبار التابعين في تأويل القرآن :
وأما الأخبار التي ذكرناها عمن ذكرناها عنه من التابعين، بإحجامه عن التأويل، فإن فعل من فعل ذلك منهم، كفعل من أحجم منهم عن الفتيا في النوازل والحوادث، مع إقراره بأن الله جل ثناؤه لم يقبض نبيه إليه، إلا بعد إكمال الدين به لعباده، وعلمه بأن لله في كل نازلة وحادثة حكما موجودا بنص أو دلالة. فلم يكن إحجامه عن القول في ذلك إحجام جاحد أن يكون لله فيه حكم موجود بين أظهر عباده، ولكن إحجام خائف أن لا يبلغ باجتهاده ما كلف الله العلماء من عباده فيه
.
فكذلك معنى إحجام من أحجم عن القيل في تأويل القرآن وتفسيره من العلماء السلف، إنما كان إحجامه عنه حذارا أن لا يبلغ أداء ما كلف من إصابة صواب القول فيه، لا على أن تأويل ذلك محجوب عن علماء الأمة، غير موجود بين أظهرهم.


بيان خلاصة فساد قول من أنكر تفسير المفسرين ( مالم يحجب تأويله ) :
1) الله جل ثناؤه قد أمر عباده بتدبره وحثهم على الاعتبار بأمثاله- كان معلوما أنه لم يأمر بذلك من كان بما يدل عليه آيه جاهلا.
2)وإذ لم يجز أن يأمرهم بذلك إلا وهم بما يدلهم عليه عالمون، صح أنهم -بتأويل ما لم يحجب عنهم علمه من آيه الذي استأثر الله بعلمه منه دون خلقه، الذي قدمنا صفته آنفا- عارفون.
3) وإذ صح ذلك فسد قول من أنكر تفسير المفسرين -من كتاب الله وتنزيله- ما لم يحجب عن خلقه تأويله.

ضوابط التفسير :
1) أوضحهم بيانا هو الإستعانة بتأويل الرسول صلى الله عليه وسلم بأخبار ثابته عنه :
- إما من جهة النقل المستفيض .
- وإما من جهة نقل عدول .
- وإما من جهة الدلالة المنصوبة على صحته .
2)أوضحهم حجة هو مما كان مدركا علمه من جهة اللسان:
- إما بالشواهد من أشعارهم السائرة.
- وإما من منطقهم ولغاتهم المستفيضة المعروفة.
3) أن لا يكون خارجا تأويله وتفسيره ما تأول وفسر من ذلك، عن أقوال السلف من الصحابة والأئمة، والخلف من التابعين وعلماء الأمة.


القول في تأويل أسماء القرآن وسوره وآيه:
أسماء القرآن أربعة :
1) القرآن : اختلفوا في معناها :
1: يأتي مصدرا معنى القراءة من قرأ :
قالوا :الواجب أن يكون تأويله على قول ابن عباس: من التلاوة والقراءة، وأن يكون مصدرا منقول القائل: قرأت القرآن، كقولك: "الخسران" من "خسرت"، و "الغفران" من "غفر الله لك"، و "الكفران" من "كفرتك"، "والفرقان" من "فرق الله بين الحق والباطل".
دليل هذا القول :
-عن ابن عباس في قوله: {فإذا قرأناه} يقول: بيناه، {فاتبع قرآنه} [القيامة: 18] يقول: اعمل به
.
ومعنى قول ابن عباس هذا: فإذا بيناه بالقراءة، فاعمل بما بيناه لك بالقراءة.
-عن ابن عباس: {إن علينا جمعه وقرآنه} [القيامة: 17] قال: أن نقرئك فلا تنسى {فإذا قرأناه} عليك {فاتبع قرآنه} يقول: إذا تلي عليك فاتبع ما فيه
.
قال أبو جعفر: فقد صرح هذا الخبر عن ابن عباس: أن معنى "القرآن" عنده القراءة، وإنه مصدر من قول القائل: قرأت، على ما بيناه.
2)أو يأتي مصدرا بمعنى التأليف : على قول قتادة، فإن الواجب أن يكون مصدرا، منقول القائل: قرأت الشيء، إذا جمعته وضممت بعضه إلى بعض.
دليل هذا القول :
-عن قتادة في قوله تعالى: {إن علينا جمعه وقرآنه} يقول: حفظه وتأليفه، {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} يقول: اتبع حلاله، واجتنب حرامه.
الراجح والعلة في الترجيح :
الترجيح:قال أبو جعفر: ولكلا القولين -أعني قول ابن عباسوقول قتادة- اللذين حكيناهما، وجه صحيح في كلام العرب. غير أن أولى قوليهما بتأويل قول الله تعالى: {إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} قول ابن عباس
.
العلة :1-لأن الله جل ثناؤه أمر نبيه صلى الله عليه وسلم في غير آية من تنزيله باتباع ما أوحى إليه، ولم يرخص له في ترك اتباع شيء من أمره إلى وقت تأليفه القرآن. فكذلك قوله: {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} نظير سائر ما في آي القرآن التي أمره الله فيها باتباع ما أوحى إليه في تنزيله.
2-وإذ صح أن حكم كل آية من آي القرآن كان لازم االنبي صلى الله عليه وسلم اتباعه والعمل به، مؤلفة كانت إلى غيرها أو غير مؤلفة -صح ما قال ابن عباس في تأويل قوله: {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} أنه معني به: فإذا بيناه لك بقراءتنا، فاتبع ما بيناه لك بقراءتنا- دون قول من قال: معناه، فإذا ألفناه فاتبع ما ألفناه.

2) الفرقان : وأما تأويل اسمه الذي هو "فرقان"، فإن تفسير أهلا لتفسير جاء في ذلك بألفاظ مختلفة، هي في المعاني مؤتلفة.
أصل معنى الفرقان وسبب تسمية القرآن بذلك :
-الفرق بين الشيئين والفصل بينهما. وقد يكون ذلك بقضاء، واستنقاذ، وإظهار حجة، ونصر وغير ذلك من المعاني المفرقة بين المحق والمبطل.
السبب في هذه التسمية :
1: لفصله -بحججه وأدلته وحدود فرائضه وسائر معاني حكمه- بين المحق والمبطل.
2:وفرقانه بينهما: بنصره المحق، وتخذيله المبطل، حكما وقضاء.
الأقوال الواردة في معنى الفرقان :
- عن عكرمة: أنه كان يقول: هو النجاة
.
وكذلك كان السدي يتأوله.
- وكان ابن عباس يقول: "الفرقان": المخرج
- وكان مجاهد يقول في قول الله جل ثناؤه: {يوم الفرقان} [الأنفال: 41] يوم فرق الله فيه بين الحق والباطل.
الجمع بين الأقوال :
-وكل هذه التأويلات في معنى "الفرقان" -على اختلاف ألفاظها- متقاربات المعاني.
-فجميع ما روينا -عمن روينا عنه- في معنى "الفرقان"، قول صحيح المعنى، لاتفاق معاني ألفاظهم في ذلك.
3
) الكتاب:
أصله :هو مصدر من قولك: "كتبت كتابا" كما تقول: قمت قياما، وحسبت الشيء حسابا.
معناه: هو خط الكاتب حروف الكتاب المعجم مجموعة ومفترقة.

4) الذكر:
تأويل اسمه الذي هو "ذكر"، فإنه محتمل معنيين:
1: ذكر من الله جل ذكره، ذكر به عباده ،أنه فعرفهم فيه حدوده وفرائضه، وسائر ما أودعه من حكمه.
2: أنه ذكر و شرف وفخر لمن آمن به وصدق بما فيه، كما قال جل ثناؤه: {وإنه لذكر لك ولقومك} [الزخرف: 44]، يعني به أنه شرف له ولقومه.

أسماء سور القرآن :
-السبع الطول: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، ويونس، في قول سعيد بن جبير.
وإنما سميت هذه السور السبع الطول، لطولها على سائر سور القرآن.
-وأما "المئون: فهي ما كان من سور القرآن عدد آيه مائة آية، أو تزيد عليها شيئا أو تنقص منها شيئا يسيرا.
-وأما "المفصل": فإنما سميت مفصلا لكثرة الفصول التي بين سورها بـ "بسم الله الرحمن الرحيم".
-وأما "المثاني: فإنها ما ثنى المئين فتلاها، وكان المئون لها أوائل، وكان المثاني لها ثواني.
الأقوال الواردة في سبب تسميتها بذلك :
1)وقد قيل: إن المثاني سميت مثاني، لتثنية الله جل ذكره فيها الأمثال والخبر والعبر، وهو قول ابن عباس.
2)وروي عن سعيد بن جبير، أنه كان يقول: إنما سميت مثاني لأنها ثنيت فيها الفرائض والحدود.
3) قال جماعة يكثر تعدادهم: القرآن كله مثان.
4)وقال جماعة أخر: بل المثاني فاتحة الكتاب، لأنها تثنى قراءتها في كل صلاة.

تسمية سورة لسور القرآن :
تسمى كل سورة من سور القرآن سورة، وتجمع سورا، على تقدير "خطبة وخطب"، "وغرفة وغرف".
معنى السورة :
والسورة، بغير همز: المنزلة من منازل الارتفاع. ومن ذلك سور المدينة، سمي بذلك الحائط الذي يحويها، لارتفاعه على ما يحويه.
جمع كلمة سورة :
السورة من سور المدينة لم يسمع في جمعها "سور"، كما سمع في جمع سورة من القرآن "سور .
فخرج تقدير جمعها على تقدير جمع برة وبسرة، لأن ذلك يجمع برا وبسرا. وكذلك لم يسمع في جمع سورة من القرآن سور.
معنى السورة بالهمز :
همز بعضهم السورة من القرآن. وتأويلها، في لغة من همزها، القطعة التي قد أفضلت من القرآن عما سواها وأبقيت.

معنى آي القرآن :
آي القرآن تحتمل وجهين :
1) أن تكون سميت آية، لأنها علامة يعرف بها تمام ما قبلها وابتداؤها، كالآية التي تكون دلالة على الشيء يستدل بها عليه.
2) القصة، كما قال كعب بن زهير بن أبي سلمى:
ألا أبلغا هذا المعرض آية = أيقظان قال القول إذ قال أم حلم.
فيكون معنى الآيات: القصص، قصة تتلو قصة، بفصول ووصول.


بيان تأويل أسماء سورة الفاتحة :
عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((هي أم القرآن، وهي فاتحة الكتاب، وهي السبع المثاني)).
أسماء سورة الفاتحة :
1)فاتحة الكتاب : وسميت "فاتحة الكتاب"، لأنها يفتتح بكتابتها المصاحف، وبقراءتها في الصلوات، فهي فواتح لما يتلوها من سور القرآن في الكتاب والقراءة.
2)أم القرآن : وسميت "أم القرآن" لتقدمها على سائر سور القرآن غيرها، وتأخر ما سواها خلفها في القراءة والكتابة. وذلك من معناها شبيه بمعنى فاتحة الكتاب. وإنما قيل لها -لكونها كذلك- أم القرآن، لتسمية العرب كل جامع أمرا -أو مقدم لأمر إذا كانت له توابع تتبعه، هو لها إمام جامع- "أما .
3)السبع المثاني: وأما تأويل اسمها أنها "السبع"، فإنها سبع آيات، لا خلاف بين الجميع من القراء والعلماء في ذلك.
وأما وصف النبي صلى الله عليه وسلم آياتها السبع بأنهن مثان، فلأنها تثنى قراءتها في كل صلاة تطوع ومكتوبة. وكذلك كان الحسن البصري يتأول ذلك.
دليل ذلك : عن أبي رجاء، قال سألت الحسن عن قوله: {ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم} [الحجر: 87] قال: هي فاتحة الكتاب. ثم سئل عنها وأنا أسمع فقرأها: {الحمدلله رب العالمين} حتى أتى على آخرها، فقال: تثنى في كل قراءة - أو قال - في كل صلاة. الشك من أبي جعفر.
========
تم بحمد الله وتوفيقه .
أحسنتِ وتميزتِ أختي الفاضلة.
الملحوظات :
1: لاحظتُ اعتمادكِ على عناوين الأبواب كعناوين للمقاصد الفرعية للمقدمة ، وهذا قد يفوّت عليكِ فائدة تلخيص المقاصد وأهم ما يتميز به ، إذ يُركز هذا النوع من التلخيص على مقاصد الكتاب بغض النظر عن ترتيب المؤلف لمسائله ، وتدرب الطالب على تحديد المقاصد يزيد من قوة فهمه واستنباطه.
ولعلكِ في التلخيص أعدتِ ترتيب المسائل ووددتُ لو ظهر ذلك المجهود في صياغتكِ لقائمة المقاصد الفرعية إذ تعتبر واجهة تلخيصكِ.

2: حاولي تحرير المسائل العلمية بعبارات وجيزة تبين مقصد المؤلف من ذكر هذه المسألة دون تطويل.
ومن ذلك المسائل الخلافية ، لو اتبعتِ الطريقة التي تعلمتموها في تحرير المسائل الخلافية وصغتِ الأقوال بأسلوبكِ لخرجت المسألة في سطور قليلة ومع ذلك توفينها حقًا ، مثلا :
مسألة : "هل في القرآن ألفاظ أعجمية ؟ " ، كان من الممكن اختصارها في عبارات وجيزة بأسلوبك ، وقد وردت فيها ثلاثة أقوال ضعف ابن جرير قولين ورجح الثالث ؛ فنحرر المسألة على الطريقة المعروفة :
ورد في المسألة ثلاثة أقوال :
الأول : ... واستدلوا بـ
الثاني : .... واستدلوا بـ ...
الثالث : .... واستدلوا بـ ...
ورجح بن جرير القول ... واستدل بــ ... ورد على أصحاب القول كذا بـ .... وأصحاب القول بكذا بـ ...

3: أحسنتِ تلخيص معظم الأحاديث الواردة في تلخيصكِ ، ولتمام الفائدة نذكر من رواها من الأئمة واغلب الأحاديث في تفسير ابن جرير هي من روايته فلعلكِ لاحظتِ أنه كثيرًا ما يقول : حدثني فلان عن فلان ، فحبذا لو ختمتِ الحديث ببيان من رواه مثلا : رواهُ بن جرير في مقدمة تفسيره.


تقييم التلخيص :
أولاً: الشمول (اشتمال التلخيص على مسائل الدرس) : 30 / 30
ثانياً: الترتيب (ترتيب المسائل ترتيبًا موضوعيًا) : 20 / 20
ثالثاً: التحرير العلمي (استيعاب الأقوال في المسألة وترتيبها وذكر أدلتها وعللها ومن قال بها): 15 / 20
رابعاً: الصياغة (حسن صياغة المسائل وتجنب الأخطاء الإملائية واللغوية ومراعاة علامات الترقيم) : 13 / 15
خامساً: العرض
(حسن تنسيق التلخيص وتنظيمه وتلوينه) : 15/ 15
___________________
= 93 %
زادكِ الله علمًا وهدىً ، ووفقكِ وسددكِ.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الطالبة, صفحة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:22 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir