باب ما يجوز أن ينسخ وما لا يجوز أن ينسخ
اعلم أنه جائزٌ أن ينسخ الله –جل ذكره- جميع القرآن بأن يرفعه من صدور عباده، ويرفع حكمه بغير عوضٍ وقد جاءت (في ذلك) أخبارٌ كثيرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- دليله قوله تعالى: {ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك}، وقد كان من ذلك بعضه على ما روي من سورة الأحزاب، وإنما (يؤخذ ما كان من ذلك) من طريق الأخبار، والله أعلم بصحته.
ومنه ما رفع لفظه أن يتلى وبقي حفظه غير متلوٍّ على أنه قرآنٌ، وثبت حكمه بالإجماع (كآية الرجم) فالرواية المشهورة أنه كان فيما يتلى: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتّة" فرفع رسم من المصحف المجمع عليه، ولم تثبت تلاوته وبقي حكمه ولم ينس لفظه.
والذي هو عمدة هذا الباب هو ما يزيل الله –جلّ ذكره- حكمه ويبدله بغيره من حكم متلوّ، ويبقى المنسوخ متلوًّا غير معمول به. وقد ذكرنا مثاله. أو يزيل حكمه ولفظه بحكم آخر متلوّ.
[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه: 65]
وهذا كله إنما يجوز في الأحكام والفرائض والأوامر والنواهي والحدود والعقوبات من أحكام الدنيا.
فهذا قول عامة العلماء، وعليه العمل عند فقهاء الأمصار. وهو الذي لا يجوز في النّظر غيره.
فأما ما لا يجوز نسخه فهو كلّ ما أخبرنا الله تعالى عنه أنه سيكون أو أنه كان أو (وعدنا به)، أو قصّ علينا من أخبار الأمم الماضية، (وما قصّ) علينا من أخبار الجنة والنار والحساب والعقاب والبعث والحشر، وخلق السموات (والأرضين) وتخليد الكفار في النار والمؤمنين في الجنة.
هذا كلّه وشبهه من الأخبار لا يجوز نسخه لأنه يتعالى أن يخبر عن الشيء على غير ما هو به.
وكذلك ما أعلمنا به من صفاته.
لا يجوز في ذلك كلّه أن ينسخ ببدلٍ منه.
فأما جواز أن ينسخ ذلك كلّه بإزالة حفظه من الصدور –ونعوذ بالله من ذلك- فذلك جائزٌ في قدرته تعالى يفعل ما يشاء.
[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه: 66]