دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الصلاة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21 ذو القعدة 1429هـ/19-11-2008م, 08:46 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي الأماكن التي لا تصح الصلاة فيها

ولا تَصِحُّ الصلاةُ في مَقبرَةٍ وحُشٍّ وحَمَّامٍ وأَعطانِ إِبِلٍ ومَغصوبٍ وأَسْطُحَتِها وتَصِحُّ إليها، ولا تَصِحُّ الفَريضةُ في الكعبةِ ولا فَوْقَها، وتَصِحُّ النافلةُ باستقبالِ شاخِصٍ منها.


  #2  
قديم 24 ذو القعدة 1429هـ/22-11-2008م, 05:58 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

...................

  #3  
قديم 24 ذو القعدة 1429هـ/22-11-2008م, 06:00 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي

(ولا تَصِحُّ الصَّلاةُ) بلا عُذْرٍ, فَرْضاً كانت أو نَفْلاً, غَيْرَ صَلاةِ جَنَازَةٍ (في مَقْبَرَةٍ) بتَثْلِيثِ البَاءِ، ولا يَضُرُّ قَبْرَانِ، ولا ما دُفِنَ بدَارِه، (و) لا في (حُشٍّ)؛ بضَمِّ الحاءِ وفَتْحِهَا: وهو المِرْحَاضُ، (و) لا في (حَمَّامٍ) دَاخِلِه وخَارِجِه وجَمِيعِ ما يَتْبَعُه في البَيْعِ، (وأَعْطَانِ إِبِلٍ), وَاحِدُهَا عَطَنٌ، بفَتْحِ الطَّاءِ، وهي المَعَاطِنُ جَمْعُ مَعْطِنٍ بكَسْرِ الطَّاءِ، وهي ما تُقِيمُ فيها وتَأْوِي إِلَيْهَا.
(و) لا في (مَغْصُوبٍ) ومَجْزَرَةٍ ومَزْبَلَةٍ وقَارِعَةِ طَرِيقٍ، (و) لا في (أَسْطِحَتِهَا)؛ أي: أَسْطِحَةِ تلك المَوَاضِعِ وسَطْحِ نَهَرٍ، والمَنْعُ فيما ذُكِرَ تَعَبُّدِيٌّ؛ لِمَا رَوَى ابنُ مَاجَهْ والتِّرْمِذِيُّ, عَن ابنِ عُمَرَ, أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ((نَهَى أنْ يُصَلَّى فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ: المَزْبَلَةِ والمَجْزَرَةِ والمَقْبَرَةِ وقَارِعَةِ الطَّرِيقِ وفِي الحَمَّامِ وفي مَعَاطِنِ الإِبِلِ وفَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ اللَّهِ)).
(وتَصِحُّ) الصَّلاةُ (إليها)؛ أي: إلى تلكَ الأمَاكِنِ معَ الكَرَاهَةِ إن لم يَكُنْ حَائِلٌ، وتَصِحُّ صَلاةُ الجِنَازَةِ والجُمُعَةِ والعِيدِ ونَحْوِهَا بطَرِيقٍ؛ لضَرُورَةٍ، وتَصِحُّ الصَّلاةُ على رَاحِلَةٍ بطَرِيقٍ وفي سَفِينَةٍ، ويَأْتِي.
(ولا تَصِحُّ الفَرِيضَةُ في الكَعْبَةِ ولا فَوْقَهَا) والحَجَرِ مِنْهَا، وإن وَقَفَ على مُنْتَهَاهَا بحيثُ لم يَبْقَ وَرَاءَهُ شَيْءٌ مِنْهَا، أو وقفَ خَارِجَهَا وسَجَدَ فيها, صَحَّت؛ لأنَّه غَيْرُ مُسْتَدْبِرٍ لشَيْءٍ مِنْهَا.
(وتَصِحُّ النَّافِلَةُ) والمَنْذُورَةُ فِيهَا وعليها (باستِقْبَالِ شَاخِصٍ مِنْهَا)؛ أي: معَ استِقْبَالِ شَاخِصٍ مِنَ الكَعْبَةِ، فلو صَلَّى إلى جِهَةِ البَابِ أو على ظَهْرِهَا, ولا شَاخِصَ مُتَّصِلٌ بها, لم تَصِحَّ، ذكَرَهُ في (المُغْنِي) و(الشَّرْحِ) عَن الأصحابِ؛ لأنَّه غيرُ مُسْتَقْبِلٍ لشَيْءٍ مِنْها.
وقالَ في (التَّنْقِيحِ): اختَارَهُ الأَكْثَرُ. وقالَ في (المُغْنِي): الأَوْلَى أنَّهُ لا يُشْتَرَطُ؛ لأنَّ الوَاجِبَ استِقْبَالُ مَوْضِعِهَا وهَوَائِهَا دُونَ حِيطَانِهَا؛ ولهذا تَصِحُّ على جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ, وهو أَعْلَى مِنْهَا. وقَدَّمَهُ في (التَّنْقِيحِ) وصَحَّحَهُ في (تَصْحِيحِ الفُرُوعِ).
قالَ في (الإِنْصَافِ): وهو المَذْهَبُ على ما اصطَلَحْنَا.
ويُسْتَحَبُّ نَفْلُه في الكَعْبَةِ بينَ الأُسْطُوَانَتَيْنِ وِجَاهَهُ إذا دخَلَ؛ لفِعْلِه صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ.


  #4  
قديم 26 ذو القعدة 1429هـ/24-11-2008م, 03:48 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم


(ولا تصح الصلاة) بلا عذر، فرضا كانت أو نفلا غير صلاة جنازة (في مقبرة) بتثليث الباء([1]).ولا يضر قبران([2]) ولا ما دفن بداره([3]) (و) لا في (حش) بضم الحاء وفتحها([4]) وهو المرحاض
([5]).(و) لا في (حمام) ([6]) داخله وخارجه، وجميع ما يتبعه في البيع([7]) (وأعطان إبل) واحدها عطن بفتح الطاء، وهي المعاطن جمع معطن بكسر الطاء، وهي ما تقيم فيها وتأوي إليها([8]).(و) لا في (مغصوب)([9]).ومجزرة([10]) ومزبلة([11]) وقارعة طريق([12]) (و) لا في (أسطحتها) أي أسطحة تلك المواضع([13]) وسطح نهر([14]).والمنع في ذلك تعبدي([15]) لما روى ابن ماجه والترمذي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلي في سبع مواطن([16]) المزبلة والمجزرة والمقبرة وقارعة الطريق وفي الحمام وفي معاطن الإبل وفوق ظهر بيت الله([17]).(وتصح) الصلاة (إليها) أي إلى تلك الأماكن، مع الكراهة إن لم يكن حائل([18]) وتصح صلاة الجنازة والجمعة والعيد ونحوها([19]) بطريق لضرورة([20]) وغصب([21]).وتصح الصلاة على راحلة بطريق([22]) وفي سفينة ويأتي([23]) (ولا تصح الفريضة في الكعبة ولا فوقها) ([24]) والحجر منها([25]).وإن وقف على منتهاها، بحيث لم يبق وراءه شيء منها([26]) أو وقف خارجها وسجد فيها صحت([27]) لأنه غير مستدبر لشيء منها([28]) (وتصح النافلة)([29]) والمنذورة فيها وعليها (باستقبال شاخص منها) أي مع استقبال شاخص من الكعبة([30]).فلو صلى إلى جهة الباب أو على ظهرها ولا شاخص متصل بها لم تصح، ذكره في المغني والشرح عن الأصحاب، لأنه غير مستقبل لشيء منها، وقال في التنقيح: اختاره الأكثر([31]) وقال في المغني: الأولى أنه لا يشترط، لأن الواجب استقبال موضعها وهوائها دون حيطانها([32])ولهذا تصح على جبل أبي قبيس وهو أعلى منها([33]) وقدمه في التنقيح، وصححه في تصحيح الفروع([34]) قال في الإنصاف: وهو المذهب على ما اصطلحناه([35]).
ويستحب نفله في الكعبة بين الأسطوانتين وجاهه، إذا دخل لفعله عليه السلام([36]).



([1]) وهي مدفن الموتى لقوله عليه الصلاة والسلام «الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام»، رواه الخمسة إلا النسائي، وصححه الترمذي، وقال: «لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها» رواه الجماعة إلا البخاري، وقال: فلا تتخذوا القبور مساجد، قال ابن حزم وغير واحد: أحاديث النهي عن الصلاة في المقبرة متواترة لا يسع أحدا تركها، وقال الشيخ بعد أن ذكر أحاديث النهي عن اتخاذ القبور مساجد: فهذا كله يبين لك أن السبب ليس هو مظنة النجاسة، وإنما هو مظنة اتخاذها أوثانا، وقال الشافعي: أكره أن يعظم مخلوق، حتى يجعل قبره مسجدا، مخافة الفتنة على من بعده من الناس، وذكر معناه الأثرم وغيره عن سائر العلماء، وجزم غير واحد من أهل التحقيق أن العلة سد الذريعة عن عبادة أربابها، واستثنى صلاة الجنازة بالمقبرة، لفعله صلى الله عليه وسلم فحص من النهي، ولا يضر ما أعد للدفن ولم يدفن فيه، أو دفن ونبش، لنبشه صلى الله عليه وسلم قبور المشركين من موضع مسجده، متفق عليه.
([2]) بناء منهم على أنه لا يتناولها اسم المقبرة، وأن العلة لا تعقل، وتقدم أن العلة خوف الشرك بها، كما قال الشيخ وغيره: العلة لما يفضي إليه ذلك من الشرك وقال: بل عموم كلامهم وتعليلهم واستدلالهم يوجب منع الصلاة عند قبر واحد، وهو الصواب، والمقبرة كل ما قبر فيه لا أنه جمع قبر، وكل ما دخل في اسم المقبرة مما حول القبور لا يصلى فيه، ولا ريب أن المنع متناول لحرمة القبر المفرد وفنائه المضاف إليه.

([3]) قال الشيخ: وليس في كلام أحمد وعامة أصحابه فرق، وكل ما دخل في اسم المقبرة، أو حدثت المقبرة بعده حوله أو في قبلته فكصلاته إليها، ولو وضع القبر والمسجد معا لم يجز، ولم تصح الصلاة فيه، وقال: المسجد المبني على القبر لا يصلى فيه فرض ولا نفل، فإن كان المسجد قبل القبر غير، إما بتسوية القبر، أو نبشه إن كان جديدا وإن كان القبر قبله، فإما أن يزال المسجد وإما أن تزال صورة القبر.

([4]) قاله الشيخ وتكسر، وهو ما أعد لقضاء الحاجة، وكان في الأصل البستان، فكني به عن المستراح، لأنهم كانوا يتغوطون في البساتين، فلما اتخذوا الكنف أطلقوا عليها ذلك الاسم، ومنه قيل للمخرج الحش، ويقال المحشة الدبر، والمحش المخرج، أي مخرج الغائط، فيكون حقيقة، وجمعه حشوش، وقال النووي: الحشوش مواضع العذرة والبول المتخذة لها.

([5]) وهو المغتسل ويكنى به عن موضع العذرة والمستراح، فيمنع من الصلاة داخل بابه، ولو غير موضع الكنيف، لكونه معدا للنجاسة، ومقصودا بها، ولمنع الشرع من الكلام وذكر الله فيه فالصلاة أولى، قال الشيخ: ولا فرق عند عامة أصحابنا بين أن يكون الحش في ظاهر جدار المسجد أو باطنه، وهو
المنصوص عن أحمد والمأثور عن السلف، وذكر موضع الأجسام الخبيثة، ثم قال: ولهذا كانت الحشوش محتضرة تحضرها الشياطين، والنهي عن الصلاة فيها أولى من النهي عن الصلاة في الحمام ومعاطن الإبل، والصلاة على الأرض النجسة ولم يرد في الحشوش نص خاص، لأن الأمر فيها كان أظهر عند المسلمين من أن يحتاج إلى بيان، ولهذا لم يكن أحد من المسلمين يقعد في الحشوش، ولا يصلي فيها، وإذا سمعوا نهيه عن الصلاة في الحمام وأعطان الإبل علموا أن النهي عن الصلاة في الحشوش أولى وأحرى.

([6]) وهو المغتسل المعروف لقوله عليه الصلاة والسلام «الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام»، وروي عنه «الحمام بيت الشيطان»، وعن ابن عباس: لا يصلين إلى حش ولا في حمام، ولا في مقبرة، قال ابن حزم: لا نعلم لابن عباس مخالفا من الصحابة.

([7]) لتناوله اسمه فلا فرق بين مكان نزع الثياب وموقد النار، وكل ما يغلق عليه باب الحمام، وفي المغني: لا فرق بين مكان الغسل وصب الماء، وبين بيت المسلخ الذي تنزع فيه الثياب والأتون، وكل ما يغلق عليه باب الحمام.

([8]) أي تجتمع إليها وتسكن فيها، قال أحمد، وقيل: ما تقف فيه لترد الماء، ومباركها عنده، قال بعض أهل اللغة، لا تكون إلا عند الماء، أما في البرية وعند الحي فالمأوى قال الشيخ وغيره: والأول أجود ومعاطن الإبل في الأصل وطنها، ثم غلب على مبركها حول الماء، والأولى الإطلاق، كما هو ظاهر الحديث ولا فرق بين أن تكون طاهرة أو نجسة، ولا أن تكون فيها إبل حال الصلاة أو لا، لعموم حديث لا تصلوا في أعطان إبل، صححه أحمد والترمذي وغيرهما، وحديث ((لا تصلوا في مبارك الإبل فإنها خلقت من الشياطين))، وقال: جن خلقت من جن، فعلل الأماكن بالأرواح الخبيثة، وهو مذهب أحمد وفقهاء الحديث، قال: والفقهاء الذين لم ينهوا عنها، إما أنهم لم يسمعوا النصوص، أو لم يعرفوا العلة، والسنة في ذلك قوية نصا وقياسا، وقال: نهي عن الصلاة في أعطانها لأنها مأوى الشياطين، كما نهى عن الصلاة في الحمام، لأنه مأوى الشياطين، فإن مأوى الأرواح الخبيثة أحق بأن تجتنب الصلاة فيه، وفي موضع الأجسام الخبيثة، بل الأرواح الخبيثة تحب الأجسام الخبيثة، وقال ابن عبد البر: النهي عن الصلاة في معاطن الإبل جاء معناه من وجوه كثيرة، بأسانيد حسان، وأكثرها متواتر اهـ وأما ما تبيت فيه في مسيرها أو تناخ فيه لعلفها أو سقيها فلا يمنع من الصلاة فيه، لأنه لا يدخل في اسم الأعطان.

([9]) أي ولا تصح الصلاة في موضع مغصوب، أي مأخوذ ظلما، من أرض وحيوان وغيرهما، وسواء كان الظلم للرقبة أو المنافع نص عليه، وقال النووي وغيره: الصلاة في الأرض المغصوبة حرام بالإجماع غير مقبولة، فلا ثواب فيها اهـ وعنه تصح مع الكراهة وفاقا لمالك والشافعي وأبي حنيفة وجماهير العلماء، واختاره ابن عقيل والخلال والطوفي وغيرهم، لأن النهي لا يعود إلى الصلاة، فلم يمنع صحتها، وعليه أكثر الأصحاب، ولحصول الثواب على الفعل، فيكون مثابا على فعله، عاصيا بالمقام في المغصوب، ونقل أصحاب الشافعي الإجماع على صحة الصلاة في الدار المغصوبة، قبل مخالفة الإمام أحمد، وقال الغزالي، هذه المسألة قطعية لأن من صححها أخذه من الإجماع وهو قطعي اهـ وتصح في أرض غيره بلا ضرر ولا غصب ولا حائل ولا حائط وإلا فلا، والمعتبر عرف الناس بالرضى وعدمه، وتصح على مصلاه بغير إذنه بلا غصب، وإن منع المسجد غيره وصلى هو فيه، أو زحمه وصلى مكانه حرم وصحت، وقال الشيخ: الأقوى البطلان.

([10]) أي ولا تصح في مجزرة وهو الموضع الذي تجزر فيه الإبل، وتذبح فيه البقر والغنم، لأجل النجاسة التي فيها من دماء الذبائح، فتحرم الصلاة فيها وفاقا، وتصح في المدبغة، وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب، وصححه في الإنصاف.

([11]) بفتح الباء، وضمها موضع السرجين، ولو كان المرمي من الكناسة والزبالة طاهرا فتحرم الصلاة فيها وفاقا، ولا خلاف في طهارة الدارسة العافية من آثار أهلها، مزبلة كانت أو مجزرة أو كنيسة.

([12]) أي محل قرع الأقدام من الطريق، وهو ما كثر سلوك السابلة فيها، سواء كان فيها سالك أو لا، بخلاف طريق الأبيات القليلة، وما علا من الطريق، يمنة ويسرة، والزوايا التي لا يكثر سلوكها، والمدار على كثرة المرور، لاشتغال القلب بمرور الناس فيه، وقطع الخشوع، وعنه تصح، وهو مذهب الجمهور لكن مع الكراهة.

([13]) المنهي عن الصلاة فيها، لأن الهواء تابع للقرار، وسطح كل شيء أعلاه، وسطح البيت ظهره، وقال الموفق وغيره: الصحيح قصر النهي على ما تناوله النص وأن الحكم لا يتعدى إلى غيره، وما علل بمظنة النجاسة ونحوها لا يتخيل في أسطحتها، وهذا فيما إذا كان السطح حادثا، فإن كان المسجد سابقا لم تمنع بغير خلاف، أما إن بني في مقبرة، أو على قبر فحكمه حكمها لأنه لا يخرج بذلك عنه،ويجب هدمه.

([14]) لأن الماء لا يصلي عليه، قال أبو الوفاء، واختار أبو المعالي وصاحب الإقناع وغيرهما الصحة كالسفينة، لأنا إنما منعناه من الصلاة على الماء لعدم إمكان الاستقرار عليه، وسطحه ليس كذلك.

([15]) قال الشيخ: والصحيح أن عللها مختلفة، بأن تكون العلة مشابهة أهل الشرك، كالصلاة عند القبور، وتارة لكونها مأوى الشياطين كأعطان الإبل، تارة لغير ذلك.

([16]) أي مواضع، والموطن الوطن، وكل ما أقام به الإنسان، ومنه مربط البقر والغنم، ومواطن مكة أي مرافقها.

([17]) وقال الموفق وغيره: والصحيح جواز الصلاة فيها، وهو قول أكثر أهل العلم، لعموم «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا»، ولابن المنذر وغيره بسند صحيح «جعلت لي كل ارض طيبة» يعني طاهرة مسجدا واستثنى منه المقبرة والحمام ومعاطن الإبل بأحاديث صححية، ففيما عداها يبقى على العموم، وحديث ابن عمر يرويه العمري، وقد تكلم فيه، فلا يترك به الحديث الصحيح اهـ، ولو غيرت مواضع النهي بما يزيل اسمها، كجعل الحمام دارا، أو نبشت المقبرة، ونحوه ذلك صحت كما تقدم، وتكره في المكان الذي ناموا فيه لقوله: «إنه مكان حضرنا فيه الشيطان» علله صلى الله عليه وسلم بالأرواح الخبيثة، وتكره في الكنيسة المصورة، والبيعة وقال الشيخ: وإنها كالمسجد على القبر، وكل مكان فيه تصاوير، وذكر ابن القيم دخوله صلى الله عليه وسلم البيت، وصلاته فيه، وأنه لم يدخله حتى محيت الصور منه، قال: وفيه دليل على كراهة الصلاة في المكان المصور، وهو أحق بالكراهة من الصلاة في الحمام، لأن كراهة الصلاة في الحمام، إما لكون مظنة النجاسة، وإما لكونه بيت الشياطين، وهو الصحيح، وأما محل الصور فمظنة الشرك وغالب شرك الأمم كان من جهة الصور والقبور، وتقدم قول الشيخ، ولا تصح في أرض الخسف وأرض بابل نص عليه، وقال الشيخ: هو قوي، وتكره في الرحى، وعلله الشيخ بما يلهي المصلي من الصوت ويشغله، وقال النووي: الصلاة في مأوى الشيطان مكروهة بالاتفاق، وذلك مثل مواضع الخمر والحانة، ومواضع المكوس ونحوها من المعاصي الفاحشة، والكنائس والبيع والحشوش ونحو ذلك، لقوله: فإن هذا موضع حضرنا فيه الشيطان، ويستحب أن لا يصلي في موضع حضره فيه الشيطان لهذا الحديث.

([18]) أي بين المصلي وبين تلك الأماكن المنهي عن الصلاة فيها، لعموم «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا»، وعنه: لا تصح إلى المقبرة، لحديث «لا تصلوا إلى القبور» متفق عليه، وهو أصل شرك العالم، واختاره ابن حامد والمجد والشيخ وغيرهم، وتحريمه ظاهر، وذكر الآمدي وغيره أنه لا تجوز الصلاة في المسجد الذي قبلته إلى القبر، حتى يكون بين حائطه وبين المقبرة حائل آخر، وذكر بعضهم هذا منصوص أحمد، وتقدم قول الشيخ: ولا تصح إلى الحش، اختاره ابن حامد والشيخ وغيرهما، وتقدم قول ابن عباس: لا يصلين إلى حش، وأنه لا يعلم له مخالف وقال الشيخ: وكره عامة السلف الصلاة في مسجد في قبلته حش، وفي الإقناع: ولا يكفي حائط المسجد ولسريان النجاسة.

([19]) كصلاة كسوف واستسقاء.

([20]) بأن ضاق المسجد أو المصلى واضطر للصلاة في الطريق للحاجة.

([21]) أي وتصح بمغصوب صلاة جمعة وعيد وجنازة ونحوها، لدعاء الحاجة إليه، وظاهر عبارته أنها تصح في الغصب ولو بلا ضرورة، وهو غير ظاهر على المذهب.

([22]) لصلاته عليه الصلاة والسلام على البعير، ويأتي.

([23]) في الشرط الذي يليه.

([24]) لقوله: {وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} ومن صلى فيها أو على سطحها غير مستقبل لجهتها، وعنه: تصح وفاقا لأبي حنيفة والشافعي، ورواية عن مالك، واختاره الآجري وصاحب الفائق وغيرهما، لأنها مسجد ولأنها محل للنفل، ورجح الأول بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما صلى النافلة، وقال عقب الصلاة خارج البيت هذه القبلة، لأن القبلة المأمور باستقبالها هي البنية كلها، لئلا يتوهم متوهم أن استقبال بعضها كاف في الفرض، لأنه صلى التطوع فيها، وغلا فقد علم الناس كلهم أن الكعبة في الجملة هي القبلة، فلا بد أن يكون لهذا الكلام من فائدة، وعلم شيء قد يخفى، ويقع في محل الشبهة، وابن عباس روي الحديث وفهم منه هذا المعنى، وهو أعلم بمعنى ما سمع، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ولا عن السلف أنه صلى الفرض فيها، وفي الإنصاف وغيره: لو وقف علىمنتهى البيت بحيث أنه لم يبق وراءه منه شيء، أو صلى خارجه لكن سجد فيه صحت.

([25]) أي فتصح إليه لا فيه، كما لو صلى إلى أحد أركانها، وظاهر كلامه كله، وليس منه إلا ستة أذرع، كما في الحديث،وقال الشيخ: ستة أذرع وشيء، فيصح التوجه إلى ذلك القدر منه، لأنه من البيت إذا وقف على منتهاه، بحيث لا يبقى وراءه شيء منه، أو خارجه وسجد فيه، قال: وهذا قياس المذهب، لأنه من البيت بالسنة الثابتة المستفيضة، وبعيان من شاهده من الخلق، لما نقضه ابن الزبير وقال: وليس جميعه، وإنما الداخل في حدود البيت ستة أذرع وشيء، فمن استقبل ما زاد على ذلك لم تصح صلاه البتة، ونص أحمد أنه لا يصلي الفرض في الحجر وقال ابن حامد وابن عقيل وأبو المعالي: لو صلى إلى الحجر من فرضه المعاينة لم تصح، لأنه في المشاهدة ليس من الكعبة، وإنما وردت الأحاديث بأنه كان من البيت، فعمل بها في وجوب الطواف دون الاكتفاء به للصلاة، احتياطا للعبادتين.

([26]) صحت صلاته، لاستقباله لها.

([27]) صلاته فرضا كانت أو نفلا.

([28]) فصحت صلاته، كما لو صلى إلى أحد أركانها.

([29]) في الكعبة وعليها، باستقبال شاخص منها إجماعا، لصلاته صلى الله عليه وسلم فيها متفق عليه.

([30]) إجماعا كالنافلة، سواء كان ما بين يديه متصلا بها، كالبناء والباب ولو مفتوحا، أو العتبة المرتفعة، لا المعبإ من غير بناء، ولا الخشب غير المسمور، وقال الشيخ: يتوجه أن يكتفى بذلك ما يكون سترة في الصلاة، لأنه شيء شاخص اهـ وسواء كان نذره مطلقا أو مقيدا بفعلها فيها أو عليها، بلا نزاع يعتد به، ويمكن حمله على ما في الاختيارات قال فيها: وإن نذر الصلاة في الكعبة صح فعلها فيها، وإن نذرها مطلقا اعتبر شروط الفريضة، لأن النذر المطلق يحذي به حذو الفرائض وتقدم في حديث ابن عمر النهي عن الصلاة فوق ظهر بيت الله، لإخلال الاستعلاء عليه بتعظيمه، وتخصيصه بالفرض مشكل، لأن الأصل المساواة ما لم يقم دليل التخصيص.

([31]) واستقر عليه الأمر زمن ابن الزبير كما سيأتي.

([32]) أي هوائها المسامت لها، الخالي من شاخص منها إذا صلى على عال منها أو نازل عن مسامته بنيانها، لأن المقصود البقعة لا الجدار بدليل ما لو انهدمت والعياذ بالله، وإن لم يبق بين يديه شيء من البيت لم تصح، قال الآمدي: إجماعا.

([33]) أي من الكعبة المشرفة، والجبل مشهور مشرف على البيت المعظم من جهة الشرق، وأسفله الصفا، وأعلى من الجبل جبال الحجاز، وأنزل من الكعبة ما تباعد مسافات من سائر الجهات عنها.

([34]) واختاره المجد وابن تميم وصاحب الحاوي والفائق وغيرهم، وقطع به فيالمنتهى وغيره.

([35]) لفظه في الإنصاف: ما أسلفناه، والمعنى صحيح على كلا اللفظين، واصطلاحه في خطبة الإنصاف أن الاعتماد في معرفة المذهب على ما قاله المصنف والمجد والشارح وصاحب الفروع والقواعد والوجيز والرعايتين والنظر والخلاصة
والشيخ تقي الدين وأشباههم فإن اختلفوا فالمذهب ما قدمه صاحب الفروع، فإن اختلف فالمذهب ما اتفق عليه الشيخان المصنف والمجد ووافق أحدهما الآخر في أحد اختياريه، وهذا في الغالب، فإن اختلفا فالمذهب مع من وافقه صاحب القواعد، أو الشيخ تقي الدين، وإلا فالمصنف، ولا سيما في الكافي ثم المجد اهـ. وقال شيخ الإسلام: الواجب استقبال البنيان، وأما العرصة والهواء فليس بكعبة ولا ببناء، وأما ما ذكروه من الصلاة على أبي قبيس ونحوه، فإنما ذلك لأن بين يدي المصلي قبلة شاخصة مرتفعة، وإن لم تكن مسامته، فإن المسامتة لا تشترط كما لم تكن مشروطة في الإئتمام بالإمام، وأما إذا زال بناء الكعبة فنقول بموجبه، وأنه لا تصح الصلاة حتى ينصب شيئا يصلي إليه، لأن أحمد جعل المصلي على ظهر الكعبة لا قبلة له، فعلم أنه جعل القبلة الشيء الشاخص، وكذا قال الآمدي وذكر قوله ثم قال: ولأنه علل ذلك بأنه إذا صلى إلى سترة فقد صلى إلى جزء من البيت، فعلم أن مجرد العرصة غير كاف، ويدل على هذا ما ذكره الأزرقي، أن ابن عباس أرسل إلى ابن الزبير: لا تدع الناس بغير قبلة، انصب لهم حول الكعبة الخشب واجعل الستور عليها حتى يطوف الناس من ورائها، ويصلون إليها، ففعل ذلك ابن الزبير،وهذا من ابن عباس وابن الزبير دليل على أن الكعبة التي يطاف بها، ويصلى إليها لا بد أن تكون شيئا منصوبا شاخصا، وأن العرصة ليست قبلة، ولم ينقل أن أحدا من السلف خالف في ذلك، ولا أنكره، نعم لو فرض أنه قد تعذر نصب شيء من الأشياء موضعها، بأن يقع ذلك إذا هدمها ذو السويقيتين فهنا ينبغي أن يكتفي حينئذ باستقبال العرصة، كما يكتفي المصلي أن يخط خطا إذا لم يجد سترة، فإن قواعد إبراهيم كالخط.

([36]) متفق عليه من حديث ابن عمر: صلى في الكعبة ركعتين بين الساريتين إذا دخلت لكن إن كانت النافلة مما تشرع لها لجماعة وتفوت داخلها كانت خارجها أفضل، لأن المحافظة على فضيلة متعلقة بنفس العبادة أولى من مكانها كالرمل مع البعد عن الكعبة، والاسطوانة بضم الهمزة والطاء العمود، والسارية والجمع أساطين وأسطوانات.


  #5  
قديم 5 ذو الحجة 1429هـ/3-12-2008م, 05:28 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي الشرح الممتع للشيخ: محمد بن صالح العثيمين

وَلاَ تَصِحُّ الصَّلاَةُ في مَقْبَرةٍ وَ ُحِشٍّ،..........
قوله: «ولا تصحُّ الصَّلاةُ في مَقْبَرة» ، نفيُ الصِّحَّة يقتضي الفساد؛ لأنَّ كلَّ عبادة إما أن تكون صحيحة، وإما أن تكون فاسدة، ولا واسطة بينهما، فهما نقيضان شرعاً، فإذا انتفت الصِّحَّة ثبت الفساد.
وقوله: «الصَّلاة» يعمُّ كلَّ ما يُسمَّى صلاة، سواءٌ كانت فريضةً أم نافلة، وسواء كانت الصلاة ذات ركوع وسجود أم لم تكن؛ لأنه قال: «الصلاة» وعليه فيشمل صلاة الجنازة فلا تصح في المقبرة. لكن قد دلَّت الأدلَّةُ على استثناء صلاة الجنازة، كما سنذكره إن شاء الله، وعلى هذا؛ فالمراد بالصَّلاة ما سوى صلاة الجنازة.
وهل يجوز السُّجود المجرَّد كسجود التِّلاوة مثلاً؛ كما لو كان الإنسان يقرأ في المقبرة ومرَّ بآية سجدة؟ ينبني هذا على اختلاف العلماء في سجود التلاوة، فمنهم من قال: إنه صلاة. ومنهم من قال: إنَّه ليس بصلاة.
فالذين قالوا: ليس بصلاة يقولون: إنه يجوز أن يسجد الإنسان سجود التلاوة في المقبرة، والذين قالوا: إنه صلاة يقولون لا يجوز.
وهل المراد بالمقبرة هنا ما أُعِدَّ للقبر، وإن لم يدفن فيه أحد، أم ما دُفِنَ فيه أحد بالفعل؟
الجواب: المراد ما دُفِنَ فيه أحد، أمَّا لو كان هناك أرض اشتُريت؛ لتكون مقبرة، ولكن لم يُدْفَنْ فيها أحد، فإن الصَّلاة فيها تصحُّ، فإن دُفِنَ فيها أحد، فإن الصَّلاة لا تصحُّ فيها؛ لأنها كلّها تُسمَّى مقبرة.
والأصل صحَّة الصَّلاة في كلِّ الأراضي؛ لقول النبي عليه الصَّلاة والسَّلام: «جُعِلت ليَ الأرضُ مسجداً وطَهُوراً»، ولهذا لا بُدَّ أن يُؤتى بدليل للأماكن التي لا تصحُّ فيها الصَّلاة.
فإذا قال قائل: ما الدَّليل على عدم صحَّة الصَّلاة في المقبرة؟.
قلنا: الدليل:
أولاً: قول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «الأرضُ كلُّها مسجدٌ إلا المقبرة والحَمَّام»، وهذا استثناء، والاستثناء معيار العموم.
ثانياً: قول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «لعن اللَّهُ اليهودَ والنَّصارى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أنبيائهم مَسَاجدَ». والمساجد هنا قد تكون أعمَّ من البناء؛ لأنه قد يُراد به المكان الذي يُبنى، وقد يُراد به المكان الذي يُتَّخذ مسجداً وإنْ لم يُبْنَ؛ لأنَّ المساجد جمع مَسْجِد، والمسْجِد مكان السُّجود، فيكون هذا أعمَّ من البناء.
ثالثاً: تعليل؛ وهو أنَّ الصَّلاة في المقبرة قد تُتَّخذ ذريعة إلى عبادة القبور، أو إلى التشبُّه بمن يعبدُ القُبور، ولهذا لمَّا كان الكُفَّار يسجدون للشَّمس عند طلوعها وغروبها، نَهى النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم عن الصَّلاة عند طلوعها وغروبها لئلا يُتَّخَذَ ذريعة إلى أن تُعبد الشَّمس من دون الله، أو إلى أن يُتَشبَّه بالكُفَّار.
وأمَّا مَنْ علَّل ذلك بأن عِلَّة النَّهي عن الصلاة في المقبرة خشية أن تكون المقبرة نجسة، فهذا تعليل عليل، بل ميِّت لم تَحُلَّ فيه الرّوحُ.
قالوا: لأنها ربما تُنبش وفيها صديد من الأموات ينجِّسُ التُّراب.
فيُجابُ عنه بما يلي:
أولاً: أنَّ نبش المقبرة الأصل عدمُه.
ثانياً: من يقول إنك ستُصلِّي على تُراب فيه صديد؟
ثالثاً: مَنْ يقول: إنَّ صديد ميتة الآدمي نجس؟
رابعاً: أنه لا فرق عند هؤلاء بين المقبرة القديمة؛ والمقبرة الحديثة التي يُعلم أنها لم تُنبش؛ فكلُّ هذه المقدمات لا يستطيعون الجواب عنها؛ فيبطُل التَّعليل بها.
فإن قال قائل: هل القبر الواحد يمنعُ صِحَّة الصَّلاة أو لا بُدَّ من ثلاثة فأكثر؟
فالجواب: أنَّ في ذلك خلافاً، فمن العلماء مَنْ قال: إنَّ القبر الواحد والاثنين لا يمنعُ صحَّة الصَّلاة، ومنهم من قال: بل يمنعُ. والصَّحيح: أنه يمنع حتى القبر الواحد؛ لأنَّ المكان قُبِرَ فيه فصار الآن مقبرة بالفعل، والنَّاس لا يموتون جملة واحدة حتى يملؤوا هذا المكان، بل يموتون تِباعاً واحداً فواحداً.
فإن قال قائل: إذا جعلتم الحكمَ منوطاً بالاسم، فقولوا: إذا أُعِدَّتْ أرضٌ لأن تكون مقبرة فلا يُصلَّى فيها؟.
فالجواب: أن هذه لم يتَحقَّق فيها الاسم، فهي مقبرة باعتبار ما سيكون؛ فتصحُّ الصَّلاة فيها؛ لكن التي دُفِنَ فيها ولو واحد أصبحت مقبرة بالفعل.
مسألة:
يُستثنى من ذلك صلاة الجنازة، فإن كانت الصلاة على القبر فلا شَكَّ في استثنائها؛ لأنه ثبت عن النبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام أنَّه فَقَدَ المرأة التي كانت تَقُمُّ المسجد، فسأل عنها، فقالوا: «إنَّها ماتت»، وكانت قد ماتت بالليل، والصَّحابةُ رضي الله عنهم كرهوا أنْ يُخبروا النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم بالليل فيخرُجَ، فقال لهم: هلاَّ آذنتموني»، أي: أخبرتموني، ثم قال عليه الصَّلاة والسَّلام: «دُلُّوني على قبرها» فدلُّوه على القبرِ، فقامَ وصَلَّى عليها عليه الصَّلاة والسَّلام.
لكن لو جِيءَ بالميت وصُلِّيَ عليه في المقبرة، قبل الدَّفن فما الحكم؟
فالجواب أن نقول: لدينا الآن عموم: «الأرضُ كلُّها مسجدٌ إلا المقبرة والحمَّام»، والصَّلاة على الميِّت صلاة بلا شَكٍّ. ولهذا تُفتتح بالتكبير، وتُختتم بالتَّسليم، ويُشترط لها الطَّهارة والقراءة؛ فهي صلاة، فما الذي يُخرجُها من عموم قوله: «إلا المقبرة؟»، لكن ربما يسوغ لنا أن نقيسها على الصَّلاة على القبر، وما دام أنه قد ثبت أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صَلَّى على القبر؛ فلا فرق بين أن يُصلَّى على جنازة مدفونة، أو على جنازة غير مدفونة؛ لأن العِلَّة واحدة، وهي أن هذا الميِّت الذي يُصلَّى عليه كان في المقبرة، وعَمَلُ الناس على هذا، أنه يُصلَّى على الميت، ولو قبل الدَّفن في المقبرة.
ورُبَّما يقال: إن الصَّلاة على الميت لا تدخل في ذلك أصلاً؛ لأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الأرض كلُّها مسجد»، أي: مكان للصَّلاة ذات السُّجود، وصلاة الجنازة لا سُجود فيها.
قوله: «وحُشٍّ» ، الحُش: المكان الذي يَتخلَّى فيه الإنسان من البول أو الغائط؛ وهو الكَنيف، فلا تصحُّ الصلاة فيه، لأنه نجس خبيث، ولأنَّه مأوى الشياطين، والشياطين خبيثة، فأحبُّ الأماكن إلى الشياطين أنجس الأماكن، قال تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ} [النور: 26] وهذا من حكمة الله عزّ وجل.
فالمساجد بيوت الله ومأوى الملائكة، أما الحُشوش فهي مأوى الشَّياطين، فلهذا يُشرع للإنسان عند دخول الخلاء أن يقول: «أعوذ بالله من الخُبْثِ والخَبَائث»، فلا ينبغي أن يكون هذا المكان الخبيث الذي هو مأوى الخبائث مكاناً لعبادة الله عزّ وجل. وكيف يستقيم هذا وأنت تقول في الصَّلاة: أعوذ بالله من الشيطان الرَّجيم، وأنت في مكان الشَّياطين؟!.

وحَمَّامٍ وَأَعْطَانِ إِبِلٍ...........
قوله: «وحمَّام» ، كلُّ ما يُطلق عليه اسم الحَمَّام يدخل في ذلك؛ حتى المكان الذي ليس مبالاً فيه فإنه لا تصحُّ فيه الصَّلاة، للحديث: «الأرضُ كلُّها مسجدٌ إلا المقبرة والحَمَّام»، ولأن الحمَّام، مكان كشف العورات.
والحَمَّام هو المغتسل، وكانوا يجعلون الحمَّامات مغتسلات للنَّاس يأتي النَّاس إليها ويغتسلون، يختلط فيه الرِّجال والنساء، وتنكشف العورات، وليس المقصود به «المرحاض»، ولهذا نهى الشَّرع عن الصَّلاة فيه. وظاهر الحديث: أنه لا فرق بين أن يكون الحَمَّام فيه ناس يغتسلون، أو لم يكن فيه أحد، فما دام يُسمَّى حَمَّاماً فالصَّلاة لا تصحُّ فيه.
قوله: «وأعطان إبِلٍ» ، جمع عَطَن، ويُقال: مَعَاطِن جمع مَعْطَنٌ، وأعطان الإبل فُسِّرتْ بثلاثة تفاسير:
قيل: مباركها مطلقاً، وقيل: ما تُقيم فيه وتأوي إليه، وقيل: ما تبرك فيه عند صدورها من الماء؛ أو انتظارها الماء. فهذه ثلاثة أشياء، والصَّحيح: أنَّه شاملٌ لما تقيم فيه الإبل وتأوي إليه، كمَرَاحِها، سواءٌ كانت مبنيَّة بجدران أم محوطة بقوس أو أشجار أو ما أشبه ذلك، وكذلك ما تعطن فيه بعد صدورها من الماء.
وإذا اعتادت الإبِلُ أنها تبرك في هذا المكان، وإن لم يكن مكاناً مستقراً لها فإنه يعتبر معطناً. أما مبرك الإبل الذي بركت فيه لعارض ومشت، فهذا لا يدخل في المعاطن؛ لأنه ليس بمبرك.
والدَّليل قول الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم: «صلُّوا في مرابضِ الغنم، ولا تُصَلّوا في أعطان الإبل»، والحديث في «الصَّحيح». ووجه الدَّلالة من كون الصَّلاة لا تصحُّ في معاطن الإبل: النهي عن الصلاة فيها، فإذا صلَّيت فيها فقد وقعت فيما نهى عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وذلك معصية، ولا يمكن أن تنقلب المعصية طاعة. وإذاً؛ لا تصحُّ الصلاة.
فإن قال قائل: قوله: «صَلُّوا في مرابض الغنم» أمرٌ، والأمر للوجوب، فهل هذا يقتضي أن أبحث عن مرابض غنم لأُصَلِّيَ فيها؟
فالجواب: لا؛ فإن الأمر هنا للإباحة؛ لأنه في مقابل النهي عن الصَّلاة في معاطن الإبل، ولهذا قال العلماء إن الأمر بعد الحظر للإباحة، فلما كان يُتوهَّم أنه لما نُهي عن الصَّلاة في أعطان الإبل أنَّه يُنهى كذلك عن الصَّلاة في مرابض الغنم. قال: «صَلُّوا في مرابض الغنم»، كأنه قال: لا تُصلّوا في أعطان الإبل، ولكم أن تُصلُّوا في مرابض الغنم.
والحكمة من عدم صحَّة الصلاة في أعطان الإبل: أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم نهى عنه، فنهيُ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم وأمره الشَّرعي هو العِلَّة بالنسبة للمؤمن بدليل قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] .
فالمؤمن يقول: سمعنا وأطعنا.
ويدلُّ لذلك أن عائشة سُئِلت: ما بالُ الحائض تقضي الصَّوم ولا تقضي الصَّلاة؟ قالت: «كان يُصيبنا ذلك؛ فنُؤمر بقضاء الصوم ولا نُؤمر بقضاء الصَّلاة»، فبيَّنت أنَّ العِلَّة في ذلك هو الأمر.
لكن لا يمنع أن الإنسان يتطلَّبُ الحكمةَ المناسبة، لأنه يعلم أن أوامر الشَّرع ونواهيه كلها لحكمة، فما هي الحكمة؟ وسؤال الإنسان عن الحكمة في الأحكام الشرعية أو الجزائية أمرٌ جائز، بل قد يكون مطلوباً إذا قُصِدَ به العلم، ولهذا لمَّا قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم في النساء: «إنَّكُنَّ أكثرُ أهلِ النَّارِ»، قُلْن: بِمَ يا رسولَ الله؟ فسألن عن الحِكمة؟ قال: «لأنَّكُنَّ تُكثِرْنَ اللَّعنَ وتَكْفُرْنَ العَشير».
وأما إذا قصد أنَّه إن بانت العِلَّة امتثل وإلا فلا، فالسؤال حينئذ حرام؛ لأنه لازمُه قَبُول الحقِّ إنْ وافق هواه، وإلا فلا.
وقد اختلف العلماء رحمهم الله في التَّعليل للنَّهي عن الصَّلاة في أعطان الإبل من حيثُ النظرُ، فقال بعضهم: إننا لا نعلم الحكمة، والحكم الشرعي الذي لا تُعلم حكمته يُسمَّى عند أهل العلم تعبُّديًّا. إذاً؛ الحكمةُ تحقيق العبادة بالتسليم لله، سواء علمنا الحكمة في ذلك أم لم نعلم، وهذه والله حكمة عظيمة. فرميُ الحصى في محلِّ الجمرات في الحَجِّ، لو قال قائل ما حكمته؟ قلنا: حكمته التعبُّد لله: «إنَّما جُعلَ الطَّوافُ بالبيت، وبالصَّفا والمروة، ورميُ الجِمَار؛ لإقامة ذِكْرِ الله». فالتعبُّد لا شَكَّ أنَّه من أعظمِ الحِكَمِ، ولهذا قال بعض العلماء: إنَّ النهيَ عن الصَّلاة في أعطان الإبلِ تعبُّديٌّ، أي: أنَّنا لا نعلم عِلَّته، ولكن نتعبَّدُ لله به.
فأيُّهما أعظمُ استسلاماً وانقياداً؟ أن يستسلمَ الإنسانُ للأمر إذا لم يعلم حكمته، أو يستسلم له إذا علم حكمته؟ الأوَّلُ أعظمُ.
وقال بعضُ العلماء: بل لأنَّ أرواثها وأبوالها نجسة، وهذا مبنيٌّ على أنَّ الأبوال والأرواث نجسة؛ ولو من الحيوان الطَّاهر، والصَّحيح خلافه كما تقدَّم في باب إزالة النَّجاسة، ولكن هذه العِلَّة باطلة، إذ لو كانت هذه هي العِلَّة ما جازت الصَّلاة في مرابض الغنم، لأنَّ القائلين بنجاسة أبوال الإبل وأرواثها يقولون بنجاسة أرواث الغنم وأبوالها.
وقيل: لأنَّ الإبل شديدة النُّفور، ورُبَّما تنفر وهو يُصلِّي، فإذا نفرت ربما تصيبه بأذى، حتى وإن لن تصبه فإنه ينشغل قلبه إذا كانت هذه الإبل تهيج؛ فيكون النهي عن الصَّلاة في أعطانها لئلاَّ ينشغل قلبُه، لكن هذه العِلَّة أيضاً فيها نظر؛ لأن مقتضاها ألا يكون النَّهيُ إلا والإبل موجودة، ثم قد تنتقض بمرابض الغنم. فالغنم تهيج وتُشغل، فهل نقول: إنها مثلها؟ لا.
وقال بعضُ أهل العلم: إنما نُهي عن الصلاة في مبارك الإبل أو أعطانها؛ لأنها خُلقت من الشياطين، كما جاء ذلك في الحديث الذي رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح، فإذا كانت مخلوقة من الشياطين، فلا يبعد أن تصحبها الشياطين، وتكون هذه الأماكن مأوى للإبل ومعها الشياطين، وتكون الحكمة في النهي عن الصلاة فيها كالحكمة في النهي عن الصلاة في الحمَّام، وهذا الذي اختاره شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو أقرب ما يُقال في الحكمة، ومع ذلك فالحكمة الأصيلة هي التعبُّد لله بذلك.
ويُشبهُ في السؤال عن الحكمة ما يفعله بعض الناس إذا وَرَدَ عليه الأمر قال: هل هو للوجوب؟ وإذا وَرَدَ عليه النَّهيُ قال: هل هو للتَّحريم؟ ومثلُ هذا السؤال لا ينبغي؛ لأنه ينبئ عن التَّردُّد في الامتثال؛ ولأنَّ الصحابة رضي الله عنهم وهم أشدُّ الناس حرصاً على التزام حدود الله؛ لم يكونوا يسألون رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم عن الأمر إذا ورد عليهم؛ هل هو للاستحباب أو للوجوب؟ ولا عن النَّهي؛ هل هو للتنزيه أو التحريم؟ بل يمتثلون الأمر؛ ويجتنبون النَّهيَ دون سؤال، ولا ريب أن هذا أكمل في التعبُّد والامتثال.
نعم، إذا تورَّط العبد في المخالفة؛ حَسُنَ أن يسأل ليتوبَ من الوقوع في الإثم ويستدرك الواجب؛ إن كان خالف في واجب؛ أو فِعْلِ محرَّم، ويكون في حِلٍّ إذا لم يكن وقع في إثم بأن كان الأمر للاستحباب والنهيُ للتنزيه.

وَمَغْصُوبٍ،............
قوله: «ومغصوبٍ» ، أي: ولا تصحُّ الصلاة في مغصوب، والمغصوب: كلُّ ما أُخِذَ من مالكه قهراً بغير حقٍّ، سواءٌ أُخِذَ بصورة عقد أو بدون صورة عقد.
فمثلاً: لو جاء إنسان لآخر وغصب منه أرضاً وصَلَّى فيها؛ فصلاته لا تصحُّ؛ لأنها مغصوبة.
ولو جاء إنسانٌ إلى آخر وقال: بِعْنِي أرضك، قال: لا أبيعها، قال: بِعْهَا وإلا قتلتك، فباعها إكراهاً، وصَلَّى فيها المُكْرِه فلا تصحُّ؛ وإن كانت مأخوذة بصورة عقد.
ولا أعلم دليلاً أثريّاً يدلُّ على عدم صحَّة الصَّلاة في الأرض المغصوبة، لكن القائلين بذلك علَّلوا بأن الإنسان منهيٌّ عن المقام في هذا المكان؛ لأنه مُلْك غيره، فإذا صَلَّى فصلاتُه منهيٌّ عنها؛ والصَّلاة المنهيُّ عنها لا تصحُّ؛ لقول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «من عَمِلَ عملاً ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ»، ولأنها مضادَّة للتعبُّد، فكيف يُتعبَّد لله بمعصيته؟
والقول الثَّاني في المسألة: أنها تصحُّ في المكان المغصوب مع الإثم؛ لأن الصلاة لم يُنْهَ عنها في المكان المغصوب، بل نُهيَ عن الغصب، والغصب أمر خارج، فأنت إذا صَلَّيت فقد صَلَّيت كما أُمرت، وإقامتك في المغصوب هي المحرَّمة.
وأما قوله صلّى الله عليه وسلّم: «من عَمِلَ عملاً ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ»، فلا دليل فيه على عدم صحَّة الصلاة في المكان المغصوب إلا لو قال: لا تصلُّوا في الأرض المغصوبة، فلو قال ذلك لقلنا: إن صلَّيت في مكان مغصوب، فصلاتُك باطلة، لكنه قال في النَّهي عن الغصب: {لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] ، وهذا يدلُّ على تحريم الغصب لا على بُطلان الصَّلاة في المغصوب. والقول الثاني في هذه المسألة هو الرَّاجح.

وَأَسْطِحَتِهَا ...........
قوله: «وأسطحتها» ، يعني: لا تصحُّ الصلاة في أسطحة هذه الأماكن، فيكون هذا الموضع السادس، والأسطحة هي ما يلي:
أولاً: سطح المقبرة، لا تصحُّ الصلاة فيه، فلو وجدنا حجرة مبنيَّة في المقبرة، فهل يجوز أن نُصلِّيَ على سطحها؟ لا؛ لأنَّ الهواء تابع للقرار، والهواء وما فوق هذا القرار إلى سماء الدُّنيا تابع للقرار.
ولكن هنا عِلَّة أقوى من هذه بالنسبة للمقبرة وهي: أن عِلَّة النَّهي بالنسبة للصلاة في المقبرة خوفُ أن تكون ذريعة لعبادة القبور، والصَّلاة على سطح الحجرة التي في المقبرة قد تكون ذريعة، ولا سيَّما أنَّ البناء على المقابر أصله حرام فيكون صَلَّى على بناء محرَّم للعِلَّة التي نُهيَ عن الصلاة في المقبرة من أجلها.
ثانياً: سطح ِ الحُشِّ، لا تصحُّ الصلاة فيه؛ لأن الهواء تابع للقرار، ولكن هذا التَّعليل عليل، فالهواء تابع للقرار في المُلْكِ، أما في الحُكم فلا؛ فقد نُهيَ عن الصلاة في الحُشِّ من أجل النَّجاسة، فإذا لم يكن نجاسة في سطحه فلا مانع، وهذا هو القول الصَّحيح الذي اختاره صاحب «المغني».
والدَّليل على أنها صحيحة: عموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: «جُعلت لي الأرضُ مسجداً وطَهُوراً»، وبناءً على ذلك فإن الصلاة على «البيَّارة» و«البلاَّعة» لا بأس بها؛ لأنها أقلُّ من سطح الحُشِّ، فإن سطح الحُشِّ قد يقول قائل: إنه داخل في اسم الحُشِّ؛ فلا تصحُّ الصَّلاة فيه، أما سطح «البيَّارة» فليس تابعاً لها، بل هو مستقلٌّ، وهذا هو الذي عليه عمل الناس، فإن «البيَّارات» أو أنابيب المجاري الوسخة تمرُّ من الأحواش ويُصلِّي الناس عليها.
ثالثاً: سطح الحَمَّام، لا تصحُّ الصلاة عليه، وعلَّلوا ذلك بأن الهواء تابع للقرار، وبأن سطح الحَمَّام داخل في مُسمَّاه.
والقول الثَّاني في المسألة: أنَّ الصلاة على سطح الحَمَّام صحيحة؛ لأن الحَمَّام إنْ كانت العِلَّة فيه أنه مأوى الشياطين؛ فإن الشياطين لا تأوي إلا إلى المكان الذي تُكشف فيه العورات، وإن كانت العِلَّة فيه خوف النجاسة؛ فالسطح بعيد من هذه العِلَّة، وعلى هذا فتصحُّ الصلاة على سطح الحمَّام.
رابعاً: سطح أعطان الإبل، لا تصحُّ الصلاة عليه، وعلَّلوا ذلك: بأن الهواء تابع للقرار، فلو كان هناك حوشٌ للإبل تقيم فيه وتأوي إليه، وجانب منه مُسقَّف كما يُفعل كثيراً في أحواش الإبل، فالسَّقف الذي فوق هذا الحوش ـ على المذهب ـ لا تصحُّ الصلاة فيه.
والصَّحيح: صحَّة الصلاة؛ في سطح أعطان الإبل؛ لأنَّ هذا لا يدخل في قوله عليه الصَّلاة والسَّلام: «لا تصلُّوا في أعطان الإبل» فإن الإبل لا تبرك فوق السطح، إنما تبرك في أسفله.
خامساً: سطح المغصوب، فالصَّلاة على سطح المغصوب كالصَّلاة في المغصوب إن كان السطح مغصوباً، فإن لم يكن مغصوباً فإنه لا شَكَّ في صحة الصَّلاة فيه.
فإن قُلت: كيف صورة كون الأسفل مغصوباً والسَّطح غير مغصوب؟ قلنا: يأتي رَجُلٌ فيغصب أسفل البيت ويدع أعلاه لصاحبه، فالسطح غير مغصوب، لكن نقول: إذا غصب الإنسانُ البيتَ كلَّه، فإنه يكون كلُّه مغصوباً، وإذا كان مغصوباً فإنه لا تصحُّ الصلاة فيه على قاعدة المذهب.
والحاصل: أن سطح المغصوب في تصويره نظر؛ لأننا نقول: إذا كان سطح المغصوب داخلاً في الغصب فهو مغصوب، وإن كان خارجاً عن الغصب فهو ملك لصاحبه، ولا نظنُّ أنَّ أحداً من أهل العلم قال: إن الصلاة لا تصحُّ فيه.
وعلى هذا؛ فالقول الرَّاجح: أن جميع هذه الأسطحة تصحُّ الصلاة فيها إلا سطح المقبرة وسطح الحَمَّام. أمَّا المقبرة، فلأنَّ البناء على المقبرة كالمقبرة في كونه ذريعة إلى عبادة القبور، ولهذا نُهيَ عن البناء على القبر، وأما سطح الحَمَّام فلأنه داخل في مسمَّاه؛ لكن سبق البحث في ذلك، فهو محل تردُّدٍ عندي.

وَتَصِحُّ إِلَيْهَا ...........
قوله: «وتصحُّ إليها» ، أي: تصحُّ الصلاة إلى هذه الأماكن، ومعنى تصحُّ إليها يعني تصحُّ الصلاة إذا كانت في قبلتك، فلو كان في قِبْلة الإنسان حَمَّامٌ؛ أو أعطان إبل؛ أو مغصوب، أو قبر؛ فصلاتُه صحيحة؛ هذا مقتضى كلام المؤلِّف.
إلا أنهم قالوا: إنها تُكره إذا لم يكن حائل، ولو كمُؤْخِرَة الرَّحْل، ومُؤْخِرَة الرَّحْل يكون نصف متر في نصف متر.
أما دليل الصحة: فعموم قول الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم: «جُعلت لي الأرضُ مسجداً وطَهُوراً» وهذه من الأرض، وهي طَهُور وليس فيها ما يمنع الصَّلاة.
وأما دليل الكراهة فقالوا: لأنها أماكن نُهيَ عن الصلاة فيها فكُرِه استقبالها.
وربما يُعلِّلُ مُعَلِّلٌ: بأن هذا موضع اختلف العلماء في صِحَّة الصلاة فيه؛ فكُرهت الصلاةُ إليها خروجاً من الخلاف.
وكلا التَّعليلين عليل. أما الأوَّل فيُقال: إن عموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: «جُعلت لي الأرضُ مسجداً وطَهُوراً» يشمل هذه المواضع؛ فيحتاج إخراج شيء منها إلى دليل؛ لكن ربما نقول: إن الحُشَّ والحَمَّام تُكره الصَّلاة إليهما؛ لأنَّ فيهما رائحة كريهة قد تؤثِّر على المُصلِّي بأذيَّة أو تشويش، والشيء الذي يؤثِّر على المُصلِّي ويُشَوِّشُ عليه مكروه.
وأما أعطان الإبل؛ فربما نقول: إذا كانت الإبل موجودة باركة فرُبَّما تُكره الصلاة إليها؛ لأنه ربما تتحرَّك أو ترغو، أو ما أشبه ذلك فيؤثِّر عليه في صلاته، فيكون في ذلك تشويش عليه، وإذا كانت غير موجودة فلا وجه للكراهة؛ إلا إن كانت هناك رائحة.
وأمَّا المغصوب: فلا وجه للكراهة في الصلاة إليه.
وأما المقبرة: فالصَّحيح تحريم الصلاة إليها، ولو قيل بعدم الصِّحَّة لكان له وجه؛ وذلك لأنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم صَحَّ عنه في حديث أبي مَرْثَد الغَنَويِّ أنه قال: «لا تجلِسُوا على القُبُور، ولا تُصَلُّوا إليها»، فهذا يدلُّ على تحريم الصلاة إلى المقبرة؛ أو إلى القبور؛ أو إلى القبر الواحد.
ولأن العِلَّة من منع الصلاة في المقبرة موجودة في الصلاة إلى القبر، فما دام الإنسان يتَّجه إلى القبر أو إلى المقبرة اتِّجاهاً يُقال: أنه يُصلِّي إليها؛ فإنه يدخل في النَّهي، وإذا كان داخلاً في النَّهي فلا تصحُّ؛ لقوله: «لا تُصلُّوا»، فالنَّهي هنا عن الصلاة، فإذا صَلَّى إلى القبر، فقد اجتمع في فعله هذا طاعة ومعصية، وهذا لا يمكن أن يُتقرَّب إلى الله تعالى به.
فإذا قال قائل: ما هو الحَدُّ الفاصل في الصلاة إليها؟
قلنا: الجدار فاصل، إلا أن يكون جدارَ المقبرة ففي النفس منه شيء، لكن إذا كان جداراً يحول بينك وبين المقابر، فهذا لا شَكَّ أنه لا نهي، كذلك لو كان بينك وبينها شارع فهنا لا نهي، أو كان بينك وبين المقبرة مسافة لا تُعَدُّ مصلِّياً إليها، حدَّها بعضُهم بمسافة السُّترة للمصلِّي، وعلى هذا فتكون المسافة قريبة، لكن لا شَكَّ أن هذا يُوهم، فإن أحداً من النَّاس لو رآك تُصلِّي وبينك وبين المقبرة ثلاثة أذرع بدون جدار لأَوهم ذلك أنك تُصلِّي إلى القبور. فإذاً؛ لا بُدَّ من مسافة يُعلم بها أنك لا تُصلِّي إلى القبر.
وظاهر كلام المؤلِّف: أن ما عداها تصحُّ الصلاة فيه فرضاً أو نَفْلاً، فتصحُّ في المجزرة إلا إذا صَلَّى على المكان النَّجس منها.
وتصحُّ في المزبلة: إذا كان الزِّبل طاهراً، أما إذا كان نجساً فقد دخل في كلام المؤلِّف في المنع.
وتصحُّ في قارعة الطريق، يعني: لو صلَّى في قارعة الطريق فصلاتُه صحيحة، لكن إذا كان الطريق مسلوكاً فالصلاة فيه حال سلوك الناس فيه مكروهة؛ من أجل الانشغال والتشويش، فإن كان مسلوكاً بالسيارات فقد نقول بالتَّحريم؛ لأنَّه لا يمكن أن يقيم الصَّلاة والسيارات تمشي، أو يُعطِّل الناس فيعتدي عليهم؛ لأن وقوف الناس بأماكن الطُّرق يمنع الناس من التَّطرُّق؛ ففيه عُدوان عليهم، والحقُّ لهم.

وَلاَ تَصِحّ الفَرِيْضَةُ فِي الكَعْبَةِ، ولا فَوْقَهَا ...........
قوله: «ولا تصحُّ الفريضة في الكعبة» ، الفريضة إذا أُطلقت فالمراد ما وجب بأصل الشَّرع، والفرائض ست: الفجر، والظُّهر، والعصر والمغرب، والعشاء، والجمعة. وإن شئنا قلنا خمس؛ لأن الجُمعة فرض وقت الظُّهر.
والدَّليل على عدم صحَّة الفريضة في الكعبة قول الله تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 149] ، والمُصلِّي في الكعبة لا يكون مستقبلاً للبيت كلِّه؛ لأن بعض البيت يكون خلفه وعن يمينه وعن شماله فلا تصحُّ.
قوله: «ولا فَوْقَهَا» ، أي: ولا تصحُّ الفريضة فوق الكعبة، أي: على السطح، فلا تصحُّ داخلها ولا فوقها على سطحها؛ للعِلَّة التي ذكرنا أنَّه لم يستقبل جميع البيت؛ وإنما يستقبل جانباً؛ إلا إذا وقف على مُنتهى الجدار بحيث تكون الكعبة كلُّها أمامه فتصحُّ؛ مثل لو وقف على آخر العَتَبَةِ من الباب، أو وقف على آخر الجدار من السَّطح فإن الصلاة تصحُّ؛ لأنَّ الكعبة كلَّها حينئذ بين يديه، هكذا عَلَّلوا.
وعُلم من كلام المؤلِّف: صحَّة صلاة النَّفْل في الكعبة وفوقها.
والدَّليل: ما ثبت في «الصحيحين» وغيرهما من أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلَّى في جوف الكعبة ركعتين نافلة.
وهل تصحُّ المنذورة في الكعبة؟ أي: إذا نَذَرَ أحدٌ أن يُصلِّي ركعتين، فهل يصحُّ أن يصلِّيهما في الكعبة؟.
نقول: كلام المؤلِّف اشتمل على منطوق ومفهوم، فالفريضة عرفنا حكمها بالمنطوق وأنها لا تصحُّ، والنَّافلة عرفنا حكمها بالمفهوم أنها تصحُّ، بقي المنذورة.
فالمنذورة يمكن أن نقول: إن كلام المؤلِّف يقتضي أن يكون مسكوتاً عنها؛ لأنها لا تدخل في الفريضة؛ ولا تدخل في النَّافلة، وقد يقول قائل: نلحقها بالأقرب إليها، فإن نظرنا إلى أنها لم تجب بأصل الشَّرع؛ وإنما أوجبها المكلَّف على نفسه قلنا: إلحاقها بالنافلة أقربُ؛ لأنَّ الشَّرع لم يلزمه بها. وإن نظرنا إلى أنَّ الشَّرع ألزمه بها إذا وُجِدَ سَبَبُها وهو النَّذر؛ لقول الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم: «مَنْ نَذَرَ أنْ يُطيعَ اللَّهَ فليُطعْهُ». قلنا: إنها أقرب إلى الفريضة، ولذلك اختلف العلماء فيها.
فمنهم من قال: إنَّ المنذورة تلحق بالفريضة؛ فلا تصحُّ في الكعبة.
ومنهم من قال: تلحق بالنَّافلة؛ لأنها غير واجبة بأصل الشَّرع، وتصحُّ في الكعبة.
هذا الحكم في النَّذر المطلق الذي قال فيه الناذر: لله عَليَّ نذرٌ أن أُصلِّي رَكعتين.
أما النَّذر المقيَّد في الكعبة فيصحُّ فيها؛ مثل أن يقول: لله عَلَيَّ نذرٌ أن أصلِّيَ ركعتين في الكعبة، فتصحُّ صلاتُه في الكعبة قولاً واحداً؛ لأنَّه نذرها نذراً مقيَّداً في الكعبة.
والقول الثاني في أصل المسألة: أنَّ الفريضة تصحُّ في الكعبة كما تصحُ النَّافلة ، وحديث ابن عمر أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نهى أن يُصلِّي في سبعة مواطن ذكر منها: «فوقَ ظهر بيت الله»، ضعيفٌ لا تقوم به حُجَّة.
وأيضاً: الأصل تساوي الفرض والنَّفْل في جميع الأحكام إلا بدليل، فكلُّ ما ثبت في النَّفْل ثبت في الفرض، وكلُّ ما انتفى في النَّفْل انتفى في الفرض إلا بدليل، ويُستدلُّ لهذا الأصل بأن الصَّحابة لمَّا ذكروا أنَّ الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم كان يُصلِّي على راحلته حيثما توجَّهت به، قالوا: غير أنَّه لا يُصلِّي عليها المكتوبة.
استثنوا: «غير أنَّه لا يُصلِّي عليها المكتوبة»، وهذا يَدلُّ على أنَّهم لو لم يستثنوا لكانت المكتوبة كالنَّافلة تُصلَّى على الرَّاحلة.
ولأن الله عزّ وجل يقول: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 149] وشطره بمعنى جهته، وهذا يشمل استقبال جميع الكعبة أو جزء منها، كما فَسَّرت ذلك السُّنَّة بصلاة الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم في الكعبة.
إذاً؛ فالصَّحيح في هذه المسألة: أنَّ الصلاة في الكعبة صحيحة فرضاً ونَفْلاً.
فإن قال قائل: أنَّى لنا أن نُصلِّيَ في الكعبة؟
فالجواب: أن ذلك غير ممتنع عقلاً ولا حِسًّا؛ بإمكان الإنسان أن يُفتحَ له باب الكعبة ويُصلِّيَ في جوفها، ثم إذا لم يمكن أن يُفتح له الباب فالحِجْر «بكسر الحاء» مفتوح، والحِجْر منه ستة أذرع وشيء، من الكعبة، فمن الممكن أن يُصلِّيَ الإنسان الفريضة في الحِجْر.

وَتَصِحُّ النَّافِلَةُ باسْتِقْبَالِ شَاخِصٍ مِنْهَا ........
قوله: «وتصحُّ النَّافلة باستقبال شاخص منها» ، يعني: تصحُّ النَّافلة في الكعبة باستقبال شاخص منها، أي: لا بُدَّ أن يكون بين يديه شيءٌ شاخصٌ حتى في النَّافلة، والشَّاخص: الشيء القائم المتَّصل بالكعبة، المبنيُّ فيها، وعلى هذا فلو صَلَّى نافلة إلى جهة الباب وهو مفتوح، وهو داخل الكعبة لم تصحَّ؛ لأنه ليس بين يديه شاخص منها، فإن وضع لَبِنةً أو لَبِنتين بين يديه لم تصحَّ أيضاً؛ لأنا ليست منها، وليست متَّصلة.
وقال بعض أهل العلم: تصحُّ النَّافلة في الكعبة؛ وإن لم يكن بين يديه شيء منها شاخص، واستدلُّوا لذلك: بأن الواجب استقبال الهواء، والهواء تابع للقرار، قالوا: ولذلك لو صَلَّى على جبل أعلى من الكعبة كجبل «أبي قُبيس»، الذي في أسفله الصَّفا، فلا شَكَّ أن الكعبة تحته، وليس بين يديه شاخص منها، ومع ذلك تصحُّ بالاتفاق. فكذلك إذا صلَّى نافلة في جوف الكعبة؛ لا يُشترط أن يكون بين يديه شاخص منها.
ولكن هذا القياس فيه نظر؛ لأن المُصلِّي إلى الكعبة في مكان أعلى يشاهد شيئاً شاخصاً بين يديه، وإن كان غير محاذٍ له، فلا يصحُّ القياس، بخلاف الإنسان الذي ليس بين يديه شيء أبداً؛ وهو في نفس الكعبة. فبينهما فرق. ولا شَكَّ أن الاحتياط أن يكون بين يديه شاخص منها، ولكن لو أن الإنسان صَلَّى، وجاء يستفتينا فلا نستطيع أن نقول: إن صلاتك ليست صحيحة، وإنما نأمره قبل أن يُصلِّيَ ألا يُصلِّيَ في جوف الكعبة إلا إلى شيء شاخص منها.
ولهذا لمَّا هُدِمت الكعبة في عهد عبد الله بن الزُّبير بَنَى أخشاباً وأرخى عليها السُّتُورَ من أجل أن يُصلِّيَ الناس إليها، قال شيخ الإسلام: وهذا دليل على أنه لا بُدَّ أن يكون هناك شاخص يُصلَّى إليه.
وخلاصة ما ذكره المؤلِّف؛ من المواضع التي لا تصحُّ الصلاة فيها ما يلي:
1- المكان النَّجس إذا باشر النجاسة. 2 ـ المقبرة.
3- الحِش. 4- الحَمَّام.
5- أعطان الإبل. 6- المكان المغصوب.
7- أسطحتها. 8- الكعبة وسطحُها في الفريضة خاصَّة.


  #6  
قديم 25 شعبان 1432هـ/26-07-2011م, 02:39 PM
تلميذ ابن القيم تلميذ ابن القيم غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 237
افتراضي شرح الزاد للشيخ حمد الحمد

قال : ( ولا تصح الصلاة في مقبرة ، وحش وحمام وأعطان إبل ومغصوب )
لاتصح الصلاة في المقبرة لقوله صلى الله عليه وسلم – فيما رواه أبو داود والترمذي - : (( الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام ))
وإن كان هناك موضع فيه قبر أو قبران فهل تصح فيه الصلاة أم لا ؟ ينبني على هذا الموضع هل يسمى مقبرة أم لا ؟
-فالمشهور في المذهب : أنه ليس بمقبرة ، فعليه : يجوز أن يصلي فيه .
-والقول الثاني في المذهب وهو اختيار شيخ الإسلام واستظهره صاحب الفروع : أن الصلاة لا تصح فيه ؛ لأن اسم المقبرة شامل له ، فإن المقبرة ما يقبر فيها سواء كان فيها قبر أو قبران .
ثم إن العلة التي من أجلها نهى الشارع عن الصلاة في المقابر ثابتة فيه ، فإن العلة هي سد ذريعة الشرك فإن تعظيم القبور هو أصل الشرك الواقع في العالم ، والصلاة في الموضع الذي فيه قبر أو قبران ثابتة فيه هذه العلة سواء سميناه مقبرة أو لم نسميه .
فالراجح أنها صلاة باطلة . وعليه – فكذلك – خلافاً للمشهور في المذهب ولو صلى في موضع في بيته قد دفن فيه ميت من أمواتهم كأن يدفنوا ميتهم في ناحية من نواحي البيت ، فهذا الموضع الذي حول القبر لا يجوز أن يصلي فيه للعلة المتقدمة وقد قال صلى الله عليه وسلم : (( صلوا في بيوتكم ولا تجعلوها قبوراً )) فدل على أن القبور ليست موضعاً للصلاة .
فإن نبشت القبور فيجوز أن يصلي في هذا الموضع لما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم : (( نبش قبور المشركين التي كانت في حائط لبني النجار ثم صلى فيه ، وبنى فيه مسجده ))
* وهل تدخل في ذلك صلاة الجنازة أم لا ؟
ثلاث روايات عن الإمام أحمد :
الرواية الأولى : أن صلاة الجنازة تدخل في هذا فعلى ذلك صلاة الجنازة في المقبرة باطلة .
والرواية الثانية : أنها صحيحة مع الكراهية .
والرواية الثالثة : أنها تصح بلا كراهية .
وأصحها القول الأول وأن الصلاة على الجنازة في المقابر باطلة لا تصح ، لما ثبت في المختارة والطبراني في الأوسط بإسناد جيد أن النبي صلى الله عليه وسلم : (( نهى عن الصلاة على الجنائز بين القبور )) ولكن يستثنى من ذلك الصلاة على الميت في قبره بعد دفنه حيث فاتته الصلاة فإنها ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
إذن : هل تدخل صلاة الجنازة في عموم النهي أم لا ؟ قولان في المذهب :
الأول : أنها تدخل وهو رواية عن الإمام أحمد .
الثاني : أنها لا تدخل . وإذا قلنا بعدم دخولها فهل تكره أم لا ؟ قولان في المذهب .
والصحيح أنها باطلة في المقابر إلا ما ورد عن الشارع من الصلاة على الميت في قبره لمن فاتته الصلاة .
قال : ( أو حش ) هو موضع قضاء الحاجة .
وأما الحمام فهو موضع الاغتسال و الاستحمام ، فالصلاة في الحش باطلة لأن إبطالها أولى من إبطال الصلاة بالحمام فهي أولى وأظهر ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : (( الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام )) ولما ثبت عن ابن عباس – في مصنف عبد الرزاق – أنه قال : ( لا تصلين إلى حش ولا إلى حمام ولا في مقبرة ) وإذا ثبت عنه النهي عن الصلاة إلى الحش فأولى منه الصلاة في الحش ، فهي صلاة باطلة .

( أو حمام )
للحديث المتقدم ، حديث أحمد والترمذي : (( الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام )).
قال : ( وأعطان إبل )
جمع عطن أي المواضع التي تبرك فيها وتأوي إليها ، فالصلاة فيها باطلة للحديث المتقدم في باب نواقض الوضوء من قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( لا تصلوا في معاطن الإبل )) والنهيهنا يعود إلى ذات الصلاة وحيث كان ذلك فإنه يفيد بطلان الصلاة .
قال : ( أو مغصوب )
إذا صلى في أرض قد اغتصبها فهل تصح الصلاة أم لا ؟
قال هنا : لا تصح . هذا هو المشهور في المذهب .
للمعنى المتقدم : لأنه آثم حيث اغتصب هذه الأرض فلا يمكن أن يكون مثاباً مأجوراً على الصلاة فيكون في آن واحد مثاباً آثماً .
-والقول الثاني وهو مذهب الجمهور وهو رواية عن الإمام أحمد اختارها طائفة من أصحابه : أن الصلاة في الأرض المغصوبة صحيحة .
قالوا : لأن النهي لا يعود إلى الصلاة ، فهي صلاة صحيحة لا معنى ببطلانها والنهي لا يعود إليها .
ولا مانع من أن يكون آثماً مأجوراً في آن واحد فهو آثم بكونه قد اغتصب الأرض وهو مواقع للاغتصاب مشتغل به .
وهو مأجور لكونه يصلي .
فليس ذلك من جهة واحدة بل من جهتين فحينئذ : الصلاة صحيحة وهو الراجح .
ومثل ذلك : المزبلة والمجزرة وقارعة الطريق في المشهور من المذهب فلا تصح الصلاة فيها لما روى الترمذي وابن ماجه من حديث ابن عمر : أن النبي صلى الله عليه وسلم : ( نهى أن يصلى في سبعة مواضع : المزبلة والمجزرة والمقبرة وقارعة الطريق والحمام وأعطان الإبل وفوق ظهر بيت الله ) لكن الحديث إسناده ضعيف لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن فيه عبد الله بن عمر العمري المكبر وهو ضعيف .
إلا أن للفظ " قارعة الطريق " شاهداً عند ابن ماجه من حديث ابن لهيعة .
لذا ذهب بعض أهل العلم من الحنابلة كالموفق وغيره وهو مذهب الجمهور : إلى أن الصلاة في هذه المواضع صحيحة لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : (( وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ))
والحكم ببطلان الصلاة في موضع والنهي عنه يحتاج إلى دليل يدل على ذلك ، والحديث الوارد فيها ضعيف .
إذن : الصلاة فيها صحيحة ، لكن الأولى ولا شك ترك ذلك .

فلو صلى في قارعة الطريق فالصلاة صحيحة لكنه مخطئ حيث زاحم الناس في طرقهم فإن قارعة الطريق ما يقرعه الناس ويطرقونه ويحتاجون إلى المشي عليه ويكثر ذلك فيه .
قال : ( وأسطحتها )
فأسطحة هذه المواضع لا تصح الصلاة فيها فلو صلى في سطح حمام أو مقبرة أو غير ذلك قالوا : فلا تصح صلاته ، لأن الهواء تبع للقرار .
فالشخص إذا ملك بقعة من الأرض فهو مالك لهوائها . قالوا : فكذلك هنا .
والقول الثاني في المذهب وهو اختيار الموفق : أن الصلاة صحيحة – وهذا هو القول الراجح ؛لأن الأصل هو صحة الصلاة والنهي عن الصلاة وإبطالها يحتاج إلى دليل .
وإنما نهى الشارع عن هذه المواضع لعلل ثابتة فيها ولا يثبت ذلك في أسطحتها .
فمثلاً : نهى الشارع عن الصلاة في المقبرة لوجود القبور فيها وهذا أصل شرك العالم .
أما لو صلى فوقها على سطح يغطي المقبرة كلها أو يغطي موضعاً فيه قبراً أو قبرين أو ثلاثة فإنه – حينئذ – لا معنى للقول بأن الصلاة باطلة وإن كان الهواء تبعاً للقرار ، لأن المعنى الموجود في القرار ليس موجوداً في الهواء فحينئذ : لا معنى لإلحاق الهواء بالقرار .
مع أن المشهور في المذهب أن العلة تعبدية غير معقولة المعنى – وحيث قالوا بذلك : وهو خلاف الحق – فإن القياس باطل ، لأن شرط القياس معرفة العلة وثبوتها وألا تكون العلة تعبدية . وما دام أنهم قالوا : إنها تعبدية فإنه لا معنى لإلحاق الهواء بالقرار لأن القياس باطل لعدم ثبوت العلة .
إذن : الراجح أن الصلاة في أسطحتها صحيحة .


قال : ( وتصح إليها )
فلو صلى إلى أعطان إبل أو حمام أو حش أو مقبرة قالوا : الصلاة صحيحة ، لأن النهي إنما ورد في الصلاة وفي هذه المواضع ، وحيث كانت في قبلته وصلى إليها فإنه لم يصل فيها فلا معنى – حينئذ – لإبطال الصلاة .
وهذا صحيح ، لكن ليس في كل هذه المسائل ، بل قد وردت الأدلة الشرعية في استثناء بعض المسائل ، فالصلاة إلى المقبرة صلاة باطلة وهو رواية عن الإمام أحمد اختارها المجد بن تيمية وشيخ الإسلام .
واستدلوا : بما روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها )) فهذا يدل على أن الصلاة إلى القبور محرمة وحيث كانت محرمة فهي باطلة لأن النهي يعود إلى ذات العبادة فالصلاة إلى المقبرة باطلة .
ومثل ذلك : الصلاة إلى الحش وهو رواية عن الإمام أحمد واختاره بعض أصحابه ، للأثر المتقدم عن ابن عباس : (( لا تصلين إلى حش )) ولا يعلم له مخالف فيكون قوله حجة .
فالصلاة إلى الحش وإلى الحمام قد ثبت عن ابن عباس ، والنهي عائد إلى الذات فتفيد البطلان .
وليس عندنا من يخالف ابن عباس فيكون قوله حجة .
إذن الصلاة إلى المقبرة والحمام والحش باطلة .
أما الصلاة إلى أعطان الإبل ، أو إلى أرض مغصوبة - على القول ببطلان الصلاة فيها - فإن الصلاة صحيحة ولا أثر إلى استقبالها .
وكيف يكون استقبالها ؟
المشهور في المذهب أنه إذا كان بينه وبين الحش أو المقبرة ما يستتر به من كان متخلياً بأن يكون بينه وبينها مؤخرة الرحل ، فإن الصلاة تكون صحيحة .
وعليه فحائط المسجد ساتر ، فإن كانت أمام المسجد مقبرة فحائطه يكون ساتراً .
وهناك قول ثاني في المذهب اختاره المجد ابن تيمية وهو القول الراجح: أن حائط المسجد لا يكفي بل لابد أن يكون هناك فاصل آخر يفصل بينهما ، ومثل مؤخرة الرحل لا يعد ذلك شيئاً ، فإن الرجل يعد مستقبل القبلة وإن كان بينه وبين القبلة شيئاً .
ولكن حيث كان بينه وبين المقبرة شيء فلا حرج في ذلك إذ المشقة تلحق بالنهي عن استقبالها حيث كانت هناك بيوت أو حوائل أو نحو ذلك .
وأما إيجاد ساتر بينهما فإنه لا مشقة فيه فعليه لا يكفي حائط المسجد ولا حائط المقبرة بل لابد أن يكون بينهما عازل آخر بحيث لا يكون المسجد مستقبلاً المقبرة .
ومثل ذلك الحش فلو صلى في غرفة تتوجه إلى الحش أو الحمام فالصلاة كذلك باطلة ولا يكفي الحائط بينهما بل لابد أن يكون هناك حائل آخر .
فلو كان هناك غرفة بينهما فإن ذلك يجزئ .
هذا هو الأصح من الوجهين في المذهب وأنه لا يكفي ما هو كمؤخرة الرحل ولا حائط المسجد ولا حائط الغرفة التي يصلي فيها بل لابد أن يكون بينه وبين ذلك حائط يجعل هذا الموضع غير مستقبل لذاك الموضع والعلم عند الله تعالى .
قال : ( ولا تصح الفريضة في الكعبة ولا فوقها ، وتصح النافلة باستقبال شاخص فيها )
أما كون النافلة تصح في الكعبة وعلى ظهرها فهذا قد أجمع عليه أهل العلم ، وثبتت السنة الصحيحة فيما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر : أن النبي صلى الله عليه وسلم : ( دخل البيت فصلى فيه ).
ولكن هل يشترط أن يستقبل شاخصاً منها أم لا ؟ يعني : رجل صلى في سطحها وليس أمامه إلا هواءها فهل تصح أم لا ؟
-هنا قال : ( باستقبال شاخص فيها ) .
-والقول الثاني في المذهب : أنه لا يشترط ذلك .
إذن : إذا صلى في سطح الكعبة حيث لا يستقبل شيئاً منها – أو صلى في الكعبة – واستقبل بابها وهو مفتوح فهو ليس بمستقبل شاخص منها فهل الصلاة صحيحة ؟
قالوا : لا تصح – هذا هو المشهور في المذهب – قالوا : لأنه ليس بمستقبل شيئاً منها ، والواجب أن يستقبل شيئاً منها أي من جدارها أو نحوه .
والقول الثاني في المذهب وهو اختيار الموفق وهو الراجح : أن ذلك ليس بشرط لأن الواجب هو استقبال هوائها وموقعها وليس الواجب هو استقبال بنيانها .
بدليل : أن من صلى إلى جنب الكعبة على علو فإن صلاته صحيحة ، مع أنه يواجه ويسامت هواءها لا بنيانها .
فكذلك هنا فالواجب إنما هو استقبال هوائها وقد استقبله وليس الواجب أن يستقبل شيئاً منها . وهذا القول هو الراجح .
أما الفريضة فقال هنا : ( لا تصح في الكعبة ولا فوقها )
قالوا : لأن الله تعالى قال { وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره } وهذا لم يتوجه إلى الكعبة حيث صلى فيها أو إلى شيء منها ، فالواجب أن يتوجه إليها ، وهو فيها أو عليها فليس متوجهاً إليها .
والنافلة فيها تسامح وتخفيف فجازت دون الفريضة هذا هو المشهور في المذهب .
والقول الثاني وهو مذهب الجمهور : أن الصلاة فريضة في الكعبة أو على سطحها صحيحة ؛ قالوا : لأنها صحت نافلة وحيث صحت نافلة فالفريضة كذلك ؛ لأن الأصل أن الفرائض والنوافل في حكم واحد وتخصيص الفرائض يحتاج إلى دليل ولا دليل .
وكونه يؤمر بالتوجه إليها ليس المقصود أن يتوجه إلى جميعها : بدليل أنه لو صلى إلى طرف الكعبة خارجاً عنها واستقبل ركناً من أركانها فإن الصلاة صحيحة اتفاقاً وهو إنما استقبل شيئاً منها ، وهو كذلك حيث صلى فيها أو في سطحها فقد استقبل شيئاً من هوائها ، فيكون قد استقبل منها ما تصح به الصلاة .
وهذا القول هو الراجح فصلاة الفريضة في الكعبة أو على سطحها صحيحة ؛ لأنه مستقبل لشيء منها ، كما لو كان خارجاً عنها وقد استقبل شيئاً من أركانها وإن لم يستقبلها جميعاً ، فإن الصلاة صحيحة .
وأما الآية الكريمة : فإنها فيمن كان خارج الحرم فإنها في أهل المدينة ونحوهم وأن الواجب عليهم أن يتوجهوا إلى شطرها أي ناحيتها وجهتها ومثل ذلك : من كان في مكة خارجاً عن الحرم فإنه يستقبل جهتها .
وأما من كان في الحرم فإنه يستقبل عينها ولا يشترط – كما تقدم – أن يستقبل جميعها بل لو استقبل بعضها يصح كما لو صلى خارجها مستقبلاً لركنها ، فكذلك إذا صلى مستقبلاً لشيء من جوانبها .
وقد تقدم عدم اشتراط الشاخص فيها وأن هواءها كاف ؛ لأن الواجب إنما هو استقبال هوائها وقرارها وموضعها لا استقبال بنيانها .


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الأماكن, التي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:25 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir