دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13 رجب 1439هـ/29-03-2018م, 04:02 AM
هيئة الإدارة هيئة الإدارة غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 29,544
افتراضي المجلس الأول: مجلس مذاكرة القسم السابع من تفسير سورة آل عمران

مجلس مذاكرة القسم السابع من تفسير سورة آل عمران
(الآيات 93-112)



حرّر القول في واحدة من المسألتين التاليتين:
1: معنى قوله تعالى: {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكّة}.
2: معنى قوله تعالى: {كنتم خير أمّة أخرجت للناس}.


تعليمات الإجابة على المسائل:
هذا التطبيق مطلوب تقديمه في صورة خطوات منفصلة كالتالي:
أولا: ذكر مراجع البحث مرتّبة على مراتب مراجع الأقوال في التفسير.
ثانيا:
استخلاص الأقوال وتصنيفها ونسبتها.
ثالثا: تخريج الأقوال.
رابعا: توجيه الأقوال.
خامسا: دراسة الأقوال ونقدها وبيان الراجح منها.



تعليمات:
- دراسة تفسير سورة آل عمران سيكون من خلال مجالس المذاكرة ، وليست مقررة للاختبار.
- مجالس المذاكرة تهدف إلى تطبيق مهارات التفسير التي تعلمها الطالب سابقا.
- لا يقتصر تفسير السورة على التفاسير الثلاثة الموجودة في المعهد.
- يوصى بالاستفادة من التفاسير الموجودة في جمهرة العلوم، وللطالب أن يستزيد من غيرها من التفاسير التي يحتاجها.
- يجب ذكر مصادر البحث في نهاية كل تطبيق.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 14 رجب 1439هـ/30-03-2018م, 11:35 PM
أمل يوسف أمل يوسف غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 570
افتراضي

معنى قوله تعالى: {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكّة}.
وردت هذه الآية الكريمة في سياق تعليل الأمر باتباع ملة إبراهيم عليه السلام ؛فإنه لما كان أعظم شعائر ملة إبراهيم الحج ؛نوه عنه بذكر البيت إذ كان هذا البيت مقاما لإبراهيم عليه السلام وفضيلة هذا البيت تكشف عن فضيلة شرع بانيه؛ فجاء ذكرفضيلة البيت الحرام هنا بقوله تعالى {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة} ومعنى الآية أن الله تعالى يخبر أن أول بيت أي مسجد وضع على الأرض هو ذاك الذي ببكة
وفي الآية مسألتان :
-المسألة الأولى :المراد بالأولية في قوله تعالى {أول بيت} هل المراد أولية شرف أم أولية زمان وقدم ؟
-المسألة الثانية : وفيها مسألتان :المراد ببكة في قوله تعالى {للذي ببكة} ، وسبب التسمية يدور حول أصل اشتقاق الكلمة

المطلب الأول:
-أولا:مراجع البحث
هذه الآية تشتمل على مسألة تفسيرية {أول بيت وضع} تناولها المفسرون ومسألة تفسيرية لها تعلق باللغة والتفسير اللغوى {للذي بكة }تناولها علماء التفسيروعلماء اللغة :
مراتب المصادر :
كتب التفسير المسندة:تفسير عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن جرير الطبري والثعلبي والبغوي والواحدي
كتب التفسير في دواوين السنة:كتاب التفسير من جامع ابن وهب وسنن سعيد بن منصور ومستدرك الحاكم وشعب الإيمان للبيهقي
ويلحق بها:مجمع الزوائد للهيثمي والمطالب العالية لابن حجر وإتحاف الخيرة للبوصيري
كتب التفسير البديلة:الدر المنثور للسيوطي وابن كثيرأحيانا
كتب التفسير الناقلة:مكى بن أبي طالب والماوردى وابن الجوزي وابن عطية والقرطبي والبيضاوى والألوسي وابن عاشوروالبحر المحيط وأبو السعود والقاسمى
كتب التفسير اللغوي :معانى القرآن للفراء ومجاز القرآن لأبي عبيدة ومعانى القرآن للزجاج ومعانى القرآن للنحاس ويلحق بها:
غريب القرآن لابن المبارك اليزيدي وابن قتيبة الدينوري
المعاجم اللغوية: العين للخليل بن أحمد ولسان العرب ومقاييس اللغة
كتب معنية بالتحرير والتحقيق:الطبري وابن عطية وابن كثير وابن عاشور والشنقيطى وابن القيم وابن تيمية وابن رجب وابن حجر في فتح الباري
هذه المصادر التى رجعت إليها عند تناولى لمعنى الآية لكن لم أعثر في كتب التحرير من كل هذه إلا في موضعين فقط

المطلب الثانى : الأقوال وتصنيفها

المسألة الأولى :قوله تعالى {إن أول بيت وضع للناس}
بالنسبة للمراد بالأولية هل أولية حقيقية أي مطلقة أو أولية نسبية :
قال ابن عاشور: وأَوَّلَ اسْمٌ لِلسَّابِقِ فِي فِعْلٍ مَا فَإِذَا أُضِيفَ إِلَى اسْمِ جِنْسٍ فَهُوَ السَّابِقُ مِنْ جِنْسِ ذَلِكَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ فِي الشَّأْنِ الْمُتَحَدَّثِ عَنْهُ.
وَالْبَيْت بِنَاء يأوي وَاحِدًا أَوْ جَمَاعَةً، فَيَكُونُ بَيْتَ سُكْنَى، وَبَيْتَ صَلَاةٍ، وَبَيْتَ نَدْوَةٍ، وَيَكُونُ مَبْنِيًّا مِنْ حَجَرٍ أَوْ مِنْ أَثْوَابِ نَسِيجِ شَعْرٍ أَوْ صُوفٍ، وَيَكُونُ مِنْ أَدَمٍ فَيُسَمَّى قُبَّةً قَالَ تَعَالَى: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً [النَّحْل: 81] اه
والبيوت بمعنى المساجد يدل عليه قوله: أ{َنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً } يعني مساجدهم {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً،} وقوله:{ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ } يعني المساجد.

وعلى هذا فإنه لا خلاف بين أهل العلم أن أول بيت وضع للعبادة هو البيت الحرام وهذا منصوص عليه في حديث أبي ذر المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما وفيه:{ سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي مسجد وضع في الأرض أول؟ فقال: ((المسجد الحرام)) قلت: ثم أي؟ قال: ((ثم بيت المقدس)) قلت: كم كان بينهما؟ قال: ((أربعون سنة ثم حيثما أدركتك الصلاة فصل فإنه مسجد))

واختلفوا في كون هذا البيت أول بيت وضع في الأرض مطلقا أم أنه سبق بأبنية قبله؟
وهذا الأمر لايمكن معرفته بالإجتهاد والقياس بل هو من الأمور الغيبية التى لابد أن يكون مستندها النص والخبر ولهذا اختلفت الأقوال في شأن أولية البيت -غير المتعلقة بالعبادة - على حسب الروايات التى نقلت في هذا الخبر على قولين رئيسين :

القول الأول: أنه أول بيت كان في الأرض واختلفوا في صفة وضعه:

قيل: خلق اللّه البيت قبل الأرض بألفي سنةٍ، وكان إذا كان عرشه على الماء، زبدةً بيضاء، فدحيت الأرض من تحته،قال به عبد الله بن عمرو وأبو هريرة وقتادة ومجاهد
وقيل :وضع البيت مع الأرض ،قال به السدي
وقيل:أول بيت بناه آدم بأمر الله يصنع به كماتصنع الملائكة في السماء ،مروى عن ابن عمرو مرفوعا والصواب أنه موقوف
وقيل: أنه أُهبط مع آدم، فلما كان الطوفان، رُفع فصار معموراً في السماء، وبنى إبراهيم على أثره، قول قتادة.
وهذان القولان يدلان على وجود البيت منذ عهد آدم عليه السلام
وقيل:موضع الكعبة موضع أول بيت وضع للناس،روى عن ابن عباس

القول الثانى :أول بيت وضع لعبادات الناس وطاعاتهم وليس أول بيت وضع في الأرض بل كانت قبله بيوت كثيرة ،قال به على بن أبي طالب والحسن وعطاء بن السائب ومطر

القول الثالث : الأولية بمعنى الخيرية والأفضلية لا الأولية الزمانية :روي عن مجاهد وأشار إلى هذا القول البيضاوى في تفسيره من غير نسبة
هذا القول لم يصرح به مجاهد ولكنه مستخرج مماقاله كما سيأتى في التخريج

المطلب الثالث :تخريج الأقوال:
القول الأول :خلق الله البيت قبل الأرض بألفي عام ،قال به أبو هريرة وعبد الله بن عمرو ومجاهد وقتادة والسدي ويروى عن علي بن الحسين

قول أبي هريرة:رواه ابن المنذر قال : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى آلِ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: " إِنَّ الْكَعْبَةَ خُلِقَتْ قَبْلَ الأَرْضِ بِأَلْفَيْ سَنَةٍ، وَهِيَ قَرَارُ الأَرْضِ، قَالَ: إِنَّمَا كَانَتْ خَشَفَةً أَوْ حَشَفَةً عَلَى الْمَاءِ عَلَيْهَا مَلَكَانِ مِنَ الْمَلائِكَةِ يُسَبِّحَانِ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، أَلْفَيْ سَنَةٍ، فَلَمَّا أَرَادَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَخْلُقَ الأَرْضَ دَحَاهَا مِنْهَا، فَجَعَلَهَا فِي وَسَطِ الأَرْضِ "
قول ابن عمرو:روى ابن جرير قالحدّثنا محمّد بن عمارة الأسديّ، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، قال: أخبرنا شيبان عن الأعمش، عن بكير بن الأخنس، عن مجاهدٍ، عن عبد اللّه بن عمرٍو، قال: خلق اللّه البيت قبل الأرض بألفي سنةٍ، وكان إذا كان عرشه على الماء، زبدةً بيضاء، فدحيت الأرض من تحته
ورواه ابن المنذر قال : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: " خُلِقَتِ الْكَعْبَةُ قَبْلَ الأَرْضِ بِأَلْفَيْ سَنَةً، وَدُحِيَتِ الأَرْضُ مِنْ تَحْتِهَا "
قول مجاهد:روى ابن جرير قال: حدّثني محمّد بن عبد اللّك بن أبي الشّوارب، قال: حدّثنا عبد الواحد بن زيادٍ، قال: حدّثنا خصيفٌ، قال: سمعت مجاهدًا، يقول: إنّ أوّل ما خلق اللّه الكعبة، ثمّ دحى الأرض من تحتها
وروى عنه من طريق ابن أبي نجيح في قول اللّه عزّ وجلّ: {إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس} كقوله: {كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس}
قول قتادة:روى ابن جرير قال حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة في قوله: {إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة مباركًا} قال: أوّل بيتٍ وضعه اللّه عزّ وجلّ فطاف به آدم ومن بعده

قال الثعلبي :يروى أنّ علي بن الحسين سئل عن بدء الطوفان، فقال: إنّ الله تعالى وضع تحت العرش بيتا وهو البيت المعمور الذي ذكره الله، وقال للملائكة: طوفوا به ودعوا العرش، فطافت الملائكة به وتركوا العرش، وكان أهون عليهم، ثم أمر الله الملائكة الذين يسكنون في الأرض أن يبنوا له في الأرض بيتا على مثاله وقدره، فبنوا، واسمه الضراح، وأمر من في الأرض من خلقه أن يطوفوا به كما يطوف أهل السماء بالبيت المعمور.

القول بأنه أهبط مع آدم ،:قول أبي قلابة و قتادة
قول أبي قلابة :رواه ابن المنذر قال:حَدَّثَنَا محمد بْن إسماعيل الصائغ، قَالَ: حَدَّثَنَا سليمان بْن حرب، قَالَ: حَدَّثَنَا حماد بْن زيد، عَنْ أيوب، عَنْ أبي قلابة، قَالَ: قَالَ اللهُ جَلَّ وَعَزَّ لآدم " إِنِّي مهبط معك بيتا تطوف حوله كَمَا يطاف حول عرشي، ويصلي عِنْده كَمَا يُصَلَّي عِنْد عرشي "، قَالَ: فلم يزل كذلك حَتَّى كَانَ زمان الطوفان، فرفع حَتَّى بوئ لإبراهيم مكانه، فبناه من خمسة أجبل من حراء،
روى ابن المنذر قال :حَدَّثَنَا النجار، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد الرزاق، عَنْ معمر، عَنْ قتادة: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ} قَالَ " أول بيت وضعه الله، فطاف بِهِ آدم، ومن بعده
وهذا القول قريب مماقبله
القول بأن الله أمر آدم فبناه:
رواه البيهقي من طريق ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعاً " بعث الله جبريل إلى آدم وحواء، فأمرهما ببناء الكعبة، فبناه آدم، ثم أمر بالطواف به، وقيل له أنت أول الناس، وهذا أول بيت وضع للناس "
قال ابن كثير :وهو من مفردات ابن لهيعة، وهو ضعيف. والأشبه، والله أعلم، أن يكون هذا موقوفاً على عبد الله بن عمرو، ويكون من الزاملتين اللتين أصابهما يوم اليرموك من كلام أهل الكتاب.
و القول :أنه البيت المعمور ،قال به قتادة
قول قتادة:رواه ابن جرير قال :حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: ذكر لنا أنّ البيت، هبط مع آدم حين هبط، قال: أهبط معك بيتي يطاف حوله كما يطاف حول عرشي، فطاف حوله آدم ومن كان بعده من المؤمنين، حتّى إذا كان زمن الطّوفان، زمن أغرق اللّه قوم نوحٍ رفعه اللّه وطهّره من أن يصيبه عقوبة أهل الأرض، فصار معمورًا في السّماء، ثمّ إنّ إبراهيم تتبّع منه أثرًا بعد ذلك، فبناه على أساسٍ قديمٍ كان قبله
والقول بأن موضع الكعبة موضع أول بقعة وضعت في الأرض ،روى عن ابن عباس
وروى البيهقي في الشعب عن ابن عباس قال: قال: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْعَلَوِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمُحَمَّدُآبَاذِيُّ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَجْلَانَ الْقُرَشِيُّ، دِمَشْقِيٌّ ثِقَةٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَوَّلُ بُقْعَةٍ وُضِعَتْ فِي الْأَرْضِ مَوْضِعُ الْبَيْتِ ثُمَّ مُدَّتْ مِنْهَا الْأَرْضُ، وَإِنَّ أَوَّلَ جَبَلٍ وَضَعَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَبُو قُبَيْسٍ ثُمَّ مُدَّتْ مِنْهُ الْجِبَالُ

القول بأن البيت خلق مع الأرض ،قاله السدي
روى ابن جريروابن أبي حاتم من طريق أحمد بن المفضل ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة مباركًا وهدًى للعالمين} أمّا أوّل بيتٍ، فإنّه يوم كانت الأرض ماءً، وكان زبدةً على الأرض، فلمّا خلق اللّه الأرض، خلق البيت معها، فهو أوّل بيتٍ وضع في الأرض

القول الثانى :ليس أول بيت ولكن كان قبله بيوت كثيرة قال به :علي والحسن وسعيد ومطر
قول على :روى ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق سماك قال: سمعت خالد بن عرعرة قال: سمعت عليًّا، وقيل له: {إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة} هو أوّل بيتٍ كان في الأرض؟ قال: لا قال: فأين كان قوم نوحٍ؟ وأين كان قوم هودٍ؟ قال: ولكنّه أوّل بيتٍ وضع للنّاس مباركًا وهدًى
ونقل البوصيري في إتحاف الخيرة وابن حجر العسقلاني في المطالب العالية عن إسحاق بن راهوية روايته قال: ثنا النّضر بن شميلٍ، ثنا حمّاد بن سلمة، عن سماك بن حربٍ، عن خالد بن عرعرة ،قال البوصيري رجاله ثقات إلا خالد بن عرعرة لم أقف له على ترجمة
ورواه ابن أبي حاتم قال: حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا سعيد بن سليمان، ثنا شريكٌ عن مجالدٍ، عن عامرٍ الشّعبيّ، عن عليٍّ في قوله: إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة مباركاً قال: كانت البيوت قبله، ولكن كان أوّل بيتٍ وضع لعبادة اللّه.
ورواه الحاكم في مستدركه من طريق خالد بن حرب عن خالد بن عرعرة
قول الحسن:روى ابن جرير قال حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن أبي رجاءٍ، قال: سأل حفصٌ الحسن وأنا أسمع، عن قوله: {إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة مباركًا} قال: هو أوّل مسجدٍ عبد اللّه فيه في الأرض
وروى ابن جرير عنه أيضا بنحوه من طريق آخر
وروى ابن المنذر قال: حَدَّثَنَا محمد بْن إسماعيل، قَالَ: حَدَّثَنَا عفان، قَالَ: حَدَّثَنَا خالد بْن الحارث، قَالَ: حَدَّثَنَا أشعث، عَنْ الحسن، فِي قوله جَلَّ وَعَزَّ: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ} قَالَ " أول قبلة أعملت للناس المسجد الحرام
قول سعيد:روى ابن جرير قال حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحمّانيّ، قال: حدّثنا شريكٌ، عن سالمٍ، عن سعيدٍ: {إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة مباركًا} قال: وضع للعبادة

قول مطر:
روى ابن جرير قال: حدّثنا عبد الجبّار بن يحيى الرّمليّ، قال: حدّثنا ضمرة، عن ابن شوذبٍ، عن مطرٍ، في قوله: {إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة} قال: قد كانت قبله بيوتٌ، ولكنّه أوّل بيتٍ وضع للعبادة
القول الثالث المستخرج من قول مجاهد رواه ابن جرير قال : حدّثني محمّد بن عمرٍو: قال حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ: {إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس} كقوله: {كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس}

المطلب الرابع :التوجيه
مسألة الأولية فيها قولان رئيسان وقول مستخرج
القول الأول :أن أولية البيت مطلقة وأنه أول بيت بنى على الأرض بل قيل إنه خلق قبل الأرض ومنه دحيت الأرض وقيل كان قبل آدم تطوف به الملائكة وهو الذي يقال له الضراح ثم رفع في الطوفان فصار البيت المعمور وقيل أهبط مع آدم حين هبط من الجنة وقيل بل بناه آدم حين أهبط من الجنة فطاف به
وكل هذه الأقوال مستندها الروايات وبالنظر في أسانيد هذه الروايات نجد أنها لاتصح ولاتثبت فضلا عن أن منها ماروى عن عبد الله بن عمرو وقد كان أصاب زاملتين لأهل الكتاب كان يحدث منهما فلعلها من أخبار بني اسرائيل ولم يصح عندنا من ذلك شىء
القول الثاني :وهو أن الأولية أولية نسبية أي نسبة إلى كون البيت بيت صلاة وعبادة وطواف واعتكاف فكان هو أول مسجد وبيت بهذا الاعتبار والبيت يطلق على المسجد كما ذكرنا سابقا
وهذا القول صحيح لايخالف فيه أحد إذ هو منصوص عليه في حديث أبي ذر رضي الله عنه في الصحيحين ومستدرك الحاكم وسنن النسائي
وأما القول الثالث:وهو قول مستخرج مما روى عن مجاهد في قوله {إن أول بيت}قال القول فيه كالقول في {كنتم خير أمة}يريد الخيرية والأفضلية لا الأولية وذلك أنه معلوم أن هذه الأمة ليست أول أمة ولكنها خير الأمم وأفضلها
ولكن هذا القول عن مجاهد لم يثبت إذ في سنده ابن أبي نجيح وهو ضعيف فتفسير الأولية في الآية به استقلالا ممتنع وذلك للحديث الصحيح الذي ينص على أولية البيت كمحل للعبادة وأنه أول مسجد وضع للناس
ولكن ابن جرير ساقه ضمن القول الأول ولا أدرى سبب ذلك

المطلب الخامس :الدراسة والترجيح
قال ابن جرير:والصّواب من القول في ذلك: ما قال جلّ ثناؤه فيه: إنّ أوّل بيتٍ مباركٍ وهدًى وضع للنّاسٍ للّذي ببكّة. ومعنى ذلك أنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس أي لعبادة اللّه فيه مباركًا وهدًى، يعني بذلك ومآبًا لنسك النّاسكين وطواف الطّائفين، تعظيمًا للّه وإجلالاً له؛ للّذي ببكّة؛ لصحّة الخبر بذلك عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
- وذلك ما: حدّثنا به محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن شعبة، عن سليمان، عن إبراهيم التّيميّ، عن أبيه، عن أبي ذرٍّ، قال: قلت يا رسول اللّه، أيّ مسجدٍ وضع أوّل؟ قال: المسجد الحرام قال: ثمّ أيّ؟ قال: المسجد الأقصى قال: كم بينهما؟ قال: أربعون سنةً
فقد بيّن هذا الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّ المسجد الحرام هو أوّل مسجدٍ وضعه اللّه في الأرض على ما قلنا، فأمّا في موضعه بيتًا بغير معنى بيتٍ للعبادة والهدى والبركة، ففيه من الاختلاف ما قد ذكرت بعضه في هذا الموضع وبعضه في سورة البقرة وغيرها من سور القرآن وبيّنت الصّواب من القول عندنا في ذلك بما أغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع.

قال ابن عاشور :وظاهر الآية أنّ الكعبة أوّل البيوت المبنيّة في الأرض، فتمسّك بهذا الظَّاهر مجاهد، وقتادة، والسّدي، وجماعة، فقالوا هي أوّل بناء، وقالوا إنَّها كانت مبنيّة من عهد آدم ـــ عليه السلام ـــ ثُمّ درست، فجددها إبراهيم، قال ابن عطية ورويت في هذا أقاصيص أسانيدها ضعاف فلذلك تركتُها، وقد زعموا أنَّها كانت تسمّى الضُراح ـــ بوزن غراب ـــ ولكنّ المحقّقين وجمهور أهل العلم لم يأخذوا بهذا الظاهر، وتأوّلوا الآية. قال عليّ ـــ رضي الله عنه ـــ «كان قبل البيت بيوت كثيرة» ولا شكّ أنّ الكعبة بناها إبراهيم وقد تعدّد في القرآن ذكر ذلك، ولو كانت من بناء الأنبياء قبله لزيد ذكر ذلك زيادة في التنويه بشأنها، وإذا كان كذلك فلا يجوز أن يكون أوّل بناء وقع في الأرض كان في عهد إبراهيم، لأنّ قبل إبراهيم أمماً وعصوراً كان فيها البناء، وأشهر ذلك برج بابل، بُنِي إثر الطوفان، وما بناه المصريّون قبل عهد إبراهيم، وما بناه الكلدان في بدل إبراهيم قبل رحلته إلى مصر، ومن ذلك بيت أصنامهم، وذلك قبل أن تصير إليه هاجَر الَّتي أهداها له ملك مصر، وقد حكى القرآن عنهم
{ قالوا ابْنُوا له بنياناً فَألْقُوه في الجحيم }
الثافات 97 فتعيّن تأويل الآية بوجه ظاهر، وقد سلك العلماء مسالك فيه وهي راجعة إلى تأويل الأوّل، أو تأويل البيت، أو تأويل فعل وُضع، أو تأويل النَّاس، أو تأويل نظم الآية، والَّذي أراه في التأويل أنّ القرآن كتاب دين وهُدى، فليس غرض الكلام فيه ضبط أوائل التَّاريخ، ولكن أوائل أسباب الهدى، فالأوَّلية في الآية على بابها، والبيت كذلك، والمعنى أنَّه أوّل بيت عبادة حقّة وضع لإعلان التَّوحيد، بقرينة المقام، وبقرينة قوله { وُضع للنَّاس } المقتضى أنَّه من وضعِ واضعٍ لمصلحة النَّاس، لأنَّه لو كان بيت سكنى لقيل وضعه النَّاس، وبقرينة مجيء الحالين بعدُ وهما قوله { مباركاً وهدى للعالمين } وهذا تأويل في معنى بيت، وإذا كان أوّلَ بيتِ عبادة حقَ، كان أوّل معهد للهدى، فكان كُلّ هدى مقتبساً منه فلا محيص لكلّ قوم كانوا على هدى من الاعتراف به وبفضله، وذلك يوجب اتّباع الملّة المبنيّة على أسس ملّة بانيه، وهذا المفاد من تفريع قوله
{ فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفاً }
البقرة 95. وتأوّل الآية عليّ بن أبي طالب، فروى عنه أنّ رجلاً سأله أهو أوّل بيت؟ قال «لا، قد كان قبله بيوت، ولكنَّه أوّل بيت وضع للنَّاس مباركاً وهدى» فجعل مباركاً وهدى حالين من الضمير في { وُضع } لا من اسمِ الموصول، وهذا تأويل في النظم لا ينساق إليه الذهن إلاّ على معنى أنَّه أوّل بيت من بيوت الهدى كما قلنا، وليس مراده أنّ قوله { وضع } هو الخبَر لتعيّن أن الخبر هو قوله { للذي ببكة } بدليل دُخول اللاّم عليه. وعن مجاهد قالت اليهود بيت المقدس أفضل من الكعبة لأنَّها مهاجَر الأنبياء، وقال المسلمون الكعبة، فأنزل الله هذه الآية، وهذا تأويل { أول } بأنَّه الأوّل من شيئين لا من جنس البيوت كلّها. وقيل أراد بالأول الأشرف مجازاً. وعندي أنَّه يجوز أن يكون المراد من النَّاس المعهودين وهم أهل الكتب أعني اليهود والنَّصارى والمسلمين، وكلّهم يعترف بأصالة دين إبراهيم ـــ عليه السلام ـــ، فأوّل معبد بإجماعهم هو الكعبة فيلزمهم الاعتراف بأنَّه أفضل ممَّا سواه من بيوت عبادتهم. وإنَّما كانت الأوّلية موجِبة التّفضيل لأنّ مواضع العبادة لا تتفاضل من جهة العبادة، إذ هي في ذلك سواء، ولكنَّها تتفاضل بما يحفّ بذلك من طول أزمان التعبّد فيها، وبنسبتها إلى بانيها، وبحسن المقصد في ذلك، وقد قال تعالى في مسجد قُبَاء
{ لمَسجِدٌ أسِّسَ على التَّقوَى من أوّل يوم أحقّ أن تقوم فيه }
التوبة 108. وقد جمعت الكعبة جميع هذه المزايا فكانت أسبق بيوت العبادة الحقّ
وعدل عن تعريف البيت باسمه العلَم بالغلبة، وهو الكعبة، إلى تعريفه بالموصولية بأنَّه الَّذي ببكة لأنّ هذه الصّلة صارت أشهر في تعيّنه عند السامعين، إذ ليس في مكّة يومئذ بيت للعبادة غيره، بخلاف اسم الكعبة فقد أطلق اسم الكعبة على القليس الَّذي بناه الحبشة في صنعاء لدين النصرانية ولقّبوه الكعبة اليمانية. والمقصود إثبات سبق الكعبة في الوجود قبل بيوت أخر من نوعها


وخلاصة القول :أن الراجح أن أولية البيت حقيقية من جهة كونه بيت عبادة وطاعة وأنه لم يكن أوليته منذ عهد إبراهيم بل كان قبل ذلك إذ قد حجه جميع الأنبياء قبل إبراهيم وبعده ولكن لايمكننا معرفة التاريخ الذي بنى فيه ولو كان مهما لأخبرنا الله تعالى به ولكن الإشارة في الآية للأولية تفيد فضل البيت وكونه مباركا وهدى للعالمين وأن الذي وضعه هو الله ويدل لذلك القراءة الأخرى بفتح الواو ولايملك ذلك إلا الله

قوله تعالى {للذي ببكة} وفيه مسألتان:
الأولى :المراد ببكة
الثاية :سبب التسمية بذلك

وفي المراد ببكة أقوال :
القول الأول :بكة هى مكة ، قال به الضحاك وابن قتيبة الدينوري وحكى الزجاج الإجماع على ذلك ومال لهذا القول
القول الثاني:بكة هى الكعبة وموضع المسجد ، ومكة هى البلد،قال به مجاهد وعكرمة وابن شهاب وأبي مالك الغفاري وابراهيم
وهذا القول محمله لغوى أى سبب التسمية
وقيل :بكة من البيت إلى البطحاء ومكة من الفج إلى التنعيم ،روى عن ابن عباس

وأما سبب التسمية ببكة فيرجع إلى أصل اشتقاق الكلمة في اللغة :
قال الزجاج: فيصلح أن يكون الاسم اشتق من البك، وهو بك الناس بعضهم بعضا في الطواف، أي دفع الناس .
وقيل: إنما سميت ببكة لأنها تبك أعناق الجبابرة
قال النحاس :والذي عليه أكثر أهل اللغة: بكة ومكة واحد، وأنه يجوز أن تكون: الميم مبدلة من الباء يقال لازب ولازم وسبد شعره وسمده إذا استأصله

أقوال السلف في سبب التسمية ببكة:

القول الأول: من الإزدحام ، الرجال والنساء يتباكون فيها حجاجا ومعتمرين قال به ابن الزبير وأبو جعفر ومجاهد وقتادة وسعيد ومروى عن ابن عمر
االقول الثانى :سميت بكة لأنها تبك الظلمة ،قال به زيد بن مهاجر

المطلب الثالث :تخريج الأقوال:
الأقوال المروية في المراد بقوله {بكة}:
القول الأول:بكة موضع البيت والمسجد ومكة ماسواه ، قال به عكرمة و أبو مالك الغفاري وإبراهيم النخعي وعطية العوفي وضمرة بن ربيعة وابن شهاب).
قول عكرمة: رواه ابن أبي حاتم قال :حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا خالد بن حيّان، عن جعفر بن برقان عن عكرمة قال: البيت وما حوله بكّة، وما وراء ذلك مكّة. قال أبو محمّدٍ: وروي عن ميمون بن مهرانٍ نحو ذلك
قول أبي مالك: رواه ابن جرير وابن أبي حاتم كلاهما من طريق حصينٍ، عن أبي مالكٍ الغفاريّ، في قوله: {إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة مباركًا} قال: بكّة: موضع البيت، ومكّة: ما سوى ذلك
قول إبراهيم: رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق مغيرة، عن إبراهيم،
قول عطية العوفي :رواه ابن جرير قال: حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن فضيل بن مرزوقٍ، عن عطيّة العوفيّ، قال: بكّة: موضع البيت، ومكّة: ما حولها.

- قول ابن شهاب
:حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني يحيى بن أزهر، عن غالب بن عبيد اللّه، أنّه سأل ابن شهابٍ عن بكّة: البيت والمسجد، وسأله عن مكّة، فقال ابن شهابٍ: مكّة: الحرم كلّه
قول ضمرة بن ربيعة:رواه ابن جرير قال : حدّثني عبد الجبّار بن يحيى الرّمليّ، قال: قال ضمرة بن ربيعة بكّة: المسجد، ومكّة: البيوت.

وقيل : بكة من البيت إلى البطحاء ومكة من الفج إلى التنعيم ،روى عن ابن عباس
قال ابن أبي حاتم بصيغة التضعيف :ذكر عن حمّاد بن سلمة، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ قال: مكّة من الفجّ إلى التّنعيم، وبكّة من البيت إلى البطحاء

"القول الثانى :بكة هى مكة ،مروى عن الضحاك
قال ابن جرير : وقال بعضهم بما: حدّثني به يحيى بن أبي طالبٍ قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبرٌ، عن الضّحّاك، في قوله: {إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة} قال: هي مكّة


ثانيا:الأقوال المروية في سبب تسميتها مكة :


القول الأول :بسبب الزحام ومن ذلك أن الناس كانوا يجيئون من كل جانب حجاجا ،قال به عبد الله ابن الزبير و أبو جعفر مجاهد وسعيد وقتادة وروى عن ابن عمر
قول ابن الزبير :رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق سفيان عن الأسود بن قيسٍ، عن أخيه، عن عبد اللّه بن الزّبير قال: إنّما سمّيت بكّة لأنّ النّاس يجيئون من كلّ جانبٍ حجّاجاً والسّياق للأشجّ. ،
وقال ابن أبي حاتم :قال أبو محمّدٍ: وروي عن مقاتل بن حيّان نحو ذلك.
وروى نحو ذلك عن مجاهد وسعيد وقتادة وأبي جعفر
قول مجاهد رواه ابن جرير قال حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الصّمد، قال: حدّثنا شعبة، قال: حدّثنا سلمة، عن مجاهدٍ، قال: إنّما سمّيت بكّة؛ لأنّ النّاس يتباكّون فيها، الرّجال والنّساء.
- قول سعيد رواه ابن جرير قال حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن حمّادٍ، عن سعيدٍ، قال: قلت: أيّ شيءٍ سمّيت بكّة؟ قال: لأنّهم يتباكّون فيها، قال: يعني يتزاحمون.
قول قتادة رواه ابن جرير من طرق عن قتادة، قوله: {إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة مباركًا} فإنّ اللّه بكّ به النّاس جميعًا، فيصلّي النّساء قدّام الرّجال، ولا يصلح ببلدٍ غيره.
قول أبي جعفر:رواه ابن أبي حاتم وابن جرير من طريق عطاء بن السّائب، عن أبي جعفرٍ محمّد ابن عليّ بن حسينٍ قال: مرّت امرأةٌ بين يدي رجلٍ وهو يصلّي وهي تطوف بالبيت، فدفعها، فقال أبو جعفرٍ: إنّها بكّة يبكّ بعضهم بعضا.
ماروى عن ابن عمر رواه ابن أبي حاتم
قال حدّثنا أبو زرعة، ثنا إبراهيم بن موسى، أنبأ ابن أبي زائدة أنبأ مسعرٌ قال: سمعت عتبة بن قيسٍ يقول: بكّة بكّت بكّاً، الذّكر فيها كالأنثى قلت: عمّن تروي هذا؟ فذكر ابن عمر
القول الثانى:أنها تبك الظلمة
قال ابن أبي حاتم :قرئ على بحر بن نصرٍ الخولانيّ، ثنا ابن وهبٍ، حدّثني يعقوب الإسكندرانيّ أنّه سأل محمّد بن زيد بن مهاجرٍ يكتب له في منزلٍ في داره بمكّة فكتب إليّ ابن فرّوخٍ: إيّاك أن تكريها، أو تأكل من خراجها شيئاً، فإنّها إنّما سمّيت بكّة لأنّها كانت تبكّ الظّلمة
.

توجيه الأقوال في المراد ب{بكة}

القول الأول :هى الكعبة والمسجد ومكة ماسواها
هذا القول محمله على سبب التسمية فمن قال أن سبب التسمية مأخوذ من أصل اشتقاق الكلمة؛فالبك هو الإزدحام ومعلوم أن الإزدحام يكون حول البيت وفي المسجد بسبب القادمين والوافدين حجاجا ومعتمرين فيكتظ بهم المكان فقالوا يكون البك عند الكعبة والمسجد وماسواهما مكة واختلفوا في تعيين حدود هذا كماسبق
قاله الفراء في معانى القرآن وأبو عبيدة واليزيدي أيضا وذكر الزجاج أن الاسم مشتق من البك
قال صاحب العين: بك: البَكُّ: دق العنق. وسميت مكة: بكّة، لأن الناس يبكًّ بعضهم بعضاً في الطواف، [أي] : يدفع بعضهم بعضاً بالازدحام. ويقال: بل سميت، لأنها كانت تبك أعناق الجبابرة إذا ألحدوا فيها بظلم.
قال صاحب مقاييس اللغة:
وَيُقَالُ: بَسُمِّيَتْ بَكَّةَ لِأَنَّ النَّاسَ بَعْضُهُمْ يَبُكُّ بَعْضًا فِي الطَّوَافِ، أَيْ: يَدْفَعُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: أَيْ يَتَبَاكُّونَ فِيهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.

تَبُكُّ: تَزْدَحِمُ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: تَبَاكَّتِ الْإِبِلُ: إِذَا ازْدَحَمَتْ عَلَى الْمَاءِ فَشَرِبَتْ وَرَجُلٌ أَبَكُّ شَدِيدٌ غَلَّابٌ، وَجَمْعُهُ بُكٌّ، وَيُقَالُ: بَكَّهُ: إِذَا غَلَبَهُ.
قَالَ الْفَرَّاءُ: يُقَالُ لِلرِّشَاءِ الْغَلِيظِ الْأَبَكُّ. وَالْأَبَكُّ فِي قَوْلِ الْأَصْمَعِيِّ الشَّجَرُ الْمُجْتَمِعُ. يُرِيدُ قَوْلَ الْقَائِلِ:
صَلَامَةٌ كَحُمُرِ الْأَبَكِّ ... لَا جَذَعٌ فِيهَا وَلَا مُذَكِّ
وقيل :أنها تبك الظلمة:
(بَكَّ) الْبَاءُ وَالْكَافُ فِي الْمُضَاعَفِ أَصْلٌ يَجْمَعُ التَّزَاحُمَ وَالْمُغَالَبَةَ. قَالَ الْخَلِيلُ: الْبَكُّ دَقُّ الْعُنُقِ.
وَيُقَالُ: سُمِّيَتْ بَكَّةَ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَبُكُّ أَعْنَاقَ الْجَبَابِرَةِ إِذَا أَلْحَدْوا فِيهَا بظُلْمٍ لَمْ يُنْظَرُوا.
وَقِيلَ أَيْضًا: بَكَّةُ فَعْلَةٌ مِنْ بكَكْتُ الرَّجُلَ: إِذَا رَدَدْتُهُ وَوَضَعْتَ مِنْهُ. قَالَ:
إِذَا الشَّرِيبُ أَخَذَتْهُ أَكَّهْ ... فَخَلِّهِ حَتَّى يَبُكَّ بَكَّهْ
وَقَالَ آخَرُ:
يَبُكُّ الْحَوْضَ عَلَّاهَا وَنَهْلَى ... وَدُونَ ذِيَادِهَا عَطَنٌ مُنِيمُ
ولعل وجه ذلك قوله تعالى {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم} وقوله فيه :أي في الحرم،
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: لَمْ يَقْصِدْهَا جَبَّارٌ قَطُّ بِسُوءٍ إِلَّا وَقَصَهُ،ذكره القرطبي

القول الثاني:بكة هى مكة
وهذا القول مبنى على لغة العرب وأنها تبدل الميم باء والباء ميما
قال بن قتيبة الدينورى في غريب القرآن :بكّة ومكّة شيء واحد. والباء تبدل من الميم. يقال: سمّد راسه وسبّده، إذا استأصله. وشر لازم وزب.
وقول النحاس أيضا في معاني القرآن: والذي عليه أكثر أهل اللغة: بكة ومكة واحد، وأنه يجوز أن تكون: الميم مبدلة من الباء يقال لازب ولازم وسبد شعره وسمده إذا استأصله
وقال الزجاج :الإجماع على أن بكة ومكة الموضع الذي يحج إليه الناس وهى البلدة يقول الله {للذي ببكة}ويقول{ببطن مكة}

الدراسة والنقد والترجيح:
في قوله تعالى {للذي ببكة } والمراد ببكة قولان:
أن بكة هي الكعبة والمسجد ومكة ماسواهما ومحمله سبب التسمية وأنه مأخوذ من البك وهو الإزدحام والدفع ،
وأيضا معنى البك: بك الظالمين ودكهم ،وهو وإن كان في كل مكة إلا أنه في الكعبة والمسجد أظهر وأخطر
والقول الآخر أن بكة هى مكة وأنها لغة عند العرب يبدلون الباء ميما والعكس فجائز

قال القرطبي : وَأَمَّا مَكَّةُ فَقِيلَ: إِنَّهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لقلة مَائِهَا وَقِيلَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَمُكُّ الْمُخَّ مِنَ الْعَظْمِ مِمَّا يَنَالُ قَاصِدُهَا مِنَ الْمَشَقَّةِ مِنْ قَوْلِهِمْ: مَكَكْتُ الْعَظْمَ إِذَا أَخْرَجْتُ مَا فِيهِ. وَمَكَّ الْفَصِيلُ ضَرْعَ أُمِّهِ وَامْتَكَّهُ إِذَا امْتَصَّ كُلَّ مَا فِيهِ مِنَ اللَّبَنِ وَشَرِبَهُ، قَالَ الشَّاعِرُ:
مَكَّتْ فَلَمْ تُبْقِ فِي أَجْوَافِهَا دِرَرًا
وَقِيلَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَمُكُّ مَنْ ظَلَمَ فِيهَا، أَيْ تُهْلِكُهُ وَتُنْقِصُهُ.
وَقِيلَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَمُكُّونَ وَيَضْحَكُونَ فِيهَا، مِنْ قَوْلِهِ:" وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً" أَيْ تَصْفِيقًا وَتَصْفِيرًا. وَهَذَا لَا يُوجِبُهُ التَّصْرِيفُ، لِأَنَّ" مَكَّةَ" ثُنَائِيٌّ مُضَاعَفٌ وَ" مُكاءً" ثُلَاثِيٌّ مُعْتَلٌّ. الثَّالِثَةُ
وقال بنحو ذلك مكي بن أبي طالب في معنى مكة ونسبه إلى مقاتل
قال ابن جرير لما كان موضع ازدحام النّاس حول البيت، وكان لا طواف يجوز خارج المسجد، كان معلومًا بذلك أن يكون ما حول الكعبة من داخل المسجد، وأنّ ما كان خارج المسجد فمكّة لا بكّة؛ لأنّه لا معنى خارجه يوجب على النّاس التّباكّ فيه، وإذا كان ذلك كذلك كان بيّنًّا بذلك فساد قول من قال بكّة اسمٌ لبطن مكّة، ومكّة اسمٌ للحرم.
قال ابن كثير: وَقَدْ ذَكَرُوا لِمَكَّةَ أَسْمَاءً كَثِيرَةً: مَكَّةَ، وَبَكَّةَ، وَالْبَيْتَ الْعَتِيقَ، وَالْبَيْتَ الْحَرَامَ، وَالْبَلَدَ الْأَمِينَ، وَالْمَأْمُونَ، وأُمَّ رُحْم، وَأُمَّ القُّرَى، وَصَلَاحَ، والعرْش عَلَى وَزْنِ بَدْرٍ، وَالْقَادِسَ؛ لِأَنَّهَا تُطَهِّرُ مِنَ الذُّنُوبِ، وَالْمُقَدَّسَةَ، وَالنَّاسَّةَ: بِالنُّونِ، وَبِالْبَاءِ أَيْضًا، وَالْحَاطِمَةَ، والنسَّاسة وَالرَّأْسَ، وكُوثى، والبلدة، والبَنِيَّة، والكعبة.

وهذا الذي ذكره ابن كثير يثير تساؤلا إذا كانت كل تلك أسماء لمكة ولها دلالات على معان فلم خص اسم بكة من دون هذه الأسماء ؟
وهناك مأخذ آخر على القول بأن مكة غير بكة وهو أن البك والمك استعمالهما واحد في لغة العرب كما ذكر القرطبي والنحاس والزجاج وصاحب المقاييس وأن إبدال الميم باء والعكس سائغ في لغة العرب فلافرق في المعنى إذن بينهما وهو قول كثير من المفسرين واهل اللغة

مماسبق يتبين أن المحققين من أهل التفسير على قسمين قسم يرى أن بكة اسم مشتق من يبك بكا وهو من الإزدحام وأنه يدل على المسجد الحرام والبيت فقط لأنه هو الذي فيه البك والإزدحام وهو ترجيح ابن جرير الطبري
ومنهم من يرى أن بكة علم على مكة وهو ترجيح ابن عاشور:قال سماها إبراهيم عليه السلام بهذا الاسم لتكون علما على البلدة والمكان الذي عينه لسكنى ولده بنية أن يكون بلدا وهى لغة الكلدانيين وقال أن بعلبك معناها بلد بعل أى أن بعل /بك
ونوه بأن هذا اللفظ تحديدا في هذا الموضع يشير إلى إعجاز القرآن إذ فيه مناسبة بين كونه أول بيت وضع للناس وكونه الاسم الأول لهذه البقعة الشريفة من الأرض واستدل على هذا بقوله تعالى {رب هذه البلدة}وقوله {رب اجعل هذا بلدا آمنا}
وذلك أن إبراهيم عليه السلام لما ترك ابنه وزوجه بهذا المكان القفر كان يرجو من الله أن يصير بلدة عامرة بالخلق فسماها بكة وقد ذكر القول الآخربأن بكة مأخوذة من البك وهو الإزدحام لكنه لايرجح هذا القول
وهذا التوجيه منه والترجيح جيد وهو حسن ولكن لايمتنع أيضا التأويل الآخر لدلالة اللغة على معنى صحيح فيه وكلا القولين متفرعان عن معنى لغوى
ولكن بكة بلغة العرب تعنى الازدحام والغلبة وبلغة الكلدانيين تعنى البلدة، وهذا يدل على عظم بلاغة القرآن وأن لفظة واحدة تحمل كل هذه المعانى والدلالات

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 15 رجب 1439هـ/31-03-2018م, 06:56 PM
فاطمة الزهراء احمد فاطمة الزهراء احمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 1,051
افتراضي

حرّر القول في معنى قوله تعالى: {كنتم خير أمّة أخرجت للناس ).
خطوات التحرير :
أولا : مراجع التحرير :
1- المصادر الأصلية :
تفسير عبد الرزاق - تفسير ابن جرير - تفسير أبي حاتم - تفسير مجاهد -مجمع الزوائد للهيثمي - تفسير الثعلبي والبغوي والواحدي
ومن داووين السنة : صحيح البخاري السنن الكبرى للنسائي - المستدرك للنيسابوري
2- المصادر البديلة :
تفسير ابن كثير - والقرطبي - فتح الباري - الدر المنثور.
3- مصادر ناقلة :
تفسير ابن عطية وتفسيرالمارودي وتفسيرابن الجوزي والألوسي وابن عاشور والسعدي.
4-تفاسير أهل اللغة :تفسير الزجاج والفراء وابن قتيبة والأنباري .
ثانيا: استخلاص الأقوال وتصنيفها ونسبتها.
1
- معنى كُنتُم :مسألة تفسيرية ولغوية
في معنى : ﴿كُنْتُمْ﴾، قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّها عَلى أصْلِها، والمُرادُ بِها الماضِي، ثُمَّ فِيهِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: أنَّ مَعْناهُ: كُنْتُمْ في اللَّوْحِ المَحْفُوظِ.
والثّانِي: أنَّ مَعْناهُ: خُلِقْتُمْ ووُجِدْتُمْ.ذكرهما كثير من المفسرين منهم ابن جرير .
والثّالِثُ: أنَّ المَعْنى:كُنْتُمْ مُذْ كُنْتُمْ، ذَكَرَهُ ابْنُ الأنْبارِيِّ.
والقول الثاني : أنَّ مَعْنى كُنْتُمْ: أنْتُمْ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [ النِّساءِ: 96 ] .
ذَكَرَهُ الفَرّاءُ، والزَّجّاجُ.
قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: وقَدْ يَأْتِي الفِعْلُ عَلى بِنْيَةِ الماضِي، وهو راهِنٌ، أوْ مُسْتَقْبَلٌ، كَقَوْلِهِ تَعالى: (كُنْتُمْ) ومَعْناهُ: أنْتُمْ.
الدراسة و الترجيح :
قال ابن جرير :
فإن سأل سائل فقال: وكيف قـيـل: { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ } وقد زعمت أن تأويـل الآية أن هذه الأمة خير الأمـم التـي مضت، وإنـما يقال: كنتـم خير أمة، لقوم كانوا خياراً فتغيروا عما كانوا علـيه؟ قـيـل: إن معنى ذلك بخلاف ما ذهبت إلـيه، وإنـما معناه: أنتـم خير أمة، كما قـيـل:{ وَٱذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ } وقد قال فـي موضع آخر: { وَٱذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ } فإدخال «كان» فـي مثل هذا وإسقاطها بـمعنى واحد، لأن الكلام معروف ، وكذلك كنتـم بـمعنى التـمام، أي: خـلقتـم خير أمة، أو وجدتـم خير أمة، فهذان القولان رجحهما ابن جرير ويدخل في ذلك الاقوال الاخرى أيضا لأنه لا تعارض بينها فقد كتب الله تعالى في اللوح المحفوظ أن هذه الأمة هي خير الامم .
المسألة الثانية:
2- المخاطب في قوله تعالى ( كُنتُم خير أمة أخرجت للناس ) مسألة تفسيرية
ورد فيه خمسة أقْوال:
أحَدُها: أنَّهم خاصة من الصحابة .
والثّانِي: أنَّهُمُ المُهاجِرُونَ.
والثّالِثُ: جَمِيعُ الصَّحابَةِ.
والرّابِعُ: جَمِيعُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ.
وقَدْ رَوى بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، أنَّهُ قالَ: « "إنَّكم تُوَفُّونَ سَبْعِينَ أُمَّةً أنْتُمْ خَيْرُها، وأكْرَمُها عَلى اللَّهِ تَعالى"» قالَ الزَّجّاجُ: وأصْلُ الخِطابِ لِأصْحابِ النَّبِيِّ ﷺ، وَهُوَ يَعُمُّ سائِرَ أُمَّتِهِ.
والخامس: أنهم أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم
ثالثا: تخريج الأقوال.
المخاطب في قوله تعالى ( كُنتُم خير أمة أخرجت للناس )
ورد في هذه المسألة أرْبَع أقْوالٍ:
أحَدُها: أنَّهم خاصة من الصحابة وهم : ابن مسعود وسالم مولى أبي حُذيفة وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل
قاله عكرمة ، ورواه عنه ابن جرير من طريق ابن جريج وذكره عنه الواحدي .
. والثّانِي: أنَّهُمُ المُهاجِرُونَ.
قاله ابن عباس ، ورواه عنه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير
والثّالِثُ: جَمِيعُ الصَّحابَةِ.
قاله عمر بن الخطاب ،رواه عنه ابن جرير والبغوي من طريق السدي
وقاله الضحاك ، رواه عنه ابن جرير وابن أبي حاتم والبغوي من طريق جويبر
والرّابِعُ: جَمِيعُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ
قاله أبو هُريرة رضي الله عنه ، رواه عنه بن أبي حاتم من طريق أبي
وقاله مجاهد، رواه عنه ابن جرير من طريق ابن نجيح وطريق ابن جريج .
وقَدْ رَوى بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، أنَّهُ قالَ: « "إنَّكم تُوَفُّونَ سَبْعِينَ أُمَّةً أنْتُمْ خَيْرُها، وأكْرَمُها عَلى اللَّهِ تَعالى"» قالَ الزَّجّاجُ: وأصْلُ الخِطابِ لِأصْحابِ النَّبِيِّ ﷺ، وَهُوَ يَعُمُّ سائِرَ أُمَّتِهِ.
الخامس : أنهم أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم
قاله أبوجعفر من طريق جابر ورواه عنه ابن أبي حاتم .
رابعا: توجيه الأقوال.
-القول بأن المخاطب في الاية جَمِيعُ الصَّحابَةِ.
قاله عمر بن الخطاب ،رواه عنه ابن جرير والبغوي من طريق السدي
وقاله الضحاك ، رواه عنه ابن جرير وابن أبي حاتم والبغوي من طريق جويبر
توجيه هذا القول :
بأن المراد بِالأُمَّةِ في هذه الاية الجَماعَةُ، وأهْلُ العَصْرِ النَّبَوِيِّ، مِثْلُ القَرْنِ، وهو إطْلاقٌ مَشْهُورٌ ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى ﴿وادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ﴾ [يوسف: 45] أيْ بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ كَمُدَّةِ عَصْرٍ كامِلٍ. ولا شَكَّ أنَّ الصَّحابَةَ كانُوا أفْضَلَ القُرُونِ الَّتِي ظَهَرَتْ في العالَمِ، لِأنَّ رَسُولَهم أفْضَلُ الرُّسُلِ، ولِأنَّ الهَدْيَ الَّذِي كانُوا عَلَيْهِ لا يُماثِلُهُ هَدْيُ أصْحابِ الرُّسُلِ الَّذِينَ مَضَوْا، فَإنْ أخَذْتَ الأُمَّةَ بِاعْتِبارِ الرَّسُولِ فِيها فالصَّحابَةُ أفْضَلُ أُمَّةٍ مِنَ الأُمَمِ مَعَ رَسُولِها، قالَ النَّبِيءُ ﷺ: «خَيْرُ القُرُونِ قَرْنِي» . والفَضْلُ ثابِتٌ لِلْمَجُمُوعِ عَلى المَجْمُوعِ، وإنْ أُخِذَتِ الأُمَّةُ مَن عَدا الرَّسُولَ، فَكَذَلِكَ الصَّحابَةُ أفْضَلُ الأُمَمِ الَّتِي مَضَتْ بِدُونِ رُسُلِها، وهَذا تَفْضِيلٌ لِلْهُدى الَّذِي اهْتَدَوْا بِهِ، وهو هُدى رَسُولِهِمْ مُحَمَّدٍ ﷺ وشَرِيعَتِهِ. كما قال ابن عاشور
-القول بأن المخاطب هم جَمِيعُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ
قاله أبو هُريرة رضي الله عنه ، رواه عنه بن أبي حاتم من طريق أبي
وقاله مجاهد، رواه عنه ابن جرير من طريق ابن نجيح وطريق ابن جريج .
وقَدْ رَوى بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، أنَّهُ قالَ: « "إنَّكم تُوَفُّونَ سَبْعِينَ أُمَّةً أنْتُمْ خَيْرُها، وأكْرَمُها عَلى اللَّهِ تَعالى"» قالَ الزَّجّاجُ: وأصْلُ الخِطابِ لِأصْحابِ النَّبِيِّ ﷺ، وَهُوَ يَعُمُّ سائِرَ أُمَّتِهِ.
توجيه هذا القول :
هو أن أمة " عَلى هَذا التَأْوِيلِ: اسْمُ جِنْسٍ،وكذلك الخطاب بِضَمِيرِ كُنْتُمْ لِلْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ في كُلِّ جِيلٍ ظَهَرُوا فِيهِ، ومَعْنى تَفْضِيلِهِمْ بِالأمْرِ بِالمَعْرُوفِ مَعَ كَوْنِهِ مِن فُرُوضِ الكِفاياتِ لا تَقُومُ بِهِ جَمِيعُ أفْرادِ الأُمَّةِ أنَّهُ لا يَخْلُو مُسْلِمٌ مِنَ القِيامِ بِما يَسْتَطِيعُ القِيامَ بِهِ مِن هَذا الأمْرِ، عَلى حَسْبِ مَبْلَغِ العِلْمِ ومُنْتَهى القُدْرَةِ، فَمِنَ التَّغْيِيرِ عَلى الأهْلِ والوَلَدِ إلى التَّغْيِيرِ عَلى جَمِيعِ أهْلِ البَلَدِ، أوْ لِأنَّ وُجُودَ طَوائِفِ القائِمِينَ بِهَذا الأمْرِ في مَجْمُوعِ الأُمَّةِ أوْجَبُ فَضِيلَةٍ لِجَمِيعِ الأُمَّةِ، لِكَوْنِ هَذِهِ الطَّوائِفِ مِنها كَما كانَتِ القَبِيلَةُ تَفْتَخِرُ بِمَحامِدِ طَوائِفِها، وفي هَذا ضَمانٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى بِأنَّ ذَلِكَ لا يَنْقَطِعُ مِنَ المُسْلِمِينَ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى.
وفِعْلُ (كانَ) يَدُلُّ عَلى وُجُودِ ما يُسْنَدُ إلَيْهِ في زَمَنٍ مَضى، دُونَ دَلالَةٍ عَلى اسْتِمْرارٍ، ولا عَلى انْقِطاعٍ، قالَ تَعالى: ﴿وكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء: 96] أيْ وما زالَ فَمَعْنى ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ﴾ وُجِدْتُمْ عَلى حالَةِ الأخْيَرِيَّةِ عَلى جَمِيعِ الأُمَمِ، أيْ حَصَلَتْ لَكم هَذِهِ الأخْيَرِيَّةُ بِحُصُولِ أسْبابِها ووَسائِلِها، ولِأنَّهُمُ اتَّصَفُوا بِالإيمانِ، والدَّعْوَةِ لِلْإسْلامِ، وإقامَتِهِ عَلى وجْهِهِ، والذَّبِّ عَنِ النُّقْصانِ والإضاعَةِ لِتَحَقُّقِ أنَّهم لَمّا جُعِلَ ذَلِكَ مِن واجِبِهِمْ، وقَدْ قامَ كُلٌّ بِما اسْتَطاعَ، فَقَدْ تَحَقَّقَ مِنهُمُ القِيامُ بِهِ، أوْ قَدْ ظَهَرَ مِنهُمُ العَزْمُ عَلى امْتِثالِهِ، كُلَّما سَنَحَ سانِحٌ يَقْتَضِيهِ، فَقَدْ تَحَقَّقَ أنَّهم خَيْرُ أُمَّةٍ عَلى الإجْمالِ فَأخْبَرَ عَنْهم بِذَلِكَ. هَذا إذا بَيَّنّا عَلى كَوْنِ الأمْرِ في قَوْلِهِ آنِفًا ﴿ولْتَكُنْ مِنكم أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الخَيْرِ ويَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ﴾ [آل عمران: 104] وما بَعْدَهُ مِنَ النَّهْيِ في قَوْلِهِ ﴿ولا تَكُونُوا كالَّذِينَ تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: 105] الآيَةَ، لَمْ يَكُنْ حاصِلًا عِنْدَهم مِن قَبْلُ.
كما قال ابن عاشور
ويُؤَيِّدُهُ ما أخْرَجَهُ الإمامُ أحْمَدُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ أبِي الحَسَنِ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: «”أُعْطِيتُ ما لَمْ يُعْطَ أحَدٌ مِنَ الأنْبِياءِ؛ نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وأُعْطِيتُ مَفاتِيحَ الأرْضِ، وسُمِّيتُ أحْمَدَ، وجُعِلَ التُّرابُ لِي طَهُورًا، وجُعِلَتْ أُمَّتِي خَيْرَ الأُمَمِ“».

-القول بان المخاطب هناهم خاصة من الصحابة وهم : ابن مسعود وسالم مولى أبي حُذيفة وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل
قاله عكرمة ، ورواه عنه ابن جرير من طريق ابن جريج وذكره عنه الواحدي .
وتوجيه هذا القول بسبب النزول ، وقد رُوِيَ أنَّ مالِكَ بْنَ الصَّيْفِ ووَهْبَ بْنَ يَهُوذا اليَهُودِيَّيْنِ مَرّا بِنَفَرٍ مِن أصْحابِ النَّبِيِّ ﷺ فِيهِمُ ابْنُ مَسْعُودٍ وأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ ومُعاذُ بْنُ جَبَلٍ وسالِمٌ مَوْلى حُذَيْفَةَ رِضْوانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فَقالا لَهُمْ: نَحْنُ أفْضَلُ مِنكم ودِينُنا خَيْرٌ مِمّا تَدْعُونَنا إلَيْهِ. فنزلت الأية .
- أن المخاطب هنا هم المُهاجِرُونَ.
قاله ابن عباس ، ورواه عنه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير
لم أَجِد لهذا القول توجيها ، إلا أن المهاجرون من الصحابة رضي الله عنهم كان لهم السبق في دعوة الناس إلى دين الله عز وجل وهم خير هذه الأمة ،فمنهم أبوبكر وعمر وعلي وعثمان رضي الله عنهم .
- أن المخاطب هم أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم
قاله أبوجعفر من طريق جابر ورواه عنه ابن أبي حاتم .
وتوجيه هذا القول والله أعلم أن أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ممن اتبع هديه هم خير هذه الأمة .

خامسا: دراسة الأقوال ونقدها وبيان الراجح منها.
بعد دراسة هذه الأقوال تبين لي والله أعلم أن الاية نزلت في الصحابة رضي الله عنهم ودخل فيها جميع الأمة إلى يوم القيامة إذا التزمت بالشرط الذي ذكر في الآية وهو الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ورجح القول بأنها عامة في جميع الأمة ابن كثير والقرطبي وابن عطية وكثير من المفسرين .
المسألة الثالثة:

معنى الخيرية في قوله تعالى ( كُنتُم خير أمة أخرجت للناس )مسألة تفسيرية
في ذلك ثلاثة أقوال :

الأول : أنَّ مَعْناهُ: كُنْتُمْ خَيْرَ النّاسِ لِلنّاسِ.
قالَ أبُو هُرَيْرَةَ: يَأْتُونَ بِهِمْ في السَّلاسِلِ حَتّى يُدْخِلُوهم في الإسْلامِ.
والثّانِي: أنَّ مَعْناهُ: كُنْتُمْ خَيْرَ الأُمَمِ الَّتِي أُخْرِجَتْ.
وقال آخرون: إنما قيل:"كنتم خير أمة أخرجت للناس"، لأنهم أكثر الأمم استجابة للإسلام.
تخريج الأقوال :

الأول : أنَّ مَعْناهُ: كُنْتُمْ خَيْرَ النّاسِ لِلنّاسِ.
قالَ أبُو هُرَيْرَةَ: يَأْتُونَ بِهِمْ في السَّلاسِلِ حَتّى يُدْخِلُوهم في الإسْلامِ.
قاله أبو هُريرة رضي الله عنه من طريق أبي حازم ،رواه عنه أبي حاتم
ونسبه ابن أبي حاتم إلى ابن عباس ومجاهد والربيع بن أنس وعطاء وعطية بدون سند .
والثّانِي: أنَّ مَعْناهُ: كُنْتُمْ خَيْرَ الأُمَمِ الَّتِي أُخْرِجَتْ.
قاله الحسن من طريق عُبَّاد و من طريق قتادة ،رواه عنه ابن جرير
وقال آخرون: إنما قيل:"كنتم خير أمة أخرجت للناس"، لأنهم أكثر الأمم استجابة للإسلام.
قاله أبي بن كعب من طريق أبي العالية ، رواه عنه ابن أبي حاتم
قاله الربيع من طريق أبي جعفر ، رواه عنه ابن جرير
توجيه الأقوال :

الاول : أنَّ مَعْناهُ: كُنْتُمْ خَيْرَ النّاسِ لِلنّاسِ.
قاله أبو هُريرة رضي الله عنه من طريق أبي حازم ،رواه عنه أبي حاتم
ونسبه ابن أبي حاتم إلى ابن عباس ومجاهد والربيع بن أنس وعطاء وعطية بدون سند .
وتوجيه هذا القول كماقَالَ النَّحَّاسُ: وَالتَّقْدِيرُ عَلَى هَذَا كُنْتُمْ لِلنَّاسِ خَيْرَ أُمَّةٍ.
وقالَ أبُو هُرَيْرَةَ: يَأْتُونَ بِهِمْ في السَّلاسِلِ حَتّى يُدْخِلُوهم في الإسْلامِ.
والثّانِي: أنَّ مَعْناهُ: كُنْتُمْ خَيْرَ الأُمَمِ الَّتِي أُخْرِجَتْ.
قاله الحسن من طريق عُبَّاد و من طريق قتادة ،رواه عنه ابن جرير
وتوجيه هذا القول ما ورد من آيات و أحاديث في فضل هذه الأمة على سائر الأمم ومنها هذه الأثار التي رواها الطبري رحمه الله :
حدثني محمد بن سنان قال، حدثنا أبو بكر الحنفي، عن عباد، عن الحسن في قوله:"كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر"، قال: قد كان ما تسمعُ من الخير في هذه الأمة.
-حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد عن قتادة قال: كان الحسن يقول: نحن آخرُها وأكرمُها على الله.
الثالث: إنما قيل:"كنتم خير أمة أخرجت للناس"، لأنهم أكثر الأمم استجابة للإسلام.
قاله أبي بن كعب من طريق أبي العالية ، رواه عنه ابن أبي حاتم
قاله الربيع من طريق أبي جعفر ، رواه عنه ابن جرير
وتوجيه هذا القول هو أن أُمَّةُ مُحَمَّدٍ ﷺ خَيْرَ أُمَّةٍ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ أَكْثَرُ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ فِيهِمْ أَفْشَى.
الترجيح بين الأقوال :
القول الراجح في هذه المسألة هو القول الثاني لأنه يشمل جميع الأقوال ،وقد قال العلامة السعدي رحمه الله: "يمدح تعالى هذه الأمة ويخبر أنها خير الأمم التي أخرجها الله للناس، وذلك بتكميلهم لأنفسهم بالإيمان المستلزم للقيام بكل ما أمر الله به، وبتكميلهم لغيرهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المتضمن دعوة الخلق إلى الله وجهادهم على ذلك وبذل المستطاع في ردهم عن ضلالهم وغيهم وعصيانهم، فبهذا كانوا خير أمة أخرجت للناس. ولما كانت الآية السابقة وهي قوله: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} أمرًا منه تعالى لهذه الأمة، والأمر قد يمتثله المأمور ويقوم به، وقد لا يقوم به، أخبر في هذه الآية أن الأمة قد قامت بما أمرها الله بالقيام به، وامتثلت أمر ربها واستحقت الفضل على سائر الأمم" .

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 16 رجب 1439هـ/1-04-2018م, 01:59 AM
هناء هلال محمد هناء هلال محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 663
افتراضي

مجلس القسم السابع من تفسير آل عمران
حرّر القول في معنى قوله تعالى: {كنتم خير أمّة أخرجت للناس}.
يخبر الله سبحانه وتعالى عن الأمة المحمدية بأنها خير الأمم ، كما جاءت الآية بمنزلة التعليل لأمرهم بالدعوة إلى الخير ، فإن كانوا حقا خيرا الأمم فلابد من القيام بهذه المهمة على خير وجه.
والآية تشمل على ثلاث مسائل هامة :
أولا : من المخاطب في الآية
ثانيا : المقصود بالخيرية في الآية
ثالثا : سبب استحقاق هذه الأمة الخيرية .
أولا : المخاطب في الآية :
اختلف العلماء في ذلك على أقوال :
1- هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد روي هذا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وابن عباس ، وعكرمة
تحقيق الأقوال :
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ)حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا مصعب بن المقدام، عن إسرائيل، عن السّدّيّ، عمّن حدّثه قال عمر: {كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس} قال: تكون لأوّلنا، ولا تكون لآخرنا.
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا إسرائيل عن سماك بن جرير عن سعيد بن جبير ابن عباس في قوله تعالى كنتم خير أمة أخرجت للناس قال هم الذين هاجروا مع محمد إلى المدينة). [تفسير عبد الرزاق: 1/130]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ: قال عكرمة: نزلت في ابن مسعودٍ، وسالمٍ مولى أبي حذيفة، وأبيّ بن كعبٍ، ومعاذ بن جبلٍ.
قال ابن عطية : هذا كله قول واحد مقتضاه أن الآية نزلت في الصحابة .
2- المراد هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم كلها ، وهو قول أبي هريرة ، ومجاهد والحسن
تحقيق الأقوال :
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : حدّثنا محمّد بن يوسف، عن سفيان، عن ميسرة، عن أبي حازمٍ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس، قال: «خير النّاس للنّاس تأتون بهم في السّلاسل في أعناقهم، حتّى يدخلوا في الإسلام»). [صحيح البخاري: 6/37-38]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله كنتم خير أمة أخرجت للناس يقول أنتم خير الناس للناس). [تفسير مجاهد: 133]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعدٌ، عن قتادة، قال: كان الحسن يقول: نحن آخرها وأكرمها على اللّه
توجيه هذا القول :
قال ابن عطية : وعلى هذا التأويل يكون لفظ أمة اسم جنس ، كأنه قيل هم خير الأمم ، ويؤيد هذا كونهم شهداء على الناس ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : "نحن الأخرون في الدنيا ، السابقون يوم القيامة" .
3- هم أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا أحمد بن صبيحٍ الكوفيّ، ثنا عنبسة العابد، عن جابرٍ عن أبي جعفرٍ كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس قال: خير أهل بيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم

واختلف المفسرون في قوله (كنتم) على أقوال :
1- أن كان تامة بمعنى وجد ، ويكون المعنى : وجدتم خير أمة أخرجت للناس .
2- أن كان ناقصة ، ويكون المعنى : قدرتم في علم الله خير أمة .
3- أن كان بمعنى صار : أي تحولتم يا معشر المؤمنين من جاهليتكم إلى أن صرتم خير أمة .
4- أن كان زائدة ، والمعنى : أنتم خير أمة ، ورد هذا القول بأن كان لا تزاد في أول الكلام .
قال ابن جرير : والراجح الرأي الأول ، وهو الأقرب للصواب ، فيكون الخطاب في الآية للمؤمنين الذي عاصروا النبي صلى الله عليه وسلم ، ولمن أتى بعدهم واتبع تعاليم الإسلام .
الترجيح :
رجح الزجاج القول بأن المخاطب في الآية هم الصحابة ومن بعدهم من أمة النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : وقد خوطب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الخطاب ، وهو يعم سائر أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
وقال ابن كثير رحمه الله : والصّحيح أنّ هذه الآية عامةٌ في جميع الأمّة، كلّ قرن بحسبه، وخير قرونهم الّذين بعث فيهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ الّذين يلونهم، كما قال في الآية الأخرى: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا} أي: خيارًا {لتكونوا شهداء على النّاس [ويكون الرّسول عليكم شهيدًا]} الآية.
قال القرطبي رحمه الله : إذا ثبت بنص التنزيل أن هذه الأمة هي خير الأمم ، فقد روي أن أول هذه الأمة أفضل ممن بعدهم ، وإلى هذا ذهب معظم العلماء .
قال ابن عاشور : كان : بمعنى وجدتم ، أي وجدتم على حال الخيرية على جميع الأمم ، وذلك بحصول أسبابها ووسائلها ، فيكون الخطاب للمسلمين كلهم في كل جيل ظهروا فيه .
ولا شك أن الصحابة كانوا أفضل القرون ، لأن رسولهم أفضل الرسل ، والهدي الذي كانوا عليه أفضل الهدي .
خلاصة القول :
بأنه بمكننا الجمع بين الأقوال الثلاثة في المقصود بالمخاطب في الآية ، فهم الأمة جميعها إذا فعلت المطلوب منها ، وأفضل الأمة هم الصحابة رضوان الله عليهم ، وخص من الصحابة أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم فهم أخص في الأفضلية . والله أعلم .

ثانيا : المقصود بالخيرية في الآية :
معنى كلمة (خير) في اللغة :
لو نظرنا لكلمة (خير) في المعاجم اللغوية لوجدنا أن لها معنيين : خير التي هي ضد الشر
وخير التي تعني النفع ، وهذا المعنى هو الذي يستقيم مع سياق الآية ، فيكون المعنى : أي أنفع أمة أخرجت للناس ، وذلك كقوله صلى الله عليه وسلم : " خيركم خيركم لأهله " ، فالخيرية والأفضلية ارتبطت بمقدار النفع للأخرين .
كذلك استعمال اللام في (للناس) يفيد أن هذه الأمة أنفع الأمم لغيرها ، ومن ذلك النفع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
قال الشوكاني في فتح القدير : وهذه الخيرية مشتركة ما بين أول هذه الأمة وأخرها ، بالنسبة إلى غيرها من الأمم ، وأن كانت متفاضلة فيما بينها ، كما ورد في فضل الصحابة رضي الله عنهم على غيرهم .
واختلف المفسرون في متى كانت هذه الخيرية :
قيل : عند الله في اللوح المحفوظ
وقيل : في علم الله
وقيل : فما أخبر به الأمم قديما عنكم
وقيل : كنتم منذ آمنتم
ويجوز الجمع بين هذه الأقوال : فلا تعارض ولا منافاة بيها ، فتكون الخيرية قدرها الله بعلمه وكتبها في اللوح المحفوظ ، وذكر أتصاف هذه الأمة بها في كتب الأمم السابقة ، ولكنها بدأت منذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وإيمان الصحابة ثم التابعين إلى يوم الدين .

ثالثا : سبب استحقاق هذه الأمة الخيرية .
وأسباب استحقاق هذه الخيرية كثيرة ، منها :
1- حرصهم على دخول الناس الإسلام ، فعن أبي هريرة: {كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس} قال: كنتم خير النّاس للنّاس، تجيئون بهم في السّلاسل، تدخلونهم في الإسلام.
2- أكثر الأمم استجابة للإسلام ، فعن الرّبيع، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ قوله: كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس قال: لم تكن أمّةٌ أكثر استجابة في الإسلام من هذه الأمّة
3- شهادتهم للنبين : فعن عطيّة العوفي قال : كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس قال: خير النّاس للنّاس شهدتم للنّبيّين الّذين كفر بهم قومهم بالبلاغ.
4- أكثر أمة دخل فيها أصناف من الناس ، فعن عكرمة قال: لم تكن أمّةٌ دخل فيها من أصناف النّاس غير هذه الأمّة.
وعنه أيضا قال: خير النّاس للنّاس كان قبلكم لا يأمن هذا في بلاد هذا، ولا هذا في بلاد هذا، فكلّما كنتم أمن فيكم الأحمر والأسود، وأنتم خير النّاس للنّاس
5- وقال ابن عطية: ولم يبعث نبي إلى الأمم كافة إلا محمد صلى الله عليه وسلم، فهو وأمته يدعون إلى الإيمان ويقاتلون العالم عليه، فهم خير الناس للناس.
6- وقال ابن كثير : وإنّما حازت هذه الأمّة قصب السّبق إلى الخيرات بنبيّها محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم فإنّه أشرف خلق اللّه أكرم الرّسل على اللّه، وبعثه اللّه بشرعٍ كاملٍ عظيمٍ لم يعطه نبيًّا قبله ولا رسولًا من الرّسل. فالعمل [على] منهاجه وسبيله، يقوم القليل منه ما لا يقوم العمل الكثير من أعمال غيرهم مقامه

وقد ورد في فضل هذه الأمة وشرفها وكرامتها على الله سبحانه أحاديث كثيرة ، تفيد أنها خير الأمم في الدنيا والأخرة ، منها :
1- وقال عبد الرّزّاق: أخبرنا معمر، عن ابن طاوسٍ، عن أبيه، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "نحن الآخرون الأوّلون يوم القيامة، نحن أوّل النّاس دخولا الجنّة، بيد أنّهم أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم، فهدانا اللّه لما اختلفوا فيه من الحقّ، فهذا اليوم الّذي اختلفوا فيه، النّاس لنا فيه تبعٌ غدًا لليهود [و] للنّصارى بعد غدٍ". رواه البخاريّ ومسلمٌ
2- وثبت في الصّحيحين من رواية الزّهري، عن سعيد بن المسيّب، أنّ أبا هريرة حدّثه قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "يدخل الجنّة من أمّتي زمرةٌ وهم سبعون ألفًا، تضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر". فقال أبو هريرة: فقام عكاشة بن محصن الأسديّ يرفع نمرةً عليه فقال: يا رسول اللّه، ادع اللّه أن يجعلني منهم. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "اللّهمّ اجعله منهم". ثمّ قام رجلٌ من الأنصار فقال: يا رسول اللّه، ادع اللّه أن يجعلني منهم فقال: "سبقك بها عكاشة"
3- كما ثبت في الصّحيحين من حديث أبي إسحاق السّبيعي، عن عمرو بن ميمونٍ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: قال لنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أما ترضون أن تكونوا ربع أهل الجنّة؟ " فكبّرنا. ثمّ قال: "أما ترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنّة؟ " فكبّرنا. ثمّ قال: "إنّي لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنّة".

المصادر :
المسائل منها ما هو مسائل تفسيرية ، ومسائل لغوية ، لذا جاءت المصادر مرتبة كالتالي :
كتب التفسير المسندة: مثل تفسير عبد الرزاق وابن أبي حاتم وابن جرير الطبري والبغوي والواحدي
كتب التفسير في دواوين السنة : ككتاب التفسير في البخاري ، وشرحه لابن حجر ، وكتاب التفسير للنسائي
كتب التفسير البديلة:الدر المنثور للسيوطي وابن كثير .
كتب التفسير الناقلة: والماوردى وابن الجوزي وابن عطية والقرطبي والألوسي وابن عاشور والوسيط لطنطاوي .
كتب التفسير اللغوي :معانى القرآن للفراء ومجاز القرآن لأبي عبيدة ومعانى القرآن للزجاج ومعانى القرآن للنحاس
المعاجم اللغوية: لسان العرب ومعجم مقاييس اللغة
موقع جمهرة العلوم : تفسير سورة آل عمران .

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 22 رجب 1439هـ/7-04-2018م, 02:35 PM
الصورة الرمزية هيا أبوداهوم
هيا أبوداهوم هيا أبوداهوم غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 607
افتراضي

حرّر القول في واحدة من المسألتين التاليتين:
2: معنى قوله تعالى: {كنتم خير أمّة أخرجت للناس}
.
هذا التطبيق مطلوب تقديمه في صورة خطوات منفصلة كالتالي:
أولا: ذكر مراجع البحث مرتّبة على مراتب مراجع الأقوال في التفسير.
- فمن دواوين السنة: من مسند الإمام أحمد، وصحيح البخاري، وجامع الترمذي، وسنن النسائي، ومصنف ابن أبي شيبة، ومعجم الطبراني الكبير ، ومسند اسحاق بن راهويه
- ومن التفاسير المسندة: نقول من تفسير عبد الرزاق، وتفسير ابن جرير، وتفسير مجاهد، والبغوي.
- ومن جوامع الأحاديث والزوائد: مجمع الزوائد للهيثمي ،
- ومن شروح الأحاديث: نقول من شرح العيني، والقسطلاني، فتح الباري لشرح صحيح البخاري .
- ومن التفاسير التي تنقل أقوال السلف: زاد المسير لابن الجوزي ، تفسير ابن عطية ، التحرير والتنوير، أحكام القرآن للقرطبي ، وروح المعاني للألوسي ، وفتح القدير للشوكاني ، التبصرة لابن الجوزي ، وتفسير ابن رجب الحنبلي وتفسير السمعاني .
- كتب تفاسير اللغة ومعاني المفردات والإعراب : مجاز القرآن لأبي عبيدة ، معاني القرآن للفراء ، معاني القرآن للزجاج ،معاني القرآن للنحاس ، ابن عاشور ، غريب القرآن للأصفهاني ، التبيان في اعراب القرآن للعبكري ، ياقوتة الصراط ،.
- كتب النحو : أوضح المسالك لألفية ابن مالك ، النحو الواضح .
- كتب المحققين : تهذيب الكمال للمزي ، الضعفاء الكبير للعقيلي ،تهذيب التهذيب ، ميزان الاعتدال في نقد الرجال ، التعديل والتجريح لمن خرج له البخاري ، علل الدارقطني .
كتب علوم القرآن : البرهان في علوم القرآن للزركشي.
=============================
ثانيا: استخلاص الأقوال وتصنيفها ونسبتها.
الأقوال في المخاطب في الاية :
تصنيف المسألة : تفسيرية
القول الأول : الصحابة .
واختلفوا فيه على أقوال :
1) في خاصة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن صنع بصنعهم .
وهذا القول قاله عمر، وذكره الطبري والبغوي وابن عطيةوالقرطبي وابن عاشور.
2) في الصحابة خاصة فقط .
وهذا القول قاله الضحاك ورواه ابن جرير وأبو حاتم وذكره البغوي .
3) في المهاجرين .
وهذا القول قاله ابن عباس وذكره الإمام أحمد وأبو حاتم وابن جرير وابن كثير وابن حجر
4) في أشخاص معينين من الصحابة وهم أبو حذيفة وابن مسعود وسالم مولى أبي حنيفة وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل.
وهذا القول قاله عكرمة وذكره ابن جرير وابن عطية والبغوي .
القول الثاني : للأولين فقط دون الآخرين .
وهذا القول قاله عمر وذكره ابن جرير وابن عطية والبغوي وابن عاشور .
القول الثالث : أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم .
وهذا القول قاله أبي جعفر، ذكره أبي حاتم.

معنى ( كنتم ):
مسألة لغوية تفسيرية
اختلفوا فيه على أقوال :
القول الأول : كان تامة بمعنى الوقوع والحدوث وهو لا يحتاج إلى خبر، والمعنى : حدثتم خير أمة ووجدتم وخلقتم خير أمة
وهذا القول قاله النحاس وذكره وابن عطية والقرطبي وابن الجوزي والزمخشري وابن السمين والألوسي .
القول الثاني : كان ناقصة ، وتفيد الدوام والاستمرار بمعنى مازال أو على الانقطاع .
وهذا القول ذكره أبو عبيدة و ابن قتيبة والزجاج والنحاس والأصفهاني وابن عطية وابن السمين .
واختلفوا في تقديره إلى أقوال :
1)كنتم في علم الله ، وهذا قول ذكره البغدادي و الزمخشري وابن عطية والعبكري والألوسي .
2) كنتم في اللوح المحفوظ، وهو قول الفراء وذكره الزجاج والنحاس وابن عطية وابن الجوزي والقرطبي والرازي والزمخشري والألوسي .
3) كنتم منذ آمنتم . وهو قول ذكره الزجاج والنحاس و ابن الجوزي والرازي والألوسي .
4) كنتم في الأمم قبلكم مذكورين . وهذا قول ذكره ابن الجوزي والرازي و الزمخشري وابن عاشور .
القول الثالث : بمعنى صرتم .
وهذا القول ذكره السمعاني الرازي والعبكري وابن السمين .
القول الرابع : كان زائدة بمعنى أنتم خير أمة .
وهذا القول ذكره الفراء وابن قتيبة و الرازي والعبكري وابن السمين والألوسي .

المراد بالخيرية :
القول الأول : يأتون بالسلاسل إلى الإسلام .
وهذا قول أبو هريرة ورواه البخاري وذكره البغوي وابن الجوزي وابن عطية والقرطبي وابن رجب .

القول الثاني : أفضل الأمم من حيث النفع للناس .
وهذا القول قاله أبو هريرة وذكره ابن جريروالبغوي وابن عطية وابن الجوزي وابن كثير .

القول الثالث : تشهد للنبيين بالبلاغ .
وهذا القول قاله عطية ، وذكره أبو حاتم .

ثالثا: تخريج الأقوال.
الأقوال في المخاطب في الاية:
القول الأول :
تخريجه :
أما قول عمر :
فرواه ابن جرير وأبو حاتم من طريق أسباط ، عن السدي.
والسدي متهم بالكذب ويحكي كثير من الاسرائليات .
وأما قول ابن عباس :
وهذا القول رواه عبد الرزاق وابن جرير والإمام أحمد والطبراني في الكبير والنسائي والحارث بن أبي أسامة في مسنده وابن عبد البر كلهم روه من طريق سماك بن حرب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس، وراه الحكم في مستدركه أيضا من نفس الطريق وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
وأما قول الضحاك :
فرواه ابن جرير وأبو حاتم من طريق جوبير عن الضحاك ، وجوبير من الضعفاء .
وأما قول عكرمة :
فرواه ابن جرير والبغوي من طريق ابن جريج عن عكرمة.
وقول عمر الثاني :
رواه ابن جرير وأبو حاتم والبغوي من طريق إسرائيل، عن السدي ، عمن حدثه، عن عمر ، والسدي من الضعفاء .
وأما قول جعفر :
فرواه أبو حاتم من طريق عنبسة العابد، عن جابر ، عن أبي جعفر ، وجابر وأبي جعفر كلاهما ضعيف كنا ذكره الدارقطني في العلل .


المراد بالخيرية :
تخريجه :
القول الأول رواه البخاري والنسائي وابن جرير والحاكم في مستدركه ورواه اسحاق بن راهويه في مسنده والبغوي من طريق ميسرة ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة

القول الثاني : رواه البخاري والنسائي من طريق ميسرة، عن أبي حازمٍ، عن أبي هريرة وهو طريق صحيح ، ورواه ابن جرير من طريق فضيل بن مرزوقٍ، عن عطيّة، وهذا الطريق ضعيف لضعف عطية العوفي .

أما القول الثالث : فرواه أبو حاتم من طريق عبيد الله بن موسى، عن عيسى بن موسى، عن عطية،وعيسى بن موسى قال عنه أبو حاتم ضعيف لكن وثقه أبو حبان ، واما عبيد الله بن موسى فهو ثقة وثقه يحي بن معين وأبو حاتم .

رابعا: توجيه الأقوال.
المخاطب في الآية :
التوجيه :
القول الأول : مبني على التفسير ببعض المعنى ، ومبني على أن كان تفيد الماضي ، غيير أن قول عمر في القول الأول تفيد الماضي واستمراره وعدم انقطاعه .
القول الثاني : مبني على التفسير بلازم المعنى ، ومبني على على حديث : (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) فكان ذلك في الأولين ولم يأت ذكر الآخرين في هذا الحديث .
القول الثالث : مبني على التفسير ببعض المعنى ، فأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم هم أحد الذين يتضمن لهم الخيرية ،وأيضا هذا القول مبني على أن كان زائدة بمعنى أنتم خير أمة .

المراد بقوله ( كنتم ) :
التوجيه :
القول الأول : مبناه على التفسير على أن كان تامة
أما قول أنه في اللوح المحفوظ فهو تفسير مبني التفسير بلازم المعنى
أما قول أنه يراد به خلقتم ووجدتم : فهو تفسير بمعنى كان التامة .
أما القول الثاني فمبني على أن كان ناقصة
أما القول الثالث : فمبني على أن كان زائدة .
القول الرابع مبني على ان كان بمعنى صار أي صرتم خير أمة.

المراد بالخيرية :
التوجيه :
القول الأول مبناه على التفسير ببعض المعنى
وهو أيضا على تقدير كنتم للناس خير أمة ، وذكر ذلك النحاس .
أما القول الثاني مبناه على التفسير ببعض لازم المعنى ، فخير الأمة يلزمه أن يكون ذلك في الأولين لا في الآخرين لحديث النبي صلى الله عليه وسلم : خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ..)
وأيضا مبناه على أن للناس صلة لأخرجت بمعنى أنه ما أخرج الله للناس أمة خيرا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا القول ذكره أبو السعود .
والقول الثالث : مبناه على التفسير ببعض المعنى ؛ لأان الله تعالى يقول : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس )

خامسا: دراسة الأقوال ونقدها وبيان الراجح منها.
المخاطب في الآية :
حديث عمر في القول الأول ضعفه البوصيري (ت: 840هـ)
وذكر عنه ابن حجر العسقلاني في الفتح (ت: 852هـ) أن الحديث منقطع.
أما الحديث الذي رواه الضحاك فروي الحديث من طريق جوبير وهو من الضعفاء ، ذكر ذلك العقيلي في الضعفاء الكبير ..وأما حديث عكرمة ففيه ابن جريج
وقد قال عنه ابن حبان : أهل الحجاز وقرائهم ومتقنيهم وكان يدلس.
وقال الإمام أحمد بن حنبل ( ت: 241ه ) : إذا قال ابن جريج: «قال فلان وقال فلان» و«أُخبرت» جاء بمناكير.
لذا فالحديث ضعيف .
وأما الحديث الذي رواه ابن عباس من طريق عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس، فسماك قال عنه أحمد أنه مضطرب الحديث ، وقال عنه النسائي : إذا انفرد بأصل لم يكن حجة ، وقال عنه يحي أنه ثقة غير أن الشعبي يضعفه .

الأرجح أن هذه الآية عامة تشمل في كل قرن كما ذكر ذلك ابن كثير
ودليل من رجح ذلك أن الله تعالى قال : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس )
فمعنى وسطا أي خيارا
وأيضا جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده والترمذي وابن ماجة والحاكم في مستدركه من طريق حكيم بن معاوية بن حيدة ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنتم توفون سبعين أمة ، أنتم خيرها ، وأنتم أكرم على الله عز وجل " .
وغيرها من الأحاديث التي تدل على ان الخيرية ليس خاص فقط في الصحابة أو فترة معينة بل يعم ، وإن كانت هذه الخيرية فيه تفاوت فخير تلك القرون هو قرن النبي صلى الله عليه وسلم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم
فروى البخاري من طريق عمران بن حصين رضي الله عنهما يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)
روى أحمد والدارمي والطبراني من حديث أبي جمعة قال : قال أبو عبيدة : يا رسول الله ، أأحد خير منا ؟ أسلمنا معك وجاهدنا معك . قال : قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني وإسناده حسن وقد صححه الحاكم
فهذا الحديث أيضا يدل أيضا على أن الخيرية ليس خاصا فقط في الأولين .
ويشهد له أيضا الحديث الذي رواه مسلم من طريق عن أبي حازم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ غريبا فطوبى للغرباء).
وأيضا من جهة أخرى فكلمة ( خير ) أفعل تفضيل أضيفت إلى نكرة فتفيد الاستغراق كما ذكر ذلك ابن عاشور في التحرير والتنوير ، فيكون المعنى عام .
وأيضا من جهة لفظ ( أمة ) فهي تدل على الجنس ، فتدل على أمة الإسلام عموما .
قال الزجاج ( ت : 311ه): هذا الخطاب أصله إنّه خوطب به أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يعم سائر أمّة محمد.

وذكر البغوي ( ت: 416 ه) قول قتادة : هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم لم يؤمر نبي قبله بالقتال فهم يقاتلون الكفار فيدخلونهم في دينهم فهم خير أمة للناس .
قال القرطبي ( ت : 671ه ) :
إن قرنه إنما فضل لأنهم كانوا غرباء في إيمانهم لكثرة الكفار وصبرهم على أذاهم وتمسكهم بدينهم ، وإن أواخر هذه الأمة إذا أقاموا الدين وتمسكوا به وصبروا على طاعة ربهم في حين ظهور الشر والفسق والهرج والمعاصي والكبائر كانوا عند ذلك أيضا غرباء ، وزكت أعمالهم في ذلك الوقت كما زكت أعمال أوائلهم ، ومما يشهد لهذا قوله عليه السلام : بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء.
قال ابن كثير (ت: 774 ه) : والصحيح أن هذه الآية عامة في جميع الأمة ، كل قرن بحسبه.

معنى بقوله ( كنتم ) :
الراجح أن كان هنا تأتي ناقصة فتعني الاستمرار والدوام ، وممكن تكون تامة بمعنى وجدتم .
فجمع ابن عطية ( ت : 542) بين القولين فقال : ( دل على وجود ما يسند إليه في زمن مضى ، دون دلالة على استمرار ، ولا على انقطاع ، قال تعالى : وكان الله غفورا رحيما أي وما زال فمعنى (كنتم خير أمة) وجدتم على حالة الأخيرية على جميع الأمم ).

ورجح الزركشي أن تكون كان بمعنى الماضي دون الدلالة على انقطاع واستمرار
ولكن ابن قتيبة يرى الراجح أنه قد يأتي ببنية الماضي للدلالة على الماضي أو المستقبل .

أما القول بأنها زائدة فهذا القول رده القسطلاني لأن الزائدة لا تأتي أولا ، وقد ذكر ذلك أيضا العبكري في التبيان في أعراب القرآن .

المراد بالخيرية :
القول الأول رواه البخاري فهو صحيح ، وأما الطريق الذي رواه ابن جرير فهو ضعيف لضعف عطية العوفي ، فقال عنه النسائي أنه ضعيف ،وقال عنه أبو زرعة أنه لين .
لكن القول الأول والثاني لا تعارض بينهما بل يمكن الجمع بينهما ، فهم أنفع الناس للناس حتى أنهم عندما يأتون بالأسرى ثم يسلمون ويدخلون الجنة .
فروى البخاري من حديث أبي هريرة : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) قال : خير الناس للناس ، تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام .

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 22 رجب 1439هـ/7-04-2018م, 04:53 PM
الصورة الرمزية هيا أبوداهوم
هيا أبوداهوم هيا أبوداهوم غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 607
افتراضي

اعادة ترتيب الكتب حسب المراتب :
مراتب الكتب :
المرتبة الأولى: مصادر أصليةفي التفسير : تفسير عبد الرزاق وتفسير ابن جرير وتفسير ابن أبي حاتم وتفسير مجاهد، والبغوي.
فمن دواوين السنة: من مسند الإمام أحمد، وصحيح البخاري، وجامع الترمذي، وسنن النسائي، ومصنف ابن أبي شيبة، ومعجم الطبراني الكبير ، ومسند اسحاق بن راهويه .
ومن جوامع الأحاديث والزوائد: مجمع الزوائد للهيثمي.

المرتبة الثانية: مصادر بديلة: تفسير ابن كثير ، فتح الباري لابن حجر ،
مسائل التفسير المتعلق باللغة : مجاز القرآن لأبي عبيدة ، معاني القرآن للفراء ، معاني القرآن للزجاج ،معاني القرآن للنحاس ، ابن عاشور ، غريب القرآن للأصفهاني ، التبيان في اعراب القرآن للعبكري ، ياقوتة الصراط.
علوم القرآن : البرهان للزركشي، تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة .
المرتبة الثالثة: مصادر ناقلة:زاد المسير لابن الجوزي ، تفسير ابن عطية ، التحرير والتنوير، أحكام القرآن للقرطبي ، وروح المعاني للألوسي ، وفتح القدير للشوكاني ، التبصرة لابن الجوزي ، وتفسير ابن رجب الحنبلي وتفسير السمعاني .
كتب النحو : أوضح المسالك لألفية ابن مالك ، النحو الواضح .
المرتبة الرابعة: كتب العلماء المحققين :
المحققين :ابن كثير ، وابن حجر ، والبغدادي ، والقسطلاني ، والعيني .
المحققين في الحديث : تهذيب الكمال للمزي ، الضعفاء الكبير للعقيلي ،تهذيب التهذيب ، ميزان الاعتدال في نقد الرجال ، التعديل والتجريح لمن خرج له البخاري ، علل الدارقطني.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 22 رجب 1439هـ/7-04-2018م, 10:58 PM
بدرية صالح بدرية صالح غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
المشاركات: 498
افتراضي

حرّر القول في واحدة من المسألتين التاليتين:

1: معنى قوله تعالى: {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكّة}.

معنى الآية العام :

أن أول بيت وضع للناس يُعْبدٌ الله فيه هو الذي ببكة مباركاً وهدىً للعالمين ، وهو مقام إبراهيم ،شرع في بنائه بأمر الله ، وأمرنا بإتباع ملة إبراهيم حنيفاً .

المطلب الأول : الأقوال وتصنيفها مع تخريجها :

قال تعالى :( إن أول بيت وضع للناس ) .

لاشك أن أول بيت وضع للناس للعبادة هو المسجد الحرام ، بإتفاق العلماء لاخلاف فيه ،لحديث أبي ذر قال، قلت: يا رسول الله، أيُّ مسجد وضع أوّل؟ قال:"المسجد الحرام. قال: ثم أيٌّ؟ قال: المسجد الأقصى. قال: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة، أخرجه البخاري ومسلم والسنن الكبرى للنسائي وغيرهما.

ولكن اختلفوا في أسبقية البناء هل هو أول بيت أم هناك بيوت قبله ؛على أقوال :

&قولاً في صفة وضعه :

-خلق قبل جميع الأرضين، ثمّ دحيت الأرضون من تحته. قاله أبو هريرة و عبدالله بن عمروومجاهد وقتادة والسدي.

قول عبدالله بن عمرو: رواه ابن جرير عن طريق عبيد الله بن موسى قال :حدثنا شيبان عن الأعمش عن بكير بن الأخنس عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو قال: خلق الله البيتَ قبل الأرض بألفي سنة، وكان -إذ كان عرشه على الماء- زَبْدةً بيضاءَ، فدحيتُ الأرض من تحته.

-قول مجاهد، رواه ابن جرير عن طريق عبيد الله بن موسى قال :حدثنا شيبان عن الأعمش عن بكير بن الأخنس عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو قال: خلق الله البيتَ قبل الأرض بألفي سنة، وكان -إذ كان عرشه على الماء- زَبْدةً بيضاءَ، فدحيتُ الأرض من تحته.

وكذلك قولاً آخر ماروى ابن جرير قال: حدّثني محمّد بن عبد اللّك بن أبي الشّوارب، قال: حدّثنا عبد الواحد بن زيادٍ، قال: حدّثنا خصيفٌ، قال: سمعت مجاهدًا، يقول: إنّ أوّل ما خلق اللّه الكعبة، ثمّ دحى الأرض من تحتها .

-وقول السدي :لما خلق الله الأرضَ، خلق البيت معها، فهو أول بيت وضع في الأرض.

رواه ابن جرير وابن حاتم عن طريق أحمد بن عثمان بن حكيم ، ثنا أحمد بن المفضل ، ثنا أسباط ، عن السدي : إن أول بيت وضع للناس أما أول بيت فإنه يوم كانت الأرض زبدة على البحر، فلما خلق الله الأرض خلق البيت معها، فهوأول بيت وضع في الأرض.

&قول أوّل بيتٍ وضعه اللّه عزّ وجلّ فطاف به آدم ومن بعده ، قاله قتاده

-وقول قتادة : حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: ﴿إن أوّل بيت وضع للناس للذي ببكة مباركًا﴾ قال، أوّل بيت وَضَعه الله عز وجل، فطاف به آدم وَمنْ بعده.

&قول أنه موضع الكعبة , وهو أول بيت وضعه الله في الأرض ,قاله قتادة

قول قتادة :رواه ابن جرير عن طريق بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: ذُكر لنا أن البيتَ هبط مع آدم حين هبط، قال: أهبِط معك بيتي يُطاف حوله كما يطاف حول عرشي. فطاف حوله آدم ومن كان بَعده من المؤمنين، حتى إذا كان زمنُ الطوفان، زَمنَ أغرقَ الله قوم نوح، رَفعه الله وطهَّره من أن يصيبهُ عقوبة أهل الأرض، فصار معمورًا في السماء. ثم إنّ إبراهيم تتبع منه أثرًا بعد ذلك، فبناه على أساسٍ قديم كانَ قبله.

& قول أن أول بيت وضع مباركا وهدى هذا البيت الذي ببكة وقد كانت قبله بيوت لم توضع وضعه من البركة والهدى، قول علي رضي الله عنه., والحسن وسعيد ومطر.

قول علي :رواه الحاكم في مستدركه عن طريق خالد بن حرب ، عن خالد بن عرعرة ، قال : سأل رجل عليا رضي الله عنه عن { أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا } أهو أول بيت بني في الأرض ؟ قال : لا ، ولكنه أول بيت وضع فيه البركة والهدى .

ورواه ابن جرير , وأبي حاتم من طريق سماك عن خالد بن عرعرة .

ورواه ابن أبي حاتم عن طريق الحسن بن محمد بن الصباح ، ثنا سعيد بن سليمان ، ثنا شريك ، عن مجالد ، عن عامر الشعبي ، عن علي، في قوله إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا قال: كانت البيوت قبله، ولكن كان أول بيت وضع لعبادة الله.

ونقل ابن حجر في المطالب العالية عن إسحاق : أنا النضر بن شميل ، ثنا حماد بن سلمة ، عن سماك بن حرب ، عن خالد بن عرعرة .

وقول الحسن : رواه ابن جرير عن طريق عباد، عن الحسن قوله:"إن أوّل بيت وضع للناس"، يُعبد الله فيه ="للذي ببكة".

قول سعيد : رواه ابن جريرقال : حدثني المثني قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن سالم، عن سعيد:"إن أوّل بيت وضع للناس للذي ببكة مباركًا" قال، وضع للعبادة.

قول مطر :رواه ابن جرير قال : حدثنا عبد الجبار بن يحيى الرملي قال، حدثنا ضمرة، عن ابن شوذب، عن مطر في قوله:"إنّ أول بيت وضع للناس للذي ببكة" قال: قد كانت قبله بيوتٌ، ولكنه أول بيت وُضع للعبادة.

& قول هو مابناه آدم وحواء , ثم أمرا بالطواف فيه , قول عبدالله بن عمرو بن العاص

رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي بِنَاءِ الْكَعْبَةِ فِي كِتَابِهِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ، مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعة، عَنْ يَزيد بْنِ أَبِي حَبيب، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مَرْفُوعًا: "بَعَثَ اللهُ جِبْرِيلَ إلَى آدَمَ وحَوَّاءَ، فَأمَرَهُمَا بِبِنَاءِ الْكَعْبَةِ، فَبَنَاهُ آدَمُ، ثُمَّ أمَرَ بِالطَّوَافِ بِهِ، وَقِيلَ لَهُ: أنْتَ أوَّلُ النَّاسِ، وهَذَا أوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ للنَّاسِ , وضعفه ابن كثير وَاللَّهُ أعلمُ، أَنْ يَكُونَ هَذَا مَوْقُوفا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرو. وَيَكُونُ مِنَ الزَّامِلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ(١٢) أَصَابَهُمَا يَوْمَ الْيَرْمُوك، مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ.

توجيه الأقوال :

القول الأول : قولا أولياً على إطلاقه , بأن الله إ أوّل ما خلق اللّه الكعبة، ثمّ دحى الأرض من تحتها , كما ذكر بأن الله أمر آدم ببناءه والطواف فيه حينما أهبط من الجنة , وكان من قبله الملائكة في السماء تطوف فيه يقال له الضراح , ثم رفع في الطوفان فصار البيت المعمور.

والقول الثاني : ينسب إلى أولية العبادة , من صلاة حج وعمرة وإعتكاف , والمسجد يطلق على البيت والعكس بقول البيت الحرام أو المسجد الحرام , وهو قول صحيح لاخلاف فيه , لثبوت نصه في حديث أبي ذر , كما رواه وصححه الشيخين وسنن النسائي .

الدراسة والترجيح :

قال الحسن والكلبي والفراء: معناه: إن أول مسجد ومتعبد وضع للناس يعبد الله فيه، يدل عليه قوله: أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً يعني مساجدهم وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً، وقوله: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يعني المساجد.

قال أبو جعفرالطبري: والصواب من القول في ذلك ما قال جل ثناؤه فيه: إن أول بيت مباركٍ وهُدًى وُضع للناس، للذي ببكة. ومعنى ذلك:"إن أول بيت وضع للناس"، أي: لعبادة الله فيه ="مباركًا وهدًى"، يعني بذلك: ومآبًا لنُسْك الناسكين وطواف الطائفين، تعظيما لله وإجلالا له "للذي ببكة" لصحة الخبر بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ,لحديث أبي ذر قال، قلت: يا رسول الله، أيُّ مسجد وضع أوّل؟ قال:"المسجد الحرام. قال: ثم أيٌّ؟ قال: المسجد الأقصى. قال: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة .

وقال الماوردي في تفسيره : لا اخْتِلافَ بَيْنَ أهْلِ التَّفْسِيرِ أنَّهُ أوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ لِلْعِبادَةِ، وإنَّما اخْتَلَفُوا هَلْ كانَ أوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِغَيْرِها؟

وقال ابن عاشور قولاً جميلاً فيه ,فقال : فالأوَّلِيَّةُ في الآيَةِ عَلى بابِها، والبَيْتُ كَذَلِكَ، والمَعْنى أنَّهُ أوَّلُ بَيْتِ عِبادَةٍ حَقَّةٍ وُضِعَ لِإعْلانِ التَّوْحِيدِ، بِقَرِينَةِ المَقامِ، وبِقَرِينَةِ قَوْلِهِ ﴿وُضِعَ لِلنّاسِ﴾ المُقْتَضِي أنَّهُ مِن وضْعِ واضِعٍ لِمَصْلَحَةِ النّاسِ، لِأنَّهُ لَوْ كانَ بَيْتَ سُكْنى لَقِيلَ وضَعَهُ النّاسُ، وبِقَرِينَةِ مَجِيءِ الحالَيْنِ بَعْدُ؛ وهُما قَوْلُهُ: ﴿مُبارَكًا وهُدًى لِلْعالَمِينَ﴾ . وهَذا تَأْوِيلٌ في مَعْنى بَيْتٍ، وإذا كانَ أوَّلَ بَيْتِ عِبادَةٍ حَقٍّ، كانَ أوَّلَ مَعْهَدٍ لِلْهُدى، فَكانَ كُلُّ هُدًى مُقْتَبَسًا مِنهُ فَلا مَحِيصَ لِكُلِّ قَوْمٍ كانُوا عَلى هُدًى مِنَ الِاعْتِرافِ بِهِ وبِفَضْلِهِ،

وذكر ابن عاشور : وعَنْ مُجاهِدٍ قالَتِ اليَهُودُ: بَيْتُ المَقْدِسِ أفْضَلُ مِنَ الكَعْبَةِ لِأنَّها مُهاجَرُ الأنْبِياءِ، وقالَ المُسْلِمُونَ: الكَعْبَةُ، فَأنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ، وهَذا تَأْوِيلٌ أُوِّلَ بِأنَّهُ الأوَّلُ مِن شَيْئَيْنِ لا مِن جِنْسِ البُيُوتِ كُلِّها.

فالراجح من ذلك , ان البيت كونه مكان عبادة وطاعة ,فهو نسك الناسكين وطوافهم , بناه إبراهيم وحجه , فله الأولية , فهو هدى ومباركاً للعالمين, وإن أخذ بظاهر الآية أن الكعبة المشرفة أول بيت في الأرض .

قوله تعالى ( للذي ببكة ) .

فيها مسائل :

/المراد ببكة وفيها أقوال :

الأول : قيل : مَكَّة مِنَ الْفَجِّ إِلَى التَّنْعِيمِ، وَبَكَّةُ مِنَ الْبَيْتِ إِلَى الْبَطْحَاءِ., قاله ابن عباس .

قول ابن عباس :رواه ابن ابي حاتم وابن كثير :عن طريق حَمّاد بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَير، عن ابن عباس قال: مَكَّة مِنَ الْفَجِّ إِلَى التَّنْعِيمِ، وَبَكَّةُ مِنَ الْبَيْتِ إِلَى الْبَطْحَاءِ.

الثاني :هو موضع مزدحم للطواف وقيل المسجد , قال به , عكرمة , وأبي مالك , , وإبراهيم النخعي ,وضمرة ابن ربيعة , وابن شهاب.

قول عكرمة : وروي عن ميمون بن مهران :رواه ابن أبي حاتم قال : ح حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا خالد بن حيّان، عن جعفر بن برقان عن عكرمة قال: البيت وما حوله بكّة، وما وراء ذلك مكّة.

قول أبي مالك :رواه الطبري وابن أبي حاتم عن طريق هشيم، عن حصين، عن أبي مالك الغفاري في قوله:"إن أوّل بيت وضع للناس للذي ببكة" قال،"بكة" موضع البيت،"ومكة" ما سوى ذلك.

قول ابراهيم : رواه ابن جرير وابن ابي حاتم وابن كثير : عن طريق شُعْبَةُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: بَكَّة: الْبَيْتُ وَالْمَسْجِدُ. وَكَذَا قَالَه الزُّهْرِيُّ.

قول ابن شهاب :رواه الطبري عن طريق يحيى بن أزهر، عن غالب بن عبيد الله: أنه سأل ابن شهاب عن"بكة" قال،"بكة" البيت، والمسجد. وسأله عن"مكة"، فقال ابن شهاب:"مكة": الحرم كله.. وذكره مكي برواية عن ابن وهب .

قول ضمرة بن ربيعة : رواه ابن جرير عن طريق عبد الجبار بن يحي الرملي , قال : قال ضمرة بن ربيعة بكة: المسجد , ومكة :البيوت .

الثالث : هي مكة , قال به الضحاك ومجاهد يحيى بن أبي طالب قال، أخبرنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله:"إن أوّل بيت وُضع للناس للذي ببكة" قال، هي مكة. رواه الطبري والقرطبي والبغوي ومكي وقولاً لأبي عبيدة .

المسألة الثانية :لماذا سميت بهذا الإسم ؟ والأقوال فيها :

الأول : سميت بذلك لأنه يتباكون فيها ,أي :يزدحمون .قال به عبدالله بن الزبير مجاهد,وسعيد , وقتادة ,أبي جعفر .

قول عبد الله بن الزبير : رواه ابن جريرعن طريق ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن الأسود بن قيس ، عن أبيه ، عن ابن الزبير قال : إنما سميت "بكة " ، لأنهم يأتونها حجاجا

قول مجاهد : رواه ابن جرير عن طريق ابن المثنى قال : حدثنا عبد الصمد قال : : حدثنا شعبة قال : حدثنا سلمة ، عن مجاهد قال : إنما سميت "بكة " ، لأن الناس يتباكون فيها ، الرجال والنساء .
قول سعيد : رواه ابن جرير عن طريق ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن حماد ، عن سعيد قال : قلت : لأي شيء سميت "بكة "؟ قال : لأنهم يتباكون فيها قال : يعني : يزدحمون .

قول قتادة : رواه ابن جرير , حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : "بكة " ، بك الناس بعضهم بعضا ، الرجال والنساء ، يصلي بعضهم بين يدي بعض ، لا يصلح ذلك إلا بمكة .

قول أبي جعفر : رواه ابن جرير , حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن أبي جعفر قال : مرت امرأة بين يدي رجل وهو يصلي وهي تطوف بالبيت ، فدفعها . قال أبو جعفر : إنها بكة ، يبك بعضها بعضا .

الثاني :تبك أعناق الجبابرة وتبك الظلمة .

ذكره ابن أبي حاتم وقال : قرئ على بحر بن نصر الخولاني ، ثنا ابن وهب ، حدثني يعقوب الإسكندراني، أنه سأل محمد بن زيد بن مهاجر يكتب له في منزل في داره بمكة فكتب إلي ابن فروخ: إياك أن تكريها، أوتأكل من خراجها شيئا، فإنها إنما سميت بكة لأنها كانت تبك الظلمة.

توجيه الأقوال :

في المراد ب(بكة )

قول انها المسجد والكعبة وماحواها مكة
كما هو معلوم أن أصل اشتقاق الكلمة في اللغة من البك , فمعناه من الإزدحام حول هذا البيت, فمكة يفد إليها الحجاج والمعتمرين من بقاع الأرض , فيزدحم بهم المكان رجالاً ونساءً, فيقال :بك الناس بعضهم بعضاً : أي ازدحموا

قال به يحي الفراء و وأبو عبيدة ،وابن المبارك ، وذكره الزجاج من أصل إشتقاق الكلمة من البك ، وهوبك الناس بعضهم بعضا في الطواف.

قَالَ الْخَلِيلُ بن أحمد : الْبَكُّ دَقُّ الْعُنُقِ.

وَيُقَالُ: سُمِّيَتْ بَكَّةَ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَبُكُّ أَعْنَاقَ الْجَبَابِرَةِ إِذَا أَلْحَدْوا فِيهَا بظُلْمٍ لَمْ يُنْظَرُوا.

وَيُقَالُ: بَلْ سُمِّيَتْ بَكَّةَ لِأَنَّ النَّاسَ بَعْضُهُمْ يَبُكُّ بَعْضًا فِي الطَّوَافِ، أَيْ: يَدْفَعُ

وقال الجوهري في صحاح العربية : بكك] بكَّ فلان يَبُكُّ بَكَّةً، أي زحم.

ومنه قول الراجز: إذا الشريب أخذته أكه فخله حتى يبك بكه ،وذكره الأزهري في تهذيب اللغة.

الدراسة والنقد والترجيح :

في المراد ببكة ، كما ذكر قولان المسجد والكعبة وماحواها ، فهي باللغة من البك وهو الزحام والتدافع .

وقيل تبك الظلمة والجبابرة ، في جميع أ نحاء الأرض ، وإن كان في مكة فهو أوجه وأخص .

قال ابن جرير :

وأصل"البك" : الزحم ، يقال : منه : "بك فلان فلانا" إذا زحمه وصدمه - "فهو يبكه بكا ، وهم يتباكون فيه" ، يعني به : يتزاحمون ويتصادمون فيه . فكأن" بكة ""فعلة" من "بك فلان فلانا" زحمه ، سميت البقعة بفعل المزدحمين بها .
فإذا كانت" بكة " ما وصفنا ، وكان موضع ازدحام الناس حول البيت ، وكان لا طواف يجوز خارج المسجد كان معلوما بذلك أن يكون ما حول الكعبة من داخل المسجد ، وأن ما كان خارج المسجد فمكة ، لا" بكة " . لأنه لا معنى خارجه يوجب على الناس التباك فيه . وإذ كان ذلك كذلك ، كان بينا بذلك فساد قول من قال : " بكة " اسم لبطن " مكة " ، ومكة اسم للحرم . .

قال القرطبي : وَسُمِّيَتْ بَكَّةَ لِازْدِحَامِ النَّاسِ فِي مَوْضِعِ طَوَافِهِمْ. وَالْبَكُّ دَقُّ الْعُنُقِ. وَقِيلَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَدُقُّ رِقَابَ الْجَبَابِرَةِ إِذَا أَلْحَدُوا فِيهَا بِظُلْمٍ. وَأَمَّا مَكَّةُ فَقِيلَ: إِنَّهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ ً؛لِقِلَّة مَائِهَا وَقِيلَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَمُكُّ الْمُخَّ مِنَ الْعَظْمِ مِمَّا يَنَالُ قَاصِدُهَا مِنَ الْمَشَقَّةِ مِنْ قَوْلِهِمْ: مَكَكْتُ الْعَظْمَ إِذَا أَخْرَجْتُ مَا فِيهِ. وَمَكَّ الْفَصِيلُ ضَرْعَ أُمِّهِ وَامْتَكَّهُ إِذَا امْتَصَّ كُلَّ مَا فِيهِ مِنَ اللَّبَنِ وَشَرِبَهُ، قَالَ الشَّاعِرُ: مَكَّتْ فَلَمْ تُبْقِ فِي أَجْوَافِهَا دِرَرًا، وذكره البغوي في تفسيره.

وقال ابن كثير : بكة : من أسماء مكة على المشهور ، قيل سميت بذلك لأنها تبك أعناق الظلمة والجبابرة ، بمعنى : يبكون بها ويخضعون عندها . وقيل : لأن الناس يتباكون فيها ، أي :يزدحمون .

فيتبين من كلام المفسرين ، أنها على قسمين ، من أن بكة من بك الشيء بكاً ،أي بمعنى زاحمه ، وهم يتباكون أي : يتزاحمون ،وهذا مختص بالمسجد والطواف على الغالب ، رجحه أغلب المفسرين.
والقسم الثاني بقول مكة وبكة بمعنى واحد بلغة العرب ، كما قاله ابن عاشور و القرطبي والنحاس والزجاج وابن فارس : بكة اسم مكة . وهو لغة بإبدال الميم باء في كلمات كثيرة عدت من المترادف : مثل لازب في لازم ، وأربد وأرمد أي في لون الرماد .

فبهذا يتبين لنا عظمة منزل القرآن وبلاغة إعجازه ، بترادف كلماته ، وأن لفظة واحدة تحمل في طياتها معاني ودلالات كثيرة.

مراجع البحث :

تناول المفسرون هذه الآية ، واشتملت على مسألة تفسيرية في قوله (أول بيت وضع للناس ) ، ومسألة لغوية تناولها المفسرون واللغوين بقوله ( للذي ببكة ).

والمصادر تشتمل على :

كتب التفسير المسندة ، تفسير عبدالرازق ،وابن جرير الطبري ،وابن أبي حاتم والبغوي

وكتب التفسير بدواوين السنة :جامع ابن وهب ، وجامع الترمذي ، وصحيح البخاري ، ومستدرك الحاكم وشعب الإيمان للبيهقي.
وألحق بها ،مجمع الزوائد للهيثمي ، والمطالب العالية لابن حجر.

وكتب التفسير البديلة : كتفسير ابن كثير ، والدر المنثور للسيوطي.

والكتب الناقلة : مكي بن طالب ، وابن عطية ،والقرطبي ،والماوردي ,وابن عاشور .

كتب التفسير اللغوي :معانى القرآن للفراء ،ومجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن مثنى ، ومعانى القرآن وإعرابه للزجاج ، ومعانى القرآن للنحاس.

وإلحق بها : غريب القرآن لابن المبارك ، وابن قتيبة الدينوري.

المعاجم اللغوية : العين للخليل أحمد ، ومقاييس اللغة لابن فارس ، الصححاح للجوهري ،جمهرة اللغة لابن دريد ، المخصص والمحكم لابن سيدة ،ولسان العرب لابن منظور.

كتب معنية بالتحقيق والتحرير : ابن جرير الطبري ، وابن عطية ، والبغوي ، وابن عاشور والقرطبي ،وابن كثير ، وابن القيم ،وابن تيمية ، وابن حجر.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 23 رجب 1439هـ/8-04-2018م, 06:44 AM
مها شتا مها شتا غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 655
افتراضي

مجلس مذاكرة القسم السابع من تفسير سورة آل عمران
(الآيات 93-112)
حرّر القول في: معنى قوله تعالى: {كنتم خير أمّة أخرجت للناس}.
يمدح تعالى هذه الأمة ويخبر أنها خير الأمم التي أخرجها الله للناس، وذلك بتكميلهم لأنفسهم بالإيمان المستلزم للقيام بكل ما أمر الله به، وبتكميلهم لغيرهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المتضمن دعوة الخلق إلى الله وجهادهم على ذلك وبذل المستطاع في ردهم عن ضلالهم وغيهم وعصيانهم، فبهذا كانوا خير أمة أخرجت للناس.
ويكون قَوْلُهُ: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ﴾ كَلامٌ مُسْتَأْنَفٌ يَتَضَمَّنُ بَيانَ حالِ هَذِهِ الأُمَّةِ في الفَضْلِ عَلى غَيْرِها مِنَ الأُمَمِ.
وفيها مسائل:
المسألة الأولى:من المخاطب في الآية(مسألة تفسيرية ) .
المسألة الثانية: معنى( كنتم)،ما دلالت التعبير بالفعل الماضي (كنتم)(مسألة تفسيرية -لغوية).
المسألة الثالثة : المراد بالخيرية في قوله تعالى {كنتم خير أمة أخرجت للناس}(مسألة تفسيرية)..

أولا: ذكر مراجع البحث مرتّبة على مراتب مراجع الأقوال في التفسير.
مراتب البحث:
المرتبة الأولى :مصادر أصلية : تفسير عبد الرازق –تفسير ابن جرير الطبري –تفسير ابن أبي حاتم – تفاسير الثعلبي والواحدي والبغوي - كتب التفسيرفي دواوين السنة مثل كتاب التفسير في صحح البخاري ومسلم ، سنن سعيد بن منصور الخرساني،وجامع الترمذي ،سنن النسائي ، مستدرك الحاكم .
المرتبة الثانية :مصادر بديلة : تفسير ابن كثير – ابن حجر في فتح البارى – إتحاف الخيرة المهرة للبوصيري – الدر المنثورللسيوطي-.تفسير مكي بن أبي طالب
المرتبة الثالثة : مصادر ناقلة:– الكشف والبيان للثعلبي – النكت والعيون للماوردي – المحرر الوجيز لابن عطية – زاد المسير لابن الجوزي –أحكام القرآن للقرطبي- التحرير والتنوير لابن عاشور .
التفاسير اللغوية : معاني القرآن للفراء – مجاز القرآن لأبي عبيدة - معاني القرآن للأخفش – معاني القرآن وإعرابه للزجاج-وكتب الغريب مثل غريب القرآن لليزيدي ،ولابن قتيبة،ونزهة القلوب للسجستاني والمفرادات للراغب الأصفهاني وبعض المعاجم اللغوية مثل مقاييس اللغة لابن فارس ولسان العرب لابن منظور وتاج العروس للزبيدي.
ثانيا: استخلاص الأقوال وتصنيفها ونسبتها.
المسألة الأولى :من المخاطب في الآية(مسألة تفسيرية ) .
اختلف المفسرون في المخاطب في هذه الآية على أربع أقوال:
القول الأول: أنَّهم أهْلُ بَدْرٍ، قاله ابن عباس ذكره بن الجوزي ولم اجده في المصادر الأصلية لا البديلة.
القول الثّانِي: أنَّهُمُ المُهاجِرُونَ، قاله ابن عباس ،وعبد بن حميد،وسعيد بن جبير،وعكرمة.
قول ابن عباس : ذكره عبد الرزاق وابن جريرالطبري قال ،عن طريق سماك عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس فقال: حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن سماك، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال في:"كنتم خير أمة أخرجت للناس"، قال: هم الذين خرجوا معه من مكة.
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن عطية، عن قيس، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس:"كنتم خير أمة أخرجت للناس"، قال: هم الذين هاجروا من مكة إلى المدينة.
القول الثّالِثُ: جَمِيعُ الصَّحابَةِ،قاله عمر بن الخطاب ،والسدي،والضحاك.
قول عمر بن الخطاب:رواه الطبري عن طريق سعيد عن قتادة عن عمر بن الخطاب ،قال : حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: ذكر لنا أنّ عمر بن الخطّاب قال في حجّةٍ حجّها ورأى من النّاس رعةً سيّئةً، فقرأ هذه: {كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس} الآية، ثمّ قال: يا أيّها النّاس من سرّه أن يكون من تلك الأمّة، فليؤدّ شرط اللّه منها.
قول السدي :رواه الطبري عن السدي، عمن حدثه: قال عمر:"كنتم خير أمة أخرجت للناس"، قال: تكون لأولنا ولا تكون لآخرنا.
توجية هذا القول :وإضافَةُ خَيْرَ إلى أُمَّةٍ مِن إضافَةِ الصِّفَةِ إلى المَوْصُوفِ: أيْ كُنْتُمْ أُمَّةً خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ، فالمُرادُ بِالأُمَّةِ الجَماعَةُ، وأهْلُ العَصْرِ النَّبَوِيِّ، مِثْلُ القَرْنِ، وهو إطْلاقٌ مَشْهُورٌ ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى ﴿وادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ﴾ [يوسف: ٤٥] أيْ بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ كَمُدَّةِ عَصْرٍ كامِلٍ. ولا شَكَّ أنَّ الصَّحابَةَ كانُوا أفْضَلَ القُرُونِ الَّتِي ظَهَرَتْ في العالَمِ، لِأنَّ رَسُولَهم أفْضَلُ الرُّسُلِ، ولِأنَّ الهَدْيَ الَّذِي كانُوا عَلَيْهِ لا يُماثِلُهُ هَدْيُ أصْحابِ الرُّسُلِ الَّذِينَ مَضَوْا، فَإنْ أخَذْتَ الأُمَّةَ بِاعْتِبارِ الرَّسُولِ فِيها فالصَّحابَةُ أفْضَلُ أُمَّةٍ مِنَ الأُمَمِ مَعَ رَسُولِها، قالَ النَّبِيءُ ﷺ: «خَيْرُ القُرُونِ قَرْنِي» . والفَضْلُ ثابِتٌ لِلْمَجُمُوعِ عَلى المَجْمُوعِ، وإنْ أُخِذَتِ الأُمَّةُ مَن عَدا الرَّسُولَ، فَكَذَلِكَ الصَّحابَةُ أفْضَلُ الأُمَمِ الَّتِي مَضَتْ بِدُونِ رُسُلِها، وهَذا تَفْضِيلٌ لِلْهُدى الَّذِي اهْتَدَوْا بِهِ، وهو هُدى رَسُولِهِمْ مُحَمَّدٍ ﷺ وشَرِيعَتِهِ.رواه ابن عاشور
القول الرّابِعُ: جَمِيعُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ ، قاله أبي بن كعب و بهز بن حكيم عن أبيه عن جدة،وقتادة وعلي بن أبي طالب،الحسن.
قول بهزبن حكيم عن أبيه عن جده رواه عبد الرازق في تفسيره والطبري والترمذي في سننه ،قال: أنا معمر عن بهز بن حكيم بن معاوية عن أبيه عن جده أنه سمع النبي يقول في قوله تعالى كنتم خير أمة أخرجت للناس قال أنكم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله تعالى.
قول الحسن رواه عبد الله بن وهب المصري ، الطبري عن طريق سعيد عن قتادة عن الحسن قال :حدثني محمد بن سنان قال، حدثنا أبو بكر الحنفي، عن عباد، عن الحسن في قوله:"كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر"، قال: قد كان ما تسمعُ من الخير في هذه الأمة.
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد عن قتادة قال: كان الحسن يقول: نحن آخرُها وأكرمُها على الله.
توجهة هذا القول :إمّا أنْ يَكُونَ الخِطابُ بِضَمِيرِ كُنْتُمْ لِلْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ في كُلِّ جِيلٍ ظَهَرُوا فِيهِ، ومَعْنى تَفْضِيلِهِمْ بِالأمْرِ بِالمَعْرُوفِ مَعَ كَوْنِهِ مِن فُرُوضِ الكِفاياتِ لا تَقُومُ بِهِ جَمِيعُ أفْرادِ الأُمَّةِ أنَّهُ لا يَخْلُو مُسْلِمٌ مِنَ القِيامِ بِما يَسْتَطِيعُ القِيامَ بِهِ مِن هَذا الأمْرِ، عَلى حَسْبِ مَبْلَغِ العِلْمِ ومُنْتَهى القُدْرَةِ، فَمِنَ التَّغْيِيرِ عَلى الأهْلِ والوَلَدِ إلى التَّغْيِيرِ عَلى جَمِيعِ أهْلِ البَلَدِ، أوْ لِأنَّ وُجُودَ طَوائِفِ القائِمِينَ بِهَذا الأمْرِ في مَجْمُوعِ الأُمَّةِ أوْجَبُ فَضِيلَةٍ لِجَمِيعِ الأُمَّةِ، لِكَوْنِ هَذِهِ الطَّوائِفِ مِنها كَما كانَتِ القَبِيلَةُ تَفْتَخِرُ بِمَحامِدِ طَوائِفِها، وفي هَذا ضَمانٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى بِأنَّ ذَلِكَ لا يَنْقَطِعُ مِنَ المُسْلِمِينَ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى.
القول الخامس : خير أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم قاله جابر عن أبي جعفر وذكره أبي حاتم الرازي قال :حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا أحمد بن صبيحٍ الكوفيّ، ثنا عنبسة العابد، عن جابرٍ عن أبي جعفرٍ كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس قال: خير أهل بيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
لم أجد لهذا القول توجيه غير أنهم يدخلون في عموم أمته وقرابته منه صلى الله عليه وسلم.
دراسة الأقوال ونقدها وبيان الراجح منها
بعد دراسة الأقوال وتفنيدها تبين لي والله تعالى أعلى وأعلم أن المخاطب في هذه الآية الكريمة هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة والناس عامة وكل من اهتدى بهديهم واستن بسننهم، فهم خير القرون ،سواء كانوا من المهاجرين أو الأنصار أو أهل بدر أو أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ،وهذاما رجحه الطبري والبغوي وابن كثير وابن عاشور وغيرهم من المفسرين
قال ابن القيم :َذَكَرَ الإمامُ أحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أنَّهُ قالَ: إنّ اللَّهَ اطَّلَعَ في قُلُوبِ العِبادِ فَرَأى قَلْبَ مُحَمَّدٍ ﷺ خَيْرَ قُلُوبِ العِبادِ فاخْتارَهُ لِرِسالَتِهِ.
ثُمَّ اطَّلَعَ في قُلُوبِ العِبادِ بَعْدَهُ فَرَأى قُلُوبَ أصْحابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ العِبادِ فاخْتارَهم لِصُحْبَتِهِ، فَما رَآهُ المُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهو عِنْدَ الله حَسَنٌ، وما رَآهُ المُؤْمِنُونَ قَبِيحًا فَهو عِنْدَ اللَّهِ قَبِيحٌ.
المسألة الثانية:معنى( كنتم)،ما دلالت التعبير بالفعل الماضي (كنتم)(مسألة تفسيرية -لغوية).
اختلف المفسرون في معنى "كنتم "على أقوال:
القول الأول: أنَّها عَلى أصْلِها، والمُرادُ بِها الماضِي،
ثُمَّ فِيهِ أربعة أقْوالٍ.
أحَدُها: أنَّ مَعْناهُ: كُنْتُمْ في اللَّوْحِ المَحْفُوظِ أو كنتم في علم الله خير أمة
والثّانِي: أنَّ مَعْناهُ: خُلِقْتُمْ ووُجِدْتُمْ. أي أن "كان" تامةٌ بمعنى وُجِدْتُم، و «خيرَ أمة» على هذا منصوبٌ على الحال أي: وُجدتم في هذه الحال.ذَكَرَهُما المُفَسِّرُونَ.
والثّالِثُ: أنَّ المَعْنى: كُنْتُمْ مُذْ كُنْتُمْ، ذَكَرَهُ ابْنُ الأنْبارِيِّ.
الرابع :أنها بمعنى «صِرْتُم» و «كان» تأتي بمعنى «صار» كثيراً كقوله:
بتيهاءَ قَفْرٍ والمَطِيُّ كأنها ... قَطَا الحَزْنِ قد كانَتْ فِراخا بيوضُها
أي: صارَتْ فراخاً.
القول الثّانِي: أنَّ مَعْنى كُنْتُمْ: أنْتُمْ،أي أنها زائدةٌ، والتقديرُ: أنتم خيرُ أمةٍ، وهذا قولٌ مرجوحٌ أوغَلَطٌ لوجهين، أحدُهما: أنها لا تُزاد أولاً، وقد نَقَلَ ابن مالك الاتفاقَ على ذلك. والثاني: أنها لا تعمل في «خير» مع زيادتِها، وفي الثاني نظرٌ، إذ الزيادةُ لا تنافي العملَ.
دراسة الأقوال والنقد والترجيح
قال أبو جعفر: فإن سأل سائل فقال: وكيف قيل:"كنتم خير أمة"، وقد زعمتَ أن تأويل الآية: أنّ هذه الأمة خيرُ الأمم التي مضت، وإنما يقال:"كنتم خير أمة"، لقوم كانوا خيارًا فتغيَّروا عما كانوا عليه؟
قيل: إنّ معنى ذلك بخلاف ما ذهبتَ إليه، وإنما معناه: أنتم خير أمة، كما قيل: ﴿واذكروا إذ أنتم قليل﴾ [الأنفال: ٢٦] وقد قال في موضع آخر: ﴿واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم﴾ [الأعراف: ٨٦] فإدخال"كان" في مثل هذا وإسقاطها بمعنى واحد، لأن الكلام معروف معناه.(١١) ولو قال أيضا في ذلك قائل:"كنتم"، بمعنى التمام، كان تأويله: خُلقتم خير أمة = أو: وجدتم خير أمة، كان معنى صحيحًا. * * *
وقد زعم بعض أهل العربية أن معنى ذلك: كنتم خير أمة عند الله في اللوح المحفوظ، أخرجت للناس. * * *
والقولان الأولان اللذان قلنا، أشبهُ بمعنى الخبر الذي رويناه قبلُ.

المسألة الثالثة:معنى الخيرية في قوله تعالى :{كنتم خير أمة أخرجت للناس}
اختلف المفسرون في معنى الخيرية على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنَّ مَعْناهُ: كُنْتُمْ خَيْرَ النّاسِ لِلنّاسِ.
قالَه أبُو هُرَيْرَةَ: يَأْتُونَ بِهِمْ في السَّلاسِلِ حَتّى يُدْخِلُوهم في الإسْلامِ.
وروي أيضاً عن ابن عباس ومجاهد والربيع بن أنس وعطاء وعطية العوفي.
القول الثّانِي: أنَّ مَعْناهُ: كُنْتُمْ خَيْرَ الأُمَمِ الَّتِي أُخْرِجَتْ.
قاله الحسن .
القول الثالث : لأنهم أكثر الأمم استجابة للإسلام.
قاله الربيع ،وأبي العالية ،وأبي بن كعب .
التخريج:
قول أبي هريرة : رواه البخاري في صحيحه عن طريق أبي حازم ،والنسائي في السنن الكبرى ،وابن جرير،وابن أبي حاتم ،ورواى أيضا ابن جرير عن طريق فضيل ابن مرزوق عن عطية، الهمداني في تفسير مجاهد ،و النحاس
حدّثنا محمّد بن يوسف، عن سفيان، عن ميسرة، عن أبي حازمٍ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس، قال: «خير النّاس للنّاس تأتون بهم في السّلاسل في أعناقهم، حتّى يدخلوا في الإسلام»). [صحيح البخاري: 6/37-38]
حدّثنا عبيد بن أسباطٍ، قال: حدّثنا أبي، عن فضيل بن مرزوقٍ، عن عطيّة، في قوله: {كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس} قال: خير النّاس للنّاس.
قول عطية :رواه ابن أبي حاتم عن طريق عيسى ابن موسي
ذكر عن عبيد اللّه بن موسى، عن عيسى بن موسى، عن عطيّة:
كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس قال: خير النّاس للنّاس شهدتم للنّبيّين الّذين كفر بهم قومهم بالبلاغ.
قول الحسن : رواه الطبري عن طريق عباد وقتادة .
حدّثني محمّد بن سنانٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، عن عبّادٍ، عن الحسن، في قوله: {كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر} قال: قد كان ما تسمع من الخير في هذه الأمّة.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعدٌ، عن قتادة، قال: كان الحسن يقول: نحن آخرها وأكرمها على اللّه
قول الربيع : رواه الطبري عن طريق أبي جعفر عن أبيه
حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: {كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر} قال: لم تكن أمّةٌ أكثر استجابةٍ في الإسلام من هذه الأمّة فمن ثمّ قال: {كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس}.
قول أبي بن كعب : رواه ابن أبي حاتم عن طريق أبي العالية .
حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه، عن الرّبيع، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ قوله: كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس قال: لم تكن أمّةٌ أكثر استجابة في الإسلام من هذه الأمّة فمن ثمّ قال:
كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس.
التوجية :
القول الأول:أنهم خير الناس للناس
قال ابن عطيةالعوفي:ولم يبعث نبي إلى الأمم كافة إلا محمد صلى الله عليه وسلم، فهو وأمته يدعون إلى الإيمان ويقاتلون العالم عليه، فهم خير الناس للناس، وليس يلزم على هذا التأويل أنها أفضل الأمم من نفس لفظ الآية، لكن يعلم هذا من لفظ آخر، وهي كقوله صلى الله عليه وسلم: أرأف أمتي بأمتي أبوبكر، فليس يقتضي هذا اللفظ أن أبابكر أرأف الناس على الإطلاق، في مؤمن وكافر.
القول الثاني :أنهم خير الأمم التي أخرجت للناس،وها يدل عليه كثرة الأحاديث والآثار في فضل هذه الأمة.
وَإِذَا ثَبَتَ بِنَصِّ التَّنْزِيلِ أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ خَيْرُ الْأُمَمِ، فَقَدْ رَوَى الْأَئِمَّةُ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: (خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ). [الْحَدِيثَ]
القول الثالث :أن أمة النبي صلى الله عليه وسلم أكثر الأمم استجابة بدليل كونهم نصف أهل الجنة ،ولأن الناس منها أكثر.
ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعي، عَنْ عَمْرو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أمَا تَرْضَوْنَ أنْ تَكُونُوا رُبْعَ أَهْلِ الْجَنِّةِ؟ " فَكَبَّرْنَا. ثُمَّ قَالَ: "أَمَا تَرْضَوْنَ أنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلَ الْجَنَّةِ؟ " فَكَبَّرْنَا. ثُمَّ قَالَ: "إنِّي لأرْجُو أنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّة".
دراسة الأقوال ونقدها والترجيح
قال أبو جعفرٍ: وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية القول الثاني وهو ما قال الحسن.
قال أبو السعود: ﴿تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ﴾ اسْتِئْنافٌ مُبَيِّنٌ لِكَوْنِكم خَيْرَ أُمَّةٍ،.
قال ابن عاشور :
فَمَعْنى ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ﴾ وُجِدْتُمْ عَلى حالَةِ الأخْيَرِيَّةِ عَلى جَمِيعِ الأُمَمِ، أيْ حَصَلَتْ لَكم هَذِهِ الأخْيَرِيَّةُ بِحُصُولِ أسْبابِها ووَسائِلِها، ولِأنَّهُمُ اتَّصَفُوا بِالإيمانِ، والدَّعْوَةِ لِلْإسْلامِ، وإقامَتِهِ عَلى وجْهِهِ، والذَّبِّ عَنِ النُّقْصانِ والإضاعَةِ لِتَحَقُّقِ أنَّهم لَمّا جُعِلَ ذَلِكَ مِن واجِبِهِمْ، وقَدْ قامَ كُلٌّ بِما اسْتَطاعَ، فَقَدْ تَحَقَّقَ مِنهُمُ القِيامُ بِهِ، أوْ قَدْ ظَهَرَ مِنهُمُ العَزْمُ عَلى امْتِثالِهِ، كُلَّما سَنَحَ سانِحٌ يَقْتَضِيهِ، فَقَدْ تَحَقَّقَ أنَّهم خَيْرُ أُمَّةٍ عَلى الإجْمالِ فَأخْبَرَ عَنْهم بِذَلِكَ. هَذا إذا بَيَّنّا عَلى كَوْنِ الأمْرِ في قَوْلِهِ آنِفًا ﴿ولْتَكُنْ مِنكم أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الخَيْرِ ويَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ﴾ [آل عمران: ١٠٤] وما بَعْدَهُ مِنَ النَّهْيِ في قَوْلِهِ ﴿ولا تَكُونُوا كالَّذِينَ تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: ١٠٥] الآيَةَ، لَمْ يَكُنْ حاصِلًا عِنْدَهم مِن قَبْلُ.
ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المَعْنى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ مَوْصُوفِينَ بِتِلْكَ الصِّفاتِ فِيما مَضى تَفْعَلُونَها إمّا مِن تِلْقاءِ أنْفُسِكم حِرْصًا عَلى إقامَةِ الدِّينِ واسْتِحْسانًا وتَوْفِيقًا مِنَ اللَّهِ في مُصادَفَتِكم لِمَرْضاتِهِ ومُرادِهِ، وإمّا بِوُجُوبٍ سابِقٍ حاصِلٍ مِن آياتٍ أُخْرى مِثْلَ قَوْلِهِ ﴿وتَواصَوْا بِالحَقِّ﴾ [العصر: ٣] وحِينَئِذٍ فَلَمّا أمَرَهم بِذَلِكَ عَلى سَبِيلِ الجَزْمِ، أثْنى عَلَيْهِمْ بِأنَّهم لَمْ يَكُونُوا تارِكِيهِ مِن قَبْلُ،
وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ خَيْرُ الْأُمَمِ وَأَنْفَعُ النَّاسِ لِلنَّاسِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ(٣) بِاللَّهِ﴾
قال ابن القيم : (فائدة)
وَذَكَرَ الإمامُ أحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أنَّهُ قالَ: إنّ اللَّهَ اطَّلَعَ في قُلُوبِ العِبادِ فَرَأى قَلْبَ مُحَمَّدٍ ﷺ خَيْرَ قُلُوبِ العِبادِ فاخْتارَهُ لِرِسالَتِهِ.
ثُمَّ اطَّلَعَ في قُلُوبِ العِبادِ بَعْدَهُ فَرَأى قُلُوبَ أصْحابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ العِبادِ فاخْتارَهم لِصُحْبَتِهِ، فَما رَآهُ المُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهو عِنْدَ الله حَسَنٌ، وما رَآهُ المُؤْمِنُونَ قَبِيحًا فَهو عِنْدَ اللَّهِ قَبِيحٌ.
والذي يتبين لي والله تعالى أعلى وأعلم بعد هذه الدراسة أن الخيرية في أمة محمد صلى الله عليه وسلم لا تعدم إلى قيام الساعة ،وذلك لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ،وأنها خير الأمم التي أخرجت بدلالة أن نبيها صلى الله عليه وسلم خير الأنبياء وأنه سيد ولد آدم ،وأنه أول من يدخل الجنة هو وأمته ،وأنه صاحب المقام المحمود ،وأمامالأنبياء في ليلة الأسراء والمعراج ،ومعجزته قائمة إلى يوم القيامة ألا وهي القرآن ،وأيضا أصطفى له أفضل اللغات فأنزل بلسان عربي مبين ،إلى غير ذلك من فضائل هذه الأمة .
فحمداً لله على كوننا من هذه أمة.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 23 رجب 1439هـ/8-04-2018م, 10:01 PM
ميسر ياسين محمد محمود ميسر ياسين محمد محمود غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 716
افتراضي

&قوله تعالى: (كنتم خير أمّةٍ أخرجت للناس)
ذكر الواحدي والثعلبي أن سبب نزول هذه الآية : كما قال عكرمة ومقاتل: نزلت في أبي ومعاذ وابن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة وذلك أن مالك بن الضّيف ووهب بن يهودا قالا للمسلمين ديننا خير ممّا تدعوننا إليه ونحن خير، وأوصل منكم فنزلت.
المخاطبون في الآية فيه أقوال:
1-جميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم .قاله :قتادة والحسن وبهز بن حكيم عن أبيه ، عن جده ،
- ما قاله قتادة رواه الطبري عن بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعدٌ، عن قتادة، قال: كان الحسن يقول: نحن آخرها وأكرمها على اللّه
ما قاله بهز بن حكيم عن أبيه ، عن جده ، رواه الصنعاني والترمذي والطبري والرازي من طريق معمر، عن بهز بن حكيم عن أبيه ، عن جده أنّه سمع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول في قوله: كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس قال: أنتم تتمّون سبعين أمّةً أنتم خيرها وأكرمها على اللّه.وحسنه الترمذي وقال عنه ابن حجر :(حديثٌ حسنٌ صحيحٌ )وله شاهدٌ مرسلٌ عن قتادة عند الطّبريّ رجاله ثقاتٌ وفي حديث عليٍّ عند أحمد بإسنادٍ حسنٍ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال وجعلت أمّتي خير الأمم).
- ما قاله الحسن رواه الطبري عن محمّد بن سنانٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، عن عبّادٍ، عن الحسن، في قوله: {كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر} قال: قد كان ما تسمع من الخير في هذه الأمّة.

ويدخل تحت هذا القول كل من حقق شروط الخيرية التي ذكرت في الآية،قاله عمر بن الخطاب ومجاهد .
ما قاله عمر رواه الطبري عن بشر عن يزيد عن سعيد عن قتادة قال:(ذكر لنا أن عمر بن الخطاب قال في حجة حجها ورأى من الناس رعة سيئة ،مفقرأ هذه {كنتم خير أمة أخرجت للناس}الآية،ثم قال :يا أيهاالناس من سره أن يكون من تلك الأمة ،فليؤد شرط الله منها.
- ما قاله مجاهد رواه الطبري عن محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ: {كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس} يقول: على هذا الشّرط أن تأمروا بالمعروف، وتنهوا عن المنكر، وتؤمنوا باللّه، يقول: لمن أنتم بين ظهرانيه كقوله: {ولقد اخترناهم على علمٍ على العالمين}.

&دلائل هذا القول وفيها سبب خيرتهم هي :
1-لأنّهم أكثر الأمم استجابةً للإسلام.قاله الربيع عن أبي بن كعب .
- ما قاله الربيع عن أبي بن كعب رواه الطبري والرازي من طريق عن ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: {كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر} قال: لم تكن أمّةٌ أكثر استجابةٍ في الإسلام من هذه الأمّة فمن ثمّ قال: {كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس}.وقال عنه ابن حجر اسناده حسن
2-لأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر .قاله:ابن عباس
والحسن
- ما قاله ابن عباس رواه الرازي عن عليّ بن داود، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس} يقول: تأمرونهم بالمعروف أن يشهدوا أن لا إله إلاّ اللّه، والإقرار بما أنزل اللّه، وتقاتلونهم عليه، ولا إله إلاّ اللّه هو أعظم المعروف، وتنهونهم عن المنكر، والمنكر: هو التّكذيب، وهو أنكر المنكر
- أما ما قاله الحسن رواه الطبري عن محمّد بن سنانٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، عن عبّادٍ، عن الحسن، في قوله: {كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر} قال: قد كان ما تسمع من الخير في هذه الأمّة.
3-لأنهم خير الناس للناس:قاله أبو هريرة ،وعكرمة ومجاهدٍ ، وعطيّة .
-ما قاله ابو هريرة رواه البخاري والنسائي والطبري والرازي من طريق عن سفيان، عن ميسرة، عن أبي حازمٍ، عن أبي هريرة، قال: {كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس} [آل عمران: 110] قال: نحن خير النّاس للنّاس، نجيء بهم الأغلال في أعناقهم، فندخلهم في الإسلام .
-ما قاله عكرمة رواه الرازي عن أبيه، ثنا القاسم بن محمّد بن الحارث، ثنا عليّ بن الحسن بن شقيقٍ، عن الحسين بن واقدٍ، عن يزيد النّحويّ عن عكرمة كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس قال: خير النّاس للنّاس كان قبلكم لا يأمن هذا في بلاد هذا، ولا هذا في بلاد هذا، فكلّما كنتم أمن فيكم الأحمر والأسود، وأنتم خير النّاس للنّاس
-أما ما قاله مجاهد رواه الهمذاني عن إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله كنتم خير أمة أخرجت للناس يقول أنتم خير الناس للناس)
-أما ما قاله الحسن رواه ابن وهب المصري عن الحسن في قول الله: {كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس}، قال: كنتم خير الناس للناس).
- أما ما قاله عطية رواه الطبري عن عبيد بن أسباطٍ، قال: حدّثنا أبي، عن فضيل بن مرزوقٍ، عن عطيّة،
3-لأنه دخل فيها أصناف الناس:قاله عكرمة
ما قاله عكرمة رواه الرازي عن أبيه أنبأ مالك بن إسماعيل، ثنا زهيرٌ، ثنا خصيفٌ، عن عكرمة في قوله: كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس قال: لم تكن أمّةٌ دخل فيها من أصناف النّاس غير هذه الأمّة.

&دلالة كنتم بناءً على هذا القول :
-قيل أن فعل (كان)ناقص ،أي :كنتم خير أمّةٍ في علم اللّه في اللّوح المحفوظ أخرجت للنّاس. وقيل: كنتم في الأمم قبلكم مذكورين بأنكم خير أمة موصوفين به .فيكون الخطاب لجميع الأمة .
ذكر ابن عاشور :أن المراد بأمَّة عمومُ الأمم وذلك لأن إضافة (خير)وهي من أفعل التفضيل إلى النكرة (أمة) تكون للجنس وتفيد الاستغراق. .
وذكر الزمخشري:بأن (كان )تدل على وجود الشيء في الزمن الماضي على سبيل الإبهام ولاتدل على عدم سابق ولا على انقطاع طارىء واستدل بقوله تعالى(وكان الله غفورا رحيماً) أي لا زال .
وقال أبو حبان: أنها لا تدل على عدم سابق إلا اذا جاءت بمعنى صار
وقيل أن (كان) أيضاً على هذا القول زائدة فقوله: {كنتم خير أمة} لا يدل على أنهم لم يكونوا خيرًا فصاروا خيرًا أو انقطع ذلك عنهم، وإنما معنى ذلك أنتم خير أمّةٍ .رجّح هذا القول الفراء واستدل بقوله تعالى :(واذكروا إذ أنتم قليل )وقوله :(واذكروا إذ كنتم قليل )أنها تأتي بنفس المعنى ولا تتغير بحذف كنتم .ورد الحلبي هذا القول بأنه مرجوح أو غلط لأنها لاتزاد ،ولأنها لا تعمل في (خير)مع زيادتها وقد لا تنافي الزيادة العمل واستشهد بآية البقرة (ألا نقاتل في سبيل الله).
رجح الطبري هذا القول واستشهد بأحاديث كثيرة تم تخريجها كما رجحه ابن عطية واستشهد بكونهم شهداء على الناس وقول النبي صلى الله عليه وسلم :(نحن السابقون الأولون)وحديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده
رجّح المباركفوري وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ الْأُمَّةِ كُلُّ قَرْنٍ بِحَسْبِهِ وَخَيْرُ قُرُونِهِمُ الَّذِينَ بُعِثَ فِيهِمْ رَسُولُ الله ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وسطا أَيْ خِيَارًا (لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) الْآيَةَ إِنَّمَا حَازَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ قَصَبَ السَّبْقِ إِلَى الْخَيْرَاتِ بِنَبِيِّهَا مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ فَإِنَّهُ أَشْرَفُ خَلْقِ اللَّهِ وَأَكْرَمُ الرُّسُلِ عَلَى اللَّهِ وَبَعَثَهُ اللَّهُ بِشَرْعٍ كَامِلٍ عَظِيمٍ لَمْ يُعْطَهُ نَبِيٌّ قَبْلَهُ وَلَا رَسُولٌ مِنَ الرُّسُلِ فَالْعَمَلُ عَلَى مِنْهَاجِهِ وَسَبِيلِهِ يَقُومُ الْقَلِيلُ مِنْهُ مَا لَا يَقُومُ الْعَمَلُ الْكَثِيرُ مِنْ أَعْمَالِ غيرهم مقامه انتهى كلام الحافظ بن كَثِيرٍ مُلَخَّصًا

القول الثاني:أنهم الصحابة ويدخل في هذا القول:
-الذين هاجروا من مكة إلى المدينة،قاله عمر وابن عباس وعكرمة والضحاك
ما قاله ابن عباس رواه الصنعاني وابن أبي شيبة وأحمد والنسائي والطبري والرازي والنيسابوري من طريق عن سماكٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال في: {كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس} قال: هم الّذين هاجروا مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى المدينة.وصححه النيسابوري وذكر ابن حجر أن اسناده جيد وقال الهيثمي :رجال أحمد رجال الصّحيح.

-ويدخل فيه خاصة الصحابة، قاله :عمر بن الخطاب وعكرمة والضحاك
-ما قاله عمر رواه الطبري والرازي من طريق عن أسباطٌ، عن السّدّيّ: {كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر} قال عمر بن الخطّاب: لو شاء اللّه لقال أنتم، فكنّا كلّنا، ولكن قال: {كنتم} في خاصّةٍ من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ومن صنع مثل صنيعهم، كانوا خير أمّةٍ أخرجت للنّاس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.-قال عنه العسقلاني أنه حديث منقطع
- ورواه الطبري والرازي عن أبو كريبٍ، قال: حدّثنا مصعب بن المقدام، عن إسرائيل، عن السّدّيّ، عمّن حدّثه قال عمر: {كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس} قال: تكون لأوّلنا، ولا تكون لآخرنا.
- ما قاله عكرمة رواه الطبري عن القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ: قال عكرمة: نزلت في ابن مسعودٍ، وسالمٍ مولى أبي حذيفة، وأبيّ بن كعبٍ، ومعاذ بن جبلٍ.
-ما قاله الضحاك رواه الطبري عن يحيى بن أبي طالبٍ، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبرٌ، عن الضّحّاك، في قوله: {كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس} قال: هم أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خاصّةً، يعني وكانوا هم الرّواة الدّعاة الّذين أمر اللّه المسلمين بطاعتهم

-ويدخل في هذا القول أيضاً أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم قاله أبو جعفر
- رواه الرازي عن عليّ بن الحسين، ثنا أحمد بن صبيحٍ الكوفيّ، ثنا عنبسة العابد، عن جابرٍ عن أبي جعفرٍ كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس قال: خير أهل بيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.

&وبناءً على هذا القول ذكر العلماء أن :(كان) تامة ، فتكون (خير أمة )نصب على الحال .تأويله: خلقتم خير أمّةٍ، أو وجدتم خير أمّةٍ،فيكون الخطاب للصحابة .
رد الأصفهاني هذا القول وقال أنه ليس بشيء بل إنما هي إشارة إلى أنكم كنتم كذلك في تقدير الله تعالى وحكمه.

الترجيح:يمكن الجمع بين القولين كما تبين من خلال أقوال العلماء منهم الزجاج قال :بأن هذا الخطاب للصحابة وهو يعم سائر الأمة
وقد جمع ابن كثير كذلك بين القولين حيث قال :(وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ عامةٌ فِي جَمِيعِ الْأُمَّةِ، كُلُّ قَرْن بِحَسْبِهِ، وَخَيْرُ قُرُونِهِمُ الَّذِينَ بُعثَ فِيهِمْ(8) رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلونهم، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ أَيْ: خِيَارًا ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ [وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا](9) ﴾ الْآيَةَ.)
وجمع الحلبي بين القولين في دلالة كنتم:أنها كسائر الأفعال يدل لفظ المضي منها على الانقطاع، ثم قد يستعمل حيث لا انقطاع، وفرق بين الدلالة والاستعمال واستشهد بأن لفظ العموم قد يستعمل للخصوص وأنه لا تعارض بين قوله :(وجدتم خير أمة)التامة و قوله :(وكان الله غفوراً رحيماً)لأن هذا تفسير معنى وليس تفسير إعراب.

ولفظ أمة بمعنى أهل الإسلام . كما ذكر الفيروز أبادي
وذكر العلماء أن الإخراج في قوله تعالى :{أخرجت للناس} بمعنى الإيجاد والإظهار .واستشهدوا بقوله تعالى :(فأخرج لهم عجلاً جسداً له خوار} والمراد بالناس جميع البشر .

المراجع :
المرتبة الأولى: كتب التفسير في دواوين السنّة
ومنها:
1. كتاب التفسير من صحيح البخاري
2. كتاب التفسير من صحيح مسلم(ت:261هـ)
3. أبواب تفسير القرآن من جامع الترمذي(ت:279هـ).
4. كتاب تفسير القرآن من جامع عبد الله بن وهب المصري(ت:197هـ).
5. كتاب تفسير القرآن من سنن النسائي الكبرى، وقد أفرد في كتاب مستقل، وقد أضاف إليه محقّقوه ملحقاً تضمّن ما رواه النسائي في التفسير مما استدركوه على المزي وابن حجر.
6. كتاب التفسير من مستدرك أبي عبد الله الحاكم النيسابوري(ت:405هـ).

المرتبة الثانية: كتب التفسير في جوامع الأحاديث
1. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد لأبي الحسن نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي(ت:807هـ) ،
2. إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة لأبي العباس شهاب الدين أحمد بن أبي بكر البوصيري(ت:840هـ)، .
3.الدر المنثور في التفسير بالمأثور لجلال الدين السيوطي(ت:911هـ) ،

المرتبة الثالثة: التفاسير المسندة المطبوعة
1. تفسير القرآن العزيز، لمحدّث اليمن عبد الرزاق بن همام الصنعاني (ت: 211هـ).
2: وجامع البيان عن تأويل آي القرآن، لإمام المفسّرين أبي جعفر محمد بن جرير الطبري (ت: 310هـ).
3. وتفسير القرآن العظيم، عبد الرحمن ابن أبي حاتم الرازي (ت: 327هـ)،
4: الكشف والبيان عن تفسير القرآن، لأبي إسحاق أحمد بن محمد الثعلبي (ت: 427هـ)،
5. معالم التنزيل لأبي محمد الحسين بن مسعود البغوي (ت: 516هـ).


المرتبة الرابعة: التفاسير المسندة التي طُبع شيء منها
تفسير ابن المنذر النيسابوري(ت:318هـ).
المرتبة الخامسة: أجزاء وصحف تفسيرية مطبوعة، ومنها:
تفسير مجاهد لآدم بن أبي إياس العسقلاني(ت:220هـ)، وهو من رواية عبد الرحمن بن الحسن الهمذاني

المرتبة السادسة: التفاسير التي تنقل أقوال السلف في التفسير
1. الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن أبي طالب القيسي(ت:437هـ)
2. النكت والعيون للماوري(ت:450هـ).
3. المحرر الوجيز لابن عطية(ت:542هـ).
4. زاد المسير لابن الجوزي (ت:597هـ).
5. الجامع لأحكام القرآن للقرطبي(ت:671هـ).
6. تفسير القرآن العظيم للحافظ ابن كثير الدمشقي(ت:774هـ)،
المرتبة السابعة: كتب تخريج أحاديث التفسير
بحثت في تخريج الأحاديث والآثار الواردة في الكشاف، للحافظ عبد الله بن يوسف الزيلعي (ت: 772هـ).ولم أجد نتائج


المرتبة الثامنة: شروح الأحاديث
- شرح ابن حجر ، وعمدة القاري للعيني، وتحفة الأحوذي للمباركفوري.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 23 رجب 1439هـ/8-04-2018م, 10:13 PM
ميسر ياسين محمد محمود ميسر ياسين محمد محمود غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 716
افتراضي

عذراً بارك الله فيكم فقرة (رجح المباركافوري .....)خرجت بالخطأ كانت في المسودة ونسبت مسحها جلّ من لا يسهو

رد مع اقتباس
  #11  
قديم 2 شعبان 1439هـ/17-04-2018م, 02:38 AM
شيماء طه شيماء طه غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 318
افتراضي

تطبيق
تحرير المراد بقول الله (أن أول بيت وضع للناس للذي ببكة.)
خطوات التحرير :
أولا : مراجع التحرير :
1- المصادر الأصلية :
تفسير عبد الرزاق - تفسير ابن جرير - تفسير أبي حاتم - تفسير مجاهد تفسير الثعلبي والبغوي والواحدي
ومن داووين السنة : صحيح البخاري السنن الكبرى للنسائي - المستدرك للنيسابوري
2- المصادر البديلة :
تفسير ابن كثير - والقرطبي الدر المنثور.
3- مصادر ناقلة :
تفسير ابن عطية وتفسيرالمارودي وتفسيرابن الجوزي والألوسي وابن عاشور والسعدي.
4-تفاسير أهل اللغة :تفسير الزجاج والفراء وابن قتيبة
في الآية مسألتان
1 المراد بأول بيت وضع للناس
قال معمر عن قتادة (أن أول بيت وضع لناس للذي بكة) قال أول بيت وضعه الله في الأرض فطاف به آدم ومن بعده.
في المسألة أقوال:
1 فقيل أن أول بيت وضع للناس يعبد الله فيه مباركاً وهدى لعالمين الذي ببكة. قالوا وليس هو أول بيت وضع في الأرض لأنه كان قد قبل بيوت كثيرة.
2 وقال آخرون بل هو أول بيت وضع للناس.
واختلفوا في صفة وضعه أولاً:
فقال بعضهم خلق قبل جميع الأرضين ثم دحيت الأرضون من تحته.
3 وقيل موضع الكعبة موضع أول بيت وضعه الله في الأرض.
4 هو أول بيت فيه البركة. روي عن خالد بن عرعرة. وروي أيضا عن الضحاك.
5 وقيل هو أول بيت ظهر على وجه الماء عندما خلق السماء والأرض فخلقه الله قبل الأرض بألفي عام وكان زبدة بيضاء على الأرض فدحيت الأرض من تحتها. قاله عبد الله بن عمرو ومجاهد وقتادة والسدي.
6 قيل أول بيت بناه الله في الأرض قاله ابن عباس.
8 وقيل أول بيت يحج أليه لله.
9 هو أول بيت جعل قبلة للناس.
تخريج القول الأول
ذكره ابن جرير عن سماك عن خالد بن عرعرة.
وذكره أيضاً عن الحسن
ورواه أيضاً عن سالم عن سعيد.
2 تخريج القول الثاني
ذكره ابن جرير عن عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو.
ورواه أيضا عن أسباط عن السدي.
ورواه أيضا عن قتادة.
3 تخريج القول الثالث
ذكره ابن جرير عن قتادة.
4 تخريج القول الرابع ذكره ابن حاتم عن خالد بن عرعرة. وذكره الثعالبي عن الضحاك.
والراجح من هذه الأقوال ما ذكره ابن جرير حيث قال:
(واصواب ما قال جل ثناؤه فيه أن أول بيت مبارك وهدى وضع للناس للذي ببكة. ومعنى ذلك أن أول بيت وضع للناس أي لعبادة الله فيه وهدى ومآباً لنسك الناسكين جطواف الطائفين تعظيماً لله وأجلالا له لصحة الخبر بذلك:
وهو ما روي عن أبي ذر قال (قلت يا رسول الله أي مسجد وضع أولا قال المسجد الحرام قال ثم أي قال المسجد الأقصى قال كم بينهما قال أربعون سنة.
فقد بين هذا الخبر أن المسجد الحرام هو أول مسجد وضعه الله في الأرض فأما في موضعه بيتاً بغيره معنى بيتاً للعبادة والهدى والبركة..
5تخريج القول الخامس ذكره الثعالبي عن مجاهد وقتادة والسدي.
6 تخريج القول السادس ذكره الثعالبي عن ابن عباس.
7 تخريج القول السابعذكره الثعاالبي عن ابن عباس.
8 القول الثامن ذكره الثعالبي ولم أجد له نسبة لقائل.
2 المراد (ببكة.)
قال قتادة وبكة يبك الناس بعضهم بعضا الرجال والنساء يصلي بعضهم بين يدي بعض ويمر بعضهم بين يدي بعض لا يصلح ذلك ألا بمكة.
تخريج القول ذكره ابن جرير عن قتادة.
وذكره ابن حاتم عن ابن عمر
وذكره أيضا عن محمد بن علي بن الحسين.
2 سميت بكة لأن الناس يجيؤون من كل مكان حجاجاً.
تخريج هذا القول ذكره ابن حاتم عن عبد اله بن الزبير.
وذكره أيضا عن مقاتل بن حيان.
3 أن الله بك به الناس جميعاً فيصلي النساء أمام الرجال ولا يفعل ذلك ببلد غيره.
روي عن مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة وقتادة وعمرو بن شعيب ومقاتل بن حيان.
التخريج:
ذكره ابن حاتم عن مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة وقتادة وعمرو بن شعيب ومقاتل بن حيان.
4 أنها كانت تبك الظلمة.
التخريج ذكره ابن حاتم عن محمد بن زيد بن مهاجر.
5 أنها من البيت ألى البطحاء. روي عن ابن عباس.
التخريج ابن حاتن عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
6 موضع البيت مكة وما سوى ذلك بكة. روي عن أبي مالك.
التخريج ذكره ابن أبي حاتم عن عطية وأبراهيم النخعي وأبي صالح ومقاتل بن حيان.
7 البيت وما حوله بكة وما وراء ذلك مكة. روي عن عكرمة.
التخريج ذكره ابن أبي حاتم عن عكرمة.
7 قال الضحاك والمدرج هي مكة والعرب تعاقب بين الباء والميم.
التخريج ذكره الثعالبي عن الضحام.
8 وقال ابن شهاب وضمرة بن ربيعة بكة المسجد والبيت ومكة الحرم كله.
التخريج ذكره الثعالبي.
9 بكة لأنها تبك أعناق الجبابرة أي تدقه فلم يقصدها جبار يطلبها ألا وقصمه الله. وأما مكة فسميت لقلة مائها. وهذا قول عبد الرحمن ابن الزبير.
التخريج ذكره الثعالبي عن عبد الرحمن بن الزبير.

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 22 شعبان 1439هـ/7-05-2018م, 06:14 AM
تماضر تماضر غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 521
افتراضي

المطلب الأول:
المراجع :

هذه الآية فيها عدة مسائل :
أولا ما يتعلق بمعنى قوله (أول بيت) وهي مسألة تفسيرية , وثانيًا ما يتعلق بمعنى بكة واشتقاقها وسبب تسميتها بذلك وهذه مسألة لغوية تفسيرية .
المراجع الأصلية :
كتب التفسير في دواوين السنة : جامع عبدالله بن وهب المصري وسنن سعيد بن منصور الخرساني وسنن النسائي والمستدرك للحاكم .
وإتحاف الخيرة المهرة للبوصيري.
تفسير عبدالرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم الرازي والثعلبي والبغوي.
كتب التفسير التي تهتم بأقوال السلف
تفسير ابن عطية , تفسير ابن كثير , ابن عاشور.
كتب علماء اللغة في بيان معاني القرآن:
الفراء , أبو عبيدة معمر بن المثنى , ابن قتيبة , الزجاج , النحاس.

:
1-مقدمة :
سبب نزول قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا﴾ :
قال البغوي: سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الْيَهُودَ قَالُوا لِلْمُسْلِمِينَ: بَيْتُ الْمَقْدِسِ قِبْلَتُنَا، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْكَعْبَةِ وَأَقْدَمُ، وَهُوَ مُهَاجَرُ الْأَنْبِيَاءِ، وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ بَلِ الْكَعْبَةُ أَفْضَلُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ﴾


2-المسألة الأولى : معنى قوله تعالى (إن أول بيت وضع للناس):
قال الزجاج : معنى أول في اللغة على الحقيقة ابتداء الشيء فجائز أن يكون المبتدأ له آخر وجائز أن لا يكون له آخر .

المطلب الثاني: استخلاص الأقوال وتصنيفها:
واختلف علماء التفسير في المراد بالأولية هل هي أولية مطلقة أم نسبية على قولين:
القول الأول: أنها أولية نسبية , واختلفوا في ذلك على أقوال:

الأول: أنه أول مسجد وضع للناس في الأرض لعبادة الله .رواه ابن جرير عن الحسن ومطر وسعيد , ورواه الرملي عن عطاء , ورواه الرازي عن عامر الشعبي عن علي , وبه قال ابن جرير وابن عطية وابن كثير .

الثاني: أول بيت وضعت فيه البركة والهدى , رواه النحاس والرازي والحاكم في المستدرك والبوصيري في إتحاف الخيرة عن خالد بن عرعرة عن علي.

القول الثاني: أنه أول بيت وضع للناس في الأرض مطلقا , واختلفوا في ذلك على أقوال:
الأول: أنه أنزل مع آدم , رواه عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة .
الثاني: أنه أمر آدم فبناه , رواه البيهقي عن قتادة وضعفه ابن كثير.
الثالث : أنه خلق قبل جميع الأرضين، ثمّ دحيت الأرضون من تحته.رواه ابن جرير عن عبدالله بن عمرو ومجاهد , ورواه الرازي عن السدي.
الرابع: أنه البيت المعمور ,رواه ابن جرير عن قتادة و ذكره الزجاج والبغوي , وروده ابن عطية .

#المطلب الثالث: تخريج الأقوال:
أ: أول بيت وضع للعبادة:
1-قول الحسن , رواه ابن جرير عن يعقوب عن ابن عليّة، عن أبي رجاءٍ، قال: سأل حفصٌ الحسن وأنا أسمع، عن قوله: {إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة مباركًا} قال: هو أوّل مسجدٍ عبد اللّه فيه في الأرض.
2-قول مطر , رواه ابن جرير عن عبد الجبّار بن يحيى الرّمليّ، قال: حدّثنا ضمرة، عن ابن شوذبٍ، عن مطرٍ، في قوله: {إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة} قال: قد كانت قبله بيوتٌ، ولكنّه أوّل بيتٍ وضع للعبادة.
3-قول سعيد رواه ابن جرير قال:حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحمّانيّ، قال: حدّثنا شريكٌ، عن سالمٍ، عن سعيدٍ: {إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة مباركًا} قال: وضع للعبادة.
4-قول علي , رواه الرازي قال حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا سعيد بن سليمان، ثنا شريكٌ عن مجالدٍ، عن عامرٍ الشّعبيّ، عن عليٍّ في قوله: إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة مباركاً قال: كانت البيوت قبله، ولكن كان أوّل بيتٍ وضع لعبادة اللّه.

ب: أول بيت وضعت فيه البركة والهدى :
1-قول علي رضي الله عنه :
رواه النحاس عن وروى النحاس عن إسرائيل عن سماك بن حرب عن خالد بن عرعرة قال: سأل رجل عليا عن*{أول بيت وضع للناس للذي ببكة}*أهو أول بيت في الأرض؟ قال:*لا ولكنه أول بيت وضعت فيه البركة والهدى ومقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا وأن الله أوحى إلى إبراهيم صلوات الله عليه أن ابن لي بيتا وضاق به ذرعا فأرسل الله السكينة وهي ريح خجوج لها رأس فنظرت موضع البيت.
ورواه ابن جرير والرازي والبوصيري عن سماكٍ، عن خالد بن عرعرة، قال: قام رجلٌ إلى عليٍّ، فقال: ألا تخبرني عن البيت، أهو أوّل بيتٍ وضع في الأرض؟ فقال: لا، ولكنّه أوّل بيتٍ وضع فيه البركة {مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنًا}....الحديث.
قال البوصيري: هذا إسنادٌ رواته ثقاتٌ إلّا خالد بن عرعرة؟ فإنّي لم أقف له على ترجمةٍ.
ورواه الحاكم في المستدرك قال: بكر بن محمّدٍ الصّيرفيّ، بمرو، ثنا أحمد بن ملاعب بن حيّان، ثنا عبيد اللّه بن موسى، ومحمّد بن سابقٍ، قالا: ثنا إسرائيل، ثنا خالد بن حربٍ، عن خالد بن عرعرة، قال: سأل رجلٌ عليًّا رضي اللّه عنه عن {أوّل بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة مباركًا} [آل عمران: 96] أهو أوّل بيتٍ بني في الأرض؟ قال: لا، ولكنّه " أوّل بيتٍ وضع فيه البركة والهدى، ومقام إبراهيم، ومن دخله كان آمنّا، ولإن شئت أنبأتك كيف بناه اللّه عزّ وجلّ، إنّ اللّه أوحى إلى إبراهيم أن ابن لي بيتًا في الأرض فضاق به ذرعًا، فأرسل اللّه إليه السّكينة، وهي ريحٌ خجوجٌ، لها رأسٌ، فاتّبع أحدهما صاحبه حتّى انتهت، ثمّ تطوّقت إلى موضع البيت تطوّق الحيّة، فبنى إبراهيم فكان يبني هو ساقًا كلّ يومٍ، حتّى إذا بلغ مكان الحجر، قال لابنه: أبغني حجرًا فالتمس ثمّة حجرًا حتّى أتاه به، فوجد الحجر الأسود قد ركّب، فقال له ابنه: من أين لك هذا؟ قال: جاء به من لم يتّكل على بنائك جاء به جبريل عليه السّلام من السّماء فأتمّه «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلمٍ ولم يخرجاه»

ج:قول قتادة : أنه أنزل مع آدم , رواه عبد الرزاق وابن جرير عن معمر عن قتادة في قوله تعالى (إن أول بيت وضع*للناس للذي ببكة مباركا) قال: أول بيت وضعه الله في الأرض فطاف به آدم ومن بعده .
ورواه ابن جرير عن بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: ذكر لنا أنّ البيت، هبط مع آدم حين هبط، قال: أهبط معك بيتي يطاف حوله كما يطاف حول عرشي، فطاف حوله آدم ومن كان بعده من المؤمنين، حتّى إذا كان زمن الطّوفان، زمن أغرق اللّه قوم نوحٍ رفعه اللّه وطهّره من أن يصيبه عقوبة أهل الأرض، فصار معمورًا في السّماء، ثمّ إنّ إبراهيم تتبّع منه أثرًا بعد ذلك، فبناه على أساسٍ قديمٍ كان قبله.
.
د: أنه أمر آدم فبناه , رواه البيهقي عن قتادة وضعفه ابن كثير.
قال البيهقي: أخبرنا أبو عبدالله الحافظ قال أخبرنا أبو جعفر محمد بن محمد بن عبدالله البغدادي قال: حدثني يحيى بن عثمان بن صالح , قال: حدثنا أبو صالح الجهني قال :حدثني ابن لهيعة عن يزيد عن أبي الخير عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم بعث الله جبر عليه السلام إلى آدم وحواء فقال لهما ابنيا لي بناء , فخط لهما جبريل عليه السلام فجعل آدم يحفر وحواء تنقل حتى أجابه الماء نودي من تحته : حسبك يا آدم فلما بنياه أوحى الله تعالى إليه أن يطوف به وقيل له : أنت أول الناس , وهذا أول بيت ,ثم تناسخت القرون حتى حجه نوح , ثم تناسخت القرون حتى رفع إبراهيم القواعد منه"تفرد به ابن لهيعة مرفوعا.

ه: أنه خلق قبل جميع الأرضين، ثمّ دحيت الأرضون من تحته.رواه ابن جرير عن عبدالله بن عمرو ومجاهد والسدي, ورواه الرازي عن السدي.
1-عبدالله بن عمرو قال ابن جرير: حدّثنا محمّد بن عمارة الأسديّ، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، قال: أخبرنا شيبان عن الأعمش، عن بكير بن الأخنس، عن مجاهدٍ، عن عبد اللّه بن عمرٍو، قال: خلق اللّه البيت قبل الأرض بألفي سنةٍ، وكان إذا كان عرشه على الماء، زبدةً بيضاء، فدحيت الأرض من تحته.
2-قول مجاهد حدّثني محمّد بن عبد اللّك بن أبي الشّوارب، قال: حدّثنا عبد الواحد بن زيادٍ، قال: حدّثنا خصيفٌ، قال: سمعت مجاهدًا، يقول: إنّ أوّل ما خلق اللّه الكعبة، ثمّ دحى الأرض من تحتها.
-قول السدي رواه ابن جرير والرازي عن أحمد ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة مباركًا وهدًى للعالمين} أمّا أوّل بيتٍ، فإنّه يوم كانت الأرض ماءً، وكان زبدةً على الأرض، فلمّا خلق اللّه الأرض، خلق البيت معها، فهو أوّل بيتٍ وضع في الأرض..

و: أنه البيت المعمور ,رواه ابن جرير عن قتادة و ذكره الزجاج والبغوي , وروده ابن عطية .
قال ابن جرير: بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: ذكر لنا أنّ البيت، هبط مع آدم حين هبط، قال: أهبط معك بيتي يطاف حوله كما يطاف حول عرشي، فطاف حوله آدم ومن كان بعده من المؤمنين، حتّى إذا كان زمن الطّوفان، زمن أغرق اللّه قوم نوحٍ رفعه اللّه وطهّره من أن يصيبه عقوبة أهل الأرض، فصار معمورًا في السّماء، ثمّ إنّ إبراهيم تتبّع منه أثرًا بعد ذلك، فبناه على أساسٍ قديمٍ كان قبله.
قال البغوي : رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَضَعَ تَحْتَ الْعَرْشِ بَيْتًا وَهُوَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ، وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يَطُوفُوا بِهِ، ثُمَّ أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ سُكَّانُ الْأَرْضِ أَنْ يَبْنُوا فِي الْأَرْضِ بَيْتًا عَلَى مِثَالِهِ وَقَدْرِهِ، فَبَنَوْا وَاسْمُهُ الضِّرَاحُ، وَأَمَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ أَنْ يَطُوفُوا بِهِ كَمَا يَطُوفُ أَهْلُ السَّمَاءِ بِالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ.
قال ابن عطية : قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ورويت في هذا أقاصيص من نزول آدم به من الجنة ومن تحديد ما بين خلقه ودحو الأرض، ونحو ما قال الزجّاج: من أنه البيت المعمور أسانيدها ضعاف .

#المطلب الرابع : توجيه الأقوال:
القول الأول: أن الأولية نسبية وهي كونه أول بيت بني على الأرض لطاعة الله وعبادته ويدخل في ذلك قول علي رضي الله عنه أنه أول بيت وضعت فيه البركة وذلك لأنه بني لعبادة الله , ومستند أصحاب هذا القول ما رواه النسائي في السنن الكبرى قال: أخبرنا بشر بن خالدٍ، حدّثنا غندرٌ، عن شعبة، عن سليمان، قال: سمعت إبراهيم يحدّث عن أبيه، عن أبي ذرٍّ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه سأله عن أوّل مسجدٍ وضع للنّاس، قال: «مسجد الحرام، وبيت المقدس» فسئل: كم بينهما؟ قال: «أربعون عامًا، وحيث ما أدركتك الصّلاة فصلّ، فثمّ مسجدٌ»).**وذكره ابن كثير عن الإمام أحمد.
القول الثاني أنها أولية مطلقة واختلافهم في ذلك على عدة صفات فبالنظر إلى أسانيدها نجد أن أصحاب القول الأول أصح أسنادا كما أنها تتعارض.

#المطلب الخامس الدراسة والترجيح :
القول الأول أنه أول بيت وضع للعبادة رجحه ابن جرير وابن كثير وابن عاشور وهو الموافق لحديث أبي ذر رضي الله عنه .
قال ابن جرير:قال ابن جرير / والصّواب من القول في ذلك: ما قال جلّ ثناؤه فيه: إنّ أوّل بيتٍ مباركٍ وهدًى وضع للنّاسٍ للّذي ببكّة. ومعنى ذلك أنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس أي لعبادة اللّه فيه مباركًا وهدًى، يعني بذلك ومآبًا لنسك النّاسكين وطواف الطّائفين، تعظيمًا للّه وإجلالاً له؛ للّذي ببكّة؛ لصحّة الخبر بذلك عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
- وذلك ما: حدّثنا به محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن شعبة، عن سليمان، عن إبراهيم التّيميّ، عن أبيه، عن أبي ذرٍّ، قال: قلت يا رسول اللّه، أيّ مسجدٍ وضع أوّل؟ قال: المسجد الحرام قال: ثمّ أيّ؟ قال: المسجد الأقصى قال: كم بينهما؟ قال: أربعون سنةً
فقد بيّن هذا الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّ المسجد الحرام هو أوّل مسجدٍ وضعه اللّه في الأرض على ما قلنا.


المسألة الثانية ما يتعلق بقول تعالى (للذي ببكة):

أولا : اشتقاق بكة في اللغة :
الأقوال:

القول الأول:
مشتق من البك يقال: بك الناس بعضهم بعضا إذا ازدحموا , وأصل البكّ الزّحم، يقال منه: بكّ فلانٌ فلانًا: إذا زحمه وصدمه فهو. ببكّة مباركًا، وهم يتباكّون فيه: يعني به: يتزاحمون ويتصادمون فيه، فكان بكّة: فعلةٌ من بكّ فلانٌ فلانًا: زحمه، سمّيت البقعة بفعل المزدحمين بها.
ذكره الفراء وأبو عبيدة معمر بن المثنى وعبدالله بن المبارك اليزيدي والزجاج وابن جرير ورواه سعيد بن منصور عن سعيد بن جبير ومجاهد.
القول الثاني:مأخوذة من بككت الرجل،*أي:*وضعت ورردت نخوته، وكأنها تضع من نخوة المتجبرين, وأنشد الشاهد عن أبي عبدالله: إذا الشريب أخذته أكه فخله حتى يبك بكة , ذكره عبدالله بن المبارك اليزيدي والزجاج .
التخريج:
قول سعيد بن جبير رواه سعيد بن منصور قال نا إسماعيل بن زكريّا، عن سفيان، عن حمّادٍ، قال: سألت سعيد بن جبيرٍ: لم سمّيت بكّة؟ قال: لأنّ الرّجال يتباكّون فيها والنساء جميعًا.
قول مجاهد رواه سعيد بن منصور قال:قال : نا عبد الرّحمن بن زيادٍ، عن شعبة، عن سلمة بن كهيل، قال: سمعت مجاهدًا يقول: إنّما سمّيت: بكّة؛ لأنّ النّاس يبكّ بعضهم بعضًا.

توجيه الأقوال وترجيحها:
كلا القولين صحيحان ويدخلان في معنى بكة والله أعلم.

المسألة الثانية : المراد ببكة :

القول الأول: أن مكة سميت ببكة لازدحام الناس بها , وهي الموضع الذي يحج الناس إليه , قال ذلك الفراء وأبو عبيدة معمر بن المثنى, وابن قتيبة واليزيدي , ورواه ابن جرير عن الضحاك .
القول الثاني: أن المراد ببكة موضع الطواف والبيت وذلك لازدحام الناس فيه , أما مكة فهو اسم القرية , قاله عبدالله بن المبارك وذكره ابن قتيبة والزجاج , ورواه سعيد بن منصور عن إبراهيم ,وعبدالله بن وهب عن ابن شهاب ,وابن جرير عن مالك الغفاري وعطية العوفي وابن شهاب وضمرة بن ربيعة , ورواه الرازي عن ابن عباس وأبي مالك وعكرمة وإبراهيم.

التخريج :
1- قول الضحاك رواه ابن جرير قال: - وقال بعضهم بما: حدّثني به يحيى بن أبي طالبٍ قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبرٌ، عن الضّحّاك، في قوله: {إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة} قال: هي مكّة.
2-قول إبراهيم : قال سعيد بن منصور : قال: نا أبو عوانة، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: بكّة موضع البيت، ومكة سائر القرية.
ورواه عن مجاهد وعطاء قال: نا مسلم بن خالدٍ الزّنجي، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ وعطاءٍ، قالا: مقام إبراهيم: المسجد الحرام، ومنًى، وعرفة، والمزدلفة.
3-قول ابن شهاب رواه عبدالله بن وهب : قال عن يحيى بن أزهر عن غالب بن عبيد الله أنه سأل ابن*شهاب عن بكة، فقال: بكة البيت والمسجد، وسأله عن مكة، فقال ابن شهاب: مكة الحرم كله).*
4-روى ابن جرير عن مالك وعطية وابن شهاب وضمرة :
عن مالك الغفاري قال - حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن حصينٍ، عن أبي مالكٍ الغفاريّ، في قوله: {إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة مباركًا} قال: بكّة: موضع البيت، ومكّة: ما سوى ذلك
وعن عطية العوفي قال: حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن فضيل بن مرزوقٍ، عن عطيّة العوفيّ، قال: بكّة: موضع البيت، ومكّة: ما حولها.
وعن ابن شهاب قال : حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني يحيى بن أزهر، عن غالب بن عبيد اللّه، أنّه سأل ابن شهابٍ عن بكّة: البيت والمسجد، وسأله عن مكّة، فقال ابن شهابٍ: مكّة: الحرم كلّه. –
وعن ضمرة بن ربيعة قال: حدّثني عبد الجبّار بن يحيى الرّمليّ، قال: قال ضمرة بن ربيعة بكّة: المسجد، ومكّة: البيوت.
5-روى الرازي عن ابن عباس وأبي مالك وعكرمة وإبراهيم
قال: - ذكر عن حمّاد بن سلمة، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ قال: مكّة من الفجّ إلى التّنعيم، وبكّة من البيت إلى البطحاء.
-حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا ابن فضيلٍ، عن حصينٍ، عن أبي مالكٍ قال: موضع البيت بكّة وما سوى ذلك مكّة. قال أبو محمّدٍ: وروي عن عطيّة وإبراهيم النّخعيّ وأبي صالحٍ، ومقاتل بن حيّان نحو ذلك.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا خالد بن حيّان، عن جعفر بن برقان عن عكرمة قال: البيت وما حوله بكّة، وما وراء ذلك مكّة. قال أبو محمّدٍ: وروي عن ميمون بن مهرانٍ نحو ذلك.
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا أبو قطنٍ، ثنا شعبة، عن المغيرة، عن إبراهيم قال: بكّة: البيت والمسجد. قال أبو محمّد، وروي عن ابن شهابٍ مثل ذلك.


توجيه الأقوال :
مستند القول الأول الذين قالوا أن مكة هي بكة , لأن العرب تعاقبت بَيْنَ الْبَاءِ وَالْمِيمِ، فَتَقُولُ: سَبَّدَ رَأْسَهُ وَسَمَّدَهُ وَضَرْبَةُ لَازِبٍ وَلَازِمٍ، واغبطت عليه الحمى واغمطت , أما أصحاب القول الثاني الذين فرقوا بين المسجد الحرام وما سواه فمستندهم أصل الكلمة ومعناها فقالمراد به الازدحام ولابحصل ذلك إلا في المسجد الحرام فقط ولا يلحق ذلك بقية مكة .


دراسة الأقوال ونقدها وبيان الراجح منها :
قال الزجاج: الإجماع أن بكة ومكة الموضع الذي يحج الناس إليه، وهي البلدة، قال اللّه - عزّ وجلّ:*{ببطن مكة}*وقال:*{للّذي ببكّة مباركا}.
قال ابن عاشور: والظّاهِرُ عِنْدِي أنَّ بَكَّةَ اسْمٌ بِمَعْنى البَلْدَةِ وضَعَهُ إبْراهِيمُ عَلَمًا عَلى المَكانِ الَّذِي عَيَّنَهُ لِسُكْنى ولَدِهِ بِنِيَّةِ أنْ يَكُونَ بَلَدًا

ورجح ابن جرير الطبري القول الثاني , ووجه ترجيحه أن أصل اشتقاق بكة من البك وهو الازدحام والتدافع ، وموضع ازدحام النّاس حول البيت، ولا يجوز الطواف خارج المسجد، فيكون المراد أن ما حول الكعبة من داخل المسجد، وأنّ ما كان خارج المسجد فمكّة لا بكّة؛ لأنّه لا معنى خارجه يوجب على النّاس التّباكّ فيه، وإذا كان ذلك كذلك كان بيّنًّا بذلك فساد قول من قال بكّة اسمٌ لبطن مكّة، ومكّة اسمٌ للحرم.
,وكلا القولين لهما وجاهه فالأول مستنده لغة العرب وإطلاقاتها والثاني مستنده سبب التسمية ومعناها واشتقاقها.

-سبب تسمية بكة بهذا الاسم:
1-لأن الناس يتزاحمون فيها ، يبكي بعضهم بعضا، ويصلي بعضهم بين يدي بعض، ويمر بعضهم بين يدي بعض، لا يصلح ذلك إلّا بمكة. ذكره ابن جرير والرازي والثعلبي
رواه ابن جرير عن سعيد وقتادة ومجاهد
التخريج:
قال ابن جرير: حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن حمّادٍ، عن سعيدٍ، قال: قلت: أيّ شيءٍ سمّيت بكّة؟ قال: لأنّهم يتباكّون فيها، قال: يعني يتزاحمون.
وعن قتادة قال: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة مباركًا} فإنّ اللّه بكّ به النّاس جميعًا، فيصلّي النّساء قدّام الرّجال، ولا يصلح ببلدٍ غيره.
وعن مجاهد قال: حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الصّمد، قال: حدّثنا شعبة، قال: حدّثنا سلمة، عن مجاهدٍ، قال: إنّما سمّيت بكّة؛ لأنّ النّاس يتباكّون فيها، الرّجال والنّساء.

2-لأن الناس يجيئون إليها حجاجا من كل جانب , رواه ابن جرير والرازي عن ابن الزبير.
التخريج:
قال ابن جرير : حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن الأسود بن قيسٍ، عن أخيه، عن ابن الزّبير، قال: إنّما سمّيت بكّة؛ لأنّهم يأتونها حجّاجًا.
قال ر الرازي عن ابن الزبير حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ وعمرٌو الأوديّ قالا: ثنا وكيعٌ، عن سفيان عن الأسود بن قيسٍ، عن أخيه، عن عبد اللّه بن الزّبير قال: إنّما سمّيت بكّة لأنّ النّاس يجيئون من كلّ جانبٍ حجّاجاً والسّياق للأشجّ. قال أبو محمّدٍ: وروي عن مقاتل بن حيّان نحو ذلك.

3-الذكر فيها كالأنثى , رواه الرازي عن عتبة بن قيس.
التخريج: قال الرازي- حدّثنا أبو زرعة، ثنا إبراهيم بن موسى، أنبأ ابن أبي زائدة أنبأ مسعرٌ قال: سمعت عتبة بن قيسٍ يقول: بكّة بكّت بكّاً، الذّكر فيها كالأنثى قلت: عمّن تروي هذا؟ فذكر ابن عمر.

4-لأنها تبك الظلمة , ذكره الرازي والزجاج ونسبه الثعلبي لابن الزبير.
التخريج : قال الرازي قرئ على بحر بن نصرٍ الخولانيّ، ثنا ابن وهبٍ، حدّثني يعقوب الإسكندرانيّ أنّه سأل محمّد بن زيد بن مهاجرٍ يكتب له في منزلٍ في داره بمكّة فكتب إليّ ابن فرّوخٍ: إيّاك أن تكريها، أو تأكل من خراجها شيئاً، فإنّها إنّما سمّيت بكّة لأنّها كانت تبكّ الظّلمة.
قال الثعلبي : قال عبد الرحمن بن الزبير: سميت بكة لأنّها تبك أعناق الجبابرة أي تدقها، فلم يقصدها جبار يطلبها إلّا وقصمه الله.


هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 28 شعبان 1439هـ/13-05-2018م, 04:32 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

تقويم مجلس مذاكرة القسم السابع من تفسير سورة آل عمران
(الآيات 93-112)



قوله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس}.
المسائل الأساسيّة في هذه الآية ثلاث، وهي المخاطب في الآية، ومعنى كونهم خير أمّة، ومعنى مجيء الفعل {كنتم} في صيغة الماضي.

وقد شهدت الأحاديث والآثار بما يبيّن أفضليّة هذه الأمة وما حازته من الشرف دون الأمم لفضل نبيها وكتابها وشرعها وكثرة الأتباع وما شرفوا به من تحصيل العلم النافع والعمل الصالح ودعوة الخلق إليه ونحو ذلك من حسنات هذه الأمة، وقد فصّل في ذلك ابن كثير -رحمه الله- وأورد الكثير من الشواهد الدالّة على سبق الأمة المحمدية فليراجع للفائدة.


1: فاطمة الزهراء أحمد ج

بارك الله فيك ونفع بك، وأشكر لك جهدك في هذا التطبيق، وتوجد ملاحظات مهمّة أرجو أخذها بعين الاعتبار.
- توجد ملاحظات على تصنيف بعض المراجع، حيث ألحقت بعض المصادر بتصنيفات غير مناسبة، فأرجو مراجعتها وضبط أنواع المراجع جيدا.
- على الرغم من كثرة مراجعك في التحرير إلا أنك لم تستفيدي منها كلها.
- قد تحسّن التخريج لديك والحمد لله، إلا أنه ما زال يحتاج إلى عناية أكثر، وراجعي صيغة التخريج فإننا لا نقول مثلا: "قاله أبو هريره من طريق فلان ورواه عنه ابن أبي حاتم" ولكن نقول: رواه ابن أبي حاتم عن أبي هريرة من طريق فلان عن فلان عن .....
وقد فاتك تخريج الأحاديث المروية في شأن هذه الآية، وتخريج الأحاديث أولى من تخريج الآثار، وكذلك فاتك تخريج سبب النزول، ويوجد نقص أحيانا في نسبة بعض الأقوال.
-
يفوتك الحكم على المرويات وتعقّبها، وقد علّق ابن حجر على كثير من الآثار المرويّة في تفسير الآية، والحكم على المرويات (متى أمكن) مهمّ لأجل اعتبار الأقوال والترجيح بينها.
- اعتمادك أساسا على تفسير "زاد المسير" في حصر الأقوال وتصنيفها لا يصلح.
- توسيع دائرة الاطّلاع وخاصّة في المراجع اللغوية مهمّ لأجل توجيه الأقوال.
- لا يناسب البدء بتحرير مسألة مجيء الفعل {كنتم} في صيغة الماضي قبل تحرير مسألة المخاطب ومعنى الخيرية لأنك نقلتِ ترجيح ابن جرير في المسألة بما فيه ترجيحه لهاتين المسألتين.
- الأقوال في المخاطب يمكن حصرها في قولين، ويراجع تحرير الأستاذة هناء.
- تعرّضتِ لمسألة الشرط في هذه الخيرية، أي هل هي مشروطة بما ذكر بعدها من الأمر بالمعروف أم أن الخيرية ثابتة لهذه الأمّة، لكنك لم تفصّلي فيها، والصحيح أن أفضليّة هذه الأمة ثابتة.


2: هناء هلال محمد أ

أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
- يلاحظ على تطبيقك ما ذكر في التقويم السابق بخصوص الحكم على المرويات التفسيرية.
- بمناسبة كلامك عن لام "للناس" توجد مسألة مهمّة وهي تعلّق الجارّ والمجرور {للناس} وهو على قولين:
الأول أنه متعلّق بـ {خير} فينسجم معه القول بأن معنى الخيرية هنا النفع، حيث يكون المعنى: كنتم خير أمة للناس.
الثاني: أنه متعلّق بـ {أخرجت} فيكون معنى الآية: كنتم خير أمة ظهرت في الأمم.
فلها الأفضليّة المطلقة والسبق على غيرها من الأمم، ولا شكّ أن نفع هذه الأمة لغيرها هو أحد محاسنها وفضائلها.
- مسألة "متى كانت الخيرية" هي نفسها مسألة معنى مجيء الفعل {كنتم} في الماضي، فإن ما ذكرتيه فيها هو أقوال في حال اعتبار الفعل على بابه أي ماضيا ناقصا، والراجح في هذه المسألة أن مجيء الفعل في الماضي وهو في الأصل حاضر أو مستقبل لأجل إفادة معنى التحقيق والثبوت والدوام، كقوله تعالى: {أتى أمر الله فلا تستعجلوه}.
- راجعي التعليق في التقويم السابق بخصوص الشرط في خيرية هذه الأمة.


3: هيا أبو داهوم ب

أحسنت بارك الله فيك ونفع بك، وأشكر لك جهدك في هذا التطبيق وجودة مصادرك ووفرتها.
- الأقوال في المخاطب قولان: الأول: الصحابة، والثاني: عموم الأمة.
فعلى الأول يكون المراد بالأمة جيل الصحابة وبالناس سائر الأمة المحمدية، وعلى القول الثاني تكون الأمة هي الأمة المحمدية والناس هم سائر الأمم، وهذا هو الأقرب والمتبادر وتشهد له الأحاديث والآثار، مع وجود شواهد لصحة القول الأول كذلك، فكان القول بالعموم أولى لدخول الأول فيه.
والقول الأول تفرّعت عنه أقوال في تعيين بعض الصحابة الظاهر أنها تفسير بالمثال لطوائف فاضلة منهم، وقد حُمل بعضها على سبب نزول للآية وهو قول عكرمة، فتكون العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
- راجعي ما قلناه سابقا بخصوص إدخال المصادر الناقلة في نسبة أقوال السلف وتخريجها، فإننا عندما ننسب القول وليكن لابن عباس فنقول: "قاله ابن عباس" فإننا لا نحتاج لأن نقول معه: "وذكره القرطبي وابن كثير و...." ونحو ذلك من أصحاب التفاسير الناقلة، فإن هذا لا يفيدنا في التخريج ولا في الحكم على الرواية.
- مسألة مجيء الفعل {كنتم} في الماضي تحتاج إلى زيادة مراجعة وضبط، و{كنتم} في هذا الموضع لا تكون بمعنى "صرتم" ، وأيضا لا تفيد معنى الانقطاع، بل هي تفيد معنى التحقيق والدوام والثبوت.
- راجعي مسألة معنى الخيرية على تطبيق الأستاذة هناء مع الاستفادة من التعليقات على التطبيق.
- اتهامك للسديّ الكبير بالكذب ما مصدرك فيه؟
- نبّهنا سابقا على اسم المحدّث "ابن أبي حاتم الرازي" وليس هو أبو حاتم.


4: مها شتا ج

بارك الله فيك ونفع بك.
- توجد ملاحظات على تصنيف بعض المراجع، حيث ألحقت بعض المصادر بتصنيفات غير مناسبة، فأرجو مراجعتها وضبط أنواع المراجع جيدا.
- أرجو مزيد عناية بالتخريج وضبط ألفاظه، فالمحدّث الذي يروي بسنده نقول عنه: "رواه"، ومن ينقل عن غيره نقول: "ذكره"، وراجعي عبارة: "رواه ابن عاشور" ما وجه الرواية هنا وهو كلامه نفسه؟ وهل ابن عاشور راو؟
كذلك كيف تنسبين قولا نبويا لراوي الحديث، كنسبة القول بأن "المخاطب في الآية هم جميع الأمة" إلى بهز بن حكيم وإنما هو أحد أفراد سند الحديث؟ إنما الصحيح أن ننسب القول للنبي صلى الله عليه وسلم وليس لنقلة الحديث.
- نفس الملحوظة في أول تقويم وهو الاعتماد على زاد المسير في حصر الأقوال وتصنيفها، وتأملي ما يحصل من النسخ واللصق دون ملاحظة الكلام في مسألة معنى {كنتم} فإنك ضعّفتِ القول بأن "كنتم" معناها "أنتم" وجعلتيه مرجوحا ثم رجّحتِ نفس القول في السطر الذي بعده نقلا عن الطبري.
- وأرجو الاستفادة من التعليقات في التقويمات السابقة فيما يخصّ حصر الأقوال في كل مسألة وتصنيفها وتوجيهها وبيان الراجح منها.


5: ميسر ياسين أ+
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
راجعي التعليق على التقويم السابق في القول المنسوب إلى بهز بن حكيم.
وتطبيقك أوفى التطبيقات ولكن لا يخلو من بعض الملاحظات، فأرجو مراجعة التعليقات على باقي التقويمات للفائدة.


رد مع اقتباس
  #14  
قديم 28 شعبان 1439هـ/13-05-2018م, 06:51 PM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي



قوله تعالى: {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكّة}.


6: أمل يوسف أ+

أحسنت وأجدت بارك الله فيك ونفع بك.

طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد من أصحّ أسانيد التفسير، وستدرسون دورة خاصّة في أسانيد التفسير ضمن البرنامج إن شاء الله.
- تصويب: {رب اجعل هذا البلد آمنا}.


7: بدرية صالح ب

بارك الله فيك ونفع بك.
- المفترض -كما بيّنتِ في أول الكلام- أن الأقوال في معنى الأوليّة على قولين: أوليّة البناء مطلقا، والثاني: أن قبله بيوت وأن أوّليته هي من جهة نوعه وهو اختصاصه بالعباده، لكنك سردتِ خمسة أقوال دون تصنيف، ثم عند التوجيه وجّهتِ قولين اثنين فقط، فلم أدرِ قصدك بالقول الأول والثاني!
وراجعي تصنيف الأستاذة أمل يوسف للأقوال وتوجيهها.


8: شيماء طه د

بارك الله فيك ونفع بك.
- توجد ملاحظات تتعلّق بأصول التحرير، ومنها:
عدم التصنيف الجيد للأقوال، فأنت توصلين الأقوال في المسألة الواحدة لما يقارب عشرة أقوال، ولو تأمّلناها جيدا لوجدناها ترجع إلى عدد أقلّ بكثير.
وكذلك عدم التخريج الجيد لأقوال السلف، فليس المراد بالتخريج ذكر المصدر فقط، وإنما ذكر أسانيد هذه المرويات من المصادر المسندة سواء كانت أصليّة أو بديلة.
- خلطتِ بين مسألة المراد ببكّة ومسألة سبب تسميتها بذلك.


9: تماضر أ+
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.

- تقسيم القول الأول (الأوليّة النسبيّة) إلى قولين غير مناسب، والظاهر أن عليّا -رضي الله عنه- قصد قولا واحدا وهو أنه أول بيت وضع للعبادة وحاله أنه مبارك وهدى للعالمين.
- القولان الأول والرابع في القول الثاني (الأوليّة المطلقة) هما قول واحد حاصله أن البيت الحرام أهبط مع آدم ثم رفع زمن الطوفان وصارت البيت المعمور في السماء الدنيا.
- الكلام عن اشتقاق لفظة "بكّة" هو في الأصل لبيان سبب تسمية مكّة بهذا الاسم، فالفصل بين المسألتين يعتبر تكرارا.



رزقكم الله العلم النافع والعمل الصالح

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 21 شوال 1439هـ/4-07-2018م, 05:47 AM
منيرة محمد منيرة محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
الدولة: السعودية
المشاركات: 668
افتراضي

حرّر القول في واحدة من المسألتين التاليتين:

1: تحرير القول في معنى قوله تعالى: {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكّة

الحمد لله الذي جعل البيت الحرام مثابة للناس وأمناً، وخصه بأول بيت وضع للناس مباركاً وهدىً ويُمناً، حرَّمه وعظَّمه يوم خلق السماوات والأرض، وجعل حجه ركن وفرض ، وبعد :
فقد ذكر الواحدي في اسباب النزول في (قوله تعالى: {إن أول بيت وضع للناس}
قال : قال مجاهد: تفاخر المسلمون واليهود، فقالت اليهود: بيت المقدس أفضل وأعظم من الكعبة لأنه مهاجر الأنبياء وفي الأرض المقدسة، وقال المسلمون: بل الكعبة أفضل، فأنزل الله تعالى هذه الآية)
وقال العسقلاني في "العجاب "
هكذا ذكره الثعلبي عن مجاهد بغير إسناد، وتبعه الواحدي وابن ظفر ولم أر له عن مجاهد ذكرا وإنما ذكره مقاتل ابن سليمان
فقال إن المسلمين واليهود اختصموا في أمر القبلة فقال المسلمون القبلة الكعبة وقالت اليهود القبلة بين المقدس فأنزل الله عز وجل أن الكعبة أول مسجد كان في الأرض والكعبة قبلة لأهل المسجد الحرام والمسجد الحرام قبلة لأهل الحرم والحرم قبلة لأهل الأرض).
وردت هذه الآية في هذه السورة العظيمة التي اهتمت بإثبات وحدانية الله وإقامة الدلائل عليه ،وبيان أهمية عقيدة الولاء والبراء ،ولما أمر الله
تعالى باتباع ملة إبراهيم عليه السلام في التوحيد وترك الشرك ،أمر اتباعه بتعظيم البيت الحرام بالحج وغيره ،لإن الحج من خصوصيات ملة أبراهيم ومن أعظم شعائر ملته ،ورداً على ما طعن به اليهود من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم لما حولت القبلة إلى الكعبة ، حيث ذكروا من الأقاويل ما يكذبون به النبي صلى الله عليه وسلم ويردون قوله ،فأكذبهم الله تعالى بقوله :((أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ))
أي إن أول بيت وضع لجميع الناس لعبادة الله تعالى يطوفون به ،ويصلون إليه ويعتكفون عنده هو هذا البيت الحرام الواقع في مكه والذي يزدحم الناس ويتباكون عند الكعبة التي بناها أبراهيم الخليل عليه السلام الذي تزعم كلّ من طائفتي اليهود والنصارى أنهم على ملته ومع هذا لا يعظمونه ولا يحجون إليه .
مسائل الآية : في الآية مسألتان :
الأولى : المراد بالأولية في قوله تعالى (أَوَّلَ بَيْتٍ ) هل هي أولية قدم أم تشريف ؟
الثانية : قوله (لَلَّذِي بِبَكَّةَ ) وفيها المراد ببكة ، وسبب التسمية .

🔷المطلب الأول : مراجع البحث مرتبة على مراجع الأقوال :
أولاً : معنى قوله تعالى (أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ ) وهي مسألة تفسيرية .
ثانياً قوله (لَلَّذِي بِبَكَّةَ ) مسألة تفسيرة لغوية .

مراتب المصادر :
🔹المصادر الأصيلة : التفاسير المسندة ، تفسير عبد الرزاق، وتفسير ابن جرير، وتفسير ابن أبي حاتم الرازي، وتفاسير الثعلبي والواحدي والبغوي،
- كتب التفسير في دواوين السنّة: كتاب التفسير في صحيح البخاري وصحيح مسلم وأبواب التفسير من جامع الترمذي وكتاب تفسير القرآن من جامع ابن وهب ومن سنن سعيد بن منصور الخراساني والسنن الكبرى للنسائي ومستدرك الحاكم .
وكذلك كتب التفسير في جوامع الأحاديث والزوائد، كجامع الأصول لابن الأثير، ومجمع الزوائد للهيثمي، والمطالب العالية لابن حجر، وإتحاف الخيرة المهرة للبوصيري .

🔹الكتب التي تجمع أقوال المفسرين ،وتعتني بتحرير المسائل : تفسير تفسير ابن جرير، مكي بن أبي طالب ، والكشف والبيان للثعلبي، والنكت والعيون للماوردي، والمحرر الوجيز لابن عطية، وزاد المسير لابن الجوزي، وأحكام القرآن للقرطبي، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير،وابن عاشور، ومحمد الأمين للشنقيطي، وما جمع من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وابن رجب في التفسير ، وهذه التفاسير منها ماهو مصدر أصيل ،ومنها ماهو ناقل ومنها ماهو بديل ، وجمع الأقوال منها لا يقتضي القطع بصحة من نُسبت إليهم الأقوال فيها، بل لابد من التحقق من ذلك .

🔹كتب التفسير اللغوي: معاني القرآن للفراء، والزجاج، وأبي جعفر النحاس، والبيان في غريب إعراب القرآن لابن الأنباري،
المعاجم اللغوية:
كتاب العين للخليل بن أحمد، والصَّحاح لأبي نصر الجوهري، ومقاييس اللغة لابن فارس، ولسان العرب لابن منظور .

🔷المطلب الثاني: استخلاص الأقوال وتصنيفها ونسبتها.
المسألة الأولى : قوله تعالى:(أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ)
اختلفت أقوال أهل العلم والمفسرون في المراد في الأولية في هذه الآية .

قال الزجاج :ومعنى {أوّل} في اللغة: على الحقيقة ابتداء الشيء فجائز أن يكون المبتدأ له آخر، وجائز أن لا يكون له آخر فالواحد أول العدد والعدد غير متناه، ونعيم الجنة أول وهو غير منقطع، وقولك: هذا أول مال كسبته جائز ألا يكون بعده كسب، ولكن إرادتك: (هذا ابتداء كسبي).
وقد أورد ابن جرير هذا الاختلاف فقال : قال بعضهم: إنّ أول بيت وضع للناس، يُعبَد الله فيه مباركًا وهدىً للعالمين الذي ببكة.
وقال آخرون : بل هو أوّل بيت وضع للناس.

فمن قال بالأول ، تأول الأولية بأولية التشريف والتعظيم .
قال ابن جرير : والصواب من القول في ذلك ما قال جل ثناؤه فيه: إن أول بيت مباركٍ وهُدًى وُضع للناس، للذي ببكة. ومعنى ذلك: " إن أول بيت وضع للناس "، أي: لعبادة الله فيه "مباركًا وهدًى "، يعني بذلك: ومآبًا لنُسْك الناسكين وطواف الطائفين، تعظيما لله وإجلالا له " للذي ببكة " لصحة الخبر بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واستدل بحديث أبي ذر من طريق شعبة قال، قلت: يا رسول الله، أيُّ مسجد وضع أوّل؟ قال: " المسجد الحرام. قال: ثم أيٌّ؟ قال: المسجد الأقصى. قال: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة " ،ورواه البخاري
وروى ابن أبي حاتم من طريق عامرٍ الشّعبيّ، عن عليٍّ في هذه الآية، قال: كانت البيوت قبله، ولكن كان أوّل بيتٍ وضع لعبادة اللّه.
قال به : علي بن أبي طالب ، والحسن ، وسعيد ، ومطر .
🔷التخريج :
🔹 قول عليٌ فقد رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق خالد بن عرعرة قال قال: قام رجلٌ إلى عليٍّ، فقال: ألا تخبرني عن البيت، أهو أوّل بيتٍ وضع في الأرض؟ فقال: لا، ولكنّه أوّل بيتٍ وضع فيه البركة {مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنًا ) .
ونقله البوصيري في إتحاف الخيرة وقال رجاله ثقات إلا خالد بن عرعرة ،ونقله وابن حجر في المطالب العالية عن بن راهوية ، ورواه ابن ابي حاتم عن عامر الشعبي عن عليٌ رضي الله عنه .
🔹قول الحسن : رواه ابن جرير من طريق أبي رجاء ،قال: سأل حفصٌ الحسن وأنا أسمع، عن قوله: {إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة مباركًا} قال: هو أوّل مسجدٍ عبد اللّه فيه في الأرض . وروى نحوه من طريق عباد ، ورواه ابن المنذر من طريق خالد بن الحارث عن الحسن قال: أول قبلة أعملت للناس المسجد الحرام .
🔹قول سعيد : رواه ابن جرير من طريق سالم قال :
وضع للعبادة .
🔹قول مطر : رواه ابن جرير من طريق ابن شوذبٍ، قال: قد كانت قبله بيوتٌ، ولكنّه أوّل بيتٍ وضع للعبادة.
🔷ومن تأول الأولية ، أولية القدم والزمان ، فقد تعددت أقوالهم فيه فمنهم من رأى أنه أول بيت وضع في الأرض ، وقال بعضهم ليس أول بيت وضع في الأرض، لأنه قد كانت قبله بيوت كثيرة،
روى ابن جرير من طريق السماك عن خالدَ بن عرعرة قال: سمعت عليًّا، وقيل له: " إن أوّل بيت وضع للناس للذي ببكة "، هو أوّل بيت كان في الأرض؟ قال: لا! قال: فأين كان قَوْم نُوح؟ وأين كان قوم هود؟ قال: ولكنه أوّل بيت وُضع للناس مبارَكًا وهدًى "
وأما عن صفة وضعه فقد تنوعت أقوالهم .

🔹أنه أنزل مع آدم عليه السلام ، قال به قلابه ،وقال به قتادة من رواية عبدالزاق وابن جرير .

🔹أنّ الله بعث جبريل إلى آدم فبناه ، قال به عبدالله بن عمرو من رواية البيهقي .

🔹أنه البيت المعمور ، قال به قتادة من رواية ابن جرير
🔹أن الله البيت قبل الأرض بألفين عام ، قال به أبي هريرة ،وابن عمرو ، ومجاهد، والسدي .

🔹أن البيت خلق مع الأرض ، قال السدي من رواية ابن جرير وابن أبي حاتم .

🔷التخريج :
🔹القول الأول :روى ابن المنذر عن أبي قلابة من طريق حماد ،قال قال الله جل وعز لآدم " إني مهبط معك بيتا تطوف حوله كما يطاف حول عرشي، ويصلي عنده كما يصلي عند عرشي "، قال: فلم يزل كذلك حتى كان زمان الطوفان، فرفع حتى بوئ لإبراهيم مكانه، فبناه من خمسة أجبل من حراء ،
وروى نحوه عن قتادة ،

🔹القول الثاني : روى البيهقي من طريق ابن لهيعة عن عبدالله بن عمرو مرفوعا: "بعث الله جبريل إلى آدم وحواء، فأمرهما ببناء الكعبة، فبناه آدم، ثم أمر بالطواف به، وقيل له: أنت أول الناس، وهذا أول بيت وضع للناس" وقد ضعف ابن كثير هذا الحديث ،وقال والأشبه، والله أعلم، أن يكون هذا موقوفا على عبد الله بن عمرو.

🔹القول الثالث :رواه ابن جرير عن قتادة من طريق سعيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: ذكر لنا أنّ البيت، هبط مع آدم حين هبط، قال: أهبط معك بيتي يطاف حوله كما يطاف حول عرشي، فطاف حوله آدم ومن كان بعده من المؤمنين، حتّى إذا كان زمن الطّوفان، زمن أغرق اللّه قوم نوحٍ رفعه اللّه وطهّره من أن يصيبه عقوبة أهل الأرض، فصار معمورًا في السّماء، ثمّ إنّ إبراهيم تتبّع منه أثرًا بعد ذلك، فبناه على أساسٍ قديمٍ كان قبله.

🔹القول الرابع : روى ابن المنذر من طريق نافع ، وسعيد المقبري عن أبي هريرة قال " إن الكعبة خلقت قبل الأرض بألفي سنة، وهي قرار الأرض، قال: إنما كانت خشفة أو حشفة على الماء عليها ملكان من الملائكة يسبحان الليل والنهار، ألفي سنة، فلما أراد الله عز وجل أن يخلق الأرض دحاها منها، فجعلها في وسط الأرض "
وروى ابن جرير من طريق الأعمش عن عبدالله بن عمرو قال : خلق اللّه البيت قبل الأرض بألفي سنةٍ، وكان إذا كان عرشه على الماء، زبدةً بيضاء، فدحيت الأرض من تحته.
وروى ابن المنذر من طريق حبيب عن عبدالله بن عمرو قال : " خلقت الكعبة قبل الأرض بألفي سنة، ودحيت الأرض من تحتها "
وروى ابن جرير عن مجاهد من طريق خصيف قال:
سمعت مجاهدًا، يقول: إنّ أوّل ما خلق اللّه الكعبة، ثمّ دحى الأرض من تحتها.
وروى ابن جرير عن السدي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهدٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ: {إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس} كقوله: {كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس}

🔹القول الخامس : رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق إحمد بن المفضل عن السدي : {إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة مباركًا وهدًى للعالمين} أمّا أوّل بيتٍ، فإنّه يوم كانت الأرض ماءً، وكان زبدةً على الأرض، فلمّا خلق اللّه الأرض، خلق البيت معها، فهو أوّل بيتٍ وضع في الأرض.

🔷توجيه الأقوال.
قال الرازي : إن قوله تعالى: ﴿إن أول بيت وضع للناس﴾ لا يدل على أنه أول بيت خلقه الله تعالى، ولا أنه أول بيت ظهر في الأرض، بل ظاهر الآية يدل على أنه أول بيت وضع للناس، وكونه موضوعا للناس يقتضي كونه مشتركا فيه بين جميع الناس، فأما سائر البيوت فيكون كل واحد منها مختصا بواحد من الناس،ولا يحصل إلا إذا كان البيت موضوعا للطاعات والعبادات وقبلة للخلق، فدلت الآية على أن هذا البيت وضعه الله موضعا للطاعات والخيرات والعبادات فيدخل فيه كون هذا البيت قبلة للصلوات، وموضعا للحج، ومكانا يزداد ثواب العبادات والطاعات فيه" .
وكما علمنا أن هذا القول منصوص عليه في حديث أبي ذر رضي الله عنه كما في الصحيحين وغيرهما.

وأما ماورد من الأولية المطلقة وأنه أول بيت بني على وجه الأرض ،وما ورد حوله من أقوال فقد علمنا أن مستند ها الرويات التي لم يثبت لها دليل وكما قال ابن كثير رحمه الله تعالى :" إنها من مفردات ابن لهيعة، وهو ضعيف. والأشبه، والله أعلم، أن يكون هذا موقوفا على عبد الله بن عمرو. ويكون من الزاملتين اللتين أصابهما يوم اليرموك، من كلام أهل الكتاب.
🔹الدراسة والترجيح :
بعد النظر في الأقوال وتوجيهها يستقر القول على أن الراجح من القول والله أعلم هو القول الأول الذي يشهد له الحديث ورجحه ابن جرير بقوله :( فقد بيّن هذا الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّ المسجد الحرام هو أوّل مسجدٍ وضعه اللّه في الأرض على ما قلنا، فأمّا في موضعه بيتًا بغير معنى بيتٍ للعبادة والهدى والبركة، ففيه من الاختلاف ما قد ذكرت بعضه في هذا الموضع وبعضه في سورة البقرة وغيرها من سور القرآن وبيّنت ،وقال في تفسيرة لقوله تعالى ((وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ )) (...والصواب في هذا ولا علم عندنا بأي ذلك كان لأن حقيقة ذلك لا تدرك إلا بخبر عن الله وعن رسوله ﷺ، بالنقل المستفيض، ولا خبر بذلك تقوم به الحجة فيجب التسليم لها، ولا هو إذ لم يكن به خبر، على ما وصفنا مما يدل عليه بالاستدلال والمقاييس، فيمثل بغيره، ويستنبط علمه من جهة الاجتهاد، فلا قول في ذلك هو أولى بالصواب والله تعالى أعلم.))
وكذلك رجحه بن كثير وبن القيم بقوله:(ومن خواصها أيضا أن المسجد الحرام أول مسجد وضع في الأرض، كما في " الصحيحين " عن أبي ذر قال: «سألت رسول الله ﷺ عن أول مسجد وضع في الأرض؟ فقال: المسجد الحرام، قلت: ثم أي؟ قال المسجد الأقصى، قلت: كم بينهما؟ قال أربعون عاما»

🔷المسألة الثانية : قوله تعالى:(( لَلَّذِي بِبَكَّةَ )) وفيها مسألتان :
🔹الأولى :المراد ببكة .

ورد في المراد ببكة عدة أقوال ، لعلنا نختصرها على قولين
🔹الأول : أن بكة هي مكة، وهي الموضع الذي يحج إليه الناس ،قاله الضحاك، وابن قتيبة، والفراء ، وأبو عبيدة ، والزجاج .
🔷التخريج :
قول الضحاك : رواه ابن جرير من طريق جويبر ، عن الضّحّاك، في قوله: {إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة} قال: هي مكّة .
قول ابن قتيبة : قال :"بَكَّة} ومكّة شيء واحد. والباء تبدل من الميم. يقال: سمَّد رأسَه وسبَّده؛ إذا استأصله ."
قول الزجاج : والإجماع أن ”بكة“، و”مكة“: الموضع الذي يحج الناس إليه، وهي البلدة، قال الله - عز وجل -: ﴿ببطن مكة﴾ [الفتح: 24]، وقال: ﴿للذي ببكة مباركاً﴾ .
🔹الثاني : أنها للمسجد وما حوله ،ومكه ما وراء ذلك من الحرم وما حوله ،قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة وبن شهاب والغفاري وابراهيم وضمرة .
🔷التخريج .
🔸قول ابن عباس ،رواه ابن أبي حاتم من طريق
عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: مكة من الفج إلى التنعيم، وبكة من البيت إلى البطحاء .
🔸قول مجاهد :روى الخرساني :قال حدّثنا سعيدٌ، من طريق ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ وعطاءٍ، قالا: مقام إبراهيم: المسجد الحرام، ومنًى، وعرفة، والمزدلفة.
🔸قول أبو مالك : رواه ابن جرير من طريق حصينٍ، عن أبي مالكٍ الغفاريّ، قال: بكّة: موضع البيت، ومكّة: ما سوى ذلك)
🔸قول إبراهيم : رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق مغيرة عن إبراهيم .
🔸قول عطية : رواه ابن جرير من طريق فضيل بن مرزوقٍ، عن عطيّة العوفيّ، قال: بكّة: موضع البيت، ومكّة: ما حولها.
🔸قول شهاب : روى ابن جرير من طريق غالب بن عبيد اللّه، أنّه سأل ابن شهابٍ عن بكّة: البيت والمسجد، وسأله عن مكّة، فقال ابن شهابٍ: مكّة: الحرم كلّه.
🔸قول ضمرة بن ربيعة : رواه ابن جرير من طريق الرملي ، قال ضمرة بن ربيعة بكة : المسجد ،ومكة البيوت .
🔷توجيه الأقوال.
بعد اختصارنا للأقوال ومحاولة معرفة مستند كل قول ظهر لنا أن مستند من ذهب إلى القول الأول مبنى على لغة العرب ،وهوما احتج به ابن قتيبة بأن الباء تبدل من الميم؛ يقال: سمد رأسه وسبد رأسه: إذا استأصله. وشر لازم، ولازب.
وقال الزجاج :والإجماع أن ”بكة“، و”مكة“: الموضع الذي يحج الناس إليه، وهي البلدة، قال الله - عز وجل -: ﴿ببطن مكة﴾ [الفتح: 24]، وقال: ﴿للذي ببكة مباركاً﴾ .
وأما مستند القول الثاني،أنها للمسجد وما حوله ،ومكه ما وراء ذلك من الحرم ، فهو محمول على سبب التسمية،والدليل عليه أن اشتقاق بكة من الازدحام والمدافعة وهذا إنما يحصل في المسجد عند الطواف، وحول البيت بسبب القادمين والوافدين حجاجا ومعتمرين لا في سائر المواضع، فيكون البك عند الكعبة والمسجد ،وما سواهما مكه ، وقال الرازي :"قال الأكثرون: مكة اسم للمسجد والمطاف. وبكة اسم البلد، والدليل عليه أن قوله تعالى: ﴿للناس للذي ببكة﴾ يدل على أن البيت حاصل في بكة ومظروف في بكة فلو كان بكة اسما للبيت لبطل كون بكة ظرفا للبيت، أما إذا جعلنا بكة اسما للبلد، استقام هذا الكلام.
🔷الدراسة والنقد والترجيح :
بعد دراسة الأقوال والنظر فيهما تظهر لنا بلاغة كتاب الله وسعة معانيه حيث احتوت هذه اللفظة على هذه الدلالات البليغة والمعاني العظيمة التي تناولها إهل العلم والمفسرون بالتحقيق والإيضاح ،فمن رأى إن بكة هي مكة فقد استند إلى معناها اللغوي ،قال النحاس :"والذي عليه أكثر أهل اللغة أنَّ "بكة" و "مكة" واحد، وأنه يجوز أن تكون الميم مبدلةً من الباء، يُقال: لازِبٌ ولازمٌ، وسَبَدَ شعرهَ وسَمَدَه: إذا استأصله.
وأما القول الثاني فقد رجحه ابن جرير مستنداً إلى أصل اشتقاق كلمة بكة وهو من البك بمعنى الزحم، يقال بكه يبكه بكا إذا زحمه، وتباك الناس إذا ازدحموا، وكأنها إنما سميت بذلك لازدحام الحجيج فيها، قال ابن جرير في ترجيحه :"فإذا كانت بكّة ما وصفنا، وكان موضع ازدحام النّاس حول البيت، وكان لا طواف يجوز خارج المسجد، كان معلومًا بذلك أن يكون ما حول الكعبة من داخل المسجد، وأنّ ما كان خارج المسجد فمكّة لا بكّة؛ لأنّه لا معنى خارجه يوجب على النّاس التّباكّ فيه، وإذا كان ذلك كذلك كان بيّنًّا بذلك فساد قول من قال بكّة اسمٌ لبطن مكّة، ومكّة اسمٌ للحرم .

🔷المسألة الثانية : سبب التسمية .
قال المفسرون سبب التسمية يرجع إلى أصل اشتقاق الكلمة في اللغة :
قال الزجاج : فأما اشتقاقه في اللغة، فيصلح أن يكون الاسم اشتق من ”البك“، وهو: بك الناس بعضهم بعضا في الطواف، أي: دفع بعضهم بعضا، وقيل: إنما سميت بـ”بكة“، لأنها تبك أعناق الجبابرة،
وقال النحاس :"والذي عليه أكثر أهل اللغة أنَّ "بكة" و "مكة" واحد، وأنه يجوز أن تكون الميم مبدلةً من الباء، يُقال: لازِبٌ ولازمٌ، وسَبَدَ شعرهَ وسَمَدَه: إذا استأصله.

🔷أقوال السلف في سبب التسمية .
القول الأول : من البك وهو الزحام والتصادم بين الرجال والنساء حجاجاً ومعتمرين،وحيث يصلي بعضهم بين يدي بعض ويمر بعضهم بين يدي بعض ولا يكون هذا إلا في مكة ،قال به ابن الزبير ،وأبو جعفر ، ومجاهد وقتادة وسعيد وروى عن ابن عمر .
القول الثاني : قيل إنها سميت بذلك لأنها تبك الظلمة وتدق أعناقهم إذا أرادوها بسوء .
قال به :زيد بن مهاجر .
وقال الثعلبي في الكشف :وأما مكة فسميت بذلك لقلة مائها من قول العرب: مكت الفصيل ضرع أمّه وامتكّه إذا امتص كل ما فيه من اللبن، قال الشاعر:
(مكّت فلم تبق في أجوافها دررا )

🔷التخريج :
القول الأول :

🔸قول ابن الزبير ،رواه ابن جرير وبن أبي حاتم من طريق سفيان عن إخيه عن ابن الزبير قال: إنّما سمّيت بكّة؛ لأنّهم يأتونها حجّاجًا، قال ابن أبي حاتم والسياق للأشج ،وقال : قال أبو محمد: وروي عن مجاهد وسعيد بن جبير، وعكرمة، وقتادة، وعمرو بن شعيب، ومقاتل بن حيان نحو ذلك .
🔸قول مجاهد : رواه ابن جرير وابن المنذر من طريق سلمة عن مجاهد قال: "سمعت مجاهدا، يقول: " إنما سميت بكة، لأن الناس يبك بعضهم بعضا "
🔸قول سعيد : رواه ابن جرير وابن المنذر من طريق حماد عن سعيد قال :قلت : أي شيء سميت بكة ؟ قال : لم سمّيت بكّة؟ قال: لأنّ الرّجال يتباكّون فيها والنساء جميعًا.
🔸قول قتادة : رواه ابن جرير عنه من عدة طرق ، ورواه ابن المنذر من طريق معمر قال : وبكة بك الناس بعضهم بعضا، الرجال والنساء، جميعا يصلي بعضهم بين يدي بعض، ويمر بعضهم بين يدي بعض، ولا يصلح ذلك إلا بمكة .
🔸قول أبي جعفر : رواه ابن أبي حاتم وابن جرير وبن المنذر من طريق عطاء بن السائب، عن أبي جعفر قال: مرت امرأة بين يدي رجل وهو يصلي وهي تطوف بالبيت، فدفعها، فقال أبو جعفر: إنها بكة يبك بعضهم بعضا .
🔸وكذلك روى ابن أبي حاتم وابن المنذر عن ابن عمر من طريق مسعر عن عن عتبة بن قيس، قال: " إن مكة بكت بكاء الذكر فيها كالأنثى، فقلت: كأن هذا من قول ابن عمر، فقال: بل هو من قول عمر " .
🔸القول الثاني :سميت به لأنها تبك الظلمة وتدق اعناقهم .
رواه ابن أبي حاتم وابن المنذر من طريق يعقوب بن عبد الرحمن، أنه سأل محمد بن زيد بن المهاجر، أن يكتب له في منزل في داره بمكة، فكتب إلى ابن فروخ، " إياك أن تكريها، أو تأكل كراها، فإنها، إنما سميت بكة، لأنها تبك الظلمة " .
وذكر ابن الجوزي في زاد المسير عن أبو عبد الرحمن اليزيدي، وقطرب ،أنها تضع من نخوة المتجبرين، يقال: بككت الرجل، أي: وضعت منه، ورددت نخوته.
🔸التوجيه .
عند النظر في القولين نرى شمولهما للمعنيين ، فمن رجح القول الأول كابن جرير فالإن مستنده أصل اشتقاق الكلمة وهو البك والتدافع والإزدحام الذي محله حول البيت من إجل الطواف وشعائر الحج والعمرة ،ولا يكون في محل غيره ، وكما ورد في حديث قتادة :( قال : وبكة بك الناس بعضهم بعضا، الرجال والنساء، جميعا يصلي بعضهم بين يدي بعض، ويمر بعضهم بين يدي بعض، ولا يصلح ذلك إلا بمكة .
ومن قال بالثاني وهو أنها تبك الظلمة وتضع من نخوة المتجبرين ولذا تراهم في الطواف كآحاد الناس، ولو أمكنهم الله تعالى من تخلية المطاف لفعلوا، وهذا له وجه فالله عز وجل يقول :(( ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب أليم))
وذكر الثعلبي في تفسيره عن عبد الرحمن بن الزبير قال : سميت بكة لأنّها تبك أعناق الجبابرة أي تدقها، فلم يقصدها جبار يطلبها إلّا وقصمه الله.

🔷 الدراسة والنقد والترجيح .
عند النظر في الأقوال ومستندها تبين لنا أن كلاً من القولين له وجاهته،وإن دل على شيء فهو إعجاز القرآن وبلاغته وسعة معانيه .

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 26 ذو الحجة 1439هـ/6-09-2018م, 11:07 PM
مضاوي الهطلاني مضاوي الهطلاني غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 864
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
تحرير القول في قوله تعالى:إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاس لَلَّذِي بِبَكَّةَ)
1 - المراد بكونه أول بيت وضع للناس:
اختلفوا أهل العلم في ذلك على قولين :
الأول:أوَّلُ بَيْتٍ وضع للعبادة ، مباركا وهدى للعالمين
روي عن علي رضي الله عنه.
عن خالد بن عرعرة قال: قام رجل إلى عليّ فقال: ألا تخبرني عن البيت؟ أهو أوّل بيت وُضع في الأرض؟ فقال: لا ولكنه أول بيت وضع في البرَكة مقامِ إبراهيم، ومن دَخَله كان آمنًا.) ذكره الطبري
وقاله : الحسن ومطر وسعيد ذكره الطبري
الثاني : أول بيت وضع في الأرض .
واختلف في وصف وضعه على أقوال :
1-قيل خلق قبل الأرضين جميعاً ثم دحيت الأرض من تحته .
قاله: عبدالله بن عمرو ،ذكره ابن جرير
ومجاهد، ذكره ابن جرير
السدي ، ذكره ابن جرير وابن أبي حاتم
قتادة ، ذكره ابن جرير
وقال آخرون: موضع الكعبة، موضع أوّل بيت وضعه الله في الأرض.
قاله قتادة، ذكره عبدالرزاق الصنعاني في مصنفه وابن جرير في تفسيره .
عن قتادة: ذُكر لنا أن البيتَ هبط مع آدم حين هبط، قال: أهبِط معك بيتي يُطاف حوله كما يطاف حول عرشي. فطاف حوله آدم ومن كان بَعده من المؤمنين، حتى إذا كان زمنُ الطوفان، زَمنَ أغرقَ الله قوم نوح، رَفعه الله وطهَّره من أن يصيبهُ عقوبة أهل الأرض، فصار معمورًا في السماء. ثم إنّ إبراهيم تتبع منه أثرًا بعد ذلك، فبناه على أساسٍ قديم كانَ قبله.
الترجيح
بدراسة القولين في المراد بأول بيت وضع للناس يتبين أنه الراجح القول الأول لورود الدليل الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فعن أبي ذرٍّ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه سأله عن أوّل مسجدٍ وضع للنّاس، قال: «مسجد الحرام، وبيت المقدس» فسئل: كم بينهما؟ قال: «أربعون عامًا، وحيث ما أدركتك الصّلاة فصلّ، فثمّ مسجدٌ»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/48]
وأيضا من سياق الآية قال تعالى:( وضع للناس) وهذا يدل أنه وضع لغاية وهو توحيد الله وعبادته بدليل قوله ( مباركا هدى للناس ) وقوله ( مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت ..) الآية
ولأنه ليس أول بيت وضع فقد سبقه بيوت .
2- المراد ببكة
وردت عدة أقوال بالمراد ببكة وهي:
1-بكة : البيت والمسجد ، ومكة الحرم كله ، قاله ابن شهاب ذكره ابن وهب
وقاله إبراهيم النخعي ذكره سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم
ومقاتل وعطية وعكرمة ،ذكره ابن أبي حاتم
وأبي مالك الغفاري ذكره ابن جرير
2- مكّة من الفجّ إلى التّنعيم، وبكّة من البيت إلى البطحاء.
روي عن ابن عبّاسٍ ،ذكره ابن أبي حاتم
الترجيح
مما يعين على الترجيح معرفة المعنى الغوي لبكة
المعنى اللغوي
أصل " البكّ": الزحم، يقال: منه: "بكّ فلانٌ فلانًا " إذا زحمه وصدمه -"فهو يَبُكه بَكًّا، وهم يتباكُّون فيه "، يعني به: يتزاحمون ويتصادمون فيه. فكأن " بَكَّة "" فَعْلة " من " بَكَّ فلان فلانًا " زحمه، سُميت البقعة بفعل المزدحمين بها.قاله ابن جرير
وبهذا يترجح أن بكة هي البيت وما حوله .

رد مع اقتباس
  #17  
قديم 30 محرم 1440هـ/10-10-2018م, 09:16 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

تابع التقويم..

منيرة محمد ب
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
- كيف فسّرتِ القول الأول بأن الأوّلية يراد بها التعظيم والتشريف وجميع الكلام حول كونه أول بيت وضع للعبادة؟
الصواب أن يقال إنها أوّلية نسبية، فهو أول بيوت العبادة بناء، فهو أول بالنسبة لبيوت العبادة وليس أولا بالنسبة للأبنية عامّة، وإن كان مقصد الآية عموما -أيّا كان معنى الأوّلية- بيان شرف البيت ورفعته.
أما القول الثاني فهو أن يقال إنه الأول مطلقا، أي أنه أول بناء بني في الأرض.


مضاوي الهطلاني د
بارك الله فيك ونفع بك.
التطبيق مختصر جدا، وأحيلك على تطبيق الأستاذة أمل يوسف.
كما أوصيك بضبط طريقة تخريج المرويات.

رد مع اقتباس
  #18  
قديم 28 ذو القعدة 1441هـ/18-07-2020م, 10:47 AM
هناء محمد علي هناء محمد علي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 439
افتراضي

مجلس مذاكرة القسم السابع من تفسير سورة آل عمران
(الآيات 93-112)

حرّر القول في واحدة من المسألتين التاليتين:
2: معنى قوله تعالى: {كنتم خير أمّة أخرجت للناس}


▪المسائل مدار البحث في قوله تعالى ( كنتم خير أمة أخرجت للناس )
- معنى ( كنتم ) ودلالة مجيئه بالماضي …
المخاطب في ( كنتم )
معنى ( أمة ) وهو متعلق بالمخاطب في كنتم …
معنى ( خير أمة ) وتتعلق بها مسألة متعلق الجار والمجرور ومتعلق ( أخرجت )

المسائل تفسيرية ؛ لغوية …ولها تعلق بأسباب النزول …
أولا: ذكر مراجع البحث مرتّبة على مراتب مراجع الأقوال في التفسير
المرتبة الأولى: كتب التفسير في دواوين السنّة
- كتاب التفسيرالجامع في علوم القرآن لعبد الله بن وهب المصري ت ( 197 )
- مسند الإمام أحمد ( 241 هـ )
- صحيح البخاري (256 هـ )
- صحيح مسلم ( 261 هـ )
- سنن ابن ماجه ( 273 هـ )
- سنن الترمذي ( 279 هـ )
- سنن النسائي ( 303 هـ )
- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري ( 405 هـ )

المرتبة الثانية: كتب التفسير في جوامع الأحاديث :
- جامع الأصول لابن الأثير الجزري ( 606 هـ )
- مجمع الزوائد للهيثمي ( 807 هـ )
- إتحاف المهرة بزوائد المسانيد العشرة للبوصيري ( 840 هـ )
- المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية لابن حجر ( 852 هـ )
- تفسير السيوطي ،جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت911هـ)

المرتبة الثالثة: التفاسير المسندة المطبوعة
- تفسير عبدالرزاق الصنعاني (211 هـ )
- جامع البيان أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ( 310هـ)
- تفسير القرآن العظيم ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (327هـ)
- الكشف والبيان للثعلبي (427 هـ )

المرتبة الرابعة : التفاسير التي طبع منها شيء :
ما طبع من تفسير ابن المنذر النيسابوري(:318هـ).

المرتبة الخامسة: أجزاء وصحف تفسيرية مطبوعة :
- تفسير ابن وهب المصري (197)
تفسير مجاهد بن جبر،من رواية عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (352هـ)

المرتبة السادسة: التفاسير التي تنقل أقوال السلف في التفسير
النكت والعيون للماوردي(450هـ).
التغسير البسيط للواحدي النيسابوري ( 468 هـ )
- المحرر الوجيز لابن عطية(542هـ).
- زاد المسير لابن الجوزي (597هـ).
- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي(671هـ).
- تفسير ابن كثير لإِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (774 هـ)

المرتبة الثامنة : شروح الأحاديث :
- فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني ( 852 هـ )
- عمدة القاري لابن موسى العيني ( 855هـ )
- إرشاد الساري لابن أبي بكر القسطلاني ( 923 هـ )

🔹ومن المصادر اللغوية :
▪من المرتبة الأولى كتب معاني القران:
معاني للقران للفراء (207)
- مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى 210 هـ
- ومعاني القرآن، للأخفش الأوسط سعيد البلخي ( 215 هـ )
- تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة الدينوري :( 276)
- ومعاني القرآن وإعرابه، لأبي إسحاق الزجاج ( 311 هـ )
- معاني القرآن أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (338هـ)

▪-المرتبة الثانية كتب غريب القران
- تفسير غريب القرآن، لابن قتيبة (276 هـ )
- ياقوتة الصراط لغلام ثعلب الواحدي البغدادي ( 345 هـ)
- المفردات في غريب القران للراغب الأصفهاني ( 502 هـ)

ومن المرتبة الرابعة: التفاسير التي يعنى أصحابها بالمسائل اللغوية،
- الكشاف للزمخشري ( 538 هـ )
- تفسير الفخر الرازي المعروف باسم مفاتح الغيب ( 606 هـ )
- البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي ( 754 هـ )
- الدر المصون للسمين الحلبي ( 756 هـ )
- نظم الدرر للبقاعي ( 885 هـ )
- تفسير أبي السعود ( 951 هـ )
- روح المعاني للآلوسي ( 1270 هـ )
- محاسن التأويل للقاسمي ( 1332 هـ )
- والتحرير والتنوير لابن عاشور. (1393هـ )
- تفسير المنار لمحمد رشيد رضا ( 1393 هـ )

ومن الكتب الخاصة بالمسألة
🔺كتب أسباب النزول
أسباب النزول للواحدي ( 468 هـ )
العجاب في بيان الأسباب لابن حجر ( 852 هـ )

🔺من كتب علوم القرآن :
البرهان في علوم القرآن للزركشي ( 794 هـ )

🔺المعاجم اللغوية :
- مقاييس اللغة لابن فارس ( 395 هـ )
- لسان العرب لابن منظور ( 711 هـ )

🔺كتب إعراب القرآن :
- إعراب القرآن للنحاس ( 338 )
إعراب القرآن لمحيي الدين درويش ( 1403 هـ )

🔺كتب نحوية :
الدرة الألفية في النحو والصرف والخط والكتابة ليحيى بن عبد المعطي ( 628 هـ )
شرح كافية ابن الحاجب لرضي الدين محمد بن الحسن الاستراباذي ( 686 هـ )
شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك ( 769 هـ )
همع الهوامع في شرح جمع الجوامع للسيوطي (911 هـ )
جامع الدروس العربية للدكتور مصطفى الغلاييني ( 1944 م )
معاني النحو للدكتور فاصل صالح السامرائي
النحو العربي للدكتور عبد علي حسين صالح

ثانيا: استخلاص الأقوال وتصنيفها ونسبتها.
قال تعالى : كنتم خير أمّة أخرجت للناس
يخبر الله الأمة المسلمة بخيريتها ؛ ويمدحها بما فيها من صفات ؛ … فيقول : كنتم خير أمة أخرجت للناس ؛
وقد ناقش المفسرون في هذه الآية عدة مسائل :
1- المخاطب في ( كنتم )
2- معنى ( كنتم ) و دلالة مجيئه بالماضي
3- معنى خيرية الأمة
4- متعلق أخرجت
5- متعلق ( للناس )
والمسألتين الأخيرتين مرتبطين ارتباطا وثيقا بمعنى خيرية الأمة لذا سأضمنهما في نقاشها …

🔹وأما أقوال العلماء في المسائل الثلاثة الأولى :
1- المخاطب في كنتم :
اختلف في المخاطب ب( كنتم ) إلى قولين رئيسين :
1.1 - أنهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وتحت هذا أقوال :
أ . أنهم ( خاصة اصحاب رسول الله ومن عمل عملهم ) … عمر بن الخطاب ؛ الضحاك وروي عن الحسن في أحد أقواله
ب. أنهم المهاجرون : قول ابن عباس
ج . وقيل أنهم أفراد مخصوصون من الصحابة :
- ابن مسعود وسالم ومولى أبي حذيفة وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل.… عكرمة ومقاتل
- عبد الله بن سلام ومن آمن معه من أهل الكتاب …
- آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم … روي عن أبي جعفر

▪( قال ابن عطية : فهذا كله قول واحد، مقتضاه أن الآية نزلت في الصحابة، قيل لهم {كنتم خير أمة } )فالإشارة بقوله {أمة} إلى أمة محمد معينة، فإن هؤلاء هم خيرها …
أضاف ابن الجوزي أنهم أهل بدر ونسبه لابن عباس ولم أجده عند أحد …

1. 2 - أن الخطاب عام لجميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم روي من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ وقاله الحسن

وتتعلق بهذه المسألة مسألة خيرية الأمة
2- معنى خير أمة
أ- أنهم خير الناس للناس
فهذه الخيرية مقيدة بأسبابها وشروطها :
- مشروطة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر … قول عمر ومجاهد
- مقيدة بمطلق النفع للناس وأعظمه إدخالهم في الإسلام … قول أبي هريرة و ابن عباس ومجاهد وعطية العوفي وعكرمة والحسن
-ولكونهم أكثر الأمم دخولا في الإسلام … أبي بن كعب وعكرمة والربيع بن أنس

ب- أنهم خير أمة من الأمم لأنهم أمة محمد فهي خيرية مطلقة قول الحسن

3- معنى ( كنتم ) و دلالة مجيئه بالماضي
أ- أنها ناقصة على بابها و؛ وفي دلالتها اقوال :
1- تدل على ماض منقطع ومعناه :
- كنتم في علم الله … قاله غلام ثعلب ؛ والراغب الأصفهاني
- كنتم في اللوح المحفوظ …الفراء ؛ والزجاج والنحاس
- كنتم منذ آمنتم … نسبه ابن الجوزي لابن الأنباري ؛ و ذكره الزجاج والنحاس كوجه …
- كنتم عند الأمم السابقة وما جاءتهم من بشارات … قاله الحسن البصري كما ذكر الماوردي ؛ وذكر الواحدي ان معناه يروى عن الحسن …

2- تدل على دوام واستمرار … قاله ابن قتيبة ؛ وابن معطي وبه جزم ابن عطية …
أي كنتم وما زلتم وستظلون خير أمة

3- تدل على المضي المجرد دون دلالة على انقطاع أو استمرار … قاله الزمخشري و الفخر الرازي وأخذ برأيه الزركشي والسمين الحلبي وأبو السعود والالوسي وابن عاشور وغيرهم

4 - أنها بمعنى صار … قاله ابن منظور ؛ وذكره السمين الحلبي وصاحب المنار دون نسبة

ب- أنها تامة بمعنى وجدتم وخلقتم

ج - أنها زائدة بمعنى أنتم قاله الفراء ؛ وروي عن الكلبي

ثالثا: تخريج الأقوال
1⃣المخاطب في كنتم
1- من قال أنهم خاصة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
🔺 أما عمر بن الخطاب :
- فروى الطبري وابن أبي حاتم كلاهما عن إسرائيل عن السدي عمن حدثه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قال: تكون لأوّلنا، ولا تكون لآخرنا.

- وروى الطبري وابن أبي حاتم كلاهما عن أحمد بن المفضل ثنا أسباط عن السدي{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } قال عمر بن الـخطاب: لو شاء الله لقال «أنتـم»، فكنا كلنا، ولكن قال: {كُنتُمْ } فـي خاصة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن صنع مثل صنـيعهم، كانوا خير أمة أخرجت للناس، يأمرون بـالـمعروف، وينهون عن الـمنكر.
- وفي رواية ابن أبي حاتم دون زيادة ( يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) …

▪قال ابن حجر عن روايتيهما هذه : وهذا منقطع … ( ذلك أن من السدي لم يسمع من عمر مباشرة )

- 🔺وأما الضحاك :
- فروى الطبري قال حدثنـي يحيـى بن أبـي طالب، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك فـي قوله: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قال: هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة، يعنـي وكانوا هم الرواة الدعاة الذين أمر الله الـمسلـمين بطاعتهم.

🔺وأما الحسن
روى ابن المنذر في تفسيره قال حدثنا موسى قال حدثنا بشار بن موسى الخفاف قال أخبرنا عباد بن العوام قال حدثنا سفيان بن حسين قال سمعت الحسن قرأ ( كنتم خير امة أخرجت للناس ) قال : فقال الحسن : هم الذين مضوا من صدر هذه الأمة ؛ يعني أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؛ قد كان الرجل منهم يلقى أخاه فيقول : أبشر أليس أنت كنتيا ؟

ب- من قال أنهم المهاجرون
▪وقال ابن حجر : وهذا أخص من الذي قبله ( أي أخص من قول عمر أنهم أصحاب رسول الله )
🔺 ابن عباس :
روى عبد الرزاق وأحمد والنسائي والطبري وابن المنذر ( فيما طبع من تفسيره ) وابن أبي حاتم والحاكم النيسابوري كلهم من طريق سماك بن حرب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}: هم الذين هاجروا مع محمد صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.
ورواه عبد بن حميد كما ذكر العيني والسيوطي …

- وفي رواية أخرى للطبري قال : هم الذين خرجوا معه من مكة
و قال ابن حجر عن الأثر السابق أنهم رووه من حديث ابن عبّاسٍ بإسنادٍ جيّدٍ قال هم الّذين هاجروا مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم
وقال الحاكم في المستدرك : «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلمٍ ولم يخرجاه»
وقال الهيثمي : رواه أحمد والطّبرانيّ، ورجال أحمد رجال الصّحيح
وقال ابن أبي حاتم : وروي عن سعيد بن جبير نحو ذلك …

- وروى الطبري قال حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن عطية، عن قـيس، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عبـاس: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قال: هم الذين هاجروا من مكة إلـى الـمدينة.

- وأورد البوصيري وابن حجر في زوائدهم رواية الحارث بن محمد بن أبي أسامة ثنا الحسن بن قتيبة، ثنا إسرائيل، عن سماكٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ- رضي اللّه عنهما- "في قوله عزّ وجلّ: (كنتم خير أمة أخرجت للناس) قال: هم الّذين هاجروا من مكّة إلى المدينة إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم) .
▪قال البوصيري : هذا إسناد ضعيف ؛ لضعف الحسن.

ج . من قال أنهم أفراد مخصوصون من صحابة رسول الله :
1- من قال أنها نزلت في ابن مسعود وسالم ومولى أبي حذيفة وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل.
▪ قال ابن حجر في هذا القول : وهو أخصّ ممّا قبله
🔺عكرمة :
روى الطبري وابن المنذر كلاهما عن ابن جريج: قال عكرمة: نزلت فـي ابن مسعود، وسالـم مولـى أبـي حذيفة، وأبـيّ بن كعب، ومعاذ بن جبل.
وفي رواية ابن المنذر : ( قال مولى ابن عباس ) ولم يذكر اسمه عكرمة …

- قال ابن حجر : وللطّبرانيّ من طريق بن جريج عن عكرمة قال نزلت في بن مسعودٍ وسالمٍ مولى أبي حذيفة وأبيّ بن كعبٍ ومعاذ بن جبلٍ وهذا موقوفٌ فيه انقطاعٌ

▪وذكر الواحدي وابن حجر في أسباب النزول أن عكرمة ومقاتل قالا أنها نزلت في ابن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة وذلك أن مالك بن الضيف ووهب بن يهوذا اليهوديين قالا لهم: إن ديننا خير مما تدعوننا إليه ونحن خير وأفضل منكم فأنزل الله تعالى هذه الآية).

قال ابن حجر :
- قلت أما عكرمة فأخرجه سنيد في تفسيره عن حجاج عن ابن جريج قال: قال عكرمة نزلت فذكره ولم يذكر وذلك أن مالك بن الصيف إلى آخره
و أما مقاتل فإن لفظه بعد أن ذكر الآية وذلك أن مالك بن الصيف ووهب بن يهوذا قالا لعبد الله بن مسعود إلى آخره
فعلى هذا فنسبة الكلام إلى عكرمة ومقاتل المراد بها التوزيع فإن كلا منهما ذكر النصف وهو خلاف ما يتبادر والله المستعان
▪فقول ابن حجر يبين ان ما رواه عكرمة إنما هم أسماء الصحابة الأربعة دون القصة ؛ وما رواه مقاتل هو القصة …
-
📌والحقيقة أن هذا القول لا يدل على أن المخاطب هم هؤلاء الأربعة فقط ؛ فالقصة تذكر إن هذين اليهوديين حاجاهما في دينهما وفي أفضليتهم كيهود لا كشخصين ؛ وعليه فالمعنى الذي يفهم ان الرد في أفضلية المسلمين ودينهم لا في شخوص الأربعة المذكورين - على فضلهم وما امتازوا به -

2 - عبد الله بن سلام ومن آمن معه من يهود
قال العيني : وقال الواحدي: إن رؤوس اليهود، وعدد منهم جماعة منهم ابن صوريا، عمدوا إلى مؤمنيهم، عبد الله بن سلام وأصحابه، فآذوهم لإسلامهم، فنزلت
ولم يذكر العيني إسنادا ولم أجده عند الواحدي ولا في أسباب نزول الآية ولعله في قوله تعالى ( ليسوا سواء ) …

3- وقيل أنها في أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم :
- روى ابن ابي حاتم قال حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ صُبَيْحٍ الْكُوفِيُّ، ثنا عَنْبَسَةُ الْعَابِدُ، عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ : كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ قَالَ: خَيْرُ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

2- من قال أنهم عامة في جميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم
🔺حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:
- روى عبد الرزاق وروى الترمذي والطبري وابن المنذر وابن أبي حاتم كلهم عن عبد الرزاق قال: أنبأنا معمر، عن بهز بن حكيم بن معاوية، عن أبيه عن جده: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول في قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}: قال: " إنكم تُتِمُّون سبعين أُمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله تعالى …

▪قال الترمذي : هذا حديثٌ حسنٌ، وقد روى غير واحدٍ هذا الحديث عن بهز بن حكيمٍ نحو هذا، ولم يذكروا فيه {كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس} ).
- قال ابن حجر : هو حديثٌ حسنٌ صحيحٌ أخرجه التّرمذيّ وحسنه وبن ماجه والحاكم وصحّحه وله شاهدٌ مرسلٌ عن قتادة عند الطّبريّ رجاله ثقاتٌ …

▪وممن رواه دون ذكر ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) :
روى الإمام أحمد في مسنده و الطبري في تفسيره وابن ماجه في سننه في باب صفة أمة محمد كلهم عن بهز بن حكيـم، عن أبـيه، عن جده، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «:ألا إنَّكُمْ وَفَّـيْتُـمْ سَبْعِينَ أُمَّةً أنْتُـمْ آخِرُها وأكْرَمُها علـى اللَّهِ» واللفظ للطبري ؛ وفي لفظ أحمد و ابن ماجه : أنتم خيرها وأكرمها على الله …

وروى أحمد قال حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة عن الجريري عن حكيم بن معاوية عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : مثله …
وروى أحمد قال حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن علي بن زيد بن جدعان عن ابي نضرة عن أبي سعيد الخدري في حديث طويل يذكر خطبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ قال أبو سعيد : قال : وإنكم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها واكرمها على الله …

- وفي رواية للطبري قال حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر لنا أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم، وهو مسند ظهره إلـى الكعبة: «نَـحْنُ نُكَمِّلُ يَوْمَ القِـيامَةِ سَبْعينَ أُمَّةً نَـحْنُ آخرُها وخَيْرُها»

🔺قول الحسن :
روى الطبري قال حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعد عن قتادة قال: كان الـحسن يقول: نـحن آخرها وأكرمها علـى الله.

2⃣ معنى ( خير أمة ) :
أ- معنى الأمة :
- الأمة هي الجماعة من الناس … ؛
1 - قال معمر بن المثنى : ( كنتم خير أمة ) أي جماعة ؛ وهو أمة على حدة أي واحد ؛ ويقال: يبعث زيد بن عمرو ابن نفيل أمةً وحده، وقال النابغة في أمة وإمّةٍ، معناه الدّين والاستقامة: وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع
ذو أمة: بالرّفع والكسر، والمعنى الدّين، والاستقامة

- قال ابن المنذر : أخبرنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا الاثرم عن ابي عبيدة ( كنتم خير أمة ) أي جماعة …

2 - قال الأخفش : قال تعالى: {كنتم خير أمّةٍ} يريد "أهل أمّةٍ" لأنّ الأمّة الطريقة. والأمّة أيضاً لغة.
قال النابغة: حلفت فلم أترك لنفسك ريبةً = وهل يأثمن ذو أمّةٍ وهو طائع)
فعنده أمة أي طريق أو دين ؛ خير أمة أي خير أصحاب دين أو طريقة …

- والمعنى لا يتضاد ؛ فالجماعة التي يطلق عليها اسم الأمة هي التي تشترك في الدين و الطريقة والمنهج أو اللغة أو التاريخ وغيرها

🔹 قال الراغب : [ والأمة : كل جماعة يجمعهم أمر ما ؛ إما دين واحد أو زمان واحد أو مكان واحد ؛ سواء كان ذلك الأمر الجامع تسخيرا أو اختيارا ؛ وجمعها أمم ؛ قال تعالى ( وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم )
وقال تعالى : ( كان الناس أمة واحدة ) أي صنفا واحدا على طريقة واحدة في الضلال والكفر
وقوله تعالى : ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة : أي في الإيمان
وقوله ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ) أي جماعة يتخيرون العلم والعمل الصالح يكونون أسوة لغيرهم
وقوله ( إنا وجدنا آباءنا على امة ) آي على دين مجتمع
وقوله ( وادكر بعد أمة ) أي حين ؛ وقرئ ( أمه ) أي نسيان ؛ وحقيقة ذلك بعد انقضاء أهل عصر أو أهل دين …
وقوله ( إن إبراهيم كان امة ) آي قائما مقام جماعة في عبادة الله
وقوله ( من أهل الكتاب أمة قائمة ) أي جماعة … ]

🔹 وعلى قول من قال أن المخاطب في ( كنتم ) هم الصحابة أو فئات مخصوصة منهم قال ابن عطية : تكون الإشارة بقوله ( أمة ) إلى أمة محمد معينة ؛ فإن هؤلاء هم خيرها
أي بمعنى أن الآية تخبر عن خيرية الصحابة على سائر الأمة …

▪ وعلى قول أن المخاطب هم سائر الأمة المحمدية - وهو الصحيح كما سيأتي - تكون أمة كما قال ابن عطية وابن عاشور مستغرقة لجنس الأمم
قال ابن عطية : وقال الحسن بن أبي الحسن وجماعة من أهل العلم: معنى الآية، خطاب الأمة بأنهم {خير أمة أخرجت للناس}، فلفظ {أمة}، على هذا التأويل اسم جنس كأنه قيل لهم كنتم خير الأمم، ويؤيد هذا التأويل كونهم شهداء على الناس، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( نحن الآخرون السابقون ) والحديث [ رواه البخاري ومسلم ] .

و قال ابن عاشور : والمراد بأمَّة عمومُ الأمم كلّها على ما هو المعروف في إضافة أفعل التفضيل إلى النكرة أن تكون للجنس فتفيد الاستغراق.

ب- خيرية الأمة على سائر الآمم
واختلف المفسرون في خيرية هذه الأمة : هل هي خيرية مقيدة بما وصفها الله من قوله ( تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) ؛ فمتى التزمتم ذلك لزمتكم الخيرية ؛ ومتى تركتموها زالت عنكم الخيرية … أم هي لأسباب تميزت بها الأمة عن سائر الأمم ؛ أم هي خيرية مطلقة مرتبطة بها كونها أمة محمد صلى الله عليه وسلم …

قال ابن الجوزي : وفي قوله تعالى: {كنتم خيرَ أمة أُخرجت للناس} قولان :
1- أحدهما: أن معناه: كنتم خير الناس للناس. قال أبو هريرة: يأتون بهم في السلاسل حتى يدخلوهم في الإسلام.
2- والثاني: أن معناه: كنتم خير الأمم التي أُخرجت.

🔺 تخريج الآقوال :
1- أنهم خير الناس للناس :
- قال ابو السعود : وقيل: بخير أمةٍ : أي كنتم خيرَ الناسِ للناس، فهو صريحٌ في أن الخيريةَ بمعنى النفعِ للناس وإن فُهم ذلك من الإخراج لهم أيضاً أي أخرجَتْ لأجلهم ومصلحتِهم
فهي خيرية مقيدة إما :
بأمر الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر … قول عمر ومجاهد
- أو بإدخالهم الإسلام … قول أبي هريرة
أو مطلق النفع لهم … قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة وعطية والحسن …
ونتج عن ذلك انهم أكثر الأمم استجابة للإسلام … قاله أبي بن كعب وعكرمة والربيع بن أنس

خير أمة للناس إذ حققتم الشرط بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر :
قال الزجاج : والشريطة في الخيرية ما هو في الكلام وهو قوله عزّ وجلّ:{تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون باللّه}

- قال الطبري : وقال آخرون : كنتم خير أمة أخرجت للناس إذ كنتم بهذه الشروط التي وصفهم جل ثناؤه بها ؛ فكان تأويـل ذلك عندهم: كنتـم خير أمة تأمرون بـالـمعروف، وتنهون عن الـمنكر، وتؤمنون بـالله أُخرِجوا للناس فـي زمانكم.

- قال ابن عطية : وهذه الخيرية التي فرضها الله لهذه الأمة إنما يأخذ بحظه منها من عمل هذه الشروط من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله،

📌 فهؤلاء المفسرون جعلوها شروطا … بينما جعلها آخرون تعليلا للخيرية لا شرطا :
قال الفخر الرازي : اعلم أن هذا كلام مستأنف، والمقصود منه بيان علة تلك الخيرية، كما تقول: زيد كريم يطعم الناس ويكسوهم ويقوم بما يصلحهم، وتحقيق الكلام أنه ثبت في أصول الفقه أن ذكر الحكم مقرونًا بالوصف المناسب له يدل على كون ذلك الحكم معللًا بذلك الوصف، فهاهنا حكم تعالى بثبوت وصف الخيرية لهذه الأمة، ثم ذكر عقيبه هذا الحكم وهذه الطاعات، أعني الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان، فوجب كون تلك الخيرية معللة بهذه العبادات.

-وقال القرطبي : وقيل: إنما صارت أمَّةٍ محمد صلى الله عليه وسلم خير أمَّةٍ لأن المسلمين منهم أكثر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيهم أَفْشَى.

قال ابن عاشور : ( تأمرون بالمعروف ) حال من ضمير كنتم ؛ فهو مؤذن بتعليل كونهم خير أمة

🔹التخريج :
🔺عمر بن الخطاب :
قال الطبري : حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر لنا أن عمر بن الـخطاب قال فـي حجة حجها: ورأى من الناس رِعَة سيئة، فقرأ هذه: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ }... الآية، ثم قال: يا أيها الناس، من سره أن يكون من تلك الأمة، فلـيؤدّ شرط الله منها.

🔺مجاهد :
روى الطبري قال حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول الله عزّ وجلّ: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } يقول: علـى هذا الشرط أن تأمروا بـالـمعروف، وتنهوا عن الـمنكر، وتؤمنوا بـالله، يقول: لـمن أنتـم بـين ظهرانـيه، كقوله: {وَلَقَدِ ٱخْتَرْنَـٰهُمْ عَلَىٰ عِلْمٍ عَلَى ٱلْعَـٰلَمِينَ }.

وروى عن القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد قوله: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ }قال نحوه ؛ وزاد في أوله ( كنتـم خير الناس للناس، علـى هذا الشرط )
ورواه ابن حميد كما ذكر السيوطي …

خير الناس للناس بإدخالهم في الإسلام
قال ابن حجر : إنما كان ذلك لكونهم سببا في إسلامهم …
قال القاضي ابن عطية : ولم يبعث نبي إلى الأمم كافة إلا محمد صلى الله عليه وسلم، فهو وأمته يدعون إلى الإيمان ويقاتلون العالم عليه، فهم خير الناس للناس،

🔹التخريج :
🔺أبو هريرة :
- أخرج البخاري والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم كلهم من طريق سفيان، عن ميسرة، عن أبي حازمٍ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس، قال: «خير النّاس للنّاس تأتون بهم في السّلاسل في أعناقهم، حتّى يدخلوا في الإسلام» واللفظ للبخاري
- قال ابن أبي حاتم : عَنْ مَيْسَرَةَ يَعْنِي: ابْنَ عَمَّارٍ وَلَيْسَ بِابْنِ حَبِيبٍ
ورواه الفريابي وعبد بن حميد كما ذكر السيوطي …

- قال ابن حجر : ذكر فيه حديث أبي هريرة في تفسيرها غير مرفوع وقد تقدم في أواخر الجهاد من وجهٍ آخر مرفوعًا وهو يردّ قول من تعقّب البخاريّ فقال هذا موقوفٌ لا معنى لإدخاله في المسند
- يشير ابن حجر إلى حديث البخاري قال حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل)

- و قال القسطلاني في ارشاد الساري : وقول الزركشي وغيره قيل ليس هذا التفسير بصحيح ولا معنى لإدخاله في المسند لأنه لم يرفعه ليس بصحيح بل إساءة أدب لا ينبغي ارتكاب مثلها، وقد تقدم من وجه آخر في أواخر الجهاد مرفوعًا بلفظ: ( عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل ) يعني الأسارى الذين يقدم بهم أهل الإسلام في الوثاق والأغلال والقيود ثم بعد ذلك يسلمون وتصلح سرائرهم وأعمالهم فيكونون من أهل الجنة. وهذا الحديث أخرجه النسائي في التفسير).

خير الناس للناس بنفعهم مطلقا …
قال ابن كثير : والمعنى أنهم خير الأمم، وأنفع الناس للناس، ولهذا قال: {تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ} وهكذا قال ابن عباس ومجاهد وعطية العوفي وعكرمة وعطاء والربيع بن أنس {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} يعني: خير الناس للناس،

-قال ابن ابي حاتم : وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، وَعَطَاءٍ، وَعَطِيَّةَ أَنَّهُمْ قَالُوا: خَيْرُ النَّاسِ لِلنَّاسِ.

🔹التخريج :
🔺اما ابن عباس :
فقد روى ابن المنذر قال حدثنا موسى قال حدثنا الحسن بن احمد بن ابي شعيب الحراني قال حدثنا مسكين بن بكير قال ابو مسعود الجرار عن عكرمة عن ابن عباس في قوله ( كنتم خير امة اخرجت للناس ) قال : كنتم خير الناس للناس …

🔺وأما مجاهد :
- أخرج ابن المنذر قال حدثنا علي بن المبارة قال حدثنا زيد قال حدثنا ابن ثور عن ابن جريج عن مجاهد ( كنتم خير امة اخرجت للناس قال ( خير الناس للناس )
قال ابن المنذر : وكذلك قال سعيد بن جبير

-ووقال الهمذاني أنا عبد الرحمن، قال: نا إِبراهيم، قال: نا آدم، قال: نا ورقاءُ عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد في قوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} يقول: أَنتم خير الناس للناس.

🔺وأما عكرمة :
فروى ابن ابي حاتم قال : حَدَّثَنَا أَبِي، ثنا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ “الْحَارِثِ، ثنا عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ قَالَ: خَيْرُ النَّاسِ لِلنَّاسِ كَانَ قَبْلَكُمْ لَا يَأْمَنُ هَذَا فِي بِلَادِ هَذَا، وَلَا هَذَا في “بِلادِ هَذَا، فَكُلَّمَا كُنْتُمْ أَمِنَ فِيكُمُ الأَحْمَرُ وَالأَسْوَدُ، وَأَنْتُمْ خَيْرُ النَّاسِ لِلنَّاسِ

🔺وأما عطية :
- فقد روى الطبري قال : حدثنا عبـيد بن أسبـاط، قال: ثنا أبـي، عن فضيـل بن مرزوق، عن عطية فـي قوله: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قال: خير الناس للناس.
- وروى ابن ابي حاتم : ذُكِرَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى، عَنْ عِيسَى بْنِ مُوسَى، عَنْ عَطِيَّةَ: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ قَالَ: خَيْرُ النَّاسِ لِلنَّاسِ شَهِدْتُمْ لِلنَّبِيِّينَ الَّذِينَ كَفَرَ بِهِمْ قَوْمُهُمْ بِالْبَلاغِ.
ورواه عنه عبد بن حميد كما ذكر السيوطي

🔺وأما الحسن :
فقد روى ابن وهب : (وقال الحسن في قول الله: {كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس}، قال: كنتم خير الناس للناس).

📌ولما مر من دعوتهم الناس وإدخالهم في الإسلام كانت هذه الأمة أكثر الناس استحابة للإسلام ؛ وكان نبينا صلى الله عليه وسلم آكثر الناس تبعا يوم القيامة ؛ وهذا كذلك من أسباب خيرية هذه الأمة …

خير أمة لأنهم أكثر الامم استجابة للإسلام …
- قال الطبري : وقال آخرون لأنهم أكثر الأمـم استـجابة للإسلام.
🔺أبي بن كعب :
- قال ابن ابي حاتم : حَدَّثَنَا أَبِي، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَوْلَهُ: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ قَالَ: لَمْ تَكُنْ أُمَّةٌ أَكْثَرَ اسْتِجَابَةِ فِي الإِسْلامِ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ فَمِنْ ثَمَّ قَالَ: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ

🔺وأما عكرمة :
فقد روى ابن ابي حاتم حَدَّثَنَا أَبِي أَنْبَأَ مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثنا زُهَيْرٌ، ثنا خُصَيْفٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ قَالَ: لَمْ تَكُنْ أُمَّةٌ دَخَلَ فِيهَا مِنْ أَصْنَافِ النَّاسِ غَيْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ”

🔺الربيع بن أنس :
-روى الطبري قال : حدثت عن عمار بن الـحسن، قال: ثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع، قوله: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } قال: لـم تكن أمة أكثر استـجابة فـي الإسلام من هذه الأمة، فمن ثم قال: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ )


2- أنها خيرية مطلقة لكونها أمة محمد قاله الحسن مستمدا من أحاديث رسول الله في خيرية هذه الأمة … .
▪ قال ابو حيان الاندلسي : والمعنى: أن الأمم إذا فضلوا أمة أمة كانت هذه الأمة خيرها. وحكم عليهم بأنهم خيرُ أمة، ولم يبين جهة الخيرية في اللفظ وهي: سبقهم إلى الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم، وبدارهم إلى نصرته، ونقلهم عنه علم الشريعة، وافتتاحهم البلاد. وهذه فضائل اختصوا بها مع ما لهم من الفضائل. وكل من عمل بعدهم حسنة فلهم مثل أجرها، لأنّهم سببٌ في إيجادها، إذْ هم الذين سنوها، وأوضحوا طريقها …

🔹التخريج :
🔺 قول الحسن :
- فقد روى عنه الطبري قال حدثنـي مـحمد بن سنان، قال: ثنا أبو بكر الـحنفـي، عن عبـاد، عن الـحسن فـي قوله: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } قال: قد كان ما تسمع من الـخير فـي هذه الأمة …

- و روى الطبري قال : حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعد عن قتادة قال: كان الـحسن يقول: نـحن آخرها وأكرمها علـى الله.

▪وقول الحسن هذا مستمد من حديث رسول الله الذي سبق تخريجه وفيه عن بهز بن حكيم بن معاوية، عن أبيه عن جده: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول في قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}: قال: " إنكم تُتِمُّون سبعين أُمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله تعالى …

- و روى الإمام أحمد في مسنده قال حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أُعْطِيتُ مَا لَمْ يُعْطَ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ". فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هُوَ ؟ قَالَ : " نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْأَرْضِ، وَسُمِّيتُ أَحْمَدَ، وَجُعِلَ التُّرَابُ لِي طَهُورًا، وَجُعِلَتْ أُمَّتِي خَيْرَ الْأُمَمِ ".
حكم الحديث: إسناده حسن

وغيرها من أحاديث سأذكرها في دراسة الآقوال …

3⃣ معنى ( كنتم ) و دلالة مجيئه بالماضي
- قال ابن فارس في مقاييس اللغة :
(كون) الكاف والواو والنون أصل يدل على الإخبار عن حدوث شيء، إما في زمان ماض أو زمان راهن. انتهى

وكان فعل ماض ؛ واختلف هنا في معناه ودلالة الماضي فيه فقيل :

أ- أن ( كان ) هنا ناقصة على بابها وفي دلالة الماضي فيها اقوال :
1- أنها تدل على ماض منقطع ؛ أي كان في زمن ماض وانتهى ؛ وقيل في معناه هنا :
- كنتم في علم الله… قاله غلام ثعلب ؛ والراغب الأصفهاني
- قال غلام ثعلب : في علم الله
- قال الراغب الأصفهاني : وقوله : كنتم خير أمة : فقد قيل : معنى كنتم معنى الحال ؛ وليس ذلك بشيء ؛ بل إنما ذلك إشارة إلى أنكم كنتم كذلك في تقدير الله تعالى وحكمه …

- كنتم في اللوح المحفوظ موصوفين بذلكقاله الفراء ؛ وذكره الزجاج والنحاس
وقال الفراء : كنتم : أي في اللوح المحفوظ
قال الزجاج : وقيل في معنى كنتم خير آمة : كنتم عند الله في اللوح المحفوظ … وقال النحاس مثله …

📌ومعنى أن أصلها في دلالة المضي منها على الانقطاع هنا أن الأمر انتقل من علم الله ؛ ومن الكتابة إلى الوجود ؛ فلذلك كان على هذا المعنى في الماضي …ذلك أن مراتب القدر أربعة : العلم فالكتابة فالمشيئة فالخلق … فمعنى هذا القول أن هذه الأمة كان قد كتب في علم الله وفي اللوح المحفوظ من قبل أن توجد وتخرج للناس ومن قبل أن يبعث نبيها عليه الصلاة والسلام انها خير أمة بين الأمم …

- كنتم منذ آمنتم خير أمةنسبه ابن الجوزي لابن الأنباري ؛ و ذكره الزجاج والنحاس كوجه …
ولم أقف للقول عند ابن الأنباري ؛ ولم يذكر الزجاج أو النحاس نسبته والله أعلم …

- قال ابن عاشور : ويجوز أن يكون المعنى: {كنتم خير أمة} موصوفين بتلك الصّفات فيما مضى تفعلونها إمَّا من تلقاء أنفسكم، حرصاً على إقامة الدّين واستحساناً وتوفيقاً من الله في مصادفتكم لمرضاته ومراده، وإمّا بوجوب سابق حاصل من آيات أخرى مثل قوله: { وتواصوا بالحق} وحينئذٍ فلمَّا أمرهم بذلك على سبيل الجزم، أثنى عليهم بأنَّهم لم يكونوا تاركيه من قبل، وهذا إذا بنَينا على أنّ الأمر في قوله { ولتكن منكم أمة} تأكيداً لما كانوا يفعلونه، وإعلام بأنَّه واجب، أو بتأكيد وجوبه على الوجوه التي قدّمتها عند قوله {ولتكن منكم أمة}.

- كنتم عند الأمم السابقة وما جاءتهم من بشاراتقاله الحسن البصري كما ذكر الماوردي ؛ وذكر الواحدي ان معناه يروى عن الحسن …
قال القرطبي : وقيل: جاء ذلك لتقدّم البشارة بالنبيّ صلى الله عليه وسلم وأمّته. فالمعنى كنتم عند من تقدّمكم من أهل الكتب خيرَ أمّة
قال بدر الدين العيني : وقيل : كنتم في الأمم قبلكم مذكورين بأنكم خير أمة موصوفين به

🔹تخريجه :
🔺 قول الحسن البصري
قال الماوردي : ( كنتم يعني إلى ما تقدم من البشارات ؛ وهذا قول الحسن البصري ؛ وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنتم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله ) ) انتهى كلامه
و لعله أشار في نسبته القول للحسن ما سبق تخريجه مما رواه عنه الطبري عن قتادة قال: كان الـحسن يقول: نـحن آخرها وأكرمها علـى الله.
وليس في هذا القول إشارة إلى دلالة معنى ( كنتم ) …
وأما الحديث الذي ذكره فهو الحديث الذي رواه بهز بن حكيم عن ابيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ و سبق تخريجه

وقال الواحدي : وقال بعضُ النحويين : إنما قال: ﴿كُنْتُمْ﴾، ولم يقل: (أنتم)؛ لتَقَدُّمِ البِشَارَةِ بهذه الأُمَّة، ولِمَا قد كان يُسمَعُ مِنَ الخير في هذه الأمَّةِ؛ فكأنَّه قيل: كنتم خير أُمَّةٍ بُشِّرَت بها. وهذا القول، يُروى معناه عن الحَسَنِ …

- ولعله أشار إلى قول الحسن الذي سبق تخريجه : قد كان ما تسمع من الـخير فـي هذه الأمة …

2- كان هنا تدل على الماضي الذي ما زال مستمرا أي على الدوام والاستمرار … قاله ابن قتيبة ؛ وابن معطي وبه جزم ابن عطية …
- وعليه يكون المعنى كنتم فيما مضى وما زلتم وستظلون خير أمة
وقيل تدل على الحال ؛ وقال الراغب : معنى كنتم معنى الحال وليس ذلك بشيء …

🔺قال ابن قتيبة : ( في باب مخالفة ظاهر اللفظ معناه ) (ومنه أن يأتي الفعل على بنية الماضي وهو دائم، أو مستقبل: كقوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}، أي: أنتم خير أمّة.

🔺و قال ابن معطي في الفيته في باب كان وأخواتها :
وكلها دلت على اقتران … … …. فائدة الجملة بالزمان
وكان للماضي الذي ما انقطعا


▪ و قال ابن عطية : كنتم بصيغة الماضي : فهي التي بمعنى الدوام كما قال تعالى ( وكان الله غفورا رحيما )

و قال القسطلاني : كان ناقصة على بابها فتصلح للانقطاع نحو: كان زيد قائمًا، وللدوام نحو: {وكان الله غفورًا رحيمًا} فهي بمنزلة لم يزل وهذا بحسب القرائن فقوله: {كنتم خير أمة} لا يدل على أنهم لم يكونوا خيرًا فصاروا خيرًا أو انقطع ذلك عنهم،

3- تدل على المضي المجرد دون دلالة على انقطاع سابق أو استمرار قاله الزمخشري و الفخر الرازي وأخذ برأيه الزركشي والسمين الحلبي وأبو السعود والالوسي وابن عاشور وغيرهم
- قال الزمخشري: "كان" عبارةٌ عن وجود الشيء في زمن ماض على سبيل الإِبهام، وليس فيه دليلٌ على عَدَمٍ سابق ولا على انقطاع طارىء، ومنه قولُه تعالى: {وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} وقوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} كأنه قيل: "وُجِدْتُم خيرَ أمة

▪ومعنى قول الزمخشري كما فسره الزركشي : والصواب من هذه المقالات مقالة الزمخشري، وأنها تفيد اقتران معنى الجملة التي تليها بالزمن الماضي لا غير، ولا دلالة لها نفسها على انقطاع ذلك المعنى ولا بقائه; بل إن أفاد الكلام شيئا من ذلك كان لدليل آخر.

📌فجعل ( كنتم ) لمجرد وجود نسبة خبرها ( وهو الخيرية هنا ) إلى اسمها ( وهم المخاطبون ) في الزمن الماضي دون نفي أو إثبات للانقطاع أو الاستمرار ؛ وما يقرر أي معنى غير مجرد المضي هي القرائن …

4 - أنها بمعنى صار ذكره السمين الحلبي وصاحب المنار ولم ينسباه …
وقد وجدت ابن منظور في لسان العرب يذكره فيقول : ومن أقسام كان الناقصة أيضا أن تأتي بمعنى صار كقوله سبحانه: كنتم خير أمة
- وقال السمين في معاني كنتم :الثاني: أنها بمعنى "صِرْتُم" و"كان" تأتي بمعنى "صار" كثيراً كقوله:
:بتيهاءَ قَفْرٍ والمَطِيُّ كأنها قَطَا الحَزْنِ قد كانَتْ فِراخا بيوضُها
أي: صارَتْ فراخاً
- قال صاحب المنار : وهذا اضعف الاقوال

ب- أنها تامة بمعنى وجدتم وخلقتم
وعلى هذا المعنى فهي تكتفي بفاعلها وهو الضمير ؛ وكنتم : أي خلقتم ووجدتم ؛ و(وخير) منصوبة على الحال …

قال الواحدي : وقال بعضهم : الكَوْنُ ههنا بمعنى: الوقوع والحُدُوث، وهي التَّامَّةُ التي لا تحتاج إلى خبر، فمعنى ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ﴾: حَدَثْتم خَيْرَ أُمَّةٍ، ووُجِدْتُم وخُلِقْتُم خَيرَ أمَةٍ، فيكون ﴿خَيْرَ أُمَّةٍ﴾ حينئذ بمعنى الحَالِ. وهذا معنى قولِ ابن جَرِير) انتهى … ( وسآتي على قول الطبري في الترجيحات )

- قال ابن عطية : ويحتمل أن تكون كان التامة، ويكون {خير أمة} نصباً على الحال، وهذا يتجه على بعض التأويلات التي ذكرناها دون بعض.

ج - أنها ( أي كان ) زائدة ؛ والمعنى أنتم … قاله الفراء ؛ وروي عن الكلبي وبه أخذ الطبري
🔺قول الكلبي :
- روى ابن المنذر قال حدثنا النجار قال أخبرنا عبد الرزاق عن معمر قال قال الكلبي أنتم ؛ يعني في قوله ؛ ( كنتم خير أمة أخرجت للناس )
وعن عبد الرزاق قال معمر وقال الكلبي : أنتم خير الناس للناس

🔺قول الفراء :
- قال الفراء : ومعناه أنتم خير أمّة؛ كقوله: {واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم}، و{إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض} فإضمار كان في مثل هذا وإظهارها سواء).

- قال القسطلاني : وقيل زائدة أي أنتم خير أمة، والخطاب للصحابة وهذا مرجوح أو غلط لأنها لا تزاد أولًا،

- قال الآلوسي : وقال الحسن: معناه أنتم خير أمة، واعترض بأنه يستدعي زيادة كان وهي لا تزاد في أول الجملة.

رابعا: توجيه الأقوال.
1- المخاطب في كنتم :
1.1 - أنهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم
مبنى هذا القول على ما ورد في أفضلية صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على سائر الآمة
- روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: « خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» (الحديث)
قال القرطبي :
وهذا يدل على أن أوّل هذه الأمة أفضل ممن بعدهم، وإلى هذا ذهب معظم العلماء، وأن من صحب النبيّ صلى الله عليه وسلم ورآه ولو مرّة في عمره أفضل ممن يأتي بعده، وأن فضيلة الصحبة لا يعدِلها عمل.

وقال ابن عاشور :
ولا شكّ أن الصحابة كانوا أفضل القرون التي ظهرت في العالم، لأن رسولهم أفضل الرسل، ولأن الهدى الذي كانوا عليه لا يماثله هدى أصحاب الرسل الذين مضوا، فإن أخذت الأمة باعتبار الرسول فيها فالصحابة أفضل أمة من الأمم مع رسولها، قال النبي صلى الله عليه وسلم « خير القرون قرني» والفضل ثابت للجموع على المجموع، وإن أخذت الأمة من عدا الرسول، فكذلك الصحابة أفضل الأمم التي مضت بدون رُسلها، وهذا تفضيل للهدى الذي اهتدوا به، وهو هدى رسولهم محمد صلى الله عليه وسلم وشريعته.

ولعل عمرا رضي الله عنه عندما قال لو شاء الله لقال أنتم ؛ ولكن ( كنتم) لأصحاب محمد يوضحها تتمة كلامه حيث قال : ومن عمل عملهم ؛
ثم قوله فيما روي عنه في الحج : من سره أن يكون من هذه الأمة فليؤد شرط الله فيها … وهذا قد يفهم منه أنه كان يرى خصوص الخطاب للصحابة مع عمومه لكل من فعل فعلهم … والله أعلم …

ومن جعلها خاصة في المهاجرين فلما فضل الله به المهاجرين وقدمهم في مواضع مختلفة من كتابه
فقال تعالى ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه ) فقدمهم
وقال ( لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة )
وقال ( للفقراء المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا )
وقال ( فالذين هاجروا واخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم )
وقال ( والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة )
وقال ( الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله )
وقال ( والذين آمنوا وهاجروا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أوليك هم المؤمنون حقا
)
وغيرها …
وقال عمر بن الخطاب في وصيته لمن يخلفه بعده : ( وأوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأولين أن يعرف لهم حقهم ويحفظ لهم حرمتهم ) رواه البخاري من حديث قصة البيعة …

▪ومن خص أسماء محددة فهو لما ورد من سبب لنزولها ؛ فكان كالمثال من الصحابة …

2 - أنهم عامة في جميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم …
أ- مبنى هذا القول ما ورد من أحاديث تبين فضل هذه الأمة ككل ، تم ذكر بعضها سابقا كقوله صلى الله عليه وسلم (
إنكم تُتِمُّون سبعين أُمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله تعالى ) … فقد ورد هذا الحديث صريحا في تفسير قرله تعالى ( كنتم خير أمة أخرجت للناس )
📌 ومعلوم أنه إن صح حديث في تفسير الآية فهو الأولى في تفسيرها …

- وكقوله صلى الله عليه وسلم : " أُعْطِيتُ مَا لَمْ يُعْطَ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ". فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هُوَ ؟ قَالَ : " نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْأَرْضِ، وَسُمِّيتُ أَحْمَدَ، وَجُعِلَ التُّرَابُ لِي طَهُورًا، وَجُعِلَتْ أُمَّتِي خَيْرَ الْأُمَمِ ".

ب - كما أن هذا القول بني على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ؛ فكما قال الزجاج : وقال بعضهم : هذا الخطاب أصله أنه خوطب به أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يعم سائر أمّة محمد، والشريطة في الخيرية ما هو في الكلام … انتهى
فهو وإن كان خطابا لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كذلك لعموم الأمة ؛ ذلك أن صحابة رسول الله في زمان تنزل الآية كانوا هم كل أمة الإسلام ؛ فكان الخطاب لهم بوصفهم أمة الإسلام ؛ وكان لمن بعدهم من الأمة …

2- معنى خير أمة
القول في وجه المعنى هنا هو في متعلق الفعل ( أخرجت )و الجار والمجرور في ( للناس ) :
فمن قال أن ( أخرجت ) متعلق ب( خير أمة ) كان المعنى عنده كنتم خير أمة أخرجت ؛ أي خيرية مطلقة على الأمم … فجملة ( أخرجت ) صفة لأمة …أي خير الأمم المخرجة …

ومن قال أن ( للناس ) هي المتعلقة ب ( خير أمة ) كان المعنى عنده كنتم خير أمة للناس أي أنفعهم لهم …
فالجار والمجرور هنا متعلقان ب ( خير أمة ) أو ب( كنتم ) : كنتم للناس خير أمة ؛ او كنتم خير أمة للناس

قال الفخرالرازي : أما قوله: {أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} ففيه قولان :
- الأول: أن المعنى كنتم خير الأمم المخرجة للناس في جميع الأعصار، فقوله: {أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} أي أظهرت للناس حتى تميزت وعرفت وفصل بينها وبين غيرها.
- والثاني: أن قوله: {لِلنَّاسِ} من تمام قوله: {كُنتُمْ} والتقدير: كنتم للناس خير أمة، ومنهم من قال: {أُخْرِجَتْ} صلة، والتقدير: كنتم خير أمة للناس.

و قال الثعلبي : قال قوم : للناس من صلة ( خير أمة ) يعني أنتم خير الناس للناس
وقال آخرون : قوله للناس من صلة قوله: {أخرجت } ومعناه ما أخرج الله للناس أمة خيرا من امة محمد صلى الله عليه وسلم فهم خير أمة قامت وأخرجت للناس وعلى هذا تتابعت الأخبار …

📌هذا من الناحية اللغوية …
وأما من الناحية الشرعية
فقد وردت أحاديث كثيرة في فضل هذه الأمة وخيريتها المطلقة على الأمم لكونها أمة محمد صلى الله عليه وسلم سآتي على ذكر بعضها آخر البحث بإذن الله …

3- معنى ( كنتم ) و دلالة مجيئه بالماضي
وأما ما قاله المفسرون من معنى ( كنتم ) هنا فمبناه دلالة الفعل ( كان ) في اللغة ؛ وما تميز به واختص من الأفعال الناقصة …
ذلك أن (كان) في اللغة تكون على ثلاثة أحوال : إما ناقصة ناسخة للجملة الإسمية ؛ أو تامة مكتفية بمرفوعها وهو الفاعل ؛ أو زائدة لا تعمل وزيادتها للتوكيد …

▪قال ذلك ابن معطي في الدرة الألفية في باب كان وأخواتها :
وكلها دلت على اقتران … … …. …فائدة الجملة بالزمان
وكان للماضي الذي ما انقطعا وإن أتت ( كان ) بمعنى وقعا
كحسبوا أن لا تكون فتنة … … …كن فيكون مثله اجعلنه
فارفع بها الفاعل لا غير وقد زيدت فلم تعمل كذاك قد ورد
نحو : على كان المسومات … … …وما عدا كان لحال آت

▪و قال ابن مالك في ألفيته :
… … … وذو تمام ما برفع يكتفي
وقد تزاد( كان) في حشو كــ : ( ما كان أصح علم من تقدما )


وعليه فكلما قيل من معانيها إنما أخذ من أحد معانيها اللغوية …
فهي إما ناقصة ؛ وعلى نقصانها لها دلالات متعددة ؛ ذكر الرازي ما ورد من دلالاتها في القرآن :
فقال ابو بكر الرازي : [ ( ذكره الزركشي في البرهان )
(كان) في القرآن على خمسة اوجه :
1- بمعنى الأزل والأبد كقوله تعالى : ( وكان الله عليما حكيما )
2- بمعنى المضي المنقطع كقوله : ( وكان في المدينة تسعة رهط ) وهو الأصل من معاني كان ؛ كما تقول : كان زيد صالحا أو فقيرا او مريضا أو نحوه …
3- بمعنى الحال كقوله تعالى ( كنتم خير أمة ) وقوله ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا )
4- وبمعنى الاستقبال كقوله تعالى : ( ويخافون يوما كان شره مستطيرا )
5- وبمعنى ( صار ) كقوله : وكان من الكافرين …]

وقال الزركشي في البرهان : في باب لفظ كان :
وقد اختلف النحاة وغيرهم في أنها تدل على الانقطاع، على مذاهب:
- أحدها: أنها تفيد الانقطاع; لأنها فعل يشعر بالتجدد.

- والثاني: لا تفيده; بل تقتضي الدوام والاستمرار، وبه جزم ابن معط في ألفيته; حيث قال: وكان للماضي الذي ما انقطعا
وقال الراغب في قوله تعالى: (وكان الشيطان لربه كفورا) : نبه بقوله:" كان " على أنه لم يزل منذ أوجد منطويا على الكفر.

- الثالث: أنه عبارة عن وجود الشئ في زمان ماض على سبيل الإبهام; وليس فيه دليل على عدم سابق، ولا على انقطاع طارئ، ومنه قوله تعالى: (وكان الله غفورا رحيما) ، قاله الزمخشري في قوله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس) .

📌 والمتأمل في ما اورده النحويون في ( كنتم ) يجد ان كلا اوردها بحسب فهمه للآية ؛
فمنهم من جعلها للحال ؛ ومنهم من جعلها للماضي المجرد ؛ ومنهم من جعلها للمضي المنقطع ; ومنهم من جعلها للدلالة على الدوام والاستمرار …
ومنهم من جعلها تامة أو زائدة كما ورد …
- فمن جعلها ناقصة تدل على الانقطاع أخذ كان على أصل الفعل الماضي الذي في دلالته يدل على مضي بانقطاع ؛ ولذلك بحث عن معنى يصلح مع الانقطاع فجعلها في الأمم السابقة ؛ أو فيما مضى من علم الله قبل وجودكم كأمة وغيرها

ومن جعلها تدل على الاستمرار أخذها بمعنى لم يزل ؛ لأن الخيرية لم تزل في الأمة ؛
ومن جعلها دالة على الحال جعلها في المخاطبين اي في وقتهم …

ومن جعلها بمعنى صار أي صرتم أخذها على أنها لم تكن قبل أمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر خير أمة

وقد استنكر ابن عاشور هذه التعليلات في معنى كان فقال: ومن الحيرة التجاء جمع من المفسرين إلى جعل الإخبار عن المخاطبين بكونهم فيما مضى من الزمان أمة بمعنى كونهم كذلك في علم الله تعالى وقَدَره أو ثبوت هذا الكون في اللوح المحفوظ أو جعل كان بمعنى صار.

- ومن جعلها تامة أخذها أنها صفة لازمة للأمة لا تنفك عنها بأصل وجودها بمعنى خلقتم ووجدتم …

- ومن جعلها زائدة قاسها على ( كنتم قليلا ) و( أنتم قليل ) وجعلها في المعنى نفسها …

وسآتي على نقاش كل واحد من هذه المعاني وما اعترض عليه وبيان الراجح منه بإذن الله …

♦ خامسا: دراسة الأقوال ونقدها وبيان الراجح منها.
قال السعدي : يمدح تعالى هذه الأمة ويخبر أنها خير الأمم التي أخرجها الله للناس، وذلك بتكميلهم لأنفسهم بالإيمان المستلزم للقيام بكل ما أمر الله به، وبتكميلهم لغيرهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المتضمن دعوة الخلق إلى الله وجهادهم على ذلك وبذل المستطاع في ردهم عن ضلالهم وغيهم وعصيانهم، فبهذا كانوا خير أمة أخرجت للناس

وقد ورد معنا الاختلاف في المخاطب هنا ، ثم الاختلاف في سبب خيرية الأمة وهل هي مشروطة أو مقرونة بسبب أم هي مطلقة …
🔹فأما المخاطب :
فقد جمع الزجاج بين القولين فقال : هذا الخطاب، أصلُه: أنه خوطب به أصحابُ رسول الله ﷺ، وهو يَعُمُّ سائرَ أُمَّتِهِ
▪ و مثله قال الآلوسي : والظاهر أن الخطاب وإن كان خاصاً بمن شاهد الوحي من المؤمنين أو ببعضهم لكن حكمه يصلح أن يكون عاماً للكل كما يشير إليه قول عمر رضي الله تعالى عنه فيما حكى قتادة : يا أيها الناس من سره أن يكون من تلكم الأمة فليؤد شرط الله تعالى منها

📌وكون الخطاب للصحابة ابتداء لا يتنافى مع كونه خطابا للأمة كلها :
قال الفخر الرازي : معلقا على قول الزجاج : ونظيره قوله ( كتب عليكم الصيام ) وقوله ( كتب عليكم القصاص ) ؛ فإن كل ذلك خطاب مع الحاضرين بحسب اللفظ ؛ ولكنه عام في حق الكل كذا ههنا

قال الطبري : وأولـى هذه الأقوال بتأويـل الآية ما قال الـحسن ( وهو عموم المخاطبين في الآية للأمة كلها )
وذكر أن ذلك للحديث الذي رواه بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن رسول في قوله : {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قال: «أنْتُـمْ تُتِـمُّونَ سَبْعِينَ أُمَّةً أنْتُـمْ خَيْرُها وأكْرَمُها علـى اللَّهِ»

وقال ابن كثير : والصحيح أن هذه الآية عامة في جميع الأمة، كل قرن بحسبه، وخير قرونهم الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، كما قال في الآية الأخرى: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} أي: خياراً ( لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ} …

✅ و قال القسطلاني : والصحيح كما قاله ابن كثير العموم في جميع الأمة كل قرن بحسبه وخير قرونهم الذين بعث فيهم صلّى اللّه عليه وسلّم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، وفي سنن ابن ماجه ومستدرك الحاكم وحسنه الترمذي عن معاوية بن حيدة مرفوعًا: أنتم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله عز وجل.

✅ و قال ابن عاشور : والمعنى: كنتم خير الأمم التي وجدت في عالم الدنيا. وفاعل {أخرجت} معلوم وهو الله موجد الأمم، والسائق إليها ما به تفاضلها. والمراد بالناس جميع البشر من أوّل الخليقة.

▪وقد قال في المخاطب بكنتم : والخطاب إما لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ وأوردت كلامه في ذلك سابقا … ثم قال كلاما جميلا فقال :
وإما أن يكون الخطاب للمسلمين كلهم في كل جيل ظهروا فيه ؛ ومعنى تفضيلهم بالأمر بالمعروف مع كونه من فروض الكفايات لا تقوم به جميع أفراد الأمّة لا يخلو مسلم من القيام بما يستطيع القيام به من هذا الأمر، على حسب مبلغ العلم ومنتهى القدرة، فمن التغيير على الأهل والولد، إلى التغيير على جميع أهل البلد …
أو لأن وجود طوائف القائمين بهذا الأمر في مجموع الأمّة أوجب فضيلة لجميع الأمّة، لكون هذه الطوائف منها كما كانت القبيلة تفتخر بمحامد طوائفها،
وفي هذا ضمان من الله تعالى بأنّ ذلك لا ينقطع من المسلمين إن شاء الله تعالى …

🔹وفي سبب الخيرية للأمة :
▪قال الزجاج : والشريطة في الخيرية ما هو في الكلام وهو قوله عزّ وجلّ:{تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون باللّه}أي: توحدون اللّه بالإيمان برسوله لأن من كفر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يوحد اللّه، وذلك أنه يزعم أن الآيات المعجزات التي أتى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذات نفسه فجعل غير الله يفعل فعل اللّه وآيات الأنبياء، لا يقدر عليها إلا اللّه عزّ وجلّ.

وقال القرطبي : وقيل: إنما صارت أمَّةٍ محمد صلى الله عليه وسلم خير أمَّةٍ لأن المسلمين منهم أكثر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيهم أَفْشَى.

و قال ابن عاشور : حصلت لكم الخيرية بحصول اسبابها ووسائلها لأنّهم اتّصفوا بالإيمان، والدّعوة للإسلام، وإقامته على وجهه، والذبّ عنه النقصانَ والإضاعة لتحقّق أنّهم لمّا جُعل ذلك من واجبهم، وقد قام كُلّ بما استطاع، فقد تحقّق منهم القيام به، أو قد ظهر منهم العزم على امتثاله، كُلّما سنح سانح يقتضيه، فقد تحقّق أنهم خير أمَّة على الإجمال فأخبر عنهم بذلك.

📌 وآما ابن كثير فقال :
وإنما حازت هذه الأمة قصب السبق إلى الخيرات بنبيها محمد صلوات الله وسلامه عليه، فإنه أشرف خلق الله، وأكرم الرسل على الله، وبعثه الله بشرع كامل عظيم لم يعطه نبي قبله ولا رسول من الرسل، فالعمل على منهاجه وسبيله يقوم القليل منه ما لا يقوم العمل الكثير من أعمال غيرهم مقامه،

والراجح والله أعلم ما ذكره ابن كثير من أن خيرية الأمة مستمدة ابتداء وقبل أي سبب أو فعل آخر من كونها أمة خير الخلق محمد صلى الله عليه وسلم ؛ وكتابها خير الكتب ؛ وهي أمة أكمل الشرائع وخاتم الأديان ؛ فهذا من فضل الله على هذه الأمة ؛ ويبقى عليها هي أن تؤدي شكر هذا الفضل وصفات هذا الاصطفاء بأن تؤدي ما افترضه الله عليها من أمر بالمعروف ونهي عن المنكر وإيمان به وبرسوله وأداء حق هذا الدين والدعوة له والذب عنه ؛ فتكون هذه الاسباب محققة لها ما تستحقه بين الأمم من المكانة وما أمرت به من عمارة الأرض وتحقيق الاستخلاف …

📌ويرجح ذلك ما ورد في الأحاديث في فضل هذه الأمة :
🔹أخرج البخاري في صحيحه في الحديث الطويل في شفاعة نبينا في المحشر فقال : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ : أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَحْمٍ، فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ، فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً، ثُمَّ قَالَ : " أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهَلْ تَدْرُونَ مِمَّ ذَلِكَ ؟ يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ ؛ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ، وَتَدْنُو الشَّمْسُ فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لَا يُطِيقُونَ، وَلَا يَحْتَمِلُونَ، فَيَقُولُ النَّاسُ : أَلَا تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ ؟ أَلَا تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ ؟
إلى أن قال :
( اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُونَ : يَا مُحَمَّدُ، أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، وَخَاتِمُ الْأَنْبِيَاءِ، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ ؟ فَأَنْطَلِقُ، فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ، فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي، ثُمَّ يُقَالُ : يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَقُولُ : أُمَّتِي يَا رَبِّ، أُمَّتِي يَا رَبِّ. فَيُقَالُ : يَا مُحَمَّدُ، أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْبَابِ الْأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ. وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْأَبْوَابِ. ثُمَّ قَالَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ، وَحِمْيَرَ، أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ، وَبُصْرَى ".

📌فهذا دل على أن فضل الأمة من فضل نبيها ؛ وأن من إكرام الله لنبيه وصفيه من خلقه أن جعل أمته خير الأمم وأول الأمم دخولا الجنة ؛ ولمن لا حساب عليهم منهم باب خاص من الجنة ؛ وأي فضل هذا !!…

🔹وأخرج البخاري قال حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ هُرْمُزَ الْأَعْرَجَ - مَوْلَى رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ - حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَهَدَانَا اللَّهُ فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ الْيَهُودُ غَدًا وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ ". ورواه مسلم والنسائي وأحمد

🔹 وأخرج البخاري حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنْ بُرَيْدٍ ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ ، عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَثَلُ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ قَوْمًا يَعْمَلُونَ لَهُ عَمَلًا إِلَى اللَّيْلِ، فَعَمِلُوا إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ فَقَالُوا : لَا حَاجَةَ لَنَا إِلَى أَجْرِكَ، فَاسْتَأْجَرَ آخَرِينَ فَقَالَ : أَكْمِلُوا بَقِيَّةَ يَوْمِكُمْ وَلَكُمُ الَّذِي شَرَطْتُ، فَعَمِلُوا حَتَّى إِذَا كَانَ حِينَ صَلَاةِ الْعَصْرِ قَالُوا : لَكَ مَا عَمِلْنَا، فَاسْتَأْجَرَ قَوْمًا فَعَمِلُوا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمْ حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ، وَاسْتَكْمَلُوا أَجْرَ الْفَرِيقَيْنِ ". صحيح البخاري
فعمل أمة محمد صلى الله عليه وسلم يقوم القليل منه مقام الكثير من عمل غيرهم …

🔹و روى الإمام البخاري في صحيحه حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : يَا آدَمُ. فَيَقُولُ : لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ. فَيَقُولُ : أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ . قَالَ : وَمَا بَعْثُ النَّارِ ؟ قَالَ : مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ. فَعِنْدَهُ يَشِيبُ الصَّغِيرُ { وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ } ". قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيُّنَا ذَلِكَ الْوَاحِدُ ؟ قَالَ : " أَبْشِرُوا، فَإِنَّ مِنْكُمْ رَجُلٌ وَمِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفٌ ". ثُمَّ قَالَ : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنِّي أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ". فَكَبَّرْنَا، فَقَالَ : " أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ". فَكَبَّرْنَا، فَقَالَ : " أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ". فَكَبَّرْنَا، فَقَالَ : " مَا أَنْتُمْ فِي النَّاسِ إِلَّا كَالشَّعَرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَبْيَضَ، أَوْ كَشَعَرَةٍ بَيْضَاءَ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَسْوَدَ "

🔹ورواه مسلم في صحيحه حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ؟ " قَالَ : فَكَبَّرْنَا. ثُمَّ قَالَ : " أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ". قَالَ : فَكَبَّرْنَا، ثُمَّ قَالَ : " إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ، مَا الْمُسْلِمُونَ فِي الْكُفَّارِ إِلَّا كَشَعْرَةٍ بَيْضَاءَ فِي ثَوْرٍ أَسْوَدَ، أَوْ كَشَعْرَةٍ سَوْدَاءَ فِي ثَوْرٍ أَبْيَضَ ".

🔹وروى البخاري حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ ، حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ ح وَحَدَّثَنِي أَسِيدُ بْنُ زَيْدٍ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، عَنْ حُصَيْنٍ قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، فَقَالَ : حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ ؛ فَأَخَذَ النَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الْأُمَّةُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ النَّفَرُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الْعَشَرَةُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الْخَمْسَةُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ وَحْدَهُ، فَنَظَرْتُ ؛ فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ، قُلْتُ : يَا جِبْرِيلُ، هَؤُلَاءِ أُمَّتِي ؟ قَالَ : لَا، وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْأُفُقِ. فَنَظَرْتُ، فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ، قَالَ : هَؤُلَاءِ أُمَّتُكَ، وَهَؤُلَاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا قُدَّامَهُمْ، لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلَا عَذَابَ. قُلْتُ : وَلِمَ ؟ قَالَ : كَانُوا لَا يَكْتَوُونَ، وَلَا يَسْتَرْقُونَ ، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ". فَقَامَ إِلَيْهِ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ، فَقَالَ : ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. قَالَ : " اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ ". ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ آخَرُ، قَالَ : ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. قَالَ : " سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ ".

🔹و روى الترمذي حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْأَلْهَانِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " وَعَدَنِي رَبِّي أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا، لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلَا عَذَابَ، مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفًا وَثَلَاثُ حَثَيَاتٍ مِنْ حَثَيَاتِهِ ". قال هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.

🔹وقد مر الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حديث :أعطيت ما لم يعط أحد من الأنبياء : فقلنا: يا رسول الله ما هو؟ قال: نصرت بالرعب، وأعطيت مفاتيح الأرض، وسميت أحمد، وجعل التراب لي طهوراً، وجعلت أمتي خير الأمم ) قال ابن كثير : تفرد به أحمد من هذا الوجه، وإسناده حسن.

📌 قال ابن كثير بعد أن ذكر عددا من الأحاديث في فضل الأمة ( آثرت أن أورد منها الرواية التي وردت في أحد الصحيحين من باب أولى ) :
فهذه الأحاديث في معنى قوله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ} فمن اتصف من هذه الأمة بهذه الصفات، دخل معهم في هذا الثناء عليهم والمدح لهم، كما قال قتادة: بلغنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حجة حجها، رأى من الناس رِعَةً، فقرأ هذه الآية: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} ثم قال: من سره أن يكون من تلك الأمة، فليؤد شرط الله فيها، رواه ابن جرير، ومن لم يتصف بذلك أشبه أهل الكتاب الذين ذمهم الله بقوله تعالى: { كَانُواْ لاَ يَتَنَـٰهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ}

📌ولا شك أن الأمة وإن كانت الخيرية مرتبطة بها لارتباطها بنبيها وكتابها إلا أنها لا بد أن لا تتهاون في صفتها المميزة لها مع الإيمان بالله وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر … إذ بذلك حياة الأمة وقوتها ؛ وبتركها له ضعفها وخذلانها … وقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلا لذلك فقال فيما رواه البخاري في صحيحه قال حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَامِرًا يَقُولُ : سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ، وَالْوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا، وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا : لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا، وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا ".

فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نجاة الأمة ؛ وتركه خذلانها …
ولنا في الأمم السابقة عبرة ؛ فقد قال تعالى ( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ؛ كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ) …

🔹 وبقيت مسألة : الراجح في اعتبار دلالة ( كنتم ) ؛ فقد أوردنا دلالاتها التي قالها المفسرون في الآية ؛ وقول كل منهم ؛ والوجه الذي قال به قوله ؛ وبقي هنا بعض إيراد بعض الاعتراضات التي اعترض بها على بعض هذه الأقوال :
1⃣ أولا : أن كان هنا تامة :
قال الطبري : ولو قال أيضاً فـي ذلك قائل: كنتـم بـمعنى التـمام، كان تأويـله: خـلقتـم خير أمة، أو وجدتـم خير أمة، كان معنى صحيحاً …
وقد جعل الزمخشري وابن عاشور معنى ( كنتم خير أمة ) وجدتم خير أمة ؛ ولكن ليس على تمام كان بل على نقصانها مع دلالة كان على معنى الكون والوجود …
والمتأمل في ( كنتم ) هنا وفي أمثلة ما تم منها يتضح له الفرق ؛ مثل ( كن فيكون ) ومثل ( وحسبوا أن لا تكون فتنة ) ( وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ) وفيها ( كان ) تامة ؛ يجد المعنى هنا مختلفا ؛ وكتب النحو تورد قوله تعالى ( كنتم ) في كان الناقصة الدالة على الحال ولا تذكرها في التمام والله آعلم …

2⃣ ثانيا : أن كان زائدة بمعنى أنتم ؛ وإثباتها وحذفها سواء ؛
وهو قول الفراء ورجحه الطبري فقال :
فإن سأل سائل فقال:
وكيف قـيـل: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ } وقد زعمت أن تأويـل الآية أن هذه الأمة خير الأمـم التـي مضت، وإنـما يقال: كنتـم خير أمة، لقوم كانوا خياراً فتغيروا عما كانوا علـيه؟
قـيـل: إن معنى ذلك بخلاف ما ذهبت إلـيه، وإنـما معناه: أنتـم خير أمة، كما قـيـل: {وَٱذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ } وقد قال فـي موضع آخر: {وَٱذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ } فإدخال «كان» فـي مثل هذا وإسقاطها بـمعنى واحد، لأن الكلام معروف معناه.
وقد اعترض على زيادة كان هنا بأنها تخالف شروط جواز زيادتها ؛
قال ابن الأنباري كما أورد الفخر الرازي و الواحدي عنه : وهذا القول ظاهر الاختلال ؛ لأن (كان ) يلغى موسطا ومؤخرا ولا يلغى مقدما ؛ تقول العرب: (عبدُ الله كان قائمٌ) و (عبدُ الله قائمٌ، كان)؛ على أنَّ (كان) مطروحة، ولا يقولون: (كانَ عبدُ الله قائمٌ)، على إلغائها، لأنَّ سبيلهم أن يبدأوا بما تنصرف الغايةُ إليه، والمُلْغَى غير معني به، على أنَّه لا يجوزإلغاءُ الكَوْنِ في الآية؛ لانتصاب خبره، وإذا (أُعْمِلَ) الكَوْنُ في الخَبَرِ، فنصبه، لم يكن مُلغًى. ( انتهى )

▪و قال السمين الحلبي : وقيل أنها زائدةٌ، والتقديرُ: أنتم خيرُ أمةٍ، وهذا قولٌ مرجوحٌ أوغَلَطٌ لوجهين :
أحدُهما: أنها لا تُزاد أولاً، وقد نَقَلَ ابن مالك الاتفاقَ على ذلك.
والثاني: أنها لا تعمل في "خير" مع زيادتِها، وفي الثاني نظرٌ، إذ الزيادةُ لا تنافي العملَ

▪قال الدكتور مصطفى الغلاييني فقال :
واعلم أن كان الزائدة معناها التأكيد وهي تدل على الزمن الماضي ؛ وليس المراد من تسميتها بالزائدة أنها لا تدل على معنى ولا زمان ؛ بل المراد أنها لا تعمل شيئا ولا تكون حاملة للضمير ؛ بل تكون لفظ المفرد المذكر في جميع أحوالها ؛ ويرى سيبويه أنه قد يلحقها الضمير مستدلا بقول الفرزدق : وجيران لنا كانوا كرام …
وقال : تختص كان من بين سائر أخواتها أنها قد تزاد بشرطين
أحدهما أن تكون بلفظ الماضي ؛ نحو : ما كان أصح علم من تقدم ! وشذت زيادتها في المضارع
- والآخر أن تكون بين شيئين متلازمين ليسا جارا ومجرورا وشذت زيادتها بينهما …

3⃣ ثالثا : أنها ناقصة على بابها :
هو ما رجحه أكثر المفسرين ؛ وإن اختلفوا في أي دلالة من ( كان ) الناقصة هي الراجحة :
1 - فقالوا أن كان تدل على معنى الدوام ومعنى لم يزل … وقد رجحه ابن قتيبة ؛ وابن معطي وبه جزم ابن عطية …

وقد رجح أبو حيان هنا أن معناها دوام النسبة فقال : وظاهر كان هنا أنها الناقصة، وخير أمة هو الخبر. ولا يراد بها هنا الدلالة على مضي الزمان وانقطاع النسبة نحو قولك: كان زيد قائماً، بل المراد دوام النسبة كقوله: { وكان الله غفوراً رحيماً} و { ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً}

ثم بين هو أن الأصل فيها أنها للانقطاع ؛ وقد تستعمل لغير الانقطاع ؛ وهو ما أشار إليه في نقد قول الزمخشري كما سيأتي ؛ فقال ( وفرق بين الدلالة والاستعمال ) فهو يعني أن الأصل في كان أن تدل على الانقطاع ؛. لكنها قد تستعمل لغير الانقطاع فقال : وكون كان تدل على الدوام ومرادفه لم يزل قولاً مرجوحاً، بل الأصح أنها كسائر الأفعال تدل على الانقطاع، ثم قد تستعمل حيث لا يراد الانقطاع.

قال السيوطي في الهمع : "تختص( كان ) بمرادفة ( لم يزل) كثيرا، أي أنها تأتي دالة على الدوام وإن كان الأصل فيها أن يدل على حصول ما دخلت عليه فيما مضى مع انقطاعه عند قوم ؛ وعليه الأكثر كما قال أبو حيان، أو سكوتها عن الانقطاع وعدمه عند آخرين وجزم به ابن مالك، ومن الدالة على الدوام الواردة في صفات الله تعالى نحو: {وكان الله سميعا بصيرا} ، أي لم يزل متصفا بذلك"

وقد أنكر ذلك الرضي في شرحه لكافية ابن الحاجب فقال : "وذهب بعضهم إلى أن (كان) يدل على استمرار مضمون الخبر في جميع الزمن الماضي، وشبهته قوله تعالى: {وكان الله سميعًا بصيرا} وذهل عن أن الاستمرار مستفاد من قرينة وجوب كون الله سميعًا بصيرًا ؛ لا من لفظ (كان). ألا ترى أنه يجوز (كان زيدا نائمًا نصف ساعة فاستيقظ) وإذا قلت (كان زيدا ضاربًا) لم يفد الاستمرار )
- ثم قال في شرحه لقول ابن الحاجب : ( فكان تكون ناقصة لثبوت خبرها ماضيا ؛ دائما أو منقطعا …) قال : ( وقول المصنف ( دائما أو منقطعا ) رد على هذا القائل ؛ يعني أنه يجيء دائما كما في الآية ؛ ومنقطعا كما في قولك : ( كان زيد قائما ) ولم يدل لفظ ( كان ) على أحد الأمرين بل ذاك إلى القرينة ) …

📌فقد اعتبر أن كان لا تكون أبدا بمعنى الدوام والاستمرار ؛ وأي دلالة في الجملة على ذلك مرده قرينة لفظية أو معنوية ولا علاقة لكان بالدلالة … هو خلاف ما ذكره السيوطي وأبو حيان من أنها بذاتها قد تحمل معنى الدوام …

2- وهذا القول الذي ذكره الرضي يشبه في حديثه عن القرينة قول الزمخشري والفخر الرازي ومن أخذ به في أن ( كان ) تفيد مجرد المضي دون دلالة على انقطاع أو استمرار … وأن ما دل على الانقطاع أو الدوام من جملتها فلقرينة أخرى

قال الالوسي : وكان ـ ناقصة ولا دلالة لها في الأصل على غير الوجود في الماضي من غير دلالة على انقطاع أو دوام، وقد تستعمل للأزلية كما في صفاته تعالى نحو {وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلّ شَىْءٍ عَلِيماً } وقد تستعمل للزوم الشيء وعدم انفكاكه نحو { وَكَانَ ٱلإِنْسَـٰنُ أَكْثَرَ شَىءٍ جَدَلاً } وذهب بعض النحاة إلى أنها تدل بحسب الوضع على الانقطاع كغيرها من الأفعال الناقصة ' والمصحح هو الأول وعليه لا تشعر الآية بكون المخاطبين ليسوا خير أمة الآن …

▪وقد انتقد ابو حيان هذا القول فقال : وقال الزمخشري: كان عبارة عن وجود الشيء في من ماض على سبيل الإبهام، وليس فيه دليل على عدم سابق، ولا على انقطاع طارىء. ومنه قوله تعالى: {وكان الله غفوراً} ومنه قوله: كنتم خير أمة، كأنه قيل: وجدتم خير أمة انتهى كلامه.
فقوله: أنها لا تدل على عدم سابق هذا إذا لم تكن بمعنى صار، فإذا كانت بمعنى صار دلت على عدم سابق. فإذا قلت: كان زيد عالماً بمعنى صار، دلت على أنه انتقل من حالة الجهل إلى حالة العلم.

وقوله: ولا على انقطاع طارىء قد ذكرنا قبل أن الصحيح أنها كسائر الأفعال يدل لفظ المضي منها على الانقطاع، ثم قد تستعمل حيث لا يكون انقطاع. وفرقٌ بين الدلالة والاستعمال، ألا ترى أنك تقول: هذا اللفظ يدل على العموم؟ ثم تستعمل حيث لا يراد العموم، بل المراد الخصوص.

- وقوله: كأنه قال وجدتم خير أمة، هذا يعارض أنها مثل قوله: {وكان الله غفوراً رحيماً} لأن تقديره وجدتم خير أمة يدل على أنها تامة، وأن خير أمة حال ؛ وقوله: {وكان الله غفوراً} لا شك أنها هنا الناقصة ؛ فتعارضا.
ورد السمين الحلبي على التعارض الذي ذكره أبو حيان هنا فقال : قلت : لا تعارض لأن هذا تفسير معنى لا تفسير إعراب …

3- ونجد ان القول الذي قاله أبو حيان والسيوطي في الهمع أن كان في أصل وضعها تدل على الماضي مع الانقطاع ؛ ثم هي قد تستخدم فيما يدل على الاستمرار والدوام
وفي دلالتها على الانقطاع مر معنا أقوال المفسرين في أن ذلك كان في البشارة بالأمة بين الأمم السابقة ؛ أو كان في أمة منذ آمنت بنبيها أو كان ذلك في علم الله أو في اللوح المحفوظ …

4- وقد اوردها الزركشي في دلالتها على الحال فقال : ومنه قوله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس}، وقوله: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} ومنه قوله تعالى: {مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين} وقوله: {لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين} وقوله: {اما كان محمدٌ أبا أحدٍ من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبين}

- قال الدكتور فاضل السامرائي : والذي أراه أنها بمعنى المضي فمعنى قوله: {كنت خير أمة}: "وجدتم خير أمة، وقيل كنتم في علم الله خير أمة، وقيل كنتم في الأمم مذكورين بأنك خير أمة موصوفين به" ، وقوله: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتا} أي فرضت عليهم أو كتبت عليهم كما قال تعالى: {يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم الصيام} فهي مفروضة على المؤمنين منذ القديم. وكذلك البواقي.

5 - وأما في أنها بمعنى صار :
- قال الفخر الرازي : والاحتمال الرابع : أن تكون (كان) بمعنى صار، فقوله: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} معناه صرتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، أي صرتم خير أمة بسبب كونكم آمرين بالمعروف وناهين عن المنكر ومؤمنين بالله.

- قال الدكتور فاضل السامرائي : (جاء في شرح ابن يعيش): "والعرب تستعير هذه الأفعال فتوقع بعضها مكان بعض فأوقعوا (كان) هنا موقع (صار) لما بينهما من التقارب في المعنى ؛ لأن (كان) لما انقطع وانتقل من حال إلى حال، ألا تراك تقول: قد كنت غائبا وأنا الآن حاضر، ف(صار)كذلك تفيد الانتقال من حال إلى حال، نحو قولك (صار زيد غنيا) أي انتقل من حال إلى هذه الحال …

ثم قال الدكتور : والذي أراه أنه ليست كان بمعنى صار، وإنما لها معنى أخر ؛ فإنك لو أبدلت (صار) بـ (كان) ما سدت مسدها، فإذا قلت بدل قوله تعالى: {فإذا انشقت السماء فكانت ورده كالدهاء} فصارت وردة، أو بدل قوله تعالى: {وفتحت السماء فكانت أبوابا وسيرت الجبال فكانت سرابا} فصارت أبوابًا وسرابًا لم تجد المعنى كما كان ثم.
فإن المقصود ب(صار) هو التحول والصيرورة وقد يكون هذا التحول بعد مدة كأن تقول:صار الطين حجرًا وصار محمد شيخًا، فالصيروة قد تقتضي الزمن الطويل بخلاف (كان) فإنها تطوي الزمن فقوله تعالى {فكانت أبوابًا} أي كان هذا شأنها منذ الماضي وكأن هذا هو وجودها، ونحو {وبست الجبال بسًا. فكانت هباء منبثا} كأنه حالتها الجديدة حاصلة قبل النظر والمشاهدة، وكأنها هي هكذا منذ القدم. انتهى

📌وهذا القول ظاهر الضعف ؛ ذلك أنه يعني أن الآمة لم تكن خير أمة ثم صارت ؛ وهذا غير صحيح ؛ إذ من كرامة نبينا عليه أزكى الصلاة والتسليم ومن شرف كتابنا أن امتنا كانت خير الأمم ولم تزل … ولم يمر عليها يوم لم تكن فيه كذلك …

قال صاحب المنار عن هذا القول : وهو أضعف الآقوال …

📌 ومما سبق واتساقا مع سياق الآية والمعنى العام لها يترجح والله أعلم ان كان هنا هي الناقصة على بابها ؛ فليست هنا تامة ، وليست زائدة للتأكيد ؛ وإنما هي تضيف معنى في نسبة الخيرية للأمة ؛ وأصح هذه المعاني التي تضيفها مما سبق هو معنى الديمومة والاستمرار ؛ فالأمة كانت ولم تزل وستظل بإذن الله خير الأمم ؛ وإن أصابها ما أصابها من فتور وضعف وخور ؛ فهو رقاد غفلة لا بد ستفيق منه بإذن الله كما بشر ربنا في كتابه ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ )
وكما بشر نبينا صلى الله عليه وسلم فقال ( لا يزال ناس من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون ) رواه البخاري ؛
وفي رواية ( لا تزال طائفة من امتي ظاهرين على الحق يقاتلون
) …

ونسأل الله أن يعيد للأمة عزتها وان تستشعر الأمة خيريتها وتستعيد مكانتها بين الأمم …

📌 وأختم بقول سيد قطب رحمه الله :
{كنتم خير أمة أخرجت للناس}.. وهذا ما ينبغي أن تدركه الأمة المسلمة؛ لتعرف حقيقتها وقيمتها، وتعرف أنها أخرجت لتكون طليعة، ولتكون لها القيادة، بما أنها هي خير أمة.
ومن ثم لا ينبغي لها أن تتلقى من غيرها من امم الجاهلية ؛ إنما ينبغي دائماً أن تعطي هذه الأمم مما لديها. وأن يكون لديها دائماً ما تعطيه ؛ ما تعطيه من الاعتقاد الصحيح، والتصور الصحيح، والنظام الصحيح، والخلق الصحيح، والمعرفة الصحيحة، والعلم الصحيح.. هذا واجبها الذي يحتمه عليها مكانها، وتحتمه عليها غاية وجودها. واجبها أن تكون في الطليعة دائماً، وفي مركز القيادة دائماً. ولهذا المركز تبعاته، فهو لا يؤخذ ادعاء، ولا يسلم لها به إلا أن تكون هي أهلاً له.. وهي بتصورها الاعتقادي، وبنظامها الاجتماعي أهل له. فيبقى عليها أن تكون بتقدمها العلمي، وبعمارتها للأرض - قياماً بحق الخلافة - أهلاً له كذلك.. ومن هذا يتبين أن المنهج الذي تقوم عليه هذه الأمة يطالبها بالشيء الكثير؛ ويدفعها إلى السبق في كل مجال.. لو أنها تتبعه وتلتزم به، وتدرك مقتضياته وتكاليفه …


📌 فـــوائــد :
🔹 في خيرية الصحابة ؛
أورد القرطبي في تفسيره مسألة تثار كثيرا وأحببت أن أنقلها كما هي لأنه أجاد وأفاد فقال :
( وإذا ثبت بنَصِّ التنزيل أن هذه الأمة خير الأمم؛ فقد روى الأئمّة من حديث عِمران بن حصين عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: « خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» وهذا يدل على أن أوّل هذه الأمة أفضل ممن بعدهم، وإلى هذا ذهب معظم العلماء، وأن من صحب النبيّ صلى الله عليه وسلم ورآه ولو مرّة في عمره أفضل ممن يأتي بعده، وأن فضيلة الصحبة لا يعدِلها عمل.

- وذهب أبو عمر بن عبد البِّر إلى أنه قد يكون فيمن يأتي بعد الصحابة أفضل ممن كان في جملة الصحابة، وأن قوله عليه السَّلام: « خير الناس قرني» : ليس على عمومه بدليل ما يجمع القرن من الفاضل والمفضول. وقد جمع قرنه جماعة من المنافقين المظهِرين للإيمان وأهلِ الكبائر الذين أقام عليهم أو على بعضهم الحدود، وقال لهم: ما تقولون في السارق والشارب والزاني.
وقال مُوَاجهةً لمن هو في قرنه: « لا تسبوا أصحابي»
وقال لخالد بن الوليد في عمّار: «لا تسب من هوخير منك»
وروى أبو أمَامة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «طوبى لمن رآني وآمن بي وطوبى سبع مرّات لمن لم يرني وآمن بي»
- وفي مسند أبي داود الطيالِسِيّ عن محمد بن أبي حميد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر قال: كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أتدرون أي الخلق أفضل إيماناً» قلنا الملائكة. قال: «وحق لهم بل غيرهم» قلنا الأنبياء. قال: «وحق لهم بل غيرهم» ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الخلق إيماناً قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني يجِدون ورقا فيعملون بما فيها فهم أفضل الخلق إيماناً»

- وروى صالح بن جبير عن أبي جُمْعَة قال: قلنا يا رسول الله، هل أحد خير منا؟ قال: «نعم قوم يجِيئون من بعدكم فيجدون كتاباً بين لوحين فيؤمنون بما فيه ويؤمنون بي ولم يروني»

- وقال أبو عمر: وأبو جمعة له صحبة وٱسمه حَبِيب بن سِبَاع، وصالح بن جبير من ثِقَات التابعين. وروى أبو ثعلبة الخشنِي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن أمامكم أياماً الصّابر فيها على دينه كالقابض على الجَمْر للعامل فيها أجر خمسين رجلاً يعمل مثل عمله» : يا رسول الله، منهم؟ قال: «بل منكم» : .
قال أبو عمر: وهذه اللفظة {بَلِ مِّنكُمْ} قد سكت عنها بعض المحدّثين فلم يذكرها.

وقال عمر بن الخطاب في تأويل قوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} قال: من فعل مثل فعلِكم كان مثلكم.

قال القرطبي : ولا تعارض بين الأحاديث؛ لأن الأوّل على الخصوص، والله الموفِّق.

وقد قيل في توجيه أحاديث هذا الباب: إن قرنه إنما فُضِّل لأنهم كانوا غُرَبَاء في إيمانهم لكثرة الكفار وصبرِهم على أذاهم وتمسكهم بدينهم،
وإن أواخر هذه الأمّة إذا أقاموا الدِّين وتمسّكوا به وصبروا على طاعة ربهم في حين ظهور الشر والفسق والهَرَج والمعاصي والكبائر كانوا عند ذلك أيضاً غُرَبَاء، وزكت أعمالهم في ذلك الوقت كما زَكَتْ أعمال أوائلهم،
و (مما) يشهد لهذا قوله عليه السَّلام: «بدأ الإسلام غريباً وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء» : .
ويشهد له أيضاً حديث أبي ثعلبة،
ويشهد له أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: « أُمَّتي كالمطر لا يُدْرَى أوّلُه خيرٌ أم آخره» ذكره أبو داود الطيالسِيّ وأبو عيسى الترمذي،
ورواه هشام بن عبيد الله الرازي عن مالكٍ عن الزهري عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « مثل أمتي مثل المطرِ لا يُدْرَى أوّله خيرٌ أم آخره» : . ذكره الدارقطنِي في مسند حديث مالك. قال أبو عمر: هشام بن عبيد الله ثقةٌ لا يختلفون في ذلك.
قال أبو عمر: فهذه الأحاديث تقتضي مع تَوَاتُر طرقها وحسنها التّسْويةَ بين أوّلِ هذه الأمّة وآخرِها. والمعنى في ذلك ما تقدّم ذكره من الإيمان والعمل الصالح في الزمان الفاسد الذي يرفع فيه من أهل العلم والدين، ويكثر فيه الفسق والهَرَج، ويُذَلّ المؤمنُ ويُعَزُّ الفاجر ويعود الدين غَرِيباً كما بدا غَرِيباً ويكون القائمُ فيه كالقابض على الجمر، فيستوي حينئذ أوّل هذه الأمّة بآخرها في فضل العمل إلاَّ أهل بدَرُ والحُديبية، ومن تدبّر آثار هذا الباب بان له الصّواب، والله يؤتي فضله من يشاء.

📌 فائدة فقهية :
قال الفخرالرازي :
احتج أصحابنا بهذه الآية على أن إجماع الأمة حُجَّة، وتقريره من وجهين:
الأول: قوله تعالى: {وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق} ثم قال في هذه الآية: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} فوجب بحكم هذه الآية أن تكون هذه الأمة أفضل من أولئك الذين يهدون بالحق من قوم موسى، وإذا كان هؤلاء أفضل منهم وجب أن تكون هذه الأمة لا تحكم إلا بالحق إذ لو جاز في هذه الآية أن تحكم بما ليس بحق لامتنع كون هذه الأمة أفضل من الأمة التي تهدي بالحق، لأن المبطل يمتنع أن يكون خيرًا من المحق، فثبت أن هذه الأمة لا تحكم إلا بالحق، وإذا كان كذلك كان إجماعهم حجة.
الوجه الثاني: وهو (أن الألف واللام) في لفظ {المعروف} ولفظ {المنكر} يفيدان الاستغراق، وهذا يقتضي كونهم آمرين بكل معروف، وناهين عن كل منكر ومتى كانوا كذلك كان إجماعهم حقًا وصدقًا لا محالة فكان حجة …

رد مع اقتباس
  #19  
قديم 25 صفر 1442هـ/12-10-2020م, 06:48 PM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

تابع التقويم



هناء محمد علي أ+
أحسنت بارك الله فيك وتقبل منك.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجلس, الأول

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:08 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir