هناك بعض من الأعمال التي يحرُم على المسلم إذا لم يكن على طهارة أن يزاوِلها لشرفها ومكانتها، وهذه الأعمال نبـيّـنها لك بأدلتها؛ لتكون منك على بال؛ فلا تُقدِم على واحِدٍ منها إلا بعد التهيُّؤ له بالطَّهارة المطلوبة.
اعلم يا أخي أن هناك أشياء تحرُم على المحدِث، سواء كان حدَثُه أكبر أو أصغر، وهناك أشياء يختصّ تحريمها بمن هو محدِث حدثا أكبر.
فالأشياء التي تحرم على المحدِث -أي الحدثين-:
1- مسّ المصحف الشريف؛ فلا يمسه المحدث بدون حائل؛ لقوله تعالى: {لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ}؛ أي: المتطهرون من الحدث جنابة أو غيرها، على القول بأن المراد بهم المطهرون من البشر، وهناك من يرى أن المراد بهم الملائكة الكرام.
وحتى لو فُسِّرَتْ الآية بأن المراد بهم الملائكة؛ فإن ذلك يتناول البَشَر بدلالة الإشارة، وكما ورد في الكتاب الذي كتبه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن من حديث عمرو بن حزم؛ قوله: ((لا يمسُّ المصحف [القرآنَ] إلا طاهر))، رواه النسائي وغيره متصلاً.
قال ابن عبد البر "إنه أشبه المتواتر لتلقّي الناس له بالقَبول".
قال شيخ الإسلام عن منع مسّ المصحف لغير المتطهر: "هو مذهب الأئمة الأربعة".
وقال ابن هُبَيْرة في "الإفصاح": "أجمعوا -يعني: الأئمة الأربعة- أنه لا يجوز للمحدث مس المصحف" انتهى.
ولا بأس أن يحمل غير المتطهَّر المصحفَ في غلافٍ أو كيسٍ مِن غير أن يمسّه، وكذلك لا بأس أن ينظر فيه ويتصفَّحهُ مِن غير مسّ.
2- ويحرُم على المحدِث الصلاةَ فرضاً أو نفلاً، وهذا بإجماع أهل العلم، إذا استطاع الطّهارة؛ لقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} الآية، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يقبلُ اللهُ صلاةً بغير طَهور))، رواه مسلم وغيره، وحديث: ((لا يقبل الله صلاةَ مَن [أحدكم إذا] أحدَث حتى يتوضأ))؛ فلا يجوز له أن يصلي من غير طهارة مع القُدرَة عليها، ولا تصِحّ صلاته، سواء كان جاهلاً أو عالِماً، ناسياً أو عامداً، لكن العالِم العامًد إذا صلّى من غير طهارة؛ يأْثم ويعزر، وإن كان جاهلاً أو ناسيا؛ فإنه لا يأْثم، لكن؛ لا تصحّ صلاته.
3- يحرُم على المحدِث الطواف بالبيت العتيق؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((الطَّواف بالبيت صلاة؛ إلا أن الله أباحَ فيه الكلام))، وقد توضأ النبي صلى الله عليه وسلم للطواف، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه منع الحائض من الطواف بالبيت حتى تطهُر، كل ذلك مما يدل على تحريم الطواف على المحدث حتى يتطهر.
ومما يدل على تحريمه على المحدث حدثا أكبر قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلاّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا}؛ أي: لا تدخلوا المسجد وأنتم جنب إلا مارّي طريق، فمنعه من دخول المسجد للبقاء فيه يقتضي منعه من الطواف من باب أولى.
وهذه الأعمال تحرُم على المحدِث سواء كان حدثُه أكبر أو أصغر.
[الملخص الفقهي: 1/23-26]