دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب البيوع

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12 ربيع الأول 1430هـ/8-03-2009م, 10:50 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي ما يصح التوكيل فيه

ويَصِحُّ التوكيلُ في كلِّ حقِّ آدَمِيٍّ من العُقودِ والفُسوخِ، والعِتْقِ والطلاقِ، والرَّجعةِ وتَمَلُّكِ الْمُباحاتِ من الصيدِ والحشيشِ ونحوِه، لا الظِّهارِ واللعانِ والأَيْمَانِ , وفي كلِّ حقٍّ للهِ تَدْخُلُه النيابةُ من العِباداتِ والحدودِ في إثباتِها واستيفائِها، وليس للوَكيلِ أن يُوَكَّلِ فيما وُكِّلَ فيه إلا أن يُجْعَلَ إليه.


  #2  
قديم 13 ربيع الأول 1430هـ/9-03-2009م, 10:23 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

...................

  #3  
قديم 13 ربيع الأول 1430هـ/9-03-2009م, 10:55 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي

(ويَصِحُّ التوكيلُ في كُلِّ حَقِّ آدَمِيٍّ مِن العُقُودِ)؛ لأنَّه عليه السَّلامُ وَكَّلَ عُرْوَةَ بنَ الجَعْدِ في الشِّرَاءِ. وسَائِرُ العقودِ كالإجارةِ والقرضِ والمُضَاربةِ والإبراءِ ونحوِها في معناهُ. (والفُسُوخِ) كالخُلْعِ، والإقالَةِ، (والعِتْقِ والطَّلاقِ)؛ لأنَّه يَجُوزُ التوكيلُ في الإنشاءِ فجَازَ في الإزالَةِ بطريقِ الأَوْلَى. (والرِّجْعَةِ وتمَلُّكِ المُباحاتِ مِن الصيدِ والحَشِيشِ ونَحْوِه) كإحياءِ المَوَاتِ؛ لأنَّها تملُّكُ مَالٍ بسَبَبٍ لا يَتَعَيَّنُ عليه، فجَازَ كالابتياعِ. (لا الظِّهَارِ)؛ لأنَّه قولٌ مُنْكَرٌ وزُورٌ. (واللِّعَانِ والأَيْمَانِ) والنُّذُورِ والقَسَامَةِ، والقَسْمِ بينَ الزوجاتِ، والشهاداتِ، والرَّضَاعِ، والالتقاطِ، والاغتِنَامِ، والغَصْبِ، والجنايةِ، فلا تَدْخُلُها النيابَةُ.
(و) تَصِحُّ الوَكَالَةُ أَيْضاً ي كُلِّ حَقٍّ للَّهِ تَدْخُلُه النيابةُ مِن العباداتِ) كتفرقةِ صدقةٍ وزكاةٍ ونَذْرٍ وكفَّارَةٍ؛ لأنَّه عليه السَّلامُ كَانَ يَبْعَثُ عُمَّالَهُ لقَبْضِ الصَّدَقاتِ وتَفْرِيقِها. وكذا حَجٌّ وعُمْرَةٌ على ما سَبَقَ. وأمَّا العباداتُ البدنيَّةُ المَحْضَةُ كالصلاةِ والصَّوْمِ والطهارَةِ مِن الحَدَثِ فلا يَجُوزُ التوكيلُ فيها؛ لأنَّها تتَعَلَّقُ ببَدَنِ مَن هي عليه، لكنْ رَكْعَتَا الطوافِ تَتْبَعُ الحَجَّ. (و) تَصِحُّ في (الحُدودِ في إِثْبَاتِها واستِيفَائِها)؛ لقَولِه عليه السَّلامُ: ((اغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هذَا، فَإِنِ اعتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا)) فاعتَرَفَت فأَمَرَ بها فرُجِمَت. مُتَّفَقٌ عليه.
ويَجُوزُ الاستيفاءُ في حَضْرَةِ المُوَكِّلِ وغَيْبَتِه. (وليسَ للوَكِيلِ أن يُوَكِّلَ فيما وُكِّلَ فيه) إذا كَانَ يتَوَلاَّه مِثْلُه، ولم يُعْجِزْه؛ لأنَّه لم يُأْذَنْ له في التوكيلِ، ولا تَضَمَّنَه إِذْنُه لكَوْنِه يَتَوَلَّى مِثْلَه. (إلا أن يُجْعَلَ إليه) بأن يَأْذَنَ له في التوكيلِ، أو يَقُولَ: اصنَعْ مَا شِئْتَ. ويَصِحُّ توكيلُ عَبْدٍ بإذنِ سَيِّدِه.


  #4  
قديم 13 ربيع الأول 1430هـ/9-03-2009م, 10:56 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم

(ويصح التوكيل في كل حق آدمي من العقود)([1]).

لأنه عليه السلام وكل عروة بن الجعد في الشراء([2]) وسائر العقود، كالإجارة، والقرض، والمضاربة، والإبراء، ونحوها، في معناه ([3]) (والفسوخ) كالخلع، والإقالة، (والعتق، والطلاق) ([4]) لأنه يجوز التوكيل في الإنشاء، فجاز في الإزالة بطريق الأولى ([5]) (والرجعة ([6])
وتملك المباحات من الصيد، والحشيش، ونحوه) كإحياء الموات ([7]) لأنها تملك مال بسبب لا يتعين عليه، فجاز كالابتياع ([8]) (لا الظهار) لأنه قول منكر وزور ([9]) (واللعان والأَيمان) والنذور والقسامة ([10]) والقسم بين الزوجات ([11]) والشهادة والرضاع ([12]) والالتقاط، والاغتنام ([13]).
والغصب، والجناية، فلا تدخلها النيابة ([14]) (و) تصح الوكالة أيضًا (في كل حق لله تدخله النيابة من العبادات) ([15]) كتفرقة صدقة، وزكاة، ونذر، وكفارة ([16]) لأنه عليه السلام كان يبعث عماله لقبض الصدقات، وتفريقها([17]) وكذا حج، وعمرة، على ما سبق ([18]).
وأما العبادات البدنية المحضة([19]) كالصلاة، والصوم، والطهارة، من الحدث، فلا يجوز التوكيل فيها ([20]) لأنها تتعلق ببدن من هي عليه ([21]) لكن ركعتا الطواف تتبع الحج ([22]) (و) تصح في (الحدود في إثباتها، واستيفائها) ([23]) لقوله عليه السلام ((واغد يا أُنيس إلى امرأَة هذا، فإن اعترفت فارجمها)) فاعترفت، فأمر بها فرجمت، متفق عليه ([24]).
ويجوز الاستيفاء في حضرة الموكل، وغيبته ([25]) (وليس للوكيل أن يوكل فيما وكل فيه) إذا كان يتولاه مثله، ولم يعجزه ([26]) لأنه لم يأذن له في التوكيل، ولا تضمنه إذنه، لكونه يتولى مثله ([27]).
(إلا أن يجعل إليه) بأَن يأْذن له في التوكيل ([28]) أو يقول: اصنع ما شئت ([29]). ويصح توكيل عبد بإذن سيده ([30])


([1])بالإجماع، لما تقدم من الآيات والأخبار، وما يأتي، سواء كانت متعلقة بالمال، أو ما يجري مجراه، وسواء كان الموكل حاضرًا أو غائبًا.
([2])قال: أعطاني دينارا فقال "اشتر لنا شاة" فاشتريت شاتين بدينار، وبعت إحداهما بدينار، فأتيته بشاة ودينار. الحديث، ووكل في قبول النكاح وغيره، مما ينيف على ثلاثين حديثًا، تدل دلالة واضحة على صحة الوكالة في العقود وغيرها، وهو إجماع.
([3])أي سائر العقود مما ذكر ونحوها، كصلح، وهبة وإقرار، وضمان، وكفالة، وحوالة، وشركة، ووديعة، وجعالة، ومساقاة، وصدقة، ووصية، ونحو ذلك، في معنى التوكيل، لأن الحاجة تدعو إليها، كدعائها إلى التوكيل، فيثبت فيها حكمه، وقال الموفق وغيره: لا نعلم فيه خلافًا، وكذا الكتابة، والتدبير، والإنفاق، والقسمة، والحكومة، والوكالة في الوقف، وحكاه في الإنصاف في الجميع إجماعًا، وقال أبو حنيفة: للخصم أن يمتنع من محاكمة الوكيل إذا كان الموكل حاضرا. والجمهور على خلافه، لإجماع الصحابة، فإن عليا وكل عقيلا عند أبي بكر، وقال: ما قضى له فلي، وما قضي عليه فعلي، ووكل عبد الله بن جعفر عند عثمان، ولدعاء الحاجة إلى ذلك، فقد لا يحسن، أو لا يحب أن يتولاها بنفسه، لأن للخصومة قحما.
([4])أي أنه يصح التوكيل فيها، وهو كذلك بلا خلاف.
([5])ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك، فأشبه البيع.
([6])أي ويصح التوكيل في الرجعة، لأنه يملك بالتوكيل الأقوى، وهو إنشاء النكاح، كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم، فتلافيه بالرجعة أولى، وظاهره أن التوكيل في الرجعة للمرأة صحيح، سواء كان لها في رجعة نفسها أو غيرها.
([7])والاحتطاب، واستقاء الماء، فيصح التوكيل في ذلك، بلا خلاف.
([8])وكالاتهاب فيصح التوكيل فيه.
([9])ومحرم، فلا يجوز فعله، ولا الاستنابة فيه، أشبه بقية المعاصي.
([10])وكذا الإيلاء، لأنها تتعلق بعين الحالف والناذر، فأشبهت العبادات البدنية، والحدود، فلا يصح الاستنابة فيها.
([11])أي لا تصح الاستنابة فيه، لأنه يتعلق ببدن الزوج، لأمر يختص به، ولا يوجد في غيره.
([12])أي لا تصح استنابة في الشهادة، بأن يقول: اشهد عني. لتعلقها بعين الشاهد، لأنها خبر عما رآه أو سمعه، ولا يتحقق ذلك في نائبه، فإن فعل كان شاهدا على شهادته، ولا في الرضاع، كأن تقول امرأة لامرأة: أرضعي عني لأنه يختص بالمرضعة، والمرتضع، لأمر يختص بإنبات لحم المرتضع، وانشاز عظمه من لبنها.
([13])أي ولا يصح التوكيل في الالتقاط، فإذا فعل ذلك فالتقط، كان أحق من الآمر، ولأن المغلب فيه الائتمان، ولا يصح في الاغتنام، لأنه مستحق بالحضور، فلا طلب للغائب به.
([14])أي ولا يصح التوكيل في الغصب، والجناية، لأن ذلك محرم، وكذلك كل محرم، لأنه لا يحل له فعله بنفسه، فلم تجز النيابة فيه، وقوله «فلا تدخلها النيابة» يعني الظهار، وما عطف عليه، فلا تصح الوكالة فيه، لعدم قبوله النيابة.
([15])يعني المتعلقة بالمال.
([16])قال في الإنصاف: بلا نزاع أعلمه. ويجوز للمخرج التوكيل في إخراجها، ودفعها إلى مستحقها، ولا يأخذ لنفسه من الصدقة، ولا لأجل العمل، لأن لفظ الموكل ينصرف إلى دفعه إلى غيره، ويجوز لولده، ووالده، إذا كان من أهل الصدقة، ويجوز أن يقول لغيره: أخرج زكاة مالي من مالك. لأنه اقتراض من مال وكيل، وتوكيل له في إخراجه.
([17])كما هو مستفيض من غير وجه، ومنه ما في الصحيحين: أنه بعث عمر على الصدقة. وقال لمعاذ: ((صدقة تؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم)) وكذا خلفاؤه، وولاة المسلمين.
([18])أي في كتاب المناسك، سواء كان نفلاً مطلقًا، أو فرضًا، من نحو معضوب، وتقدم بأدلته.
([19])يعني الخالصة، وهي ما لا تتعلق بالمال.
([20])قولا واحد، وكذا الاعتكاف، وتجديد الوضوء، ونحوه مما يتعلق بالبدن فحسب.
([21])أي فلا يقوم غيره مقامه، ولأن الثواب عليه لأمر يخصه، فلا تدخله النيابة، إلا أن الصيام المنذور يفعل عن الميت، أداء لما وجب عليه، وليس بتوكيل وتصح طهارة الخبث لأنها من التروك، وتجوز الاستنابة في صب الماء، وإيصاله إلى الأعضاء.
([22])وإن كانت الصلاة لا تدخلها النيابة، لكن دخلت تبعا، وهذا استدراك من قوله ((وأما العبادات البدنية)) الخ فالحقوق ثلاثة أنواع، نوع تصح الوكالة فيه مطلقًا، وهو ما تدخله النيابة من حقوق الله، وحقوق الآدمي، ونوع لا تصح الوكالة فيه مطلقًا، كالصلاة، والظهار، ونوع تصح فيه مع العجز دون القدرة، كحج فرض، وعمرته.
([23])أي وتصح الوكالة في إثبات الحدود، كحد زنا، وسرقة، واستيفائها ممن وجبت عليه، ويقوم الوكيل مقام الموكل، في درئها بالشبهات.
([24])فدل الحديث على صحة التوكيل في إثبات الحدود، واستيفائها، وأمر
النبي صلى الله عليه وسلم برجم ماعز فرجموه، ووكل عثمان عليا في إقامة حد الشرب على الوليد بن عقبة، ولأن الحاجة تدعو إليه، لأن الإمام لا يمكنه تولي ذلك بنفسه، وقال ابن رجب: بناء على أن القاضي ليس بنائب للإمام، بل هو ناظر للمسلمين، لا عن ولاية، ولهذا لا ينعزل بموته، ولا بعزله، فيكون حكمه في ولايته حكم الإمام، ولأنه يضيق عليه تولي جميع الأحكام بنفسه، ويؤدي ذلك إلى تعطيل مصالح الناس العامة، فأشبه من وكل فيما لا تمكن مباشرته عادة لكثرته.
([25])وهو قول مالك، واستثنى بعضهم القصاص، وحد القذف، لاحتمال أن يعفو الموكل في حال غيبته فيسقط، والأول المذهب، لأن ما جاز استيفاؤه في حضرة الموكل، جاز في غيبته، كالحدود وسائر الحقوق، واحتمال العفو بعيد، ولأن قضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يحكمون في البلاد، ويقيمون الحدود التي تدرأ بالشبهات، والأولى الاستيفاء بحضوره فيهما، لاحتمال عفوه.
([26])في قوله «ليس للوكيل أن يوكل فيما وكل فيه» أحوال ثلاثة «أحدها» إذا كان يتولاه مثله، ولم يعجزه عمله، فليس له أن يوكل فيما وكل فيه، وهو مذهب أبي حنيفة، والشافعي.
([27])فلم يجز له التوكيل، كما لو نهاه، ولأنه استؤمن فيما يمكنه النهوض
فيه، فلا يوليه غيره، كالوديعة، فإن كان لا يتولاه مثله، كالأعمال الدنية في حق أشراف الناس، المترفعين عن فعلها في العادة، أو يعجز عن عمله ككثرته، أو لكونه لا يحسنه، أو غير ذلك، فله التوكيل فيه، وحكي أنه لا نزاع فيه.
([28])أي فيجوز له التوكيل، لأنه عقد أذن فيه، فكان له فعله، كالتصرف المأذون فيه، قال الموفق وغيره: لا نعلم فيه خلافًا، وهذا «الحال الثاني».
([29])أي أو يقول: وكلتك فاصنع ما شئت أو: تصرف كيف شئت، فله أن يوكل، لأن لفظ: اصنع ما شئت. عام، فيدخل في عمومه التوكيل، «والحال الثالث» أن ينهى الموكل وكيله عن التوكيل، فلا يجوز له التوكيل، بغير خلاف، لأن ما نهاه عنه غير داخل في إذنه، فلم يجز له، كما لو لم يوكله، وكل وكيل جاز له التوكيل، فليس له أن يوكل إلا أمينا، لأنه لا نظر للموكل في توكيل من ليس بأمين، فإن تغير فعليه عزله، فإن لم يعلم بالتغير فلا ضمان عليه، وإن عينه الموكل جاز وإن لم يكن أمينا، لأنه قطع نظره بتعيينه، ولا ينعزل الوكيل الثاني بموته ونحوه، ولا يملك عزله، ولو قال: وكل فلانا عني في بيع كذا، فقال الشيخ: لا يحتاج إلى تبيين أنه وكيله، أو وكيل فلان.
([30])لأن المنع لحق السيد، فجاز بإذنه، ولا يجوز بغير إذنه، لأنه لا يجوز له التصرف بغير إذن سيده، سوى ما يملكه وحده، فيجوز توكيله في الطلاق من غير إذن.


  #5  
قديم 3 جمادى الآخرة 1431هـ/16-05-2010م, 02:58 PM
ريحانة الجنان ريحانة الجنان غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الثاني
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 133
افتراضي الشرح المختصر على متن زاد المستقنع للشيخ صالح بن فوزان الفوزان

ويَصِحُّ التوكيلُ(6) في كلِّ حقِّ آدَمِيٍّ من العُقودِ (7)والفُسوخِ(8)، والعِتْقِ والطلاقِ، والرَّجعةِ وتَمَلُّكِ الْمُباحاتِ من الصيدِ والحشيشِ ونحوِه(9)، لا الظِّهارِ واللعانِ والأَيْمَانِ(10) , وفي كلِّ حقٍّ للهِ تَدْخُلُه النيابةُ من العِباداتِ(11) والحدودِ في إثباتِها واستيفائِها(12)، وليس للوَكيلِ أن يُوَكَّلِ فيما وُكِّلَ فيه إلا أن يُجْعَلَ إليه(13) .



(6) هذا تفصيل للجملة السابقة .
(7) لأنه صلى الله عليه وسلم وكل عروة بن الجعد في الشراء ، وبقية العقود في معناه .
(8) جمع فسخ أي : فسخ العقود كالخلع والإقالة والعتق والطلاق ؛ لأنه يجوز التوكيل في الإنشاء فجاز في الإزالة .
(9) لأﻧﻬا تملك مال بسبب لا يتعين عليه فجاز كالشراء .
(10) هذا بيان لما لا يجوز التوكيل فيه ، والظهار : كقوله لامرأته أنت علىُ كظهر أمي ، واللعان : أيمان مختومة بالدعوة على نفسه باللعنة في حالة قذف الزوج لزوجته بالزنا ، والأيمان جمع يمين وهو الحلف ، ويأتي بياﻧﻬا مفصلة في أبواﺑﻬا ، فهذه الأشياء لا يدخلها التوكيل ؛ لأن الظهار محرم وهو منكر وزور ، واللعان والأيمان تتعلق بالحالف .
(11) أي : فيصح التوكيل فيه كتفرقة الصدقة والنذر والكفارة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث عماله لقبض الزكوات .
(12) أي : فيصح التوكيل في ذلك ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها فاعترفت فأمر ﺑﻬا فرجمت )) متفق عليه .
(13) لا يجوز للوكيل أن يوكل إلا في ثلاث حالات ،الأولى : إذا كان يعجزهالعمل ، الثانية : إذا أذن له الموكل بذلك ، الثالثة : إذا كان مثله لا يعمل هذا العمل .


  #6  
قديم 16 ربيع الثاني 1432هـ/21-03-2011م, 02:37 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

وَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِي كُلِّ حقِّ آدَمِيٍّ مِنَ العُقُودِ والفُسُوخِ والعِتْقِ، والطَّلاقِ، والرَّجْعَةِ،
قوله: «ويصح التوكيل في كل حق آدمي من العقود» هذا هو القسم الذي يصح مطلقاً، أي: سواء كانت عقود تبرعات أو معاوضات أو أنكحة أو توثيقات، أو غير ذلك، فحق الآدمي من العقود يبدأ بالبيع، فيجوز أن يوكل في بيع أو شراء، وكذا الإجارة، فيجوز أن يوكل شخصاً يستأجر له بيتاً، أو يؤجر بيته، وكذا الرهن فيصح أن يوكل شخصاً أن يرتهن له شيئاً أو يرهن له شيئاً، والوقف فيصح أن يقول: وكلتك أن توقف بيتي الفلاني وتثبته عند المحكمة.
قوله: «والفسوخ» وتَرِدُ على كل عقد.
مثاله: إنسان اشترى شيئاً معيباً، ووكل إنساناً أن يفسخ البيع مع البائع، وقال: أنا اشتريت السيارة الفلانية من فلان ووجدت فيها عيباً وأنا لن أنازعه؛ لأنه رجل صاحب قوة وبيان، وقد وكلتك أن تفسخ البيع معه، فهذا جائز.
وَكَّلَ زوج رجلاً أن يخالع زوجته، والمخالعة الفراق على عوض؛ لأن الطلاق على عوض شيء، والخلع شيء آخر، فالطلاق على عوض يحسب من الطلاق على المذهب، فلو كانت هذه آخر طلقة على عوض حرمت عليه، لكن إذا كان خلعاً وقد طلق قبل ذلك مرتين فإنها لا تحرم عليه؛ لأن الخلع فسخ وليس طلاقاً.
فإذا وكل إنساناً في مخالعة زوجته فهذا جائز، لكن لا بد من أن يذكر مقدار العوض؛ لأنه ربما يوكله في خلع زوجته، ثم تكون غالية في قلب الزوج، ولا يمكن أن يخلعها بأقل من عشرة آلاف، فيأتي هذا الوكيل ويخلعها بألف ريال فلا بد من التعيين.
ويجوز التوكيل في الإقالة، وهي فسخ عقد البيع أو الإجارة أو غيره، مثاله: اشتريت من فلان سيارة ثم لم تعجبني السيارة، فرجعت إليه وقلت: أريد أن تقيلني البيع، فقال: نعم، فلو وكلت إنساناً في الإقالة يجوز سواء من البائع أو من المشتري، وهذا نسميه فسخاً، والفرق بين العقد والفسخ، أن العقد إيجاد العقد، والفسخ إزالة العقد.
قوله: «والعتق» فيصح أن يوكل شخصاً في إعتاق عبده؛ لأن هذا يصح التوكيل في عقده، فصح التوكيل في عتقه والتخلي عنه.
قوله: «والطلاق» أن يوكل فيه فيقول: يا فلان وكلتك أن تطلق زوجتي، وتكون الفائدة ـ مثلاً ـ أنه يثبت طلاقها عند المحكمة.
ويصح أن يوكل زوجته في طلاق نفسها؛ لأن من له التصرف في شيء فله التوكيل والتوكل فيه، وهل للزوجة أن تتصرف في الطلاق وتطلق زوجها؟!
الجواب: لا، لكن هذه مستثناة، فيجوز أن يوكل زوجته في طلاق نفسها.
ودليل ذلك أن النبي صلّى الله عليه وسلّم خيَّر نساءه بين أن يردن الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم أو يردن الحياة الدنيا[(1)]، وهذا مثل الطلاق فتكون هذه المسألة مستثناة، وتقول: طلقت نفسي من موكلي فلان.
قوله: «والرجعة» يصح التوكيل فيها، بأن يقول لشخص حين طلق زوجته: وكلتك في مراجعتها.
فإذا قال قائل: لماذا يوكل في مراجعتها، لماذا لم يراجع هو بنفسه؟
نقول: قد يكون غائباً ويقول للوكيل: راقبها لا تنقضي عدتها حتى تراجعها، الزوج لا يريد أن يراجعها بنفسه، بل ربما يريد أن يهينها بعض الشيء حتى تستقيم، وربما لا يخبرها بأنه راجعها حتى تستقيم أيضاً، ويجوز أن يوكل أبا الزوجة في رجعتها، فيقول: وكلتك في مراجعة ابنتك، لكن لو خاف ألاّ يراجع، إذا كان أبو الزوجة لا يحب أن يرجع الزوج لزوجته، ففي هذه الحال يجب أن يحتاط لنفسه وألا يوكله؛ لئلا يفوت عليه الرجعة.

وتَمَلُّكِ المُباحَاتِ مِنَ الصَّيْدِ والحَشِيشِ وَنَحْوِهِ لا الظِّهَارِ واللِّعَانِ والأَيْمَانِ وَفِي كُلِّ حقٍّ تَدْخُلُه النِّيابَةُ مِنَ العِباداتِ والحُدُودِ في إثبَاتِها واستِيفَائِها ...
قوله: «وتملك المباحات من الصيد» «المباحات» أي: التي لم تكن على ملك الغير، فالمباح هو الذي حصل من غير فعل آدمي، مثل الكلأ أو الصيد، يعني له أن يوكله في تملك المباحات، فيقول: وكلتك أن تصيد لي طيراً وأرنباً وغزالاً، فيقول: قبلت، ويأخذ البندقية ويذهب ويصيد، فعلى كلام المؤلف يجوز؛ لأن هذا فعل مباح اسْتَنَبْتُ فيه غيري فجاز.
والقول الثاني: أنه لا يجوز التوكيل في تملك المباحات؛ لأن الموكِّل حين التوكيل لا يملكها، فلا يملك التصرف فيها، وبناءً على هذا القول، لو أن الوكيل تصرف وأتى بالصيد فيكون للوكيل؛ لأن الوكالة لم تصح، وإذا أراد الوكيل أن يعطيه الموكل يكون هبة؛ لأنه حين صاده صار في ملكه، فإذا أعطاه الموكل فهو هبة، وليس عن طريق الوكالة.
وقوله: «والحشيش» فإذا وكله فقال: يا فلان وكلتك أن تحش لي هذه المنطقة، فحشَّها، فالمؤلف يرى أنه يصح، وأنه إذا حشَّها فإنها تكون على ملك الموكل.
ويجب على الإنسان أن يبين ما يريد من الألفاظ المشتركة، فالآن الحشيش مشترك بين ما تنبته الأرض كما في الحديث: ((لا يحش حشيشها)) [(2)]، وبين ما يستعمل في التخدير، فيجب في مثل هذه المسائل المشتركة لا سيما إذا كان يتبادر إلى أذهان العامة الشيء المحرم، أن تبين الأمور وتوضح حتى يكون الإنسان على بصيرة، فقول المؤلف ـ رحمه الله ـ «والحشيش» ، أي: ما تنبته الأرض.
قوله: «ونحوه» أي: من الأشياء المباحة كأخذ الكمأة، فإنها لا تعد من الحشيش؛ ولهذا يجوز أن يستخرج الإنسان الكمأة ولو في أرض مكة؛ لأنها ليست من الحشيش.
قوله: «لا الظهار واللعان والأيمان» فهذه لا يجوز فيها الوكالة؛ لأنها متعلقة بالفاعل نفسه، فلو وكل شخصاً في الظهار من امرأته وذهب الرجل إلى المرأة، وقال لها: أنت على زوجك كظهر أمه عليه، فهنا لا يثبت الظهار؛ لأن هذا عقد يتعلق بالفاعل نفسه فلا يصح، أما إذا وكله في الطلاق فإنه يصح؛ لأنه فسخ، ولذلك لو فرضنا أنه صح التوكيل في الظهار، وأراد الزوج الرجوع، فالزوج هو الذي يتحمل الكفارة، وإذا كانت الكفارة تتعلق بالموكِّل فإنه لا يصح التوكيل فيه.
وقوله: «واللعان» ـ أيضاً ـ لا يصح التوكيل فيه، وهو مشتق من الملاعنة، وهي أيمانٌ مؤكدة بشهادات سببها ما يكون بين الزوج وزوجته إذا رماها بالزنا ـ والعياذ بالله ـ فقال: إن امرأته زنت فهذا له حالات ثلاث:
أولاً: إن أقرت الزوجة بذلك ارتفعت عنه العقوبة، ووجبت العقوبة على الزوجة.
ثانياً: إن أنكرت وأتى ببينة ارتفعت عنه العقوبة، ووجب الحد على الزوجة.
ثالثاً: إن أنكرت ولم يجد بينة فحينئذٍ نجري اللعان، فيشهد الزوج أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، ويقول في الخامسة: وأن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، فإن ردت عليه اللعان فله حكمه، وإن لم ترد اللعان فهل يثبت عليها الحد أو لا؟
من العلماء من يقول: إن الزوج إذا لاعن ثم نكلت الزوجة وجب عليها الحد.
ومنهم من يقول: إذا لاعن الزوج ونكلت الزوجة، فإنها تحبس حتى تقر أو تلاعن أو تموت.
والقول الأول هو الصحيح، وهو المتعين؛ لأنه يكون كإقامة البينة، فقول الله ـ تعالى ـ: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ } [النور] ، فالعذاب يعني الحد، وليس الرجم، بدليل أن الله تعالى قال: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأَفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } [النور] ، فسمى الله الحد عذاباً، فإن لم تشهد وجب الحد عليها.
فإذا أراد الزوج أن يلاعن الزوجة؛ لإثبات ما ادعاه عليها، ولكنه أراد أن يوكل من يلاعن عنه، فهذا لا يقبل؛ لأن اللعان يتعلق بالزوج نفسه، إذ أنه إذا لم يلاعن وجب عليه حد القذف، وإن لاعن ونكلت هي وجب عليها حد الزنا، فالوكيل لا يجوز أن يقول: «وأن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين»، وهو ـ أيضاً ـ لم يقذف، وكذلك المرأة لا توكل من يلاعن عنها.
وقوله: «والأيمان» لا تدخل فيها النيابة فلا تصح فيها الوكالة، فلو أن شخصاً ادعى على زيد بمائة ريال وليس عنده بينة، فالحكم أن يحلف زيد المدعى عليه يميناً بأنه لا حق لفلان عليه؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ((واليمين على من أنكر)) [(3)]، فلما توجهت اليمين على المنكر، قال: أُوكِّلُ فلاناً يحلف عني، فهذا لا يصح؛ لأن هذه مما تتعلق بالإنسان نفسه، وهو الذي يكون آثماً أو بارّاً، فلا يصح فيها الوكالة.
ولو أن يهودياً عليه جزية، وكان موعد أخذ الجزية منه يوم الاثنين، فقال اليهودي لخادمه: اذهب أعطِ المسلمين الجزية، فذهب الخادم وأعطى الجزية، فلا يصح التوكيل؛ لأن هذا يتعلق بالإنسان نفسه، لقول الله ـ تعالى ـ في صفة أخذ الجزية: {{}} [التوبة: 29] ، ولهذا إذا جاء بها لا بد أن يسلمها «عن يد» يعني من يده، أو «عن يد» أي: عن قوةٍ مِنَّا عليه، وهو ـ أيضاً ـ صاغر، ونسأل الله ـ تعالى ـ أن يعيد للمسلمين هذا المجد الذي فقدوه بفقدهم كثيراً من دينهم.
قوله: «وفي كل حق تدخله النيابة من العبادات» أي: وتصح الوكالة في كل حق لله تدخله النيابة.
حق الله ينقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم يدخله التوكيل مطلقاً، وقسم لا يدخله مطلقاً، وقسم فيه تفصيل.
القسم الأول: كل العبادات المالية تدخلها النيابة، كتفريق زكاة وصدقة وكفارة.
القسم الثاني: العبادات البدنية لا تصح فيها الوكالة، مثل الصلاة والصيام والوضوء والتيمم وما أشبهها، فهذه عبادة بدنية تتعلق ببدن الإنسان فلا يمكن أن تدخلها النيابة، ولكن لو وكلت شخصاً يستفتي عني فهذا لا بأس به؛ لأن هذا نقل علم يقصد به الإخبار فقط؛ ولذلك كان الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ يوكل بعضهم بعضاً في استفتاء النبي صلّى الله عليه وسلّم[(4)]، فإن قيل: يرد على هذا قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((من مات وعليه صيام صام عنه وليه)) [(5)]، فهذا يدل على أن العبادة البدنية يكون فيها نيابة، فالجواب: أن هذا ليس عن طريق التوكيل، ولكن هذا تشريع من النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ فهو في الحقيقة أصيل وليس بوكيل، ولهذا يصوم الإنسان عن ميته سواء أوصى به أم لم يوصِ به، فالمسألة هنا ليست من باب الوكالة، لكنها من باب القيام مقام الشخص بأمرٍ من الشرع.
القسم الثالث من العبادات: هو الذي يصح فيه التوكيل على التفصيل، مثل الحج، فيجوز فيه التوكيل في الفرض للذي لا يستطيع أن يحج، أي أنه عاجز عن الحج عجزاً مستمراً، وسيأتي تفصيل ذلك.
المهم أن الأصل في حقوق الله أنه لا يجوز فيها الوكالة؛ لأن حقوق الله المقصود بها إقامة التعبد لله ـ عزّ وجل ـ وهذه لا تصح إلا من الإنسان نفسه؛ لأنك لو وكلت غيرك، فهل بفعله تحس بأن إيمانك زاد به؟ الجواب: لا؛ ولذلك كان الأصل في حقوق الله ألاّ تصح الوكالة فيها، هذا هو الضابط؛ وذلك لأن المقصود بها التعبد لله، وهذا لا يصح فيما إذا قام به غير المكلف، إذاً لا نجيز الوكالة في شيء من العبادات إلا فيما ورد فيه الشرع، هذا هو الأصل، ولننظر:
أولاً: الصلاة هل ورد التوكيل فيها؟
الجواب: لا، لا فرضها ولا نفلها.
هل ورد قضاؤها عمَّن مات وعليه صلاة؟
الجواب: لا، لم يرد، لا في الفرض ولا في النفل.
إذاً الصلاة لا تصح الوكالة فيها في حالة العجز، ولا في حال القدرة، ولا في الفرض، ولا في النفل.
ثانياً: الزكاة هل تصح الوكالة فيها؟
الجواب: نعم، تصح الوكالة فيها للعاجز والقادر، يعني يصح أن يوكل القادر شخصاً يؤدي زكاته إلى الفقراء، حتى لو قال: خذ زكاتي من مالي وهو لا يعلم عنها، بأن قال له: أحصِ مالي وخذ زكاته وتصدق بها على الفقراء، فإن ذلك جائز. والوكالة في الزكاة لها صورتان:
الصورة الأولى: أن يحصي الإنسان ماله ويعرف زكاته، ويأخذها ثم يسلمها إلى الوكيل، وهذا لا إشكال فيه، والثمرة التي تحصل بأداء الزكاة تحصل في هذه الحال؛ لأن الإنسان يشعر الآن بأنه أخرج من محبوباته ما يكره أن يخرج منها، لكن الله يحب ذلك فأخرجها لله.
الصورة الثانية: أن يوكل شخصاً في إحصاء ماله ويقول: أحصِ مالي وأخرج زكاته، وهذا لا شك أنه لا يكون في قلبه، ما كان في قلب الأول؛ لأنه لا يحس بأنه أخرج شيئاً معيناً تتعلق به النفس من ماله المحبوب إليه، لكن مع ذلك تصح الوكالة، وهذا ثابت بالسنة، وإذا ثبت بالسنة فهي الفاصل، فقد كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يوكل في إخراج الزكاة، ويوكل في حفظها، ويوكل في قبضها صلّى الله عليه وسلّم.
وإذا صحت الوكالة في الزكاة فلا فرق بين أن يعيِّن المدفوع له أو لا يعين، بأن يقول: ادفع زكاتي لفلان أو يقول: ادفعها لمستحق، لكنه إذا عين الجهة فإن الوكيل لا يصرف الزكاة في غيرها، إلا بعد مراجعة الموكل، فلو قال: أعطها فلاناً، فلا يمكن أن يصرفها لغيره إلا بإذن موكله؛ لأن الوكيل محدود تصرفه بما وكل فيه، لكن لو فرض أن صاحب المال قال: أعطِ زكاتي فلاناً، وهو يعلم أن فلاناً لا يستحق، لكنه لم يعلم إلا بعد أن فارقه الموكِّل؛ لأن الموكل إذا كان يعلم أنه ليس بأهل سيقول له فوراً: إنه لا يستحق، ويجب عليه أن يقول: بأنه ليس أهلاً؛ لأن بعض العوام المساكين يقولون: لا تقطع رزقه، فإذا قال لك أعط زكاتي فلاناً فأعطه إياها سواء يستحق أو لا، وهذا غلط وخيانة ولا يجوز، فإذا كنت تعلم أنه لا يستحق قل: يا أخي هذا لا يستحق، فإذا قال: أعطها إياه وإن لم يستحق، فإنك تقول: لا؛ لأني لو فعلت لأعنته على الإثم، حيث وضع الزكاة في غير محلها، أما إذا لم أعلم إلا بعد أن فارقني الموكِّل، أي: أعطاني الموكل مائة ريال وقال: خذ هذه زكاة أعطها فلاناً، وبعد أن فارقني عرفت أن فلاناً لا يستحق، فهنا أوقف العطاء حتى أراجعه وأقول: إن فلاناً لا يستحق، فإذا قال: أعطه ولو كان لا يستحق، أقول: لا، لا أعينك على الإثم.
فإن قال: أعطها إياه تطوعاً، فهنا يصح ويعطيها إياه.
إذاً الزكاة يجوز التوكيل في قبضها وإخراجها للعاجز والقادر؛ لأن السنة وردت به؛ ولأنها في الحقيقة يتعلق بها حق ثالث، وهو المستحق، فمتى وصلت إلى مستحقها من أي جهة كانت فهي في محلها.
ثالثاً: الصوم هل يجوز أن يوكل أحداً يصوم عنه؟
الجواب: لا، لا فرضاً ولا نفلاً، حتى لو كان عاجزاً عليه كفارة يمين، أو فدية أذى صيام ثلاثة أيام وهو شيخ كبير وله أولاد، فقال لأبنائه: صوموا عني ثلاثة أيام، فلا يجزئ هذا عنه؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وإذا لم يرد فقد قلنا: إن الأصل في العبادات أنه لا يجوز التوكيل فيها؛ لأنه يفوت المقصود من التعبد لله ـ عزّ وجل ـ إذاً لو أن العاجز وكَّل في الصوم، ما أجزأ إذا كان عجزه لا يرجى زواله، ولو وكل في الإطعام عنه فهذا يجزئ؛ لأن الإطعام يشبه الزكاة فيجزئ.
إذا مات فهل يقضى عنه أو لا يقضى؟ أما النفل فلا يقضى؛ لأنه لم يرد، وما دام أنه لم يرد فالأصل عدم القضاء، فلو أن إنساناً كان من عادته أن يصوم الأيام الثلاثة البيض ولكنه لم يصمها، ثم توفي قبل استكمال الشهر فإنه لا يصام عنه.
وإذا كان واجباً فمن العلماء من قال: إنه لا يصام عنه؛ لأنه إذا مات وهو لم يصم صار كالشيخ الكبير والمريض الميؤوس منه، فيطعم من تركته عن كل يوم مسكيناً ولا يصام عنه.
وقال بعض العلماء: يصام عنه صيام الفرض سواء كان واجباً بأصل الشرع كرمضان والفدية والكفارة، أو كان واجباً بالنذر، واستدلوا بقوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ في الصحيحين: ((من مات وعليه صيام صام عنه وليه)) [(6)]، فقوله: «وعليه صيام» ، يشمل الفرض بأصل الشرع أو الفرض بالنذر فهو عام.
وفصل بعض العلماء فقال: إن كان واجباً بالنذر قضي عنه، وإن كان واجباً بأصل الشرع فإنه لا يقضى عنه.
واستدلوا بأن امرأة أتت النبي صلّى الله عليه وسلّم فقالت: إن أمها نذرت أن تصوم شهراً فلم تصم فقال: ((صومي عنها)) [(7)]، فأذن لها أن تصوم عنها، والصيام نذر ولا يقاس عليه الواجب بأصل الشرع؛ لأن الأصل في العبادات عدم جواز الوكالة، لكن هذا القول ضعيف.
والصواب القول الثاني أنه يجوز أن يصام عن الميت ما وجب عليه من فرض بأصل الشرع أو فرض بالنذر، والدليل عموم حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه» ، وما قصة المرأة التي سألت عن النذر إلا فرداً من أفراد هذا العموم، لا يخالفه ولا يقيده، فهي قضية عين وقع فيها أن الميت مات وعليه صوم مفروض، فأذن النبي صلّى الله عليه وسلّم بالصيام عنها، ثم نقول ـ أيضاً ـ: أيهما أكثر أن يموت الإنسان، وعليه صيام من رمضان أو عليه صيام نذر؟
الجواب: الأول لا شك، فمتى يأتي إنسانٌ نَذَرَ أن يصوم ومات قبل أن يصوم؟! فلا يمكن أن نحمل الحديث العام على الصورة النادرة، دون الصورة الشائعة، فهذا في الحقيقة خلل في الاستدلال.
فالصواب أنه يصام عنه إذا مات وعليه صيام، لكن متى يكون عليه الصيام؟
الجواب: إذا أمكنه أن يصوم ولكنه فرط ثم مات، وأما من لم يفرط فإنه لا صيام عليه؛ لأنه إن كان مريضاً مرضاً لا يرجى برؤه ففرضه الإطعام، وإن كان مرضاً يرجى برؤه واستمر به المرض حتى مات، فلا قضاء عليه؛ لأنه لم يدرك أن يقضي، ومثل ذلك إذا حصل حادث ومات الإنسان المخطئ في نفس الحادث في الحال، والمخطئ إذا قتل نفساً خطأ فيكون عليه إما عتق رقبة، وإما صيام شهرين متتابعين، فإن مات وكان ذا مال يتسع لعتق الرقبة، أُعتق من ماله؛ لأنه دين عليه، وإن كان ليس عنده مال أو لا توجد الرقبة فلا صيام عليه؛ لعدم التمكن من الأداء، فالرجل لم يتمكن من الأداء؛ لأنه مات في الحال، فكيف نلزمه صيام أيام لم يعشها؟! الله تعالى يقول: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286] ، وهذا أبلغ، هذا غير ممكن إطلاقاً.
فحكم التوكيل في الصيام لا يصح مطلقاً في حال الحياة لا فرضاً ولا نفلاً، ولا عاجزاً ولا قادراً.
رابعاً: الحج: الحج كغيره من العبادات؛ والأصل فيه عدم جواز التوكيل؛ لأنه عبادة، والأصل في العبادة أنها مطلوبة من العابد، ولا يقوم غيره مقامه فيها، وحينئذٍ نقول: الحج وردت النيابة فيه عن صنفين من الناس.
الأول: من مات قبل الفريضة فإنه يحج عنه؛ لأنه ثبت ذلك بالسنة[(8)].
الثاني: من كان عاجزاً عن الفريضة عجزاً لا يرجى زواله، فهذا جاءت السنة بالحج عنه[(9)]؛ وعليه فإذا عجز الإنسان عن الحج بعد وجوبه عليه مع قدرته عليه ماليّاً، والعجز لا يرجى زواله كالكبر والمرض الذي لا يرجى برؤه، قلنا: ينوب عنه من يحج عنه؛ لأن ذلك ثبت بالسنة.
لو وكَّل في حج الفريضة وهو قادر فلا يصح، فإذا حج الوكيل فالحج له؛ لأن هذه الوكالة فاسدة، والفاسد وجوده كالعدم.
والنافلة إذا وَكَّلَ فيها شخصٌ مريضٌ مرضاً لا يرجى برؤه، فحج عنه هذا الوكيل، فهذا لا يجوز؛ لأن ذلك إنما ورد في حج الفريضة، وما دمنا قلنا: إن الأصل في العبادات عدم جواز التوكيل فإنه لا يوكل؛ لأن النافلة لم يرد فيها التوكيل، فنقول لهذا: إن كنت قادراً فحج بنفسك، وإن كنت عاجزاً فلم يوجب الله عليك الحج فلا تحج، ونقول لمن كان قادراً بنفسه: الصدقة بهذا المال أفضل بكثير من أن توكل من يحج عنك، وإعانة حاج لتأدية فرض الحج بهذه خمسة الآلاف، أفضل من أن يحج عنك نفلاً.
لكن بعض العلماء ـ رحمهم الله ـ توسع في هذا، وقال: إذا كان يجوز له أن يستنيب في الفرض جاز أن يستنيب في النافلة، وعلى هذا فإذا كان عاجزاً عجزاً لا يرجى زواله، فله أن يوكل من يحج عنه، قالوا: لأن طلب الفريضة من الإنسان بدنيّاً أقوى وأشد من طلب النافلة، فإذا جاز التوكيل في الأشد جاز التوكيل في الأخف، لكن هذا التعليل معارض بالتعليل الأول، وهو أن المطالب بالفريضة لا بد أن يأتي بها، إما بنفسه أو بنائبه.
وبعضهم ـ أيضاً ـ توسع وقال: النفل يجوز التوكيل فيه ولو كان قادراً، وهذا من غرائب العلم؛ لأن هذا لا يصح أثراً ولا نظراً، فلا يصح أثراً؛ لأنه لم يرد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أن أحداً حج عن أحد نافلة.
وأما نظراً فلأننا إن قلنا بالقياس على الفريضة، فالفريضة لم ترد إلا في حال العجز عجزاً لا يرجى زواله.
وبعضهم ـ أيضاً ـ توسع توسعاً ثالثاً، وقال: يجوز أن يوكل الإنسان في حج النفل ولو في أثنائه، وعلى هذا إذا ذهب إنسان للعمرة وطاف ووجد مشقة وهي نافلة، وقال لإنسان: يا فلان وكلتك تسعى عني وتحلق عني، جاز على هذا القول، وهذا في الحقيقة من أضعف الأقوال، أن يستنيب شخصاً في إكمال النافلة؛ لأن الحج إذا شرع فيه الإنسان، صار فرضاً واجباً عليه لا يمكن أن يتحلل منه إلا بإتمامه، أو بالإحصار عنه، أو بالعذر إن اشترط، لقول الله ـ تعالى ـ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالَعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] ، فالحج من بين سائر الأعمال إذا شرعت فيه وهو نفل يلزمك أن تتمه، قال الله ـ تبارك وتعالى ـ: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} [البقرة: 197] ، فجعل الإحرام بالحج فرضاً، وقال ـ تعالى ـ: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} يعني الحُجاج {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29] .
وأقرب الأقوال: أن التوكيل في النفل للقادر لا يصح أبداً، فيقال للقادر: إما أن تحج بنفسك وإما ألا تحج، وأما العاجز ففي إلحاق النفل بالفرض ثقل على النفس، فالإنسان لا يجزم بأنه يلحق بالفرض؛ لأن الفرض لازم يطالب به الإنسان، والنفل تطوع ليس بلازم، فإذا أجازت الشريعة التوكيل في الفرض فإنه لا يلزم أن يجوز ذلك في النفل؛ لأن الإنسان من النفل في سعة، والقول بأنه إذا جاز في الفرض جاز في النفل من باب أولى ضعيف، وكون الفرض أشد مطالبة أن يقوم الإنسان فيه ببدنه نقول: هذا صحيح، لكن العبادات الأصل فيها منع التوكيل فيقتصر على ما ورد، ولذلك بعض الناس يوكل في حجج كثيرة، نافلة لأبيه، وأمه، وعمه، وخاله، وما أشبه ذلك، ولكنه جالس من غير عجز، فأين الحج الذي جعله الرسول صلّى الله عليه وسلّم جهاداً حين سألته عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: يا رسول الله هل على النساء جهاد؟ قال: ((عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة)) [(10)]؟!
خامساً: الشهادتان، لا يجوز التوكيل فيهما مطلقاً، فلو قال شخص غير مسلم: يا فلان أنا أريد أن أسلم لكن وكلتك أن تشهد عني، فهذا لا يصح، ولو كانت وثيقة من كاتب عدل فهذا لا يمكن.
فالقاعدة: «أن الأصل في العبادات منع التوكيل فيها»؛ لأن التوكيل فيها يفوت المقصود من العبادة وهو التذلل لله ـ عزّ وجل ـ والتعبد له، ويقتصر فيها على ما ورد.
قوله: «والحدود في إثباتها» الحدود جمع حد، وهو في اللغة المنع، والمراد به هنا كل عقوبة مقدرة من الشرع على معصية لتمنع من الوقوع في مثلها وتكفر ذنب صاحبها، والمراد بإثباتها، مثل أن يقول الحاكم لشخص: اذهب إلى فلان ليقر بما يقتضي الحد، فهذا في إثباتها.
قوله: «واستيفائها» بأن يكون المذنب قد اعترف وثبت الحد، فيوكل الحاكم من يقيم هذا الحد، فهذا لا بأس به، والدليل قول النبي لرجل من الأنصار: ((اغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها)) ، فقوله: ((فإن اعترفت)) هذا إثبات، وقوله: ((فارجمها)) هذا استيفاء.
فلنستعرض الحدود وهي: حدّ الزنا، وحدّ القذف، وحد السرقة، وحد قطع الطريق.
أولاً: الزنا، وهو حد بنص القرآن، قال الله ـ تعالى ـ: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] . وجاءت السنة بزيادة على ذلك، وهي أن يُغرَّب الزاني والزانية عن البلد الذي حصل فيه الزنا لمدة عام، وإن كان محصناً ـ وهو الذي قد تزوج بنكاح صحيح وجامع زوجته ـ فإن حده الرجم، حتى وإن كان قد فارق الزوجة.
ثانياً: القذف، وحده ثمانون جلدة، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا}[النور: 4] .
ثالثاً: السرقة، وحدها قطع اليد اليمنى من مفصل الكف؛ لقول الله ـ تعالى ـ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ *} [المائدة] .
رابعاً: قطاع الطريق وحدّهم ما ذكره الله في قوله: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة: 33] .
هل (أو) في هذه الآية للتخيير أو للتنويع؟ في ذلك للعلماء قولان:
القول الأول: أنها للتنويع.
القول الثاني: أنها للتخيير.
فعلى القول بأنها للتنويع، فقوله: {أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} يحمل على أنهم إن قتلوا فقط بدون أخذ المال قتلوا، وإن قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا، وإن أخذوا المال فقط تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، بأن تقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى، أما إذا أخافوا الطريق دون أن يعتدوا على مال أو نفس فإنهم ينفون من الأرض، والنفي من الأرض، هل معناه أن يطردوا من هذا المكان، أو أن يحبسوا؟
في هذا قولان ـ أيضاً ـ للعلماء، منهم من قال: إن النفي من الأرض أن يحبسوا لا أن يطردوا إلى بلاد أخرى؛ لأنهم ربما إذا طردوا إلى بلاد أخرى، عادوا مرة أخرى إلى حالهم فلم نستفد من نفيهم، أما إذا حبسوا فإنهم يحبسون عن الناس فلا يتعدى شرهم إلى أحد.
والأرجح في هذا، أنه يرجع إلى اجتهاد القاضي إن رأى أن ينفيهم من الأرض إلى بلاد أخرى، أو أن يحبسوا على حسب ما يرى.
وأما شرب الخمر فقد اختلف العلماء، هل هو حد أو تعزير؟
فأكثر أهل العلم على أنه حد، ثم اختلفوا هل هو أربعون، أو ثمانون، أو يخير الإمام بينهما؟.
ومن تدبَّر عقوبة شارب الخمر، عرف أنها تعزير لا حد، لكنه لا يُنْقَص عن أربعين جلدة.
ودليل ذلك أنهم كانوا في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم يؤتى بالشارب فيقوم الناس إليه يضربونه، منهم من يضرب بيده، ومنهم من يضرب بالنعل، ومنهم من يضرب بالرداء أو بالجريد[(11)] أو ما أشبه ذلك، ولهذا جاء في بعض ألفاظ الحديث: «نحواً من أربعين»[(12)]. ثم إن أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ جلد أربعين، ثم جلد عمر ـ رضي الله عنه ـ أربعين، ولما كثر شرب الخمر جمع الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ يستشيرهم، وهذا من دأبه ـ رضي الله عنه ـ، فقال عبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنه ـ: يا أمير المؤمنين، أخف الحدود ثمانون[(13)]، يعني فاجلد شارب الخمر ثمانين، فأقر ذلك عمر، وعمر له سُنَّةٌ متبوعة فلا يزاد على ذلك ولا ينقص منه، وسموا ذلك حداً، لكن من تدبر النصوص الواردة في ذلك عرف أنه ليس بحدٍّ، وأنه تعزير لا ينقص عن أربعين جلدة؛ لأنه لو كان حدّاً ما استطاع عمر ـ رضي الله عنه ـ ولا غيره أن يزيد فيه ولهذا لو كثر الزنا في الناس ـ نسأل الله العافية ـ هل يمكن أن نزيد على مائة جلدة؟
الجواب: لا يمكن حتى لو كثر الزنا، فكون أمير المؤمنين عمر ومعه الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ يزيدون على ذلك، يدل على أن المقصود هو التعزير الذي يردع الناس عن هذا الشيء الخبيث.
ودليل آخر: قول عبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنه ـ: (أخف الحدود ثمانون)[(14)]، وأقره الصحابة، إذاً لا يوجد حَدٌّ يقدر بأربعين جلدة، وهذا يشبه أن يكون إجماعاً، لأن عمر ـ رضي الله عنه ـ لم يقل: لا أزيد؛ لأن فيه حداً، فالصواب أنه تعزير، وبناءً على ذلك لو كثر شرب الخمر في الناس، فَلِوَلِيِّ الأمر أن يزيد على ثمانين بالكم أو بالنوع أو بالكيفية، حتى لو أنه رأى أن يعزر شارب الخمر بغير ذلك فلا بأس، إلا أنه لا يقطع عضواً من أعضائه؛ لأن بدن الإنسان محترم، وليس فيه قطع، اللهم إلا السارق وقطاع الطريق.
ويرى بعض العلماء أن من الحدود الردة، ويكتبون هذا في مؤلفاتهم، ولكن هذا ليس بصحيح؛ لأن الردة إذا تاب المرتد ولو بعد القدرة عليه فإنه يرفع عنه القتل ولا يقتل، ولو كانت حدّاً ما ارتفع بعد القدرة عليه؛ لقول الله ـ تبارك وتعالى ـ: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ *} [المائدة] .
فالصواب أن القتل بالردة ليس حدّاً، حتى على قول من يقول: إن من أنواع الردة ما لا تقبل فيه التوبة، مع أن الصحيح أن جميع أنواع الردة تقبل فيها التوبة، حتى لو سب الإنسان رب العالمين، أو الرسل أو الملائكة، ثم تاب فإن توبته مقبولة؛ لأن من المشركين من سب الله ـ عزّ وجل ـ ومع ذلك قبلت توبتهم، ثم إن عموم الأدلة كقوله ـ تعالى ـ: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: 53] ، يدل على أن أي ذنب تاب الإنسان منه فإن الله يتوب عليه، حتى لو سب الله جهاراً نهاراً ثم تاب وحسنت حاله، قبلت توبته، والحمد لله؛ لأن باب التوبة مفتوح.
لكن من سب الرسول صلّى الله عليه وسلّم ثم تاب فإننا نقبل توبته، ولكننا نقتله؛ لأن سبه للرسول صلّى الله عليه وسلّم حق آدمي، ولا نعلم هل عفا عنه الرسول ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ أم لا؟ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قد مات فالقتل لا بد منه، لكنه إذا تاب يقتل على أنه مسلم، يغسل ويكفن ويصلى عليه، ويدعى له بالرحمة، ويدفن مع المسلمين.
على كل حال الحدود يجوز التوكيل في إثباتها واستيفائها.
ومن الموكل؟ الموكل من له إقامة الحد، ففي عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم الأمير والقاضي والرسول والقائد والإمام هو النبي صلّى الله عليه وسلّم، فلا إشكال في الموضوع.
وكذلك إذا كان الأمراء هم القضاة فلا إشكال ـ أيضاً ـ؛ لأنهم سوف يحكمون أولاً ثم ينفذون ثانياً، فالأمراء هم الذين يوكلون في إقامة الحدود، لكن في وقتنا الحاضر تفرقت المسؤولية، فصار القاضي عليه مسؤولية، والأمير عليه مسؤولية، فمن الذي يملك تنفيذ الحدود؟
الجواب: الأمير، وعلى هذا فالقاضي يرفع الحكم، ثم الأمير يوكل من شاء إن ينفذ الحكم.
وما الدليل على التوكيل في الحدود في إثباتها واستيفائها؟
الدليل قصة المرأة التي زنا بها أجير عند زوجها، وقيل لهذا الأجير: إن عليك الرجم، فذهب أبوه وافتداه بمائة شاة ووليدة يعني جارية؛ لئلا يرجم، وهذه فتوى جهل وخطأ، فسأل أهل العلم، فقالوا: على ابنك الجلد وعلى امرأة الرجل الرجم؛ لأن الابن غير محصن، أي: بكر، وزوجة المستأجر ثيِّب، ثم جاء إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((أما الغنم والوليدة فهي رد عليك)) ، أي: مردودة، يعني لا يملكها الزوج ولا الزوجة؛ وذلك لأن هذا الحكم مخالف لحكم الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، وبه نعرف أن ما قبض بغير حق يجب أن يرد إلى صاحبه، وأن على زوجة هذا الرجل الرجم، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، ثم قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم لرجل من الأنصار: ((واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها))[(15)]. فهذا توكيل في إثبات الحد واستيفائه، في إثباته حين قال: ((إن اعترفت)) ، وفي استيفائه حين قال: ((فارجمها)) ، وعلى هذا فيجوز لولي الأمر أن يوكل في إثبات الحدود، أي فيما تثبت به وفي تنفيذها.
ولكن الأفضل أن يباشر ذلك بنفسه ولا سيما في عصرنا الآن؛ لئلا يحصل خطأ في الإثبات أو خطأ في التنفيذ، لكن الكلام على أن هذا جائز، والدليل هذه القصة.
وَليْسَ لِلْوَكِيلِ أنْ يُوكِّلَ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ إِلاَّ أَنْ يُجْعَلَ إِلَيْهِ ...
قوله: «وليس للوكيل أن يُوكِّل فيما وُكِّل فيه» الوكيل يتصرف بالإذن من الموكل، وإذا كان يتصرف بالإذن من الموكل فإنه يجب ألا يتعدى ما وكل فيه لا بصفة العقد، ولا بالمعقود له، فإذا قال: وكلتك أن تبيع هذا العبد على فلان، فعندنا الآن تعيين في المبيع وتعيين في المشتري، فهل يملك الوكيل أن يبيع عبداً آخر من عبيد الموكل؟
الجواب: لا؛ لأنه خص بمعين، وهل يملك أن يبيع العبد المعين على شخص غير زيد؟
الجواب: لا؛ لأنه يتصرف بالإذن فوجب أن يكون تصرفه بحسب ما أذن له فيه.
فالقاعدة أن الوكيل يتصرف بالإذن، فوجب أن يكون تصرفه بحسب ما أذن له فيه ولا يتعداه، إما لفظاً وإما عُرْفاً.
وهل له أن يوكل؟
الجواب: لا، ليس له أن يوكل، فإذا وكلت فلاناً أن يبيع هذه السيارة فليس له أن يوكل غيره؛ لأنني وكلته هو بنفسه، فليس له أن يوكل غيره؛ لأني قد أثق به، ولا أثق بغيره، ولا سيما في الأمور التي يختلف فيها القصد اختلافاً كبيراً، كما لو وكلت شخصاً يفرق زكاة، وأراد أن يوكل غيره فهذا لا يمكن؛ لأن الزكاة أمرها عظيم، وربما أثق بفلان، ولا أثق بغيره.
فلا يجوز إذاً أن يوكل فيما وُكِّل فيه إلا في أحوال ثلاث:
الحال الأولى:
قوله: «إلا أن يجعل إليه» «يجعل» هذا مبني لما لم يسم فاعله، والفاعل هو الموكل، يعني إلا أن يجعل الموكل ذلك للوكيل، فيقول: وكلتك في كذا ولك أن توكل من شئت، أو من تثق به، أو أن توكل فلاناً قريبك، أو ما أشبه ذلك.
فإذا جعل إليه ووكل حسب ما جُعل إليه، يكون قد تصرف بحسب الوكالة.
الحال الثانية: إذا كان مثله لا يتولاه عادة.
فلو قلت لجارك وهو رجل شريف وزير، أو قاض، أو أمير: يا فلان أنا سوف أسافر، اشتر للبقرة العلف كل يوم، الرجل الآن سوف يشتري علفاً كل يوم للبقرة، فهل له أن يوكل من يشتري العلف؟ أو نقول: اذهب بنفسك؟ نقول: له أن يوكل من يشتري العلف؛ لأن هذا مما جرت العادة ألا يتولاه بنفسه، فله أن يوكل من يشتري، وإن لم يُؤذن له في ذلك، لكن عليه أن يتحرى الرجل الأمين أكثر مما يتحراه لماله.
الحال الثالثة: إذا كان يعجز عن القيام بمثله عادة.
مثال ذلك: وكلتَ رجلاً أن يصعد بحجر كبير إلى السطح؛ لأنك تريد أن تبني به السطح، وهو رجل ضعيف لا يقوى على ذلك، فهل له أن يوكل من يحمل الحجر إلى فوق؟
الجواب: نعم؛ لأن مثله يعجز عنه.
وكذلك لو وكلته في بيع أموال كثيرة، وقلت له: اصرف هذه الأموال في هذا الموسم، ولا تتعدى هذا الموسم، وهي أموال كثيرة لو أنه باشرها بنفسه لانتهى الموسم قبل التصريف، فهنا له أن يوكل؛ لأن كون الموكل يقول: بع هذه في هذا الموسم، وهي أموال كثيرة يعرف أنه لا يستطيع أن يقوم ببيعها وحده، معناه أنه قد أذن له في أن يوكل غيره، فيكون الإذن معلوماً من قرينة الحال.
فإذا قال قائل: كيف أجزتم أن يوكل في الحالين الأخريين؟ نقول: لأن هذا وإن لم يأذن فيه الموكل لفظاً فهو كالمأذون فيه عرفاً، فكل أحد يعرف أنك إذا قلت لرجل شريف: يا فلان اشتر العلف للبقرة كل يوم، فالمعروف أنه لا يشتريه بنفسه، وكل يعرف أنك إذا قلت للموكل: اصرف هذه البضاعة في هذا الموسم، وهو عشرة أيام وهي بضاعة كثيرة، كل واحد يعرف أن المراد أن يصرفها بنفسه أو بوكيله.
ففي الحقيقة أن هاتين الحالتين داخلتان في قوله: «إلا أن يجعل إليه» ، لكن لما ذكرها العلماء نقول: إلا أن يجعل إليه لفظاً، وأما الثانية والثالثة فقد جعل ذلك إليه عرفاً.



[1] أخرجه البخاري في التفسير/ باب قوله: {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا *} (4786)؛ ومسلم في الطلاق/ باب بيان أن تخييره امرأته لا يكون طلاقاً إلاّ بالنية (1475) عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ.
[2] أخرجه البخاري في الجنائز/ باب الإذخر والحشيش في القبر (1349)، ومسلم في الحج/ باب تحريم مكة (1355) عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
[3] سبق تخريجه ص(164).
[4] من ذلك توكيل علي المقداد رضي الله عنهما ليسأل النبي صلّى الله عليه وسلّم عن حكم المذي، أخرجه البخاري في العلم/ باب من استحيا فأمر غيره بالسؤال (132)، ومسلم في الطهارة/ باب المذي (303) عن علي ـ رضي الله عنه ـ.
[5] أخرجه البخاري في الصوم/ باب من مات وعليه صوم (1952)، ومسلم في الصيام/ باب قضاء الصوم عن الميت (1147) عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ.
[6] سبق تخريجه ص(334).
[7] أخرجه البخاري في الصوم/ باب من مات وعليه صوم (1953)، ومسلم في الصيام/ باب قضاء الصوم عن الميت عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ (1148) (155).
[8] أخرجه البخاري في الحج/ باب الحج والنذور عن الميت (1852) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
[9] أخرجه البخاري في الحج/ باب وجوب الحج (1513)، ومسلم في الحج/ باب الحج عن العاجز (1334) عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
[10] أخرجه الإمام أحمد (6/71، 165)، وابن ماجه في المناسك/ باب الحج جهاد النساء (2901) قال الحافظ في البلوغ (709): إسناده صحيح.
[11] أخرجه البخاري في الحدود/ باب ما جاء في ضرب شارب الخمر (6773)؛ ومسلم في الحدود/ باب حد الخمر (1706) عن أنس ـ رضي الله عنه ـ بمعناه.
وأخرجه البخاري أيضاً عن عقبة بن الحارث ـ رضي الله عنه ـ (6775)؛ وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ (6777) وعن السائب بن يزيد ـ رضي الله عنه ـ (6779).
[12] أخرجه مسلم الحدود/ باب حد الخمر (1706) عن أنس ـ رضي الله عنه ـ.
[13] أخرجه مسلم في الحدود/ باب حد الخمر (1706) (36)، عن أنس ـ رضي الله عنه ـ.
[14] سبق تخريجه ص(346).
[15] أخرجه البخاري في الصلح/ باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود (2695)؛ ومسلم في الحدود/ باب من اعترف على نفسه بالزنا (1697) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ما, يصح

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:08 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir