دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب القضاء

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13 جمادى الآخرة 1431هـ/26-05-2010م, 07:00 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي ما يشترط في القاضي

و ( يُشْتَرَطُ ) في القاضي عَشْرُ صِفاتٍ: كونُه بالغًا، عاقلاً، ذَكَرًا، حُرًّا , مُسْلِمًا , عَدْلًا , سميعًا، بصيرًا، متَكَلِّمًا، مُجْتَهِدًا , ولو في مَذهبِه، وإذا حَكَّمَ اثنانِ بينَهما رجلًا يَصْلُحُ للقضاءِ نَفَذَ حُكْمُه في المالِ والحدودِ واللِّعانِ وغيرِها.

  #2  
قديم 16 جمادى الآخرة 1431هـ/29-05-2010م, 03:52 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

..........................

  #3  
قديم 16 جمادى الآخرة 1431هـ/29-05-2010م, 03:54 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي


(ويُشْتَرَطُ في القَاضِي عَشْرُ صِفَاتٍ: كَوْنُه بالغاً عاقِلاً)؛ لأنَّ غيرَ المُكلَّفِ تحتَ وَلايةِ غيرِهِ، فلا يكونُ وَالِياً على غيرِهِ، (ذَكَراً)؛ لقولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا أَفْلَحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً)).
(حُرًّا)؛ لأنَّ الرقيقَ مشغولٌ بحقوقِ سَيِّدِهِ.
(مُسْلِماً)؛ لأنَّ الإسلامَ شَرْطٌ للعَدَالَةِ.
(عَدْلاً)، ولو تَائِباً مِن قَذْفٍ, فلا يَجُوزُ تَوْلِيَةُ الفاسِقِ؛ لقولِهِ تعالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} الآيةَ.
(سَمِيعاً)؛ لأنَّ الأَصَمَّ لا يَسْمَعُ كلامَ الخَصْمَيْنِ.
(بَصِيراً)؛ لأنَّ الأعمَى لا يَعْرِفُ المُدَّعِي مِن المُدَّعَى عليه.
(مُتَكَلِّماً)؛ لأنَّ الأَخْرَسَ لا يُمْكِنُهُ النطقُ بالحكمِ, ولا يَفْهَمُ جميعُ الناسِ إشارتَه.
(مُجْتَهِداً) إجماعاً، ذَكَرَهُ ابنُ حَزْمٍ؛ قالَه في الفَرْعِ. (ولو) كانَ مُجْتَهِداً (في مذهبِهِ) المُقَلِّدِ فيهِ لإمامٍ مِن الأَئِمَّةِ, فيُرَاعِي ألفاظَ إمامِهِ ومُتَأَخِّرَها، ويُقَلِّدُ كِبَارَ مَذْهَبِهِ في ذلكَ، ويَحْكُمُ بهِ، ولو اعْتَقَدَ خِلافَه.
قالَ الشيخُ تَقِيُّ الدينِ: وهذهِ الشروطُ تُعْتَبَرُ حَسَبَ الإمكانِ. وتَجِبُ وَلايةُ الأمثلِ فالأمثلِ، وعلى هذا يَدُلُّ كلامُ أحمدَ وغيرِهِ، فيُوَلَّى لِعَدَمٍ, أَنْفَعُ الفَاسِقَيْنِ وأَقَلُّهما شَرًّا، وأعدَلُ المُقَلِّدَيْنِ وأَعْرَفُهما بالتقليدِ.
قالَ في الفُرُوعِ: وهو كما قالَ. ولا يُشْتَرَطُ أنْ يكونَ القَاضِي كاتباً أو وَرِعاً, أو زَاهِداً أو يَقِظاً, أو مُثْبِتاً للقياسِ أو حَسَنَ الخُلُقِ، والأَوْلَى كونُه كذلكَ.
(وإذا حَكَّمَ) بتشديدِ الكافِ (اثنانِ) فأكثرُ بينَهما (رَجُلاً يَصْلُحُ للقضاءِ), فحَكَمَ بينَهما, نَفَذَ حُكْمُه (في المالِ والحُدودِ واللِّعَانِ وغَيْرِها) مِن كلِّ ما يَنْفُذُ فيهِ حُكْمُ مَن وَلاَّهُ إمامٌ أو نائبُه؛ لأنَّ عمرَ وأُبَيًّا تَحَاكَمَا إلى زيدِ بنِ ثابتٍ، وتَحَاكَمَ عُثمانُ وطَلْحَةُ إلى جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ، ولم يَكُنْ أَحَدٌ مِمَّن ذَكَرْنَا قَاضِياً.

  #4  
قديم 16 جمادى الآخرة 1431هـ/29-05-2010م, 03:55 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم


(ويشترط في القاضي عشر صفات([1])

كونه بالغا عاقلا) لأن غير المكلف تحت ولاية غيره، فلا يكون واليا على غيره([2]) (ذكرا) لقوله عليه الصلاة والسلام «ما أفلح قوم ولو أمرهم امرأة»([3]) (حرا) لأن الرقيق مشغول بحقوق سيده([4]) (مسلما) لأن الإسلام شرط للعدالة([5]) (عدلا) ولو تائبا من قذف([6]) فلا يجوز تولية الفاسق([7]) لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} الآية([8]) (سميعا) لأن الأصم لا يسمع كلام الخصمين([9]).

(بصيرا) لأن الأعمى لا يعرف المدعي من المدعى عليه([10]) (متكلما) لأن الأخرس لا يمكنه النطق بالحكم، ولا يفهم جميع الناس إشارته([11]) (مجتهـدا) إجمـاعًا ذكره ابـن حـزم، قاله في
الفروع([12]).


ولو) كان مجتهدًا (في مذهبه) المقلد فيه لإمام من الأئمة([13]) فيراعي ألفاظ إمامه، ومتأخرها، ويقلد كبار مذهبه، في ذلك، ويحكم به([14]) ولو اعتقد خلافه([15]).

قال الشيخ تقي الدين: وهذه الشروط تعتبر حسب الإمكان، وتجب ولاية الأمثل فالأمثل، وعلى هذا يدل كلام أحمد وغيره، فيولى لعدم، الأنفع من الفاسقين([16]) وأقلهما شرا، وأعدل المقلدين، وأعرفهما بالتقليد.
قال في الفروع: وهو كما قال([17]) ولا يشترط أن يكون القاضي كاتبا([18]) أو ورعا أو زاهدا([19]) أو يقظا([20]) أو مثبتا للقياس([21]) أو حسن الخلق والأولى كونه كذلك([22]).
(وإذا حكم) بتشديد الكاف (اثنان) فأكثر (بينهما رجلا يصلح للقضاء)([23]) فحكم بينهما (نفذ حكمه في المال، والحدود واللعان، وغيرها) من كل ما ينفذ فيه، حكم من ولاه إمام أو نائبه، لأن عمر وأبيا: تحاكما إلى زيد ابن ثابت، وتحاكم عثمان وطلحة إلى جبير بن مطعم، ولم يكن أحد ممن ذكرنا قاضيا([24]).


([1]) قال الشيخ: فيمن يولى، لا فيمن يحكمه الخصمان، وقال ابن القيم: أقل ما يشترط في القاضي صفات الشاهد، باتفاق العلماء قال الشيخ: لأنه لا بد أن يحكم بعدل.
([2]) وهما يستحقان الحجر عليهما، والقاضي يستحقه على غيره، وبين الحالتين منافاة.
([3]) ولأن المرأة ناقصة العقل، قليلة الرأي، ليست أهلا لمحل حضور الرجال.
([4]) قال ابن رشد: أما اشتراط الحرية فلا خلاف فيه، وقال الشيخ: لا تشترط الحرية في الحاكم، واختاره أبو طالب، وابن عقيل، وصرح في الإقناع وغيره، أنها تصح ولاية عبد إمارة سرية، وقسم صدقة وفيء، وإمامة صلاة، واستثنى إمامة جمعة وعيد.
([5]) ولأن الكفر يقتضي إذلال صاحبه، والقضاء يقتضي إحترامه، وبينهما منافاة، ولأنه لا يجوز أن يكون الحاكم ممن لا يقبل قوله، للآية الآتية.
([6]) لقوله تعالى: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} بعد قوله: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} الآية.
([7]) نص عليه، فلا يجوز تولية من فيه نقص، يمنع قبول شهادته.
([8]) فدلت على عدم قبول قوله، فعدم قبول حكمه من باب أولى.
([9]) فلا تجوز توليته.
([10]) ولا المقر من المقر له، وقال الشيخ: وقياس المذهب تجوز كما تجوز شهادته، إذ لا يعوزه إلا عين الخصم، ولا يحتاج إلى ذلك، بل يقضي على موصوف كما قضى داود بين الملكين، ويتوجه أن يصح مطلقا، ويعرف بأعيان الشهود والخصوم، كما يعرف بمعاني كلامهم في الترجمة، إذ معرفة كلامه وعينه سواء.
قال: وهو في الحاكم أوسع منه في الشاهد: بدليل الترجمة والتعريف بالحكم دون الشهادة، وما به يحكم أوسع مما به يشهد.
([11]) فلا تجوز توليته.
([12]) مجتهدا هذا المذهب المشهور، وقدمه في الفروع، قال ابن حزم: يشترط كونه مجتهدا إجماعا، وقال الوزير: اتفقوا على أنه لا يجوز أن يولى القضاء من ليس من أهل الاجتهاد، إلا أبا حنيفة، فقال: يجوز وما في الصحيحين إذا اجتهد الحاكم.. الحديث يدل على اشتراط الاجتهاد، ودرجة الاجتهاد لمن فهم مقاصد الشريعة، وتمكن من الاستنباط.
وقال ابن القيم: لا يشترط في المجتهد علمه بجميع ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم وفعله، فيما يتعلق بالأحكام، ولكن أن يعلم جمهور ذلك ومعظمه.
وقال الشيخ: الشارع نصوصه كلمات جوامع، وقضايا كلية، وقواعد عامة، يمتنع أن ينص على كل فرد من جزئيات العالم، إلى يوم القيامة، فلا بد من الاجتهاد في جزئيات، هل تدخل في كلمات الجامعة أولا.
([13]) واختار في الترغيب، ومجتهد في مذهب إمامه للضرورة، واختار في الإفصاح والرعاية: مقلدا، قال في الإنصاف: وعليه العمل من مدة طويلة، وإلا تعطلت أحكام الناس، وذكر ابن القيم: أن المجتهد هو العالم بالكتاب والسنة، ولا ينافي اجتهاده تقليد غيره أحيانا، فلا تجد أحدا من الأئمة إلا وهو مقلد من هو أعلم منه، في بعض الأحكام.
([14]) هذا إنما يتوجه على لزوم التمذهب، والأخذ برخص ذلك المذهب وعزائمه، قال في الفروع: وعدمه أشهر، وقال في أصوله: عدم اللزوم قول جمهور العلماء، فيتخير قال ابن القيم: وهو الصواب المقطوع به، وقال الوزير: عمله بقول الأكثر أولى.
قال الشيخ: ومن أوجب تقليد إمام بعينه استتيب فإن تاب وإلا قتل، ومن كان متبعا لإمام فخالفه في بعض المسائل، لقوة الدليل، أو لكون أحدهما أعلم أو اتقى فقد أحسن، ولم يقدح في عدالته، وقال: في الأخذ برخصه وعزائمه، طاعة غير الرسول صلى الله عليه وسلم في كل أمره ونهيه، خلاف الإجماع، وتوقف في جوازه.
([15]) هذا قول ابن حزم، بل إذا لم يعتقد خلافه لقوله تعالى: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ} وقال الشيخ: أجمع العلماء على تحريم الحكم، والفتيا بالهوى، وبقول أو وجه، من غير نظر في الترجيح، ويجب العمل بموجب اعتقاده، فيما له وعليه، إجماعا؛ وقال: ليس الإنسان أن يعتقد أحد القولين، في مسائل النزاع فيما له، والقول الآخر فيما عليه باتفاق المسلمين، وقال: لا يجوز التقليد مع معرفة الحكم اتفاقا.
([16]) قال ابن القيم: وإن كان غيره أفضل منه؛ وقال: وإن كان أحدهما أعمل، والآخر أورع، قدم فيما قد يظهر حكمه، ويخاف فيه الهوى، الأورع، وفيما ندر حكمه، ويخاف فيه الاشتباه، الأعلم.
([17]) فما أحسن كلام الشيخ رحمه الله، وإلا لتعطلت بعض أمور الناس، إذا قلت العدالة.
([18]) لأنه صلى الله عليه وسلم: كان أميا وهو سيد الحكام، وليس من ضرورة الحكم الكتابة.
([19]) وقال الخرقي، والشيخ وغيرهما، يشترط كونه ورعا، وهو الصواب، وقال: الولاية لها ركنان القوة والأمانة، فالقوة في الحكم، ترجع إلى العلم بالعدل وتنفيذ الحكم، والأمانة ترجع إلى خشية الله.
([20]) وقال ابن عقيل: لا مغفلا، وجزم به غير واحد، واستظهر في الفروع، أنه مراد الأصحاب، وحكى عن القاضي لا يليه، وصوبه.
([21]) وحدوده وشروطه، وكيفية استنباطه.
([22]) أي: أن يكون كـاتبا ورعا، زاهدا يقظا، مثـبتا للقياس، حسن الخلق
وحسن الخلق: اختيار الفضائل، وترك الرذائل، ورجح في الإنصاف: أنه لا ينعزل قبل علمه، وفي التلخيص: بغير خلاف، ورجحه الشيخ، وقال: هو المنصوص عن أحمد، وذكر أن ولاية القاضي، العقود والفسوخ، فتعظم البلوى بإبطالها قبل العلم، وصوبه في الإنصاف.

([23]) بأن اتصف بما تقدم، من شروط القاضي، وقال: الشيخ: العشر صفات، التي ذكرها في المحرر في القاضي، لا تشترط فيمن يحكم الخصمان.
([24]) ولحديث أبي شريح: إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فرضي كلا الفريقين، قال: ما أحسن هذا وغير ذلك وعلله في المال فقط، وحكي الوزير: أما النكاح واللعان، والقصاص والحدود، والقذف، فلا يجوز ذلك إجماعا.

  #5  
قديم 14 ربيع الثاني 1432هـ/19-03-2011م, 12:58 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

وَيُشْتَرَطُ فِي القَاضِي عَشْرُ صِفَاتٍ، كَوْنُهُ بَالِغاً، عَاقِلاً، ذَكَراً، حُرّاً، مُسْلِماً، عَدْلاً، سَمِيعاً، بَصِيرَاً، مُتَكَلِّماً، مُجْتَهِداً، وَلَوْ فِي مَذْهَبِهِ،...........
قوله: «ويشترط في القاضي عشر صفات» قبل أن نتكلم عن هذه الصفات، يجب أن نعرف أن كل ولاية وعمل لا بد فيه من ركنين: القوة والأمانة، القوة، على ذلك العمل، والأمانة فيه، فالعمل الذي يتطلب العلم لا بد أن يكون المتولي له عالماً، والذي يعتمد قوة البدن لا بد أن يكون متوليه قوي البدن، ولا بد أن يكون أميناً؛ لأن من ليس بأمين لا يمكن أن ينفذ العمل على الوجه المرضي، ويدل على هذين الركنين قول العفريت من الجن لسليمان عليه السلام لما قال: {{أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ}{قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ *}} [النمل] ، أيضاً قوله تعالى عن ابنة صاحب مدين: {{يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ}} [القصص: 26] ، فكل عمل وكل ولاية لا بد فيها من هذين الركنين: القوة والأمانة، ومن الأعمال الهامة التي هي من أجَلِّ الأعمال في الإسلام القضاء، فلا بد أن يكون القاضي قوياً وأميناً، ولننظر في الأوصاف التي ذكرها المؤلف على أي الأمرين تنطبق؟ وهل هي وافية بالمقصود، أو زائدة عن المقصود؟ لأن الأصل يرجع إليه في الجزئيات.
الأولى: قوله: «كونه بالغاً» .
الثانية: قوله: «عاقلاً» .
الكمال البلوغ والعقل، والنقص في الصغر والجنون، فالصغير الذي دون البلوغ لا يكون قاضياً ولو بلغ من العلم ما بلغ، ولو بلغ من الذكاء ما بلغ، فلا يمكن أن يكون قاضياً أبداً، والناقص فيه القوة، فلا يقوى على الحكم بين الناس.
وقوله: «عاقلاً» ضده المجنون، فالمجنون لا يصلح أن يكون قاضياً؛ لأنه لا عقل له، وعلى أي الوصفين يدور هذا؟
على القوة إذاً لا بد أن يكون بالغاً عاقلاً؛ لأن بفواتهما فوات القوة التي هي أحد ركني الكفاءة، لأنهما يحتاجان إلى ولي هما بأنفسهما، فلا يمكن أن يكونا وليين على غيرهما.
الثالثة: قوله: «ذكراً» ضد الذكر الأنثى والخنثى، فلا بد أن يكون القاضي ذكراً، والدليل على اشتراط الذكورة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لن يفلح قومٌ ولوا أمرهم امرأة» [(202)]، فكلمة «قوم» نكرة تشمل كل قوم، فكل قوم ولوا أمرهم امرأة فإنهم لن يفلحوا، وهذا الحديث له سبب وهو أنه لما مات كسرى ولت الفرس عليهم ابنته، فبلغ ذلك النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: «لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة» ، فقيل في الحديث: إنه عام؛ لأن كلمة «قوم» نكرة في سياق النفي فتكون عامة، والقوم هم الرجال؛ لقوله تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ}} [الحجرات: 11] وإذا أطلق القوم وحدهم ربما يدخل فيه النساء كقول الرسل لأقوامهم: {{يَاقَوْمِ}} [نوح: 2] و{{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ}} [البقرة: 54] وما أشبه ذلك، ويرى آخرون أنه خاص، يعني كأنه قال: هؤلاء القوم لا خير فيهم ولن يفلحوا؛ لأنهم ولوا أمرهم امرأة، وبناء على هذا القول يقول مدعوه: إنه لا يلزم أن لا يفلح كل قوم ولوا أمرهم امرأة؛ لأننا نرى أقواماً ولوا أمرهم امرأة ونجحت! وهؤلاء هم الدعاة الذين يدعون إلى أن تكون المرأة وزيراً، ورئيساً، وما أشبه ذلك، ويقولون: هذا الحديث لا يمنع، فهو ورد في قوم معينين، يعني لن يفلح هؤلاء القوم؛ لأنهم ولوا أمرهم امرأة.
ولكن نحن نقول: إن هذا الحديث وإن تنازلنا وقلنا: إنه يراد به هؤلاء القوم الذين ولوا أمرهم امرأة، فإننا نقول: ومن سواهم مثلهم، يقاس عليهم، فأي: فرق بين الفرس وغيرهم؟! المقصود أن عدم الفلاح رتب على كون الوالي امرأة، ولا فرق فيه بين الفرس والعرب والروم وغيرهم، فإذا كان لا يشمل من سوى الفرس بمقتضى اللفظ فإنه يشمله بمقتضى المعنى، وكيف لا يفلح هؤلاء القوم لما ولوا أمرهم امرأة، ويفلح أقوام آخرون ولوا أمرهم امرأة؟!
فإن قال قائل: بماذا تجيبون عن الواقع، فرئيسة وزراء بريطانيا امرأة، ورئيسة الفلبين امرأة، وغيرهم من الأمم الكافرة؟
قلنا: نحن نقول: إن هؤلاء إن كانوا قد أفلحوا فلأن الذين يديرون الحكم في الواقع رجال يساعدونها ويعينونها، ولم تستبد هي كما تستبد الملكة في عهد كسرى.
جواب آخر نقول: لعلهم لو ولوا أمرهم رجلاً لكانوا أفلح منهم الآن، وما يدرينا؟ فلعل تولية المرأة على هؤلاء القوم نقص من فلاحهم، ولم يفقد الفلاح مطلقاً ولكن نقص، أما الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ فإنه قال: «لن يفلح قومٌ ولوا أمرهم امرأة» [(203)].
إذاً في الإسلام لا يصح أن تتولى امرأة القضاء؛ لأنه يشترط في القاضي أن يكون ذكراً، والدليل هو ما سبق.
وأما التعليل فقالوا: لأن المرأة ضعيفة العقل والتدبير والتصرف، وضعيفة الإدراك، فلا تدرك الأمور على ما ينبغي، صحيح أنه يوجد من النساء من تدرك، لكن غالب النساء لا تدرك.
أيضاً فيها وصف ثالث وهو أن المرأة قريبة العاطفة، كل شيء يبعدها، وكل شيء يدنيها، يقول النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ: «لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله، ثم رأت منك سوءاً لقالت: ما رأيت خيراً قط» [(204)]، فهي سريعة العاطفة، تنعطف بكل سهولة، ولهذا تخدع كثيراً، يأتي رجل من المتحاكمين إليها، يكون قوياً ومؤثراً، فيؤثر على هذه المرأة ويقلبها رأساً على عقب، وعقباً على رأس، فيتوجه الحكم إلى زيد، فإذا تكلم الثاني تحول الحكم إلى عمرو؛ فهي ضعيفة، والذي فات فيها القوة، فلا تتحمل أن تتولى أمور المسلمين.
فإن قيل: قد وُليت عائشة ـ رضي الله عنها ـ القضاء في معركة الجمل.
فالجواب: أن ذلك يحمل على أنه من خصائص أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، وإذا شئنا قلنا: إنه انطبق عليها الحديث: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» [(205)]، فقد حصل بذلك شيء عظيم، وسيأتينا ـ إن شاء الله ـ في مسألة التحكيم أنه لو حُكِّمت امرأة فلا بأس، لكن أن تولى منصباً عاماً فهذا لا يجوز.
وأما الخنثى فلأنه فقد شرط الذكورة، ولأنه لا يعلم أذكر هو أو أنثى؟ فلا نتحقق الفلاح الذي يكون بتولية الرجل.
وظاهر كلام المؤلف أن الأنثى لا تكون قاضية حتى في حق الإناث، وهو كذلك فلا تتولى القضاء بينهن، وأما سوى القضاء من الشهادات، أو أن تكون حَكَماً في صلح، أو أن تكون قايفة وتحكم بالقيافة التي تعرفها، وما أشبه ذلك فإنه لا بأس به، لكن في القضاء لا يصح ولو كان القضاء بين نساء.
الرابعة: قوله: «حراً» وضده المملوك، ولا بد أن يكون حراً كامل الحرية، والتعليل:
أولاً: أن الرقيق غالباً يكون قاصراً؛ لأنه يشعر بأنه دون غيره فلا تجده يستوعب الأشياء، ولا ينظر إليه نظر الجد.
ثانياً: أن الرقيق مشغول بخدمة سيده، والقضاء يحتاج إلى تفرغ للنظر في الحكم بين الناس.
وليس هناك دليل من الكتاب، ولا من السنة يمنع أن يكون الرقيق قاضياً، ولهذا فالقول الراجح أن الرقيق يصح أن يكون قاضياً إذا توفرت فيه شروط القضاء، وهي القوة والأمانة، فإذا كان عنده علم، وعنده أمانة وصدق، فما المانع من أن يكون قاضياً؟!
أما التعليل بأنه مشغول بخدمة سيده، فإننا نقول: إذا أذن سيده أن يكون قاضياً فأين الشغل؟! نعم لو أبى سيده أن يكون قاضياً فله الحق، وحينئذٍ يمتنع أن يولى الرقيق، لا من جهة أنه غير صالح، لكن من جهة أنه مملوك لغيره.
إذاً هذا الوصف الصحيح أنه ليس بشرط، وأن الرق مانع لكونه مشغولاً بخدمة سيده فقط، وأما أنه يرى نفسه قاصراً عن غيره وما أشبه ذلك، فهذا تعليل لكن ليس مطرداً، فإن من الأرقاء من إذا آتاه الله العلم عرف مكانه بين الناس، وصار مفتياً ومعلماً ونافعاً لعباد الله.
الخامسة: قوله: «مسلماً» وضده الكافر، سواء كان من أهل الكتاب أم من غير أهل الكتاب، فلا يصح أن يولى غير المسلم القضاء؛ لأن غير المسلم إذا تولى القضاء فبأي حكم يحكم؟ بغير ما أنزل الله، والله ـ عزّ وجل ـ أمر أن نحكم بين الناس بما أنزل، وهو الحق.
وظاهر كلام المؤلف أنه لا يجوز أن يولى القضاء ولو على أمة كافرة، فمثلاً إذا كان أهل الذمة تحت ولاية المسلمين، فإنه لا يجوز لولي الأمر أن ينصب فيهم قاضياً منهم، بل ينصب قاضياً من المسلمين، أما إذا تحاكموا هم إلى واحد منهم، ونصبوا حكماً بينهم فإننا لا نتعرض لهم، لكن كوننا نولي عليهم قاضياً باسم خليفة المسلمين، فهذا لا يجوز.
السادسة: قوله: «عدلاً» وضده الفاسق، وهو من أصر على صغيرة، أو فعل كبيرة، ولم يتب منها، فإذا وجدنا شخصاً يحلق لحيته لكنه عالم وقوي، فإننا لا نوليه لفسقه، وإذا وجدنا شخصاً مسبلاً ثوبه فإننا لا نوليه القضاء؛ لأنه فاسق، وإذا وجدنا شخصاً يغتاب الناس، ويأكل لحومهم فلا نوليه القضاء، وإن كان عالماً وقوياً؛ وذلك لفسقه، والدليل قوله تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}} [الحجرات: 6] ، فأمر الله ـ عزّ وجل ـ أن نتبين خبر الفاسق، وهذا يدل على أن خبره لا يقبل على سبيل الإطلاق، وإنما يُتَبين فيه، ومعلوم أن القضاء يتضمن الخبر؛ لأن القاضي يقول للمدعي والمدعى عليه: هذا حكم الله، فحكمه متضمن الخبر، فلا يقبل.
وأما التعليل؛ فلأن الفاسق لا يؤمن أن يحيف لفسقه، وأضرار المعاصي على القلب والاتجاه والسلوك ظاهرة جداً، فلا يصح أن يكون قاضياً، ولكن يجب أن نعلم أن هذا الشرط يطبق، أو يعمل به بحسب الإمكان، فإذا لم نجد إلا حاكماً فاسقاً فإننا نوليه، ولكن نختار أخف الفاسقين فسقاً، لقول الله تعالى: {{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}} [التغابن: 16] ، وإلا فلو نظرنا لمجتمعنا اليوم لم نجد أحداً يسلم من خصلة يفسق بها، إلا مَنْ شاء الله، فالغِيبة فسق وموجودة بكثرة، والتغيب عن العمل، والإصرار على ذلك، وكونه لا يأتي إلا بعد بداية الدوام بساعة، ويخرج قبيل نهاية الدوام بساعة مثلاً، فالإصرار على ذلك فسق؛ لأنه ضد الأمانة، وخيانةٌ، وأكلٌ للمال بالباطل؛ لأن كل راتب تأخذه في غير عمل، فهو من أكل المال بالباطل، ولو نظرنا ـ أيضاً ـ لمجتمعنا لوجدنا كثيراً من الناس يتهاون في إسبال الثوب، ولا يهمه إذا أسبل، ونجد ـ أيضاً ـ كثيراً من الناس يتهاون بالنيل من لحيته، إما حلقاً أو تقصيراً، فإذا كنا لا نجد في الناس من يتصف بصفات العدالة، فإننا نولي أخف الفاسقين فسقاً.
والمعصية وإن كانت تفسق فهل تزيل الولاية، أو نقول: إن الولاية شيء والفسق شيء آخر؛ لأن من الناس من يكون فاسقاً، لكن ولايته من أتم ما يكون من الولايات؟
السابعة: قوله: «سميعاً» وضده الأصم الذي لا يسمع، فلو وقع عند أذنه أقوى صوت في الدنيا ما سمعه، فهذا لا يصح أن يكون قاضياً، قالوا: لأنه لا يسمع كلام الخصمين، وظاهر كلامهم أنه لا يصح أن يكون قاضياً ولو أمكن إيصال كلام الخصمين إليه عن طريق الكتابة، أو الإشارة، وقد أدركت رجلاً كان لا يسمع أبداً، ولو أطلقت الرصاص جنب أذنه ما سمع، لكنه يكتب، ويعرف الإشارة معرفة عظيمة، وكان عنده لوح من حجر صغير يضعه في مِخباته، فإذا لاقاك أشار أَنِ السلام عليكم، ثم أخرج اللوح وقال: اكتب، يعني إن جاءك أخبار ونحو ذلك، ولهذا كان من أعلم الناس بالأخبار، حتى أخبار الدول وغيرها يعلمها؛ لأنه حريص على تلقي الأخبار.
إذاً كلام الفقهاء يقتضي أن الأصم لا يصح أن يكون قاضياً، ولو فهم كلام الخصمين بالإشارة، أو بالكتابة، أما بالإشارة فقالوا: إنه لو فهم بالإشارة فقد لا يحسن الخصم الإشارة، قد يشير بشيء يتصوره القاضي شيئاً آخر، والإشارات تختلف، لكن الكتابة بحروف واضحة مقروءة، يكتب الخصم ثم يعرض على القاضي، ويطلب من المدعى عليه الدفاع، أو الإقرار، فهذا ممكن، فإذا كانت العلة في منع نصب الأصم قاضياً هي عدم سماع الخصمين، فإننا نقول: إذا أمكن أن تصل حجة الخصمين إلى هذا القاضي بأي وسيلة، زالت العلة، وإذا زالت العلة زال الحكم.
الثامنة: قوله: «بصيراً» يعني غير أعمى، فالأعمى لا يصلح أن يكون قاضياً؛ قالوا: لأنه لا يعرف المدعي من المدعى عليه، فربما يتكلم أحدهما مقلداً للآخر، فيحسب أنه هو ذلك المُقلَّد؛ لأنه لا يميز الأشياء إلا بالصوت، والصوت يمكن تقليده، فيمكن أن يقول المدعي: أنا أدعي على فلان بعشرة آلاف ريال، فيقول القاضي: ماذا تقول؟ فيقلد ذاك صوت المدعى عليه يقول: نعم، عندي له عشرة آلاف ريال، فبناء عليه يحكم القاضي، ولذلك قالوا: إنه لا يعرف المدعي من المدعى عليه، وتشتبه عليه الأصوات، فربما يحكم لمن ليس له الحق بسبب ذلك.
ولكن هذا التعليل عليل في الواقع؛ لأننا نشاهد أن الأعمى يدرك بحسه السمعي، أكثر مما يدرك البصير بحسه السمعي، فعنده إدراك قوي بحاسة السمع، ويعرف الأصوات، وأما معرفة من هو المدعي من المدعى عليه، فهذا حاصل لكل أحد، فالمدعي من إذا سكت تُرك، والمدعى عليه إذا سكت لم يُترك، فالصحيح أنه لا يشترط أن يكون بصيراً، وأن الأعمى يصح أن يكون قاضياً، صحيح أن البصير أكمل، لكن كونه شرطاً، بحيث إذا لم نجد إلا أعمى فإننا لا نوليه، فهذا غير صحيح.
التاسعة: قوله: «متكلماً» لأن الأخرس إذا كان قاضياً فكيف يكلم الخصمين؟! فلا بد أن ينطق؛ لأن المسألة تحتاج إلى تصريح مفهوم، والإشارة قد تكون مفهومة، وقد تكون غير مفهومة، ولكن إذا كان يكتب فإنه يزول المانع في الواقع؛ لأن الكتابة تعبر عما في القلب، كما يعبر اللسان عما في القلب، فإذا كان يستطيع أن يكتب فلا شك أنه يجوز أن يكون قاضياً، صحيح أن النطق أسرع من الكتابة، لكن إذا وجدنا هذا الرجل أهلاً للقضاء، ولم يبقَ عليه إلا النطق، فلا يمكن أن نمنعه القضاء من أجل أنه لا ينطق، ونقول: يكتب ويشير، والإنسان الملازم للشخص يعرف إشارته كما يعرف نطقه بلسانه، فالعارف بالإشارة إذا كان إلى جانب القاضي يكون كالمترجم عنه، فالمترجم يترجم العبارة وهذا يترجم الإشارة ولا فرق، إذاً نقول: إن اشتراط كون القاضي متكلماً فيه نظر، وأنه يجوز أن يولى الأخرس بشرط أن تكون إشارته معلومة، أو كتابته مقروءة فإذا حصل هذا أو هذا صح أن يكون قاضياً.
العاشرة: قوله: «مجتهداً ولو في مذهبه» فلا بد أن يكون القاضي مجتهداً، والاجتهاد نوعان:
الأول: اجتهاد مطلق، وهو الاجتهاد في أقوال العلماء كلهم، بحيث يطبق هذه الأقوال على النصوص، ويختار ما هو الصواب.
الثاني: اجتهاد في المذهب، فهو لا يخرج عن المذهب ولا يطالع أقوالاً سوى المذهب، لكنه في المذهب مجتهد يقارن بين الأقوال، ويعرضها على الكتاب والسنة، ويعرف الراجح من المرجوح، بل ظاهر كلامهم أنه إذا عرف الراجح من المرجوح، ولو باعتبار كلام فقهاء المذهب فإنه يسمى مجتهداً في مذهبه، فالمجتهد في مذهبه، إما أن يكون ممن يعرض أقوال أصحاب المذهب على الكتاب والسنة ويعرف الراجح، أو يكون ممن يعرض أقوال أصحاب المذهب على أئمة المذهب، وينظر ما عليه الأئمة فيختاره.
وقوله: «مجتهداً» خرج بذلك المقلد الذي لا يجتهد أبداً، يأخذ مثلاً: «الروض المربع» أو «منتهى الإرادات» أو «الإقناع» ويمشي عليه، ولا ينظر في الأقوال ولا يقارن بينها، فهذا لا يصح أن يكون قاضياً؛ لأنه مقلد غير مجتهد، فلا يقارن بين الأقوال ويختار الأرجح، والمقلد، قال ابن عبد البر: إنه ليس من العلماء بإجماع العلماء، وصدق؛ لأن الله يقول: {{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}} [الأنبياء: 7] فمن احتاج إلى الرجوع إلى غيره فليس من أهل الذكر، وليس من أهل العلم، وعلى هذا نقول: يشترط في القاضي أن يكون مجتهداً.
وأما المقلد فلا حظَّ له في القضاء، ولا يجوز أن يولى القضاء؛ كما أنه لا يجوز له أن يفتي، وإنما إذا أراد أن يفتي، ودعت الضرورة لسؤاله، يقول: قال الإمام أحمد، أو صاحب الكافي، أو صاحب الإقناع، فينسب القول إلى قائله، كما أن العامي إذا سمع عالماً من العلماء يتكلم بشيء فإنه لا يفتي به، وإنما يقول: قال العالم الفلاني: كذا وكذا؛ لأنه لم يصل إلى درجة الفتوى حتى يصدر القول من عند نفسه، ولكن ينسب القول إلى قائله، كالصحابي يقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: كذا وكذا، فينسب الحديث إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم.
وهذا الشرط الأخير الاجتهاد ولو في المذهب، نقول: هو شرط لكن بحسب الإمكان، فإذا لم نجد إلا قاضياً مقلداً فإنه خير من العامي المحض؛ لأن العامي المحض ما يستفيد شيئاً ولا يفيد، والمقلد معتمد على بعض كتب المذهب الذي يقلده، فعنده شيء من العلم، ولكن يقدم المجتهد في النصوص على المجتهد في أقوال الأئمة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: وهذه الشروط تعتبر حسب الإمكان، وتجب ولاية الأمثل فالأمثل، وعلى هذا يدل كلام أحمد وغيره، فيولى لعَدَمٍ أنفعُ الفاسقين، وأقلُّهم شراً، وأعدلُ المقلدين، وأعرفهما بالتقليد، قال في الفروع: «وهو كما قال» أي: كما قال الشيخ، وصدق الشيخ ـ رحمه الله ـ فهذه الشروط العشرة شروط إذا أمكن تطبيقها، فإذا لم يمكن، يُولى الأمثل فالأمثل، وعلى هذا يدل كلام الله عزّ وجل، قال الله تعالى: {{لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}} [البقرة: 286] ، وقال الله تعالى: {{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}} [التغابن: 16] ، فإذا لم نجد أحداً يتصف بهذه الصفات وإنما يتصف ببعضها أخذنا بقدر الإمكان.
مسائل: هل يجوز تولية أهل البدع القضاء؟
أهل البدع ينقسمون إلى قسمين: أهل بدع مكفرة، فهؤلاء انتفى عنهم شرط الإسلام، وأهل بدع مفسقة انتفى عنهم شرط العدالة، فإذا كانت البدعة مفسقة فلا يولى، ولو على أهل بدعته، وكل بدعة تكفر المجتهد فهي تفسق المقلد. ولو ترك الرجل الوتر فهل يولى القضاء؟ قال الإمام أحمد رحمه الله من ترك الوتر فهو رجل سوء لا ينبغي أن تقبل له شهادة. قال لأن تهاونه بالوتر يدل على تهاونه بالشهادة فأتي من عدم الأمانة.
وهل المتعصب لأقوال إمامه يولى القضاء؟ إن كان يوجد مجتهد في النصوص والعمل بالأدلة فلا يولى المجتهد في أقوال الأئمة فقط وهو الذي يهمه تطبيق أقوال إمامه دون الالتفات للأدلة، لكن إذا لم يوجد مجتهد في النصوص فإنه يولى المجتهد في المذهب.

وَإِذَا حَكَّمَ اثْنَانِ بَيْنَهُمَا رَجُلاً يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ نَفَذَ حُكْمُهُ فِي الْمَالِ وَالْحُدُودِ وَاللِّعَانِ وَغَيْرِهَا.
قوله: «وإذا حَكَّم اثنان بينهما رجلاً يصلح للقضاء» «إذا حكم» أي: جعلاه حكماً، وتحكيم غير القاضي ثابت في القرآن، قال الله تعالى: {{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا}} [النساء: 35] فأصل التحكيم ثابت في القرآن، كذلك عمر وأبي بن كعب ـ رضي الله عنهما ـ تحاكما إلى زيد بن ثابت[(206)] ـ رضي الله عنه ـ فحكم بينهما.
وقوله: «وإذا حكَّم اثنان» هذا على سبيل المثال، فلو حَكَّم أربعةٌ رجلاً جاز.
وقوله: «رجلاً» وصف طردي وليس بقيد، فلو حُكمت امرأةٌ، أو حكمت امرأتان امرأةً فإن ذلك لا بأس به، وهو جائز، فلو فرض أن امرأةً عندها علم وأمانة وثقة ومعرفة، فتحاكم إليها رجلان فحكمت بينهما فلا بأس، ولا مانع؛ لأن هذه الولاية ليست ولاية عامة حتى نقول: لا بد فيه من الذكورية، إنما هو رجلان أو خصمان اتفقا على أن يكون الحكم بينهما هذه المرأة، وهذا التحكيم يشبه المصالحة من بعض الوجوه.
وقوله: «إذا حكم اثنان بينهما رجلاً» لو حَكَّم أحدُ الخصمين صاحبه أي: لو أن أحد المدعيين حَكَّم الآخر، أيجوز ذلك أو لا؟
الصحيح: أنه يجوز، وإن كان ظاهر كلام المؤلف عدم الجواز، فلو أن رجلاً ادعى على شخص شيئاً ما، وقال له هذا الشخص: حكم نفسك، أنا أرضى أن تحكم لي أو عليّ، فلا مانع.
فإذا قال قائل: إن فيه مانعاً؛ لأن المدعي قد حكم لنفسه بالحق؛ لأنه ادعاه، قلنا: إن الإنسان قد تختلف حاله عند التحكيم عن حاله عند الدعوى، فيدعي على إنسان شيئاً، فإذا قال له: أنا أحكمك، لا شك أنه سيتراجع عن دعواه، إما لكونه يخجل ويستحيي، أو لكونه يخاف الله عزّ وجل، ويهاب الحكم بغير الحق، بخلاف الدعوى، فعلى كل حال لا مانع من أن أحد الخصمين يقول للآخر: أنت الحكم، وإذا جعله حكماً لنفسه أو عليها فلا بأس.
وقوله: «يصلح للقضاء» أي: تتوافر فيه صفات القاضي العشر، فلا يصلح للقضاء إلا من اتصف بتلك الصفات، وهذا الشرط الذي اشترطه المؤلف فيه نظر ظاهر، والفرق بين المُحكَّم والمنصوبِ من قِبل ولي الأمر ظاهر؛ لأن المُحكَّم إنما يحكم في قضية معينة لخصم معين، ليست ولايته عامة حتى نقول: لا بد فيه من توافر الشروط السابقة، أما القاضي المنصوب من قبل ولي الأمر فحكمه عام، يتحاكم الناس إليه سواء حكَّموه أم لم يحكِّموه، فكيف نشترط الشروط العشرة؟! فإذا قال رجلان: نحن نرضى هذا الإنسان وإن كان عبداً، فكيف نقول: لا يصلح للحكم؟!
وإذا قال الخصمان: نحن نرضى أن نحكِّمه، وإن كان أعمى، فما المانع؟!
وإذا قال الخصمان: نحن نرضى أن نحكِّمه ولو كان مقلداً فما المانع؟! لأن غاية ما فيه أنهما رضياه مصلحاً بينهما، أو كالمصلح بينهما، ولهذا نص على هذه المسألة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقال: إنه لا يشترط في المُحكَّم ما يشترط في القاضي، والفرق بينهما كما ذكرنا: أن الحاكم منصوب من قِبل ولي الأمر فحكومته ولاية، وأما هذا فهو مُحكَّم من قبل خصم معين في قضية معينة، فهو يشبه المُصلح بين خصمين.
قوله: «نفذ حكمه في المال» مثل أن يقول شخص لآخر: في ذمتك لي مائة درهم، والثاني يقول: ليس لك عندي شيء، فرضيا أن يحكم بينهما فلان، فذهبا إليه وحكم بينهما بما تقتضيه الشريعة، فهذا يجوز ويَنْفُذُ الحكم، فإن اتفقا على أن يحكم بينهما فلان، ثم رجع أحدهما عن ذلك وامتنع، وقال: أنا تراجعت عن ذلك، وأريد أن يحكم بيننا القاضي، فهل له ذلك؟
نقول: ينظر في هذا، إن كان المُحكَّم قد شرع في الحكم فإنه لا يحق لأحدهما أن يملك الرجوع؛ لأنه ربما يتراجع إذا تبين له من كلام المُحكَّم أن الحق عليه، أما إذا كان قبل أن يتحاكما، أي: قبل أن يصلا إلى مجلس الحكم فلا بأس في هذا.
قوله: «والحدود» هل هناك حد يكون بين المتخاصمين؟ الجواب: نعم، مثل حد القذف، فإن حد القذف يكون بين المتخاصمين، كرجل قذف رجلاً فادعى عليه المقذوف أنه قذفه، فقال: ما قذفتك، قال: من يحكم بيننا؟ قال: فلان، فذهبا إلى فلان وحكم بحد القذف، وأن القاذف يجلد ثمانين جلدة إذا كان المقذوف محصناً، أو يُعزر إن كان المقذوف غير محصن، فينفذ، ونفس المُحكَّم يقوم بتنفيذه، سواء كان في بيت المقذوف، أو في بيت القاذف، إنما لا يمكن أن يقيمه علناً؛ لأن هذا يحصل فيه تلاعب وفوضى.
قوله: «واللعان» اللعان حقيقته أن الرجل يقذف زوجته بالزنا، والعياذ بالله، فيقول: إنها زنت، فهذا لا يخلو من أحوال:
الأولى: أن تقر.
الثانية: أن تنكر ويأتي بالشهود.
الثالثة: تنكر ولا يأتي بالشهود.
الرابعة: أن تسكت، فلا تقر ولا تنكر.
في الحال الأولى: إذا أقرت نقيم عليها حد الزنا.
في الحال الثانية: إذا أنكرت، ولكن أتي بشهود يقام عليها الحد.
في الحال الثالثة: إذا أنكرت ولم يأت بالشهود نقول له: إما أن تُلاعن، أو تُحَدَّ حد القذف ثمانين جلدة.
في الحال الرابعة: إذا سكتت، على القول الراجح نقيم عليها الحد؛ لقوله تعالى: {{وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ}...} إلخ [النور: 8] ، وقيل: تحبس إلى أن تُقر، أو تلاعن، أو يأتي ببينة.
على كل حال في الحال الثالثة لو أن رجلاً قذف امرأته بالزنا، فطلبت أن تحاكمه، فقال: إلى أي أحدٍ تريدين أن نرجع؟ فقالت: نرجع إلى فلان، فتحاكما عنده وقضى باللعان بينهما فإن هذا يجوز.
قوله: «وغيرها» كالحقوق الزوجية، والميراث، والودائع، والرهون، والأوقاف، كل شيء، المهم أنهما إذا حَكَّما رجلاً صار هذا المُحكم كالقاضي المنصوب من قبل ولي الأمر، ينفذ حكمه في كل شيء.



[202] أخرجه البخاري في المغازي/ باب كتاب النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى كسرى وقيصر (4425) عن أبي بكرة رضي الله عنه.
[203] سبق تخريجه ص(272).
[204] أخرجه البخاري في الجمعة/ باب صلاة الكسوف جماعة... (1052)، مسلم في الكسوف/ باب ما عرض على النبي في صلاة الكسوف... (907) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
[205] سبق تخريجه ص(272).
[206] أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (10/145).

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ما, يشترط

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:50 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir