دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > البلاغة > عقود الجمان

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28 صفر 1433هـ/22-01-2012م, 02:21 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الباب الأول : أحوال الإسناد الخبري

الباب الأول : أَحْوَالُ الْإِسْنَادِ الْخَبَرِيّ
55 اَلْقَصْـدُ بِالْإِخْـــبَارِ أَنْ يُــفَادَا = مُخَــاطَبٌ حُكْــمًا لَـهُ أَفَـادَا
56 أَوْ كَــوْنَـهُ عَلِـمَهُ وَالأَوَّلاَ = فَائِـدَةَ الإِخْبـَارِ سَـمِّ وَاجْـعَـلاَ
57 لاَزِمَهَــا الثـَّـانِي وَقَـدْ يُنَـزَّلُ = عَـالِمُ هَـذَيْنِ كَـمَنْ قَدْ يَـجْهَلُ
58 لِعَــدَمِ الْجَــرْيِ عَلَى مُوْجَبِـهِ = وَمَــا أَتَى لِغَيْــرِ ذَا أَوِّلْ بـِـهِ
59 فَلْيُقْتَصَرْ عَلَى الَّذِي يُحْتَاجُ لَهْ = مِـنَ الْكَـلاَمِ وَلْيُـعَامَـلْ عَمَـلَهْ (*)
60 فَإِنْ تُخَاطِبْ خَالِيَ الذِّهْنِ مِنِ = حُـكْمٍ وَمِـنْ تَـرَدُّدٍ فَلْتَـغْتَـنِ
61 عَـنِ الْمُؤَكِّــدَاتِ أَوْمُــرَدِّدَا = وَطَالِبًا فَمُسْتَجِيْدًا أَكِّـدَا
62 أَوْ مُـنْكِرًا فَأَكِّدَنْ وُجُوبَـا = بِحَسَـبِ الإِنْكَـارِ فَالضُّـرُوبَـا
63 أَوَّلَهَا سَمِّ ابْـتِدَائِـيًّا وَمَــا = تَلاَهُ فَهْوَ الطَّلَبِيُّ وَانْتَمَى
64 تَالِيهِ لِلْإِنْـكَارِ ثُـــمَّ مُقْتَـضَى = ظَاهِــرِهِ إِيرَادُهَـا كَمَـا مَــضَى
65 وَرُبَّـمَا خُـولِفَ ذَا فَلْــيُورَدِ = كــَلاَمُ ذِي الْخُــلُوِّ كَالْمُـرَدِّدِ
66 إِذَا لَـهُ قُـدِّمَ مَـا يُلَـوِّحُ = بِخَبَرٍ فَهْوَ لِفَهْمٍ يَجْنَحُ
67 كَمِثْـلِ مَا يَجْنَحُ مَنْ تَــرَدَّدَا = لِطَلَــبٍ فَالْحُسْـنُ أَنْ يُـؤَكَّــدَا
68 وَيُجْــعَلُ الْمُقِــرُّ مِثْـلَ الْمُنْكِرِ = إِنْ سِمَــةُ النُّكْرِ عَلَيْـهِ تَظْهَـرِ
69 كَقَوْلِنَــا لِمُسْــلِمٍ وَقَـدْ فَسَقْ: = "يَا أَيُّهَا الْمِسْكِينُ إِنَّ الْمَوْتَ حَقْ"
70 وَيُجْـعَلُ الْمُنْـكِرُ إِنْ كَانَ مَعَـهْ = شَوَاهِدٌ لَوْ يَتَأَمَّلْ مُرْدِعَةْ
71 كَغَيْـرِهِ كَقَـوْلِكَ: "الإِسْلاَمُ حَـقْ" = لِمُنْـكِرٍ وَالنَّـفْيُ فِيهِ مَـا سَبَـقْ
72 ثُمَّ مِنَ الْإِسْنَـادِ مَا يُسَــمَّى = حَقِيقَةً عَقْلِيَّةً كَأَنْ مَا
73 يُسْــنَدُ فِعْلٌ لِلَّـذِي لَهُ لَـدَى = مُخَـاطِبٍ وَشِبْهُـهُ فِيـمَا بَـدَا
74 كَقَوْلِنَـا: "أَنْبَــتَ رَبُّـنَا الْبَـقَلْ" = وَ"أَنْبَتَ الرَّبِيْعُ" قَوْلُ مَنْ جَهِلْ
75 وَ"جَـاءَ زَيْـدٌ" مَعَ فَــقْدِ الْفِـعْلِ = عِلمًا وَما يدْعَى الْمَجازَ الْـعَـقْـلِي
76 إِسْنَـادُهُ إِلَى الَّـذِي لَيْـسَ لَـهُ = بَلْ لِمُلاَبِـسٍ وَقَدْ أَوَّلَهُ
77 وَأَنَّـهُ يُلاَبِـــسُ الفَاعِـلَ مَـعْ = مَفْعُـولِهِ وَمَصْـدَرٍ وَمَـا اجْتَمَعْ
78 مِنَ الزَّمَـانِ وَالْمَكَانِ وَالسَّـبَبْ = فَهْوَ إِلَى المَفعُولِ غَيْرِ مَا انْـتَـصَبْ
79 وَفَاعِلٍ أَصْلٌ وَغَيْرُ ذَا مَجَـازْ = كَـ"عِيشةٍ رَاضِيَــةٍ" إِذَا تُجَــازْ
80 وَ"السَّيْـلُ مُفْـعَمٌ" وَ"لَيْـلٌ سَارِ" = وَ"جَـدَّ جِدُّهُـمْ" وَ"نَهْـرٌ جَارِ"
81 وَ"قَـدْ بَنَيْـتُ مَسْـجِدًا" وَقَائِـلْ = أَوَّلَـهُ يَـخْـرُجُ قَـوْلُ الْجَاهِـلْ
82 مِنْ ثَـمَّ لَمْ يَـحْمِلْ عَلَى ذَا الْحُـكْمِ = "أَشَابَ كَـرُّ الدَّهْـرِ" دُونَ عِـلْمِ
83 وَقُـلْ مَجَازٌ قَوْلُ فَضْل(**) الْأَلْمَـعِي " = : مَيَّـزَ عَنْـهُ قُنْزُعًا عَـن قُنْزُعِ
84 جَذْبُ اللَّـيَالي أَبْـطِـئِي أَوْ أَسْرِعِي" = لِقَوْلِـهِ عَقِــيبَ هَـذَا الْمَطْـَلعِ:
85 "أَفنَاهُ قِـيلُ اللهِ لِلشَّـمْسِ اطْـلُـعِي = حَتَّـى إِذَا وَارَاكِ أُفْقٌ فَـارْجِـعِي"
86 أَقْسَـامُهُ حَقِيقَتَـانِ الطَّرَفَـانْ = أَوْ فَـمَجَـازَانِ كَـذَا مُخْتَلِــفَانْ
87 كَـ"أَنْبَتَ الْبَقْلَ شَبَابُ الْعَصْـرِ" = وَ"الْأَرْضَ أَحْيَاهَا رَبِيـعُ الدَّهْرِ"
88 وَشَـاعَ فِي الإِنْشَـاءِ وَالْقُــرْآنِ = بِـقَوْلِ: يَـا هَامَانُ" مَثِّــلْ ذَانِ(***)
89 وَشَـرْطُـهُ قَـرِينَــةٌ تُقَـــالُ = أَوْ مَعْنَوِيَّةٌ، كَمَا يُحَالُ
90 قِـيَامُــهُ فِي عَــادَةٍ بِالْمُسْنَــدِ = أَوْ عَقْـلٍ اوْ يَصْـدُرُ مِنْ مُوَحِّدِ
91 كَـ"هَزَمَ الْأَمِيـرُ جُنْـدَهُ الْغَـوِي" = وَ"جَـاءَ بِيْ إِلَيْكَ حُبُّكَ القَوِي"
92 وَفَهْـمُ أَصْلِـهِ يَكُـونُ وَاضِـحَا = كَـ"رَبِحَـتْ تِجَـارَةٌ" أَيْ رَبِحَـا
93 وَذَا خَفًا كَـ"سَــرَّنِيْ مَنْظَرُكَــا" = أَيْ سَرَّنِيْ اللهُ لَدَى رُؤْيَتِـكَا
94 وَيُوسُـفٌ أَنْكَـرَ هَـذَا جَاعِلَــهْ = كِنَايَـــةً بِـــأَنْ أَرَادَ فَاعِلَــهْ
95 حَقِيقَـةً وَنِسْبَـةُ الْإِنْـبَاتِ لَـهْ = قَرِينَــةٌ وَقَــدْ أَبَــاهُ النَّقَــلَهْ



(*) الأخضري:
بقسم، قد، إن، لام الابتدا = ونوني التوكيد، واسم: أكدا
(**) فضل: أبو النجم العجلي
(***) الأخضري:
ووجبت قرينة لفظية = أو معنوية وإن عادية

  #2  
قديم 28 صفر 1433هـ/22-01-2012م, 09:50 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح عقود الجمان للسيوطي


أحوال الإسناد الخبري
القصد بالإخبار أن يفادا = مخاطب حكما له أفادا
أو كونه علمه والأول = فائدة الإخبار سم واجعلا
لازمها الثاني وقد ينزل = عالم هذين كمن قد يجهل
لعدم الجري على موجبه = وما أتى لغير ذا أول به
لا شك أن قصد المخبر بخبره إفادة المخاطب أحد أمرين إما الحكم الذي ضمنه وهو النسبة المحكوم بها أو كون المخبر عالما بالحكم كقولك لمن زيد عنده وهو لا يعلم أنك تعلم ذلك زيد عندك ويسمى الأول فائدة الخبر والثاني لازم فائدة الخبر لأنه يلزم من استفادة الجاهل الحكم من المخبر أن يستفيد علم المخبر به وقد يراد الخبر لغير هذين الأمرين فيرجع إلى قاعدة وهي أن العالم قد ينزل منزلة الجاهل لعدم جريه على موجب العلم بالعمل به كقولك لمن يعق أباه وأنت تعلم أنه أبوه زيد أبوك فأحسن إليه فيعامل معاملة الجاهل بأبوته لعدم عمله بمقتضى علمه وقولي بالأخبار في أول الأبيات بكسر الهمزة والثاني يجوز ضبطه بالفتح والكسر وموجبه بفتح الجيم:
فلقتصر على الذي يحتاج له = من الكلام وليعامل عمله
فأن يخاطب خالي الذهن من = حكم ومن تردد فتلغتني
عن المؤكدات أو مرددا = وطالبا فمستجيدا أكدا
أو منكرا فأكدن وجوبا = بحسب الإنكار فالضر وبا
أولها سم ابتدائيا وما = تلاه فهو الطلبي وانتمى
تاليه للإنكار ثم مقتضى = ظاهرة إيرادها كما مضى
وربما خولف ذا فليورد = كلام ذي الخلق كالمردد
إذا له قدم ما يلوح = بخير فهو لفهم يجنح
كمثل ما يجنح من ترددا = لطلب فالحسن أن يؤكدا
ويجعل المقر مثل المنكر = إن سمة النكر عليه تظهر
كقولنا لمسلم وقد فسق = يا أيها المسكين إن الموت حق
ويجعل المنكر إن كان معه = شواهد لو يتأمل مردعه
كغيره كقولك الإسلام حق = لمنكر والنفي فيه ما سبق
إذا عرف أن القصد بالخبر أحد الأمرين السابقين فينبغي للمتكلم أن يقتصر من التركيب على قدر الحاجة فإن ألقى الخطاب إلى خالي الذهن من الحكم ومن المتردد فيه استغنى عن مؤكدات الحكم كقولك زيد قائم لمن هو خالي الذهن وإن كان مترددا في الخبر طالبا له حسن أن يقوى بمؤكد واحد كقولك لزيد قائم أو إنه قائم وإن كان منكرا وجب تأكيده بحسب الإنكار أي بقدرة قوة وضعفا حتى يزيد في التأكيد بحسب الزيادة في الإنكار كقوله تعالى حكاية عن رسل
[شرح عقود الجمان: 10]
عيسى عليه السلام إذ كذبوا في المرة الأولى {إنا إليكم مرسلون} فأكد بأن واسمية الجملة وفي المرة الثانية {ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون} فأكد بالقسم وإن واللام واسمية الجملة لمبالغة المخاطبين في الإنكار حيث قالوا {ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون} ويسعى الضرب الأول ابتدائيا والثاني طلبيا والثالث إنكاريا وهو معنى قولي وانتمي تاليه للإنكار ثم مقتضى الظاهر إخراج الكلام على الوجوه المذكورة بالخلو من التأكيد في الأول والتقوية بمؤكد استحسانا في الثاني ووجوب التأكيد في الثالث وقد يخرج على خلاف ذلك فليلقى الكلام مؤكدا إلى خالي الذهن كما يلقى للمتردد وذلك إذا قدم له ما يلوح بالخبر فتستشرف نفسه إله استشراف المتردد الطالب نحو {ولا تخاطبني في الذين ظلموا} أي لا تدعني يا نوح في شأن قومك فهذا الكلام يلوح بالخبر تلويحا ويشعر بأنه قد حق عليهم العذاب فصار المقام مقام أن يتردد المخاطب في أنهم هل صاروا محكوما عليهم بالإغراق أو لا فقيل إنهم مغرقون بالتأكيد وقد يجعل المقر كالمنكر إذا ظهر عليه شيء من إمارات الإنكار فيؤكد له الكلام تأكيد المنكر نحو:
جاء شقيق عارضا رمحه = إن بني عمك فيهم رماح
فهو لا ينكر أن في بني عمه رماحا لكن مجيئه واضع الرمح على العرض من غير التفات وتهيئ أمارة أنه يعتقد أن لا رمح فيهم بل كلهم عزل لا سلاح معهم فنزل منزلة المنكر وأكد له الخطاب وكذلك قولي في البيت:
كقولنا لمسلم وقد فسق = يا أيها المسكين إن الموت حق
فهو لا ينكر حقية الموت لكنه لما فسق ولم يتأهب للموت بالتقوى والاستعداد فكأنه ينكره وقد يجعل المنكر كالمقر إذا كان معه دلائل وشواهد لو تأملها ارتدع عن إنكاره فلا يؤكد له كقولك لمنكر الإسلام: الإسلام حق بلا تأكيد لأن مع المنكر دلائل دالة على حقية الإسلام وهذا المثال هو الذي مثل به الشيخ سعد الدين لهذه المسئلة وأما تمثيل التلخيص بقوله تعالى: {لا ريب فيه} فليس منه بل هو تنظير للمسألة بتنزيل وجود الشيء منزلة عدمه بناء على وجود ما يزيله فإنه نزل ريب المرتابين منزلة عدمه تعويلا على ما يزيله حتى صح نفي الريب على سبيل الاستغراق كما نزل الإنكار منزلة عدمه لذلك- حتى صح ترك التأكيد هكذا حققه الشيخ سعد الدين وقولي والنفي فيه ما سبق أي جميع ما تقدم من الاعتبارات في الإثبات يأتي في النفي من التجريد عن المؤكدات في الابتداء نحو ليس زيد قائما والتقوية بمؤكد استحسانا في الطلبي نحو ما زيد بقائم ووجوب التأكيد في الإنكاري نحو والله ما زيد بقائم وعلى هذا القياس:
ثم من الإسناد ما يسمى = حقيقة عقلية كأن ما
يسند فعل للذي له لدي = مخاطب وشبهه فيما بدا
كقولنا أنبت ربنا البقل = وأنبت الربيع قول من جهل
وجاء زيد مع فقد الفعل = علما وما يدعي المجاز العقلي
الإسناد منه حقيقة عقلية، وهي إسناد الفعل أو معناه كالمصدر واسم الفاعل والمفعول واسم التفضيل والظرف والصفة المشبهة، وهو المراد بقولي وشبهه، وهو معطوف على فعل إلى ما هو له عند المتكلم في الظاهر، وإن كان الواقع بخلاف ذلك فالمخاطب في النظم بكسر الطاء هو المتكلم ومعنى فيما بدا
[شرح عقود الجمان: 11]
أي فما ظهر من حاله فأقسامها أربعة: الأول ما طابق الواقع والاعتقاد كقولنا أي المؤمنين أنبت الله البقل، الثاني ما طابق الاعتقاد فقط كقول الجاهل أي الكافر أنبت الربيع البقل، الثالث ما طابق الواقع فقط كقول المعتزلي لمن لا يعرف حاله وهو يخفيها منه خلق الله الأفعال كلها ولم يمثل لهذا القسم في التلخيص ولا في النظم، الرابع ما لا يطابق الواقع ولا الاعتقاد كقولك جاء زيد والحال أنك عالم بأنه لم يجيء دون المخاطب وهو معنى قولي مع فقد الفعل علما أي مع علمك بفقد الفعل وهو المجيء الذي نسبته إليه وقولي وما يدعي المجاز العقلي يأتي شرحه مع ما بعده:
إسناده إلى الذي ليس له = بل لملابس وقد أوله
وأنه يلابس الفاعل مع = مفعوله ومصدر وما اتبع
من الزمان والمكان والسبب = فهو إلى المفعول غير ما انتصب
وفاعل أصل وغير ذا مجاز = كعيشة راضية إذا تجاز
والسيل مفعم وليل ساري = وجد جدهم ونهر جاري
وقد بنيت مسجدا وقائل = أوله يخرج قول الجاهل
من ثم لم يحمل على ذا الحكم = أشاب كر الدهر دون علم
فقل مجاز قول فضل الألمعي = ميز عنه فنزعا عن فنزع
أفناه قيل الله للشمس أطلعي = حتى إذا واراك أفق فارجعي
من الإسناد ما يسمى بالمجاز العقلي وهو إسناده أي الفعل وشبهه إلى ما ليس له بل لملابسه بتأويل بأن تنصب قرينة صارفة عن أن يكون الإسناد إلى ما هو له فعرف أن معنى كونه ليس له أي عند المتكلم في الظاهر كما تقدم في الحقيقة فخرج ما مر من قول الجاهل أنبت الربيع البقل فأنه وإن كان إسنادا إلى ما ليس له في الواقع لكن لا تأول فيه لأنه مراده ومعتقده وهذا معنى قولي وقائل أوله إلى آخره ومن أجدل ذلك أي خروج قول الجاهل عن المجاز لاشتراط التأويل لم يحمل عليه أي المجاز قوله:
أشاب الصغير وأفني الكبير = كر الغداة مر المشي
حيث أسند أشاب وأفني إلى المكر والمر ما لم يعلم أو يظن أن قائله لم يعتقد ظاهره لاحتمال أن يكون معتقدا له فيكون حقيقة كقول الجاهل ولذا حكمنا بالمجاز على قول أبي النجم واسمه فضل:
ميز عنه تنزعا عن فنزع = جذب الليالي أبطئ أو أسرعي
حيث أسند ميز المكني به عن الشيب في الرأس إلى جذب الليالي أي مضيها لقوله بعد ذلك:
أفناه قيل الله للشمس أطلعي = حتى إذا واراك أفق فأرجعي
فإنه دل على أنه يعتقد فعل الله تعالى وأنه المبدئ المعيد والمنشئ والمفني فيكون الإسناد هناك على تأويل أنه زمان أو سبب، قلت وقد وقفت على القصيدة التي منها أشاب الصغير البيت ومن جملة أبياتها:
فملتنا أننا المسلمون = على دين صديقنا والنبي
كذا أورده المبرد في الكامل وعزى القصيدة إلى الصلتان العبد فعلم بذلك حمله على المجاز، ثم إن الفعل له ملابسات شتى يلابس الفاعل والمفعول به والمصدر والزمان والمكان والسبب لم يتعرض
[شرح عقود الجمان: 12]
للمفعول معه والحال ونحوهما لأنه لا يسند إليها فإسناده إلى الفاعل والمفعول به إذا كان مبنيا للمفعول حقيقة وهو المراد بقولي غير ما انتصب أي الذي ارتفع وإسناده إلى غيرهما وهو المفعول المنتصب والبواقي مجاز مثال إسناده إلى المفعول وهو مبني للفاعل عيشة راضية وإنما هي مرضية وللفاعل وهو مبني للمفعول سيل مفعم بفتح العين وإنما هو مفعم بكسرها لأنه يفعم الوادي أي يملؤه ومثاله للمصدر جد جدهم وهو أحسن من تمثيل التلخيص بقوله شعر شاعر لأن الشعر هنا بمعنى المفعول ولذلك عدلت عنه ومثاله للزمان ليل سار وإنما هو مسرى فيه ونهاره صائم وإنما هو مصوم فيه ومثاله للمكان نهر جار وإنما الماء جار فيه ومثاله للسبب بنيت مسجدا إذا كنت السبب في بنائه والآمر به.
أقسامه حقيقتان الطرفان = أو فمجازان كذا مختلفان
كأنبت البقل شباب المصر = والأرض أحياه ربيع الدهر
أقسام المجاز العقلي باعتبار الطرفين أي المسند والمسند إليه أربعة لأنهما إما حقيقتان أو مجازان أو الأول حقيقة والثاني مجاز أو بالعكس مثال الأول أنبت الربيع البقل والثاني أحيا الأرض شباب العصر أي الزمان لأن المراد بإحيائها نضارتها بأنواع الرياحين والنبات والإحياء في الحقيقة إعطاء الحياة وهي صفة تقتضي الحس والحركة وكذا المراد بشباب الزمان ازدياد قوته النامية وهو في الحقيقة عبارة عن كون الحيوان في زمان كون حرارته الغريزية مشبوبة أي قوية مشتعلة ومثال ما المسند فيه حقيقة والآخر مجاز قولي* أنبت البقل شباب العصر* ومثال عكسه قولي أحيا الأرض الربيع فالمثالان في البيت للمختلفين.
وشاع في الإنشاء والقرآن = يقول يا هامان مثل ذان
وقع المجاز العقلي في القرآن كثيرا وفي الإنشاء فلا يختص بالخبر قال تعالى يا هامان ابن لي صرحا فإن البناء فعل العملة وهامان سبب آمر ومن وقوعه في القرآن قوله تعالى: {وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا}، {يذبح أبناءهم}، {يوما يجعل الولدان شيبا}
وشرطة قرينة نقال = أو معنوية كما يحال
قيامه في عادة بالمسند = أو عقل أو يصدر من موحد
كهزم الأمير جنده الغوي = وجاءني إليك حبك القوي
لا بد للمجاز من قرينة صارفة عن إرادة ظاهره إما لفظية وهو المراد بقولي تقال كما تقدم في بيت أبي النجم أو معنوية كاستحالة قيام المسند بالمسند إليه عقلا نحو محبتك جاءت بي إليك لظهور استحالة قيام المجيء بالمحبة أو عادة نحو هزم الأمير المجند لاستحالة قيام هزم الجند بالأمير وحده عادة وإن كان ممكنا عقلا أو صدوره من الموحد في مثل أشاب الصغير البيت وأنبت الربيع البقل.
وفهم أصله يكون واضحا = كربحت تجارة ربحا
وذا خفا كسرني منظركا = أي سرني الله لدي رؤيتكا
الفعل في المجاز العقلي يجب أن يكون له فاعل أو مفعول به إذا أسند إليه يكون حقيقة فمعرفة ذالك قد تكون ظاهرة كقوله تعالى فما ربحت تجارتهم أي فما ربحوا في تجارتهم وقد تكون خفية لا تظهر إلا بعد نظر وتأمل نحو سرتني رؤيتك أي سرني الله وقت رؤيتك.
[شرح عقود الجمان: 13]
ويوسف أنكر هذا جاعله = كناية بأن أراد فاعله
حقيقة ونسبة الإنبات له = قرينة وقد أباه النقله
يوسف السكاكي أنكر المجاز العقلي وقال الذي عندي نظمه في سلك الاستعارة بالكناية بجعل الربيع مثلا في المثال استعارة عن الفاعل الحقيقي بواسطة المبالغة في التشبيه وجعل نسبة الإنبات إليه الذي هو من لوازم الفاعل الحقيقي قرينة للاستعارة ورده صاحب التلخيص بوجوه لم تسلم له وليس هذا موضع بسطها ومن أحسن ما رد به أنه يلزم عليه أن يتوقف أنبت الربيع البقل وشفى الطبيب المريض وسرتني رؤيتك ونحوه مما يكون الفاعل الحقيقي هو الله تعالى على وروده من الشارع لأن أسماء الله تعالى توقيفية واللازم باطل لأن مثل هذا التركيب صحيح شائع عند القائلين بأن أسماء الله تعالى توقيفية وغيرهم سمع من الشارع أم لا وهذا رد لا يمكن الجواب عنه.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الأول, الباب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:36 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir