دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الجنايات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11 جمادى الآخرة 1431هـ/24-05-2010م, 06:28 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس

بابُ ما يُوجِبُ القِصاصَ فيما دونَ النفْسِ

مَن أُقِيدَ بِأحدٍ في النَّفْسِ أُقِيدَ به في الطرْفِ والجِراحِ، ومَن لا فلا، ولا يَجِبُ إلا بما يُوجِبُ الْقَوَدَ في النفْسِ. وهو نوعان: أحدُهما في ( الطرْفِ ) فتُؤْخَذُ العينُ والأَنْفُ والأُذُنُ والسنُّ والْجَفْنُ والشَّفَةُ واليدُ والرِّجْلُ والأُصْبُعُ والكفُّ والْمِرْفَقُ والذكَرُ والْخُصْيَةُ والألْيَةُ والشُّفْرُ , كلُّ واحدٍ من ذلك بِمِثْلِه.
وللقِصاصِ في الطرْفِ شُروطٌ: ( الأَوَّلُ ) الأَمْنُ من الْحَيْفِ بأن يكونَ الْقَطْعُ من مَفْصِلٍ، أو له حَدٌّ يَنْتَهِي إليه كمارِنِ الأَنْفِ وهو ما لانَ منه.
( الثاني ) الْمُماثَلَةُ في الاسمِ والْمَوضِعِ، فلا تُؤْخَذُ يمينٌ بيسارٍ ولا يَسارٌ بيَمينٍ , ولا خِنْصَرٌ ببِنْصَرٍ , ولا أَصْلِيٌّ بزائدٍ , ولا عَكْسُه، ولو تَراضَيَا لم يَجُزْ .
( الثالثُ ) استواؤُهما في الصحَّةِ والكَمالِ , فلا تُؤْخَذُ صحيحةٌ بشَلَّاءَ , ولا كاملةُ الأصابعِ بناقصةٍ , ولا عينٌ صحيحةٌ بعائِمَةٍ، ويُؤْخَذُ عَكْسُه , ولا أَرْشَ.

  #2  
قديم 16 جمادى الآخرة 1431هـ/29-05-2010م, 11:57 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

........................

  #3  
قديم 16 جمادى الآخرة 1431هـ/29-05-2010م, 11:57 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي


بابُ ما يُوجِبُ القِصَاصَ فيما دُونَ النفسِ
مِن الأطرافِ والجِرَاحِ: (مَنْ أُقِيدَ بِأَحَدٍ في النفسِ) لِوُجُودِ الشروطِ السابقةِ (أُقِيدَ به في الطرَفِ والجِرَاحِ)؛ لقولِهِ تعالَى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} الآيةَ، (ومَن لا) يُقادُ بأحدٍ في النفسِ كالمُسْلِمِ بالكافرِ والحُرِّ بالعَبْدِ والأبِ بولدِهِ، (فلا) يُقادُ به في طَرَفٍ ولا جِرَاحٍ؛ لِعَدَمِ المُكَافَأةِ، (ولا يَجِبُ إلاَّ بما يُوجِبُ القَوَدَ في النفسِ، وهو)؛ أي: القِصَاصُ فيما دُونَ النفسِ (نوعانِ: أَحَدُهما في الطَّرَفِ، فتُؤْخَذُ العينُ) بالعينِ (والأنفُ) بالأنفِ (والأُذُنُ) بالأُذُنِ (والسنُّ) بالسنُّ (والجَفْنُ) بالجَفْنِ (والشَّفَةُ) بالشَّفَةِ: العُلْيَا بالعليا، والسُّفْلَى بالسُّفْلَى، (واليدُ) باليدِ: اليُمْنَى باليُمْنَى، واليُسْرَى باليُسْرَى، (والرِّجْلُ) بالرِّجْلِ كذلكَ، (والأُصْبَعُ) بأُصْبَعٍ تُمَاثِلُها في مَوْضِعِها، (والكَفُّ) بالكَفِّ المُمَاثِلَةِ، (والمِرْفَقُ) بمِثْلِهِ، (والذَّكَرُ والخِصْيَةُ والأَلْيَةُ والشُّفْرُ) بضَمِّ الشينِ، وهو أحدُ اللَّحْمَيْنِ المُحِيطَيْنِ بالرَّحِمِ كإحَاطَةِ الشفتَيْنِ على الفَمِ؛ (كلُّ واحدٍ مِن ذلك بمثلِهِ)؛ للآيةِ السابقةِ.
(وللقِصَاصِ في الطَّرَفِ شُرُوطٌ) ثلاثةٌ: (الأوَّلُ: الأمنُ مِن الحَيْفِ)، وهو شرطُ جوازِ الاستيفاءِ، ويُشْتَرَطُ لِوُجُوبِهِ إمكانُ الاستيفاءِ بلا حَيْفٍ؛ (بأنْ يكونَ القَطْعُ مِن مَفْصِلٍ أو) له حَدٌّ (يَنْتَهِي إليه) يعنِي: إلى حدٍّ؛ (كمَارِنِ الأنفِ، وهو ما لانَ مِنه) دونَ القَصَبَةِ، فلا قِصَاصَ في جَائِفَةٍ، ولا كسرِ عَظْمٍ غيرِ سِنٍّ، ولا بعضِ ساعدٍ ونحوِهِ، ويُقْتَصُّ مِن مَنْكِبٍ ما لم يُخَفْ جَائِفَةٌ.
الشرطُ (الثاني: المُمَاثَلَةُ في الاسمِ والموضِعِ، فلا تُؤْخَذُ يَمِينٌ) مِن يَدٍ ورِجْلٍ وعينٍ وأُذُنٍ ونَحْوِها (بِيَسَارٍ، ولا يَسَارٌ بيمينٍ، ولا) يُؤْخَذُ (خِنْصِرٌ بِبِنْصِرٍ، ولا) عكسُه؛ لعَدَمِ المساواةِ في الاسمِ، ولا يُؤْخَذُ (أَصْلِيٌّ بزائدٍ، وعكسُه)، فلا يُؤْخَذُ زائدٌ بأصليٍّ؛ لعَدَمِ المساواةِ في المكانِ والمنفعةِ. (ولو تَرَاضَيَا) على أخذِ أَصْلِيٍّ بزائدٍ أو عكسِه (لم يَجُزْ) أَخْذُه بعدُ؛ لِعَدَمِ المُقَاصَّةِ، ويُؤْخَذُ زائدٌ بِمِثْلِهِ موضعاً وخِلْقَةً.
الشرطُ (الثالثُ: اسْتِوَاؤُهُما)؛ أي: اسْتِوَاءُ الطَّرَفَيْنِ؛ المَجْنِيِّ عليه والمُقْتَصِّ منه (في الصحَّةِ والكمالِ، فلا تُؤْخَذُ) يدٌ أو رِجْلٌ (صحيحةٌ بـ) يَدٍ أو رِجْلٍ (شَلاَّءَ، ولا) يَدٌ أو رِجْلٌ (كاملةُ الأصابعِ) أو الأظفارِ (بناقِصَتِهما)، (ولا) تُؤْخَذُ (عينٌ بـ) عينٍ (قائمةٍ)؛ وهي التي بَيَاضُها وسَوَادُها صافيانِ، غيرَ أنَّ صَاحِبَها لا يُبْصِرُ بها؛ قالَه الأزهريُّ. ولا لِسَانٌ ناطِقٌ بأخرسَ، ولو تَرَاضَيَا؛ لِنَقْصِ ذلك، (ويُؤْخَذُ عَكْسُه)، فتُؤْخَذُ الشَّلاَّءُ ناقصةُ الأصابعِ والعينُ القائمةُ بالصحيحةِ، (ولا أَرْشَ)؛ لأنَّ المَعِيبَ مِن ذلك كالصحيحِ في الخِلْقَةِ، وإنَّما نَقَصَ في الصفةِ. وتُؤْخَذُ أُذُنُ سَمِيعٍ بأُذُنِ أصمَّ شَلاَّءَ ، ومارِنُ الأشمِّ الصحيحِ بمارِنِ الأَخْشَمِ الذي لا يَجِدُ رائحةَ شيءٍ؛ لأنَّ ذلك لِعِلَّةٍ في الدِّمَاغِ.

  #4  
قديم 16 جمادى الآخرة 1431هـ/29-05-2010م, 11:58 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم


باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس
من الأطراف والجراح([1])

(من أقيد بأحد في النفس) لوجود الشروط السابقة([2]) (أقيد به في الطرف والجراح)([3]) لقوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} الآية([4]) (ومن لا) يقاد بأحد في النفس كالمسلم بالكافر([5]) والحر بالعبد([6]).

والأب بولده (فلا) يقاد به في طرف ولا جراح، لعدم المكافأة([7]) (ولا يجب إلا بما يوجب القود في النفس([8]) وهو) أي القصاص فيما دون النفس (نوعان([9]) أحدهما في الطرف([10]) فتؤخذ العـين) بالعين (والأنف) بالأنف([11]) (والأذن) بالأذن (والسـن) بالسن([12]).

(والجفن) بالجفن([13]) (والشفة) بالشفة العليا بالعليا، والسفلى بالسفلى([14]) (واليد) باليد، اليمنى، باليمنى، واليسرى باليسرى([15]) (والرجل) بالرجل كذلك([16]) و(الإصبع) بالإصبع تماثلها في موضعها([17]) (والكف) بالكف المماثلة([18]) (والمرفق) بمثله([19]).

(والذكر والخصية والإلية والشفر) بضم الشين، وهو أحد اللحمين المحيطين بالفرج، كإحاطة الشفتين على الفم (كل واحد من ذلك بمثله) للآية السابقة([20]) (وللقصاص في الطرف شروط) ثلاثة([21]) (الأول الأمن من الحيف)([22]) وهو شرط جواز الاستيفاء([23]).

ويشترط لوجوبه إمكان الاستيفاء بلا حيف([24]) (بأن يكون القطع من مفصل([25]) أو له حد ينتهي إليه) أي إلى حد (كمارن الأنف، وهو ما لان منه) دون القصبة([26]).

فلا قصاص في جائفة([27]) ولا كسر عظم غير سن([28]) ولا بعض ساعد ونحوه([29]) ويقتص من منكب ما لم يخف جائفة([30]) الشرط (الثاني: المماثلة في الاسم والموضع([31]) فلا تؤخذ يمين) من يد ورجل وعين وأذن ونحوها([32]) (بيسار ولا يسار بيمين([33]).

ولا) يؤخذ (خنصر ببنصر ولا) عكسه([34]) لعدم المساواة في الاسم([35]) ولا يؤخذ (أصلي بزائد([36]) وعكسه) فلا يؤخذ زائد بأصلي، لعدم المساواة في المكان والمنفعة([37]) (ولو تراضيا) على أخذ أصلي بزائد أو عكسه([38]) (لم يجز) أخذه به، لعدم المقاصة([39]) ويؤخذ زائد بمثله موضعا وخلقة([40]).

الشرط (الثالث استواؤهما) أي استواء الطرفين المجني عليه، والمقتص منه (في الصحة والكمال([41]) فلا تؤخذ) يد أو رجل (صحيحة بـ) يد أو رجل (شلاء([42]) ولا) يد أو رجل (كاملة الأصابع) أو الأظفار (بناقصتـ) هما([43]) (ولا) تؤخذ (عين صحيحة بـ) عين (قائمة([44])) وهي التي بياضها وسوادها صافيان، غير أن صاحبها لا يبصر بها قاله الأزهري([45]) ولا لسان ناطق بأخرس ولو تراضيا، لنقص ذلك([46]).

(ويؤخذ عكسه) فتؤخذ الشلاء، وناقصة الأصابع، والعين القائمة بالصحيحة([47]) (ولا أرش) لأن المعيب من ذلك كالصحيح في الخلقة، وإنما نقص في الصفة([48]) وتؤخذ أذن سميع بأذن أصم شلاء، ومارن الأشم الصحيح بمارن الأخشم الذي لا يجد رائحة شيء، لأن ذلك لعلة في الدماغ([49]).


([1]) قال شيخ الإسلام وغيره: القصاص في الجراح ثابت بالكتاب والسنة والإجماع، بشرط المساواة.
([2]) الأربعة المتقدمة العصمة، والتكليف، والمكافأة، وعدم الولادة.
([3]) لأن النفس أعلى، فإذا أقيد في الأعلى، ففي الأدنى بطريق الأولى، فمن جرى بينهما في النفس، جرى بينهما في الطرف والجراح.
([4]) وتمامها وهو الشاهد للترجمة قوله تعالى: {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} وفي الصحيحين في قصة كسر ثنية الربيع، قال صلى الله عليه وسلم «كتاب الله القصاص».
([5]) لا يقاد به في طرف ولا في جراح، فكما لا يجري القصاص بينهما في النفس، لا يجري بينهما في الطرف هذا المذهب، وعليه الأصحاب.
([6]) فلا تقطع يد الحر بيد العبد، ولا يكسر سنه بسنه، لعدم المكافأة.
([7]) فكونه لا يقاد به في النفس، ففي الطرف والجراح، من باب أولى.
([8]) وهو العمد المحض، فلا قود في الخطأ إجماعا، ولا في شبه العمد عند الجمهور، قال ابن رشد: أما إن ضربه بلطمة، أو سوط، أو ما أشبه ذلك، مما الظاهر منه، أنه لم يقصد إتلاف العضو، مثل أن يلطمه فيفقأ عينه، فالذي عليه الجمهور، أنه شبه العمد، ولا قصاص فيه، وفيه الدية مغلظة في ماله.
([9]) في أطراف وجروح بشروط تأتي مفصلة.
([10]) وهو حرف الشيء، ومنتهى كل شيء، وحكى الموفق وغيره، الإجماع على جريان القصاص في الأطراف.
([11]) أي تفقأ عين الجاني بعين المجني عليه، اليمنى باليمنى، واليسرى باليسرى إجماعا، ولا يشترط التساوي في الصغر والكبر، والصحة والمرض، ويجدع أنف الجاني بأنف المجني عليه، والمراد المارن وهو مالان منه، دون القصبة كما يأتي ويؤخذ الكبير بالصغير، والأشم بالأفطس.
([12]) أي وتقلع أذن الجاني بأذن المجني عليه، بالإجماع بشرطه، لأنها تنتهى إلى حد، والكبيرة بالصغيرة، ويقلع أو يكسر سن الجاني، بسن المجني عليه، للآية المتقدمة والحديث، والإجماع، ولا يقتص إلا ممن سقطت رواضعه ثم نبتت لأنها تعود بحكم العادة.
([13]) بفتح الجيم، وحكي كسرها، معروف، وهو غطاء العين من أعلى وأسفل لقوله تعالى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} ولأنه ينتهي إلى مفصل، وهو مذهب الجمهور.
([14]) وهما ما جاوز الذقن والخدين علوا وسفلا، فإن الشفة من الإنسان ما ينطبق على فمه ويستر أسنانه، لقوله: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} ولأن لها حدا تنتهي إليه، فلا تؤخذ إحداهما بالأخرى، بل تؤخذ العليا من الجاني بالعليا من المجني عليه.
([15]) فإن قطعها من اللوح فله القود منه، وإن قطعها من المرفق، فله القصاص منه، وإن قطع من الكتف، أو خلع عظم المنكب، فله القود إذا لم يخف جائفة للآية، وقال الشارح: بلا نزاع.
([16]) أي تؤخذ اليمنى باليمنى، واليسرى باليسرى، كما مر في أخذ اليد.
([17]) وفي اسمها، وإن قطع الأصابع من مفاصلها فله القود من المفصل، لأمن الحيف، ومن الكوع، فمنه وتؤخذ العليا بالعليا، والسفلى بالسفلى، من أنملة يد ورجل.
([18]) اليمنى باليمنى، واليسرى باليسرى.
([19]) الأيمن بالأيمن، والأيسر بالأيسر، لإمكان المماثلة
([20]) وهي قوله تعالى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} وهو قول جماهير العلماء، فيجري القصاص في الذكر، لأن له حدا ينتهي إليه، ويمكن القصاص فيه من غير حيف، فوجب فيه القصاص، كالأنف، وقال الموفق: لا نعلم فيه خلافا، ويستوي فيه ذكر الصغير والكبير، والشيخ والشاب، والذكر الكبير والصغير، والصحيح والمريض لأن ما وجب فيه القصاص من الأطراف لا يختلف في هذه المعاني.
وأما الخصية فإن قطع إحداهما وقال أهل الخبرة، يمكن أخذها مع سلامة الأخرى جاز وإن قالوا: لا يؤمن تلف الأخرى، فلا، ويجب فيها نصف الدية، وكلاهما يجري القصاص فيهما، قال الموفق: لا نعلم فيها خلافا، وأما الإلية الناتية، بين الفخذ والظهر، فيجري فيها القصاص، في ظاهر المذهب، للآية ولأن لها حدا تنتهي إليه، فيجري القصاص فيها، كالذكر، وكذا الشفر، لأن انتهاءه معروف، أشبه الشفتين.
([21]) تعلم بالاستقراء، وهي زيادة على شروط القصاص المتقدمة.
([22]) لأن الحيف جور وظلم، وإذا لم يمكن القصاص إلا به، لم يجز فعله.
([23]) وفي نفس الأمر هو واجب، إذ لا مانع منه، لوجود شرطه، وهو العدوان، على من يكافئه عمدا، مع المساواة في الاسم، والصحة والكمال، لكن الاستيفاء غير ممكن لخوف العدوان على الجاني.
([24]) والأمن من الحيف، أخص من إمكان الاستيفاء بلا حيف، قال في الأصناف: الأمن من الحيف شرط لجواز الاستيفاء وهو التحقيق وقال الفتوحي: النسبة بين إمكان الاستيفاء بلا حيف والأمن من الحيف العموم المطلق فكلما وجد الأمن من الحيف أمكن الاستيفاء بلا حيف وليس كلما أمكن الاستيفاء بلا حيف وجد الأمن من الحيف، فالعام شرط لوجوب القود، والخاص شرط لجواز الاستيفاء، والعام الإمكان، والخاص الأمن، ومتى وجد الخاص، وجد العام، ولا يلزم من وجود العام، وجود الخاص.
([25]) لأن المماثلة في غير ذلك غير ممكنة، ولا يؤمن أن يستوفي أكثر من الحق، والمفصل موضع اتصال عضو بعضو على منقطع عظمين، برباطات واصلة بينهما، مع تداخل كمرفق وركبة، أو تواصل كأنملة وكوع.
([26]) أي أو يكون القطع ينتهي إلى حد، كمارن الأنف، وهو ما لان منه، فهو الذي يجب فيه القصاص، أو الدية دون قصبة الأنف، لأن للمارن حدا ينتهي إليه، أشبه اليد، فإن قطع القصبة فلا قصاص، وله الدية، جزم به في الإقناع والمنتهى، ولابن ماجة: أن رجلا ضرب رجلا، على ساعده بالسيف، فقطعها من غير مفصل، فأمر له صلى الله عليه وسلم بالدية فقال: إني أريد القصاص فقال: «خذها بارك الله لك فيها» ولأن القطع ليس من مفصل فلا يؤمن فيه من الحيف.
([27]) أي جرح واصل إلى باطن الجوف، لأنها ليس لها حد ينتهي القطع إليه.
([28]) لإمكان برد سن الجاني، مثل ما كسره، إذا أمن قلعها أو سوادها. لإمكان الاستيفاء بلا حيف، فإن لم يأمن ذلك سقط القصاص.
([29]) كساق وكف، وعضد وورك، أو قطع يد من الكوع، ثم تأكلت إلى نصف الذراع فلا قصاص، لأنه لا يمكن الاستيفاء منها بلا حيف، وله الدية، لما تقدم، وقال الموفق: إن كان من غير مفصل، فلا قصاص فيه من موضع القطع بغير خلاف نعلمه.
([30]) بلا نزاع لأنه مفصل، وله أن يقتص من مرفقه وإن اختار الدية، فله دية اليد، وحكومة لما زاد.
([31]) قياسا على النفس، ولأن القصاص يعتمد المماثلة، ولأنها جوارح مختلفة المنافع، والأماكن فلم يؤخذ بعضها ببعض، كالعين بالأنف.
([32]) من المنخرين، والثديين والإليتين والأنثيين، والشفتين، والأجفان، وكل ما انقسم إلى يمين ويسار، وأعلى وأسفل.
([33]) قال الموفق: هذا قول أكثر أهل العلم، الأئمة الأربعة وغيرهم، وحكاه الوزير اتفاقا، لأن كل واحدة منهما تختص باسم، فلا تؤخذ إحداهما بالأخرى، كاليد مع الرجل، وتؤخذ كل منها بمثلها.
([34]) فلا يؤخذ بنصر بخنصر.
([35]) وتؤخذ الخنصر بالخنصر، والبنصر بالبنصر، والأنملة بمثلها، في الاسم والموضع.
([36]) لأن الزائد دونها، قال في الإنصاف: وإن تراضيا على أصلي بزائد، لم يجز بلا نزاع.
([37]) فلم يجز أخذها بها، لعدم المماثلة.
([38]) كأخذ زائد بأصلي.
([39]) لأن مالا يجوز أخذه مقاصة، لا يجوز بتراضيهما، لأن الدماء لا تستباح بالإباحة والبذل، فلو قطع يسار جان من له القود، في يمينه بتراضيهما، أو خنصرا ببنصر، أو قال: أخرج يمينك فأخرج يساره عمدا، أو غلطا، أو ظنا أنها تجزئ فقطعها، أجزأت قال في الإنصاف: وهو المذهب، ولم يبق قود ولا ضمان جزم به في الإقناع وغيره.
([40]) ولو تفاوتا قدرا، كالأصلي بالأصلي، إذا اتفقا في الموضع والخلقة، واختلفا في القدر، وإن اختلفا في غير القدر، بأن اختلفا في الموضع، أو الخلقة، لم يؤخذ أحدهما بالآخر.
([41]) لاعتماد القصاص على المماثلة.
([42]) لأنه لا نفع فيها سوى الجمال، فلا تؤخذ بما فيه نفع، قال الموفق: لا نعلم أحدا من أهل العلم قال بوجوب قطع يد أو رجل، صحيحة بشلاء، إلا ما حكي عن داود.
([43]) فلو قطع من له خمس أصابع، من يد أو رجل، يد أو رجل من له أربع أو ثلاث أصابع، لم يجز، قولا واحدا لأنها فوق حقه.
([44]) قولا واحدا.
([45]) فليستا بمتساويتين، فلا تؤخذ الصحيحة بالناقصة.
([46]) وزيادة المأخوذ على المفوت، فلا يكون مقاصة، قال الموفق: لا يؤخذ لسان ناطق بأخرس، لا نعلم فيه خلافا، ولا يؤخذ ذكر صحيح بأشل، ولا ذكر فحل بذكر خصي أو عنين، لأنه لا نفع فيهما، فيكون قد أخذ أكثر من حقه، وهذا مذهب مالك وغيره.
([47]) وإن شاء أخذ الدية، بلا خلاف، لأنه عجز عن استيفاء حقه على الكمال بالقصاص فله الدية، وهو مذهب الجمهور.
([48]) فلم يكن له أرش، اختاره القاضي، وصححه الموفق وغيره، وتؤخذ الشلاء بالشلاء، إذا أمن في الاستيفاء الزيادة، لأنهما متماثلين في ذات العضو وصفته فجاز أخذ إحداهما بالأخرى، كالصحيحة بالصحيحة.
([49]) والأنف صحيح، وذهاب السمع نقص في الرأس لأنه محله، وليس بنقص في الأذن، ويؤخذ الصحيح بالمخروم، لقيامه مقام الصحيح، وإن قطع بعض لسانه، أو مارنه، أو شفته، أو حشفته، أو أذنه، أخذ مثله، يقدر بالأجزاء كالنصف والثلث.

  #5  
قديم 11 ربيع الثاني 1432هـ/16-03-2011م, 11:48 AM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

بَابُ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ

مَنْ أُقِيدَ بِأَحَدٍ فِي النَّفْسِ أُقيدَ بِهِ في الطَّرَفِ وَالجِرَاحِ، وَمَنْ لاَ فَلاَ، وَلاَ يَجِبُ إِلاَّ بِمَا يُوجِبُ القَوَدَ فِي النَّفْسِ،.................
أفادنا المؤلف بقوله: «فيما دون النفس» أن القصاص يكون في النفس، ويكون فيما دونها، والأصل في هذا قوله تعالى: {{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ}} [المائدة: 45] .
قوله: «من أقيد بأحد في النفس أقيد به في الطرف والجراح، ومن لا فلا» هذه قاعدة مهمة.
فقوله: «من أقيد بأحد في النفس» أي: قتل به قصاصاً.
وقوله: «أقيد به في الطرف والجراح» يعني اقتص منه في الطرف والجراح.
وقوله: «ومن لا فلا» أي: من لا يقاد بأحد في النفس لا يقاد به في الطرف والجروح، إذاً فالقصاص في الطرف والجروح فرع عن القصاص في النفس، فلو أن حراً قطع يد عبد فهل يقطع به؟ لا؛ لأن الحر لا يقتل بالعبد على كلام المؤلف، ولو أن مسلماً قطع يد كافر، فلا يقطع به؛ لأن المسلم لا يقتل بكافر، فإذا لم يقتص به في كله لا يقتص به في جزئه، ولو أن كافراً قطع يد مسلم فإنه يقطع به؛ لأن الكافر يُقتل بالمسلم.
ولو أن امرأة قطعت يد رجل فتقطع يدها، لأن المرأة تُقتل بالرجل، ولو أن رجلاً قطع يد امرأة قطع بها أيضاً؛ لأن الرجل يقتل بالمرأة.
إذاً في هذه القاعدة لا بد أن نرجع إلى ما سبق، فننظر عندما يقطع أحد يد أحد هل يقتل به إذا قتله؟ فإن قيل: نعم، قطعناه به، وإلا فلا، ثم ذكر المؤلف قاعدة أخرى فقال:
«ولا يجب إلاّ بما يوجب القود في النفس» يعني لا يجب القود في الطرف والجروح إلاّ بما يوجب القود في النفس، والمراد هنا الإشارة إلى الجناية، أما الأولى فالمراد منها الإشارة إلى الجاني.
والذي يوجب القود في النفس من الجنايات هو العمد العدوان، فإن قطع أحدٌ يد أحد عمداً عدواناً، نظرنا في القاعدة السابقة، إذا كان يقتل به قطعنا يده، وإلاّ فلا، فإن قطع يده خطأ، كإنسان قال لآخر: امسك لي اللحم، وأخذ السكين ليقطع اللحم، فأخطأ وقطع أصبعاً من أصابعه، فهنا لا تقطع إصبعه، لأنها خطأ، وكما أن هذه الجناية لا توجب القود في النفس، فكذلك لا توجب القود فيما دون النفس.
والطرف: هو الأعضاء، والأجزاء من البدن، مثل اليد، والرجل، والعين، والأنف، والأذن، والسن، والذكر، وما أشبه ذلك.
والجراح: هي الشقوق في البدن، مثل رجل جرح يد إنسان، أو ساقه، أو فخذه، أو صدره، أو رأسه، أو ظهره، أو ما أشبه ذلك.
لكن القصاص في الطرف يزيد بأمور على القصاص في النفس، قال المؤلف:

وَهُوَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: فِي الطَّرَفِ، فَتُؤْخَذُ الْعَيْنُ، وَالأَْنْفُ، وَالأُْذُنُ، وَالسِّنُّ، وَالْجَفْنُ، وَالشَّفَةُ، وَالْيَدُ، وَالرِّجْلُ، وَالإِْصْبَعُ، وَالْكَفُّ، وَالْمِرْفَقُ، وَالذَّكَرُ، وَالْخِصْيَةُ، وَالأَلْيَةُ، وَالشُّفْرُ، كُلُّ واحدٍ مِنْ ذلِكَ بِمِثْلِهِ.
«وهو نوعان» أي: القصاص فيما دون النفس نوعان: أحدهما: في الطرف، والثاني: في الجراح.
قوله: «أحدهما: في الطرف، فتؤخذ العين، والأنف، والأذن، والسن، والجفن، والشفة، واليد، والرجل، والإصبع، والكف، والمرفق، والذكر، والخصية، والألية، والشفر، كل واحد من ذلك بمثله» .
فقوله: «فتؤخذ العين» أي: بالعين، اليمنى باليمنى، واليسرى باليسرى.
وقوله: «والأنف» بالأنف.
وقوله: «والأذن» بالأذن، اليمنى باليمنى، واليسرى باليسرى.
وقوله: «والسن» بالسن، الثنية بالثنية، والرَّباعية بالرَّباعية، والعليا بالعليا، والسفلى بالسفلى، فلا بد من المماثلة.
وقوله: «والجفن» أي: غطاء العين وهو حساس جداً، إذا أقبل إليه شيء يؤذي العين انقفل بدون أي إرادة من صاحبه، وهذا من آيات الله عزّ وجل أن جعل فيه هذا الإحساس الغريب، والإنسان لديه أربعة جفون، فيؤخذ الأيمن بالأيمن، والأعلى بالأعلى، والأيسر بالأيسر.
وقوله: «والشفة» هي حافة الفم، وهي عليا وسفلى.
وقوله: «واليد» باليد، اليمنى باليمنى، واليسرى باليسرى.
وقوله: «والرجل» بالرجل، اليمنى باليمنى، واليسرى باليسرى.
وقوله: «والأصبع» بالإصبع، فالإبهام بالإبهام، والأيمن بالأيمن، وكذلك البقية.
وقوله: «والكف» بالكف، ولِمَ ذكر هنا الكف مع أنه سبق ذكر اليد؟ الجواب: نحمل كلام المؤلف الأول في قوله: «اليد» على اليد كلها من الكتف، أو من المرفق، وأما الكف فهو منبت الأصابع، فاليمين باليمين، واليسار باليسار.
وقوله: «والمرفق» بالمرفق، أي: تقطع اليد من مفصل الذراع من العضد.
وقوله: «والذكر» بالذكر.
وقوله: «والخصية» بالخصية، اليمنى باليمنى، واليسرى باليسرى.
وقوله: «والألية» بالألية، اليُمنى باليمنى، واليسرى باليسرى.
وقوله: «والشُّفر» بالشفر، وهو اللحم المحيط بفرج المرأة، بمنزلة الشفتين للفم.
وقوله: «كل واحد من ذلك بمثله» وأصل هذا قوله تعالى: {{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ}} [المائدة: 45] .

وَلِلْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ شُرُوطٌ: الأَْوَّلُ: الأَمْنُ مِنَ الْحَيْفِ بِأَنْ يَكُونَ الْقَطْعُ مِنْ مَفْصِلٍ، أَوْ لَهُ حَدٌّ يَنْتَهِي إِلَيْهِ، كَمَارِنِ الأَنْفِ، وَهُوَ مَا لاَنَ مِنْهُ.
قوله: «وللقصاص في الطرف شروط» هذه شروط زائدة عما سبق من الشروط الأربعة.
قوله: «الأول: الأمن من الحيف» يعني إمكان الاستيفاء بلا حيف، وهذا شرط لتنفيذ القصاص، وقد مر علينا أنه لو وجب القصاص في الطرف على حامل تُركت حتى تضع، مع أن الاستيفاء ممكن، لكن نظراً إلى أنه يخشى أن يتعدى إلى غير الجاني وجب الانتظار، فالمقصود إمكان الاستيفاء بلا حيف؛ ولذلك قال المؤلف:
«بأن يكون القطع من مفصل» فمثلاً في الأصبع من مفصل الأنملة، وفي الكف من مفصل الرسغ، وفي الذراع من مفصل المرفق، وفي العضد من مفصل الكتف.
قوله: «أو له حَدٌّ ينتهي إليه» أي: له حدٌّ ينتهي إليه وإن لم يكن مفصل.
قوله: «كمارن الأنف وهو ما لان منه» أي: من الأنف؛ لأن الأنف له قصبة من عظام، يليها المارن، وهو جامع لثلاثة أشياء: للمنخرين وللحاجز بينهما، فلو أن أحداً قطع شخصاً من الحد اللين اقتص منه، لأنه يمكن الاستيفاء بلا حيف، ولو أن رجلاً قطع يد رجل من مفصل اليد تماماً فإنه يقتص منه، ولو قطعه من نصف الذراع فلا يقتص منه؛ لأن القطع ليس من مفصل، وعلى هذا فلو أراد أحد من الجناة الفقهاء أن يقطع كف إنسان، ولا يُقطع به، فإنه سيقطع من نصف الذراع بدلاً من مفصل الكف، ويكون زاد في الجناية وسلم من القصاص؛ لأن من الشروط أن يكون القطع من مفصل، وهذا ليس من مفصل، وإذا لم يكن من مفصل فلا نأمن أن نحيف عند القصاص، ربما يزيد أو ينقص، وقد يكون الكسر ليس مستقيماً فلا يتمكن، بخلاف المفصل هذا ما ذهب إليه المؤلف.
ويحتمل أن نقول: يقتص من المفصل الذي دونه ويؤخذ منه أرش الزائد، كما سيأتينا في الجراح ـ إن شاء الله ـ والأرش هو ما يسمَّى في باب الديات بالحكومة، وسيأتي ـ إن شاء الله ـ لها بحث معين، وهذا إذا لم يمكن القصاص من مكان القطع، فإن أمكن القصاص من مكان القطع اقتص منه؛ لأن الله تعالى يقول: {{وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ}}، وكلما أمكن القصاص وجب، فإذا وُجِدَ أطباء أكفاء، وقالوا: نحن يمكن أن نقدِّر هذه الجناية بدقة، بحيث نقتص من الجاني ولا نزيد أبداً، فما المانع من القصاص؟! لا مانع، بل لو قال المجني عليه: أنا أتنازل، فهو قطع يدي من نصف الذراع، وأنا أقطعها من ثلث الذراع، وأتنازل عن الزائد، فما المانع؟! لا مانع، فهذا رجل تنازل عن بعض حقه ليقتص من هذا الظالم المعتدي.
فعندنا ثلاثة احتمالات على خلاف كلام المؤلف:
الأول: أن يقتص من المفصل الذي دون القطع، ويأخذ أرش الزائد.
الثاني: أن يقتص من مكان القطع إذا أمكن.
الثالث: أن يقتص من دون محل القطع، وفوق المفصل ويسقط المجني عليه الزائد.
وأما أن نقول: إذا قَطَعْتَ من مفصل قطعنا كفَّك، وإذا تجاوزت شيئاً أبقينا كفّك! فهذا بعيد، والصواب أن نقول: إن أمكن القصاص تماماً بدون حيف وجب، إن لم يمكن فلنا طريقان:
الأولى: أن يقتص من الكف ويأخذ أرش الزائد.
الثانية: أن يقتص من فوق الكف ودون القطع، ويسقط الزائد إذا أحب.
أما على رأي المؤلف فإنه لا قصاص وله الدية، وهي بالنسبة لليد نصف الدية.
مسألة: هل يمكن القصاص من السن إذا ذهب بعضه؟ نعم، وذلك بأن يبرد سن الجاني حتى نصل للغاية.
وهل نأخذ منه بالمقدار أو بالنسبة؟ نأخذ بالنسبة؛ لأنه قد يكون سن الجاني صغيراً، وسن المجني عليه كبيراً، فإذا أخذنا بالمقدار فنصف سن المجني عليه يبلغ سن الجاني كاملاً، فلو أخذنا من سنِّه بالمقدار لانتهى السن، وكذلك العكس لو كان سن المجني عليه صغيراً فنأخذ بالنسبة، فإذا كان هذا الجزء من سن المجني عليه يقابل النصف من سنِّك أخذنا من سنك النصف، كما نفعل في الكف فقد تكون كف الجاني قدر كف المجني عليه مرتين أو أكثر، كرجل جاء إلى طفل في المهد فأخذ يده وقطعها، فهنا تقطع يد الجاني كاملةً.
مسألة: هل يجوز أن نبنِّج الجاني حتى لا يتألم؟ لا، لا يجوز؛ لأننا لو بنَّجناه ما تم القصاص، بل نقتص منه بدون تبنيج، لكن لو كان حداً لله كالسرقة، وقطع الأيدي والأرجل من خلاف في قطاع الطريق، فهذا يجوز أن نبنِّجه؛ لأن المقصود إتلاف هذا العضو لا تعذيبه.
وهل يجوز إذا قطعنا يد السارق أن نلصقها مرة أخرى؟
لا يجوز؛ لأن المقصود ليس حصول الألم، بل المقصود إتلاف هذا العضو الذي حصلت منه السرقة، وإلاَّ لو كان المقصود هو إيلام الجاني، لأخذناه وضربناها حتى يتألم، وهو أحسن من القطع، لكن إذا نظرنا إلى مقاصد الشرع وجدنا أن المقصود إتلاف العضو، وإبقاء هذا الجاني شُهرة بين الناس، كما قال ـ تعالى ـ في أصحاب السبت: {{فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ }}[البقرة:66] .
وقد قال الفقهاء رحمهم الله تعالى: إذا قطع أذنه ثم أعادها وهي حارة فيمكن أن تلتصق، وكذلك الجرح إذا جرحت بسكين، أو غيره فأَلْصِقْهُ سريعاً واضغط عليه، فهنا يلتئم ويتوقف الدم، لكن بشرط أن تفعل ذلك، والدم حار، ولا تتركه حتى يبرد.

الثَّانِي: الْمُمَاثَلَةُ فِي الاسْمِ وَالْمَوْضِعِ،......................
قوله: «الثاني: المماثلة في الاسم والموضع» أي: الشرط الثاني من شروط القصاص في الطرف، بأن تكون يداً بيد، هذا الاسم، والموضع يمين بيمين مثلاً.
وكذلك خنصر بخنصر، هذا اسم، ويمين بيمين هذا موضع.
وأنملة وسطى بأنملة وسطى، هذا اسم، لكن يجب أن تبين من أي الأصابع، خنصر، بنصر، من اليمين، أو اليسار.

فَلاَ تُؤْخَذُ يَمِينٌ بِيَسَارٍ، وَلاَ يَسَارٌ بِيَمِينٍ، وَلاَ خِنْصِرٌ بِبِنْصِرٍ، وَلاَ أَصْلِيٌّ بِزَائِدٍ، وَلاَ عَكْسُهُ، وَلَوْ تَرَاضَيَا لَمْ يَجُزْ،.......................
قوله: «فلا تؤخذ يمين بيسار، ولا يسار بيمين، ولا خنصر ببنصر، ولا أصلي بزائد، ولا عكسه» أي: ولا يؤخذ عكسه؛ لأن الموضع مختلف.
قوله: «ولو تراضيا لم يجز» لو قال المجني عليه: هذا الجاني أخذ مني الخنصر الأصلي، وعنده خنصر زائد، وأنا أريد أخذ خنصره الزائد، وتراضيا على هذا، فإنه لا يجوز؛ لعدم المماثلة في الموضع.
ويؤخذ من كلام المؤلف: أنه لا يجوز لأحد أن يتبرع بشيء من أجزائه؛ لأن الحق في ذلك لله عزَّ وجل، فلا يجوز أن تتبرع لأحد بأي شيء، لا بعين، ولا بأذن، ولا بأصبع، ولا بكُلية؛ لأن الحق لله تعالى، أما التبرع بالدم فجائز؛ لأنه يتعوض، مثل اللبن في ثدي الأم فإنه يتعوض، أمَّا ما لا يتعوض فلا يجوز.
وقد نص الفقهاء ـ رحمهم الله تعالى ـ على أنه لا يجوز لأحد أن يتبرع لأحد بشيء من أعضائه، وذلك في كتاب الجنائز، فقالوا: لا يجوز للميت أن يتبرع لأحد بشيء من أعضائه، ولو أوصى به لم تنفذ وصيته؛ لأن بدنك أمانة عندك، لا يجوز أن تتحكم فيه.
وأقوى ما يعتمد عليه المجيزون أن ذلك من باب الإيثار.
والجواب: أن هذا بعيد عن الإيثار؛ لأن الإيثار أن تؤثر غيرك بشيء لم يكن فيك، فتؤثره مثلاً في أن يشرب قبلك، أو يأكل قبلك، فهذا لا بأس به، أما شيء من نفسك فلا يمكن؛ لأن غاية ما هنالك في باب الإيثار أنك آثرته بنفع شيء خارج، أما أن تؤثره بإعطائه شيئاً تنقصه من بدنك فلا.

الثَّالِثُ: اسْتِوَاؤُهُمَا فِي الصِّحَّةِ وَالكَمَالِ، فَلاَ تُؤْخَذُ صَحِيحَةٌ بِشَلاَّءَ، وَلاَ كَامِلَةُ الأَْصَابِـعِ بِنَاقِصَةٍ، وَلاَ عَيْنٌ صَحِيحَةٌ بِقَائِمَةٍ، وَيُؤْخَذُ عَكْسُهُ وَلاَ أَرْشَ.
قوله: «الثالث: استواؤهما في الصحة والكمال، فلا تؤخذ صحيحة بشلاَّء» أي: الثالث من شروط القصاص في الطرف.
والمراد بالاستواء ألاّ يكون طرف الجاني أكمل من طرف المجني عليه، وعلى هذا فلا يخلو من ثلاث حالات:
الأولى: أن يكون طرف الجاني أكمل، وهذا هو موضوع البحث.
الثانية: أن يكون طرف المجني عليه أكمل، فهنا يؤخذ طرف الجاني بطرف المجني عليه.
الثالثة: أن يكونا سواءً، بأن يكون طرف الجاني وطرف المجني عليه صحيحين أو معيبين، وعلى هذا فقول المؤلف ليس بدقيق، والتعبير الدقيق أن يقول: «أن لا يكون طرف الجاني أكمل من طرف المجني عليه» فإذا كان طرف الجاني أكمل فإنها لا تقطع بيد المجني عليه، فإذا كان المجني عليه يده مشلولة ويد الجاني سليمة، فإنه لا تؤخذ يد الجاني بيد المجني عليه؛ وذلك لتفاوت ما بين اليدين، فيد المجني عليه معطلة المنفعة ويد الجاني سليمة المنفعة، فلم تستويا، فلا يثبت القصاص؛ لأن يد الجاني أكمل، وهذا هو الذي عليه جمهور أهل العلم، ومنهم المذاهب الأربعة، وحكاه بعضهم إجماعاً.
وقال داود الظاهري ـ رحمه الله ـ: إنها تؤخذ اليد السليمة بالشلاء؛ لعموم الآية {{النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ}}، وقوله صلّى الله عليه وسلّم لأنس بن النضر ـ رضي الله عنه ـ: «كتاب الله القصاص» [(32)]، والجاني هو الذي أراد ذلك لنفسه، وهو الذي جنى على نفسه في الواقع؛ لأنه فعل سبباً يقتضي قطع يده، فيكون هو المتسبب، وعلى نفسها جنت براقش، فعلى هذا تؤخذ اليد الصحيحة بالشلاء، وكما أننا نقتل الرّجل العاقل، الشاب، الجلد، بالرجل الأشل، الكبير السن، المجنون، فهكذا هذه اليد نأخذها باليد الشلاء، فعنده دليل أثري ونظري، فالأثري عموم النصوص الدالة على القصاص، فهاتوا نصاً يستثني ذلك، أما النظري وهو القياس، وإن كان داود الظاهري لا يقول به، لكن الجمهور يقولون به، وقياسه جيِّد.
لكنَّ أولئك يقولون: إن اليد الشلاء بمنزلة البدن الميت، لأن منفعتها مفقودة نهائياً، فلا تتحرك، ولا تحس بلامس، ولا بشيء أبداً، ومن المعلوم لو أن رجلاً حياً ذبح ميتاً لم يقتل به، فهم يقولون: إن قياس داود منتقض بهذا.
أما استدلاله بعموم النصوص، فقالوا: صحيح أن العموم يقتضي أن تؤخذ الصحيحة بالشلاء؛ لعدم التفصيل وعدم التقييد، وإذا لم يكن تفصيل ولا تقييد بقي العموم على ظاهره، لكن كلمة القصاص تعني أنه لا بد أن تكون هناك مماثلة بين الجزء المقتص منه والمقتص له، وإلاّ لم يتحقق القصاص، فهذا هو رأي الجمهور، والمسألة تحتاج إلى بحث؛ لأن دليل داود قوي جداً.
قوله: «ولا كاملة الأصابع بناقصة» فلو كان الجاني كامل الأصابع والمجني عليه أصابعه أربعة، فإننا لا نأخذ يد الجاني بيد المجني عليه؛ لأن أصابع يد المجني عليه ناقصة فلا يتم القصاص.
وظاهر كلام المؤلف سواء كانت ناقصة بأصل الخلقة، أي: خلقه الله ما له إلا أربع أصابع، أو نقصاً طارئاً فيما لو قطع أصبعه.
وهذه المسألة أضعف من المسألة السابقة؛ وذلك لأن أصابع اليد الناقصة فيها منفعة، كالحركة والإحساس، ومثل ما لو قتل شخص رجلاً مقطَّع الأربع، يعني قد قطعت يداه ورجلاه، فإن الجاني يُقتل، ولو كان كامل الأطراف، فهذه مثلها، والقول بأنه يقتص من كاملة الأصابع بالناقصة أقوى من الأول؛ لأن الشلل تعطل المنفعة بالكلية، أما هذا فإنه نقص.
قوله: «ولا عين صحيحة بقائمة» العين القائمة هي التي بقيت على حالتها، وصورتها، بحيث من رآها يظنها تبصر، لكنها لا تبصر، والصحيحة هي التي تبصر، فإذا كانت عين الجاني صحيحة، وعين المجني عليه قائمة، فلا قصاص؛ لأن القائمة لا فائدة منها، وقد يقول قائل: لعل هذا الحكم يختلف في هذا الزمن؛ لأن العين القائمة يمكن أن تجرى لها جراحة، ويركب لها قرنيَّة، وتصبح صحيحة، أمَّا إذا كان الخلل في أعصاب العين فالغالب أنه لا تنفعه العملية، وهذا إذا قاله الأطباء، فإن كانت منفعة العين قليلة فإنه يقتص لها، فتؤخذ عين الرجل القوي النظر بعين الأعمش ما دام أن فيها منفعة.
قوله: «ويؤخذ عكسه» أي: تؤخذ الشلاء بالصحيحة، وتؤخذ ناقصة الأصابع بكاملتها، وتؤخذ العين القائمة بالعين الصحيحة، لكن بشرط رضى من له الحق.
قوله: «ولا أرش» أي: أنَّنا لا نعطي المجني عليه الفرق بين الصحيح والأشل، وبين الزائد والناقص، وبين القائم والمبصر، وذلك لأن المأخوذ قصاصاً كالمتلف جناية من حيث الخلقة، لكنهما اختلفا في المنفعة؛ ولذلك لا نعتبر ذلك اختلافاً، فلا أرش له.
وهل تؤخذ الأذن السليمة بأذن الأصم؟ نعم، تؤخذ، يقولون: لأن السمع في الدماغ وليس في الأذن، ولذلك لو قُطعت أُذن الإنسان بقي سميعاً، وكذلك يؤخذ الأنف الصحيح بالأنف الذي لا يشم؛ لأن الشم حاسة في الدماغ وليس في الأنف؛ ولهذا مقطوع الأنف يشم.
وتؤخذ الأذن السليمة بالأذن الشلاء؛ لأن الصورة واحدة، لكن الحقيقة أن الشلاء ناقصة فلو مشت عليها ذرَّة لم تحس، وأُذن الجاني تحس، لكن لا عبرة بهذا، بل العبرة بالصورة.


[32] سبق تخريجه ص(6).

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ما, باب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:48 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir