وَلا يَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الخَالِفُونَ أَعْلَمَ مِنَ السَّالِفِينَ، كَمَا قد يَقُولُهُ بَعْضُ الأَغْبِياءِ مِمَّنْ لا يعرف قَدْرَ السَّلَفِ، بَلْ وَلا عَرَفَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ حَقِيقَةَ المَعْرِفَةِ المَأْمُورِ بِهَا مِنْ أَنَّ (طَرِيقَةَ السَّلَفِ أَسْلَمُ، وَطَرِيقَةَ الخَلَفِ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ). وإن كَانَت هذه العِبَارة إذا صَدَرت مِن بَعْض العُلَمَاء قد يُعْنَى بها معناً صحيحاً فَإِنَّ هَؤُلاءِ المُبْتَدِعين الَّذِينَ يُفَضِّلُونَ طَرِيقَةَ الخَلَفِ مِنَ المُتَفَلْسِفَةِ، وَمَنْ حَذَا حَذْوَهُمْ عَلَى طَرِيقَةِ السَّلَفِ إِنَّمَا أُتُوا مِنْ حَيْثُ ظَنُّوا أَنَّ طَرِيقَةَ السَّلَفِ هِيَ مُجَرَّدُ الإِيمَانِ بِأَلْفَاظِ القُرْآنِ وَالْحَدِيثِ، مِنْ غَيْرِ فِقْهٍٍ لِذَلِكَ، بِمَنْزِلَةِ الأُمِّيِّينَ الَّذِينَ قَالَ الله فِيهِمْ: (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ) وأَنَّ طَرِيقَةَ الخَلَفِ هِيَ اسْتِخْرَاجُ مَعَانِي النُّصُوصِ المَصْرُوفَةِ عَنْ حَقَائِقِهَا بِأَنْوَاعِ المَجَازَاتِ وَغَرَائِبِ اللُّغاتِ.
فَهَذَا الظَّنُّ الفَاسِدُ أَوْجَبَ تِلْكَ المَقَالاَت الَّتِي مَضْمُونُهَا نَبْذُ الإِسْلامِ وَرَاءَ الظَّهْرِ، وَقَدْ كَذَبُوا عَلَى طَرِيقَةِ السَّلَفِ، وَضَلُّوا فِي تَصْوِيبِ طَرِيقَةِ الخَلَفِ; فَجَمَعُوا بَيْنَ الجَهْلِ بِطَرِيقَةِ السَّلَفِ فِي الكَذِبِ عَلَيْهِمْ، وبيَنَ الجَهْلِ وَالضَّلالِ بِتَصْوِيبِ طَرِيقَةِ الخَلَفِ