دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > اختصار علوم الحديث

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17 ذو القعدة 1429هـ/15-11-2008م, 03:57 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي التعليقات التي في الصحيحين

(التَّعْلِيقَاتُ الَّتِي فِي الصَّحِيحَيْنِ)

وَتَكَلَّمَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو عَلَى التَّعْلِيقَاتِ الْوَاقِعَةِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ, وَفِي مُسْلِمٍ أَيْضًا, لَكِنَّهَا قَلِيلَةٌ, قِيلَ إِنَّهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَوْضُوعًا.
وَحَاصِلُ الْأَمْرِ: أَنَّ مَا عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ فَصَحِيحٌ إِلَى مَنْ عَلَّقَهُ عَنْهُ, ثُمَّ النَّظَرُ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ. وَمَا كَانَ مِنْهَا بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ فَلَا يُسْتَفَادُ مِنْهَا صِحَّةٌ، وَلَا تُنَافِسُهَا أَيْضًا; لِأَنَّهُ وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَهُوَ صَحِيحٌ, وَرُبَّمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَمَا كَانَ مِنَ التَّعْلِيقَاتِ صَحِيحًا فَلَيْسَ مِنْ نَمَطِ الصَّحِيحِ الْمُسْنَدِ فِيهِ, لِأَنَّهُ قَدْ وَسَمَ كِتَابَهُ (بِالْجَامِعِ الْمُسْنَدِ الصَّحِيحِ الْمُخْتَصَرِ فِي أُمُورِ رَسُولِ اللَّهِ r وَسُنَنِهِ وَأَيَّامِهِ).
فَأَمَّا إِذَا قَالَ الْبُخَارِيُّ: "قَالَ لَنَا"، أَوْ "قَالَ لِي فُلَانٌ كَذَا", أَوْ "زَادَنِي" وَنَحْوَ ذَلِكَ, فَهُوَ مُتَّصِلٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِ.
وَحَكَى ابْنُ الصَّلَاحِ عَنْ بَعْضِ الْمَغَارِبَةِ أَنَّهُ تَعْلِيقٌ أَيْضًا, يَذْكُرُهُ لِلِاسْتِشْهَادِ لَا لِلِاعْتِمَادِ, وَيَكُونُ قَدْ سَمِعَهُ فِي الْمُذَاكَرَةِ.
وَقَدْ رَدَّهَ ابْنُ الصَّلَاحِ, فَإِنَّ الْحَافِظَ أَبَا جَعْفَرِ بْنَ حَمْدَانَ قَالَ: إِذَا قَالَ الْبُخَارِيُّ: "وَقَالَ لِي فُلَانٌ" فَهُوَ مِمَّا سَمِعَهُ عَرْضًا وَمُنَاوَلَةً.
وَأَنْكَرَ ابْنُ الصَّلَاحِ عَلَى ابْنِ حَزْمٍ رَدَّهُ حَدِيثَ الْمَلَاهِي حَيْثُ قَالَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ: "وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ"، وَقَالَ: أَخْطَأَ ابْنُ حَزْمٍ مِنْ وُجُوهٍ, فَإِنَّهُ ثَابِتٌ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ.
(قُلْتُ): وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ, وَأَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ، وَخَرَّجَهُ البُرْقَانِيُّ فِي صَحِيحِهِ, وَغَيْرُ وَاحِدٍ, مُسْنَدًا مُتَّصِلًا إِلَى هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ وَشَيْخِهِ أَيْضًا, كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ (الْأَحْكَامِ), وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
ثُمَّ حَكَى أَنَّ الْأُمَّةَ تَلَقَّتْ هَذَيْنِ الْكِتَابَيْنِ بِالْقَبُولِ, سِوَى أَحْرُفٍ يَسِيرَةٍ, انْتَقَدَهَا بَعْضُ الْحُفَّاظِ, كَالدَّارَقُطْنِيِّ وَغَيْرِهِ, ثُمَّ اسْتَنْبَطَ مِنْ ذَلِكَ الْقَطْعَ بِصِحَّةِ مَا فِيهِمَا مِنَ الْأَحَادِيثِ; لِأَنَّ الْأُمَّةَ مَعْصُومَةٌ عَنِ الْخَطَأِ, فَمَا ظَنَّتْ صِحَّتَهُ وَوَجَبَ عَلَيْهَا الْعَمَلُ بِهِ, لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ صَحِيحًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَهَذَا جَيِّدٌ.
وَقَدْ خَالَفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ, وَقَالَ: لَا يُسْتَفَادُ الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ مِنْ ذَلِكَ.
(قُلْتُ): وَأَنَا مَعَ ابْنِ الصَّلَاحِ فِيمَا عَوَّلَ عَلَيْهِ وَأَرْشَدَ إِلَيْهِ واللهُ أَعْلَمُ.
"حَاشِيَةٌ" ثُمَّ وَقَفْتُ بَعْدَ هَذَا عَلَى كَلَامٍ لِشَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ ابْنِ تَيْمِيَةَ مَضْمُونُهُ: أَنَّهُ نَقَلَ الْقَطْعَ بِالْحَدِيثِ الَّذِي تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ عَنْ جَمَاعَاتٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ، مِنْهُمُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكِيُّ, وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَائِينِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ, وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ, وَابْنُ حَامِدٍ, وَأَبُو يَعْلَى بْنُ الْفَرَّاءِ, وَأَبُو الْخَطَّابِ, وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ, وَأَمْثَالُهُمْ مِنَ الْحَنَابِلَةِ, وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: قَالَ: "وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْكَلَامِ مِنَ الْأَشْعَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ كَأَبِي إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَائينِيِّ, وَابْنِ فُورَكٍ، قَالَ: وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَدِيثِ قَاطِبَةً وَمَذْهَبُ السَّلَفِ عَامَّةً".
وَهُوَ مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ اسْتِنْبَاطًا فَوَافَقَ فِيهِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةَ.


  #2  
قديم 6 ذو الحجة 1429هـ/4-12-2008م, 07:29 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الباعث الحثيث للشيخ: أحمد شاكر

(التَّعْلِيقَاتُ الَّتِي فِي الصَّحِيحَيْنِ)

وَتَكَلَّمَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو عَلَى التَّعْلِيقَاتِ الْوَاقِعَةِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ, وَفِي مُسْلِمٍ أَيْضًا, لَكِنَّهَا قَلِيلَةٌ[1], قِيلَ إِنَّهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَوْضُوعًا.
وَحَاصِلُ الْأَمْرِ: أَنَّ مَا عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ فَصَحِيحٌ إِلَى مَنْ عَلَّقَهُ عَنْهُ, ثُمَّ النَّظَرُ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ. وَمَا كَانَ مِنْهَا بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ[2]فَلَا يُسْتَفَادُ مِنْهَا صِحَّةٌ، وَلَا تُنَافِسُهَا أَيْضًا; لِأَنَّهُ وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَهُوَ صَحِيحٌ, وَرُبَّمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَمَا كَانَ مِنَ التَّعْلِيقَاتِ صَحِيحًا فَلَيْسَ مِنْ نَمَطِ الصَّحِيحِ الْمُسْنَدِ فِيهِ, لِأَنَّهُ قَدْ وَسَمَ كِتَابَهُ (بِالْجَامِعِ الْمُسْنَدِ الصَّحِيحِ الْمُخْتَصَرِ فِي أُمُورِ رَسُولِ اللَّهِ r وَسُنَنِهِ وَأَيَّامِهِ).
فَأَمَّا إِذَا قَالَ الْبُخَارِيُّ: "قَالَ لَنَا"، أَوْ "قَالَ لِي فُلَانٌ كَذَا", أَوْ "زَادَنِي" وَنَحْوَ ذَلِكَ, فَهُوَ مُتَّصِلٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِ.
وَحَكَى ابْنُ الصَّلَاحِ عَنْ بَعْضِ الْمَغَارِبَةِ أَنَّهُ تَعْلِيقٌ أَيْضًا, يَذْكُرُهُ لِلِاسْتِشْهَادِ لَا لِلِاعْتِمَادِ, وَيَكُونُ قَدْ سَمِعَهُ فِي الْمُذَاكَرَةِ.
وَقَدْ رَدَّهَ ابْنُ الصَّلَاحِ, فَإِنَّ الْحَافِظَ أَبَا جَعْفَرِ بْنَ حَمْدَانَ قَالَ: إِذَا قَالَ الْبُخَارِيُّ: "وَقَالَ لِي فُلَانٌ" فَهُوَ مِمَّا سَمِعَهُ عَرْضًا وَمُنَاوَلَةً.
وَأَنْكَرَ ابْنُ الصَّلَاحِ عَلَى ابْنِ حَزْمٍ رَدَّهُ حَدِيثَ الْمَلَاهِي[3] حَيْثُ قَالَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ: "وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ"، وَقَالَ: أَخْطَأَ ابْنُ حَزْمٍ مِنْ وُجُوهٍ, فَإِنَّهُ ثَابِتٌ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ.
(قُلْتُ): وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ, وَأَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ، وَخَرَّجَهُ البُرْقَانِيُّ فِي صَحِيحِهِ, وَغَيْرُ وَاحِدٍ, مُسْنَدًا مُتَّصِلًا إِلَى هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ وَشَيْخِهِ أَيْضًا, كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ (الْأَحْكَامِ), وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
ثُمَّ حَكَى أَنَّ الْأُمَّةَ تَلَقَّتْ هَذَيْنِ الْكِتَابَيْنِ بِالْقَبُولِ, سِوَى أَحْرُفٍ يَسِيرَةٍ, انْتَقَدَهَا بَعْضُ الْحُفَّاظِ, كَالدَّارَقُطْنِيِّ وَغَيْرِهِ[4], ثُمَّ اسْتَنْبَطَ مِنْ ذَلِكَ الْقَطْعَ بِصِحَّةِ مَا فِيهِمَا مِنَ الْأَحَادِيثِ; لِأَنَّ الْأُمَّةَ مَعْصُومَةٌ عَنِ الْخَطَأِ, فَمَا ظَنَّتْ صِحَّتَهُ وَوَجَبَ عَلَيْهَا الْعَمَلُ بِهِ, لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ صَحِيحًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَهَذَا جَيِّدٌ.
وَقَدْ خَالَفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ, وَقَالَ: لَا يُسْتَفَادُ الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ مِنْ ذَلِكَ.
(قُلْتُ): وَأَنَا مَعَ ابْنِ الصَّلَاحِ فِيمَا عَوَّلَ عَلَيْهِ وَأَرْشَدَ إِلَيْهِ واللهُ أَعْلَمُ[5].
"حَاشِيَةٌ" ثُمَّ وَقَفْتُ بَعْدَ هَذَا عَلَى كَلَامٍ لِشَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ ابْنِ تَيْمِيَةَ مَضْمُونُهُ: أَنَّهُ نَقَلَ الْقَطْعَ بِالْحَدِيثِ الَّذِي تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ عَنْ جَمَاعَاتٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ، مِنْهُمُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكِيُّ, وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَائِينِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ, وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ, وَابْنُ حَامِدٍ, وَأَبُو يَعْلَى بْنُ الْفَرَّاءِ, وَأَبُو الْخَطَّابِ, وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ, وَأَمْثَالُهُمْ مِنَ الْحَنَابِلَةِ, وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: قَالَ: "وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْكَلَامِ مِنَ الْأَشْعَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ كَأَبِي إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَائينِيِّ, وَابْنِ فُورَكٍ، قَالَ: وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَدِيثِ قَاطِبَةً وَمَذْهَبُ السَّلَفِ عَامَّةً".
وَهُوَ مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ اسْتِنْبَاطًا فَوَافَقَ فِيهِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةَ.


[1] يعني التي في مسلم. بخلاف التي في البخاري، فهي كثيرة، حتى كتب الحافظ ابن حجر في تخريجها كتابا سماه (تعليق التعليق)، ولخصه في مقدمة فتح الباري في 56 صفحة كبيرة، انظر المقدمة (ص 14- 71 طبعة بولاق).
وأما معلقات مسلم فقد سردها الحافظ العراقي في شرحه لكتاب ابن الصلاح (ص 20 – 21 طبعة حلب سنة 1350)، فراجعها إن شئت.

[2] صيغة الجزم قال: "وروى، وجاء، وعن" وصيغة التعريض نحو قيل، وروي عن، ويروى، ويذكر ونحوها.

[3] حديث الملاهي: هو حديث عبد الرحمن بن غنم الأشعري عن أبي عامر أو أبي مالك الأشعري مرفوعًا: ليكونن من أمتي قوم يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف. (الحر)، بكسر الحاء وتخفيف الراء: هو الفرج. والمراد استحلال الزنا. وهذه الرواية الصحيحة في جميع نسخ البخاري وغيره. ورواه بعض الناقلين (الخز) بالخاء والزاي المعجمتين، وهو تصحيف، كما قال الحافظ أبو بكر بن العربي. انظر فتح الباري (ج10 ص 45- 49 طبع بولاق)، وقد أطال في شرح الحديث، وفي الكلام على تعليق البخاري إياه.

[4] الحق الذي لا مرية فيه عند أهل العلم بالحديث من المحققين، وممن اهتدى بهديهم وتبعهم على بصيرة من الأمر-: أن أحاديث الصحيحين صحيحة كلها. ليس في واحد منها مطعن أو ضعف، وإنما انتقد الدارقطني وغيره من الحفاظ بعض الأحاديث على معنى أن ما انتقدوه لم يبلغ في الصحة الدرجة العليا التي ألزمها كل واحد منهما في كتابه. وأما صحة الحديث في نفسه قد يخالف أحد فيها. فلا يهولنك إرجاف المرجفين. وزعم الزاعمين أن في الصحيحين أحاديث غير صحيحة. وتتبع الأحاديث التي تكلموا فيها، وانقدها على القواعد الدقيقة التي سار عليها أئمة أهل العلم، واحكم عن بينة والله الهادي إلى سواء السبيل.

[5] اختلفوا في الحديث الصحيح: هل موجب العلم القطعي اليقيني. أو الظن؟ وهي مسألة دقيقة تحتاج إلى تحقيق:
أما الحديث المتواتر لفظا أو معنى فإنه قطعي الثبوت. لا خلاف في هذا بين أهل العلم. وأما غيره من الصحيح فنسب بعضهم إلى أنه لا يفيد القطع، بل هو ظني الثبوت، وهو الذي رجحه النووي في التقريب. وذهب غيرهم إلى أنه يفيد العلم اليقيني. وهو مذهب داود الظاهري، والحسين بن علي الكرابيسي، والحارث بن أسد المحاسبي، وحكاه ابن خويز منداد عن مالك. وهو الذي اختاره وذهب إليه ابن حزم، قال في الأحكام: (إن خبر الواحد العدل عن مثله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجب العلم والعمل معا). ثم أطال في الاحتجاج له والرد على مخالفيه، في بحث نفيس ج1 ص 119- 127.
واختار ابن الصلاح أن ما أخرجه الشيخان -البخاري ومسلم- في صحيحيهما أو رواه أحدهما: مقطوع بصحته، والعلم اليقيني النظري واقع به. واستثنى من ذلك أحاديث قليلة تكلم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ، كالدارقطني وغيره. وهي معروفة عند أهل هذا الشأن.
هكذا قال في كتابه (علوم الحديث) ونقله مثله العراقي في شرحه على ابن الصلاح عن الحافظ أبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي وأبي نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق بن يوسف، ونقله البلقيني عن أبي إسحاق وأبي حامد الإسفراييني والقاضي أبي الطيب والشيخ أبي إسحاق الشيرازي من الشافعية. وعن السرخسي من الحنفية، وعن القاضي عبد الوهاب من المالكية، وعن أبي يعلى وأبي الخطاب وابن الزغواني من الحنابلة، وعن أكثر أهل الكلام من الأشعرية. وعن أهل الحديث قاطبة، وهو الذي اختاره الحافظ ابن حجر والمؤلف.
والحق الذي ترجحه الأدلة الصحيحة ما ذهب إليه ابن حزم ومن قال بقوله، من أن الحديث الصحيح يفيد العلم القطعي، سواء أكان في أحد الصحيحين أم في غيرهما، وهذا العلم اليقيني علم نظري برهاني، لا تحصل إلا للعالم المتبحر في الحديث. العارف بأحوال الرواة والعلل. وأكاد أوقن أنه هو مذهب من نقل عنهم البقليني ممن سبق ذكرهم، وأنهم لم يريدوا بقولهم ما أراد ابن الصلاح من تخصيص أحاديث الصحيحين بذلك.
وهذا العلم اليقيني النظري يبدو ظاهرًا لكل من تبحر في علم من العلوم، وتيقنت نفسه بنظرياته. واطمأن قلبه إليها. ودع عنك تفريق المتكلمين في إصلاحاتهم بين العلم والظن، فإنما يريدون بهما معنى آخر غير ما نريد. ومنه زعم الزاعمين أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، إنكارًا لما يشعر به كل واحد من الناس من اليقين بالشيء ثم ازدياد هذا اليقين. (قال: أولم تؤمن؟ قال: بلى، ولكن ليطمئن قلبي)، وإنما الهدى هدى الله.



  #3  
قديم 6 ذو الحجة 1429هـ/4-12-2008م, 07:51 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح اختصار علوم الحديث للشيخ: عبد الكريم الخضير (مفرغ)

القارئ: التعليقات التي في الصحيحين
وتكلم الشيخ أبو عمرو على التعليقات الواقعة في صحيح البخاري وفي مسلم أيضًا -لكنها قليلة، قيل: إنها أربعة عشر موضعًا- وحاصل الأمر أن ما علقه البخاري بصيغة الجزم فصحيح إلى من علقه عنه، ثم النظر فيما بعد ذلك.
وما كان منها بصيغة التمريض، فلا يستفاد منها صحة، ولا تنافيها أيضًا؛ لأنه قد وقع من ذلك كذلك -وهو صحيح، وربما رواه مسلم- وما كان من التعليقات صحيحًا، فليس من نمط الصحيح المسند فيه؛ لأنه قد وسم كتابه بالجامع المسند الصحيح المختصر في أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه.
فأما إذا قال البخاري: "قال لنا" أو "قال لي فلان كذا" أو "زادني" ونحو ذلك ، فهو متصل عند الأكثر.
وحكى ابن الصلاح عن بعض المغاربة " أنه تعليق أيضًا يذكره للاستشهاد لا للاعتماد، ويكون قد سمعه في المذاكرة" وقد رده ابن الصلاح بأن الحافظ أبا جعفر بن حمدان قال: " إذا قال البخاري: "وقال لي فلان" فهو مما سمعه عرْضًا ومناولة".
وأنكر ابن الصلاح على ابن حزم رده حديث الملاهي؛ حيث قال فيه البخاري: "وقال هشام بن عمار".
وقال: أخطأ ابن حزم من وجوه؛ فإنه ثابت من حديث هشام بن عمار.
قلت: وقد رواه أحمد في مسنده، وأبو داود في سننه، وخرجه البرقاني في صحيحه، وغير واحد، مسندا متصلًا إلى هشام بن عمار، وشيخه أيضًا، كما بيناه في كتاب الأحكام، ولله الحمد.
الشيخ: التعليقات أو المعلقات، وحقيقة المعلق ما حذف من مبادئ إسناده من قبل المصنف راوٍ أو أكثر، إن حُذف الشيخ فقط هذا معلق، حُذف الشيخ وشيخه أيضًا معلق، حُذف جميع الإسناد معلق، اقتُصر على الصحابي فقط معلق، وهكذا.
يقولون: إنه مأخوذ من تعليق الجدار والطلاق، رجح ابن حجر أخذه من تعليق الطلاق، وشيخه البلقيني على خلافه، يعني: رجح أنه من تعليق الجدار. إيش معنى تعليق الجدار؟ هل المقصود تعليق الجدار أو التعليق على الجدار؟
طالب: التعليق على الجدار.
الشيخ: لكن هو رجح أن يكون مأخوذ من تعليق الجدار، وابن حجر رجح أن يكون مأخوذ من تعليق الطلاق، وأقول: لا هذا ولا ذاك، بل هو مأخوذ من تعليق المرأة، إيش معنى تعليق الطلاق؟ إن فعلتِ كذا فأنتِ طالق وهكذا، لكن تعليق المرأة التي قال الله سبحانه وتعالى عنها: {فتذروها كالمعلقة} معلقة: ليست ذات زوج وليست مطلقة. نعم، إنه أخذ من هذا صحيح، مثل الشيء المعلق الذي لا يعتمد على الأرض، بل بينه وبين الأرض فراغ، وهو أيضًا يمكن أخذه من التعليق على الجدار، وليس من تعليق الجدار.
{فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة} هي ليست بذات زوج ولا مطلقة، لعل مرادهم من تعليق الطلاق: هذا، كما أنه لعل مرادهم من قولهم تعليق الجدار: التعليق على الجدار.
يقول: (تكلم الشيخ أبو عمرو على التعليقات الواقعة في صحيح البخاري وفي مسلم أيضًا -لكنها قليلة، قيل: إنها أربعة عشر موضوعا-) معلقات مسلم لا داعي لبحثها، لماذا؟
لأنها كلها موصولة في الصحيح نفسه، في صحيح مسلم كلها موصولة، أولًا هي قليلة أربعة عشر حديثا، وكلها موصولة في الصحيح نفسه إلا واحدًا، وهذا الواحد موصول في صحيح البخاري . إذًا نحتاج إلى بحث المعلقات في صحيح مسلم ؟ ما نحتاج إلى بحث.
الكلام في معلقات صحيح البخاري، وعدتها ألف وثلاثمائة وأربعين أو واحد وأربعين حديث، وكلها موصولة في الصحيح نفسه عدا مائة وستين أو مائة وتسعة وخمسين، والكلام في هذا القدر في مائة وتسعة وخمسين أو مائة وستين؛ لأن ما وُصِل في الصحيح لا داعي للكلام فيه، الكلام فيما لم يوصل من معلقات البخاري، وهي قليلة بالنسبة لحجم الكتاب، وهذه تنقسم إلى قسمين:
منها ما صدر بصيغة الجزم: "قال فلان"، "ذكر فلان"، "حكى فلان"، قالوا: هذه صحيحة إلى من علقت عنه، "وقال مالك: عن نافع عن ابن عمر". هذا معلق عن مالك، في واسطة بين البخاري ومالك، لكن إذا جزم تقول: هذا الصحيح إلى مالك، يبقى النظر فيمن أُبرز، النظر في مالك لا يحتاج كذلك نافع وابن عمر، لكن لو قال البخاري: "يروى عن مالك عن نافع عن ابن عمر"، هذه يسمونها صيغة التمريض، وهذه لا يستفاد منها لا صحة ولا ضعفا، بل وُجد منها ما هو صحيح، ووُجد منها ما هو ضعيف ضعف منجبر، وأما الضعيف الضعف الذي لا ينجبر؛ فإن الإمام البخاري يبينه.
يروى عن أبي هريرة: "لا يتطوع الإمام في مكانه" ولم يصح، الضعيف الذي ضعفه لا ينجبر يتعقبه البخاري رحمه الله تعالى.
يقول: (حاصل الأمر أن ما علقه البخاري بصيغة الجزم فصحيح إلى من علقه عنه، ثم النظر فيما عدا ذلك. ومنها ما كان بصيغة التمريض، فلا يستفاد منها صحة ولا تنافيها؛ لأنه قد وجد ما صدر بصيغة التمريض وهو صحيح) نعم وجد ما علق بصيغة التمريض ومخرج في صحيح مسلم.
يقول: (وما كان من التعليقات الصحيحة فليس من نمط الصحيح المسند فيه) يعني: مما لم يوصل في الصحيح؛
(لأنه قد وسم كتابه بالجامع المسند) يعني: الذي ذكرت فيه الأسانيد (المختصر في أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه. فأما إذا قال البخاري: قال لنا) أو قال: (إذا عزى لشيخه بـ"قال") قال محمد بن بشار -وهو شيخه- قال هشام بن عمار -وهو شيخه، روى عنه أحاديث بصيغة التحديث قال: حدثنا هشام بن عمار في خمسة مواضع- والأكثر على أنه موصول، متصل، وأنّ "قال" مثل "عن" محمولة على الاتصال بالشروط المعروفة عند أهل العلم.
ولذا يقول الحافظ العراقي رحمه الله:


.............أما الذي = عزا لشيخه بـ"قال" فكذي
عنعنة كخبر المعازف = لا تصغ لابن حزم المخالف
فغاية هذه الصيغة أنها مثل "عن" وإن قال بعضهم: إنه معلق؛ لأنه لو كان رواه عن شيخه مباشرة لقال: حدثنا كالجادة، ولذا علّم الحافظ المزي على حديث المعازف بعلامة التعليق (خ ت).
وعلى كل حال لو قلنا: إنه معلق وقد جزم به إلى هشام بن عمار، "قال هشام بن عمار: ..."، فهو صحيح أيضًا، وهو مخرج في سنن أبي داود، وغيره من كتب السنة بأسانيد صحيحة.
طالب: ... يصبح موصولا؟
الشيخ: هو موصول بلا شك، سواء عند البخاري أو عند غيره، فعلى القول بأنه معلق هو معلق بصيغة الجزم.
... على كل حال الحديث صحيح، ولذا قال:

.......... = لا تصغ لابن حزم المخالف
ابن حزم حكم على جميع الأحاديث الواردة في الغناء بأنها موضوعة، وهذا تأييدا لرأيه وقوله في إباحة الغناء.
المقصود أن بعضهم قال: إذا قال البخاري: "قال لنا" أو "قال لي فلان" أو "زادني فلان" فهو متصل، وبعضهم يزعم: أن البخاري لا يقول ذلك إلا فيما سمعه في حال المذاكرة لا على جهة التحديث، إذا سمع من شيخه خبرًا مذاكرة
لا على سبيل التحديث فإنه يقول: "قال لنا"، لكن الحافظ ابن حجر وغيره يقولون: لا يوجد ما يدل على هذا.
(أبو جعفر بن حمدان يرى أن البخاري إذا قال: "قال لي فلان" فإنما هو مما سمع عرضا ومناولة) العرض: القراءة على الشيخ، وهي من طرق التحمل المعتبرة، بل مجمع عليها.
(عرضًا ومناولة) إيش معنى عرضا ومناولة؟
الطالب: هو أن يقرأ الطالب على الشيخ ثم يعطيه الكتاب.
الشيخ: من (اللي) يعطي الكتاب؟
الطالب: الطالب يعطيه.
الشيخ: فيه العرض وفيه المناولة، الشيخ يعطي الطالب الكتاب: هذه المناولة، والعرض:أن يقرأ على الشيخ، الطالب يقرأ على الشيخ، يعرض عليه ما عنده.
الطالب: الشيخ يعطي للطالب كتابه ليصوب أيضًا بعد القراءة يصوب كتابه.
الشيخ: لكن هناك نوع اسمه "عرض المناولة"، يعني: الطالب يأتي بالكتاب ويعرضه على الشيخ ويناوله الشيخ فيقول: هذا من مرويك؟ فيقول: نعم. فيرده عليه، هذا "عرض المناولة".
على كل حال ستأتي إن شاء الله في طرق التحمل.
يقول: (وأنكر ابن الصلاح على ابن حزم رده حديث الملاهي حيث قال فيه البخاري: "وقال هشام بن عمار"، فقال: أخطأ ابن حزم فيه من وجوه؛ فإنه ثابت من حديث هشام بن عمار).
ابن القيم رحمه الله في (إغاثة اللهفان) أطال في تصحيح الحديث وذكر شواهده، وقال في ذلك: إن "قال" مثل "عن" يشترط فيها براءة الراوي من وصمة التدليس، وقال: "إن البخاري أبعد خلق الله عن التدليس"، مع أنه لو قال: "من أبعد خلق الله عن التدليس" لكان أولى، "أبعد خلق الله عن التدليس" مبالغة، مع أنه قيل في ترجمته من الخلاصة في ترجمة الذهلي قالوا: روى له البخاري ويدلسه، ويأتي في مبحث التدليس إن شاء الله تعالى.

القارئ: ثم حكى أن الأمة تلقت هذين الكتابين بالقبول سوى أحرف يسيرة، انتقدها بعض الحفاظ كالدارقطني وغيره، ثم استنبط من ذلك القطع بصحة ما فيها من الأحاديث، لأن الأمة معصومة عن الخطأ، فما ظنت صحته وجب عليها العمل به، لابد وأن يكون صحيحًا في نفس الأمر.
وهذا جيد. وقد خالف في هذه المسألة الشيخ محي الدين النووي، وقال: لا يستفاد القطع بالصحة من ذلك.
قلت: وأنا مع ابن الصلاح فيما عول عليه وأرشد إليه والله أعلم.
حاشية: ثم وقفت بعد هذا على كلام لشيخنا العلامة ابن تيمية، مضمونه أنه نُقل القطع بالحديث التي تلقته الأمة بالقبول عن جماعات من الأئمة، منهم القاضي عبد الوهاب المالكي، والشيخ أبو حامد الإسفراييني، والقاضي أبو الطيب الطبري، والشيخ أبو إسحاق الشيرازي -من الشافعية-، وابن حامد، وأبو يعلى بن الفراء، وأبو الخطاب، وابن الزاغوني، وأمثالهم من الحنابلة، وشمس الأئمة السرخسي -من الحنفية-.
قال: وهو قول كثير أهل الكلام من الأشعرية وغيرهم، كأبي إسحاق الإسفراييني وابن فُورك، قال: وهو مذهب أهل الحديث قاطبة، ومذهب السلف عامة، وهو معنى ما ذكره ابن الصلاح استنباطا، فوافق فيه هؤلاء الأئمة.
الشيخ: الصحيحان -البخاري ومسلم- تقدمت الإشارة إلى أنهما أصح الكتب بعد كتاب الله، والأمة تلقت هذين الكتابين بالقبول، حتى قال جمع من أهل العلم: (إنه لو حلف شخص بالطلاق أن جميع ما في البخاري ومسلم صحيح: لما حنث)، فالأمة تلقت الكتابين بالقبول، وهذا التلقي وحده أقوى من كثرة الطرق.
قال: (سوى أحرف يسيرة) سوى أحاديث يسيرة في الكتابين، ما يقرب من مائتي حديث انتقدها الحافظ الدارقطني وغيره، والغالب أن الصواب مع الشيخين، وقد دافع عن الأحاديث المنتقدة في (صحيح البخاري) الحافظ ابن حجر في مقدمة (فتح الباري)، والنووي دافع أيضًا باختصار في شرحه على (صحيح مسلم) عما انتقده الدارقطني في (صحيح مسلم)، وأكثر الأحاديث المنتقدة -لا سيما في مسلم- في بعض الطرق التي أخرج الإمام مسلم من الطرق ما يشهد بصحتها.
فعلى هذا، هذه الأحاديث اليسيرة المنتقدة -وهي مجال للبحث عند أهل العلم- الصواب فيها مع الشيخين، هذه خارجة عن إفادة القطع؛ لأن ابن الصلاح يريد أن يقرر أن ما رواه البخاري ومسلم مفيد للقطع، للعلم؛ لأن الأخبار تنقسم إلى أقسام؛ منها ما يفيد العلم، ومنها ما يفيد الظن، ومنها ما يفيد الشك، ومنها ما يفيد الوهم.
على كل حال هذه تقسيمات معروفة عند أهل العلم، فالذي يفيد القطع -العلم اليقيني الضروري- هو المتواتر عند أهل العلم، وفي السنة: المتواتر هذا مفيد للقطع ولا كلام فيه، يبقى الآحاد بأقسامه الثلاثة: المشهور والعزيز والغريب، في الأصل تفيد الظن، هذا في الأصل، لماذا؟
لأن الراوي مهما بلغ من الحفظ والضبط والإتقان، إلا أن نسبة الخطأ والنسيان موجودة، وإن قلّت، إيش معنى القطع؟
بمعنى أن الخبر لا يحتمل النقيض صواب 100%، الظن يحتمل النقيض على ضعف، لو افترضنا أن الخبر صحيح بنسبه 99%، أو 95%، أو 90%، قلنا: أفادنا الظن، ما أفادنا القطع؛ لأنه يحتمل النقيض.
ننتبه لهذه المسألة؛ لأنها هولت من الطرفين، الذي ينفي والذي يثبت، وتتشبث بذيولها بعض المبتدعة، فخبر الواحد إذا صح هل يفيد القطع أو الظن؟ الأصل فيه أنه لا يفيد إلا الظن، لماذا؟
لأن الراوي مهما بلغ، مالك نجم السنن ضبطت عليه أوهام، الراوي مهما بلغ من الحفظ والضبط والإتقان إلا أن خبره يحتمل النقيض- ولو بنسبة 1% - وما دام الخبر ما وصل إلى نسبة 100% فهو ظن، احتمال راجح. هذا قول، وهو قول الأكثر أنه في الأصل لا يفيد إلا الظن.
منهم من قال: إن خبر الواحد بمجرده يفيد القطع، حسين الكرابيسي وداود الظاهري وجمع يقولون: يفيد القطع، يعني: مجرد ما تسمع خبرا ممن تثق به، زيد من الناس تثق به، ثقة عندك، يقول: حضر فلان، تحلف على هذا أنه حضر فلان، يفيد القطع عندك 100%، ألا يحتمل أن يأتي زيد بعد ساعة أو ساعتين قال: أخطأت، رأيت شخصًا ظننته فلانًا، ما حصل هذا كثير؟ يحصل هذا، المقصود أن الأكثر على أنه لا يفيد بمجرده -بمفرده- إلا الظن، ومنهم من يرى أنه يفيد القطع.
والقول الوسط: أنه يفيد القطع إذا احتفت به قرينة، لماذا نحتاج إلى هذه القرينة؟ لكي تكون في مقابل الاحتمال المرجوح، فإذا وجدت هذه القرينة أفادنا القطع، وهذا ما قرره شيخ الإسلام رحمه الله في مواضع من كتبه، قرره ابن القيم في (الصواعق)، الحافظ ابن حجر في (شرح النخبة) وجمع من أهل العلم، أهل التحقيق يرون أن خبر الواحد إذا احتفت به قرينة أفاد القطع، وإلا فالأصل أنه لا يفيد إلا الظن، والعلة في ذلك ما سمعتم.
الذين قالوا: إنه يفيد القطع -من غير نظر إلى القرائن- يريدون أن يقطعوا الطريق على المبتدعة الذين يقولون: ما دام خبر الواحد لا يفيد إلا الظن فإنه لا تثبت به العقائد، فخبر الواحد لا تثبت به العقائد؛ لأنه لا يفيد إلا الظن، نقول: لا يفيد إلا الظن، وتثبت به العقائد كما تثبت به الأحكام، ولا نلتزم بما التزمه المبتدعة، لا.
من القرائن التي ذكروها -مما يحتف بها الخبر- : أن يكون الحديث مخرجا في الصحيحين أو في أحدهما؛ لأن تلقي الأمة بالقبول لهذين الكتابين قرينة، كون الحديث مروي بطرق متعددة متباينة سالمة من القوادح أيضًا قرينة على أن الحديث ضبط، كون الحديث تداوله الأئمة فرواه إمام عن إمام عن إمام قرينة أيضًا؛ لأنه لو قدر أن الإمام مالك أخطأ يتابعه الشافعي على خطئه؟
لا، لو أخطأ الشافعي يتابعه أحمد على خطئه؟ لا.
فهذه قرائن تدل على أن الخبر ُضبط وأُتقن، فالخبر إذا احتفت به قرينة أفاد القطع.
هنا يقول: (وقد خالف في هذه المسألة محي الدين النووي، وقال: لا يستفاد القطع بالصحة من ذلك) نحكم له بالصحة، فإن احتفت به قرينة أفادنا القطع، وإلا فالأصل أنه لا يفيد إلا الظن، وهذا ما رجحه النووي.

[واقطع بصحة لما قد أسندا = كذا له وقيل ظناً ولدى]
[محققيهم قد عزاه النووي = وفي الصحيح بعض شيء قد روي]
المقصود أن النووي خالف ابن الصلاح فيما ذهب إليه، وأظن الخلاف لفظي؛ لأن ابن الصلاح نظر إلى خبر الواحد المحتف بالقرينة، كما قرره شيخ الإسلام، ولا يمكن أن يقول ابن الصلاح: إن أي خبر يأتي به ثقة يقطع به من غير النظر إلى قرينة. النووي نظر إلى الخبر المجرد، النظر إلى الخبر المجرد لا يفيد إلا الظن، ومن نظر إليه مع القرائن التي احتفت به قال: إنه يفيد القطع، أما ما ذهب إليه داود الظاهري وحسين الكرابيسي من أنه يفيد القطع مطلقًا، فلا وجه له، لما عرفنا.
يقول الحافظ ابن كثير: (وأنا مع ابن الصلاح فيما عول عليه وأرشد إليه) يعني تابع ابن الصلاح في ذلك.
يقول: (ثم وقفت بعد هذا على كلام لشيخنا العلامة ابن تيمية، مضمونه: أنه نُقل القطع بالحديث الذي تلقته الأمة بالقبول -هذه قرينة- عن جماعات من الأئمة منهم القاضي عبد الوهاب المالكي) شيخ الإسلام صرّح في مواطن كثيرة من (منهاج السنة) أن الخبر الذي تحتف به قرينة يفيد القطع.
(مضمونه: أنه نقل القطع بالحديث الذي تلقته الأمة بالقبول عن جماعات من الأئمة؛ منهم القاضي عبد الوهاب المالكي، والشيخ أبو حامد الإسفراييني، والقاضي أبو الطيب الطبري، وإسحاق الشيرازي).
قال: (-من أئمة الشافعية-، وابن حامد، وأبو يعلى، والخطاب بن الزاغوني -من الحنابلة-، والسرَخسي -أو السرْخسي، يجوز هذا وذاك - من الحنفية) قال: (وهو قول أكثر أهل الكلام من الأشعرية وغيرهم). يقول: (وهو مذهب أهل الحديث قاطبة، ومذهب السلف عامة، ومراد شيخ الإسلام رحمه الله بالخبر الذي احتفت به قرينة، وهو معنى ما ذكره ابن الصلاح استنباطا، فوافق فيه هؤلاء الأئمة) وابن الصلاح أطلق لكنه أطلقه فيما رواه الشيخان، وتخريج الشيخين قرينة على أن الخبر ضُبط وأُتقن، وهو أيضًا مستمد من تلقي الأمة بالقبول، هذه قرينة، وهو الذي نص عليه شيخ الإسلام هنا، أنه نُقل القطع بالحديث، يعني: الذي تلقته الأمة بالقبول، فلا نقول: إن خبر الواحد يفيد القطع مطلقًا -ولو صح-، لو جاءنا "مالك عن نافع عن ابن عمر"، يعني: في غير الصحيحين، "مالك" يهِم، حصلت له أخطاء، وإن كان "نجم السنن"، ولا يحتاج إلى تزكية، من مشاهير أهل العلم في الضبط والإتقان والحفظ من أهل الانتقاء والتحري والتثبت، لكن ضُبِطَت عليه أوهام -رحمه الله-.
فهذه المسألة يطول البحث فيها، وخلاصة القول أن فيها ثلاثة أقوال:
إنه يفيد القطع مطلقًا.
إنه يفيد الظن مطلقًا.
إنه لا يفيد القطع إلا بقرينة، وهذا هو أعدل الأقوال.
وأما قول من يقول إنه يفيد القطع مطلقًا؛ خشية من تشبث أهل البدع بمثل هذا القول، وأنه إذا كان لا يفيد إلا الظن لا تثبت به عقائد، كلامهم طويل في هذا.
نقول: لا نلتزم باللازم وننتهي من الإشكال، نقول: نثبت الأحكام بخبر الواحد إذا صح، ولا يحتمل النقيض؛ لأن الأحكام مبنية على غلبة الظن، ليثبت العقائد بخبر الواحد إذا صح؛ لأن الشرع واحد، فما تثبت به الأحكام تثبت به العقائد.
يقول: هناك من يقول: إن التقسيم إلى متواتر وآحاد أمر حادث قال به أهل البدع لرد الأحاديث، ولهذا لم يعرف عن السلف هذا التقسيم، فما رأيك؟
لو قلنا: كل هذه التقسيمات موجودة عند السلف، ابحث عن كلام الصحابة في الصحيح والضعيف والحسن تجد شيئا؟ تجد؟ تجد أن ابن عمر قال هذا حديث حسن؟ أو عن عمر..؟
لا، ما في كلام السلف شيء من هذا، هذه تقسيمات اصطلاحية، "المتواتر" وإفادته القطع، لا أحصي ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله، ومثّل للمتواتر بأحاديث، وقسّم المتواتر إلى لفظي ومعنوي، كل هذا موجود من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو الذي تصدى لأهل البدع، ... نعم لو لم يلفظ به إلا مبتدئ اجتنبناه، لكنه موجود في كلام أهل السنة، وسواء سميناه متواتر أو آحادا، أو لم نسمه، الحقيقة حقيقة، الأخبار متفاوتة، هل الأخبار على حد سواء؟
الخبر الذي يأتيك من طريق عشرة، مثل الخبر الذي يأتيك عن طريق واحد؟
لا، يتفاوت، فالأخبار متفاوتة، والخلاف لفظي، والتسمية اصطلاحية، ولا مشاحة في الاصطلاح وإذا عرفنا أن شيخ الإسلام رحمه الله نطق بالمتواتر، وأن في السنة المتواتر، وأنه يفيد القطع، وأن منها متواتر لفظي، وأن منها متواترمعنوي، وش بقي؟
لا نلتزم اللازم. نقول: العقائد تثبت بالآحاد كالأحكام، وينتهي الإشكال.
المبتدعة يريدون شيئا -حين ما يقسمون إلى متواتر وآحاد-، يريدون أن يثبتوا أن المتواتر هو المفيد للقطع، والآحاد لا يفيد إلا الظن، يريدون أن ينفوا كثيرا مما يثبته أهل السنة في أمور الاعتقاد بهذه الطريقة.
لا نلتزم بلازمها، أما كونهم يقولون بشيء وهو صحيح وحق، الحق يقبل ممن جاء به، لكن باطلهم يرد عليهم، لا يحملنا الحماس والدفاع إلى أن ننفي الحقائق، أو نثبت ما لم يثبت عن الله ولا عن رسوله، يصير مثل الواحد اللي يقول: إن اليهود نفوا صلب المسيح، وقتل المسيح، فقام واحد من جهّال المسلمين قال: "لا، اليهود قتلوه"، هو يزعم أن اليهود يتقربون إلى النصارى في كلامه، هذا من أجل كسب القضية، هو يريد أن يكسب القضية من طرف آخر، "لا، قتلوه" ليفرق بينهم، ما سويت شيئا، كذبت القرآن؟ ماذا فعلت؟
فأحيانًا الحماس من بعض طلاب العلم يوقع في حرج، ينفي ما هو موجود مثبت، الأخبار متفاوتة؛ منها ما يفيد العلم، يعني: بمجرد سماعه تجزم بأنه صحيح، ومنها ما يفيد إلا الظن، يعني لو جاءك شخص يقول: هناك مدينة اسمها "بغداد" أنت ما شفت "بغداد"، تقول : لا، اصبر خليني أشوف معجم البلدان، ما يحتاج .
لكن لو قال لك: هنالك قرية اسمها "قها أبو الطير" إيش تقول؟ انظر في معجم البلدان، عرّف بها.
الأخبار متفاوتة منها ما يلزم بتصديقه من سماعه، ومنها ما يحتاج إلى نظر واستدلال، يحتاج إلى مقدمات.
على كل حال الكلام في هذا الموضوع يطول، والله المستعان.

هنا سؤال يذكر الأخ أنه مهم، أما البقية تترك للغد؛ لأننا تأخرنا أكثر من اللازم:
سؤال: يقول: نلاحظ بعض الناس ردوا أحاديث الآحاد حتى في الأحكام، "إذا خالف العقل"؟
الجواب: أولًا العقل الصريح السليم لا يمكن أن يخالف النص الصحيح، لكن العقل الملوث بالشبهات والشهوات لابد أن يخالف ما يعارض شهواته وشبهاته، العقل لا يُنكَر أنه يميز، ويدرك الحسن ويدرك القبيح، لكنه لا يستقل بذلك، وشيخ الإسلام -رحمه الله- قرر هذه المسألة بإفاضة في كتبه لا سيما ... (درء تعارض العقل والنقل)، وقرر -رحمه الله- أنه لا يمكن أن يوجد نص صحيح يعارض العقل الصريح..، القلب السليم الخالي من الشهوات ومن الشبهات، لكن قلب تراكمت عليه الشهوات والشبهات وران عليه ما كسب، مثل هذا القلب ومثل هذا العقل لابد أن يعارض ويخالف.
لكن مثل هذا لا عبرة به؛ يعني حينما يُرَد حديث: ((لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة))، يُقال: الواقع يشهد بخلاف ذلك؛ شوف أنديرا غاندي وشوف تاتشر وشوف جولدمئير اللي هزمت العرب، ده عقل هذا، بالله هذا عقله سليم ده، الذي يرد النصوص بمثل هذه السذاجة؟!
لا، العقل الذي يسير مع الكتاب والسنة هذا المسار لا يمكن أن يجد أدنى إشكال في النصوص الصحيحة. والله المستعان، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
**********

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذا سؤال يقول: هناك كتب باسم (الجمع بين الصحيحين)، وباسم (اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان) فما معناهما؟ وما موضوعهما؟ وما أفضل الطبعات؟
جواب: الجمع بين الصحيحين للحميدي وللصاغاني ولغيرهما من أهل العلم، ممن حاول أن يجمع الصحيحين في كتاب واحد، مع حذف المكررات، وكتاب الحميدي كتاب جميل ونفيس، طُبع أخيرًا، إلا أنه أحيانًا -لا أقول دائمًا- لا ينقل من الأصول مباشرة، لا ينقل من الصحيحين مباشرة، بل قد يعتمد على المستخرجات، ولذا تجدون في ألفاظه ما يخالف ما في الصحيحين أحيانًا، مع أنه يبين ويميز اللفظ الذي في الصحيحين وما زاده من المستخرجات غالبًا -لا أقول دائمًا-، ولا أقول بما قاله من كتب في المصطلح: "إن الحميدي لم يميز"، كما يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:

..... = وليت إذ زاد الحميدي ميزا
الحميدي ميز، لكنه ليس على قاعدة مطردة، قد يفوته بعض الشيء.
أما بالنسبة لما اتفق عليه الشيخان، فهناك كتاب اسمه (زاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم) إلا أن ترتيبه فيه شيء من الصعوبة، وأجود منه ما جاء في السؤال؛ كتاب (اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان) لمحمد فؤاد عبد الباقي.
أما بالنسبة لطبعات هذه الكتب؛ فـ(الجمع بين الصحيحين) لا أعرف أنه طبع إلا مرة واحدة أخيرة أيضًا، وأما (اللؤلؤ والمرجان) فطبعة الحلبي الأولى طيبة جدًّا.

سؤال: يقول: هناك طبعة للصحيح فيها تعليقات مطبوعة عام 1358 -فيما أظن-، صورتها دار أشبيلية في ثلاثة مجلدات، في تسعة أجزاء، وهي مطبوعة أصالة في دار الطباعة الفاخرة، فهل لها علاقة باليونيني؟
جواب: الذي أعرف أن المطبوعة في الخمسينات 55 أو 56 هي طبعة الحلبي وهي مأخوذة من الطبعة السلطانية فيها إشارة إلى الفروق في الحاشية، لكنهم أغفلوا بعض الفروق. الطبعة في الجملة جيدة، إلا أن من صورها -فيما بعد- وقف على مقال للشيخ أحمد شاكر في إحدى المجلات عن البخاري، وعن عناية اليونيني به، وعن أصل هذه الفروق، فصور هذا المقال وأرفقه بهذه الصورة، زاعمًا أن هذه الصورة بتقديم الشيخ أحمد شاكر، وهذا الكلام ليس بصحيح، إنما هو للترويج، الشيخ أحمد شاكر لا علاقة له بطبعات الصحيح.

سؤال: هذا يسأل عن الدروس والأشرطة؟
جواب: هذه ممكن أن يسأل عنها الإخوان الذين يحضرون الدروس، والدروس معلنة.

سؤال: هذا يقول: لو جعل الخمس الدقائق الأخيرة للأسئلة؟
جواب: هذا ما ينضبط، في الأخير ما ينضبط.

سؤال: يقول: هل تحبذ في هذا الزمان القراءة على من عنده أسانيد متصلة إلى الأئمة البخاري ومسلم وغيرهم؟ وهل وقع لكم أسانيد متصلة إلى أصحاب هذه الكتب؟
جواب: أنا لا أهتم بالأسانيد كثيرا، نعم عندنا إجازة من الشيخ محمود التويجري رحمه الله، والعناية بها على حساب التحصيل والفهم والدراية مضيعة للوقت؛ لأنها لا يترتب عليها تصحيح ولا تضعيف، نعم إذا حصلت من غير تعب ومن غير تضييع لوقت: لا بأس؛ لأنها محافظة على خصيصة هذه الأمة، وإلا فلا أثر لها في الواقع؛ لأنه ما الذي تستفيده؟ حديث في صحيح البخاري مروي في البخاري ترويه بإسناد صحيح أو ضعيف لا قيمة لك ولا أنت ولا إسنادك، لكن إبقاء سلسلة الإسناد من خصائص هذه الأمة تنبغي المحافظة عليه، لكن لا يكون على حساب التفقه في الأحاديث ومعرفة صحيحها من ضعيفها.

سؤال: هل يوجد في زماننا من له أسانيد توصي طلبة العلم بالأخذ عنهم؟
جواب: يوجد، لكن الشيخ حمود -رحمه الله- أجاز جمعا من طلبة العلم، فيؤخذ عنهم، لا بأس، لكن لا يكون على حساب فهم الأحاديث وإثباتها وتصحيحها وتضعيفها.

سؤال: هذا.. هل البخاري يشترط ثبوت اللقاء؟ (في أكثر من سؤال).
جواب: وهذا يأتي في السند المعنعن إن شاء الله تعالى.

سؤال: يقول: هل صحيح أنه يوجد أحاديث في صحيح البخاري لم تبلغ مرتبة الحسن؟
الجواب: البخاري أصح الكتب بعد كتاب الله سبحانه وتعالى، وهو كتاب تلقته الأمة بالقبول، وقد أشرنا إلى ذلك سابقًا، وفيه بعض الأحاديث التي انتقدها بعض الحفاظ كالدارقطني وغيره، وهي أحاديث يسيرة، مع أن هذا الانتقاد قابل للنقاش، والغالب أن الصواب مع البخاري غالبًا، وفي ملاحظات الدارقطني ماله وجه، ولكن البخاري لا يقتصر على إيراد الحديث من طريق واحد أو من وجه واحد، إنما قد يذكر في بعض الطرق ما فيه كلام غير معتمد عليه، ولا يعتمد على هذا الطريق، إنما يذكره لتصريح بسماع ونحوه أو لعلو في إسناد، فالمقصود أن المتون ثابتة.

سؤال: يقول: هل هناك شرح مختصر للبخاري غير (فتح الباري)، ولمسلم غير النووي؟
جواب: أما بالنسبة للنووي فلا يوجد أخصر من شرح النووي، وهو شرح مختصر وجامع ونفيس، فلا ينبغي أن يبحث عما هو أخصر منه، أما بالنسبة لـ(فتح الباري) فهو شرح فيه طول بلا شك، لكنه نافع ومفيد، هناك ما هو أخصر منه كالكرماني، وهو قبل ابن حجر، وفيه أوهام، تعقبها الحافظ وغيره، وهناك (إرشاد الساري) وهو أخصر أيضًا من (فتح الباري) وفيه فوائد، فيه ضبط، إتقان للصحيح.

سؤال: يقول: الطبعة العامرة لصحيح مسلم، وهل هي معتمدة أم لا؟
جواب: نعم الطبعة العامرة لـ(صحيح مسلم) طبعة جيدة، وهي أجود من طبعتهم لـ(صحيح البخاري)، الطبعة العامرة في اسطنبول لصحيح مسلم معتنى بها ومتقنة في الجملة، يعني: لا يوجد عليها ملاحظات إلا نادرة جدا، بخلاف طبعتهم لصحيح البخاري، طبعتهم لصحيح البخاري عليها ملاحظات كثيرة، وفيها سقط لبعض الأحاديث، وإن زعموا أنهم أخذوا هذه الطبعة من (إرشاد الساري).
المقصود أن الطبعة العامرة لـ(صحيح مسلم) طبعة جيدة، علما بأن الطبعة الموجودة مع شرح النووي في الطبعة البهية وما صور عنها مأخوذة من الطبعة العامرة بحروفها، لكن من قارن بين هذه الطبعة -الطبعة العامرة- وبين الطبعة التي على هامش (إرشاد الساري) وجد بعض الفروق، لا سيما في صيغ الأداء وفي أنساب بعض الرواة، يجد بعض الفروق (كلام غير مسموع).

سؤال: يقول: ما رأيك بحفظ مختصر مسلم، ثم حفظ مفردات البخاري، وهل هذا يغني عن حفظ الصحيحين الأصل؟
جواب: هذا حسب الحافظة قوة وضعفًا؛ إن كانت لديه الحافظة القوية التي تسعفه لحفظ المتون والأسانيد، فالأصول لا يعدل بها شيء، لكن إذا كانت الحافظة لا تسعف ويريد أن يحفظ ما صح عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من الأحاديث، وسلك هذه الطريقة بدءا بحفظ المتفق عليه (اللؤلؤ والمرجان) مثلا، ثم يحفظ مفردات البخاري، ثم مفردات مسلم، وإن اعتنى بمختصر الزبيدي للبخاري، وأضاف إليه مفردات مسلم، وإن قالوا: إن مسلم أكثر عناية بالألفاظ، وقدم مختصره على مختصر البخاري، وحفظ زوائد البخاري، فهو على خير على كل حال.
لكن ينبغي أن نعرف كيف نبدأ؟ ما نبدأ بالكتب الطويلة قبل المختصرات، لا نصعد إلى السطح من غير سلم، نبدأ بالمتون الصغيرة المعتمدة عند أهل العلم، ولابد قبل ذلك أن تحفظ (الأربعين) مثلًا، أحاديث قواعد كلية وحفظتها وقرأت عليها بعض الشروح ثم حفظت (العمدة) و(البلوغ) لك أن تحفظ ما شئت من الكتب، أما أن تحفظ بأسانيد أو متون مجردة عن الأسانيد، فهذا خاضع لقوة الحافظة وضعفها، علما بأن طالب العلم لابد أن يحفظ السلاسل المشهورة، التي يروى بها أكبر قدر من الأحاديث، وهذا يعينه على الحفظ، والله المستعان.


  #4  
قديم 6 ذو الحجة 1429هـ/4-12-2008م, 07:55 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح اختصار علوم الحديث للشيخ: سعد الحميد (مفرغ)

القارئ: التعليقات التي في الصحيحين
قال: وتكلم الشيخ أبو عمرو على التعليقات الواقعة في صحيح البخاري, وفي مسلم أيضاً, لكنها قليلة, قيل: إنها أربعة عشر موضعاً.
وحاصل الأمر، أن ما علقه البخاري بصيغة الجزم فصحيح إلى من علقه عنه، ثم النظر فيما بعد ذلك، وما كان منها بصيغة التمريض فلا يستفاد منها صحة ولا تنافيها أيضًا؛ لأنه قد وقع من ذلك كذلك وهو صحيح، وربما رواه مسلم، وما كان من التعليقات صحيحاً فليس من نمط الصحيح المسند فيه؛ لأنه قد وسم كتابه بالجامع المسند الصحيح المختصر بأمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه.

الشيخ: لحظة يا شيخ. (طيب) هذا بالنسبة للكلام على التعليقات الموجودة في الصحيحين, والحقيقة أن هذا الكلام ينبغي أن يخص به كتاب البخاري، أما كتاب مسلم فليس فيه من التعليق إلا النادر, والنادر لا حكم له، لذلك الكلام على الأحاديث المعلقة كله يكاد يكون منصباً على كتاب البخاري.
وكما ترون أنه قال: قيل: إن الأحاديث المعلقة في صحيح مسلم في أربعة عشر موضعاً. هذا أكبر حد ذكر في حد الأحاديث المعلقة في صحيح مسلم، ولكن هناك خلاف في اعتبارها بهذا العدد، ولذلك أشار ابن كثير إلى هذا بقوله: قيل: كأنه يدلل أو يشير إلى أن هذا غير مسلم به. وفعلا هذا غير مسلم به؛ لأنه بعد التحقيق والنظر رجعت جميع هذه الأربعة عشر موضعاً إلى موضع واحد، فليس في صحيح مسلم مما هو معلق حقيقة إلا موضع واحد فقط.
ولذلك قلت: إن النادر لا حكم له, فلذلك الكلام سيكون متجهاً إلى كتاب البخاري, أما الأربعة عشر موضعاً فمنها مواضع متكررة, فالمكرر يضم بعضه إلى بعض فيعتبر واحداً، فإذا ما ضم المكرر بعضه إلى بعض البقية ينظر فيها وفق الآتي:
أولاً: منها أحاديث وجدت في بعض نسخ مسلم كأنها معلقة, مثل حديث قال فيه مسلم: ذكر لنا صاحب لنا، لكن وجد في نسخ أخرى أن مسلما رحمه الله.. كنسخة ابن ماهان, ذكر ذلك الشيخ الذي حدثه بذلك الحديث, صرح باسمه؛ فانتفى الإشكال فأصبح الحديث غير معلق.
ومنها أحاديث يقول فيها مسلم: حدثت عن فلان، فقوله: حدثت عن فلان هذا لا يعتبر معلقاً في عرف أهل الاصطلاح, لا يعتبر معلقاً, وإنما يعتبر إسناداً متصلاً, لكن في إسناده راو مبهم, وهو شيخ مسلم الذي لم يفصح باسمه, فينبغي أن تناقش القضية بهذا المفهوم، هل في صحيح مسلم شيء من الأحاديث التي فيها راو مبهم؟
نقول: نعم فيها بعض الأسانيد التي فيها راو مبهم.
فعلى كل حال من أراد التوسع في هذا فلينظر رسالة للأخ علي حسن.. علي بن حسن بن عبد الحميد الأسري, بعنوان: (تغليق التعليق في صحيح مسلم) رسالة لطيفة, بين فيها هذه المسألة بوضوح وجلاء, جزاه الله خيراً.
أما بالنسبة لكتاب البخاري, فهو الذي نتكلم عنه، فالأحاديث في صحيح البخاري المعلقة تنقسم إلى قسمين:
أحاديث مرفوعة, وآثار موقوفة أو مقطوعة.
الكلام ينبغي أن يتجه أكثر للأحاديث المرفوعة, كم عددها في صحيح البخاري؟ عددها تسع وخمسون ومائة حديث، هذا عدد الأحاديث المعلقة في صحيح البخاري من المرفوع، وهذه الأحاديث المائة والتسع وخمسون نجد أنها على التفصيل الذي ذكره الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى, فيبين أن منها أحاديث علقت بصيغة الجزم, وأحاديث علقت بصيغة التمريض، فالأحاديث التي علقت بصيغة الجزم يستفاد منها الجزم بصحتها إلى من علقه البخاري عنه.
ما أدري العبارة (اللي) عندكم يكون فيها.. أعد قراءتها يا عبد الله، "وحاصل الأمر...".
القارئ: قال: وحاصل الأمر أن ما علقه البخاري بصيغة الجزم, فصحيح إلى من علقه عنه.
الشيخ: كذا عندك فصحيح؟ أنا عندي في نسختي "بصيغة الجزم الصحيح" فكلمة "الصحيح" خطأ؛ "فصحيح"، يعني صوبوها وفق قراءة الأخ عبد الله، من كان عنده نسخة فيها الخطأ الذي في نسختي.
(طيب) هذا الكلام ما معناه؟ ما معنى: يستفاد منها صحتها إلى من علقت عنه, أو إلى ما جزم بتعليقها عنه؟
نضرب على ذلك بمثال يتضح به المراد من كلام الحافظ ابن كثير هذا: هناك أثر أو حديث علقه البخاري في, صحيحه وقال: قال طاووس: قال معاذ لأهل اليمن: إيتوني بزكاة أموالكم...إلى آخر الحديث.
قال طاووس: قال معاذ لأهل اليمن.
وجدنا الحديث الآن ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: ما قبل: قال طاووس.
والقسم الثاني: ما بعد: قال طاووس.
فما قبل: قال طاووس, تكفل لك البخاري به حينما جزم به عن طاووس, يقول: أنا ضمين لك بأن هذا الحديث سنده صحيح إلى طاووس, لكن تعرف أن الإسناد بقي فيه بقية وهو ما بعد طاووس، فهذه البقية أنا أبرزتها لك وأظهرتها، فإن كنت ممن يتسمح ويمشي عندك هذا الحديث فاقبله، وإن كنت ممن يجري على مجرى أهل الحديث فسترد هذا الحديث فأنا أوضحته لك حتى لا أغشك.
كيف ذلك؟
قال: لأنني حينما قلت: قال طاووس: قال معاذ. طاووس لم يسمع من معاذ، فاتصال السند بين طاووس ومعاذ غير موجود, لكن على قاعدة من يتسمح في المراسيل, وبخاصة مراسيل طاووس عن معاذ؛ لأنه يقال: إن أصحاب معاذ كلهم ثقات, وأن طاووس لم يأخذ إلا عن ثقات، أصحاب معاذ، هذا قول قبل، فهناك من يتسمح ويقبل هذا، لكن أهل الحديث لا يلتفتون لمثل هذا, يقولون: لا بد من التصريح باسم الواسطة حتى ننظر فيها، فهناك شرط من شروط صحة الإسناد غير موجودة ههنا, وهي اتصال السند, ولذلك البخاري رحمه الله تصرف هذا التصرف.
فهذا مراد ابن كثير حينما قال: يستفاد منه الجزم بصحته إلى من علقه عنه، البخاري علق هذا الحديث عن من؟ عن طاووس, فإذن صحته إلى طاووس موجودة.
وفعلاً حينما تراجع هذا الحديث في الكتب التي خرجته تجد سنده صحيحاً إلى طاووس، لكن بقي الجزء الذي أبرزه لك البخاري فهو أبرزه لك لهذا الغرض, لكن هل هذا الحديث يقدح في صحيح البخاري؟
نقول: لا, البخاري رحمه الله قصد هذا التعليق ولم يسنده، لم يورده بسنده؛ قصدً ليميزه عن أصل صحيحه؛ حتى لا يتكلم متكلم في الصحيح, بل يقول: هذه الأحاديث انتبه ليست على شرطي, وإنما أن أوردها لغرض لمناسبتها للباب الذي أورد فيه الأحاديث الصحيحة التي على شرطي, فلا يلزم للبخاري من المعلقات شيء وإنما كما قلنا يستأنس بها استئناساً, ويستدل بها في مواضع تفيد فيها, لكنها لا ينبني عليها حكم من الأحكام.
فهذا بالنسبة للأحاديث المعلقة بصيغة الجزم، قلنا: إنه يستفاد منها الحكم بالصحة إلى من جزم بها عنه, أما التي أوردت بصيغة التمريض.. والفرق بين صيغتي التمريض، والجزم، أن الجزم مثل: قال, ذكر, حكى, روى, هذه كلها يقال لها: صيغ الجزم.
أما صيغ التمريض فهي التي تأتي على صفة المبني للمجهول, كيروى، يحكى, يقال, يذكر, ونحو ذلك من العبارات, هذه يقال لها عند علماء الحديث: صيغ التمريض، فإذا أورد الحديث البخاري بصيغة التمريض فتنبه, فلا يستفاد من الحكم بالصحة إلى من جزم به عنه, ولا يستفاد أيضاً الحكم عليه بالضعف, تنبه لهذا يا طالب العلم.
ليس معنى هذا أننا حينما نقول : لا يستفاد منه الجزم بالصحة إلى من علقه عنه, أننا نقول: إنه ضعيف, لا؛ لأنه وجد منه ما هو صحيح ومخرج في صحيح البخاري نفسه ، ووجد منه ما هو صحيح, ولكنه لم يخرجه البخاري, بينما أخرجه مسلم ، ووجد منه ما هو صحيح ولم يخرجه البخاري ومسلم ، ووجد منه ما هو حسن ووجد منه ما هو ضعيف ومنجبر, ووجد منه ما هو ضعيف غير منجبر, كل هذا موجود فى التعاليق التي يذكرها البخاري بصيغة التمريض, فينبغي التنبه لهذا.
لذلك نبه الحافظ ابن كثير رحمه الله على هذا بقوله : وما كان من التعليقات صحيحا فليس من نمط الصحيح المسند فيه. يعني: لا تذكر بأنه مما أخرجه البخاري في صحيحه مصححا له ، لا, ليس من نمط الصحيح, لماذا ؟
قال: لأنه قد وسم, أي: وصف كتابه بقوله : الجامع المسند ، اذن حينما قيد وصف الكتاب بالمسند دلل على أنه يريد الأحاديث المسندة, فما لم يسنده من الحديث, فهذا لا يعتبر مما أراده البخاري من الحكم عليه بالصحة.

القارئ: قال: فأما إذا قال البخاري: قال لنا, أو قال لي فلان كذا, أو زادني ونحو ذلك, فهو متصل عند الاكثر.

الشيخ : (طيب) ، هذا فرع آخر ، وجد فى صحيح البخارى أحاديث اختلفت فيها وجهات النظر: هل هي من المعلقات أو من الموصولة؛ لأن فيها شبهة تعليق, وفيهاشبهة وصل ، أما شبهة الوصل فلأنه من المجزوم به أن البخاري أخذ هذه الأحاديث عن شيخه مباشرة بقوله : قال لنا ، حينما يقول : قال لنا, معنى ذلك أنه أخذه عنه مباشرة بلا واسطة, أو قال لي فلان أو زادني فلان كذا ، هذا كله يدل على أنه ليس هناك واسطة بين البخاري وبين شيخه.
لكن يرد التساؤل ههنا لماذا لم يقل البخاري فيه حدثنا أو أخبرنا ، أو حدثني, أو أخبرني كما هي طريقته في الأحاديث التي من أصل صحيحه ؟
هذا هو الذي جعل العلماء ينظرون إلى أن هذه المقولة فيها شبهة تعليق ، لذلك بعض العلماء حكم على هذه الأحاديث التي بهذه الصفة بأنها من المعلقات ، والحقيقة أنها من حيث الاصطلاح لا تعتبر معلقات؛ لأن المعلق ما سقط من أول سنده راو فأكثر ، وهنا لم يسقط منه ولا راو, ولكن استخدام البخاري لهذه الصيغة ، قال: أو ذكر أو زادني أو نحو ذلك ، ما الذي دفع البخاري لاستخدامها ؟
هناك من نبه من العلماء, وبعضهم من تلاميذ البخاري على أنه يستخدم هذه الصيغة فيما أخذه عن شيخه في مجلس المذاكرة ولم يأخذه في مجلس السماع ، وهذا من دقة البخاري رحمه الله وورعه؛ لأن مجلس المذاكرة يختلف عن مجلس السماع ، كيف يكون الاختلاف ؟
جرت عادة العلماء آنذاك أن الواحد منهم يجلس مع الآخر ليذكره بالأحاديث لعدة أغراض, من أهم الأغراض الاستفادة المتبادلة بينهما بالنسبة للأحاديث التي لا توجد عند واحد منهما، فقد يوجد عند البخاري أحاديث لا توجد عند شيخه, وقد يوجد عند شيخه أحاديث لا توجد عنده، فكل منهما يذكر الآخر ما عنده من الأحاديث، هذا يسمى مذاكرة, أو يكون القصد منه ترسيخ الحفظ.
كل هذا حاصل عندهم, لكن مما عرف عن مجالس المذاكرة هذه, أن المحدث لا يكون متأهبا للتحديث؛ فقد لا يورد الحديث بالصيغة المرتضاة سندا ومتنا؛ إذ قد يتصرف في السند, فالمواضع التي يقول فيها مثلاً: حدثنا، يقول عن طلبها للاختصار، والمتن قد يختصره, أو قد يعبر عنه بالمعنى، ولأن كثيرا منهم إذا أراد أن يحدث تكون أصوله، يعني: كتبه بين يديه, وأما مجالس المذاكرة فهي من الحفظ، فالبخاري حينما يستخدم هذه الصيغة ينبه على أن هذا الحديث ما أخذه عن شيخه في مجلس المذاكرة.
وانتبه: قد تجد الحديث مرويا عن ذلك الشيخ بسياق آخر فلا تلحق البخاري اللوم؛ لأنه نبه على أن هذا أخذه في مجالس المذاكرة, ومجلس المذاكرة يتسمح فيه ما لا يتسمح في مجالس السماع والتحديث. أظن هذه المسألة واضحة إن شاء الله.

القارئ: قال: وحكى ابن الصلاح عن بعض المغاربة, أنه تعليق أيضاً يذكره للاستشهاد, لا للاعتماد، ويكون قد سمعه بالمذاكرة، وقد رده ابن الصلاح بأن الحافظ أبا جعفر بن حمدان قال: إذا قال البخاري: وقال لي فلان. فهو مما سمعه عرضاً ومناولة.

الشيخ: (طيب) يبدو أن أبا جعفر بن حمدان هذا من الرواة لصحيح البخاري, ومن تلاميذ البخاري, كما رأيتم, أن هناك من زعم أن هذه الصيغة تعتبر معلقة, وهناك من قال: بل هي متصلة، والحقيقة أنها من حيث الاتصال متصلة من حيث اتصال السند.
لكن الذي يظهر أن هذا مما أخذه البخاري بالصيغة التي ذكرناها, أو كما ذكره أبو جعفر بن حمدان بأنه مما أخذه عرضا ومناولة, أي: ليس في مجلس التحديث, أي: لم يسمعه من أفواه الشيوخ في مجالس التحديث التي تأهبوا لها واستعدوا، وإنما بطريقة من طرق التحمل الأخرى. والله أعلم.

القارئ: قال: وأنكر ابن الصلاح على ابن حزم رده حديث الملاهي, حيث قال فيه البخاري: وقال هشام بن عمار. وقال: أخطأ ابن حزم من وجوه؛ فإنه ثابت من حديث هشام بن عمار.
قال: قلت: وقد رواه أحمد في مسنده, وأبو داود في سننه, وخرجه البرقاني في صحيحه, وغير واحد مسندا متصلاً إلى هشام بن عمار, وشيخه أيضاً كما بيناه في كتاب الأحكام. ولله الحمد.
الشيخ: (طيب) هذا بالنسبة لحديث المعازف المشهور, وهو حديث يرويه عبد الرحمن بن غانم الأشعري, عن أبي مالك, أو أبي عامر الأشعري, عن النبي صلى الله عليه وسلم, أنه قال: ((يكون في أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير, والخمر والمعازف)) والحديث لفظه أطول من هذا، هذا الحديث حينما أورده البخاري في صحيحه قال: وقال هشام بن عمار. وهشام بن عمار من شيوخ البخاري, فوقعت الشبهة ههنا، الشبهة بأن البخاري لم يقل: وقال لنا. حتى نستفيد الاتصال ونبدأ نناقش المسألة من وجهة نظر أخرى.
فنقول: قد يكون أخذه عرضا أو مناولة, أو في مجلس المذاكرة، ولكن قال: وقال هشام بن عمار، لكن بناء على القاعدة التي ذكرناها, وهو أن ما أورده البخاري بصيغة الجزم يستفاد منه صحته إلى من جزم به عنه، هذا واضح ومتجل ههنا.
فالبخاري قال: وقال هشام بن عمار، إذن البخاري جزم به عن هشام بن عمار، إذن البخاري متيقن من أن هشام بن عمار حدث بهذا الحديث, فيبقى بعد ذلك النظر فيما بعد هشام بن عمار.
الدليل على أن هشام بن عمار فعلاً حدث بهذا الحديث, أنه روي من عدة طرق, وأظنها تسعة طرق.. تسع طرق عن هشام بن عمار, كلها متصلة في مسند الإمام أحمد, وفي مسند أبي داود, وفي مستخرج البرقاني وغيرها من الكتب, مما يدل على أن البخاري رحمه الله فعلاً عنى ما أراد بقوله: وقال هشام بن عمار بأنه فعلاً قد حدث به هشام بن عمار، بل لم ينفرد به هشام بن عمار, بل هو مروي عن شيخه, وأظن أن شيخه هو عكرمة بن خالد أو كذا.
على كل حال الحديث الذي جعل البخاري رحمه الله يورده بصيغة التعليق يبدو أنه لأجل الاختلاف في اسم الصحابي حينما لم يضبط الاسم عبد الرحمن بن غانم الأشعري, أو من دونه, حينما قال: عن أبي مالك أو أبي عامر الأشعري, فهذا التردد في اسم الصحابي يبدو أنه جعل البخاري يخرج الحديث بهذه الصفة, ونحن نعرف أن الاختلاف في أسماء الصحابة لا يضر؛ فالصحابة كلهم عدول، فسواء كان أبا مالك أو أبا عامر فكلاهما صحابي, والصحابة كلهم عدول بحمد الله, فالحديث صحيح لا مرية فيه ولا شك، ومن طعن فيه كابن حزم فطعنه ودعواه مردودة عليه.
بل لقد بالغ بن حزم حينما حكم على هذا الحديث بالوضع, وهذا أمر مستغرب جداً؛ إذ ما هي دلائل الوضع في هذا الحديث؟!
هل هناك راو كذاب في سنده حتى يحكم عليه بالوضع؟ أو هل هناك مخالفة في هذا الحديث لشيء من قواعد الإسلام, أو لصريح القرآن, أو لما تواتر من السنة؟
ليس فيه شيء من ذلك, ولكن الحديث معقول المعنى, وهناك أيضاً أحاديث يمكن أن يستشهد بها في هذا المضمار مما يؤيده هذا الحديث, وقد خرجها بعض طلبة العلم, ولعلكم على معرفة ودراية بها.

القارئ: قال: ثم حكى أن الأمة تلقت هذين الكتابين بالقبول, سوى أحرف يسيرة انتقدها بعض الحفاظ, كالدارقطني وغيره، ثم استنبط من ذلك القطع بصحة ما فيهما من الأحاديث؛ لأن الأمة معصومة عن الخطأ, فما ظنت صحته ووحب عليها العمل به لا بد وأن يكون صحيحاً في نفس الأمر, وهذا جيد.
وقد خالف في هذه المسألة الشيخ محي الدين النووي, وقال: لا يستفاد القطع بالصحة في ذلك.
قال: قلت: وأنا مع ابن الصلاح فيما عول عليه, وأرشد إليه. والله أعلم.
قال: قلت بعد هذا على كلام لشيخنا العلامة ابن تيمية, مضمونه: أنه نقل القطع بالحديث الذي تلقته الأمة بالقبول عن جماعات من الأئمة, منهم القاضي عبد الوهاب المالكي, والشيخ أبو حامد الإسفرائيني، والقاضي أبو الطيب الطبري, والشيخ أبو إسحاق الشيرازي من الشافعية, وابن حامد, وأبو يعلى بن الفراء، وأبو الخطاب, وابن الزابوني وأمثالهم من الحنابلة, وشمس الأئمة السرخسي من الحنفية.
قال: وهو قول أكثر أهل العلم من الأشعرية, وغيرهم, كأبي إسحاق الإسفرائنيي, وابن فورك.
قال: وهو مذهب أهل الحديث قاطبة, ومذهب السلف عامة, وهو معنى ما ذكره ابن الصلاح استنباط فوافق فيه هؤلاء الأئمة.

الشيخ: (طيب) هذا كله يتعلق بالأحاديث التي في الصحيحين, كلام ابن الصلاح كلام إمام من أهل الحديث سار على منهج أهل السنة, فعظم سنة النبي صلى الله عليه وسلم, ولم يتأثر بالخزعبلات الكلامية، والمناهج الفلسفية، وإنما متى ما صح الحديث, وبخاصة بالصورة المرتضاة, كالأحاديث التي في الصحيحين, مما تلقته الأمة بالقبول, فلا مجال في التشكيك في صحته وثبوته, ولا الطعن فيه, ولا القول بأن هذا ظني الثبوت, كما يدعيه بعض أهل الكلام, بل أحاديث الصحيحين, بل وما هو من غير أحاديث الصحيحين -كما سننبه عليه إن شاء الله في مبحث المتواتر والآحاد, كما سيأتي معنا بإذن الله - هذا لا بد من أن يقال: إنه قطعي الثبوت, إلا إذا اتضح فيه علة توجب ضعفه, وتبين أن هذا الحديث من الأحاديث المستثناة عن الحكم عليها بالصحة.
فأحاديث الصحيحين لها مزية عن غيرها من الكتب؛ فالأمة تلقت هذه الأحاديث بالقبول, كل من جاء بعد البخاري ومسلم نجد أنهم سلموا بصحة هذه الأحاديث, وبالذات الأئمة النقاد الذين تتبعوا أحاديث الصحيحين حديثاً حديثا, واستخرجوا ما فيها من علل, فنجد أن هذا الجهد منهم يعني الإقرار الضمني لما لم ينتقدوه, فحينما تجد الدارقطني وابن عمار الشهيد وأبا علي الغساني، وأبا مسعود الدمشقي, وغيرهم من الأئمة, الذين نقدوا بعض أحاديث الصحيحين, حينما تجدهم لم يتعرضوا للكثرة الكاثرة من هذه الأحاديث، هذا يعني ماذ؟
يعني الإقرار الضمني منهم إلى أن أحاديث الصحيحين من الأحاديث الصحيحة التي لا مطعن فيها بحال من الأحوال.
ولأننا نجد هذه الأحاديث التي انتقدها بعض هؤلاء الحفاظ أحياناً تكون العلة غير مؤثرة, فالحديث يكون صحيحاً.. ولست أدري أنا ذكرت لكم هنا (ولا) في حديث جده ((الطهور شطر الإيمان)) أنا ذكرته لكن ههنا؟ إي ذكرته لكم ههنا، مثل حديث ((الطهور شطر الإيمان)). هذا الحديث العلة التي فيه لا تعتبر علة مؤثرة؛ لأن الحديث صحيح بكل حال.
وعلى هذا فقس سائر الأحاديث, معظمها لا تكون العلة التي فيها مؤثرة, وإنما المسألة مسألة راجح ومرجوح, وما ينبغي أن يسلك, هل الأولى أن يسلك هذا المسلك أو ذاك المسلك فقط.
فتبين بهذا أن أحاديث الصحيحين فعلاً مما تلقته الأمة بالقبول, فوجب العمل به, ولا يجوز بحال من الأحوال لأحد أن يتخلف عن العمل أو يشك في ثبوت تلك الأحاديث.
ولذلك إذا جاءنا مثلاً حديث الجارية, الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: ((أين الله؟)). قالت: في السماء. وهو مما أخرجه مسلم، وجب التسليم لمدلول هذا الحديث, والإزعان له، ولا يجوز في حال من الأحوال أن يقال: إن هذا الحديث من أحاديث الآحاد, وأحاديث الآحاد ظنية الثبوت، كما يقوله بعضهم في الأحاديث التي حتى وإن كانت في الصحيحين ومتفق عليها، لا, لا يجوز مثل هذا.
فهذا الكلام الذين ذكره ابن كثير عن ابن الصلاح, وأيده ووافقه, وذكر عن شيخ الإسلام ابن تيمية هذا الكلام الذي فيه النقل عن هؤلاء العلماء كلهم، أن عبارتهم كلها تواردت على هذا المعنى المذكور ههنا، وأن من خالف في ذلك فمخالفته مخالفة في غير محلها.
لكن يبقى الكلام في الأحاديث المنتقدة من قبل أحد الحفاظ على البخاري ومسلم، هذا هو الذي استثناه ابن الصلاح حينما قال: سوى أحرف يسيرة، انتقدها بعض الحفاظ كالدارقطني وغيره، هذه يمكن أن تكون مستثناة, أي: يمكن أن تخرج عن هذا الكلام الذي ذكر، فتلك الأحاديث ينظر فيها على حدة، هل هي مما يمكن أن يقال عنه: إنه قطعي الثبوت أو لا؟ فيخرج كل حديث على حدة, فإما أن يترجح صحته وصحة ما ذهب إليه البخاري ومسلم كلاهما أو أحدهما, أو يترجح جانب الإمام الآخر, ثم يذكر بعد ذلك وفق القواعد الحديثية.
على كل حال هذه الأحاديث المنتقدة هي أحاديث قليلة كما أشرنا إليه سابقاً،, والكثير منها علتها غير مؤثرة بحمد الله جل وعلا.
وإلى هنا ننتهي من الكلام عن مبحث الحديث الصحيح, وبعد ذلك إن شاء الله نتكلم عن مبحث الحديث الحسن.

سؤال: يقول أحد الإخوة: هل تردد البخاري وذكره للحديث بهذه الصيغة يعني: أن معرفة اسم الصحابي شرط لاتصال سند الحديث.
جواب: أقول: لا, معرفة اسم الصحابي ليست بالضرورة شرطا لاتصال سند الحديث، وفي هذا تفصيل سيأتي إن شاء الله معنا حينما نتكلم عن الحديث المرسل، ولكن لا بأس أن أشير إليه ههنا:
لو جاءنا حديث يرويه تابعي عن رجل من الصحابة هكذا، ولم يقل: حدثني رجل من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم, فإننا في هذه الحالة نبدأ نشك: هل هذا التابعي سمع من هذا الصحابي، أم لم يسمع منه؟
والشك وارد، فإذا كانت الصيغة صيغة (عن), ولم يصرح باسم الصحابي، فهذا يقال عنه: مرسل، وهذا الذي يقصده البيهقي رحمه الله حينما يعل بعض الأحاديث بالإرسال لهذا السبب, وبعضهم لم يتنبه إلى هذا الصنيع من البيهقي, فظن أن البيهقي لا يقبل حديث المبهم من الصحابة, وهذا ليس بصحيح، لو جاءت الصيغة هكذا: حدثني رجل من الصحابة؛ فإن البيهقي لا يرد الحديث الذي بهذه الصفة.
فعلى كل حال فيه هذا التفصيل, وسيأتي إن شاء الله مزيد تفصيل له في الكلام على الحديث المرسل إن شاء الله تعالى.

سؤال: يقول: ما رأيك في كتاب: (دراسات علمية في صحيح مسلم) للشيخ علي الحلبي؟
جواب: أقول: الكتاب جيد إن شاء الله تعالى، والأخ علي من خيرة الإخوة العارفين بالحديث وعلومه.
سؤال: والخبر الواحد يفيد العلم اليقيني القطع أم لا؟ فنرجو التوضيح.
جواب: أقول: انتظر يا أخي إن شاء الله حتى أجيبك عن سؤالك حينما نتكلم عن الخبر المتواتر والآحاد, وستجد إن شاء الله في ذلك تفصيلاً يرضيك بإذن الله.


  #5  
قديم 6 ذو الحجة 1429هـ/4-12-2008م, 07:57 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح اختصار علوم الحديث للشيخ: إبراهيم اللاحم (مفرغ)

القارئ:
التعليقات التي في الصحيحين
وتكلم الشيخ أبو عمرو على التعليقات الواقعة في صحيح البخاري وفي مسلم أيضًا،لكنها قليلة،قيل: إنها أربعة عشر موضعًا، وحاصل الأمر أن ما علقه البخاري بصيغة الجزم فصحيح إلى من علقه عنه،ثم النظر فيما بعد ذلك، وما كان منها بصيغة التمريض فلا يستفاد منها صحة ولا تنافيها أيضًا؛لأنه قد وقع من ذلك كذلك، وهو صحيح،وربما رواه مسلم،وما كان من التعليقات صحيحًا فليس من نمط الصحيح مسند فيه؛لأنه قد وسم كتابه بالجامع المسند الصحيح المختصر في أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه.
فأما إذا قال البخاري: قال لنا. أو: قال لفلان كذا. أو: زادني. ونحو ذلك، فهو متصل عند الأكثر.
وحكى ابن الصلاح عن بعض المغاربة أنه...
القارئ:.... صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه,فأما إذا قال البخاري: قال لنا,أو قال لفلان: كذا,أو زادني,ونحو ذلك,فهو متصل عند الأكثر.
وحكى ابن الصلاح عن بعض المغاربة,أنه تعليق أيضا يذكره للاستشهاد, لا للاعتماد,ويكون قد سمعه في المذاكرة.وقد رده ابن الصلاح؛فإن الحافظ أبا جعفر بن حمدان قال: إذا البخاري قال: قال لفلان, فهو مما سمعه عرضا ومناولة.
الشيخ: نعم.هذا المقطع يتناول,أو يتعلق بأمور,ببعض الأمور تتصل بأمر التعليق في صحيح البخاري,والتعليق أو الحديث المعلق هكذا سماه,يعني: هذه التسمية وجدت فيما بعد,يعني: ليس البخاري هو الذي سماه تعليقا,أو قال: أعلق بعض أحاديثي,أو كذا,وإنما يقولون: إن هذا اللفظ يقول ابن الصلاح رحمه الله: وجد في كلام الحميدي,وكلام الدارقطني,أي: في القرن الرابع ولا بأس بذلك سموا نوعا من الأحاديث وهي التي حُذِفَ.. أو حَذَف المعلق أول الإسناد,أو حذف بعض رجال الإسناد من أوله.
وقد يحذف الإسناد كله,فلا يبقي إلا قائل النص فقط,كأن يقول البخاري مثلا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذا, أو قالت عائشة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:كذا,أو يذكر بعد التابعي رجلا أوالمهم, وقد لا يحذف إلا شيخه فقط,فإذا حذف شيئا من مبدأ الإسناد فهذا يسمونه التعليق,يقولون: مأخوذ من التعليق في الجدار,أو في السقف,كأنه ليس هناك واسطة بين.. يعني: هذا الشيء المعلق وبين الأرض,شبهوه به شبهوه بالتعليق فهذه المعلقات..
إذن هذا معنى التعليق,وهي موجودة في البخاري,وموجودة أيضا في مسلم,لكن نبه ابن كثير رحمه الله في بداية كلامه إلى أنها في مسلم قليلة,تبلغ أربعة عشر موضوعا فقط,وأيضا هذه أربعة عشر موضوعا,وصلها مسلم, ما معنى وصلها ؟
يعني: ذكرها موصولة,ثم علقها أو علقها,ثم وصلها إلا موضع واحد فقط في صحيحه,بقي معلقا,وهو الحديث المعروف في تيمم النبي صلى الله عليه وسلم بالجدار؛فإنه قال: وقال الليث بن سعد: حديث أبي جهيم هذا بقي معلقا,وقد وصله البخاري رحمه الله في صحيحه.
إذن الكلام الآتي كله في معلقات البخاري,أو في معلقات مسلم ؟ في معلقات البخاري؛لأن مسلما رحمه الله تعالى لم يبق في كتابه شيئا معلقا إلا.. لم يبق في كتابه شيء إلا حديث واحد,وهو حديث: تيمم النبي صلى الله عليه وسلم بالجدار.
ولذلك قال ابن كثير: وحاصل الأمر أن..أو ابن الصلاح: وحاصل الأمر أن ما علقه البخاري. فإذن الكلام القادم كله في معلقات البخاري, أول نقطة في معلقات البخاري هي قضية درجة هذه المعلقات,وهناك أمر قبل هذا ما ذكره ابن الصلاح,ننبه عليه أو ما ذكره ابن كثير,وهي أن معلقات البخاري تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول علقه البخاري في مكان,ووصله في مكان آخر,أولا مجموع المعلقات في صحيح البخاري كثير, تبلغ المعلقات ألفا وثلاثَمِئة حديث معلق,هذا كثير أو قليل بالنسبة لمعلقات مسلم ؟
هذا العدد كثير,وصل منها البخاري رحمه الله تعالى في مكان آخر,أو وصلها,وصل غالب هذه الأحاديث المعلقة في مكان آخر,ولم يبق إلا نحو مائة وستين حديث هي التي أبقاها البخاري,لم يصلها في مكان آخر.
فالكلام الآن اللاحق في أي القسمين؟ الكلام اللاحق الآن أو الآتي هو في القسم الثاني,الذي لم يصله في مكان آخر,أما الذي وصله فقد انتهى أمره,وهو يعني موصول في صحيح البخاري,فحكمه حكم الموصول.
القسم الثاني الذي علقه أو الذي بقي دون وصل,ألف فيه ابن حجر رحمه الله كتابه المعروف تغليق التعليق,له كتاب اسمه تغليق التعليق,والمراد به أن يخرج هذه الأحاديث المعلقة.
وكذلك أيضا باقي معلقات البخاري؛لأن البخاري المقصود بالمائة وخمسين هي ما كان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم,وأما عن غير الرسول صلى الله عليه وسلم ففيه معلقات كثيرة جدا غير المائة وخمسين هذه كلها وصلها ابن حجر أو ألف من أجلها كتابه تغليق التعليق,وهو كتاب قيم جدا ومطبوع,يعني: يخرج المعلقات,فيقول مثلا: رويناه من طريق,ويسوق إسناده إلى مثلا عبد الرزاق أو إلى ابن أبي شيبة,أو إلى سعيد بن منصور,أو إلى الإمام أحمد,أو إلى الترمذي أو إلى مسلم,يعني إلى من خرج هذه المعلقات.
ولخصه أيضا في (هدي الساري مقدمة صحيح البخاري) تكلم ابن الصلاح رحمه الله على درجة هذه المعلقات المائة وخمسين فقال: إنها على قسمين:
أولا: ما يعلقه بصيغة الجزم,ما معنى صيغة الجزم؟ أن يقول: قال فلان: كذا,أو ما معناه,إذا قال البخاري: قال فلان: كذا,أو قال فلان عن فلان عن فلان: كذا,يقول ابن الصلاح: فهذا جزم أو هذا محكوم بصحته إلى من علقه عنه,إلى من علقه,إلى من أبرزه من رجال الإسناد فإذا...
ثم بعد ذلك يبقى النظر فيمن أبرز من رجال الإسناد,فإذا قال البخاري مثلا: قال بهز بن حكيم,عن أبيه,عن جده الصحة أو محكوم على هذا الإسناد بالصحة ممن إلى من؟
من البخاري إلى بهز,وبعد ذلك يبقى النظر فيمن؟ في بهز,ومن بعده,فهذا هذا النوع الأول الذي هو ما هو مجزوم بصحته,ما هو مجزوم بـ يعني: ما علقه بصيغة الجزم.
إذن إذا قال البخاري رحمه الله: وقالت عائشة: قال النبي صلى الله عليه وسلم يحتاج هذا... هذا الحديث ما حكمه الآن؟ أنه علقه بصيغة الجزم.
فإذن على كلام ابن الصلاح أن هذا حديث,أنه حديث صحيح؛لأننا لا نحتاج إلى النظر فيمن ؟ بعد من أبرز من رجاله,وهكذا لو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:كذا,فهذا معلق بصيغة الجزم,وليس هناك من رجال الإسناد ما ينظر فيه القسم الثاني الذي يعلقه بصيغة التمريض,مثل أن يقول: ويذكر ويروى,فهذا يقول ابن الصلاح رحمه الله: إنه منه ما هو صحيح.. إنه لا يستفاد من هذه الصيغة الصحة,ولكن أيضا لا يستفاد منها الضعف.
وهذا معنى قوله: ولاتنافيها أيضا.فلا يستفاد منها صحة ولا تنافيها أيضا,معناه أن هذا النوع أو هذا القسم المعلق بصيغة التمريض منه ما هو صحيح ومنه ما هو ضعيف,بل منه ما يضعفه البخاري كما في قوله: ويروى عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يتطوع الإمام في مكانه) فهذا مباشرة قال بعده البخاري: ولا يصح,ولكنه علق بصيغة التمريض أيضا.
قال: ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على.. ويذكر عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه,وهذا في صحيح مسلم,فهذان قسمان ما علقه بصيغة الجزم,وما علقه بصيغة التمريض.
ثم هذه المسألة تكلمنا عليها, ثم عاد ابن الصلاح رحمه الله وتكلم على المقصود بالصحة,إذا أطلقت الصحة على معلقات البخاري يقول رحمه الله: إننا وإن أطلقنا عليها إنها صحيحة إلا أنها ليست من نمط الصحيح.ما معنى من نمط الصحيح؟
يعني: ليست من درجة أحاديث الجامع,جامع البخاري أحاديث الصحيح التي أسندها البخاري إسنادا,هذه عبارته,وما كان من التعليقات صحيحا فليس من نمط الصحيح المسند فيه؛لأنه قد وسم كتابه بالجامع المسند الصحيح المختصر في أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه.
إذن هذاعودة إلى ما سبق وأن الصحيح ليس على درجة واحدة,وإنما هو على مراتب.
فإذن البخاري رحمه الله قد يعلق في صحيحه أحاديث صحيحة,إذن لم لم يخرجها رحمه الله تعالى مسنده إذا كانت صحيحة ؟ هي صحيحة ولكنها ليست على الصحة التي اشترطها من؟ التي اشترطها البخاري.
ففي الغالب هذه الأحاديث رغم صحتها يكون في إسنادها كلام,وربما لم يكن فيه كلام,ولكن يعني: بسبب ولو بسيط مثل الاختلاف في اسم صحابي أو نحو ذلك,مثل حديث((الدين النصيحة)) لم يخرجه البخاري,علقه البخاري وهو حديث صحيح,أخرجه مسلم وذكروا سببا أنه لعله لاختلاف في احتمال.. ذكر ابن حجر هذا أن يكون الاختلاف في اسم الصحابي,هكذا أذكر.
فالمقصود أن البخاري رحمه الله ترك إسناد هذه الأحاديث المعلقة الصحيحة؛ لأنها نزلت عن شرطه في قضية تكلم عليها ابن الصلاح,وهو أن البخاري رحمه الله ربما يقول في صحيحه: قال لنا فلان,قال لنا فلان أو قال لي فلان,أو زادني فلان,نبه الآن ينسب هذا الكلام إلى من البخاري؟ من الذي قال؟ يعني: البخاري يقول: قال: لي فلان,هل هناك تعليق أو ليس بتعليق هذا ؟ ما هو المعلق ؟ المعلق ما هو ؟
هو الذي يسقط منه المؤلف,هذا ما فيه إسقاط,فلهذا ابن الصلاح نبه أو رد على من وصف هذا بالانقطاع,يقول: فهو متصل عند الأكثر,وحكى عن بعض المغاربة أنه تعليق أيضا,يذكره للاستشهاد,لا للاعتماد,ويكون قد سمعه في المذاكرة,ما معنى المذاكرة ؟
هي المراجعة تقريبا,أو المباحثة,وهي ما نطيل بها لكنها عند العلماء رحمهم الله: ما يسمعه الشخص في المذاكرة,ليس مثل ما يسمعه في الرواية أو لنقل إن الراوي حال تحديثه في المذاكرة ليس على درجة ما يحدث به إذا قصد الرواية,وهذا المذاكرة معروف عند العلماء أنهم يتسامحون فيها,وربما دلسوا وربما أسقطوا,يعني: يتسامحون في المذاكرة,فهذا أحد حفاظ المغاربة أو بعض حفاظ المغاربة يقول: إن البخاري إذا قال: قال لي فلان فقد عدل عن قوله: حدثني أو أخبرني؛لأنه سمع هذا الكلام في أي صفة ؟ بالمذاكرة,فأراد أن يبين أنه ليس كما سمع.. ليس كمثل الذي سمعه في حال الرواية.
ورد ابن الصلاح هذا وقال: أو نقل عن الحافظ أبي جعفر بن حمدان أن البخاري إذا قال: قال لي فلان,فهو مما سمعه عرضا ومناولة.العرض والمناولة هذا من صيغ التحمل وستأتي معنا.. من طرق التحمل وخلاصتهما أو معناهما العرض هو أن يقرأ التلميذ على الشيخ وهو دون.. عند جمهور العلماء دون.. في منزلة دون منزلة أن الشيخ هو الذي يقرأ,فهذا منطرق التحمل عندهم,يعني: معروفة بعضهم,الشيخ الذي يقرأ يقول: حدثني,وبعضهم يقرأ التلميذ والشيخ يستمع,ويقر,فهذا هو العرض,هذا هو العرض,القراءة على الشيخ هي العرض.
أما المناولة فيعطيه الكتاب أو يعطيه الجزء,يناوله إياه وفي الغالب يعني: العلماء يقولون: تجوز الرواية بها إذا قال له: خذ هذا الجزء مثلا,ستأتي معنا إن شاء الله تعالى, واروه عني.فحينئذ تكون هذه يسمونها مناولة مصحوبة بأي شيء؟
بالإجازة,وهذه نعم يعني: نعم أقوى من المناولة العارية عن الإجازة,ستأتي معنا طرق التحمل إن شاء الله تعالى.
فالمقصود أن الكلام هذا كله على قضية إذا قال البخاري: قال لي فلان,وتضيفون على هذا أن ابن حجر رحمه الله تعالى وهو ممن (غير مسموع) كتاب البخاري يقول: يظهر لي والله أعلم يعني: هو راجع إلى هذا الكلام أن البخاري إنما يقول مثل هذا الكلام,يعني: يعدل عن التصريح بالتحديث إلى أن يقول: قال فلان.. أو قال لي فلان أو قال لنا فلان لسبب ما في الإسناد أو في المتن,أو نحو ذلك.
وهذا يبين لنا أو ابن حجر رحمه الله يريد أن يبين لنا دقة الإمام البخاري,البخاري مدرسة كبيرة في اختيار الأساليب واختيار الألفاظ,وهو من أقل الناس كلاما رحمه الله تعالى,ولكن كلامه,كما يقال,من المختصر المفيد حتى بالنسبة لكلامه في الرجال,بالنسبة لكتبه في الرجال,هي تعتبر مختصرة,ولكن فيها من الفوائد مثلا في التاريخ الكبير شيء عظيم جدا من الفوائد,حتى إن ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى كما هو معروف جاء إلى التاريخ الكبير,فاستخلص منه كم من كتاب ؟ ثلاثة: كتب الجرح والتعديل,هذا في الرجال خاصة المراسيل, وهذا..يعني: على نمطه وليس استخلصها بمعنى أخذ فقط ما عند البخاري المراسيل.
وهذا يتعلق بالاتصال والانقطاع العلل,وهذه من نمط الأحاديث التي يوردها البخاري في التاريخ الكبير,ويبين عللها.
فالمقصود أن البخاري رحمه الله تعالى دقيق جدا في اختيار أساليبه,وفي يعني أغراضه من ذكر إسناد أو من تعليقه,أو من يعني إبدال لفظ بلفظ,ولهذا يعني أنا أنصح دائما من يريد أن يتمكن في مصطلح الحديث,فكتاب البخاري,كتاب البخاري استعانة بشروحه ولا سيما فتح الباري لابن رجب.. أو لابن حجر,من أهم مصادر السنة التي تعين الباحث على التفقه في مصطلحات أهل الحديث,يورد كثيرا من المصطلحات,ويستخدم مصطلحات كثيرة,ويعني: يستفيد طالب العلم يعني: أمور تطبيقية عملية على هذه المصطلحات. نعم نكمل اقرأ الأخ, نعم.
القارئ: وأنكر ابن الصلاح على ابن حزم رده حديث (غير مسموع) حيث قال فيه البخاري,وقال هشام بن عمار,وقال: أخطأ ابن حزم من وجوه؛فإنه ثابت من حديث هشام بن عمار.
قلت: وقد رواه أحمد في مسنده, وأبو داود في سننه, وأخرجه البرقاني في صحيحه, وغير واحد مسندا متصلا إلى هشام بن عمار وشيخه أيضا كما بيناه في كتاب الأحكام.ولله الحمد.
الشيخ: هذه مسألة يعني: تطبيقية على ما يقول فيه البخاري,لكن هذه دون التي قبلها,التي قبلها,ماذا يقول البخاري عن شيخه؟
قال لنا: أما هذه ما فيها لنا إنما قال فلان,فابن حزم رحمه الله تعالى لما احتج عليه معروف,أن ابن حزم رحمه الله يبيح شيئا من الغناء,فاحتج عليه بهذا الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه,وقالفيه: وقال هشام بن عمار لم يقل: حدثنا هشام بن عمار,وهو من شيوخه,هو من شيوخ البخاري رحمه الله,فابن حزم رحمه الله يقول: إن هذا منقطع لماذا ؟
لأن البخاري لم يقل: حدثنا,فردوا عليه من عدة جهات:
أولا: أن البخاري رحمه الله أن هشام بن عمار شيخ البخاري,فإذا قال البخاري: قال هشام بن عمار,والبخاري ليس بمدلس,فمعناه أنه قد سمعه من هشام بن عمار,والإسناد متصل,وهذا من الأشياء التي يقول ابن حجر رحمه الله: إن البخاري لا يعدل عن التصريح بالتحديث إلا لسبب,يقولون: لعله بسبب الاختلاف في تسمية الصحابي؛لأنه الحديث من طريق عبد الرحمن بن غنم الأشعري,عن أبي عامر,أو أبي مالك الأشعري,يعني: تردد في اسم الصحابي,يقولون: لعله لهذا عدل البخاري عن حدثنا إلى..
والأمر الآخر: أن هذا الحديث الرد على ابن حزم بهذا,يعني: بالأمر الآخر,وهو أن هذا الحديث متصل في كتب أخرى,غير كتاب البخاري,وهو معروف عن هشام بن عمار.
فإذن يعني المفترض في ابن حزم رحمه الله أن يبحث عن علة أخرى غير الانقطاع,إذا كان يعني يريد,أن يطعن في هذا الحديث إن كان عنده علة أخرى,وإلا فهذه العلة ضعيفة,لا تصلح هذه العلة علة قادحة في هذا الحديث,ولا سيما مع كلام لابن حزم,يقرر فيه أن الراوي إذا قال عن شيخه: قال: أو عن أو كذا فهو محمول على أي شيء؟ إذا قال عن شيخه فهو محمول على الاتصال,وعلى السماع,هكذا قرره في كتابه الإحكام في أصول الفقه,هنا مسألة سيتكلم عليها ابن كثير نقلا عن ابن الصلاح,وهي مسألة يعني تلقي الأمة للصحيحين بالقبول وماذا يفيد؟ نعم تفضل ياشيخ.
القارئ: ثم حكى أن الأمة تلقت هذين الكتابين بالقبول,سوى أحرفا يسيرة,انتقدها بعض الحفاظ,كالدارقطني وغيره,ثم استنبط من ذلك القطع بصحة ما فيهما من الأحاديث في أن الأمة معصومة من عين الخطأ,فما ظنت صحته ووجب عليه العمل به لا بد وأن يكون صحيحا في نفس الأمر,وهذا جيد.وقد خالف في هذه المسألة الشيخ محي الدين النووي, وقال: لا يستفاد القطع بالصحة من ذلك.
الشيخ: نعم.
القارئ: قلت: وأنا مع ابن الصلاح فيما عول عليه وأرشد إليه.والله أعلم.
الشيخ: نعم.هذه المسألة مسألة ماذا تفيد أحاديث الصحيحين؛ القطع أو الظن؟ مسألة (بس) يعني: هي مسألة ليست من علوم الحديث,وإنما هي لها تعلق بأي شيء ؟ بأصول الفقه,ولهذا بعد قليل لن نقرأه,ولن نطيل فيه سينقل ابن كثير رحمه الله تعالى كلاما لابن تيمية عن الحديث إذا تلقته الأمة بالقبول.
وابن تيمية ينقل عن جماعة عن أهل الحديث,وعن غيرهم من أهل الكلام والأشاعرة وغيرهم,أن الأمة إذا تلقت الحديث بالقبول فهو مقطوع بأي شيء ؟ بصحته.
فإذن ابن الصلاح رحمه الله تعالى يقول.. هكذا تقريره يقول: إن الأمة قد تلقت كتابي البخاري ومسلم بالقبول,سوى أحاديث يسيرة انتقدها بعض الحفاظ,مثل من؟ مثل بمن ؟ بالدارقطني,وهناك غير الدارقطني, مثل الإسماعيلي,ومثل ابن عمار الشهيد,يقال له: الشهيد.قتلته القرامطة عند الكعبة,رضي الله عنه ورحمه,له كتاب في علل صحيح مسلم,كتاب أحاديث يسيرة انتقدها,بل هناك أحاديث في الصحيحين انتقدها من ؟ البخاري ومسلم,يعني: يبينون علل بعض الأحاديث,حتى في يعني في كتابيهما,فهذه الأحاديث يقول: وهناك أحاديث أيضا لا بد أن يضم إلى هذا أحاديث انتقدها بعض الحفاظ قبل البخاري ومسلم,مثل أحمد مثلا,أو.. يعني أو مع البخاري ومسلم,مثل أبي حاتم أو النسائي.
فالمقصود أن هذه الأحاديث التي انتقضت,وإن كان الصواب يعني : ليس مراد به الصلاح,أن الصواب مع من؟ مع المنتقد,لا يريد هذا هو,وإنما يريد أن هذا الانتقاد يعني: أنزلها عن أن تدخل في الأحاديث التي تلقتها الأمة بالقبول.
إذن ما عدا هذه الأحاديث,وكما يقول ابن تيمية: جمهور أحاديث الصحيحين.إذا قال: جمهور.فمعناه أن هناك آحادا,يقول: جمهور وأحاديث الصحيحين تفيد التواتر.وهذا الذي قاله رحمه الله له حظ,يعني: الصحيح إلى درجة كبيرة,أن جملة أو جمهور أحاديث الصحيحين إذا استثنينا ما انتقد أو ما فيه اختلاف على بعض.. يعني: إذا استثنينا بعض الأشياء,فبقية أحاديث الصحيحين من المقطوع بصحته ويفيد العلم اليقيني.
وأي طالب علم إن شاء الله تعالى الذي يقرأ منكم في صحيح البخاري وفي صحيح مسلم يسوق الإمامان طرقا لبعض الأحاديث,يعني: إذا نظرت في الطرق ونظرت في تراجم أصحابها لا يكاد حديثي يتوقف في صحة هذه الأحاديث,إذا كان بعض العلماء يقول: عن مالك عن نافع عن ابن عمر,ماذا أخذنا هذا؟
يقول: إنما هو ترفع الستر,فتنظر إلى من ؟ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم,يعني: كأنك بهذا الإسناد ليس بينك,وبين رسول الله إلا ستر,فإذا كان مثل هذا الحديث يرويه مالك عن نافع,عن ابن عمر,ويرويه أيوب عن نافع عن ابن عمر,ويرويه عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر,ويرويه مع نافع سالم,ويرويه مع سالم أيضا عبد الله بن دينار,ويرويه مع عبد الله بن عمر مثلا جابر وعائشة.
فمثل هذا الحديث لا يعني بغض النظر عن قضية التواتر عند الأصوليين,وتواتر الطبقات,وإلى آخره,فمثل هذا الحديث عند المحدثين لا يرتابون أبدا في صحته, فهذا هو معنى كلام ابن الصلاح,أنه مقطوع بصحته؛لأن المحدثين تلقوا هذين الكتابين بالقبول.
وهذا يعني كلام صحيح النووي رحمه الله اعترض ومشي على مذهب الأصوليين,أن السنة.. أو أن الأخبار بغض النظر عن السنة مقسومة,كم قسم عندهم ؟ قسموها قسمين: متواتر وآحاد,فهو يقول: كل أحاديث الآحاد بما في الصحيحين أو غيرها منزلتها واحدة,وهي أنها تفيد الظن,ولكن هذا الكلام,يعني كلما قلت,نحا فيه منحى المتكلمين أو أهل الأصول,مع أن ابن تيمية رحمه الله نقل عنهم أن الأمة إذا تلقته بالقبول,يعني إذن ليس هو لهم جميعا.
فالمقصود من هذا الكلام كله أن جمهور أحاديث الصحيحين,بحمد الله تعالى,مما تلقته الأمة بالقبول,ومما هو مقطوع بصحته,ويبقى ما انتقد فيه مجال للاختلاف,ولكن ليس مراد ابن الصلاح أن الصواب مع منتقد الكتابين,وإنما مراده أنها نزلت هذه الأحاديث عن القطع بصحتها.
(طيب) نقرأ النوع الثاني يا شيخ... الحسن هذا تابع للذي قبله (غيرمسموع).


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
التي, التعليقات

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:53 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir