دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الرضاع

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11 جمادى الآخرة 1431هـ/24-05-2010م, 01:43 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي ما يحرِّم من الرضاع

والْمُحَرِّمُ خمسُ رَضاعاتٍ في الْحَوْلَيْنِ، والسَّعُوطُ والوَجورُ ولَبَنُ الْمَيْتَةِ والموطوءةِ بشُبْهَةٍ أو بعَقْدٍ فاسدٍ أو باطلٍ أو زِنًا مُحَرَّمٌ، وعكسُه البهيمةُ وغيرُ حُبْلَى ولا مَوطوءةٍ.


  #2  
قديم 16 جمادى الآخرة 1431هـ/29-05-2010م, 11:07 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

........................

  #3  
قديم 16 جمادى الآخرة 1431هـ/29-05-2010م, 11:07 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي

(والمُحَرِّمُ) مِن الرَّضَاعِ (خَمْسُ رَضَعَاتٍ)؛ لحديثِ عَائِشَةَ قالَتْ: (أُنْزِلَ فِي الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، فَنُسِخَ مِنْ ذَلِكَ خَمْسُ رَضَعَاتٍ، وَصَارَ إِلَى خَمْسِ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وتُحَرِّمُ الخمسُ إذا كانَتْ (في الحَوْلَيْنِ)؛ لقولِهِ تعالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}. ولقولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لاَ يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضَاعِ إِلاَّ مَا فَتَقَ الأَمْعَاءَ وَكَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ)). قالَ التِّرْمِذِيُّ: حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. ومتَى امْتَصَّ ثمَّ قَطَعَه لِتَنَفُّسٍ أو انتقالٍ إلى ثَدْيٍ آخرَ ونحوِهِ، فرَضْعَةٌ، فإنْ عادَ -ولو قريباً- فثِنْتَانِ. (والسَّعُوطُ) في أنفٍ (والوَجُورُ) في فَمٍ، مُحَرِّمٌ كرَضَاعٍ. (ولَبَنُ) المرأةِ (المَيِّتَةِ) كلبنِ الحَيَّةِ، (و) لبنُ (المَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ والمَشُوبِ أو عقدٍ فاسدٍ) كالمَوْطُوءَةِ بنكاحٍ صحيحٍ (أو باطلٍ)؛ أي: الموطوءةِ بنكاحٍ باطلٍ إجماعاً، (أو بِزِنًى مُحَرَّمٍ)، لكِنْ يكونُ مُرْتَضِعٌ ابناً لها من الرَّضاعِ فقطْ في الأخيرتيْنِ؛ لأنَّه لَمَّا لم تَثْبُتِ الأُبُوَّةُ مِن النَّسَبِ، لم يَثْبُتْ ما هو فرعُها. (وعكسُه)- أي: عكسُ اللبنِ المذكورِ- لبنُ (البَهِيمَةِ و) لبنُ (غيرِ حُبْلَى ولا مَوْطُوءَةٍ)، فلا يَحْرُمُ، فلو ارْتَضَعَ طفلٌ وطفلةٌ مِن بَهِيمَةٍ أو رَجُلٍ أو خُنْثَى مُشْكِلٍ أو مِمَّن لم تَحْمِلْ لم يَصِيرَا أَخَوَيْنِ.


  #4  
قديم 16 جمادى الآخرة 1431هـ/29-05-2010م, 11:08 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم

(والمحرم) من الرضاع (خمس رضعات)([1]) لحديث عائشة قالت: «أنزل في القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن فنسخ من ذلك خمس رضعات، وصار إلى خمس رضعات معلومات يحرمن، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك»؛ رواه مسلم([2]).
وتحرم الخمس إذا كانت في الحولين([3]) لقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}([4]) ولقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يحرم من الرضاع، إلا ما فتق الأمعاء، وكـان قبل الفطـام» قـال الترمذي: حديث حسن صحيح([5]).
ومتى امتص ثم قطعه لتنفس([6]) أو انتقال إلى ثدي آخر ونحوه فرضعه([7]) فإن عاد ولو قريبا فثنتان([8]).
(والسعوط) في أنف (والوجور) في فم محرم كرضاع([9]) (ولبن) المرأة (الميتة) كلبن الحية([10]).
(و) لبن (الموطوءة بشبهة أو بعقد فاسد) كالموطوءة بنكاح صحيح([11]) (أو باطل) أي الموطوءة بنكاح باطل إجماعا([12]) (أو بزنا محرم)([13]).
لكن يكون مرتضع ابنا لها من الرضاع فقط في الأخيرتين([14]) لأنه لما لم تثبت الأبوة من النسب لم يثبت ما هو فرعها([15]) (وعكسه) أي عكس اللبن المذكور لبن (البهيمة([16]) و) لبن (غير حبلى([17]) ولا موطوءة) فلا يحرم([18]).
فلو ارتضع طفل وطفلة من بهيمة([19]) أو رجل أو خنثى مشكل([20]) أو ممن لم تحمل لم يصيرا أخوين([21])



([1]) هذا هو المشهور عن أحمد، ومذهب الشافعي.
([2]) وكان بعض الناس يقرأ (خمس رضعات) ويجعلها قرآنا متلوا، لكونه لم يبلغه النسخ، لقرب عهده، فلما بلغهم رجعوا، وأجمعوا على أنه لا يتلى، وهذا من نسخ التلاوة دون الحكم، وهو مبين لما أجمل من الآية، والأحاديث، ويشهد له حديث سهلة، فإنها أرضعت سالما خمس رضعات.
([3]) حكاه الوزير وغيره اتفاقا، واختار الشيخ ثبوت الحرمة بالرضاع إلى الفطام ولو بعد الحولين، أو قبلهما، وفي الاختيارات، الارتضاع بعد الفطام، لا ينشر الحرمة، وإن كان دون الحول.
([4]) فدلت الآية على أن الرضاع المعتبر، في الحولين.
([5]) أي: لا يحرم من الرضاع إلا ما وصل إلى الأمعاء ووسعها، فلا يحرم القليل الذي لم ينفذ إليها ويوسعها، ولا يحرم إلا ما كان قبل الفطام، يعني في زمن الصغر وقام مقام الغذاء، قبل الفطام، ولو كان قبل كمال الحولين، ولأبي داود «إلا ما أنشز»، أي شد وقوي، «العظم، وأنبت اللحم»، ولا يكون إلا في سن الصغر، وهو مذهب جمهور العلماء.
وذهبوا إلى أنه مهما كان في الحولين، فإن رضاعه يحرم، ولا يحرم ما كان بعدهما، وفي الصحيحين «إنما الرضاعة من المجاعة»، أي الواقعة في زمن الإرضاع فالذي تثبت به الحرمة، حيث يكون الرضيع طفلا، يسد اللبن جوعه، وينبت لحمه، فيكون ذلك جزءا منه.
وفي صحيح مسلم أن سهلة قالت: يا رسول الله إن سالما مولى أبي حذيفة، معنا في بيتنا، وقد بلغ ما يبلغ الرجال، فقال: «أرضعيه تحرمي عليه»، ولهذا كانت عائشة تأمر أختها، وبنات أخيها، يرضعن من أحبت أن يدخل عليها من الرجال، ويروى عن علي، ولما قالت أم سلمة: إنه خاص بسالم، قالت عائشة: أما لكم في رسول الله أسوة حسنة، فدل الحديث أنه يحرم عند الحاجة، وقال الشيخ: ينشر الحرمة، بحيث يبيح الدخول والخلوة، إذا كان قد تربى في البيت بحيث لا يحتشمون منه، للحاجة.
([6]) أو شبع أو ملة، فرضعة.
([7]) كانتقاله من امرأة إلى امرأة غيرها، أو أخرج الثدي من فمه، إذ المرجع فيها إلى العرف، لأن الشرع ورد بها مطلقا، ولم يحددها بزمن ولا مقدار، فإذا ارتضع ثم قطع باختياره، أو قطع عليه فرضعة.
([8]) لأن العود ارتضاع، والشارع لم يحدد الرضعة بزمان، فوجب أن يكون القريب كالبعيد، بشرط وصولهما إلى الجوف.
([9]) الوجور والسعوط إذا أريد به المصدر ضم سينه، وإذا أريد به الدواء فبالفتح، والوجور: أن يقطر في فم الرضيع من غير الثدي، السعوط، أن يصب اللبن في أنفه من إناء أو غيره، فيدخل حلقه، لأنه يحصل بهما ما يحصل بالرضاع من الفم، لخبر «إلا ما أنشز العظم وأنبت اللحم» رواه أبو داود.
وقال الوزير: اتفقوا على أنه يتعلق التحريم بالسعوط والوجور، إلا في إحدى الروايتين عن أحمد، وكذا الحقنة باللبن واتفقوا على أن الخالص يحصل به الرضاع، وقال الشافعي وأحمد: يتعلق بالمشوب، اهـ وكذا جبن عمل منه، لأنه واصل من الحلق، يحصل به إنبات اللحم، وذلك بأن يحصل من تلك الثلاثة خمس، لأنها فرع عن الرضاع فيعطى حكمه.
([10]) إذا حلب أو ارتضع من ثديها بعد موتها، لأنه ينبت اللحم.
([11]) محرم منه خمس رضعات في الحولين، والمرتضع ابن لهما، لثبوت نسب ولدها من الواطئ بشبهة أو بنكاح فاسد، قال في الفروع: وإن أرضعت بلبن اثنين وطئاها بشبهة طفلا، فإن ألحقته قافة بأحدهما فهو ابنه، وإن ألحقته بهما أو مات ولم يثبت نسبه فهو ابنهما، وإن تزوج امرأة لها لبن من زوج قبله، فحملت من الثاني، وزاد أو لم يزد، ولم ينقص حتى ولدت، فقال الشيخ: للثاني.
([12]) محرم منها.
([13]) أي منها.
([14]) وهما مسألة الموطوءة بنكاح باطل أو بزنا،فأما المرضعة فإن الطفل المرتضع محرم عليها ومنسوب إليها، بخلاف الواطئ، وكذا الولد المنفي باللعان يحرم لبنه ولا ينسب إليه.
([15]) وهذا مذهب الشافعي، قال الموفق: لأن من شرط ثبوت الحرمة، بين المرتضع وبين الرجل الذي ثاب اللبن بوطئه، أن يكون لبن حمل ينسب إلى الواطئ، كالوطء في نكاح، أو وطء بملك يمين أو شبهة.
([16]) فلو ارتضع طفلان من بهيمة، لم ينشر الحرمة.
([17]) وفي الإقناع والمنتهى، وإن ثاب لامرأة لبن من غير حمل تقدم، لم ينشر الحرمة، لأنه ليس بلبن حقيقة، بل رطوبة متولدة، لأن اللبن ما أنشز العظم وأنبت اللحم، وهذا ليس كذلك، وهو قول جماعة من الأصحاب وإحدى الروايتين عن أحمد.
([18]) وفي الرعايتين: ولا يحرم لبن غير حبلى، ولا موطوءة على الأصح، وحكاه في الفروع عن جماعة من الأصحاب، وعنه: يحرم صححه الموفق وغيره، وقال الوزير: اتفقوا على أن تحريم الرضاع، إنما يجب به التحريم إذا كان من لبن الأنثى، سواء كانت بكرا أو ثيبا، موطوءة أو غير موطوءة، إلا أحمد فإنه قال: إنما يقع التحريم عنده، بلبن المرأة التي ثاب لها من الحمل.
([19]) لم يصيرا أخوين في قول عامة أهل العلم، وقال الوزير: اتفقوا على أن تحريم الرضاع مقصور على الآدميات، ولو أن طفلين ارتضعا من لبن بهيمة، لم يثبت بينهما أخوة الرضاع.
([20]) أي فلو ارتضع طفل وطفلة من رجل لم يصيرا أخوين؛ قال الوزير: اتفقوا على أنه لو در لرجل لبن، فارتضع منه، لم يثبت بذلك التحريم، والخنثى المشكل لا يثبت كونه امرأة، فلا يثبت التحريم مع الشك.
([21]) نص عليه، وعنه: يحرم ذكره ابن أبي موسى، وهو قول ابن حامد،وجمهور الأئمة وتقدم.


  #5  
قديم 1 جمادى الأولى 1432هـ/4-04-2011م, 12:32 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / الشيخ ابن عثيمين رحمه الله

وَالمُحَرِّمُ خَمْسُ رَضَعَاتٍ ..........................
قوله: «والمُحَرِّمُ خَمْسُ رَضَعَاتٍ» بدأ المؤلف بشروط الرضاع المحرم، فالرضاع المحرم خمس رضعات، ودليل ذلك ما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي النبي صلّى الله عليه وسلّم وهي فيما يقرأ من القرآن»[(193)]، وعلى هذا فما دون الخمس لا يؤثر.
فإن قال قائل: حديث عائشة رضي الله عنها: «خمس رضعات معلومات يحرمن»، هذا ليس فيه حصر، فلم يقل الرسول صلّى الله عليه وسلّم: لا يحرم إلا خمس، فنحن نقول: تحرم الخمس، وتحرم الأربع، وتحرم الثلاث، وهذا إيراد قوي جداً، فالجواب على ذلك من أربعة وجوه:
الأول : أنه قد روي أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يحرم إلا خمس رضعات» [(194)]، وهذا حصر طريقهُ النفي والإثبات.
الثاني : روي أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ أمر امرأة أبي حذيفة أن ترضع سالماً مولى أبي حذيفة خمس رضعات[(195)].
الثالث : أن عائشة رضي الله عنها ذكرت عدداً أعلى وعدداً أدنى، الأعلى العشر والأدنى الخمس، ولو كان هناك عدد أدنى من الخمس لبينته.
الرابع : أن الأصل عدم التحريم، والثلاث والأربع مشكوك فيهما، فالأصل الحل وعدم التحريم حتى يثبت التحريم.
وقالت الظاهرية: لا يشترط شيء، بل مطلق الرضاع ولو كان نقطة يحرم، لقوله تعالى: {وَأُمَهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23] ولم يذكر عدداً، ولقوله عليه الصلاة والسلام لزوجة أبي حذيفة: أرضعيه تحرمي عليه[(196)]، ولم يقل: خمس رضعات، وبما في الصحيح في قصة الرجل الذي جاءته امرأة فأخبرت أنها أرضعته وزوجتَه، فأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بفراقها، فقال: «كيف وقد قيل» [(197)]؟! ولم يسأل الرسول صلّى الله عليه وسلّم أو يستفصل كم أرضعته، فهذا يدل على أنه لا يشترط العدد، والجواب عن هذه النصوص أنها مطلقة قيدها منطوق حديث عائشة، ومفهوم حديث: «لا تحرم المصَّة ولا المصَّتان» [(198)].
وقال بعض العلماء: المحرم ثلاث رضعات، واستدلوا بقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا تحرم المصَّة ولا المصَّتان»، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تحرم الإملاجة ولا الإملاجتان» [(199)]، قالوا: فمنطوق الحديث أن الثِّنْتَيْنِ لا تؤثر، ومفهوم العدد أن ما زاد عليهما محرِّم، ونحن نرى أن الشارع اعتبر العدد الثلاث في مواضع كثيرة مثل الطلاق، والوضوء ثلاث، وصيام ثلاث من كل شهر، والاستئذان، وغيره، بخلاف الخمس فليس لها أصل.
ولكن الجواب عن هذا أن يقال: دلالة تأثير الثلاث بالمفهوم، ودلالة أن لا يؤثر إلا الخمس بالمنطوق، ودلالة المنطوق مقدمة على دلالة المفهوم، ويتبين بالمثال، إذا قلنا: لا تحرم المصة ولا المصتان، فصحيح، حتى إذا قلنا بخمس رضعات فالثنتان لا تؤثر، وإذا قلنا: الثلاث تؤثر، بقي عندنا معارضة حديث الخمس، وحينئذٍ لا يمكن العمل إلا بحديث عائشة أنه لا بد من خمس رضعات.
والجواب على قولهم إن الخمس ليس لها أصل معتبر في الشرع، أن يقال: إن الخمس لها أصل معتبر، فالصلوات خمس، والأوسق خمسة، وأركان الإسلام خمسة.
ولكن يبقى النظر ما هي خمس الرضعات؟ أهي خمس مصات؟ أو خمسة أنفاس؟ أو خمس وجبات؟
بعضهم قال: خمس مصات لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تحرم المصَّة ولا المصَّتان» ، فعلق الحكم بالمص، وعلى هذا يمكن أن يثبت الرضاع في خلال ثلاث دقائق؛ لأنه إذا مص ثم بلع، ثم مص ثم بلع، ثم مص خمس مرات ثبت الرضاع.
وبعضهم يقول: بل خمسة أنفاس لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تحرم الإملاجة ولا الإملاجتان» والإملاج إدخال الثدي في فم الصبي، فما دام الثدي في فمه فلو مص مائة مرة فهو واحدة، وعلى هذا إذا مص ثم بلع ثم مص ثم بلع ثم مص ثم بلع في نفس واحد ثم أطلق الثدي ثم عاد، تكون الثانية هي الرضعة الثانية.
وبعضهم يقول: خمس وجبات، كما يقول: خمس أكلات، فلا بد من زمن يقطع اتصال الثانية بالأولى، أما ما دام في حجر المرأة فإنها رضعة واحدة، كما تقول: هذه أكلة، هذا غداء، هذا عشاء، وما أشبه ذلك، فالعشاء ليس كل لقمة ترفعها إلى فمك، بل مجموع اللقم، وكذلك الغداء فليس كل تمرة تبلعها تكون غداء، إنما الغداء، مجموع الأكل، وعليه فالمراد بالرضعة الفعلة من الرضاع التي تنفصل عن الأخرى، وأما مجرد فصل الثدي فهذا لا يعتبر رضعة في الحقيقة، فمثلاً لو أرضعته أول النهار الساعة الثامنة، ثم الساعة التاسعة، ثم الساعة العاشرة، ثم الحادية عشرة، ثم الثانية عشرة، فهذه خمس رضعات، فلو أرضعته في مكان واحد، وامتص الثدي ثم أطلقه يتنفس، ثم عاد ورضع، ثم أطلقه ليتنفس، ثم عاد خمس مرات لكنها في جلسة واحدة فلا يؤثر على هذا القول.
فإذا قال قائل: أيهما أرجح؟
قلنا: الأصل عدم التأثير، ولا نتيقن التأثير إلا بخمس وجبات؛ لأن الأصل أنه لا يؤثر، فنأخذ بالاحتياط، والاحتياط ألا يؤثر إلا خمس وجبات، لا خمس مصات، ولا خمسة أنفاس، وهذا اختيار شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله، وهو ظاهر اختيار ابن القيم.
فإذا قال قائل: لماذا لا نجعل المصَّات هي الأحوط؟ قلنا: هذا مشكل؛ لأننا إذا احتطنا من جهة، أهملنا من جهة أخرى، فمثلاً هذه طفلة رضعت خمس مصات، فإذا احتطنا، وقلنا: إن بنت المرضعة تكون أختاً للراضع يحرم عليه نكاحها، أتانا أمر آخر ضد هذا الاحتياط، وهي أننا إذا قلنا: إنها أخته لزم من ذلك أن يخلو بها، ويسافر بها، وتكشف وجهها له، والاحتياط ألا تفعل، وهي لا تفعل هذا إلا إذا قلنا: إن الرضاع غير مؤثر، فلذلك لا تحتاط من جهة إلا أهملت من جهة أخرى، فنرجع إلى الأصل وهو عدم التأثير، ولذلك كان هذا القول هو المتمشي على القواعد والأصول.

فِي الْحَوْلَيْنِ، ..............
قوله: «في الحولين» هذا شرط آخر، يعني أن تكون الرضعات الخمس كلها في الحولين من ولادة الطفل، فإذا ولد في الواحد من محرم عام عشرين، فينتهي وقت الرضاع في الواحد من محرم عام اثنين وعشرين، فما دام في الحولين فالرضاع مؤثر، وإذا انتهت الحولان فالرضاع غير مؤثر، والدليل قول الله تبارك وتعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] فقالوا: تمام الرضاعة في حولين، وما زاد فهو خارج، وما دونهما ناقص عن تمام الرضاعة؛ ولأن الحولين حدٌّ فاصل بيِّن قاطع، فكان أولى بالاعتبار من سواه.
وظاهر كلام المؤلف: أن الرضاع في الحولين مؤثر، سواء فطم الصبي أم لم يفطم، حتى لو فرض أنه فطم في سنة، وفي السنة الثانية كان يأكل الخبز والجبن وكل شيء ورضع فالرضاع يؤثر، ولو كان لا يتغذى باللبن، فإنه ما دام في الحولين فرضاعه مؤثر.
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن العبرة بالفطام، فما كان قبل الفطام فهو مؤثر ولو كان بعد الحولين، وما كان بعد الفطام فليس بمؤثر ولو في الحولين، واستدل رحمه الله بالأثر والنظر، أما الأثر فالحديث المعروف: «لا رضاع إلا ما أنشز العظم وكان قبل الفطام»[(200)]، ولم يقل: «وكان قبل الحولين»، وأما النظر فلأنه إذا كان يتغذى بغير اللبن ـ يعني بالطعام المعروف ـ فأي فرق بين من كان في الحولين ومن بعد الحولين؟! فكلا الطفلين لا يحتاج إلى اللبن، ولو رضع أربع مرات إلى صباح ثلاثين من ذي الحجة من السنة الثانية، ولما هلَّ محرم رضع الخامسة، فهل يؤثر أو لا يؤثر على قول من يرى أن العبرة بالحولين؟ لا يؤثر، فأي فرق بين هذه وبين قبل ساعة؟! ثم أي فرق بين طفل فطم للحول الأول، وصار يأكل الطعام وآخر يأكل الطعام في السنة الثالثة؟! لا فرق.
فالقول الراجح أن العبرة بالفطام، سواء كان قبل الحولين أو بعد الحولين، فلو فرض أن هذا الطفل نموه ضعيف، وصار يتغذى باللبن حتى تم له ثلاث سنوات، ففي السنة الثالثة رضاعه مؤثر على القول الراجح، وأما على قول من قال: العبرة بالحولين فرضاعه غير مؤثر، ولو فرضنا أن طفلاً فطم لأول سنة، وصار يأكل الطعام وأرضعناه في السنة الثانية، فهل الرضاع محرِّم أو غير محرم؟ على القول بأنه لا يؤثر إلا في الحولين فهو مؤثر، وعلى القول الثاني الذي رجحناه غير مؤثر، المهم يشترط في الرضاع المحرم أن يكون في وقت معين، إما في الحولين على ما مشى عليه المؤلف، وإما قبل الفطام على القول الراجح.
والقول الثاني : أن الرضاع محرم ولو كان الإنسان له ستون سنة، حتى لو كان الراضع أكبر من المرضعة، فهذا شيخ كبير له ستون سنة رضع من امرأة شابة لها عشرون سنة مرة واحدة، يكون ولداً لها، وهذا رأي الظاهرية؛ لأنهم لا يرون سناً ولا عدداً فمتى حصل الرضاع فهو مؤثر، ودليلهم الإطلاق في قوله: {وَأُمَهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ}، ولقصة سالم مولى أبي حذيفة، وكان أبو حذيفة قد تبناه قبل أن يبطل التبني، يعني اتخذه ابناً له، وصار كابنه تماماً، يدخل البيت وزوجة أبي حذيفة لا تحتجب عنه، فلما أبطل الله التبني صار سالم أجنبياً من المرأة، فجاءت سهلة تشتكي إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وتقول: إن سالماً كان أبو حذيفة قد تبناه، يدخل علينا ونكلمه، وقد بطل التبني فقال لها النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أرضعيه تحرمي عليه» [(201)]، وهو كبير يقضي الحوائج، فقالوا: وهذا رضع وهو كبير، وقد حكم النبي صلّى الله عليه وسلّم بأنه مؤثر، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وعلى هذا فإذا كانت امرأة وأحبت أن تكشف لهذا الرجل، تقول له: تعال أنا أرغب أن أكشف لك، وأن تخلو بي، وأن أسافر معك، ارضع!
ويبقى إشكال كيف يرضع من ثديها وهو ليس محرماً لها؟! فلو جعل يرضع من الثدي وله عشرون سنة ستحصل فتنة بلا شك، فنقول: الحمد لله يوجد مخرج، كل يوم تجمع له قلة حليب من ثديها لمدة خمسة أيام، ويشربه، فيكون ولداً لها، وهذا القول كما ترى فيه شبهة؛ ولكن نقول: حديث سالم يعارض منطوق حديث: «لا رضاع إلا ما أنشز العظم وكان قبل الفطام» [(202)]، فاختلفوا في الجواب عنه، فقال بعضهم: إنه منسوخ، وقال بعضهم: إنه خاص بسالم مولى أبي حذيفة، ثم اختلف القائلون بأنه خاص، هل هي خصوصية وصف، أو هي خصوصية عين؟ والفرق بينهما: إذا قلنا: إنها خصوصية عين، فمعنى ذلك أنها خاصة بعين سالم فقط لا تتعداه إلى غيره، وإذا قلنا: إنها خصوصية وصف صارت متعدية إلى غيره، ممن تشبه حالُه حالَ سالم، وقد مر علينا كثيراً أن الشرع كله ليس فيه خصوصية عين، حتى خصائص النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يخص بها؛ لأنه محمد بن عبد الله، لكن لأنه رسول الله، والرسالة ما يشاركه فيها أحد، فالتخصيص بالعين لا نراه والأصل عدمه، ثم لو كان هذا من باب الخصوصية العينية لكان الرسول صلّى الله عليه وسلّم يبين ذلك، كما بيّن لأبي بردة رضي الله عنه حين قال: «إنها لن تجزئ عن أحد بعدك» [(203)].
أما خصوصية وصف فالأمر فيها قريب، وقد اختار ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقال: إنه إذا كان المقصود بالإرضاع التغذية فإنه لا يكون إلا في زمن الرضاع، وإذا كان المقصود بالرضاع دفع الحاجة جاز ولو للكبير، وعندي أن هذا ـ أيضاً ـ ضعيف، وأن رضاع الكبير لا يؤثر مطلقاً، إلا إذا وجدنا حالاً تشبه حال أبي حذيفة من كل وجه.
ويرى بعض العلماء أن مطلق الحاجة تبيح رضاع الكبير، وأن المرأة متى احتاجت إلى أن ترضع هذا الإنسان وهو كبير أرضعته وصار ابناً لها، ولكننا إذا أردنا أن نحقق قلنا: ليس مطلق الحاجة، بل الحاجة الموازية لقصة سالم، والحاجة الموازية لقصة سالم غير ممكنة؛ لأن التبني أُبطل، فلما انتفت الحال انتفى الحكم، ويدل لهذا التوجيه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما قال: «إياكم والدخول على النساء» قالوا: يا رسول الله، أرأيت الحمو ـ وهو قريب الزوج كأخيه مثلاً ـ قال: «الحمو الموت» [(204)]، والحمو في حاجة أن يدخل بيت أخيه إذا كان البيت واحداً، ولم يقل عليه الصلاة والسلام: الحمو ترضعه زوجة أخيه، مع أن الحاجة ذكرت له، فدل هذا على أن مطلق الحاجة لا يبيح رضاع الكبير؛ لأننا لو قلنا بهذا لكان فيه مفسدة عظيمة، وكانت المرأة تأتي كل يوم لزوجها بحليب من ثديها، وإذا صار اليوم الخامس صار ولداً لها، وهذه مشكلة، فالقول بهذا ضعيف أثراً ونظراً، ولا يصح.
أما دعوى النسخ فإنها لا تصح؛ لأن من شرط النسخ أن نعلم التاريخ وهنا لا نعلم، ولو ادعينا النسخ لكان خصومنا ـ أيضاً ـ يدعون علينا النسخ، ويقولون: إن الأحاديث التي تدل على أنه لا رضاع إلا في الحولين منسوخة بحديث سالم، فليست دعوانا عليهم بأقوى من دعواهم علينا.
والخلاصة أنه بعد انتهاء التبني نقول: لا يجوز إرضاع الكبير، ولا يؤثر إرضاع الكبير، بل لا بد إما أن يكون في الحولين، وإما أن يكون قبل الفطام، وهو الراجح.

وَالسَّعُوطُ، وَالْوَجُورُ، وَلَبَنُ الْمَيْتَةِ، وَالمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ، أَوْ بِعَقْدٍ فَاسِد، أَوْ بَاطِلٍ، أَوْ بِزِناً مُحَرِّمٌ، ......
قوله: «والسَّعوط والوجور ولبن الميتة والموطوءة بشبهة أو بعقد فاسد أو باطل أو بزنا مُحرِّم» «محرِّمٌ» خبر المبتدأ في قوله: «والسَّعوط» وما عطف عليه، أي: السعوط وما عطف عليه محرِّم، والسعوط بفتح السين وضمها، وكذلك الوجور، ويختلف المعنى، فبالضم الفعل، وبالفتح ما يسعط به، أو يوجر به، مثل السَّحور والسُّحور، فالسُّحور الفعل، والسَّحور ما يؤكل، والوَضوء والوُضوء، فالوَضوء الماء، والوُضوء الفعل، ومثل الطَّهور والطُّهور، فالطَّهور الماء، والطُّهور الفعل، وهلم جرّاً، فالسَّعوط: ما يكون في الأنف، والوَجورُ: ما يكون في الفم، في أحد شقيه، إما اليمين وإما اليسار، والسعوط يؤتى باللبن من المرأة، ويحقن في أنف الصبي، والآن في المستشفى يضعون أنبوبة في الأنف وتغذي الشخص، والدليل على ذلك حديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه: «بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً» [(205)]، لأن الماء ينزل إلى معدته، عن طريق الأنف؛ لأنه منفذ يصل إلى المعدة.
بقي حقن اللبن من الدبر، فالمذهب أنه لا يؤثر ولا يكون رضاعاً ولا في معنى الرضاع، مع أنهم يقولون: إنه يفطر الصائم، وهذا شبه تناقض؛ لأنه إن كان يغذي فلا فرق بين ما يكون للصائم، وما يكون للطفل، وإن كان لا يغذي فلا يفطر الصائم، ولهذا قال شيخ الإسلام: الحقنة لا تفطر الصائم، لأنها ليست أكلاً، ولا بمعنى الأكل والشرب.
وقوله: «ولبن الميتة» أي: محرِّم، ما دمنا نقول: إن الرضاع لا بد أن يكون خمس رضعات فكيف يكون من الميتة؟ يكون إذا كانت المرأة الميتة أرضعته قبل ذلك أربع مرات، وبقي رضعة واحدة، فلما ماتت إذا ثديها مملوء لبناً، فسُلِّط الصبي عليه فمصه وشربه، نقول: هذا مُحرِّم كما لو كانت حية.
بقي أن يقال: هل هذا الحليب طاهر أو نجس؟ الجواب: هل هذه الميتة طاهرة أم نجسة؟ الجواب: طاهرة، إذاً حليبها طاهر.
وقال بعض أهل العلم: إن لبن الميتة ليس بمحرِّم؛ لأن هذا شيء نادر، والله ـ عزّ وجل ـ يقول: {وَأُمَهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ} والميتة لا ترضع، فالآية تدل على فعل واقع من المرضعة، وهذا أقرب إلى الصواب.
وقوله: «والموطوءة بِشُبْهَةٍ» الشبهة إما شبهة عقد، وإما شبهة اعتقاد، شبهة العقد أن يتزوجها بعقد ليس بصحيح لكنه يظنه صحيحاً، كما لو تزوجها بولي هو أخوها من الأم، فظن أن الأخ من الأم ولي، وهو ليس بولي، وتزوجها الرجل ودخل عليها وجامعها.
وشبهة الاعتقاد رجل دخل بيته ووجد على فراشه امرأة تشبه زوجته تماماً، وكان في إشفاق للجماع فجامعها بدون أن يتأنى ويتروى؛ لأن ظاهر الحال أنها زوجته.
فإذا حملت الموطوءة بشبهة وأتت بولد وأرضعت بهذا اللبن فلبنها محرِّم لا شك؛ لأن الرجل الذي جامع يعتقد أنها زوجته، وأن هذا الجماع في محله فيكون ما ترتب عليه حلالاً، فلبن الموطوءة بشبهة كلبن المتزوجة بنكاح لا شبهة فيه.
وقوله: «أَوْ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ» الموطوءة بعقد فاسد لبنها كالموطوءة بعقد صحيح، كأن يتزوج الإنسان امرأة بنكاح فيه خلاف، لم يجمع العلماء على بطلانه فيطؤها فتحمل، وتأتي بولد ويكون فيها لبن وترضع به، فنقول: إن لبنها كلبن الموطوءة بعقد صحيح.
وقوله: «أو باطل» وهو العقد الذي أجمع العلماء على فساده، كأن يتزوج بنت امرأته إذا كان قد دخل بالأم، أو تزوج أم زوجته بعد أن ماتت زوجته فالنكاح باطل؛ لأن أمها محرمة على التأبيد، فيكون الرضاع مؤثراً، لكن تثبت الأمومة دون الأبوة.
وقوله: «بزنا» أي: موطوءة بزنا، كامرأة زنت ـ والعياذ بالله ـ وأتت بولد ثم أرضعت بلبنها طفلاً، فهل يكون الرّضاع مُحرِّماً؟
الجواب: نعم يكون محرماً، بمعنى أن تكون هي أماً له؛ لأنها أرضعته بلبنها، وإذا كان ولدها من بطنها ولداً لها، فولدها من لبنها يكون ولداً لها، ولكن لا يكون له أب؛ لأن ولد الزنا لا ينسب للزاني، فإذا كان ابنه الذي خلق من مائه لا ينسب إليه، فالذي رضع من لبن موطوءته لا ينسب إليه، وعليه فيكون لهذا الولد أم ولا أب له، كما أن ولد الزنا له أم وليس له أب.

وَعَكْسُهُ الْبَهِيمَةُ، وَغَيْرُ حُبْلَى، وَلاَ مَوْطُوءَةٍ،
قوله: «وعكسُه البهيمةُ» يعني أن لبن البهيمة غير محرم، فلو فرضنا أن طفلين ارتضعا من بهيمة، كل واحد رضع خمس مرات، هل يكونان أخوين من الرضاع؟! لا، وإلا لأصبح أهل البيت إذا كانوا يشربون من لبن بقرة واحدة إخوة.
فنستفيد من هذا أنه يشترط أن يكون اللبن من آدمية، وكلمة «من آدمية» يخرج بها الحيوان الآخر كالبهائم، ويخرج به ـ أيضاً ـ الرجل، فلو ارتضع طفلان من رجل لم يصيرا أخوين، وقد ذكر العلماء أنه يتصور، فلا يكونون أولاداً له؛ لأن الله قال: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} وهذا ليس بوالدة.
قوله: «وغَيْرُ حُبْلَى» يعني لو أن امرأة أرضعت طفلاً بدون حمل، وهذا يقع كثيراً فإن بعض الصبيان يبكي، فتأتي امرأة ليس فيها لبن ولم تتزوج فتلقمه ثديها تريد أن تسكته، ومع المص تدر عليه، ويكون فيها لبن، ويرضع خمس مرات أو أكثر، فهل يكون ولداً لها؟ يقول المؤلف: لا؛ لأنه حصل من غير حمل، وهذا التعليل لا يكفي في عدم إثبات هذا الحكم المهم، والصواب الذي عليه الأئمة الثلاثة أنه محرِّم، وأن الطفل إذا شرب من امرأة خمس مرات فإنه يكون ولداً لها، سواء كانت بكراً، أم آيسة، أم ذات زوج، فهو محرم بالدليل والتعليل.
فالدليل: عموم قول الله تبارك وتعالى: {وَأُمَهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ} وليس في الكتاب ولا في السنة اشتراط أن يكون اللبن ناتجاً عن حمل فتبقى النصوص على عمومها.
والتعليل: أن الحكمة من كون اللبن محرماً هو تغذي الطفل به، فإذا تغذى به الطفل حصل المقصود، أما الآية: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ} إنما سيقت لبيان ما يجب على الأم من إتمام الرضاعة، فالصواب إذاً أن لبن المرأة محرم سواء صار ناتجاً عن حمل أو عن غير حمل، فلبن البكر محرم، ولبن العجوز التي ليس لها زوج وأيست محرم.
قوله: «ولا مَوْطُوءَةٍ» ظاهر كلامه أن الموطوءة إذا حصل منها لبن فإن لبنها محرم، ولكن هذا يخالف قوله: «غير حبلى» لأننا ما دمنا اشترطنا أن تكون حبلى، فالحبل لا يكون إلا من وطء، ولهذا فعبارة: «ولا موطوءة» ليست موجودة في الكتب المعتمدة في المذهب، فالمعتمد في المذهب أنه لا بد أن يكون ناتجاً عن حمل.


[193] أخرجه مسلم في النكاح/ باب التحريم بخمس رضعات (1452) عن عائشة رضي الله عنها.
[194] أخرجه موقوفاً عبد الرزاق في المصنف (7/466)، وكذا الدارقطني (4/183)، والبيهقي (7/456)، وصححه الحافظ في الفتح (9/147) موقوفاً على عائشة رضي الله عنها.
[195] أخرجه أحمد (6/255)، وأبو داود في النكاح/ باب فيمن حرم به (2061)، ومالك في الموطأ (1288)، وابن الجارود في المنتقى (173)، وابن حبان (10/28)، والحاكم (2/177)، والبيهقي (7/459)، وصححه الألباني في الإرواء (6/263) عن عائشة رضي الله عنها.
[196] أخرجه مسلم في الرضاع/ باب رضاعة الكبير (1453).
[197] سبق تخريجه ص(303).
[198] أخرجه مسلم في النكاح/ باب في المصة والمصتان (1450) عن عائشة رضي الله عنها.
[199] أخرجه مسلم في النكاح/ باب في المصة والمصتان (1451) عن أم الفضل رضي الله عنها.
[200] أخرجه أبو داود في النكاح/ باب في رضاعة الكبير (2059) عن ابن مسعود رضي الله عنه.
[201] سبق تخريجه ص(429).
[202] سبق تخريجه ص(433).
[203] أخرجه البخاري في الأضاحي/ باب من ذبح قبل الصلاة أعاد (5563)، ومسلم في الأضاحي/ باب وقتها (1961) عن البراء بن عازب رضي الله عنه.
[204] أخرجه البخاري في النكاح/ باب لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم (5232)، ومسلم في الآداب/ باب تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها (2172) عن عقبة بن عامر رضي الله عنه.
[205] أخرجه أحمد (4/33، 211)، وأبو داود في الطهارة/ باب في الاستنثار (142)، والنسائي في الطهارة/ باب المبالغة في الاستنشاق (1/66)، والترمذي في الصوم/ باب ما جاء في كراهية مبالغة الاستنشاق للصائم (788)، وابن ماجه في الطهارة/ باب المبالغة في الاستنشاق والاستنثار (407)، وصححه ابن خزيمة (150)، وابن حبان (1087).


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ما, يحرِّم

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:27 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir