دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الصلاة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21 ذو القعدة 1429هـ/19-11-2008م, 08:44 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي ما يحرم في الصلاة

وتُحْرُمُ الْخُيَلَاءُ في ثوبٍ وغيرِه، والتصويرُ واستعمالُه. ويَحْرُمُ استعمالُ مَنسوجٍ أو مُمَوَّهٍ بذَهَبٍ قبلَ استحالتِه، وثيابِ حَريرٍ، وما هو أكثَرُ ظُهورًا على الذكورِ، لا إذا اسْتَوَيَا، ولضَرورةٍ أو حِكَّةٍ أو مَرَضٍ أو حَرْبٍ أو حَشْوًا أو كان عَلَمًا أَرْبَعَ أصابعَ فما دونَ ، أو رِقاعًا أو لَبِنَةَ جَيْبٍ وسُجُفَ فِرَاءٍ. ويُكْرَهُ الْمُعَصْفَرُ والمزَعْفَرُ للرجالِ.


  #2  
قديم 24 ذو القعدة 1429هـ/22-11-2008م, 05:53 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

......................

  #3  
قديم 24 ذو القعدة 1429هـ/22-11-2008م, 05:55 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي

(وتَحْرُمُ الخُيَلاءُ في ثَوْبٍ وغَيْرِه) مِن عِمَامَةٍ وغَيْرِها في الصَّلاةِ وخَارِجِهَا في غَيْرِ الحَرْبِ؛ لقَوْلِه صلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ: ((مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ)) مُتَّفَقٌ علَيْهِ.
ويجُوزُ الإِسْبَالُ مِن غَيْرِ الخُيَلاءِ؛ للحَاجَةِ، (و) يَحْرُمُ (التَّصْوِيرُ)؛ أي: على صُورَةِ حَيَوَانٍ؛ لحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ وصَحَّحَهُ: (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ عَن الصُّورَةِ فِي البَيْتِ وأَنْ تُصْنَعَ)، وإن أُزِيلَ مِن الصُّورَةِ مَا لا تَبْقَى معَهُ حيَاةٌ, لم يُكْرَهْ، (و) يَحْرُمُ (استِعْمَالُه)- أي: المُصَوَّرِ- على الذَّكَرِ والأُنْثَى في لُبْسٍ وتَعْلِيقٍ وسَتْرِ جُدُرٍ, لا افتِرَاشُه وجَعْلُهُ مِخَدَّةً.
(ويَحْرُمُ) على الذَّكَرِ (استِعْمَالُ مَنْسُوجٍ) بذَهَبٍ أو فِضَّةٍ, (أو) استِعْمَالُ (مُمَوَّهٍ بذَهَبٍ) أو فِضَّةٍ, غَيْرَ ما يَأْتِي في الزَّكَاةِ مِن أَنْوَاعِ الحُلِيِّ (قَبْلَ استِحَالَتِه), فإن تَغَيَّرَ لَوْنُه ولم يَحْصُلْ مِنْهُ شَيْءٌ بعَرْضِه على النَّارِ, لم يَحْرُمْ؛ لعَدَمِ السَّرَفِ والخُيَلاءِ، (و) تَحْرُمُ (ثِيَابُ حَرِيرٍ, و) يَحْرُمُ (ما)؛ أي: ثَوْبٌ, (هُو)؛ أي: الحَرِيرُ, (أَكْثَرُه ظُهُوراً) ممَّا نُسِجَ معَهُ (على الذُّكُورِ) والخَنَاثَى دُونَ النِّسَاءِ؛ لُبْسَها بلا حَاجَةٍ، وافتِرَاشاً، واستِنَاداً، وتَعْلِيقاً، وكِتَابَةَ مَهْرٍ، وسَتْرَ جُدُرٍ غَيْرَ الكَعْبَةِ المُشَرَّفَةِ؛ لقولِهِصلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: ((لا تَلْبَسُوا الحَرِيرَ؛ فإِنَّهُ مَن لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الآخِرَةِ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وإذا فَرَشَ فَوْقَهُ حَائِلاً صَفِيقاً, جازَ الجُلُوسُ عليهِ والصَّلاةُ، (لا إِذَا استَوَيَا)- أي: الحَرِيرُ وما نُسِجَ معَهُ- ظُهُوراً، ولا الخَزُّ, وهو ما سُدِيَ بالإِبْرَيْسَمِ وأُلْحِمَ بصُوفٍ أو قُطْنٍ ونَحْوِه، (أو) لُبْسُ الحَرِيرِ الخَالِصِ (لضَرُورَةٍ أو حَكَّةٍ أو مَرَضٍ أو قَمْلٍ أو جَرَبٍ), ولو بلا حاجةٍ، (أو) كانَ الحريرُ (حَشْواً) لجِبَابٍ أو فُرُشٍ؛ فلا يَحْرُمُ؛ لعَدَمِ الفَخْرِ والخُيَلاءِ, بخِلافِ البِطَانَةِ، ويَحْرُمُ إِلْبَاسُ صَبِيٍّ ما يَحْرُمُ على رَجُلٍ، وتَشَبُّهُ رَجُلٍ بأُنْثَى في لِبَاسٍ وغَيْرِه، وعَكْسُه. (أو كانَ) الحريرُ (عَلَماً) وهو طِرَازُ الثَّوْبِ؛ (أَرْبَعَ أَصَابِعَ فما دُونَ, أو) كانَ (رِقَاعاً أو لِبْنَةَ جَيْبٍ), وهو الزِّيقُ (1) (وسَجْفَ فِرَاءٍ)؛ جَمْعُ فَرْوَةٍ ونَحْوِهَا مِمَّا يَسْجُفُ، فكُلُّ ذلكَ يُبَاحُ مِن الحَرِيرِ إذا كانَ قَدْرَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ فأَقَلَّ؛ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ, عَن عُمَرَ, أنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ نَهَى عَن لُبْسِ الحَرِيرِ إلاَّ مَوْضِعَ أُصْبَعَيْنِ أو ثَلاثَةٍ أو أَرْبَعَةٍ.
ويُبَاحُ أَيْضاً كِيسُ المُصْحَفِ وخِيَاطَةٌ بهِ وأَزْرَارٌ، (ويُكْرَهُ المُعَصْفَرُ) في غَيْرِ إِحْرَامٍ، (و) يُكْرَهُ (المُزَعْفَرُ للرِّجَالِ)؛ لأنَّه صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ نَهَى الرِّجَالَ عَن التَّزَعْفُرِ. مُتَّفَقٌ عليه.
ويُكْرَهُ الأَحْمَرُ الخَالِصُ، والمَشْيُ بنَعْلٍ وَاحِدَةٍ، وكَوْنُ ثِيَابِه فَوْقَ نِصْفِ سَاقِه وتَحْتَ كَعْبِه بلا حَاجَةٍ، وللمَرْأَةِ زِيَادَةٌ إلى ذِرَاعٍ، ويُكْرَهُ لُبْسُ الثَّوْبِ الذي يَصِفُ البَشَرَةَ للرَّجُلِ والمَرْأَةِ، وثَوْبُ الشُّهْرَةِ؛ وهو ما يَشْتَهِرُ به عندَ النَّاسِ ويُشَارُ إليه بالأصَابِعِ.
_______________
(1) زيق القميص : ما أحاط بالعنق.


  #4  
قديم 26 ذو القعدة 1429هـ/24-11-2008م, 03:31 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم

(وتحرم الخيلاء في ثوب وغيره) ([1]) في الصلاة وخارجها([2]) في غير الحرب([3]) لقوله عليه السلام «من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه» متفق عليه([4]).
ويجوز الإسبال من غير الخيلاء للحاجة([5]) (و) يحرم (التصوير) أي على صورة حيوان([6]).لحديث الترمذي وصححه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصورة في البيت وأن تصنع([7]) وإن أزيل من الصورة ما لا تبقى معه حياة لم يكره([8]).(و) يحرم (استعماله) أي المصور على الذكر والأنثى في لبس وتعليق وستر جدر([9]) لا افتراشه وجعله مخدا([10]) (ويحرم) على الذكر (استعمال منسوج) بذهب أو فضة([11]).(أو) استعمال (مموه بذهب أو فضة) غير ما يأتي في الزكاة من أنواع الحلي([12]) (قبل استحالته)([13]) فإن تغير لونه ولم يحصل منه شيء بعرضه على النار لم يحرم([14]) لعدم السرف والخيلاء([15]) (و) تحرم (ثياب حرير) ([16]) .(و) يحرم (ما) أي ثوب (هو) أي الحرير (أكثره ظهورا) مما نسج معه([17]) (على الذكور) والخناثى دون النساء([18])لبسا بلا حاجة وافتراشا([19]) واستنادا وتعليقا([20]) وكتابه مهر([21]) وستر جدر([22]).غير الكعبة المشرفة([23]) لقوله عليه الصلاة والسلام «لا تلبسوا الحرير، فإن من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة» متفق عليه([24])وإذا فرش فوقه حائلا صفيقا جاز الجلوس عليه والصلاة([25]) (لا إذا استويا) أي الحرير وما نسج معه ظهورا([26]) ولا الخز وهو ما سدي بإبريسم وألحم بصوف أو قطن ونحوه([27]).(أو) لبس الحرير الخالص (لضرورة([28]) أو حكة([29]) أو مرض) أو قمل([30]).(أو حرب) ولو بلا حاجة([31]) (أو) كان الحرير (حشوا) لجباب أو فرش فلا يحرم([32]) لعدم الفخر والخيلاء، بخلاف البطانة([33]) ويحرم إلباس صبي ما يحرم على رجل([34]) وتشبه رجل بأنثى في لباس وغيره وعكسه([35]).(أو كان) الحرير (علما) وهو طراز الثوب([36]) (أربع أصابع فما دون([37]) أو) كان (رقاعا([38]) أو لبنة جيب) وهو الزيق([39]) (وسجف فراء) جمع فرو([40]).ونحوها مما يسجف([41]) فكل ذلك يباح من الحرير إذا كان قدر أربع أصابع فأقل([42]) لما روى مسلم عن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاثة أو أربعة([43]) ويباح أيضا كيس مصحف([44]) وخياطة به وأزرار([45]) (ويكره المعصفر) في غير إحرام([46]).(و) يكره (المزعفر للرجال) ([47]) لأنه عليه الصلاة والسلام نهى الرجال عن التزعفر، متفق عليه([48]) ويكره الأحمر الخالص([49]).والمشي بنعل واحدة([50]) وكون ثيابه فوق نصف ساقه([51]).أو تحت كعبه بلا حاجة([52]) وللمرأة زيادة إلى ذراع ([53]) ويكره لبس الثوب الذي يصف البشرة للرجل والمرأة([54]) وثوب الشهرة وهو ما يشتهر به عند الناس، ويشار إليه بالأصابع([55]).



([1]) كقميص وقباء وطيلسان وشملة وسراويل، بإسبالها، وإسبال العمامة المراد به إرسال الذؤابة زائدا على ما جرت به العادة، قال الشيخ: إطالتها من الإسبال اهـ والخيلاء بضم الخاء ممدود العجب والكبر مأخوذ من التخيل وهو التشبه بالشيء فالمختال يتخيل في صورة من هو أعظم منه تكبرا، ومنه: اختال فهو ذو خيلاء إذا تكبر، والمخيلة والبطر والكبر والزهو، والتبختر والخيلاء بمعنى، وذكر ابن القيم أن خبث الملبس يكسب صاحبه هيئة خبيثة كالمطعم، ولذلك حرم لبس جلود النمور والسباع، لما يكسب القلب من الهيئة المشابهة لتلك الحيوانات، فإن الملابسة الظاهرة تسري إلى الباطن، ولذلك حرم لبس الحرير والذهب على الذكور، لما يكسب القلب من الهيئة المنافية للتواضع، الحالبة للفخر والخيلاء.

([2]) لعموم الأخبار.

([3]) فلا يحرم لإرهاب العدو، ولأنه صلى الله عليه وسلم رأى بعض أصحابه يمشي بين الصفين، يختال في مشيته فقال: إنها لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن.

([4]) ولهما لا ينظر الله إلى من جر إزاره خيلاء يوم القيامة أي بطرا والمراد يجره هو جره على وجه الأرض، وفي الصحيح، «ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار»، ولمسلم «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم»، وذكر منهم المسبل، وللترمذي وغيره وصححه إياك وإسبال الإزار، فإنها من المخيلة، وإن الله لا يحب المخيلة، والإسبال يستلزم جر الثوب ونحوه، وجر الثوب يستلزم الخيلاء في الغالب، وكل أحد يعلم أن من الناس من يسبل إزاره مع عدم خطورة الخيلاء بباله، ولأبي داود وغيره بإسناد صحيح من حديث ابن عمر الإسبال في الإزار والقميص والعمامة، من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة، وله أيضا بإسناد صحيح عن أبي هريرة قال: بينما رجل يصلي مسبلا إزاره قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهب فتوضأ ثم جاء فقال له: «اذهب فتوضأ» فقال له رجل: يا رسول الله مالك أمرته أن يتوضأ؟ فسكت عنه ثم قال: «إنه كان يصلي وهو مسبل إزاره، وإن الله لا يقبل صلاة رجل مسبل» والمسبل المخري له الجار طرفه خيلاء، ولعل الوعيد متوجه إلى من فعل اختيالا للقيد المصرح به في الصحيحين، ولقوله لأبي بكر إنك لم تفعل ذلك خيلاء وقال ابن العربي: لا يجوز للرجل أن يجاوز بثوبه كعبه، ويقول: لا أجره خيلاء، لأن النهي قد تناوله لفظا، إذ حكمه أن يقول لا أمتثله، وإطالة ذيله دال على تكبره، ونقل القاضي عياض عن العلماء أن الإسبال كل ما زاد على المعتاد في اللباس في الطول والسعة اهـ وهو حرام قاله الشيخ وغيره، وقال في الإنصاف: وهو الصواب الذي لا يعدل عنه.

([5]) لما في الصحيح قال أبو بكر: إن أحد شقي إزاري يسترخي، إلا أن أتعاهد ذلك منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك لست ممن يفعل ذلك خيلاء، وقوله: للحاجة كستر ساق قبيح من غير خيلاء فيباح له، ما لم يرد التدليس على النساء، ومثله قصيرة اتخذت رجلين من خضب فلم تعرف.

([6]) إجماعا للأخبار، وأما على غير صورة حيوان كشجر وكل ما لا روح فيه فيباح، لقول ابن عباس: فإن كنت فاعلا فاجعل الشجر، وما لا نفس له، متفق عليه، والصورة التمثال، والشكل، وكل ما يصور مشبها بخلق الله، من ذوات الأرواح وغيرها، و(صورة تصويرا) جعل له صورة وشكلا ونقشه ورسمه من (صاره) إذا أماله فالصورة مائلة إلى شبه وهيئة.

([7]) ولحديث ابن عباس كل مصور في النار، يجعل له بكل صورة صورها نفس يعذب بها في جهنم، وحديث أبي هريرة ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا حبة أو ليخلقوا ذرة، وحديث الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال: أحيوا ما خلقتم، وحديث النمرقة رآها فلم يدخل فقالت: اشتريتها لتقعد عليها وتوسدها، فقال: إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال: أحيوا ما خلقتم، وحديث النمرقة رآها فلم يدخل فقالت: اشتريتها لتقعد عليها وتوسدها، فقال: إن أصحاب هذه الصور بعذبون، الحديث وحديث: لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة ولا كلب، متفق عليه، ولغيرها من الأحاديث فتصوير الحيوان حرام وكبيرة، سواء صنعه لما يمتهن أو لغيره، وسواء كان في الدرهم أو الحيطان، أو الثياب أو الورق، أو غيرها، له جرم مستقل أو لا جزم بذلك غير واحد من أهل العلم بالحديث، وهو قول أكثر أهل العلم، وصوبه في الإنصاف، وجزم به شيخنا، لحديث عائشة: نصبت سترا فيه تصاوير فنزعه متفق عليه، ويؤيد التعميم ما رواه أحمد، فلا يدع وثنا إلا كسره ولا صورة إلا لطخها، وقوله: إلا نقضه، والنقض إزالة الصورة مع بقاء الثوب وفي رواية ثوب ونحوه، صوبه في الإنصاف وغيره،لقول عائشة: كان لا يترك شيئا فيه تصليب إلا قضبه، رواه أبو داود، ولأنه يلحق بالمصور، لاشتراكهما في أن كلا منهما عبد من دون الله، ولا تفسد الصلاة، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقطعها، ولم يعدها، وإنما قال: لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي، وأمر بها فأزيلت وفي الحديث: أمرت بكسر الأصنام، فيجب كسرها وطمسها، ومحل الصور منظنة الشرك، وغالب شرك الأمم كان من جهة الصور والقبور.

([8]) كالرأس، أو لم يكن لها رأس، نص عليه لما روى أحمد وأبو داود والترمذي وصححه من حديث أبي هريرة في امتناع جبرئيل، لأنه كان في البيت تمثال رجل، وفيه «فمر برأس التمثال الذي في باب البيت يقطع، يصير كهيئة الشجرة»(*) أو معه الصدر فلا لأن الوجه يطلق على الذات، ويقع عليه اسم الصورة، فالرائي له يقول: رأيت صورة فلان ونحوه، ولأن ما سواه الغالب عليه ستره باللباس.

([9]) إجماعا للأخبار المارة وغيرها.

([10]) أي المصور فيجوز، لأنه عليه الصلاة والسلام اتكأ على مخدة فيها صورة رواه أحمد، والمخدة بكسر الميم الوسادة، سميت بذلك لأنها توضع تحت الخد وفي الصحيحين وغيرهما من غير وجه امتناع الملائكة من دخول بيت فيه صورة وحديث النمرقة وغيره، قال النووي: لكونها معصية فاحشة، وتقدم ما رواه الترمذي وصححه: نهى عن الصورة في البيت فالأولى العمل بظواهر الأحاديث الصريحة الصحيحة الدالة على العموم، وتكره الصلاة على ما فيه صورة، ولو على ما يداس، جزم به في الفصول والوجيز وغيرهما، والسجود عليها أشد كراهة، وقال الشيخ: لا تجوز الصلاة في ثوب فيه تصاوير، لأنه يشبه حامل الصنم، ولا يسجد على الصورة لأنه يشبه عباد الصور.

([11]) وكذا يحرم على الخنثى لا الأنثى، لحديث أبي موسى حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي، وأحل لإناثهم صححه الترمذي، وقال الشيخ لما ذكر علم الحرير وفي الـعلم الذهب نـزاع بين الـعلماء، والأظهر جوازه أيضا فإن في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*)كذا في الأصل ولعل فيه سقط تقديره: (فإن بقي الوجه وحده).
السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن لبس الذهب إلا مقطعا، وحكى في موضع أربعة أقوال: ثم قال: والرابع وهو الأظهر أنه يباح يسير الذهب في اللباس والسلاح، فيباح طراز الذهب إذا كان أربع أصابع فما دون، وقال أبو بكر: يباح واختاره المجد، وهو رواية عن أحمد، ولأنه يسير أشبه الحرير ويسير الفضة، وقال الشيخ: ولبس الفضة إذا لم يكن فيه لفظ عام بالتحريم لم يكن لأحد أن يحرم منه إلا ما قام الدليل الشرعي على تحريمه، فإذا جاءت السنة بإباحة خاتم الفضة كان ذلك دليلا على إباحة ذلك وما هو في معناه، وما هو أولى منه بالإباحة والتحريم يفتقر إلى دليل.

([12]) يعني المباح، منسوجا كان المموه أولا، وتقدم تعريف تمويه الأواني، وتمويه المنسوج أن يذاب شيء من الذهب أو الفضة فيلقى فيه فيكتسب منه، وكذا ما طلي أو كفت أو طعم بأحدهما، كما تقدم في الآنية.

([13]) أي حوله عن طبعه ووصفه، وما حرم استعماله حرم تملكه وتمليكه لذلك، وعمل خياطة لمن حرم عليه، وأجرته نص عليه.

([14]) وقيل مطلقا أبيح في الأصح وفاقا، قاله في الفروع، وعرض على النار إحراقه بها ليتميز.

([15]) تقدم أن العلة ما يكسب استعمالها القلب من الهيئة المنافية للعبودية.

([16]) على الذكور في الصلاة وغيرها في غير حال العذر إجماعا، لحديث أبي موسى المتقدم، وحديث عمر لا تلبسوا الحرير، إلخ ولو كافرا، وعنه جواز
لبس الحرير للكافر اختاره الشيخ، وفي الصحيحين أن عمر كسا أخا له مشركا بمكة ثوب حرير أعطاه إياه النبي صلى الله عليه وسلم.

([17]) فيحرم استعماله كالخالص، لأن الأكثر ملحق بالكل في أكثر الأحكام، ولو بطانة وتكة سراويل وشرابة، والمراد المفردة، كشرابة البريد، وحرم الأكثر استعماله مطلقا، فيدخل فيه شرابة البريد، لا تبعا فإنها تباح كزر، وقال ابن عبد القوي: يدخل في التحريم شرابة الدواة، وسلك المسبحة، واختار الآمدي إباحة يسير الحرير مفردا، والشرابة خيوط تضم ويعلق طرفها بالطربوش وغيره، ويتدلى الآخر جمعها شراريب، قال بعض المتأخرين: ولعل القيطان تباح كشرابة البريد.

([18]) قال ابن القيم: على أصح القولين، والنهي عن لبسه، والجلوس عليه متناول لافتراشه، كما هو متناول للالتحاف به، وذلك لبسه لغة وشرعا، فدل عل تحريم الافتراش النص الخاص، واللفظ العام والقياس الصحيح.

([19]) لحديث حذيفة الآتي، قال ابن القيم: والنهي عن لبسه، والجلوس عليه متناول لافتراشه، كما هو متناول للالتحاف به، وذلك لبسه لغة وشرعا، فدل على تحريم الافتراش النص الخاص، واللفظ العام والقياس الصحيح.

([20])لحديث حذيفة نهى أن يلبس الحرير والديباج، وأن يجلس عليه، رواه البخاري.

([21])أي في الحرير، اختاره الشيخ وغيره، وقيل يكره، قال صاحب التنقيح: وعليه العمل.

([22])بالحرير لأنه استعمال له أشبه لبسه ولما في الستر به من السرف، ويكره بغير الحرير إلا لحاجة.

([23]) زادها الله تشريفا وتكريما، فلا يحرم سترها بالحرير إجماعا.

([24]) من حديث ابن عمر، وفيهما، نهانا عن لبس الحرير والديباج، وتواترت الأحاديث والآثار بتحريمه على الذكور، وحكى الإجماع عليه غير واحد من أئمة المسلمين.

([25]) لأنه حينئذ مفترش للحائل، مجانب للحرير، وقال ابن القيم: وإذا كان الحرير بطانة الفراء دون ظهارته، فالحكم في ذلك التحريم.

([26]) وحكى وزنا فلا يحرم، والوجه الثاني يحرم، صوبه في تصحيح الفروع، قال ابن عقيل والشيخ: الأشبه أنه يحرم، لعموم الخبر، ولأن النصف كثير، وليس تغليب التحليل بأولى من التحريم، ومن اعتبر الوزن فقد خالف ظواهر الأدلة، لأنه نهى عن حلة السيراء، ونهى عن القسي وهو ثياب مظلعة بالحرير، فجعل الحكم للظهور، ولم يسأل هل وزن ذلك الموضع من القطن والكتان أكثر أم لا، مع أن العادة أنه قل، فإن استويا فالأشبه بكلام أحمد التحريم.

([27]) كوبر وكتان إجماعا، لأن حريره مستتر، وفي الحديث: إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الثوب المصمت من الحرير، فأما العلم وسدى الثوب فليس به بأس، ورواه أبو داود وغيره، والخز عكس الملحم معنى وحكما، ولا بد من اشتراط عدم الظهور فيه، وهو في الأصل اسم دابة ثم أطلق على الثوب المتخذ من وبرها وقال ابن الأثير: الخز المعروف ثياب تنسج من صوب وإبريسم، وهي مباحة وقد لبسها الصحابة والتابعون، فيكون النهي عنها لأجل التشبه بالعجم وزي المترفين، وإن أريد بالخز النوع الآخر، وهو المعروف الآن، فهو حرام، لأنه كله معمول من إبريسم، وعليه يحمل الحديث، يستحلون الخز والحرير اهـ قال في الاختيارات: الخز اسم لثلاثة أشياء، للوبر الذي ينسج مع الحرير، وهو وبر الأرنب، واسم لمجموع الخرير والوبر، واسم لردئ الحرير فالأول والثاني حلال، والثالث حرام، ثم قال: والمنصوص عن أحمد وقدماء الأصحاب إباحة الخز دون الملحم وغيره، فمن زعم أن في الخز خلافا فقد غلط، وقال عثمان: إباحته بشرط أن يكون الحرير مستورا، وغير الحرير هو الظاهر، وإلا فهو كالملحم المحرم، فإن الملحم عكس الخز صورة وحكما اهـ والأبريسم بكسر الراء وفتحها وفتح السين وضمها الحرير قبل أن يخرقه الدود، وبعد الخرق يسمى قزا، معرب إبريشم بالفارسية، والسدى من الثوب ما مد في النسج من خيوط أو هو خلاف لحمته.

([28]) كبرد وحر، قياسا على الحكة والقمل، فلا يحرم معها لبس ما كله حرير، ولا افتراشه ونحوه، وقال ابن تميم: من احتاج إلى لبس الحرير الحر أو برد أبيح له.

([29]) بالكسر وهي علة توجب الحكاك كالجرب، إلا أنه معه بثور وهي لا بصور معها، وتعم أكثر البدن في الغالب، ولو لم يؤثر لبسه في زوالها، لحديث أنس: رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير في قميص الحرير في سفر من حكة كانت بهما متفق عليه.

([30]) لحديث أنس ولفظه: أن عبد الرحمن بن عوف والزبير شكيا إلى النبي
صلى الله عليه وسلم القمل، فرخص لهما في قميص الحرير، فرأيته عليهما متفق عليه.

([31]) فلا يحرم لبسه إذا تراء الجمعان إلى انقضاء القتال، قال الشيخ: يجوز عند القتال للضرورة باتفاق المسلمين، وذلك بأن لا يقوم غيره مقامه في دفع السلاح والوقاية اهـ ولأن المنع لما فيه من الخيلاء، وذلك غير مذموم في الحرب، ولو كان لبسه بلا حاجة، قال الشيخ: لباسه لإرهاب العدو فيه قولان أظهرهما جوازه.

([32]) لأنه ليس بلبس للحرير ولا افتراش، والجباب واحدها جبة، كغرفة، ثوب مقطوع الكم طويل، يلبس فوق الثياب، سمي جبابا لقطع كميه، والفرش واحدها فراش بالكسر.

([33]) بكسر الباء، وهي خلاف الظهارة، فتحرم إلا لحاجة.

([34]) من اللباس من حرير ومنسوج بذهب أو فضة، لقوله: وحرم على ذكورها، وعن جابر كنا ننزعه عن الغلمان، ومزقه عمر وابن مسعود، وما حرم على الرجل فعله حرم عليه أن يمكن منه الصغير، وهذا ظاهر في بطلان صلاة الصبي في ثوب الحرير ونحوه، لأن الفعل الواقع معصية مؤاخذة بها.

([35]) فيحرم تشبه رجل بأنثى في لباس لا يخاط إلا لها، وكذا يحرم غيره، ككلام ومشي وغيرهما، وكبعض صفات وحركات ونحوها، لمن تعمد ذلك، ومن كان بأصل الخلقة يؤمر بتكلف تركه، وإلا لحقه الذم، لا التشبه في أمور، خيرية ويحرم عكسه، وهو تشبه أنثى برجل في لباس كالقباء والعمامة وما لا يخاط إلا له، وكجيب الرجل وغيره، لأنه صلى الله عليه وسلم لعن المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال، رواه البخاري وغيره، ولعن الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل، رواه أبو داود بإسناد صحيح وللطبراني أنه رأى امرأة متقلدة قوسا فقال:(( لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال))، الحديث وعده أهل العلم من الكبائر للعن عليه، وقال غير واحد، اللباس يختلف باختلاف عادة كل بلد، فرب قوم لا يفترق زي نسائهم من رجالهم في اللباس، لكن يمتاز النساء بالاستتار والأحتجاب.

([36]) العلم هو رسم الثوب ورقمه، وأعلمت الثوب جعلت له علما من طراز وغيره، تنسج على حواشي الثوب، وطراز هو بكسر الطاء معرب، وجمعه طرز، فيباح لحديث ابن عباس: إنما نهى عن الثوب المصمت، أما العلم وسدى الثوب فليس به بأس، رواه أبو داود، وعنه يباح العلم وإن كان مذهبا، اختارها المجد والشيخ وتقدم.

([37]) إجماعا ودون بالضم لقطعه عن الإضافة أي فما دون أربع أصابع.

([38]) جمع رقعة وهي الخرقة المعروفة يسد بها خرق الثوب ونحوه، و(رقعت الثوب رقعا) من باب نفع، إذا جعلت فيه مكان القطع رقعة.

([39]) بكسر الزاي المحيط بالعنق، حكاه الجوهري وغيره، واللبنة بفتح اللام وكسرها الموحدة جيب القميص، وهو الطوق الذي يخرج منه الرأس، وهو ما فسره به الشارح.

([40]) والفراء بالكسر والمد لباس من جوخ ونحوه، يبطن بجلود، وسجف بالفتح ويكسر وككتاب الستر، جمعه سجوف وأسجاف، هذا الأصل، ثم استعير لما يركب على حواشي الثوب، يسميه بعض العامة سناجيف.

([41]) أي يركب على حواشيه حرير، وتخصيص الماتن الفراء بالسجوف ليس لاختصاص الحكم بل لأنها التي جرت العادة بتسجيفها، فلو سجف غيرها به كما ذكر الشارح جاز، كما يسجف القباء وأمثاله، والكلاه والطربوش.

([42]) أي فكل الذي ذكره من العلم والرقاع والسجف ولبنة الجيب وغيرها يباح بشرطه، وهو ما إذا كان قدر أربع أصابع فأقل، يعني من أربع أصابع، وأما ما زاد على أربع أصابع فلا.

([43]) ولأبي داود نهى عن الحرير إلا هكذا وهكذا إصبعين أو ثلاثا أو أربعا والذي في الصحيحين: إلا هكذا ورفع إصبعيه الوسطى والسبابة وضمهما يعني الأعلام.

([44]) تعظيما له، والكيس بالكسر ما يخاط من خرق وغيرها وتقدم.

([45]) أي بالحرير، لأنه يسير، والأزرار أن يجعل له أزرار جمع زر، بالكسر مما يوضع في القميص وغيره، فيشد بإدخاله في العروة.

([46]) أي يكره المعصفر للرجال، لحديث علي: ونهاني عن لبس المعصفر، رواه مسلم، وله من حديث ابن عمر ولما رأى عليه ثوبين معصفرين قال: ((إن هذا من ثياب الكفار فلا تلبسهما ))وهذا المذهب وعنه لا يكره وفاقا، واختاره الموفق وغيره، قال في الفروع، وهو أظهر وفي الصحيحين من حديث ابن عمر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بالصفرة، وعصفر الثوب صبغة بالعصفر فهو معصفر، والعصفر صبغ ونبت معروف، وقوله: في غير إحرام، أي وأما فيه فلا يكره نص عليه، وهكذا في المبدع وغيره، وفي حاشية المقنع لأنه يكره للرجل لبس المعصفر، في غير إحرام، ففيه أولى، وكذا في الإنصاف.

([47]) في غير إحرام، وأما فيه فحرام، كما سيأتي وتخصيصه الرجال دون النساء لتخصيص النهي كما تقدم، والمزعفر اسم مفعول، وزعفرت الثوب صبغته بالزعفران، فهو مزعفر، وتقدم تعريف الزعفران.

([48]) من حديث أنس، قال الحليمي: ورخص فيه جماعة، والسنة ألزم.

([49]) مما لونه الحمرة، أو المصبوغ بالحمرة، لما في صحيح مسلم عن علي نهى عن لباس المعصفر وخرج ما فيه حمرة وغيرها فلا يكره، وعنه: لا بأس بالخالص وفاقا، واختاره الموفق وغيره، لحديث البراء، رأيته في حلة حمراء، لم أر شيئا قط أحسن منه متفق عليه، وقال ابن القيم: وفي جواز لباس الأحمر من الثياب والجوخ نظر، وأما كراهته فشديدة جدا، والبرد الأحمر ليس هو أحمر مصمتا كما ظنه بعض الناس فإنه لو كان كذلك لم يكن بردا، وإنما فيه خطوط حمر فيسمى أحمر باعتبار ما فيه من ذلك، والذي يقوم عليه الدليل تحريم لباس الأحمر، أو كراهته كراهة شديدة، فأما غير الحمرة من الألوان، فلا يكره، وقيل لابن عمر: لم تصبغ بالصفرة؟ فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها، رواه أبو داود، ورأى أبو رمثة على النبي صلى الله عليه وسلم بردين أخضرين، ودخل صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء، متفق عليه فيباح الأسود والأخضر، ويسن الأبيض.

([50]) أي يكره بلا حاجة ولو يسيرا سواء كان في إصلاح الأخرى أو لا لحديث لا يمش أحدكم بنعل واحد متفق عليه، ولمسلم «لا يمش في الأخرى حتى يصلحها» وله «استكثروا من النعال، فإن أحدكم لا يزال راكبا ما انتعل» ولأنها تقيه الحر والبرد والنجاسة، ولأبي داود عن فضالة، كان يأمرنا أن تحتفي أحيانا، ولمسلم عن ابن عمر في عيادته عليه الصلاةوالسلام لسعد بن عبادة: فقام وقمنا معه، ونحن بضعة عشر ما علينا نعال، ولا خفاف ولا قلانس ولا قمص، نمشي في السباخ، وروي أبو عوانة وغيره بأسانيد صحيحة، تمعددوا واخشوشنوا وانتعلوا وامشوا حفاة لتعتاد الأرجل الحر والبرد فتصلب وتقوى، وهو مشهور عن عمر، وعنه: ائترزا وارتدواوألقوا الخفاف والسراويلات، استغناء عنها بالأزر وهو زي العرب، وعليكم بلباس أبيكم إسماعيل، وإياكم والتنعم وزي الأعاجم، وعليكم بالشمس، فإنها حمام العرب، وتمعددوا واخشوشنوا، واخلولقوا، واقطعوا الركب وانزلوا، وارموا الأغراض، وهو مشتهر من طرق بألفاظ تعليما منه للفروسية، وتمرينا للبدن على التبذل، وعدم الرفاهية والتنعم، ولزوم زي ولد إسماعيل، ولأحمد عن معاذ مرفوعا إياكم والتنعم فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين وآفات التنعم كثيرة، فإنها تورث الكسل والغفلة والمرح، وغير ذلك، وينبغي أن يتعاهد نعليه عند أبواب المساجد، لقوله صلى الله عليه وسلم «إذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعليه وينظر فيهما فإن رأى فيهما خبثا فليمسحه بالأرض ثم ليصل فيهما» رواه أبو داود وغيره، وتسن الصلاة فيهما قاله الشيخ وغيره، وثبت صلاته فيهما، وأمره صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: ((خالفوا اليهود صلوا في نعالكم)).

([51]) نص عليه لما روى أبو داود والنسائي والترمذي وصححه ارفع إزارك إلى نصف الساق، فإن أبيت فإلى الكعبين، وفي لفظ لأبي داود أزرة المسلم إلى نصف الساق، ولا حرج ولا جناح فيما بينه وبين الكعبين ولأن ما فوقه مجلبة لانكشاف العورة غالبا، وإشهار لنفسه، ويتأذى الساقان بحر أو برد، فينبغي كونه من نصفه إلى الكعب، لبعده من النجاسة والزهو والإعجاب.

([52]) لما جاء من النهي عن ذلك، والحاجة كستر ساق قبيح وتقدم.

([53]) لحديث أم سلمة يرخبن شبرا، قالت: إذا تنكشف؟ قال: يرخين ذراعا، لا يزدن عليه رواه أحمد والترمذي وحسنه،والمراد ذراع اليد، وقال جماعة: ذيل نساء المدن في البيت كرجل.

([54]) أي تظهر معه حال الجلد، وتبين هيئته من بشرة الرجل أو المرأة للخبر، وتقدم ولأنه لا يسمى ساترا.

([55]) الشهرة اسم من الاشتهار، وظهور الشيء في شنعة، حتى يشتهر للناس ويفتضح ومنه الحديث: نهى عن الشهرتين، وهي الفاخر من اللباس المرتفع في الغاية أو الرذل في الغاية، ولأبي داود من لبس ثوب شهرة ألبسه الله ثوب مذلة، قال شيخ الإسلام: يحرم لبس الشهرة، وهو ما قصد به الارتفاع عند الناس، وإظهار الترفع، أو إظهار التواضع والزهد، لكراهة السلف لذلك، وقال غير واحد من السلف، لباس الشهرة مما يزري بصاحبه، ويسقط مروءته ولبس الدني يذم في موضع ويمدح في موضع، فيذم إذا كان شهرة، ويمدح إذا كان تواضعا واستكانة، كما أن لس الرفيع من الثياب يذم إذا كان تكبرا وفخرا وخيلاء، ويمدح إذا كان تجملا وإظهارا لنعمة الله، ولبس المنخفض من الثياب تواضعا وكسرا لسورة النفس من المقـاصد الصحيحة، قـال: وقـد يستحب ترقيع الرجل ثوبه
للحاجة كما رقع عمر وعائشة وغيرهما من السلف، وكما يلبس قوم الصوف للحاجة ويلبس أيضا المتواضع والمسكنة مع القدرة على غيره، كما جاء في الحديث من ترك جيد اللباس وهو يقدر عليه تواضعا لله كساه الله من حلل الكرامة يوم القيامة فأما تقطيع الثوب وترقيعه ففيه إفساد وشهرة، أو المغالاة في الصوف الرفيع ونحو ذلك مما فيه إفساد المال، أو إظهار التشبه بلباس أهل التواضع مع ارتفاع قيمته فهذا من النفاق والتلبس، فهذان النوعان فيهما إرادة العلو في الأرض أو الفساد، والدار الآخرة {لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا} وقال ابن القيم: يكره لبس زي الأعاجم كعمامة صماء ونعل صرارة لزينة، ولبس ثوب مقلوب كفعل بعض أهل السخافة، فإن قصد إظهار التواضع حرم، لأنه رياء، وكان هديه صلى الله عليه وسلم في اللباس مما يسره الله ببلده، فكان يلبس القميص والعمامة والإزار والرداء الجبة والفرج، ويلبس من القطن والصوف وغير ذلك، ويلبس مما يجلب من اليمن وغيرها، فسنته تقتضي أن يلبس الرجل مما يسره الله ببلده، وإن كان نفسيا، لأن النفاسة بالصنعة لا في الجنس، بخلاف الحرير، وهذا أمر مجمع عليه، وقال ابن عقيل: لا ينبغي الخروج عن عادات الناس إلا في الحرام اهـ ولئلا يحملهم على غيبته، وفي الغنية: الشهرة كالخروج عن عادة أهل بلده وعشيرته، فينبغي أن يلبس ما يلبسون، لئلا يشار إليه بالأصابع، قال الشيخ: ويحرم الإسراف في المباح.


  #5  
قديم 5 ذو الحجة 1429هـ/3-12-2008م, 05:21 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي الشرح الممتع للشيخ: محمد بن صالح العثيمين

وَتَحْرُمُ الخُيَلاءُ في ثوبٍ وَغَيْرِهِ ..........
قوله: «وتَحْرمُ الخُيَلاءُ في ثوبٍ وغيرهِ» ، الخُيَلاء: مأخوذة في الأصل من الخَيل، لأن الخَيل تجلب التَّباهي والترفُّع والتَّعالي.
فالخُيَلاء: أن يجدَ الإنسانُ في نفسه شيئاً من التَّعاظُم على الغَير، وهذا حرام في الثَّوب وغيره، فالثَّوب كالقميص والسَّراويل والإزار، وغير الثوب كالخَاتم، فبعض النَّاس يلبس الخَاتم، ويضع عليه فَصًّا كبيراً جداً، وأحياناً تشعر بأنه يتخايل به، كأن يحرِّك أصبعه بالخَاتم خُيلاء، ولهذا قال المؤلِّف: «في ثَوبٍ وغَيْرِه» فأطلقَ.
فإن قال قائل: إن النبيَّ عليه الصَّلاة والسَّلام يقول: «مَنْ جَرَّ ثَوبه خُيَلاء لم ينظر الله إليه»، فخصَّ ذلك بالثَّوب؟
فالجواب: أنَّ الحكم يدور مع علَّته، وذِكْرُ الثوب مقروناً بالوصف الذي هو عِلَّة الحكم يكون كالمثال؛ فكان المحرّم في الأصل هو الخُيلاء، وذَكَر النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم مثالاً مما تكون فيه الخُيلاء وهو الثَّوب، ولهذا قال بعضُ العلماء: إن الخُيَلاء ليست في جَرِّ الثَّوب فقط، بل في كُلِّ هيئة للثَّوب حتى يقول: إن توسيع الأكمام من الخُيَلاء. والمُهِمُّ: أن الخُيلاء إنما ذُكِرَت في الحديث بالإزار أو الثَّوب من باب ضرب المثال.
والخُيَلاء في الثَّوب منها: ما ذكره الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم أن يَجُرَّه خُيَلاء، أي: يجعله يضرب على الأرض خُيَلاء. عقوبة هذا ـ والعياذ بالله ـ: «أن الله لا يُكلِّمه يوم القيامة، ولا ينظر إليه، ولا يزكِّيه، وله عذابٌ أليم»، فعُوقِبَ بأمرين: عذابٌ مؤلم، وإعراضٌ من الله عزّ وجل، ولهذا لما قال الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام: «ثلاثةٌ لا يُكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يُزَكِّيهم، ولهم عذاب أليم» كرَّرها ثلاثاً، قال أبو ذَرٍّ: مَنْ هم يا رسول الله؟ خَابوا وخَسِروا، قال: «المُسْبِلُ، والمَنَّانُ، والمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بالحَلِفِ الكَاذِب». فإذا جَرَّ ثوبه خُيَلاء، فهذه عقوبته والعياذ بالله، وإن لم يجرَّه خُيَلاء، فلا يستحقُّ هذه العقوبة، ولكن عقوبة ثانية وهي قوله صلّى الله عليه وسلّم: «ما أسفلَ من الكعبين مِنَ الإزارِ ففي النَّار» فيُقال: إنك تُعذَّبُ في النَّار بقَدْرِ ما نزل من ثوبك عن كعبيك. وأما ما بين الكعب إلى نصف السَّاق فهذا محلُّ جواز، فللرَّجل أن يجعله إلى الكعب، أو أرفع إلى نصف السَّاق، أو أرفع قليلاً أيضاً.

والتَّصْوِيرُ .......
قوله: «والتَّصويرُ» ، التَّصوير محرَّم، والتصوير أنواع ثلاثة:
النَّوع الأول: تصوير ما يصنعه الآدمي، فهذا جائز؛ مثل: أن يُصوِّرَ إنسانٌ سيَّارةً، فإذا رأيتها قلت: هذه طِبْقُ الأصل، فنقول: هذا جائز؛ لأنَّ الأصل من صُنْعِ الآدمي، فإذا كان الأصلُ جائزاً فالصُّورة من باب أولى.
النَّوع الثاني: أن يُصوِّر ما لا روح فيه مما لا يخلقه إلا الله؛ وفيه حياة، إلا أنها ليست نَفْساً، كتصوير الأشجار والزُّروع، وما أشبه ذلك.
فجمهور أهل العلم: أن ذلك جائز لا بأس به.
وقال مجاهد: إنَّه حرام . فلا يجوز للإنسان أن يصوِّر شجرة، أو زرعاً، أو برسيماً، أو غير ذلك من الأشياء التي فيها حياة لا نَفْس.
النَّوع الثالث: أن يُصوِّر ما فيه نَفْسٌ من الحيوان مثل: الإنسان والبعير والبقر والشَّاة والأرانب وغيرها، فهذه اختلف السَّلف فيها ، فمنهم من قال: إنها حَرام إن كانت الصُّورة مُجسَّمة؛ بأن يصنع تمثالاً على صورة إنسان أو حيوان، وجائزة إن كانت بالتلوين، أي: غير مجسَّمة.
ومنهم من قال وهم الجمهور ـ وهو الصَّحيح ـ: إنها محرَّمة سواء كانت مجسَّمة، أم ملوَّنة، فالذي يخطُّ بيده ويصنع صُورة كالذي يعملها ويصنعها بيده ولا فرق، بل هي من كبائر الذُّنوب؛ لحديث عليِّ بن أبي طالب أنه قال لأبي الهيَّاج الأسدي: «ألا أبعثُك على ما بعثني عليه رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم؛ أنْ لا تَدَعَ صُورةً إلا طَمسْتَها» وظاهر هذا أنه في الملوَّن، وليس في المجسَّم، لأنه لو كان في المجسَّم لقال: إلا كسرتها أو نحو ذلك.
ومع الأسف؛ أصبح هذا في عصرنا الحاضر فنًّا يُدرَّس ويُقَرُّ ويُمدحُ عليه الإنسانُ، فإذا صَوَّرَ الإنسانُ بقرةً أو بعيراً أو إنساناً، قالوا: ما أحْذَقَهُ! وما أقْدَرَه!، وما أشبه ذلك، ولا شَكَّ أن هذا رِضاً بشيءٍ من كبائر الذُّنوبِ، والنبيُّ صلّى الله عليه وسلّم قال ـ فيما يرويه عن الله سبحانه وتعالى ـ: «ومَنْ أظلمُ ممن ذهبَ يخلقُ كخلقي»، أي: لا أحد أظلم ممن أراد أن يُشَارك الخالق في صنعه، هذا ظلم واجتراء على الله عزّ وجل، تُريد أن تشبِّه نفسك ـ وأنت مخلوق ـ بالخالق، ثم تحدَّاهم الله فقال: «فليخلقوا ذَرَّة أو ليخلقوا شعيرة»، تحدَّاهم الله بأمرين: بما فيه رُوح، وهو من أصغر المخلوقات وهو الذَّرُّ، وبما لا رُوح فيه وهو الشَّعيرة، فهم لا يقدرون على هذا لو اجتمعوا من آدم إلى يوم القيامة.
فإن قيل: الآن يوجد أَرُز صناعي يشبه الحقيقي، فهل صناعته محرَّمة؟ فالجواب: ليس هذا كالأَرُز الحقيقي، فإنك لو ألقيته في الأرض وصَبَبْتَ عليه الماء ليلاً ونهاراً ما نبت. لكن ما الذي ينبت؟
الجواب: الذي ينبت هو صُنْع الله عزّ وجل كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى} [الأنعام: 95] فإذاً؛ ليس هذا كسراً للتَّحدِّي الذي تحدَّى اللَّهُ به الخلق: «فليخلقوا ذَرَّة أو ليخلقوا شعيرة».
والحاصل: أنَّ التَّصوير حرامٌ، سواء كان ذلك مجسَّماً أم ملوَّناً، وهو من كبائر الذُّنوب، وفاعلُه ولو مرَّة واحدة يخرج به عن العدالة، ويكون فاسقاً إلا أن يتوب.
وأما الصُّور بالطُّرقِ الحديثةِ فهي قسمان:
القسم الأول: ما لا يكون له منظرٌ ولا مشهدٌ ولا مظهر، كما ذُكِرَ لي عن التصوير بأشرطة «الفيديو»، فهذا لا حُكم له إطلاقاً، ولا يدخلُ في التَّحريم مطلقاً، ولهذا أجازه أهل العلم الذين يمنعون التَّصوير بالآلة «الفتوغرافيَّة» على الورق، وقالوا: إن هذا لا بأس به، حتى حصل بحثٌ: هل يجوز أن تُصوَّر المحاضرات التي تُلقى في المساجد؟ فكان الرَّأي ترك ذلك؛ لأنه ربما يُشوِّش على المصلِّين، وربما يكون المنظرُ غيرَ لائقٍ، وما أشبه ذلك.
القسم الثاني: التَّصوير الثَّابت على الورق. وهذا إذا كان بآلة «فوتوغرافية» فورية، فلا يدخل في التَّصوير، ولا يستطيع الإنسان أن يقول: إن فاعله ملعونٌ؛ لأنه لم يُصَوِّرْ في الواقع، فإن التَّصوير مصدر «صَوَّرَ يُصوِّر»، أي: جعل هذا الشيءَ على صورة معيَّنة، كما قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ} [آل عمران: 6] ، وقال: {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} [التغابن: 3] . فالمادة تقتضي أن يكون هناك فعل في نفس الصُّورة؛ لأن «فَعَّلَ» في اللغة العربية تقتضي هذا، ومعلوم أن نقل الصُّورة بالآلة ليس على هذا الوجه، وإذا كان ليس على هذا الوجه فلا نستطيع أن نُدخِلَه في اللَّعن، ونقول: إنَّ هذا الرَّجل ملعونٌ على لسان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لأنه كما يجب علينا التورُّعُ في إدخال ما ظاهر اللفظ عدم دخوله فيه، يجب علينا أيضاً التورُّعُ في منع ما لا يتبيَّن لنا دخوله في اللفظ؛ لأن هذا إيجاب وهذا سلب، فكما نتورَّعُ في الإيجاب نتورَّع أيضاً في السَّلب، وكذلك كما يجب أن نتورَّعَ في السَّلب يجب أن نتورَّعَ في الإيجاب، فالمسألة ليست مجرد تحريم، ولكن سيترتَّبُ عليها العقوبة، فهل نشهد أن هذا معاقب باللَّعن وشدَّة الظُّلم، وما أشبه ذلك؟ لا نستطيع أن نجزَم إلا بشيء واضح؛ ولهذا يُفَرَّقُ بين رجلٍ أخذ الكتاب الذي خطته يدي، وألقاه في الآلة «الفوتوغرافية» وحرَّكَ الآلة فانسحبت الصُّورةُ، فيُقال: إنَّ هذا الذي خرج بهذا الورق رَسْمُ الأول، ويقال: هذا خَطُّه، ويشهد النَّاس عليه، وبين أن آتي بخطك أقلِّدُه بيدي، أرسم مثل حروفه وكلماته، فأنا الآن حاولت أن أقلِّدَك، وأن أكتبَ ما كتبْتَ، وأصوِّر كما صوَّرت. أما المسألة الأولى فليس منِّي فعلٌ إطلاقاً، ولهذا يمكن أن أصوِّر في الليل، ويمكن أن يصوِّر الإنسانُ وقد أغمض عينيه، ويمكن أن يُصوِّر الرَّجلُ الأعمى، فكيف نقول: إن هذ الرَّجل مصوِّر؟!.
فالذي أرى: أن هذا لا يدخل تحت اشتقاق المادة «صَوَّر» بتشديد الواو، فلا يستحقُّ اللعنة.
ولكن يبقى النَّظر: إذا أراد الإنسان أن يصوِّر هذا التصوير المباح، فإنه تجري فيه الأحكام الخمسة بحسب القصد، فإذا قصد به شيئاً محرَّماً فهو حرامٍ، وإن قصد به شيئاً واجباً كان واجباً، فقد يجب التَّصوير أحياناً، فإذا رأينا مثلاً إنساناً متلبِّساً بجريمة من الجرائم التي هي من حَقِّ العباد؛ كمحاولة أن يقتلَ، وما أشبه ذلك، ولم نتوصَّلْ إلى إثباتها إلا بالتَّصوير، كان التَّصويرُ حينئذ واجباً، خصوصاً في المسائل التي تضبط القضيَّة تماماً؛ لأنَّ الوسائل لها أحكام المقاصد، وإذا صَوَّرَ إنسانٌ صورةً ـ يحرم تمتُّعُه بالنَّظر إليها ـ من أجل التَّمتُّع بالنَّظر إليها فهذا حرام بلا شكٍّ، وكالصُّورة للذِّكرى؛ لأننا لا نقول: إنها غير صورة؛ بل هي صورة لا شَكَّ، فإذا اقتناها فقد جاء الوعيد فيمن كان عنده صورة أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة، كما سيأتي إن شاء الله.

واسْتِعْمَالُهُ ..........
قوله: «واسْتِعْمَالُهُ» ، هذه الجُملة فيها شيء من التجوُّز، لأننا لو أخذناها بظاهرها لكان المعنى: واستعمال التصوير، لأن الضمير يعود على التَّصوير، وليس هذا بمراده قطعاً. وقال في «الرَّوض»: واستعمال المصوَّر. فالتَّصوير المراد به المصوَّر، فالضَّمير عاد على مصدر يُراد به اسم المفعول، يعني: أن استعمال المصوَّر حرام.
وظاهر إطلاق المؤلِّف العموم، أنه يحرم على أي وجهٍ كان، ولكن ينبغي أن نعلم التَّفصيل في هذا.
فاستعمالُ المُصَوَّرِ ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يستعمله على سبيل التَّعظيم، فهذا حرام سواء كان مجسَّماً أم ملوَّناً، وسواء كان التَّعظيم تعظيم سلطان، أم تعظيم عبادة، أم تعظيم عِلْمٍ، أم تعظيم قَرابة، أم تعظيم صُحبة، أيًّا كان نوعُ التعظيم. وفي الحقيقة؛ إنه ليس فيه تعظيم، فمثلاً: إذا أراد أن يصوِّر أباه، فإن كان أبوه حيًّا فالتَّعظيم بإعطائه ما يلزمه من البِرِّ القولي والفعلي والمالي والجاهي وغير ذلك، وإن كان ميِّتاً فلا ينتفع بهذا التَّعظيم، بل فيها كسب الإثم وتجديد الأحزان، ولذلك يجب على مَنْ كان عنده صورة من هذا النوع أن يمزِّقها، أو يحرقها، ولا يجوز له إبقاؤها؛ لأن هذا فيه خطورتان:
الخطورة الأولى: تجنّب الملائكة لدخول البيت.
والخطورة الثانية: أن الشيطان قد يدخل على الإنسان من هذا التعظيم، حتى يستولي تعظيمهم على قلبه، ويسيطر عليه، ولا سيَّما فيما يَتَعَلَّق بالعِلْم والعبادة، فإن فتنة قوم نوح كانت في الصُّور، وهذا لا فرق فيه بين الملوَّن والمجسَّم، أي: سواء كان صورة على ورقة، أم على خِرقة، أم كانت صورة مجسَّمة.
القسم الثاني: أن يتَّخذه على سبيل الإهانة مثل: أن يجعله فراشاً، أو مِخَدَّة، أو وسادة، أو ما أشبه ذلك، فهذا فيه خلاف بين أهل العلم:
فأكثر أهل العلم على الجواز، وأنه لا بأس به؛ لأن الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم اتَّخذ وسادة فيها صورة، ولأن هذا ضِدُّ السبب الذي من أجله حُرِّم استعمال الصُّور؛ لأن هذا إهانة.
وذهب بعضُ أهل العلم إلى التَّحريم، واستدلَّ هؤلاء بأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم جاء إلى بيته ذات يوم فرأى «نُمْرُقَةً» ـ أي: مِخَدَّة ـ فيها صُوَر؛ فوقف ولم يدخل، قالت عائشة: فعرفتُ الكراهيةَ في وجهه، فقلت: أتوب إلى الله ورسوله ممَّا صنعتُ؟ فقال: «إنَّ أهل هذه الصُّور يُعذَّبون؛ يُقال لهم: أحْيُوا ما خلقتم». قالوا: فنكرهُهَا؛ لأن الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم كرهها وقال: «إِنَّ أهل هذه الصُّور يعذَّبُون»، وقال: «إنَّ الملائكةَ لا تدخل بيتاً فيه صُورة» ويُحمل ما ذُكر عنه أنه اتَّكأ على مِخَدَّة فيها صورة بأن هذه الصورة قُطِعَ رأسُها، وإذا قُطِعَ رأس الصُّورة فهي جائزة.
ولا شكَّ أن تجنُّبَ هذا أورع وأحوط، فلا تستعمل الصُّور، ولو على سبيل الامتهان كالفراش والمخدَّة، والسَّلامة أسلم، وشيء كَرِه الرَّسولُ صلّى الله عليه وسلّم أن يدخل البيت من أجله، فلا ينبغي لك أن ينشرح صدرُك به، فمن يستطيع أن ينشرح صدرُه في مكان كَرِهَ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم دخوله. لهذا فالقول بالمنع إن لم يكن هو الصَّواب فإنه هو الاحتياط.
القسم الثالث: ألا يكون في استعمالها تعظيم ولا امتهان، فذهب جمهور أهل العلم إلى تحريم استعمال الصُّور على هذا الوجه، ونُقل عن بعض السَّلف الإباحة إذا كان ملوَّناً، حتى إن بعض السَّلف كان عندهم في بيوتهم السَّتائر يكون فيها صُور الحيوان، ولا يُنكرون ذلك، ولكن لا شَكَّ أن هؤلاء الذين فعلوه من السَّلف كالقاسم بن محمد رحمه الله لا شكَّ أنه يُعتَذر عنهم بأنهم تأوَّلوا، ولا يحتجُّ بفعلهم؛ لأن الحُجَّة قولُ الله ورسوله، أو لم يبلغهم الخبر، أو ما أشبه ذلك من الأعذار.
مسألتان:
المسألة الأولى: ما عمَّت به البلوى الآن من وجود هذه الصُّور في كلِّ شيء إلا ما ندر، فتوجد في أواني الأكل والشُّرب، وفي «الكراتين» الحافظة للأطعمة، وفي الكُتُب، وفي الصُّحف، فتوجد في كلِّ شيءٍ إلا ما شاء الله.
فنقول: إن اقتناها الإنسان لما فيها من الصُّور فلا شكَّ أنه محرَّم، أي: لو وَجَدَ صورةً محرّمة في هذه «المجلة» أو في هذه «الجريدة» فأعجبته؛ فاقتناها لهذا الغرض فهذا حرام لا شكَّ. أو كان يشتري «المجلات» التي تُنشر فيها الصُّور للصُّور فهذا حرام، أما إذا كانت للعلم والفائدة والاطلاع على الأخبار؛ فهذه أرجو ألاَّ يكون بها بأس، نظراً للحرج والمشقَّة، وقد قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] ، فهذه الصُّور ليست مقصودة للإنسان، لا حال الشراء، ولا حال القراءة، ولا تهُمُّهُ.
لكن لو فُرض أنَّ الإنسان عنده أهل؛ ويخشى أن يكون في هذه الصُّور من هو وسيم وجميل تُفْتَتَنُ به النِّساء، فحينئذٍ لا يجوز أن تكون هذه «المجلة» أو «الصحيفة» في بيته، لكن هذا تحريم عارض، كما أن مسألة الأواني و«الكراتين» الحافظة للأطعمة وشِبْهِ ذلك قد يُقال: إنَّ فيها شيئاً من الامتهان، فلا تكون من القسم المحرَّم.
المسألة الثانية: وهي الصُّور التي يلعب بها الأطفال، وهذه تنقسم إلى قسمين:
الأول: قسم من الخِرَق والعِهْن وما أشبه ذلك، فهذه لا بأس بها؛ لأنَّ عائشة رضي الله عنها كانت تلعبُ بالبنات على عَهْد النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم ولم يُنكر عليها.
الثاني: قسم من «البلاستيك» وتكون على صورة الإنسان الطبيعي إلا أنها صغيرة، وقد يكون لها حركة، وقد يكون لها صوت، فقد يقول القائل: إنها حرام؛ لأنها دقيقة التَّصوير، وعلى صورة الإنسان تماماً، أي: ليست صورة إجماليَّة ولكن صورة تفصيليَّة، ولها أعين تتحرَّك، وقد نقول: إنها مباحة؛ لأن عائشة كانت تلعب بالبنات، ولم يُنكر عليها النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم.
ولكن قد يقول القائل: إن الصُّور التي عند عائشة ليست كهذه الصُّور الموجودة الآن، فبينهما فرقٌ عظيم، فمن نظر إلى عموم الرُّخصة وأنَّه قد يُرخَّص للصِّغار ما لا يُرخَّص للكبار، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في باب السَّبْق، لما ذكر بعض آلات اللهو قال: «إنه يُرخَّصُ للصِّغار ما لا يُرخَّصُ للكبار»، لأن طبيعة الصِّغار اللهو، ولهذا تجد هذه الصُّور عند البنات الصِّغار كالبنات حقيقة، كأنها ولدتها، وربما تكون وسيلة لها لتربِّي أولادها في المستقبل، وتجدها تُسمِّيها أيضاً هذه فلانة وهذه فلانة، فقد يقول قائل: إنه يُرَخَّصُ لها فيها. فأنا أتوقَّفُ في تحريمها، لكن يمكن التخلُّص من الشُّبهة بأن يُطمس وجهها.

وَيَحْرمُ اسْتِعْمَالُ مَنْسُوجٍ أَوْ مُمَوَّهٍ بِذَهَبٍ قَبْلَ اسْتِحَالَتِه،........
قوله: «ويحرمُ استعمالُ مَنْسوجٍ أو مُمَوَّهٍ بذَهَبٍ قبل استِحَالَتِه» .
قوله ـ فيما بعد ـ: «على الذُّكور» متعلِّق بقوله «يَحْرُم»، يعني: يحرم على الذَّكر استعمال منسوج بذهب أو مُموَّه به.
والمنسوج بذَهَبٍ: هو أن يكون فيه خيوط من الذَّهب تُنْسج؛ سواء كانت هذه الخيوط على جميع الثَّوب، أو في جانب منه كالطَّوق مثلاً أو طرف الكُمِّ، أو في أيِّ موضع؛ لعموم قول النبيِّ : «أُحِلَّ الذَّهب والحرير لإناث أمتي وحُرِّم على ذكورها» ولأن الرَّجُل ليس بحاجة إلى أن يتحلَّى بذهبٍ؛ إذ إنَّهُ يُتَحَلَّى له ولا يَتحلَّى هو لأحد، كما قال الله تعالى في وصف الأنثى: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ *} [الزخرف] ، أي: يُربَّى في الحِلْيَة، فالمرأة هي التي تحتاج إلى أن تتزيَّن وتتحلَّى، وأما الرَّجل فلا ينبغي له أن يكسر رُجولَتَه حتى يتنزَّل إلى أن يكون على صفات الإناث في النعومة ولباس الذَّهب وما أشبه ذلك.
وتحريمُ لباس الخالص من الذهب بالنسبة للرَّجل من باب أولى، ولهذا يحرم عليه أن يلبس خاتماً من الذَّهب، أو قِلادةً، أو سِلسِلةً، أو خُرْصاً، أو ما أشبه ذلك.
وفي «صحيح مسلم» عن عبد الله بن عَبَّاس؛ أنَّ رَسُولَ الله صلّى الله عليه وسلّم رَأَى خَاتماً من ذَهَبٍ في يَدِ رَجُلٍ. فَنَزَعَهُ فَطَرَحَهُ وَقَالَ: «يعْمِدُ أَحدُكُم إلى جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيَجْعَلُهَا فِي يَدِهِ»، فَقيلَ لِلرَّجُلِ بعَدَ مَا ذَهَبَ رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم: خُذْ خَاتَمَكَ انْتَفِعْ به. قَالَ: لا، والله! لاَ آخُذُهُ أَبَداً، وقَدْ طَرَحَهُ رَسُولُ الله صلّى الله عليه وسلّم.
وقوله: «أو مُمَوَّهٍ بذهبٍ قبل استحالتِه»، أي: ويحرُم مموَّهٌ بذهبٍ، وهو المطليُّ بالذَّهب على الرَّجل؛ لعموم الحديث، إلا أن المؤلِّف استثنى إذا استحال هذا الذهب وتغيَّر لونُه. وصار لو عُرِضَ على النَّار لم يحصُل منه شيءٌ، فهذا لا بأس به؛ لأنه ذهب لونُه، فمثلاً: لو أنه مع طول الزَّمن تآكل، وذهب لونُه، ولم يكن لونُه كلون الذَّهب، وصار لو عُرِضَ على النار وصُهِرَ لم يحصُل منه شيءٌ، فحينئذ نقول: هذا جائز؛ لأنه ذهب عنه لونُ الذَّهب ما بقي إلا أنه كان قد مُوِّه به.

وثِيَابُ حَرَيْرٍ، وما هو أكْثَرُهُ ظُهُوراً على الذُّكُورِ .........
قوله: «وثِيَابُ حَرِيْرٍ» ، أي: ويَحرُم ثيابُ حرير خَالصة.
والمراد بالحرير هنا الحريرُ الطبيعي دون الصناعي، والحرير الطبيعي يخرج من دودة تُسمَّى «دودة القَزِّ» وهو غالٍ وناعم، ولهذا حُرِّم على الرَّجل؛ لأنه يشبه من بعض الوجوه الذهب؛ لكونه مما يُتَحلَّى به، وإن كان ملبوساً على صفة الثياب، ولكنه لا شَكَّ أنه يُحرِّك الشَّهوة بالنسبة للمرأة، فلا يليقُ بالرَّجُل أن يلبس مثل هذا الثَّوب لهذه العِلَّة وللحديث السابق.
قوله: «وما هو أكْثَرُهُ ظُهُوراً على الذُّكُورِ» ، «ما» هنا نكرة موصوفة، أي: ويحرمُ ثوبٌ، «هو» أي: الحرير، «أكثره» أي: أكثر هذا الثَّوب، «ظهوراً» أي: بُرُوزاً للنَّاس، أي: يحرم على الذُّكور ثوبٌ يكون الحرير أكثره ظهوراً.
مثال ذلك: لو كان هناك ثوب فيه أعلام، ثُلُثَاه من الحرير وثُلُثُه من القطن، أو الصُّوف، فهو حرام؛ لأن أكثره الحرير.
وظاهرُ كلامِ المؤلِّفِ: أنه لو كان الحرير أقلَّ، فليس بحرامٍ، مثل لو كان فيه أعلام حرير أعني خُطُوطاً، وهذه الخطوط إذا نُسِبَتْ إلى ما معها من القُطن أو الصُّوف وجدنا أنها الثُّلُث، فالثَّوب حينئذ حلال اعتباراً بالأكثر، فإن تساويا فسيأتي في كلام المؤلِّف أنه ليس بحرام، وقيل: إنَّه حرام.
وقوله: «على الذُّكور»، أي: دون النِّساء لما علمنا من قبل من الدَّليل والتعليل.
وهل لُبْسُ الحرير من باب الصَّغائر؟.
الجواب: نقول هو من باب الكبائر؛ لأن الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم قال: «من لَبِس الحريرَ في الدُّنيا لم يلبسه في الآخرة»، وهذا وعيد.
وقد اختلف العلماء رحمهم الله في معنى هذا الوعيد، فقيل: المعنى أنه لا يدخل الجَنَّة؛ لأنَّ لِبَاسَ أهل الجنَّة الحرير، ومن لازم حرمان اللباس أن لا يدخل، وعلى هذا فيكون فيه تحذير شديد أن ينسلخ الإيمان من قلب هذا الرَّجُل حتى يموت على الكفر فلا يدخل الجنَّة.
وقيل: المعنى أنه وإن دخل الجنَّة؛ فإنه لا يلبس الحرير، فيُحْرَم من ذلك.
فإن قال قائل: يَرِدُ على هذا المعنى أن الله سبحانه وتعالى قال: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ} [الزخرف: 71] ، ومن المعلوم أن لِبَاس الحرير لِبَاسٌ تشتهيه النَّفس، فكيف الجواب؟
نقول: الجواب: ـ والعلم عند الله ـ إما أنه يُحْرَمُ من لباس الحرير إلى مُدَّةٍ؛ الله أعلمُ بها، وإما ألا تشتهي نفسُه هذا الحرير، ويكون هذا نقصاً في نعيمه، فلا يتنعَّم كمال التَّنعُّم، كما أن المريض قد لا يشتهي نوعاً من الطَّعام، ويكون هذا نقصاً في مأكله.

لاَ إِذَا اسْتَوَيَا .........
قوله: «لا إذَا اسْتَوَيَا» ، أي: لا يحرم الحرير إذا استويا.
والضَّمير يعود على الحرير وما معه، لأنه قد اجتمع مبيحٌ وحاظر، والأصلُ الإباحة حتى نعلم أن هذا مما يدخله التَّحريم، فنحن في شك من دخوله في تحريم الحرير والأصل الإباحة.
وقال بعض أصحابنا رحمهم الله: بل إذا استويا يَحرُم، وعلَّلوا بالقاعدة المشهورة: «أنه إذا اجتمع مبيح وحاظر غُلِّبَ جانب الحظر» ولكلٍّ منهما وجه، فكلٌّ من التعليلين صحيح؛ لأن الذين يقولون: إنه إذا استويا لا يحرم يقولون: إن المحرَّم هو الحرير، وألحقنا الأكثر بالكُلِّ، أما أن نُلحق المساوي بالكُلِّ، فهذا بعيدٌ من القواعد الشَّرعيَّة. والذين قالوا بالتَّحريم قالوا: إنما اجتمع مبيح وحاظر فغُلِّبَ جانبُ الحظر، وهذه قاعدة شرعية مُطَّرِدَة في مثل هذه الأشياء التي تتعارض فيها الأدلَّة، وموقفنا منها الاحتياط، والاحتياطُ في مقام الطَّلب: الفعلُ، وفي مقام النهي: التركُ.
والحاصل: أن المحرَّم هو الحريرُ الخالص أو الذي أكثره الحرير، وأما ما أكثره غير الحريرُ فحلال، وأما ما تساوى فيه الحرير وغيره فمحلُّ خلاف.

وَلِضَرُورَةٍ أَوْ حِكَّةٍ .........
قوله: «ولضرورة» ، هذا عائد على الحرير، أي: أو لُبْسه لضرورة، ومن الضَّرورة ألا يكون عنده ثوب غيره، ومن الضَّرورة أيضاً أن يكون عليه ثوب، ولكنه احتاج إلى لُبْسِهِ لدفع البرد، ومن الضَّرورة أيضاً أن يكون عليه ثوب لا يستر عورته لتمزُّقٍ فيه، فكلُّ ما دعت إليه الضَّرورة جاز لُبْسُهُ.
قوله: «أو حِكَّةٍ» ، أي: أنه إذا كان فيه حِكَّة جاز لُبْسه.
والحكمة: أن الحرير لنعومته ولينه يطفئ الالتهاب من الحِكَّة فلهذا أجازه الشَّارع. فقد رَخَّصَ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم لعبد الرحمن بنِ عَوف والزُّبير رضي الله عنهما أن يلبسا الحرير من حِكَّة كانت بهما. فالحِكَّة إذاً تُبيح لُبْس الحرير.
فإذا قال قائل: لدينا قاعدة شرعية وهي: أن المحرَّم لا تُبيحه إلا الضَّرورة، وهنا الحِكَّة هل هي ضرورة؟
فالجواب: أنها قد تكون ضرورة، فأحياناً يُبتلى الإنسان بحِكَّة عظيمة لا تجعله يستقر، وعلى هذا فلا إشكال، لكن إذا كان لُبْسُه لحاجة فكيف يجوز ولا ضرورة؟ فالجواب: أن تحريم لُبْسِ الحرير من باب تحريم الوسائل، وذلك لأن الحريرَ نفسَه من اللباس الطيِّب ولِبَاس الزِّينة، ولكن لما كان مدعاة إلى تنعُّم الرَّجل كتنعُّم المرأة؛ بحيث يكون سبباً للفتنة؛ صار ذلك حراماً، فتحريمه إذاً من باب تحريم الوسائل، وقد ذكر أهلُ العلم أن ما حُرِّمَ تحريم الوسائل أباحته الحاجة، وضربوا لذلك مثلاً بالعَرَايا، وهي بيع الرُّطب بالتَّمر، وبيع الرُّطب بالتَّمر حرام؛ لأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم لما سُئل عن بيع التمر بالرطب، قال: «أينقص الرُّطب إذا يَبسَ؟»، قالوا: نعم، فنهى عن ذلك لأنه رِبَا؛ إذ إن الجهل بالتساوي كالعلم بالتَّفاضل، لكن العَرَايا أُبيحت للحاجة، والحاجة هي أن الإنسانَ الفقيرَ الذي ليس عنده نقودٌ إذا كان عنده تمر، واحتاج إلى التَّفكُّة بالرُّطب، كما يتفكَّهُ النَّاسُ أباح له الشَّارع أن يشتري بالتَّمر رُطباً على رؤوس النخل، بشرط ألا تزيد على خمسة أوسق، وأن يكون بالخَرْصِ، أي: أننا نَخْرِصُ الرُّطب لو كان تمراً بحيث يساوي التَّمر الذي أبدلناه به.
فهذا شيء من الرِّبا، ولكن أُبيح للحاجة. لماذا؟ لأن تحريم رِبَا الفضل من باب تحريم الوسائل، بخلاف رِبَا النسيئة، فإن تحريم رِبَا النسيئة من باب تحريم المقاصد، ولهذا جاء في حديث أسامة بن زيد «لا رِبا إلا في النَّسيئة. أو: إنما الرِّبَا في النَّسيئة»، قال أهل العلم: المراد بهذا الرِّبَا الكاملُ المقصودُ، أما رِبَا الفضل فإنه وسيلة.

أَوْ مَرَضٍ، أَوْ قَمْلٍ، أو حَرْبٍ أَو حَشْواً،........
قوله: «أو مَرضٍ» ، أي: يجوز لُبْس الحرير إذا كان فيه مرض يخفِّفُه الحرير أو يُبرئه، والمرجع في ذلك إلى الأطباء، فإذا قالوا: هذا الرَّجل إذا لَبِسَ الحرير شُفي من المرض، أو هان عليه المرض، فله أن يَلْبَسَه.
قوله: «أو قَمْلٍ» ، أي: يجوز لُبْسُ الحرير لطرد القمل، لأنَّه محتاج لذلك إمَّا حاجة نَفْسيَّة؛ إذ إنَّ الإنسان لا يُطيق أن يخرج إلى النَّاس وعلى ثيابه القمل، وإمَّا حاجةً جسدية؛ لأن هذا القمل يقرصُ الإنسانَ ويتعبه، والحرير للُيُونته ونظافته ونعومته يطرد القملَ؛ لأنه أكثر ما يكون مع الوسخ.
قوله: «أو حرب» ، أي: ويجوزُ لُبْس الحرير لحربٍ مع الكُفَّار، وفي بعض النُّسخ «أو جَرَبٍ». أمَّا على نسخة «أو جَرَب» فعطفه على الحِكَّة من باب عطف الخاصِّ على العام؛ لأن الجَرَب حِكَّة. وأمَّا على نسخة «أو حَرْب» فإنه عطف مباين على مباين، وإذا تعارض عندنا أن يكون العطف مبايناً على مباين، أو عطف خاصٍّ على عام فالأَوْلى عطف مباين على مباين؛ لأن عطف الخاصِّ على العام شبه تكرار لبعض أفراده، وقد استُفيد هذا الفرد الذي عُطف من صيغة العموم، وعلى هذا فالنسخة الأُولى أَوْلَى.
فالحرب يجوز فيه لِبَاس الحرير لما في ذلك من إغاظة للكفَّار، فإن الكُفَّار إذا رأوا المسلمين بهذا اللباس اغتاظوا، وانكسرت معنويَّاتهم، وعرفوا أن المسلمين في نعمة، وأن المسلمين أيضاً غير مبالين بالحَرب؛ لأن الرَّجل الذي يتجمَّل بالحرير، كأنه يقول بلسان الحال: أنا لا أهتمُّ بالحرب، ولهذا ذَهَبْتُ ألبسُ هذا الثوب الناعم، ولهذا كانوا في الحرب، ربما يجعلون على عمائمهم ريش النَّعام؛ ليُعرف الرَّجُلُ أنَّه شُجَاع، وأنه غير مبالٍ بالحرب.
ورأى النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم أبا دُجَانة «سِماكَ بن خَرَشَة» يختال في مشيته بين الصفَّين في معركة أُحد، يعني يتبختر، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «إنها لَمِشْيَةٌ يُبْغِضُها الله إلا في مثل هذا الموطن»، لأجل أن يُظهر العلوَّ والفخرَ على هؤلاء الكُفَّار.
وكلُّ شيء يغيظ الكافر فإنه يُرضي الله عزّ وجل، وكلُّ شيء فيه إكرام للكافر فإنه يُغضبُ الله عزّ وجل؛ لأن إكرام الكافر معناه إظهار الإكرام لمن أهانه الله، وهذه مراغمة لله عزّ وجل، ولهذا قال النبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام في اليهود والنَّصارى: «لا تَبْدَؤوا اليهودَ ولا النَّصارى بالسَّلام، وإذا لقيتم أحدَهُم في طريقٍ فاضْطَرُّوهُ إلى أضيقِهِ»، فإذا تقابل المسلمون والكُفَّار في الطَّريق فلا بُدَّ أن يتمايز بعضُهم عن بعض، فهل نحن نتمايزُ حتى يَجتازوا؟ فالجواب: لا، بل نبقى نحن صامدين ونجعل الضِّيق عليهم، فهم الذي يتمايزون، وهذا معنَى الحديث، وليس معنى الحديث أن الإنسان إذا رأى الكافر ضايقه حتى يكون على الجدار، هذا لم يكن معروفاً في عهد الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام، ولا أراده النبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام.
فكلُّ شيء فيه إكرام الكافر فإنه حرام لا يجوز، ولهذا قال الله عزّ وجل: {وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [التوبة: 120] . وقال في وصف النبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام وأصحابه: {يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح: 29] .
وأما بِرُّ الكافر والإحسان إليه فلا حرج فيه، إذا كانوا لا يقاتلوننا في الدِّين، ولا يخرجوننا من ديارنا؛ لقوله تعالى: {لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ *} [الممتحنة] .
قوله: «أو حَشْواً» ، بالنصب خبراً لكان المحذوفة، والتقدير: أو كان حشواً، أي: يجوز أن يلبس الإنسان ثوباً محشوًّا بالحرير، فإذا قُدِّر أن رجلاً رأى ثوباً يُبَاع، وفيه حشوُ حرير، واشتراه ليلبسه، فلا بأس بذلك، وإنْ رَأى فراشاً حَشْوه حرير واشتراه لينامَ عليه، فلا بأس بذلك.

أو كَانَ عَلَماً أَرْبعُ أَصابِع فَمَا دُونَ ...........
قوله: «أو كان عَلَماً» ، هذه معطوفة على ما قبلها، أي: يجوز لُبْس الحرير إذا كان عَلَماً في ثوبٍ، والعَلَمُ معناه: الخَطُّ يُطرَّز به الثَّوب. وتطريزُ الثَّوب قد يكون من أسفل، وقد يكون في الجَيْبِ، وقد يكون في الأكمام، وقد يكون ثوباً مفتوحاً فيكون التَّطريز من جوانبه.
المهمُّ: إذا كان في الثَّوب عَلَم، أي: خطٌّ من الحرير، فهو جائز لكن بشرطٍ ذكره المؤلِّف في قوله: «أربعُ أصابِع فما دونَ» ، أي: أن العَلَمَ يكون قدْرَ أربعة أصابع فما دون، والمرادُ أصابع إنسان متوسِّط، ومثلُ هذا يُرجع فيه إلى الوسط، ولهذا قال الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم: «إيَّاك وكرائمَ أموالهم»، حتى لا تأخذ الأعلى، ولا تأخذ الأدنى أيضاً، فنأخذ بالوسط.
فإذا كان العَلَمُ أربعة أصابع في مكان واحد فما دون فهذا لا بأس به؛ لحديث عمر رضي الله عنه: «أنَّه لم يُرخِّصْ في الحرير إلا إذا كان عَلَماً أربع أصابعٍ فما دون»، ولا فرق بين أن يكون عَلَماً مستطيلاً في الثَّوب أو في بُقْعَةٍ منه.
فإن قيل: كيف نجمع بين هذا وبين قوله فيما سبق: «وما هو أكثرُه ظُهوراً»؟ لأنَّنا لو أخذنا بظاهر العبارة السَّابقة لقلنا: إذا كان عَلَماً عرضه خمس أصابع، وإلى جنبه عَلَم من القُطن عرضه ستَّة أصابع، فإن نظرنا إلى ظاهر ما سبق قلنا: إنَّه جائز. ولكن ما سبق مقيَّد بما يلحق، فيكون مراده فيما سبق إذا كان الثَّوب مشجَّراً، أو إذا كان فيه أعلام أقلُّ من أربع أصابع، أو أعلامٌ كثيرةٌ مفرَّقة، فهنا نعتبر الأكثر، أما إذا كان عَلَماً متَّصِلاً فإن الجائز ما كان أربع أصابع فما دونها.

أو رِقَاعاً، أَوْ لَبِنَةَ جَيْبٍ وَسُجُفِ فِرَاءٍ. وَيُكْرَهُ الْمُعَصْفَرُ والمُزَعْفَرُ للرِّجَال .......
قوله: «أو رِقَاعاً أو لَبنة جَيْبٍ» ، الرِّقَاع: جمع رُقْعَة، أي: لو رَقَّعَ الثَّوبَ بالحرير فإنَّه يجوز، لكن يجب أن نلاحظ أنه يُقيد بأن يكون أربع أصابع فما دون، وكذلك «لَبنة الجَيْب». والجَيْبُ: هو الذي يدخل معه الرَّأس، و«لَبِنَتهُ» هي: ما يُوضع من حرير على هذا الطَّوق وهو معروف في بعض الثِّياب الآن.
قوله: «وسُجُفِ فِرَاءٍ» ، الفِراء: جمع فروة، و«سُجُفها» أطرافها، والفروة مفتوحة من الأمام، «فسجفُها» أي: أطرافها. فهذا لا بأس به، لكن بشرط أن يكون أربع أصابع فما دون.
قوله: «ويُكره المُعَصْفَر والمُزَعْفَر للرِّجَال» ، أي: كراهة تنزيه، ويجب أن نعلم أنَّ الفقهاء المتأخِّرين رحمهم الله إذا قالوا: «يُكره» فالمُراد كراهة التَّنزيه، ولا يَقْصِدُون بذلك كراهة التَّحريم.
والمُزَعْفَرُ: هو المصبوغ بالزَّعفران، والمُعَصْفر: هو المصبوغ بالعُصْفر، مكروه للرِّجال.
ودليل ذلك: أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم رأى على عبد الله بن عمرو بن العاص ثوبين مُعَصْفَرين فنهاه أن يلبسهما وقال: «إنَّ هذه من ثِيابِ الكُفَّار، فلا تَلْبَسْهَا»، فنهاه وعلَّل.
وإذا استدللنا بهذا الحديث على هذا الحُكم وجدنا أنَّ الحُكم بالكراهة التّنزيهيَّة فيه نَظَر؛ لأنَّ هذا الحديث يقتضي أنَّه حرامٌ، وهذا هو القَوْل الصَّحيحُ: أنَّ لُبْسَ المُعَصْفَر حرامٌ على الرَّجُل، والمُزَعفر مثله؛ لأنَّ اللون واحد أو متقارب، فلا يجوز للرَّجُل أن يَلبسَ ثياباً مُزَعفرة أو ثياباً معصفرة؛ لأنَّ الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنَّ هذه من ثيابِ الكُفَّار...»، ولا يمكن أن نقول: إنَّها مكروهة كراهة تنزيه، والرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام جعلها من لِبَاس الكُفَّار.
ولكن يَرِدُ على هذا: أنَّ الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام كان يَلْبَسُ الحُلَّةَ الحمراء، والحمراء أغلظ حمرة من المُعَصْفر، فكيف ينهى عن المُعْصْفَر ويقول: إنه من لِبَاسِ الكُفَّار، ثم يلبسُ الأحمر؟
أُجيب عن ذلك بثلاثة أجوبة:
الجواب الأول: أنَّ الأحمر الخالص ليس هو لِبَاس الكُفَّار، فلباس الكفار هو المُعْصْفَر، والمُعَصْفَر يميل إلى الحُمْرَة، ولكن ليس خالصاً، والحُلَّة الحمراء التي كان الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم يلبسها كانت حمراء خالصة. وهذا الجواب فيه نظر، لأنَّ الأحمر الخالص أشدُّ من المعصفر.
الجواب الثاني: أنَّ هذا فعل، والفعل لا يُعارض القول؛ لاحتمال الخُصوصية، وهذه القاعدة مشى عليها الشَّوكاني في «شرح المنتقى» فيجعل فعلَ الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام المعارض لعموم قوله من خصائصه، ولا يحاول أن يجمع، ولكن هذه الطريقة ليست بصواب؛ لأن فعلَ الرَّسول سُنَّةٌ وقولَه سُنَّة، ومتى أمكن الجمع بينهما وَجَبَ؛ لئلا يكون التَّناقض، ولأنَّ الأصل عدم الخُصوصيَّة.
الجواب الثَّالث: أنَّ الحُلَّة الحمراء هي التي خُطوطها حُمْر، وليست حمراء خالصة، وإلى هذا ذهب ابنُ القيم رحمه الله. كما يُقال: هذا الرَّجل «شِماغه» أحمر، وهذا الرَّجل «شِمَاغه» أسود، وليس المُراد أنَّ كلَّه أحمر أو كلَّه أسود، فيقول رحمه الله: إن هذه الحُلَّة الحمراء لا تُعارض نهيه؛ لأنها حُلَّة حمراء لكن ليست خالصة، وإذا كان مع الأحمر شيء يُزيل عنه الحُمرة الخالصة فإن هذا لا بأس به.
وهذا الجواب أظهر الأجوبة.


  #6  
قديم 20 شعبان 1432هـ/21-07-2011م, 01:02 AM
تلميذ ابن القيم تلميذ ابن القيم غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 237
افتراضي شرح الزاد للشيخ حمد الحمد

قال : ( و تحرم الخيلاء في ثوب وغيره )
يحرم الخيلاء في ثوب وغيره في الصلاة وفي غيرها .
فيحرم الخيلاء في الثوب من قميص أو عمامة ونحو ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم : (( من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه )).
قالوا : فهذا يدل على أن جر الثوب خيلاء محرم بل من كبائر الذنوب . فإن كان لغير خيلاء فيكره (كما هو المشهور في المذهب) وعن الإمام أحمد التحريم .
فعلى المشهور في المذهب – إذا فعل الإسبال لحاجة فلا بأس .
لكن الراجح ما ذهب إليه الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه أنه محرم لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : (( ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار ))فهذا الحديث عام فيما يكون للخيلاء وفيما لا يكون كذلك وثبت في مسند أحمد بإسناد صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إياك والإسبال فإنه من المخيلة )).
فدل هذا الحديث – كما قرر ذلك ابن العربي وغيره – أن مجرد جر الثوب أنه من المخيلة ، فإن كان وافق ذلك في قلب فاعله خيلاء ، فحينئذ لا ينظر الله إليه يوم القيامة ولا يزكيه وله عذاب أليم وإن لم يكن كذلك فإن الأمر يكون محرماً ويكون صاحبه متوعداً بالعقوبة بالنار .
واستدل الحنابلة وغيرهم القائلون بالكراهية ، بما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه ))فقال أبو بكر : يا رسول الله إن إزاري يسترخي إلا أتعاهده فقال : (( إنك لست ممن يفعله خيلاء )).
لكن هذا الحديث في الحقيقة ليس ظاهراً في ذلك ، ذلك لأن أبا بكر لم يكن يقصد جره بل كان يقع ذلك منه من غير قصد ولا إرادة ومتى كان ذلك فإنه لا يكون من المخيلة ، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم – كما في البخاري – ( لما كسفت الشمس خرج وهو يجر إزاره )وهذاجر للإزار وهو في الأصل محرم لكنه لم يكن مخيلة لأنه فعله بغير قصد فهنا النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إنك لست ممن يفعله – أي على هذه الحال المذكورة – خيلاء ) وحيث كان كذلك فإن الفاعل لا يكون فعله مخيلة ، وإنما يكون مخيلة حيث قصد ذلك وأراده ووضعه على هيئة يجر فيها .
أما إذا لم يكن كذلك بل كان مرفوعاً ثم وقع فيه استرخاء ونحو ذلك فلا يكون ذلك من المخيلة .
إذن : الراجح : أن جر الثوب محرم مطلقاً وكما قال صلى الله عليه وسلم – في النسائي : (( لا حق للكعبين في الإزار ))فالكعبان فما دونه ليس لهما حق من الإزار ومتى فعل ذلك كان واقعاً في التحريم .
·فإن صلى في ثوب قد أسبل وقلنا بالتحريم مطلقاً ، أو بالكراهية لكنه فعله خيلاء ، فهل تصح صلاته ؟
تقدم تقرر هذا في الصلاة في الثوب المحرم ، وأن الراجح أن من صلى في ثوب محرم فإن صلاته صحيحة مع الإثم .
قال : ( والتصوير واستعماله )
التصوير محرم " واستعماله " في ستر وثوب وأي شيء تقع الصورة عليه فهو محرم .
سواء كانت الصورة منسوجة أو كانت مجسمة أو مرسومة رسماً أو فتوغرافية ونحو ذلك فكل هذا محرم ، لعمومات الأدلة الشرعية وفيها قوله صلى الله عليه وسلم : (( كل مصور في النار ))متفق عليه .
وقد تقدم البحث في هذا في شرح كتاب التوحيد .
فإن فعل ذلك بأن صلى في ثوب فيه صورة فصلاته صحيحة لكنه آثم بلبسه فيكون مثاباً للصلاة وآثماً للبسه هذا الثوب الذي وضعت فيه هذه الصورة .
وقد تقدم أن ذلك مخصوص في ذوات الأرواح لقول جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم – في الترمذي والحديث صحيح : ( مر برأس التمثال فليقطع حتى تكون كهيئة الشجرة )فدل ذلك على أن ما كان على هيئة الشجرة ونحوها مما ليس فيه روح أنه تصويره جائز
قال المؤلف رحمه الله تعالى : ( ويحرم استعمال منسوج أم مموه بذهب قبل استحالته )
هذه الجملة فيها تحريم استعمال الذهب سواء كان منسوجاً أو كان مموهاً أو مكفتاً أو نحو ذلك ، فلبسه محرم على الذكور .
ودليل ذلك ما ثبت في مسند أحمد وسنن الترمذي والنسائي من حديث أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( أحل الذهب والحرير للإناث من أمتي وحرم على ذكورها ))فهذا الحديث يدل على أنه لا يجوز للرجال لبس الذهب مطلقاً سواء كان على هيئة النسج أو التمويه أو نحوه وهو مذهب جماهير أهل العلم .
أما الفضة فكذلك لا يجوز لبسها عند جمهور أهل العلم .
ودليلهم : تحريم الآنية ، فقد حرم الشارع آنية الذهب والفضة فكذلك اللباس ، فلا يجوز لباس الفضة كما لا يجوز آنية الفضة .
لكن هذا الاستدلال ضعيف ، لذا ذهب شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم إلى جواز لبس الفضة للرجال خاتماً أو مقبضة سيف أو نحو ذلك .
ولا نص ولا إجماع – كما قال ابن القيم - في تحريم الفضة بل الأصل في الأشياء الإباحة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم – في الحديث الحسن – : (( ولكن عليكم بالفضة فالعبوا بها )).
وثبت في البخاري : أن النبي صلى الله عليه وسلم (( لبس خاتماً من فضة ))وفي سنن أبي داود والنسائي والترمذي في الشمائل بإسناد صحيح : ( أن قبيعة سيف النبي صلى الله عليه وسلم من فضة ).
فالراجح : أن الفضة يجوز لبسها مطلقاً ، للرجال والإناث للأدلة المتقدمة ، ولا نص ولا إجماع على التحريم ، بل الأصل في الأشياء الإباحة ، والسنة قررت ذلك ، فعلاً من النبي صلى الله عليه وسلم في لبسه خاتم الفضة مع تحريم خاتم الذهب ، واتخاذه السيف ذي القبيعة من فضة هذا كله يدل على جوازه ، ويقرره أيضاً النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : (( ولكن عليكم بالفضة فالعبوا بها )).
أما الجواب عما ذكره الجمهور : فالجواب : أن تحريم الآنية لا يلزم منه تحريم اللبس والتحلي . بدليل : أن آنية الذهب محرمة على النساء والتحلي بالذهب مباح لهن مطلقاً .
فإذن : لبس الفضة جائز مطلقاً للرجال والنساء ولا شك أنه بشرط عدم التشبه بالنساء وإنما يلبسونها بما جرت طبيعة الرجال بلبسه كالساعة من فضة أو الخاتم .
وأما الذهب ، فإن ما تقدم يدل على تحريمه
* ولكن هل كل الذهب محرم أم أنه يستثنى منه اليسير ؟
- جمهور العلماء وهو المشهور عن الإمام أحمد : أن الذهب محرم مطلقاً ، لأن الشارع إذا نهى عن الشيء فإنه ينهى عن أبعاضه وأجزائه فما دام الأمر كذلك فاتخاذ الشيء اليسير من الذهب محرم .
فمثلاً : لا يجوز له أن يتخذ قبيعة من ذهب ولا يجوز أن يضع الشيء اليسير في ساعته من ذهب – هذا هو المشهور في مذهب الإمام أحمد – .
- وعن الإمام أحمد قول آخر اختاره أبو بكر من كبار أصحابه واختاره المجد ابن تيمية ، واختاره شيخ الإسلام : أن اليسير جائز .
فإذا وضع في شيء من ملبوساته علماً من ذهب فإن ذلك لا حرج فيه .
واستدلوا : بما ثبت في مسند أحمد وسنن النسائي بإسناد صحيح من حديث معاوية أن النبي صلى الله عليه وسلم : ( نهى عن الذهب إلا مقطعاً )ومعلوم أن الذهب ، باتفاق أهل العلم – جائز للنساء مطلقاً ، فيبقى أن يكون هذا الحديث في الرجال .
قال شيخ الإسلام : " إلا مقطعاً " أي تابعاً لغيره، فالمقطع هو التابع لغيره . وهذا هو القول الراجح .
ويدل عليه القياس على الحرير ، فإن اليسير في الثوب جائز كما دلت السنة الصحيحة عليه ، فمثله كذلك الذهب من باب القياس .
قال : ( أو مموه بذهب قبل استحالته )
أما إذا استحال إلى مادة أخرى فما بقيت فيه طابع الذهب بل انتقل إلى طبيعة أخرى فإنه يجوز أن يلبس وهذا مما اتفق عليه أهل العلم ؛ لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً ، والحكم يدور مع ثبوت الشيء ، وحيث انتفى واستحال إلى مادة أخرى فإن الحكم ينتقل عنه ، فإن الحكم إنما ثابت للاسم مع مسماه وحيث انتقل إلى مادة أخرى فإنه لا معنى للقول بتحريمه .
قال : ( وثياب حرير )
فثياب الحرير محرمة على الرجال أيضاً .
ودليل ذلك ما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لا تلبسوا الحرير فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ))والنهي للتحريم .
وتقدم حديث أبي موسى الأشعري : (( أحل الذهب والحرير للإناث من أمتي وحرم على ذكورها ))وهو صريح في التحريم .
فالحرير محرم على الذكور لبسه والجلوس عليه والاتكاء عليه سواء كان ما يُتكأ عليه من حرير أو أن يكون ما يتوسد من حرير أو أن يتخذ نمرقة أو ستر من حرير فكل هذا محرم لا يجوز وقد ثبت في البخاري عن حذيفة قال: ( نهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نشرب في آنية الذهب والفضة أو أن نأكل فيها، وعن لبس الحرير والديباج أو أن نجلس عليه )
قال : ( وما هو أكثر ظهوراً على الذكور )
إذا كان عليه ثوب من نوعين من قطن وحرير ، وكان الغالب ظهوراً هو الحرير فإنه لا يجوز ؛ إعطاءً للغالب حكم الكل ، أو لأن الشارع إذا حرم شيئاً حرم أبعاضه إلا إذا دل دليل . لكن الغالب له حكم الكل في أكثر الأحكام الشرعية .
قال : ( لا إذا استويا )
فإذا كان ثوب نصفه في الظهور من حرير ونصفه من قطن أو نحوه فإنه يجوز لبسه – إبقاءً على الأصل فإن الأصل هو الحل – والحرير هنا : ليس هو الكل وليس هو الغالب .
-هذا أحد الوجهين في مذهب الإمام أحمد .
-والوجه الثاني وهو اختيار شيخ الإسلام : أنه يحرم . وهو الراجح لما تقدم من أن الشارع إذا حرم الشيء حرم أبعاضه .
ولما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم : (( نهى عن لبس الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع ))فهذا يدل على أن لبس الحرير محرم مطلقاً سواء كان هو الغالب أو كان كثيراً ما لم يكن موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع فإنه يجوز .
وهذا الدليل يصلح للاستدلال على المسألة السابقة وهو أن ما كان أكثره حرير فإنه يحرم ، ومن الأدلة الدالة على تحريم الكثير من الحرير الظاهر وإن كان ليس هو الغالب ما ثبت في مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم : ( نهى عن القسِّي والمعصفر ).
والمعصفر : سيأتي الكلام عليه .
أما القسِّي : فهو نوع من الثياب يخلط فيه الحرير مع القطن بحيث يكونان ظاهرين فيه .
وهنا النبي صلى الله عليه وسلم حرمه مطلقاً ولم يستثن من ذلك استواءهما ولا أن يكونا النوع الآخر هو الأكثر بل حرمه مطلقاً ، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا النوع من الثياب شامل لما كان الحرير فيه هو الأكثر أو كان هو الكثير المساوي أو كان هو الكثير الأقل فهو شامل لهذه الأنواع كلها ما لم يكن موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع فقد دل الحديث المتقدم على جوازه .
قال : ( ولضرورة أو حكة أو مرض )
" لضرورة " : من حر أو برد ، بأن لا يكون عنده إلا ثوب حرير ويخشى على نفسه الهلكة إن لم يلبسه .
أو كانت هناك حاجة وليست ضرورة : كأن يكون فيه حكة أو نحو ذلك فيحتاج إلى أن يلبس الحرير مع أنه إذا لبس غيره فإنه يزول المرض الذي عليه – وهو مع لبسه للحرير لا يقطع بزوال المرض فليس هذا ضرورة بل حاجة .
مع ذلك : لبس الحرير للحاجة من حكة أو مرض - ومن باب أولى للضرورة - جائز ، لما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم : ( رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام في قميص الحرير في سفر من حكة كانت فيهما )ولبس الحرير للحكة من الحاجات وليس الضروريات ؛ لأنه لا يعلم اندفاع الحكة به ، فلا يثبت به زوال الحكة قطعاً بل هو نوع من أنواع التداوي ، ومعلوم أن الدواء لا يقطع بزواله بل هو سبب قد يتم به الشفاء وقد لا يتم به . فاستعمال الحرير لحاجة لا بأس به .
قال : ( أو حرب )
في الحرب يجوز للمسلم أن يلبس فيها الحرير لإرهاب أعداء الله وإظهار قوة المسلمين .
وإظهار ما يكون فيه خيلاء في الحرب محمود لإرهاب الأعداء فلهذه المصلحة العامة جاز أن يلبس الحرير .
هذا أحد القولين في مذهب الإمام أحمد وهو المشهور فيه وهو اختيار شيخ الإسلام : وأن لبس الحرير في الحرب جائز لما فيه من إظهار قوة المسلمين وإظهار غناهم وبأسهم ونحو ذلك .
فلبسه في الحرب جائز حيث أدى إلى هذه المصالح أما إذا لم يثبت فيه شيء منها ، كأن يكون خفياً غير ظاهر فلا يجوز له أن يستعمله في الحرب .
قال : ( أو حشو )
إذا اتخذ الحرير حشواً في ثوب ، كأن يضع ثوباً من قطن أو صوف ونحوه ، فيضع الحرير حشواً له أي ليس في ظهارته ولا بطانته .
فالبطانة هي ما تكون مباشرة للبدن ، وأما الظهارة فهي ما تكون خارجة للناس .
فهنا ظهارته وبطانته من نوع آخر غير الحرير ، لكنه حشاه بالحرير ، أو حشا وسادة به . فهل يجوز أم لا ؟
نعم يجوز ذلك ، فلا حرج في مثل هذا ؛ لأن النهي لا يشمله وقد ثبت عن الصحابة أنهم لبسوا ثوب الخز وثوب الخز هو نوع من الثياب يكون سداه من حرير ولحمته من نوع آخر .
والسدى: هو ما يكون عرضاً عند النسج . أما اللحمة : فهي ما تكون طولاً عند النسج ، واللحمة تغطى السدا فيجوز أن يكون الثوب سداه من حرير ، وقد لبس الصحابة ثياب الخز .
قال أبو داود : " وعشرون من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو أكثر لبسوا ثياب الخز منهم أنس والبراء "
قال الحافظ ابن حجر : " وقد أوردها ابن أبي شيبة عن جمع منهم وعن طائفة من التابعين بأسانيد جيدة " فهذه أفعال للصحابة لا يعلم لهم فيها مخالف .
وقد دلت السنة على ذلك – في قول ابن عمر – كما في سنن أبي داود : ( إنما نهى عن الثوب المصمت من الحرير ) أي ما كانت لحمته وسداه من الحرير أي هو خالص حريراً .
ومن كان سداه حرير ولحمته من غيره فهو جائز ، وأما العكس فهو محرم : فلو كانت اللحمة من حرير والسدى من نوع آخر فهو محرم ؛ لأن الظاهر هو الحرير .
إذن : الحشو بالحرير جائز ، وكذلك يجوز أن يكون السدى من حرير .
أما البطانة فلا يجوز أن تكون من حرير ؛ لأنها – في الحقيقة – ظاهرة ، أي الحرير فيها ظاهر في الثوب وإن كان لا يبدوا للعيان ، لكنه ظاهر وثبتت مباشرته للبدن .فإذا كانت البطانة من حرير والظهارة من غيره فإنه محرم .
قال : ( أو كان علماً )
فإن كانت خطوط أو طرزٍ على الثوب .
" أربع أصابع فما دون " مضمومة من الثوب كله .
يعني : جميع ما في الثوب أربع أصابع ، ففي عرضه أصبع وفي عرضه الآخر أصبع وفي وسطه أصبعين فيجوز ، أما إذا كان مجموعه خمسة أصابع فيحرم .
إذن : تكون مضمومة وهذا باتفاق أهل العلم .
ودليل ذلك حديث عمر المتقدم : ( نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع )
قال : ( أو رقاعاً )
إذا رقع الثوب بشيء من الحرير فيجوز ما لم يكن ذلك أكثر من أربعة أصابع .
قال : ( أو لبنة جيب )
" لبنة جيب " : هي طوقه ، فطوق من العنق يسمى لبنة الجيب ، فهذا جائز بشرط ألا يزيد على أربعة أصابع ، ولو وضع أزراره من حرير فهو جائز أيضاً ما لم يجتمع من ذلك أربعة أصابع .
قال : ( وسَجْف فراء )
الفراء : هو ما يلبس في الشتاء من الثياب الغليظة ونحوها ، فحواشيها تسمى السجف .
فإذا وضع في أطرافه وحواشيه حريراً وكان مجموعه لا يتجاوز أربعة أصابع فإنه جائز .
قال : ( ويكره المعصفر والمزعفر للرجال )
" المعصفر " : هو المصبوغ بالعصفر وهو نوع من النبات تصبغ به الثياب فتكون حمراء .
دليل ذلك : الحديث المتقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم : ( نهى عن القسي والمعصفر )رواه مسلم .
وفي مسلم عن ابن عمرو قال : رآني النبي صلى الله عليه وسلم وقد لبست ثوبين معصفرين فقال : (( إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها )).
فلبس المعصفر محرم ، وهو المصبوغ بالحمرة بحيث تكون الحمرة خالصة منه .
أما إذا كانت الحمرة غير خالصة فيه ، بأن كانت الحمرة خطوطاً فيه وإن كانت غالبة فهو جائز ، لما ثبت في البخاري عن البراء قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مربوعاً وقد رأيته عليه حلة حمراء ما رأيت شيئاً أحسن منه )فهنا قد لبس النبي صلى الله عليه وسلم الحلة الحمراء فدل على جواز لبس الحلة الحمراء وهنا ليست حمرتها خالصة بل هي من أنواع البرُد اليمانية – كما ذكر ابن القيم – وهي ذات خطوط حمر مع سواد في بقية الثوب ، فهو ثوب أسود فيه خطوط حمراء .
وسميت حلة حمراء نسبة إلى هذه الخطوط الحمراء التي فيه وليس أن هذه الحلة كلها حمراء بل مع الحمرة غيرها .
وأما الثياب الحمراء الخالصة فلا يجوز لبسها .
-وهنا قد ذكروا الكراهية .
-والراجح هو التحريم للأحاديث المتقدمة من نهي النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن قوله : (( إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها ))فهذا فيه نهي ، وفيه أن هذه الثياب في لبسها تشبه بالكفار والتشبه بالكفار محرم .
وقد ذكر ابن حجر في هذه المسألة سبعة أقوال قال : " وأصحها المنع " وهو كما قال .
فالراجح : أن لبس الثوب الأحمر إن كان خالصاً بحتاً ليس مشوباً فهو محرم ، وأما إن كان مخلوطاً بغيره فإنه جائز .
وثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم : نهى عن المياثر الحمر " .
والمياثر هي السروج التي يركب عليها ، فهذا يدل على أن الجلوس على شيء من الفرش الحمراء أنه محرم وأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك .
" والمزعفر للرجال " : المزعفر : هو الثوب الذي قد صبغ بالزعفران .
ودليل النهي عنه : ما ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم : ( نهى أن يتزعفر الرجل )
* وهل هذا التحريم للونه وهو الصفرة أو أن ذلك لرائحته ؟
الأظهر أن التحريم ليس للونه بل لرائحته ، ودليل ذلك ما ثبت في سنن أبي داود وأصله في الصحيحين والحديث إسناده صحيح : أن ابن عمر كان يصبغ لحيته بالصفرة حتى تمتلأ ثيابه منها، فقيل له : لم تصبغ بالصفرة ؟ فقال : ( إني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصبغ بها ولم يكن شيء أحب إليه منها ، وكان يصبغ بها ثيابه حتى عمامته )
فهنا كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبغ بالصفرة ، وهذا دال على جواز ذلك ما لم تكن الصفرة عن زعفران فإنه يكون محرم للنهي المتقدم .
والحنابلة يرون الكراهية ، والحديث ظاهر التحريم وهو مذهب الأحناف والشافعية وهو القول الراجح وأنه محرم لظاهر النهي .
فلا يجوز له أن يلبس ثوباً مزعفراً ، أما إذا كان الثوب أصفراً من غير زعفران فإنه جائز لا حرج فيه .


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ما, يحرم

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:49 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir