دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > مكتبة علوم الحديث الشريف > جامع متون الأحاديث > جامع الأصول من أحاديث الرسول

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23 جمادى الأولى 1431هـ/6-05-2010م, 01:20 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 7,079
افتراضي كتاب الغزوات والسرايا والبعوث (3)

غزوة مؤتة من أرض الشام
6134 - (خ) عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: قال: «أمّر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في غزوة مؤتة زيد بن حارثة، فقال: إن قتل زيد فجعفر، وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة، قال ابن عمر: فكنت معهم في تلك الغزوة، فالتمسنا جعفرا، فوجدناه في القتلى، ووجدنا فيما أقبل من جسده بضعا وسبعين بين طعنة ورمية».
وفي أخرى: «أنه وقف على جعفر يومئذ وهو قتيل، فعددت به خمسين، بين طعنة وضربة، ليس منها شيء في دبره». أخرجه البخاري.

6135 - (د) عباد بن عبد الله بن يزيد - رحمه الله -: قال: «حدثني أحد بني مرة بن عوف - وكان في غزوة مؤتة - قال: لكأني أنظر إلى جعفر حين اقتحم عن فرس له شقراء، فعقرها، وكان أول من عقر في سبيل الله، ثم قاتل القوم حتى قتل».
أخرجه أبو داود، وقال: [هذا] الحديث ليس بذاك القوي.

[شرح الغريب]
اقتحم عن فرسه الاقتحام: الدخول في الأمر العظيم من غير فكرة، والمراد به هاهنا: نزوله عن فرسه في الحرب مسرعا.
فعقرها عقرت الفرس، أي: ضربت قوائمها بالسيف، أو جرحتها جرحا لا ينتفع بها بعده، وإنما فعل ذلك موطّنا نفسه على الموت؛ لأنه إذا قتل فرسه وبقي راجلا فقد حقّق عزيمته على القتال، وأنه لا يفرّ ولا ينهزم.

6136 - (خ س) أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: «أخذ الراية زيد، فأصيب، ثم أخذها عبد الله بن رواحة، فأصيب - وإن عيني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لتذرفان- ثم أخذها خالد بن الوليد من غير إمرة، ففتح له».
وفي رواية قال: «خطب النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فقال: أخذ الراية زيد، فأصيب...» وذكر نحوه، وقال في آخره: «وما يسرّنا أنّهم عندنا - قال أيوب: أو قال: ما يسرّهم أنهم عندنا - وعيناه تذرفان».
وفي أخرى: «أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- نعى زيدا وجعفرا وابن رواحة للناس، قبل أن يأتيهم خبرهم، فقال: أخذ الراية زيد... فذكرهم، وقال في آخره: حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم». أخرجه البخاريّ.
وأخرج النسائيّ منه طرفا: «أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نعى زيدا وجعفرا قبل أن يجيء خبرهم، فنعاه وعيناه تذرفان».

[شرح الغريب]
لتذرفان ذرفت العين: سال دمعها.

6137 - (خ) قيس بن أبي حازم - رحمه الله - قال: سمعت خالدا يقول: «لقد انقطعت يوم مؤتة تسعة أسياف، فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانيّة» أخرجه البخاري.
6138 - (م د) عوف بن مالك - رضي الله عنه -: قال: «خرجت مع زيد بن حارثة في غزوة مؤتة، ورافقني مدديّ من اليمن، ليس معه غير سيفه، فنحر رجل من المسلمين جزورا، فسأله المدديّ طائفة من جلده، فأعطاه إياه، فاتخذه كهيئة الدّرق، ومضينا فلقينا جموع الرّوم فيهم رجل على فرس له أشقر، عليه سرج مذهّب، وله سلاح مذهّب، فجعل الرّوميّ يفري بالمسلمين، فقعد له المدديّ خلف صخرة، فمرّ به الرّوميّ فعرقب فرسه بسيفه، وخرّ الروميّ، فعلاه بسيفه وقتله، وجاز فرسه وسلاحه، فلما فتح الله للمسلمين، بعث إليه خالد بن الوليد فأخذ منه بعض السّلب، قال عوف: فأتيت خالدا، وقلت له: أما علمت أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قضى بالسّلب للقاتل؟ قال: بلى، ولكني استكثرته، قلت: لتردّنّه إليه أو لأعرّفنّكها عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأبى أن يردّ عليه، قال عوف: فاجتمعنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقصصت عليه قصّة المدديّ، وما فعل خالد، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا خالد، ما حملك على ما صنعت؟ قال: استكثرته، فقال: ردّ عليه الذي أخذت منه، قال عوف: فقلت: دونكها يا خالد، ألم أوف لك؟ [فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: وما ذاك؟ فأخبرته، قال: ] فغضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقال: يا خالد، لا تردّ عليه، هل أنتم تاركون لي أمرائي لكم صفوة أمرهم، وعليهم كدره؟» أخرجه أبو داود.
وفي رواية مسلم قال: «خرجت مع من خرج مع زيد بن حارثة في غزوة مؤتة، ورافقني مدديّ من اليمن...» وساق الحديث عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بنحوه. هكذا قال مسلم، ولم يذكر لفظه، ويعني بنحوه: الرواية التي تجيء له بعد هذه، فإنه ذكرها في كتابه قبل هذه، قال: غير أنّه قال في الحديث: «قال عوف: فقلت: يا خالد، أما علمت أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قضى بالسّلب للقاتل؟ قال: بلى، ولكني استكثرته».
وله في رواية: «قال عوف بن مالك: قتل رجل من حمير رجلا من العدوّ، فأراد سلبه، فمنعه خالد بن الوليد، وكان واليا عليهم، فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عوف بن مالك فأخبره، فقال لخالد: ما منعك أن تعطيه سلبه؟ قال: استكثرته يا رسول الله، قال: ادفعه إليه، فمرّ خالد بعوف فجرّ بردائه، ثم قال: هل أنجزت لك ما ذكرت لك من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فسمعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاستغضب، فقال: لا تعطه يا خالد، هل أنتم تاركون لي أمرائي؟ إنما مثلكم ومثلهم: كمثل رجل استرعي إبلا أو غنما فرعاها، ثم تحيّن سقيها، فأوردها حوضا، فشرعت فيه، فشربت صفوه، وتركت كدره، فصفوه لكم، وكدره عليهم».

[شرح الغريب]
يفري بالمسلمين كناية عن شدة نكايته فيهم، يقال: فلان يفري الفريّ: إذا كان يبالغ في الأمر، وأصل الفري: القطع.
لأعرّفنّكها: أي لأجازينّك بها، حتى تعرف صنيعك هذا.
دونكها أي: خذها؛ كأنه وافقه على ما وعده.
صفوة الشيء - بكسر الصاد -: خالصه، وما صفا منه، إذا أثبتّ الهاء كسرت الصاد، وإذا حذفتها فتحتها، فقلت: صفو الشيء.
تحيّن تحيّنت وقت الشيء: إذا انتظرته وترقّبته، وهو طلب الحين.

6139 - النعمان بن بشير - رضي الله عنه -: قال: «تلقّانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، منصرفنا من مؤتة، فقال قائل: أنتم الفرّارون؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا، بل هم الكرّارون، وأنا فئة كلّ مسلم». أخرجه....
[شرح الغريب]
فئة: الفئة: القوم من الجيش من وراء المقاتلة، إن انهزموا رجعوا إليهم.

بعث أسامة بن زيد
إلى الحرقات من جهينة
6140 - (خ م د) أبو ظبيان [حصين بن جندب]: قال: سمعت أسامة بن زيد يقول: «بعثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الحرقة، فصبّحنا القوم فهزمناهم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم، فلما غشيناه، قال: لا إله إلا الله، فكفّ [عنه] الأنصاريّ، وطعنته برمحي، حتى قتلته، فلما قدمنا، بلغ النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا أسامة، أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله؟ قلت: إنما كان متعوّذا، فقال: أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله؟ فما زال يكرّرها حتى تمنيت أنّي لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم».
وفي رواية قال: «بعثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سرّية، فصبّحنا الحرقات من جهينة، فأدركت رجلا، فقال: لا إله إلا الله، فطعنته، فوقع في نفسي من ذلك، فذكرته للنبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: أقال: لا إله إلا الله وقتلته؟ قال: قلت: يا رسول الله، إنما قالها خوفا من السّلاح. قال: أفلا شققت عن قلبه، حتى تعلم أقالها، أم لا؟ فما زال يكرّرها عليّ، حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ، قال: فقال سعد: وأنا والله لا أقتل مسلما حتى يقتله ذو البطين - يعني: أسامة - قال: فقال رجل: ألم يقل الله: {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنة، ويكون الدّين كلّه للّه} [الأنفال: 39]؟ فقال سعد: قد قاتلنا حتى لا تكون فتنة، وأنت وأصحابك تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة». أخرجه البخاري، ومسلم.
وأخرج أبو داود نحو الأولى، ولم يذكر الأنصاريّ، وإنما قال: «فضربناه حتى قتلناه».
قلت: هذا سعد المذكور في الحديث هو سعد بن أبي وقّاص، وسبب هذا القول من سعد، أن أسامة لما سمع هذا القول من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يقاتل مسلما، ولا شهد شيئا من الفتن الحادثة بين الصحابة، وكذلك سعد اعتزل عن الفتن، فلم يشهد منها شيئا، وقال: إنني لا أقتل إلا من يقتله أسامة، وليس لقوله هذا في الحديث مدخل، ولا له به تعلّق.

[شرح الغريب]
غييناه: أدركناه ولحقناه، كأنهم أتوه من فوقه.
متعوّذا المتعوّذ: الملتجئ خوفا من القتل.

6141 - (م) جندب بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه -: «بعث إلى عسعس بن سلامة زمن فتنة ابن الزّبير، فقال: اجمع لي نفرا من إخوانك حتى أحدّثهم. فبعث رسولا إليهم، فلما اجتمعوا جاء جندب، وعليه برنس أصفر، فقال: تحدّثوا بما كنتم تتحدّثون به، حتى دار الحديث، فلما دار الحديث إليه: حسر البرنس عن رأسه، فقال: إني أتيتكم، ولا أريد أن أحدّثكم إلا عن نبيّكم -صلى الله عليه وسلم-، إنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث بعثا من المسلمين إلى قوم من المشركين، وإنهم التقوا، فكان رجل من المشركين إذا شاء أن يقصد إلى رجل من المسلمين قصد له فقتله، وإن رجلا [من المسلمين] قصد غفلته، قال: وكنا نتحدّث: أنه أسامة بن زيد - فلما رفع عليه السيف، قال: لا إله إلا الله، فقتله، فجاء البشير إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فسأله وأخبره حتى أخبره خبر الرجل: كيف صنع، فدعاه، فسأله، فقال: لم قتلته؟ فقال: يا رسول الله، أوجع في المسلمين، وقتل فلانا وفلانا - وسمى له نفرا - وإني حملت عليه، فلما رأى السيف، قال: لا إله إلا الله، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أقتلته؟ قال: نعم، قال: فكيف تصنع ب «لا إله إلا الله» إذا جاءت يوم القيامة؟ قال: يا رسول الله استغفر لي، قال: وكيف تصنع ب «لا إله إلا الله» إذا جاءت يوم القيامة؟ قال: فجعل لا يزيده على أن يقول: فكيف تصنع ب «لا إله إلا الله» إذا جاءت يوم القيامة؟». أخرجه مسلم.
غزوة الفتح
6142 - (خ م د ت) علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: قال عبيد الله بن أبي رافع - وكان كاتبا لعليّ - سمعت عليّا - رضي الله عنه - يقول: «بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أنا والزبير والمقداد، فقال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب، فخذوه منها، فانطلقنا تتعادى بنا خيلنا حتى أتينا الرّوضة، فإذا نحن بالظّعينة، فقلنا: أخرجي الكتاب. قالت: ما معي من كتاب، فقلنا: لتخرجنّ الكتاب أو لتلقينّ الثياب، فأخرجته من عقاصها، قال: فأتينا به النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة، يخبرهم ببعض أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا حاطب، ما هذا؟ فقال: يا رسول الله، لا تعجل عليّ، إني كنت امرءا ملصقا في قريش، ولم أكن من أنفسهم، فكان من معك من المهاجرين لهم قرابة يحمون بها أموالهم وأهليهم بمكة، فأحببت - إذ فاتني ذلك من النسب فيهم - أن أتّخذ فيهم يدا يحمون بها قرابتي، وما فعلت كفرا، ولا ارتدادا عن ديني، ولا رضى بالكفر بعد الإسلام. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إنّه قد صدقكم. فقال عمر: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إنه قد شهد بدرا، وما يدريك لعل الله اطّلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم. قال: فأنزل الله عز وجل: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء} [الممتحنة: 1]».
وفي رواية أبي عبد الرحمن السلمي [عن عليّ] قال: بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والزبير بن العوام وأبا مرثد - وكلّنا فارس... ثم ساقه بمعناه. ولم يذكر نزول الآية، ولا ذكرها في حديث عبيد الله بعض الرواة، وجعلها بعضهم من تلاوة سفيان، وقال سفيان: لا أدري الآية في الحديث، أو من قول عمرو - يعني ابن دينار.
وفي رواية نحوه، وفيه: «حتى أدركناها حيث قال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تسير على بعير لها، فقلنا: أين الكتاب الذي معك؟ قالت: ما معي من كتاب فأنخنا بعيرها، فابتغينا في رحلها، فما وجدنا شيئا فقال صاحباي: ما نرى معها كتابا، فقلت: لقد علمنا ما كذب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وما كذب، والذي يحلف به لتخرجنّ الكتاب، أو لأجرّدنّك، فأهوت إلى حجزتها وهي محتجزة بكساء - فأخرجت الصحيفة من عقاصها، فأتينا بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-....» وذكر الحديث. أخرجه البخاري، ومسلم.
وأخرج أبو داود والترمذي الرواية الأولى.

[شرح الغريب]
الظّعينة في الأصل: المرأة ما دامت في الهودج، ثم جعلت المرأة إذا سافرت ظعينة، ثم نقل إلى المرأة نفسها، سافرت أو أقامت، وظعن يظعن: إذا سافر.
عقاصها: العقاص: الخيط الذي تعقص - أي تشد - به المرأة أطراف ذوائبها، وأصل العقص: الضّفر واللّيّ، هكذا شرحه الحميدي في غريبه، وفيه نظر، فإن العقاص: جمع عقصة أو عقيصة، وهي الضفيرة من الشعر إذا لويت وجعلت مثل الرّمانة، أو لم تلو، والمعنى: أخرجت الكتاب من ضفائرها المعقوصة.
ملصقا: الملصق: هو الرجل المقيم في الحي، وليس منهم بنسب.
ابتغينا الابتغاء: الطلب.
حجرة احتجز الرجل: شدّ إزاره على وسطه، والحجزة: موضع الشد.

6143 - (م) عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: قال: «كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة، فأطلع الله نبيّه -صلى الله عليه وسلم- على ذلك، فبعث عليا والزبير في أثر الكتاب، فأدركا المرأة على بعير، فاستخرجاه من قرونها، فأتيا به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأرسل إلى حاطب، فقال: يا حاطب، أنت كتبت هذا الكتاب؟ قال: نعم، يا رسول الله، قال: فما حملك على ذلك؟ قال: يا رسول الله، أما والله إني لناصح لله ولرسوله، ولكني كنت غريبا في أهل مكة، وكان أهلي بين ظهرانيهم، وخشيت عليهم، فكتبت كتابا لا يضر الله ورسوله شيئا، وعسى أن يكون منفعة لأهلي، قال عمر: فاخترطت سيفي، ثم قلت: يا رسول الله أمكنّي من حاطب، فإنّه قد كفر، فأضرب عنقه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا ابن الخطّاب، ما يدريك؟ لعل الله قد اطّلع على هذه العصابة من أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم». أخرجه مسلم.
[شرح الغريب]
ظهرانيهم فلان بين ظهراني القوم - بفتح النون - أي: بينهم وعندهم.

6144 - (خ م) عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -: «أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غزا غزوة الفتح في رمضان».
قال الزهري: وسمعت سعيد بن المسيّب يقول مثل ذلك. أخرجه البخاري.
وفي رواية له ولمسلم: «أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- خرج [في رمضان] من المدينة، ومعه عشرة آلاف، وذلك على رأس ثمان سنين ونصف من مقدمه المدينة، فسار بمن معه من المسلمين إلى مكة، يصوم ويصومون، حتى بلغ الكديد - وهو ما بين عسفان وقديد - أفطر وأفطروا» إلا أن لفظ البخاري أتمّ وأطول، وهو هذا، وقد تقدّم لهذا روايات في «كتاب الصوم» من حرف الصاد.

6145 - (خ) عروة بن الزبير - رضي الله عنهما -: قال: لما سار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام الفتح، فبلغ ذلك قريشا، خرج أبو سفيان بن حرب، وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء، يلتمسون الخبر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأقبلوا يسيرون، حتى أتوا مرّ الظّهران، فإذا هم بنيران، كأنها نيران عرفة، فقال أبو سفيان: ما هذه؟ لكأنها نيران عرفة، فقال بديل بن ورقاء: نيران بني عمرو، فقال أبو سفيان: عمرو أقلّ من ذلك، فرآهم ناس من حرس رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأدركوهم فأخذوهم، فأتوا بهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأسلم أبو سفيان، فلما سار قال للعباس: احبس أبا سفيان عند خطم الجبل، حتى ينظر إلى المسلمين، فحبسه العباس، فجعلت القبائل تمرّ مع النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، تمرّ كتيبة كتيبة على أبي سفيان، فمرّت كتيبة، فقال: يا عباس، من هذه؟ قال: هذه غفار، قال: مالي ولغفار، ثم مرت جهينة، فقال: مثل ذلك، ثم مرّت سعد ابن هذيم، فقال مثل ذلك، ثم مرت سليم، فقال مثل ذلك، حتى أقبلت كتيبة لم ير مثلها، قال: من هذه؟ قال: هؤلاء الأنصار، عليهم سعد بن عبادة معه الراية، فقال سعد بن عبادة: يا أبا سفيان «اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحلّ الكعبة، فقال أبو سفيان: يا عباس، حبّذا يوم الذّمار، ثم جاءت كتيبة، وهي أجلّ الكتائب، فيهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وراية النبيّ -صلى الله عليه وسلم- مع الزبير، فلما مرّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأبي سفيان، قال: ألم تعلم ما قال سعد بن عبادة؟ قال: ما قال؟ قال: قال كذا وكذا، فقال: كذب سعد، ولكن هذا يوم يعظّم الله فيه الكعبة [ويوم تكسى فيه الكعبة] قال: وأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تركز رايته بالحجون، قال عروة: فأخبرني نافع بن جبير بن مطعم قال: سمعت العباس يقول للزبير [بن العوام]: يا أبا عبد الله، أهاهنا أمرك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تركز الراية؟ قال: نعم، قال: وأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومئذ خالد بن الوليد أن يدخل من أعلى مكة من كداء، ودخل النبيّ -صلى الله عليه وسلم- من كديّ، فقتل من خيل خالد بن الوليد يومئذ رجلان: حبيش بن الأشعر، وكرز بن جابر الفهريّ». أخرجه البخاري.
[شرح الغريب]
خطم الجبل: هذه اللفظة قد جاءت في كتاب الحميدي «خطم الجبل» وفسرها في غريبه، فقال: الخطم والخطمة: رعن الجبل، وهو الأنف النادر منه، والذي جاء في كتاب البخاري - فيما قرأناه - وفي غيره من النسخ «حطم الخيل» مضبوطا هكذا، وذلك بخلاف رواية الحميدي، فإن صحت الرواية ولم تكن خطأ من الكتاب، فيكون معناه والله أعلم أنه يقف به في الموضع المتضايق الذي تتحطم فيه الخيل، أي: يدوس بعضها بعضا، ويحطم بعضها بعضا، فيراهم جميعا، وتكثر في عينه، بكونها في ذلك الموضع الضيق، بخلاف ما إذا كانت في موضع متّسع، وكذلك أراد بوقوفه عند خطم الجبل على ما شرحه الحميدي، فإن الأنف النادر من الجبل يضيق الموضع الذي يخرج فيه، والله أعلم.
كتيبة الكتيبة: واحدة من الكتائب، وهي العساكر المرتبة.
الملحمة: الحرب والقتال الذي لا مخلص منه.
الذّمار: ما لزمك حفظه، يقال: فلان حامي الذّمار: يحمي ما يجب عليه حفظه.
بالحجون الحجون: أحد جبلي مكة من جهة الغرب والشمال.
من كداء كداء بالفتح والمدّ: ثنيّة من أعلى مكة، مما يلي المقبرة، وكدى - بالضم والقصر - ثنيّة من أسفل مكة.

6146 - (د) عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -: قال: «لما نزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرّ الظّهران، قال العباس: قلت: والله، لئن دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكة عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه، إنه لهلاك قريش، فجلست على بغلة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقلت: لعلّي أجد ذا حاجة يأتي [أهل] مكة، فيخبرهم بمكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليخرجوا إليه، فيستأمنوه، فإني لأسير [إذ] سمعت كلام أبي سفيان، وبديل بن ورقاء، فقلت: يا أبا حنظلة، فعرف صوتي، فقال: أبو الفضل؟ قلت: نعم، قال: ما لك فداك أبي وأمي؟ قلت: هذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والناس، قال: فما الحيلة؟ [قال]: فركب خلفي، ورجع صاحبه، فلما أصبح غدوت به على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأسلم، قلت: يا رسول الله، إنّ أبا سفيان رجل يحبّ هذا الفخر، فاجعل له شيئا، قال: نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه عليه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، قال: فتفرّق الناس إلى دورهم وإلى المسجد».
وفي رواية مختصرا: «أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاءه العباس بن عبد المطلب بأبي سفيان بن حرب، فأسلم بمر الظهران، فقال له العباس: يا رسول الله، إنّ أبا سفيان رجل يحبّ هذا الفخر، فلو جعلت له شيئا؟ قال: نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن». أخرجه أبو داود.

6147 - (م د) عبد الله بن رباح: قال: «وفدت وفود إلى معاوية - وذلك في رمضان - فكان يصنع بعضنا لبعض طعاما، فكان أبو هريرة - رضي الله عنه - مما يكثر أن يدعونا إلى رحله، فقلت: ألا أصنع طعاما فأدعوهم إلى رحلي؟ فأمرت بالطعام يصنع، ثم لقيت أبا هريرة من العشيّ، فقلت: الدّعوة عندي الليلة، فقال: سبقتني؟ فقلت: نعم، فدعوتهم، فقال أبو هريرة: ألا أعلمكم بحديث من حديثكم يا معشر الأنصار؟... ثم ذكر فتح مكة، فقال: أقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى قدم مكة، فبعث الزبير على إحدى المجنّبتين، وبعث خالدا على المجنّبة الأخرى، وبعث أبا عبيدة على الحسّر، فأخذ[وا] بطن الوادي ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- في كتيبة، قال: فنظر فرآني، فقال: أبو هريرة؟ قلت: لبّيك يا رسول الله، فقال: اهتف: لا يأتيني إلا أنصاريّ - ومن الرواة من قال: اهتف لي بالأنصار، قال: فأطافوا به، ووبشّت قريش من أوباش لها وأتباع وفي رواية: ووبشت قريش أوباشها وأتباعها - فقالوا: نقدّم هؤلاء، فإن كان لهم شيء كنّا معهم، وإن أصيبوا أعطينا الذي سلبنا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ترون إلى أوباش قريش وأتباعهم؟ ثم قال بيديه - إحداهما على الأخرى- ثم قال: حتى توافوني بالصفا، قال: فانطلقنا، فما شاء أحد منّا أن يقتل أحدا إلا قتله، وما أحد منهم يوجّه إلينا شيئا، قال: فجاء أبو سفيان، فقال: يا رسول الله، أبيدت خضراء قريش، لا قريش بعد اليوم، قال: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، فقالت الأنصار بعضهم لبعض: أما الرّجل فأدركته رغبة في قريته، ورأفة بعشيرته، قال أبو هريرة: وجاء الوحي - وكان إذا جاء [الوحي] لا يخفى علينا، فإذا جاء فليس أحد يرفع طرفه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى ينقضي الوحي - فلما قضي الوحي قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا معشر الأنصار. قالوا: لبّيك يا رسول الله. قال: قلتم: أمّا الرجل فأدركته رغبة في قريته؟ قالوا: قد كان ذلك، قال: كلا إني عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، المحيا محياكم، والممات مماتكم، فأقبلوا إليه يبكون، ويقولون: والله ما قلنا الذي قلنا إلا الضّنّ بالله وبرسوله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن الله ورسوله يصدّقانكم، ويعذرانكم، قال: فأقبل الناس إلى دار أبي سفيان، وأغلق الناس أبوابهم، قال: وأقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أقبل إلى الحجر فاستلمه، ثم طاف بالبيت، قال: فأتى على صنم إلى جانب البيت كانوا يعبدونه: قال: وفي يد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قوس، وهو آخذ بسية القوس، فلما أتى على الصنم جعل يطعن في عينه، ويقول: جاء الحق، وزهق الباطل، فلما فرغ من طوافه أتى الصفا، فعلا عليه حتى نظر إلى البيت، ورفع يديه، فجعل يحمد الله، ويدعو ما شاء أن يدعو».
وفي رواية بهذا الحديث، وزاد في الحديث: «ثم قال بيديه، إحداهما على الأخرى: احصدوهم حصدا»، قال: وفي الحديث: «قالوا: قلنا: ذاك يا رسول الله، قال: فما اسمي إذا؟ كلا، إني عبد الله ورسوله».
وفي أخرى قال:
«وفدنا إلى معاوية بن أبي سفيان، وفينا أبو هريرة، وكان كلّ رجل منّا يصنع طعاما يوما لأصحابه، فكانت نوبتي، فقلت: يا أبا هريرة، اليوم يومي، فجاؤوا إلى المنزل ولم يدرك طعامنا، فقلت: يا أبا هريرة، لو حدّثتنا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى يدرك طعامنا؟ فقال: كنّا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح، فجعل خالد بن الوليد على المجنّبة اليمنى، وجعل الزبير على المجنبّة اليسرى، وجعل أبا عبيدة على البياذقة وبطن الوادي، فقال: يا أبا هريرة، ادع لي الأنصار، فدعوتهم، فجاؤوا يهرولون، فقال: يا معشر الأنصار، هل ترون أوباش قريش؟ قالوا: نعم، قال: انظروا إذا لقيتموهم غدا: أن تحصدوهم حصدا، وأحفى بيده، ووضع يمينه على شماله - وقال: موعدكم الصّفا، قال: فما أشرف لهم يومئذ أحد إلا أناموه، قال: وصعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصّفا، [وجاءت الأنصار، فأطافوا بالصفا]، فجاء أبو سفيان، فقال: يا رسول الله، أبيدت خضراء قريش، لا قريش بعد اليوم، قال أبو سفيان: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السّلاح فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن،فقالت الأنصار: أمّا الرجل: فقد أخذته رأفة بعشيرته، ورغبة في قريته، ونزل الوحي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: قلتم: أمّا الرّجل: فقد أخذته رأفة بعشيرته، ورغبة في قريته؟ ألا فما اسمي إذا؟ - ثلاث مرات - أنا محمّد عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، فالمحيا محياكم، والممات مماتكم، قالوا: والله، ما قلنا إلا ضنّا بالله ورسوله، قال: فإن الله ورسوله يصدّقانكم ويعذرانكم». أخرجه مسلم.
وفي رواية أبي داود عن عبد الله بن رباح الأنصاريّ عن أبي هريرة قال: «إنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما دخل مكة سرّح الزبير بن العوام، وأبا عبيدة بن الجراح، وخالد بن الوليد على الخيل، وقال: يا أبا هريرة، اهتف بالأنصار، فلما اجتمعوا قال: اسلكوا هذا الطريق، فلا يشرفنّ لكم أحد، إلا أنمتموه، فنادى مناد: لا قريش بعد اليوم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من دخل دارا فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن، فعمد صناديد قريش فدخلوا الكعبة، فغصّ بهم، وطاف النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وصلّى خلف المقام، ثم أخذ بجنبتي الباب، فخرجوا، فبايعوا النبيّ -صلى الله عليه وسلم- على الإسلام».

[شرح الغريب]
المجنّبتين المجنّبة: جانب العسكر، وله مجنّبتان: ميمنة وميسرة.
على الحسّر جمع حاسر، وهو الذي لا درع عليه ولا مغفر، وقد روي في كتب الغريب «الحبّس» وهم الرّجّالة، سموا بذلك لتأخرهم عن الركبان، قال: وأحسب الواحد حبيسا، فعيل بمعنى مفعول، ويجوز أن [يكون] حابسا، كأنه يحبس من يسير من الركبان بمسيره.
قال الحميدي: والذي رأيناه من رواية أصحاب الحديث «الحسّر» والله أعلم.
وبّشت أوباشها الأوباش: الجموع من قبائل شتى، والتوبيش: الجمع، أي: جمعت لها جموعا من أقوام متفرقين في الأنساب والأماكن.
أبيدت خضراء قريش: أي: استؤصلت، وأهلكت، وخضراؤها: سوادها ومعظمها، والعرب تعبّر بالخضرة عن السواد، وبالسواد عن الكثرة.
الضّنّ: البخل والشّح، ضننت أضنّ، وضننت أضنّ.
فاستلمه استلام الحجر الأسود: لمسه باليد.
سية القوس: مخففا: طرفها إلى موضع الوتر.
زهق الباطل: أي: اضمحلّ وذهب ضائعا.
البياذقة: الرّجّالة، سمّوا بذلك لخفة حركتهم، وأنهم ليس معهم ما يثقلهم، وهذا القول مما يعضد رواية أصحاب الغريب في «الحبس» موضع «الحسّر» فإن الحبّس: هم الرّجّالة على ما فسروه، فقد اتفقت الروايتان في المعنى، فقال مرة: «الحبّس» وقال مرة: «البياذقة» أراد بهما: الرّجّالة، بخلاف «الحسّر» وقد يمكن أن يجمع بين «الحسّر» و«البياذقة» فإن «الحسّر» هم الذين لا سلاح معهم، أو لا درع عليهم ولا مغفر، والغالب من حال الدّارعين: أنهم الفرسان، وأن الرّجّالة: لا يكون عليهم دروع، لأمرين، أحدهما: أن الراجل يثقله الدّرع، والآخر: أن الرّاجل لا يكون له درع لضعفه ورقّة حاله، والله أعلم.
احصدوهم الحصد: كناية عن الاستئصال والمبالغة في القتل.
أحفى قال الحميدي: أحفى بيده: أشار بحافتها، وصفا للحصد والقتل.
أناموه: أي: قتلوه، ومنه سمي السيف منيما، أي مهلكا.

6148 - (خ م ط د ت س) أنس بن مالك - رضي الله عنه -: «أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- دخل مكة يوم الفتح وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه جاء رجل، فقال: ابن خطل متعلّق بأستار الكعبة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: اقتلوه». أخرجه الجماعة.
وقال الموطأ: ولم يكن فيما نرى يومئذ - والله أعلم - محرما وقال أبو داود: اسم ابن خطل: عبد الله، وكان أبو برزة الأسلمي قتله.

6149 - (د س) سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -: قال: «لما كان يوم فتح مكة أمّن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الناس إلا أربعة نفر، وامرأتين، فسماهم، وابن أبي سرح... فذكر الحديث، قال: وأمّا ابن أبي سرح، فإنه اختبأ عند عثمان، فلما دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الناس إلى البيعة، جاء به حتى أوقفه على النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا نبيّ الله، بايع عبد الله، فرفع رأسه، فنظر إليه ثلاثا، كلّ ذلك يأبى، فبايعه بعد ثلاث، ثم أقبل على أصحابه، فقال: ما كان فيكم رجل رشيد، يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله، قالوا: ما ندري يا رسول الله ما في نفسك، ألا أومأت إلينا بعينك؟ قال: إنّه لا ينبغي لنبيّ أن تكون له خائنة الأعين».
قال أبو داود: وكان عبد الله أخا عثمان من الرّضاعة، هذه رواية أبي داود.
و[في] رواية النسائي قال: «لمّا كان يوم فتح مكة أمّن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الناس إلا أربعة، وامرأتين، وقال: اقتلوهم وإن وجدتّموهم متعلّقين بأستار الكعبة: عكرمة بن أبي جهل، وعبد الله بن خطل، ومقيس بن صبابة، وعبد الله بن أبي سرح، فأما عبد الله بن خطل، فأدرك وهو متعلّق بأستار الكعبة، فاستبق إليه سعيد بن حريث، وعمار بن ياسر، فسبق سعيد عمّارا - وكان أشبّ الرجلين - فقتله [وأمّا مقيس بن صبابة، فأدركه الناس في السوق فقتلوه]، وأما عكرمة [بن أبي جهل] فركب البحر، فأصابتهم عاصف، فقال أهل السّفينة: أخلصوا، فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئا هاهنا، فقال عكرمة: والله، لئن لم ينجني من البحر إلا الإخلاص، لا ينجيني من البرّ غيره، اللهم لك عهد إن أنت عافيتني مما أنا فيه أن آتي محمدا، حتى أضع يدي في يديه، فلأجدّنّه عفوّا كريما، فجاء فأسلم، وأما عبد الله بن أبي سرح، فإنه اختبأ عند عثمان، فلما دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الناس إلى البيعة جاء به حتى أوقفه على النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا رسول الله.....»
وذكر الحديث إلى آخره، مثل أبي داود.

[شرح الغريب]
رشيد: رجل رشيد، أي: لبيب عاقل، له فطنة.
خائنة الأعين: كناية عن الرمز والإشارة، كأنها مما تخونه العين، أي: تسرقه؛ لأنها كالسرقة من الحاضرين.
عاصف: ريح عاصف، أي: شديد الهبوب.

6150 - (د) عمرو بن عثمان بن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع المخزومي: قال: حدّثني جدّي عن أبيه: أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال يوم فتح مكة: «أربعة لا أومنهم في حلّ، ولا حرم - وسمّاهم - وقال: وقينتين كانتا لمقيس بن صبابة، فقتلت إحداهما، وأفلتت الأخرى، فأسلمت». أخرجه أبو داود.
6151 - (خ م ت) عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: قال: «دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح، وحول الكعبة ستّون وثلاثمائة نصب، فجعل يطعنها بعود في يده، يقول: جاء الحقّ، وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا، جاء الحق، وما يبدئ الباطل وما يعيد».
أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي.

[شرح الغريب]
نصب: النّصب بضم الصاد وسكونها: الصنم، وجمعها أنصاب.

6152 - (د) جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -: «أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أمر عمر بن الخطاب زمن الفتح وهو بالبطحاء أن يأتي الكعبة فيمحو كلّ صورة فيها، فلم يدخلها النبيّ -صلى الله عليه وسلم- حتى محيت كلّ صورة فيها». أخرجه أبو داود.
6153 - (خ) عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: «أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقبل يوم الفتح من أعلى مكة على راحلته، مردفا أسامة بن زيد، ومعه بلال، ومعه عثمان بن طلحة من الحجبة، حتى أناخ في المسجد، فأمره أن يأتي بمفتاح البيت - زاد في رواية رزين -: فذهب عثمان إلى أمه، فأبت أن تعطيه المفتاح، فقال: والله لتعطينيه أو ليخرجنّ هذا السيف من صلبي، قال: فأعطته إيّاه، ثم اتفقا - فجاء به إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- - [ففتح] ودخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- البيت، ومعه أسامة وبلال وعثمان، فمكث فيه نهارا طويلا ثم خرج فاستبق الناس، فكان عبد الله أوّل من دخل، فوجد بلالا وراء الباب قائما، فسأله: أين صلّى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-؟ فأشار إلى المكان الذي صلّى فيه، قال عبد الله: فنسيت أن أسأله: كم صلّى من سجدة؟». أخرجه البخاري.
[شرح الغريب]
الحجبة: جمع حاجب، وهو سادن البيت.

6154 - (خ م د) أبو هريرة - رضي الله عنه -: «أن خزاعة قتلوا رجلا من بني ليث عام فتح مكة، بقتيل منهم قتلوه، فأخبر بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فركب راحلته، فخطب، فحمد الله وأثنى عليه.
وفي رواية قال: لما فتح الله عزّ وجلّ على رسوله -صلى الله عليه وسلم- مكة قام في الناس، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: إن الله حبس عن مكة الفيل، وسلّط عليها رسوله والمؤمنين، وإنها لم تحلّ لأحد كان قبلي، وإنها إنما أحلّت لي ساعة من نهار، وإنها لن تحلّ لأحد بعدي، فلا ينفّر صيدها، ولا يختلى شجرها، ولا تحلّ ساقطتها إلا لمنشد، ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إمّا أن يعقل، وإما أن يقاد أهل القتيل، فقال العباس: إلا الإذخر يا رسول الله، فإنا نجعله في قبورنا وبيوتنا؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إلا الإذخر، فقال رجل من أهل اليمن يقال له: أبو شاه: اكتبوا لي يا رسول الله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اكتبوا لأبي شاه». قال الأوزاعي: يعني هذه الخطبة التي سمعها من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. أخرجه البخاري، ومسلم.
وأخرجه أبو داود، وأسقط من أوّله حديث «القتيل»، وأوّل حديثه قال: «لما فتح الله على رسوله مكة قام فيهم، فحمد الله...» وذكر الحديث. وأسقط منه أيضا: «ومن قتل له قتيل - إلى قوله -: أهل القتيل».

[شرح الغريب]
ولا يختلى: الخلا: العشب، واختلاؤه: قطعه.
ساقطتها إلا لمنشد الساقطة: هي اللقطة، وهو الشيء الذي يلقى على الأرض لا صاحب له يعرف، وقوله: «لا تحل إلا لمنشد» يعني: لمعرّف، وهو من نشدت الضالة: إذا طلبتها، فأنت ناشد، وأنشدتها: إذا عرّفتها، فأنت منشد، واللقطة في جميع البلاد لا تحل إلا لمن أنشدها سنة، ثم يتملّكها بعد السّنة، بشرط الضمان لصاحبه إذا وجده، فأمّا مكة، فإن في لقطتها وجهين، أحدهما: أنها كسائر البلاد، والثاني: لا تحل، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تحل لقطتها إلا لمنشد» والمراد به: منشد على الدوام، وإلا فأي فائدة لتخصيص مكة بالإنشاد؟
بخير النظرين: خير النّظرين: أوفق الأمرين له، فإما أن يدوا، أي: يعطوا الدية، وهي العقل، وإما أن يقاد، أي: يقتل قصاصا، فأي الأمرين اختار وليّ الدم كان له، وهو مذهب الشافعي، وقال أبو حنيفة: من وجب له القصاص لم يجز له تركه وأخذ الدية.

6155 - (د) وهب [بن منبه]: قال: «سألت جابرا: هل غنموا يوم فتح مكة شيئا؟ قال: لا». أخرجه أبو داود.
6156 - (ت د) جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -: «أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- دخل مكة، ولواؤه أبيض». أخرجه الترمذي، وأبو داود.
غزوة حنين
6157 - (خ م) أبو هريرة - رضي الله عنه -: أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال حين - أراد حنينا -: «منزلنا غدا إن شاء الله بخيف بني كنانة، حيث تقاسموا الكفر».
وفي رواية: «منزلنا إن شاء الله إذا فتح الله الخيف، حيث تقاسموا على الكفر». أخرجه البخاري، ومسلم.

[شرح الغريب]
بخيف: الخيف: ما انحدر عن غلظ الجبل، وارتفع عن مسيل الماء.

6158 - (د) سهل بن الحنظلية - رضي الله عنه -: قال: «إنهم ساروا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم حنين، فأطنبوا السّير، حتى كانت عشيّة، فحضرت الصلاة عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فجاء رجل فارس، فقال: يا رسول الله، إني انطلقت بين أيديكم حتى طلعت على جبل كذا وكذا، فإذا أنا بهوازن عن بكرة أبيهم بظعنهم ونعمهم وشائهم اجتمعوا إلى حنين، فتبّسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله تعالى، ثم قال: من يحرسنا الليلة؟ قال أنس بن أبي مرثد الغنوي: أنا يا رسول الله، قال: فاركب، فركب فرسا له، فجاء إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: استقبل هذا الشّعب حتى تكون في أعلاه، ولا تنزل من فرسك الليلة، فلما أصبحنا خرج النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إلى مصلاه، فركع ركعتين، ثم قال: هل أحسستم فارسكم؟ قال رجل: يا رسول الله، ما أحسسنا[ه]، فثوّب بالصلاة، فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي يلتفت إلى الشّعب، حتى إذا قضى صلاته وسلّم قال: أبشروا فقد جاءكم فارسكم، فجعلنا، ننظر إلى خلال الشجر في الشّعب، فإذا هو قد جاء، حتى وقف على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، [فسلّم] فقال: إني انطلقت، حتى كنت في أعلى هذا الشّعب، حيث أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما أصبحت طلعت بين الشّعبين كليهما، فنظرت، فلم أر أحدا، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: هل نزلت الليلة؟ قال: لا، إلا مصليا، أو قاضي حاجة، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: قد أوجبت، فلا عليك أن لا تعمل بعدها». أخرجه أبو داود.
[شرح الغريب]
بكرة أبيهم: يقال: جاء القوم على بكرة أبيهم: إذا جاؤوا بأسرهم ولم يتخلف منهم أحد.
فثوّب: ثوّب بالصلاة: نادى إليها، وأقامها.
قد أوجبت: يقال: أوجب فلان: إذا فعل فعلا وجبت له به الجنة أو النار، والمراد به هاهنا: الجنة.
ونعمهم: والنّعم في الأصل: الإبل، وقد تقع على البقر، والغنم.

6159 - (خ م ت) أنس بن مالك - رضي الله عنه -: قال: «لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان وغيرهم بذراريهم ونعمهم، ومع النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يومئذ عشرة آلاف، ومعه الطّلقاء، فأدبروا عنه، حتى بقي وحده، فنادى يومئذ نداءين، لم يخلط بينهما شيئا، قال: ثمّ التفت عن يمينه، فقال: يا معشر الأنصار، قالوا: لبّيك يا رسول الله، نحن معك أبشر، أبشر، [قال]: ثم التفت عن يساره، فقال: يا معشر الأنصار، قالوا: لبّيك يا رسول الله، أبشر، أبشر، نحن معك، قال: وهو على بغلة بيضاء، فنزل فقال: أنا عبد الله ورسوله، فانهزم المشركون، وأصاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومئذ غنائم كثيرة، فقسم في المهاجرين والطّلقاء، ولم يعط الأنصار شيئا، فقالت الأنصار: إذا كانت الشّدّة فنحن ندعى، وتعطى الغنائم غيرنا، فبلغه ذلك، فجمعهم في قبّة، فقال: يا معشر الأنصار، ما حديث بلغني عنكم؟ فسكتوا، فقال: يا معشر الأنصار، أما ترضون أن يذهب الناس بالدّنيا وتذهبون بمحمّد تحوزونه إلى بيوتكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، رضينا، قال: فقال: لو سلك الناس واديا، وسلكت الأنصار شعبا؛ لأخذت شعب الأنصار، قال هشام - هو ابن زيد -: فقلت: يا أبا حمزة أنت شاهد ذاك؟ قال: وأين أغيب عنه؟».
وفي رواية: «أن ناسا من الأنصار قالوا يوم حنين حين أفاء الله على رسوله من أموال هوازن ما أفاء، فطفق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعطي رجالا من قريش المائة من الإبل، فقالوا: يغفر الله لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعطي قريشا، ويتركنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم؟ قال أنس: فحدّث ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من قولهم، فأرسل إلى الأنصار، فجمعهم في قبّة من أدم، ولم يدع معهم غيرهم، فلما اجتمعوا جاءهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: ما حديث بلغني عنكم؟ فقال له فقهاء الأنصار: أمّا ذوو رأينا يا رسول الله، فلم يقولوا شيئا، وأما أناس منّا حديثة أسنانهم، فقالوا: يغفر الله لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فإني أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألّفهم، أفلا ترضون أن يذهب الناس بالأموال، وترجعون إلى رحالكم برسول الله؟ فوالله لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به، قالوا: بلى يا رسول الله، قد رضينا، قال: فإنكم ستجدون بعدي أثرة شديدة، فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله على الحوض، قالوا: سنصبر».
وفي رواية: قال أنس: «فلم نصبر».
وفي أخرى قال: «جمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الأنصار، فقال: أفيكم أحد من غيركم؟ قالوا: لا، إلا ابن أخت لنا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ابن أخت القوم منهم، فقال: إنّ قريشا حديث عهد بجاهلية ومصيبة، وإني أردت أن أجبرهم وأتألّفهم، أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا، وترجعون برسول الله إلى بيوتكم؟ قالوا: بلى، قال: لو سلك الناس واديا، وسلكت الأنصار شعبا، لسلكت شعب الأنصار».
وفي أخرى قال: «لما فتحت مكة قسم الغنائم في قريش، فقالت الأنصار: إن هذا لهو العجب، إنّ سيوفنا تقطر من دمائهم، وإن غنائمنا تردّ عليهم؟ ! فبلغ ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فجمعهم، فقال: ما الذي بلغني عنكم؟ قالوا: هو الذي بلغك - وكانوا لا يكذبون- فقال: أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا إلى بيوتهم، وترجعون برسول الله إلى بيوتكم؟ قالوا: بلى، فقال: لو سلك الناس واديا أو شعبا، وسلكت الأنصار واديا أو شعبا، لسلكت وادي الأنصار وشعب الأنصار». أخرجه البخاري، ومسلم.
ولمسلم قال: «افتتحنا مكة، ثم [إنا] غزونا حنينا. قال: فجاء المشركون بأحسن صفوف رأيت، قال: فصفّت الخيل، ثم صفّت المقاتلة، ثم صفّت النساء من وراء ذلك، ثم صفّت الغنم، ثم صفّت النّعم، قال: ونحن بشر كثير، وقد بلغنا ستة آلاف، وعلى مجّنبة خيلنا خالد بن الوليد، قال: فجعلت الخيل تلوي خلف ظهورنا، فلم نلبث أن انكشفت خيلنا، وفرّت الأعراب، ومن نعلم من الناس، قال: فنادى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا للمهاجرين، يا للمهاجرين، ثم قال: يا للأنصار، يا للأنصار - قال أنس: هذا حديث عمّيه - قال: قلنا: لبيك يا رسول الله، قال: فتقدّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: وايم الله، ما أتيناهم حتى هزمهم الله، قال: فقبضنا ذلك المال، ثم انطلقنا إلى الطائف، فحاصرناهم أربعين ليلة، ثم رجعنا إلى مكة، فنزلنا، قال: فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعطي المائة...» ثم ذكر باقي الحديث كنحو الرواية التي قبله.
وأخرج الترمذي الرواية التي فيها قوله: «ابن أخت القوم منهم».

[شرح الغريب]
الطّلقاء: جمع طليق: وهو الذي خلّي، وأطلق سبيله، وهم أهل مكة الذين أسلموا بعد الفتح؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال يومئذ لأهل مكة: «اذهبوا فأنتم الطلقاء».
حديثة أسنانهم: حداثة السّنّ: كناية عن الشباب، وحداثة العهد بالشيء: قربه منه، فلان حديث عهد بكذا، أي: عهده قريب منه.
وايم الله: هذا من جملة ألفاظ القسم، ومعناه فيما يقوله النّحويّون: أنه جمع يمين، وأصله: أيمن، ثم حذفت النون في القسم تخفيفا لكثرة الاستعمال، وفيه لغات كثيرة تذكر في كتب النحو.
أثرة: الأثرة بفتح الهمزة والثاء والراء: الاستئثار بالشيء والانفراد به، والمراد: يعطى غيركم أكثر منكم، ويفضل غيركم عليكم.
وأتألفهم: التألّف: المداراة والإيناس ليدوموا على الإسلام، رغبة فيما يصل إليهم من المال.
أجبرهم: جبرت الوهن والكسر: إذا أصلحته، وجبرت المصيبة: إذا فعلت مع صاحبها ما ينساها به، ويسليه عنها.

6160 - (خ م) عبد الله بن زيد بن عاصم: قال: «لمّا أفاء الله على رسوله -صلى الله عليه وسلم- يوم حنين قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم ولم يعط الأنصار شيئا، فكأنهم وجدوا، إذ لم يصبهم ما أصاب الناس، فخطبهم، فقال: يا معشر الأنصار، ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي؟ وكنتم متفرّقين، فألّفكم الله بي؟ وعالة فأغناكم الله بي؟ كلما قال شيئا، قالوا: الله ورسوله أمنّ، قال: ما يمنعكم أن تجيبوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قالوا: الله ورسوله أمنّ، قال: لو شئتم قلتم: جئتنا كذا وكذا، ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وتذهبون بالنّبيّ إلى رحالكم؟ لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار، ولو سلك الناس واديا وشعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبها، الأنصار شعار، والناس دثار، إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض». أخرجه البخاري، ومسلم.
وذكر في رواية: «فقال: أما إنكم لو شئتم أن تقولوا: جئتنا طريدا فآويناك، وشريدا فنصرناك، وكذا وكذا».

[شرح الغريب]
عالة: العالة: الفقراء.
الشّعار: الثوب الذي يلي الجسد.
الدّثار: الثوب الذي يكون فوقه، يعني: [أن] الأنصار خاصته الذين يلونه، والناس بعدهم.

6161 - (خ م د) عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: قال: «لما كان يوم حنين آثر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- [ناسا] في القسمة، فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة بن حصن مثل ذلك، وأعطى ناسا من أشراف العرب، وآثرهم يومئذ في القسمة، فقال رجل: والله إن هذه لقسمة ما عدل فيها، ولا أريد فيها وجه الله، قال: فقلت: والله لأخبرنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: فأتيته فأخبرته بما قال، فتغير وجهه،حتى كان كالصّرف، ثم قال: فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله؟ ثم قال: يرحم الله موسى، قد أوذي بأكثر من هذا فصبر، قلت: لا جرم، لا أرفع إليه بعدها حديثا». أخرجه البخاري، ومسلم.
[شرح الغريب]
الصّرف: ورق شجر أحمر يصبغ به، وقيل: هو صبغ أحمر يصبغ به الأدم.
- أبو غالب نافع - رحمه الله -: قال: «قلت لأنس: يا أبا حمزة، غزوت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: نعم، غزوت [معه] حنينا، فخرج المشركون، فحملوا علينا، حتى رأينا خيلنا وراء ظهورنا، وفي المشركين رجل يحمل علينا، فيدقّنا ويحطمنا، فهزمهم الله، وجعل يجاء بهم فيبايعون على الإسلام، فقال رجل من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن عليّ نذرا إن جاء الله بالرجل الذي كان منذ اليوم يحطمنا لأضربنّ عنقه، فسكت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وجيء بالرجل، فلما رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: يا رسول الله تبت إلى الله، فأمسك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن مبايعته ليفي الآخر بنذره، فجعل الرجل يتصدّى لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليأمره بقتله، وجعل يهاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يقتله، فلما رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه لا يصنع شيئا بايعه، فقال الرجل: يا رسول الله، نذري، قال: إني لم أمسك عنه منذ اليوم إلا لتوفي بنذرك، قال: يا رسول الله، ألا أومضت إليّ؟ فقال: إنه ليس لنبي أن يومض». أخرجه أبو داود وهو طرف من حديث طويل، قد تقدّم ذكره في الصلاة على الميّت من كتاب الصلاة في حرف الصاد.

[شرح الغريب]
أومضت: الإيماض: الإشارة، من أومض البرق: إذا لمع، وهو كما سبق في خائنة الأعين.

6162 - (م) العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه -: قال: «شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم حنين، فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلم نفارقه، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذاميّ، فلما التقى المسلمون والكفار، ولّى المسلمون مدبرين، فطفق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يركض بغلته قبل الكفار، قال عباس: وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أكفّها إرادة أن لا تسرع، وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أي عباس، ناد أصحاب السّمرة، فقال عباس - وكان رجلا صيّتا - فقلت بأعلى صوتي: أين أصحاب السّمرة؟ قال: فوالله، لكأنّ عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها، فقالوا: يا لبّيك، يا لبّيك، قال: فاقتتلوا والكفار، والدعوة في الأنصار، يقولون: يا معشر الأنصار، يا معشر الأنصار، ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج، فنظر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى أقيالهم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: هذا حين حمي الوطيس، قال: ثم أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حصيات، فرمى بهنّ وجوه الكفار ثم قال: انهزموا وربّ محمّد، قال: فذهبت أنظر، وإذا القتال على هيئته فيما أرى، قال: فوالله، ما هو إلا أن رماهم بحصياته، فما زلت أرى حدّهم كليلا، وأمرهم مدبرا».
وفي رواية نحوه، غير أنه قال: «فروة بن نعامة [الجذامي]»، وقال: «انهزموا وربّ الكعبة، انهزموا وربّ الكعبة» وزاد في الحديث: «حتى هزمهم الله، قال: وكأني أنظر إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يركض خلفهم على بغلته». أخرجه مسلم.

[شرح الغريب]
صيّتا رجل صيّت: رفيع الصوت عاليه.
حمي الوطيس: اشتد الحرب والأمر، قال الخطابي: هذه الكلمة لم تسمع قبل أن يقولها النبي -صلى الله عليه وسلم- من العرب، وهي مما اقتضبه وأنشأه، والوطيس في اللغة: التّنّور.
حدهم كليلا حد كليل: لا يقطع، وطرف كليل: لا يحقّق النظر.

6163 - (خ م ت) أبو إسحاق [السبيعي]: قال: جاء رجل إلى البراء، فقال: أكنتم ولّيتم يوم حنين، يا أبا عمارة؟ فقال: أشهد على نبيّ الله -صلى الله عليه وسلم- ما ولّى، ولكنه انطلق أخفّاء من الناس وحسّر إلى هذه الحي من هوازن، وهم قوم رماة، فرموهم برشق من نبل، كأنها رجل من جراد، فانكشفوا، فأقبل القوم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأبو سفيان بن الحارث يقود به بغلته، فنزل ودعا واستنصر، وهو يقول:
أنا النبيّ لا كذب أنا ابن عبد المطلب
اللهم نزّل نصرك - زاد أبو خيثمة: ثم صفّهم - قال البراء: كنّا والله إذا احمّر البأس نتّقي به، وإنّ الشّجاع منّا الّذي يحاذي به - يعني النبيّ -صلى الله عليه وسلم-. أخرجه البخاري، ومسلم.
ولمسلم قال: قال رجل للبراء: يا أبا عمارة، فررتم يوم حنين؟ قال: لا والله، ما ولّى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولكنّه خرج شبّان أصحابه وأخفّاؤهم حسّرا، ليس عليهم سلاح - أو كثير سلاح - فلقوا قوما رماة، لا يكاد يسقط لهم سهم - جمع هوازن وبني نصر - فرشقوهم رشقا، ما يكادون يخطئون، فأقبلوا هناك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- على بغلته البيضاء، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يقود به، فنزل واستنصر وقال:
أنا النبيّ لا كذب أنا ابن عبد المطلب
ثم صفّهم.
وفي رواية نحوه، وفيه: وإنّا لما حملنا عليهم انكشفوا، فأكببنا على الغنائم، فاستقبلنا بالسهام، ولقد رأيت النبيّ -صلى الله عليه وسلم- على بغلته البيضاء، وإن أبا سفيان بن الحارث آخذ بزمامها، وهو يقول:
أنا النبيّ لا كذب أنا ابن عبد المطلب
وفي رواية لهما وللترمذي قال: قال له رجل: أفررتم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يا أبا عمارة؟ قال: لا والله، ما ولّى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولكن ولّى سرعان النّاس، تلقّتهم هوازن بالنّبل، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- على بغلته، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب آخذ بلجامها، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:
أنا النبيّ لا كذب أنا ابن عبد المطلب

[شرح الغريب]
أخفّاء: الأخفّاء: جمع خفيف: وهم المسرعون من الناس الذين ليس لهم ما يعوّقهم.
حسّر: الحسّر، جمع حاسر، وهو لا درع عليه، وقد ذكرناه.
يرشق: رشق يرشق رشقا: - بفتح الراء - إذا رمى، وبكسر الراء، وهو الاسم من الرمي، وهو المراد في الحديث، يقال: إذا رمى القوم بأسرهم في جهة واحدة: رمينا رشقا.
رجل: الرّجل من الجراد: القطعة الكبيرة منه.
أحمر البأس: البأس: الشّدة والخوف، ومعنى: «احمرّ البأس» اشتدّ الحرب؛ لأنهم يقولون: موت أحمر، للقتل.
سرعان: سرعان القوم: أولهم.
نتقي به أي: نتّخذه جنّة ندفع به الأذى.
انكشفوا: أي: انهزموا، ومنه رجل أكشف: وهو الذي لا ترس معه.

6164 - (خ م د) سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه -: قال: «غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هوازن، فبينا نحن نتضحّى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إذ جاء رجل على جمل أحمر، فأناخه، ثم انتزع طلقا من حقبه، فقيّد به الجمل ثم تقدّم فتغدّى مع القوم، وجعل ينظر، وفينا ضعفة، ورقّة من الظّهر، وبعضنا مشاة، إذ خرج يشتدّ، فأتى جمله، فأطلق قيده، ثم أناخه، ثم قعد عليه، فأثاره، فاشتد به الجمل، فاتّبعه رجل على ناقة ورقاء، قال سلمة: وخرجت أشتدّ، فكنت عند ورك الناقة، ثم تقدّمت حتى كنت عند ورك الجمل، ثم تقدّمت حتى أخذت بخطام الجمل، فأنخته، فلما وضع ركبته في الأرض اخترطت سيفي، فضربت رأس الرجل فندر، ثم جئت بالجمل أقوده عليه رحله وسلاحه، فاستقبلني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والناس معه، فقال: من قتل الرجل؟ قالوا: ابن الأكوع، قال: له سلبه أجمع».
وفي رواية قال: «أتى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عين من المشركين وهو في سفر، فجلس عند أصحابه يتحدّث، ثم انفتل، فقال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: اطلبوه واقتلوه فقتلته، فنفّلني سلبه». أخرجه البخاري، ومسلم.
وأخرج أبو داود نحو [الرواية] الأولى، ومثل الثانية.

[شرح الغريب]
نتضحى: أي: نتغدّى، والأصل أن العرب كانوا يسيرون في ظعنهم، فإذا مرّوا ببقعة من الأرض فيها كلأ وعشب، قال قائلهم: ألا ضحّوا رويدا، أي: ارفقوا بالإبل حتى تتضحى، أي: تنال من هذا المرعى، ثم وضعت التّضحية مكان الرّفق لرفقهم بالمال في ضحائها لتصل إلى المنزل وقد شبعت، وصار ذلك يقال لكل من أكل في وقت الضحى: هو يتضحى، أي: يأكل هذا الوقت.
طلقا: الطلق: قيد يتخذ من الجلود.
من حقبه الحقب: حبل يشد على بطن البعير مما يلي مؤخّره.
ورقّة من الظهر الظهر: المركوب، والرّقّة في حال الضّعف.
ورقاء ناقة ورقاء: ذات لون أسمر، والورقة: السّمرة.
فندر ندر رأسه: أي: طار عن بدنه.

6165 - (م) سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه -: قال: «غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حنينا، فلما واجهنا العدوّ تقدّمت، فأعلو ثنيّة، فاستقبلني رجل من العدوّ، فأرميه بسهم، فتوارى عني، فما دريت ما أصنع؟ ونظرت إلى القوم، فإذا هم قد طلعوا من ثنيّة أخرى، فالتقوا هم وأصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، فولّى أصحاب النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فأرجع منهزما وعليّ بردتان، متّزر بإحداهما، مرتد بالأخرى، فاستطلق إزاري، فجمعتهما جميعا، ومررت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منهزما، وهو على بغلته الشّهباء، فقال: لقد رأى ابن الأكوع فزعا، فلما غشوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نزل عن بغلته، ثم قبض قبضة من تراب الأرض، ثم استقبل به وجوههم، وقال: شاهت الوجوه، فما خلق الله منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا بتلك القبضة، فوّلوا مدبرين، فهزمهم الله، وقسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غنائمهم بين المسلمين». أخرجه مسلم.
[شرح الغريب]
شاهت الوجوه: أي قبحت، ومنه رجل أشوه، وامرأة شوهاء، أي: قبيحة المنظر.

6166 - (خ م ط د) أبو قتادة - رضي الله عنه -: قال: «خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام حنين، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة، قال: فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين، فاستدرت إليه حتى أتيته من ورائه، فضربته على حبل عاتقه، وأقبل عليّ فضمّني ضمّة وجدت منها ريح الموت، ثم أدركه الموت فأرسلني، فلحقت عمر بن الخطاب، فقال: ما للناس؟ فقلت: أمر الله، ثم إنّ الناس رجعوا، وجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: من قتل قتيلا له عليه بيّنة فله سلبه، وقمت فقلت: من يشهد لي؟ ثم جلست، ثم قال بمثل ذلك، فقمت فقلت: من يشهد لي؟ ثم جلست، ثم قال ذلك الثالثة، فقمت، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما لك يا أبا قتادة؟ فقصصت عليه القصة، فقال رجل من القوم: صدق يا رسول الله، سلب ذلك القتيل عندي، فأرضه من حقّه، فقال أبو بكر الصّدّيق: لاها الله إذا، لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله، فيعطيك سلبه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: صدق، فأعطه إياه، قال: فأعطاني، فبعت الدّرع، وابتعت مخرفا في بني سلمة، فإنه لأوّل مال تأثّلته في الإسلام».
وفي رواية قال: «لما كان يوم حنين نظرت إلى رجل من المسلمين يقاتل رجلا من المشركين، وآخر من المشركين يختله من ورائه ليقتله، فأسرعت إلى الذي يختله، فرفع يده ليضربني، وأضرب يده، فقطعتها، ثم أخذني فضمّني ضمّا شديدا حتى تخوّفت، ثم ترك فتحلّل، ودفعته ثم قتلته، وانهزم المسلمون وانهزمت معهم، فإذا بعمر بن الخطاب في الناس، فقلت له: ما شأن الناس؟ قال: أمر الله، ثم تراجع الناس إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من أقام بيّنة على قتيل قتله فله سلبه، فقمت لألتمس بيّنة على قتيلي، فلم أر أحدا يشهد لي، فجلست، ثم بدا لي فذكرت أمره لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال رجل من جلسائه: سلاح هذا القتيل الذي يذكر عندي، فأرضه منه، فقال أبو بكر: لا يعطه أصيبغ من قريش، ويدع أسدا من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله، قال: فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأدّاه إليّ، فاشتريت منه خرافا، فكان أوّل مال تأثّلته [في الإسلام]». أخرجه البخاري، ومسلم. وأخرج الموطأ، وأبو داود الأولى.

[شرح الغريب]
حبل عاتقه: حبل العاتق: عصبه، والعاتق: موضع الرّداء من المنكب.
لاها الله إذا: قال الخطابي - رحمه الله -: هكذا جاء الحديث «لاها الله إذا» والصواب «لاها الله ذا» بغير ألف قبل الذال، ومعناه في كلامهم: «لا والله لا يكون ذا» يجعلون الهاء مكان الواو.
مخرفا: المخرف بفتح الميم: البستان الذي تخترف ثماره، أي: تجتنى وتقطف، وأراد به هاهنا: حائط نخل، والمخرف بكسر الميم: الظرف الذي تجنى فيه الثمار، والخراف، يشبه أن يكون جمع خرقة -بالضم- وهو ما يجتنى من الفواكه، وأراد به أيضا: البستان، فسمّي الشجر باسم ثمره.
تأثّلته تأثّلت المال، أي: اكتسبته وجمعته وادّخرته.
يختله الختل: المكر، والخداع.
أصيبغ قالوا: يصفه بالضعف والمهانة، وهو إماه مشبّه بالأصبغ، وهو نوع من الطير، وإما مشبه بالصّبغاء، وهو نبت ضعيف كالثّمام.

6167 - (د) البراء بن عازب - رضي الله عنه -: قال: «لما لقى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- المشركين يوم حنين نزل عن بغلته فترجّل». أخرجه أبو داود.
6168 - (خ) إسماعيل بن أبي خالد - رحمه الله -: قال: «رأيت بيد ابن أبي أوفى ضربة، قال: ضربتها يوم حنين مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قلت: شهدت حنينا؟ قال: قبل ذلك». أخرجه البخاري.
6169 - (م د) أنس بن مالك - رضي الله عنه -: «أن أم سليم أمّه اتخذت خنجرا أيام حنين، فكان معها، فرآها أبو طلحة، فقال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: [هذه أمّ سليم معها خنجر؟] فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما هذا الخنجر؟ قالت: اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرت بطنه، فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يضحك، فقالت: يا رسول الله، اقتل من بعدنا من الطّلقاء انهزموا بك، يعني يوم هوازن، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا أمّ سليم، إن الله قد كفى وأحسن». أخرجه مسلم.
وفي رواية أبي داود قال: «قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومئذ، يعني: يوم حنين - من قتل كافرا فله سلبه، فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلا، وأخذ أسلابهم، ولقي أبو طلحة أمّ سليم ومعها خنجر، فقال: يا أمّ سليم، ما هذا معك؟ قالت: أردت والله إن دنا مني بعضهم أبعج بطنه، فأخبر بذلك أبو طلحة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-».

[شرح الغريب]
بقرت بطنه: إذا شققتها، والبقر: الشّقّ.
أبعج بعج بطنه بالسكين يبعجها بعجا: إذا شقها، فهو مبعوج.

6170 - (ت) عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: قال: «لقد رأيتنا يوم حنين، وإن الفئتين لمولّيتان - يعني: المهاجرين، والأنصار - وما مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مائة رجل». أخرجه الترمذي.
6171 - (خ د) المسور [بن مخرمة]، ومروان [بن الحكم] - رضي الله عنهما -: «أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام حين جاءه وفد هوازن مسلمين، فسألوه أن يردّ عليهم أموالهم وسبيهم، فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن معي من ترون، وأحبّ الحديث إليّ: أصدقه، فاختاروا إحدى الطائفتين، إمّا المال، وإمّا السّبي، وقد كنت استأنيت بكم- وفي رواية: بهم- وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنظرهم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف، فلما تبيّن لهم أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- غير رادّ إليهم إلا إحدى الطائفتين، قالوا: فإنا نختار سبينا، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المسلمين، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فإن إخوانكم هؤلاء جاؤوا تائبين، وإني قد رأيت أن أردّ إليهم سبيهم، فمن أحبّ منكم أن يطيّب ذلك فليفعل، فقال الناس: طيّبنا ذلك يا رسول الله، فقال لهم في ذلك: إنا لا ندري من أذن منكم ممن لم يأذن، فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم، فرجع الناس، فكلّمهم عرفاؤهم، ثم رجعوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأخبروه أنّهم قد طيّبوا، وأذنوا، فهذا الذي بلغنا من شأن سبي هوازن». أخرجه البخاري، وأبو داود.
[شرح الغريب]
استأنيت: أي: تأنيّت وتوقفت وانتظرت.

6172 - (د س) عمرو بن شعيب - رحمه الله -: عن أبيه عن جده - في هذه القصّة - قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ردّوا عليهم نساءهم [وأبناءهم] فمن مسك بشيء من هذا الفيء، فإن له علينا به ستّ فرائض من أول شيء يفيئه الله علينا، ثم دنا - النبيّ -صلى الله عليه وسلم- - من بعير فأخذ وبرة من سنامه، ثم قال: يا أيها الناس، إنه ليس لي في هذا الفيء شيء، ولا هذا - ورفع إصبعيه - إلا الخمس، والخمس مردود عليكم، فأدّوا الخياط والمخيط، فقام رجل في يده كبّة من شعر، فقال: أخذت هذه لأصلح بها برذعة [لي] فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: [أمّا] ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لك، فقال: أمّا إذا بلغت ما أرى، فلا أرب لي فيها، ونبذها».
هكذا أخرجه أبو داود عقيب حديث المسور ومروان، وقد أخرج بعض هذا المعنى بقريب من ألفاظه الموطأ، وهو مذكور في «الفرع السادس» من «الفصل الثالث» من «الباب الثاني»، من «كتاب الجهاد»، من حرف الجيم، فجعلنا ذلك مفردا للموطأ، وهذا لأبي داود.وأما رواية النسائي: فإنّه قال: «كنّا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ أتاه وفد هوازن، فقالوا: يا محمد، إنّا أهل وعشيرة، وقد نزل بنا من البلاء ما لا يخفى عليك، فامنن علينا، منّ الله عليك، فقال: اختاروا من أموالكم، أو من نسائكم، فقالوا: خيّرتنا بين أحسابنا وأموالنا، بل نختار نساءنا [وأبناءنا] فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم، فإذا صلّيت الظهر، [فقوموا] فقولوا: إنّا نستعين برسول الله على المؤمنين - أو المسلمين- بنسائنا وأموالنا، فلما صلّوا الظهر، [قاموا] فقالوا ذلك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم، فقال المهاجرون: وما كان لنا فهو لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقالت الأنصار: ما كان لنا فهو لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال الأقرع بن حابس: أمّا أنا وبنو تميم فلا، وقال عيينة بن حصن: أمّا أنا وبنو فزارة فلا، وقال العباس بن مرداس: أمّا أنا وبنو سليم فلا، فقامت بنو سليم: فقالوا: كذبت،ما كان لنا فهو لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا أيّها الناس، ردّوا عليهم نساءهم وأبناءهم، فمن تمسّك من هذا الفيء بشيء فله ست فرائض من أول شيء يفيئه الله علينا، وركب راحلته، وركبه الناس: اقسم علينا فيأنا، فألجؤوه إلى شجرة، فخطفت رداءه، فقال: يا أيّها الناس، ردّوا علي ردائي، فوالله لو أن لكم شجر تهامة نعما قسمته بينكم ثم لم تلقوني بخيلا، ولا جبانا، ولا كذوبا، ثم أتى بعيرا، فأخذ من سنامه وبرة بين إصبعيه، ثم قال: ها، إنه ليس لي من [هذا] الفيء شيء، ولا هذه، إلا الخمس، والخمس مردود عليكم، فقام إليه رجل بكبّة من شعر، فقال: يا رسول الله، أخذت هذه لأصلح بها برذعة بعير لي، فقال: أمّا ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لك، فقال: أو بلغت هذه؟ فلا أرب لي فيها فنبذها، وقال: يا أيّها الناس، أدّوا الخياط والمخيط، فإن الغلول يكون على أهله عارا وشنارا يوم القيامة».

[شرح الغريب]
من مسك بشيء: يقال: أمسكت الشيء، ومسكت بالشيء: بمعنى واحد، وفي الكلام إضمار، وتقديره: من أصاب شيئا [من هذا الفيء] فأمسكه ثم رده.
ست فرائض: الفرائض، جمع فريضة، يريد به: البعير المأخوذ في الزكاة، وسمّي به فريضة؛ لأنه الواجب على رب المال، ثم سمّي البعير فريضة في غير الزكاة.
يفيئه الله علينا أراد بما يفيئه الله عليه: الخمس الذي جعله الله له من الفيء خاصة دون الناس، فإنه يعطي كلّ من أخذ منه شيئا عوضه من ذلك.
الخياط الخيط، والمخيط: الإبرة.
الشنّار: العيب والعار.
الغلول: الخيانة في الغنيمة قبل إخراج الخمس والقسمة.

غزوة أوطاس
6173 - (خ م) أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه -: قال: «لمّا فرغ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- من حنين بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس، فلقي دريد بن الصّمّة، فقتل دريد، وهزم الله أصحابه، قال أبو موسى: وبعثني مع أبي عامر، فرمي أبو عامر في ركبته، رماه جشميّ بسهم، فأثبته في ركبته، وانتهيت إليه، فقلت: يا عمّ، من رماك؟ فأشار إلى أبي موسى، فقال: ذاك قاتلي الذي رماني، فقصدت له فلحقته، فلما رآني ولّى، فاتّبعته وجعلت أقول له: ألا تستحي؟ ألا تثبت؟ فكفّ، فاختلفنا ضربتين بالسيف، فقتلته، ثم قلت لأبي عامر: قتل الله صاحبك، قال: فانزع هذا السهم، فنزعته، فنزى منه الماء، فقال: يا ابن أخي، أقرئ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- السلام، وقل له: يستغفر لي، واستخلفني أبو عامر على الناس، فمكث يسيرا ثم مات، فرجعت، فدخلت على النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في بيته على سرير مرمل وعليه فراش قد أثّر رمال السرير بظهره وجنبيه، فأخبرته بخبرنا وخبر أبي عامر، وقلت له: قال لي: قل له: يستغفر لي، فدعا بماء، فتوضأ، ثم رفع يديه، وقال: اللهم اغفر لعبيد، أبي عامر، حتى رأيت بياض إبطيه، ثم قال: اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك، أو من الناس، فقلت: ولي فاستغفر فقال: اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما، قال أبو بردة: إحداهما لأبي عامر، والأخرى لأبي موسى». أخرجه البخاري، ومسلم.
وفي لفظ مسلم: رماه رجل من بني جشم، وفيه: «فلما رآني ولّى عنّي ذاهبا، فلحقته، فجعلت أقول له: ألا تستحي؟ ألست عربيّا؟ ألا تثبت؟». وفيه: «انطلق إلى رسول الله، فأقرئه مني السلام، وقل له: يقول لك: استغفر لي».
ورأيت في كتاب البخاري: «فوق كثير من خلقك وأمنّ الناس». وقد ضبطها وقيّدها، وذلك بخلاف الوارد في الكتب.

[شرح الغريب]
فأثبته أي: حبسه بالطعنة التي طعنها، أو الرمية.
فنزا نزا منه الماء، أي: وثب، يعني: خرج الماء من جرحه.
على سرير مرمل سرير مرمل: قد نسج وجهه بالسّعف، يقال: أرملت النّسج أرمله: إذا باعدت بين الأشياء المنسوج بها، فهو مرمل، ورماله: ما نسج في وجهه من ذلك، ويقال: رملته لغة في أرملته، ورمّلته: شدد للكثرة، والرمال - بكسر الراء - بمعنى مرءول، وهو جمع رمل، كقوله تعالى: هذا خلق الله أي: مخلوقه.

غزوة الطائف
قال البخاري: في شوال سنة ثمان، قاله موسى بن عقبة
6174 - (خ م) عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: قال: «لما حاصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- [أهل] الطائف، فلم ينل منهم شيئا، قال: إنّا قافلون غدا إن شاء الله، فثقل عليهم، وقالوا: نذهب ولا نفتحه، وقال مرة: «نقفل»، فقال: اغدوا على القتال، فغدوا، فأصابهم جراح، فقال: إنّا قافلون غدا إن شاء الله، فأعجبهم، فضحك النبيّ -صلى الله عليه وسلم-»، وقال سفيان مرة: «فتبسّم».
وفي رواية نحوه، وفيه: «فقالوا: لا نبرح أو نفتحها». وفيه: «فقاتلوهم قتالا شديدا، وكثر فيهم الجراحات...» الحديث.
قال الحميديّ: أخرج البخاري هذه الرواية الثانية في «كتاب الأدب»، عن قتيبة، وقال فيه: عن عبد الله بن عمر، وأخرجه هو ومسلم في المغازي - يعني الرواية الأولى- وفيه عندهما: عن عبد الله بن عمرو، والحديث من حديث ابن عيينة، وقد اختلف فيه عليه، منهم من قال: عنه هكذا، ومنهم من رواه [عنه] بالشك، وأخرجه البرقاني، وقال: «عبد الله بن عمر» أصح، وهكذا أخرجه أبو مسعود في مسند ابن عمر.
قلت: والذي رأيته في كتاب البخاري، وكتاب مسلم اللّذين قرأتهما «عبد الله بن عمر»، ولم أجد فيهما: «ابن عمرو»، ولعلّ الذي كان عند الحميديّ هو ابن عمرو، والله أعلم.

6175 - (د) عثمان بن أبي العاص - رضي الله عنه -: «أن وفد ثقيف لما قدموا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنزلهم المسجد، ليكون أرقّ لقلوبهم، فاشترطوا عليه أن لا يحشروا، ولا يعشروا، ولا يجبّوا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لكم أن لا تحشروا، ولا تعشروا، ولا خير في دين ليس فيه ركوع». أخرجه أبو داود.
[شرح الغريب]
يحشروا بمعنى يجمعوا، والمراد به: جمعهم إلى الجهاد، والنفير إليه.
يعشروا أي: يؤخذ عشور أموالهم صدقة.
يجبّوا أصل التجبية: أن يقوم الإنسان قيام الراكع، وقيل: هو أن يضع يده على ركبتيه وهو قائم، وقيل: هو أن ينكبّ على وجهه باركا، وهو السجود، والمراد بقولهم: «لا يجبّوا» أنهم لا يصلّون، ولفظ الحديث يدل على الركوع؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- قال لهم في الجواب: «ولا خير في دين ليس فيه ركوع».

6176 - (د) وهب [بن منبه]: قال «سألت جابرا عن شأن ثقيف إذ بايعت؟ قال: اشترطت أن لا صدقة عليها ولا جهاد، وأنه سمع النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك يقول: سيتصدّقون، ويجاهدون إذا أسلموا». أخرجه أبو داود.
[شرح الغريب]
أن لا صدقة عليها، ولا جهاد قال الخطابي: ويشبه أن يكون إنما سمح لهم بترك الجهاد والصدقة؛ لأنهما لم يكونا بعد واجبين في العاجل؛ لأن الصدقة إنما تجب بالقضاء للحول، والجهاد إنما يجب بحضور العدو، فأما الصلاة: فهي راتبة كل يوم وليلة، فلم يجز أن يشترطوا تركها، وقد سئل جابر بن عبد الله عن اشتراط ثقيف أن لا صدقة عليها ولا جهاد؟ فقال: «علم أنهم سيتصدقون ويجاهدون إذا أسلموا».

بعث هالد بن الوليد إلى بني جذيمة
6177 - (خ س) عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: قال: «بعث النبيّ -صلى الله عليه وسلم- خالد بن الوليد إلى بني جذيمة، فدعاهم إلى الإسلام، فلم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، فجعلوا يقولون: صبأنا، صبأنا، فجعل خالد بن الوليد يقتل ويأسر، ودفع إلى كلّ رجل منّا أسيره، فقلت: والله، لا أقتل أسيري، ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره، حتى قدمنا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وذكرناه، فرفع يديه، فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد - مرتين -». أخرجه البخاري، والنسائي.

[شرح الغريب]
صبأنا صبأ: إذا خرج من دين إلى دين غيره.

6178 - (خ م د س) علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: قال: «بعث النبيّ -صلى الله عليه وسلم- سريّة، واستعمل عليهم رجلا من الأنصار، وأمرهم أن يطيعوه، فغضب، فقال: أليس أمركم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تطيعوني؟ قالوا: بلى، قال: فاجمعوا حطبا، فجمعوا، قال: أوقدوا نارا، فأوقدوها فقال: ادخلوها، فهمّوا، وجعل بعضهم يمسك بعضا، ويقولون: فررنا إلى النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- من النار، فما زالوا حتى خمدت النار، فسكن غضبه، فبلغ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة، الطاعة في المعروف».
وفي رواية: «لا طاعة في معصية الله، إنّما الطاعة في المعروف». أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود.
وأخرجه النسائي نحوه، وفيه: «فذكروا ذلك للنّبيّ -صلى الله عليه وسلم- فقال للذين أرادوا أن يدخلوها: لو دخلتموها لم تزالوا فيها إلى يوم القيامة، وقال للآخرين خيرا - وفي رواية: قولا حسنا - وقال: لا طاعة في معصية الله، إنّما الطاعة في المعروف».

بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع
6179 - (خ م د س) أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه -: قال: «بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعاذا إلى اليمن، فقال: ادعوا الناس، وبشّرا ولا تنفّرا، ويسّرا ولا تعسّرا، وتطاوعا، ولا تختلفا، قال: فقلت: يا رسول الله، أفتنا في شرابين، كنا نصنعهما باليمن: البتع، وهو من العسل ينبذ حتى يشتدّ، والمزر، وهو من الذّرة والشعير، ينبذ حتى يشتدّ، قال: وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أعطي جوامع الكلم بخواتمه، فقال: أنهى عن كل مسكر أسكر عن الصلاة.
- وفي رواية: فقال -صلى الله عليه وسلم-: كلّ مسكر حرام - قال: فقدمنا اليمن، وكان لكل واحد منا قبّة نزلها على حدة، فأتى معاذ أبا موسى - وكانا يتزاوران - فإذا هو جالس في فناء قبّته، وإذا يهوديّ قائما عنده، يريد قتله، فقال: يا أبا موسى، ما هذا؟ ! قال: كان يهوديّا فأسلم، ثم رجع إلى يهوديته، فقال: ما أنا بجالس حتى تقتله، فقتله، ثم جلسا يتحدّثان، فقال معاذ: يا أبا موسى، كيف تقرأ القرآن؟ قال: أتفوّقه تفوّقا: على فراشي، وفي صلاتي، وعلى راحلتي، ثم قال أبو موسى لمعاذ: كيف تقرأ أنت؟ قال: سأنبّئك بذلك، أمّا أنا: فأنام، ثم أقوم فأقرأ، فأحتسب في نومتي ما أحتسب في قومتي».
وفي رواية: قال أبو موسى: «أقبلت إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ومعي رجلان من الأشعريين، أحدهما عن يميني، والآخر عن شمالي، فكلاهما سأل العمل، والنبيّ -صلى الله عليه وسلم- يستاك، فقال: ما تقول يا أبا موسى - أو يا عبد الله بن قيس -؟ قال: فقلت: والذي بعثك بالحق، ما أطلعاني على ما في أنفسهما، وما شعرت أنهما يطلبان العمل، قال: فكأني أنظر إلى سواكه تحت شفته، وقد قلصت، فقال لي: لن - أو لا - نستعمل على عملنا من أراده، ولكن اذهب أنت يا أبا موسى - أو يا عبد الله بن قيس-فبعثه على اليمن، ثم أتبعه معاذ بن جبل... ثم ذكر قصّة اليهوديّ الذي أسلم ثم ارتدّ». وزاد فيه: «قال: لا أجلس حتى يقتل، قضاء الله ورسوله». ثم قولهما في قيام الليل، وليس فيه ذكر الأشربة. أخرجه البخاري، ومسلم.
وأخرجه البخاري مرسلا عن أبي بردة، قال: «بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبا موسى، ومعاذ بن جبل إلى اليمن، قال: وبعث كلّ واحد منهما على مخلاف، قال: واليمن مخلافان، ثم قال: يسّرا، ولا تعسّرا، وبشّرا، ولا تنفّرا، فانطلق كلّ واحد منهما إلى عمله، قال: وكان كلّ واحد منهما إذا سار في أرضه [وكان] قريبا من صاحبه أحدث به عهدا، فسلّم عليه، فسار معاذ في أرضه قريبا من صاحبه أبي موسى، فجاء يسير على بغلته حتى انتهى إليه، وإذا هو جالس وقد اجتمع إليه الناس، وإذا رجل عنده قد جمعت يداه إلى عنقه، فقال له معاذ: يا عبد الله بن قيس: أيّم هذا؟ قال: هذا رجل كفر بعد إسلامه، قال: لا أنزل حتى يقتل، قال: إنما جيء به لذلك، فانزل، قال: ما أنزل حتى يقتل، فأمر به فقتل، ثم نزل، فقال: يا عبد الله، كيف تقرأ القرآن؟ قال: أتفوّقه تفوّقا، قال: فكيف تقرأ أنت يا معاذ؟ قال: أنام أول الليل، فأقوم، وقد قضيت جزئي من النوم، فأقرأ ما كتب الله لي، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي».
وأخرج أبو داود رواية البخاري، والرواية الثانية، وأخرج النسائي الرواية الثانية إلى قوله: «ثم أتبعه معاذ بن جبل».
وقد تقدّم لهذا الحديث روايات بنحوها طويلة وقصيرة، بعضها في «كتاب الخلافة»، من حرف الخاء، وبعضها في «كتاب الحدود» من حرف الحاء، وبعضها في غير ذلك.

[شرح الغريب]
على حدة: قعد كل واحد من الجماعة على حدة: إذا قعد منفردا.
أتفوّقه تفوّقا: أتفوّق القرآن تفوّقا، أي: أقرؤه شيئا بعد شيء، ووقتا بعد وقت، من فواق الناقة، وهو أن تحلب، ثم تترك ساعة حتى تدرّ، ثم تحلب.
المخلاف في اليمن: كالرّستاق، ولكلّ مخلاف في اليمن: اسم يعرف به.
أيّم هذا: أي: أيّ شيء هذا؟ فحذف ألف «ما» تخفيفا.

6180 - (خ م د ت س) عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -: قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ بن جبل - حين بعثه إلى اليمن -: «إنّك ستأتي قوما أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأنّ محمدا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أنّ الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كلّ يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإيّاك وكرائم أموالهم، واتّق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب».
وفي رواية قال له: «إنّك تقدم على قوم من أهل الكتاب، فليكن أوّل ما تدعوهم إليه: عبادة الله عز وجل، فإذا عرفوا الله فأخبرهم: أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا فعلوا فأخبرهم: أن الله قد فرض عليهم زكاة...» وذكره. أخرجه الجماعة إلا الموطأ.
قال الحميديّ: وقد جعل بعض الرواة هذا الحديث عن ابن عباس عن معاذ.

[شرح الغريب]
كرائم أموالهم: كرائم الأموال: خيارها ونفائسها، وهي التي تكرم على أصحابها.

6181 - (خ) عمرو بن ميمون - رحمه الله -: أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بعث معاذا إلى اليمن، فقرأ معاذ في صلاة الصبح سورة النساء، فلما قال: {واتّخذ الله إبراهيم خليلا} [النساء: 125] قال رجل خلفه: قرّت عين أمّ إبراهيم. أخرجه البخاري.
بعث علي ابن أبي طالب، وخالد بن الوليد إلى اليمن
قبل حجة الوداع
6182 - (خ) أبو إسحاق [السبيعي]: قال: سمعت البراء - رضي الله عنه - يقول: «بعثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع خالد بن الوليد، ثم بعث عليّا بعد ذلك مكانه، فقال: مر أصحاب خالد: من شاء منهم أن يعقّب معك فليعقّب، ومن شاء فليقبل، فكنت فيمن عقّب معه، قال: فغنمت أواقيّ ذوات عدد». أخرجه البخاري.

[شرح الغريب]
أن يعقّب: إذا غزا الإنسان، ثم ثنّى من سنته مرة أخرى، قيل: قد عقّب، ويقال: تعقيبة خير من غزوة.

6183 - (خ) بريدة - رضي الله عنه -: قال: «بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليّا إلى خالد ليقبض الخمس، فقبضه منه، فاصطفى عليّ منها سبيّة فأصبح وقد اغتسل ليلا، وكنت أبغض عليّا، فقلت لخالد: ألا ترى إلى هذا؟ فلما قدمنا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكرت ذلك له، فقال: يا بريدة، أتبغض عليّا؟ قلت: نعم، قال: لا تبغضه فإن له في الخمس أكثر من ذلك». أخرجه البخاري.
[شرح الغريب]
فاصطفى: الاصطفاء: الاختيار، وأراد به: ما يأخذه رئيس الجيش لنفسه خاصة، وهو افتعال من صفوة الشيء، أي: خياره وخالصه.
سبيّة السّبية: الأمة التي قد سبيت.

6184 - (ت) البراء بن عازب - رضي الله عنه -: أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «بعث إلى اليمن جيشين، وأمّر على أحدهما عليّا، وعلى الآخر خالدا، وقال: إذا كان القتال فعليّ، قال: فافتتح عليّ حصنا، فأخذ منه جارية، قال: فكتب معي خالد إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخبره، قال: فلما قدمت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقرأ الكتاب، رأيته يتغيّر لونه، فقال: ما ترى في رجل يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله؟ فقلت: أعوذ بالله من غضب الله ومن غضب رسوله، وإنما أنا رسول، فسكت». أخرجه الترمذي.
غزوة ذي الخلصة
6185 - (خ م د) جرير بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه -: قال: «كان بيت في الجاهلية يقال له: ذو الخلصة، والكعبة اليمانية، والكعبة الشاميّة، فقال لي النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: ألا تريحني من ذي الخلصة؟ فنفرت في مائة وخمسين راكبا، فكسرناه، وقتلنا من وجدنا عنده، فأتيت النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فأخبرته، فدعا لنا ولأحمس».
وفي رواية قال جرير: قال لي النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: «ألا تريحني من ذي الخلصة؟ - وكان بيتا في خثعم يسمى كعبة اليمانية - فانطلقت في خمسين ومائة فارس من أحمس، وكانوا أصحاب خيل، وكنت لا أثبت على الخيل، فضرب في صدري، حتى رأيت أثر أصابعه في صدري، وقال: اللهم ثبّته، واجعله هاديا مهديّا، فانطلق إليها وكسرها وحرّقها، ثم بعث إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال رسول جرير: والذي بعثك بالحق، ما جئتك حتى تركتها كأنها جمل أجرب، قال: فبارك في خيل أحمس ورجالها خمس مرّات».
وفي أخرى مثله، وقال: «فما وقعت عن فرس بعد، قال: وكان ذو الخلصة بيتا باليمن لخثعم وبجيلة، فيه نصب تعبد، يقال لها: الكعبة، قال: فأتاها فحرّقها بالنار وكسرها، قال: ولما قدم جرير اليمن كان بها رجل يستقسم بالأزلام، فقيل له: إنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هاهنا، فإن قدر عليك ضرب عنقك، قال: فبينما هو يضرب بها، إذ وقف عليه جرير، فقال: لتكسرنّها ولتشهدنّ أن لا إله إلا الله، أو لأضربنّ عنقك، قال: فكسرها وشهد، ثم بعث جرير رجلا من أحمس، يكنى: أبا أرطاة إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يبشّره بذلك، فلما أتى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق، ما جئت حتى تركتها كأنها جمل أجرب». قال: «فبرّك النبيّ -صلى الله عليه وسلم- على خيل أحمس ورجالها - خمس مرات». أخرجه البخاري، ومسلم.
وأخرجه أبو داود مختصرا قال: «قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ألا تريحني من ذي الخلصة؟ فأتاها فحرّقها، ثم بعث رجلا من أحمس إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يبشّره، يكنى: أبا أرطاة».

[شرح الغريب]
يستقم بالأزلام الألازم: القداح كانوا يتفاءلون بها عند ما يعقرض لهم من الحاجات، كالسفر والزواج وغير ذلك وكان مكتوب عليها: افعل، لا تقعل، فما خرج منها كان يتبعه: إما أمر، وإما نهى، والاستقسام: طلب ما قسم لهم مما هو مغيب عنهم من خير وشر، وصلاح وفساد.
(ذو الخصلة) الخصلة، قيل: كان اسم صم ولدوس، وكان في ذلك البيت، قيل: ذو الخصلة: وهو البيت الذي كان لخثعم باليمن، يحجون إليه تشبيها بيت الله الحرام.
(جمل أجرب) شبه ما بها من آثار النّار والإحراق بالجمل الأجرب.

غزوة ذات السلاسل
قال البخاري: وهي غزوة لخم وجذام، قاله إسماعيل بن أبي خالد وقال ابن إسحاق: عن يزيد عن عروة: هي بلاد بلي وعذرة وبني القين وفي نسخة: بني العنبر
6186 - (خ م) أبو عثمان النهدي: «أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث عمرو بن العاص - رضي الله عنه - على جيش ذات السلاسل، قال: فأتيته، فقلت: أيّ الناس أحبّ إليك؟ قال: عائشة، قلت: من الرّجال؟ قال: أبوها، قلت: ثم من؟ قال: عمر، فعدّ رجالا، فسكتّ، مخافة أن يجعلني في آخرهم». أخرجه البخاري، ومسلم.

غزوة تبوك
6187 - (خ م) أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه -: قال: «أرسلني أصحابي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أسأله لهم الحملان، إذ هم معه في جيش العسرة، وهي غزوة تبوك، فقلت: يا نبيّ الله، إنّ أصحابي أرسلوني إليك لتحملهم، فقال: والله لا أحملكم على شيء، ووافقته وهو غضبان، ولا أشعر، فرجعت حزينا من منع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومن مخافة أن يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد وجد في نفسه عليّ، فرجعت إلى أصحابي، فأخبرتهم الذي قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فلم ألبث إلا سويعة إذ سمعت بلالا ينادي: أي عبد الله بن قيس؟ فأجبته، فقال: أجب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعوك، فلما أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: خذ هذين القرينين، وهذين القرينين، وهذين القرينين - لستّة أبعرة ابتاعهن حينئذ من سعد - فانطلق بهنّ إلى أصحابك، فقل: إن الله - أو قال: إن رسول الله - يحملكم على هؤلاء، فاركبوهنّ [قال أبو موسى]: فانطلقت إلى أصحابي بهنّ، فقلت: إنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحملكم على هؤلاء، ولكن والله، لا أدعكم حتى ينطلق معي بعضكم إلى من سمع مقالة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حين سألته لكم، ومنعه في أول مرة، ثم إعطاءه إيّاي بعد ذلك، لا تظنّوا أني حدّثتكم شيئا لم يقله، فقالوا لي: والله إنّك عندنا لمصدّق، ولنفعلنّ ما أحببت، فانطلق أبو موسى بنفر منهم، حتى أتوا الذين سمعوا قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومنعه إياهم، ثم إعطاءهم بعد، فحدّثوهم بما حدّثهم أبو موسى سواء». أخرجه البخاري، ومسلم.

[شرح الغريب]
(الحملان): الحمل، حملته على الدابة، أخمله حملا وحملانا، وذلك أنه جاء يطلب منه شيئا يركبون عليه.
(القرينين) القرين: الجمل يقرن بجمل آخر، فكلاتهما قرينان.
(عقبة) حملت فلانا عقبة: إذا أركبضته وقتا، وأنزلته وقتا،فهو يعقب غيره في الركوب، أي يجيء بعده.
(قلائص) القلائص: جمع قلوص، وهي الناقة.

6188 - (د) واثلة بن الأسقع - رضي الله عنه -: قال: «نادى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك، فخرجت إلى أهلي، [فأقبلت] - وقد خرج أوّل صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- - فطفقت في المدينة أنادي: ألا من يحمل رجلا له سهمه، فإذا شيخ من الأنصار، فقال: لنا سهمه على أن نحمله عقبة، وطعامه معنا؟ فقلت: نعم، قال: فسر على بركة الله، فخرجت مع خير صاحب، حتى أفاء الله علينا، فأصابني قلائص، فسقتهنّ حتى أتيته، فخرج فقعد على حقيبة من حقائب إبله، ثم قال: سقهنّ مدبرات، ثم قال: سقهنّ مقبلات، فقال: ما أرى قلائصك إلا كراما، قلت: إنّما هي غنيمتك التي شرطت لك، قال: خذ قلائصك يا ابن أخي، فغير سهمك أردنا». أخرجه أبو داود.
[شرح الغريب]
عقبة: حملت فلانا عقبة: إذا أركبته وقتا، فهو يعقب غيره في الركوب، أي يجيء بعده.
قلائص القلائص: جمع قلوص، وهي الناقة.

6189 - [محمد بن شهاب] الزهري - رحمه الله -: قال: «غزا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غزوة تبوك وهو يريد الرّوم ونصارى العرب بالشّام». أخرجه....


التوقيع :
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الغزوات, كتاب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:40 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir