الباب السادس: في أهل الزكاة
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: من هم أهل الزكاة؟ ودليل ذلك
أهل الزكاة هم المستحقون لها، وهم الأصناف الثمانية الذين حصرهم الله عز وجل في قوله: {إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلّفة قلوبهم وفي الرّقاب والغارمين وفي سبيل اللّه وابن السّبيل فريضةً من اللّه واللّه عليمٌ حكيمٌ} [التوبة: 60].
وإيضاح هذه الأصناف كما يلي:
1 - الفقراء: جمع فقير، وهو من ليس لديه ما يسد حاجته، وحاجة من يعول، من طعام وشراب وملبس ومسكن، بألا يجد شيئاً، أو يجد أقلّ من نصف الكفاية، ويعطى من الزكاة ما يكفيه سنة كاملة.
2 - المساكين: جمع مسكين، وهو من يجد نصف كفايته أو أكثر من النصف، كمن معه مائة ويحتاج إلى مائتين، ويعطى من الزكاة ما يكفيه لمدة عام.
3 - العاملون عليها: جمع عامل، وهو من يبعثه الإمام لجباية الصدقات، فيعطيه الإمام ما يكفيه مدة ذهابه وإيابه ولو كان غنياً؛ لأن العامل قد فرّغ نفسه لهذا العمل، والعاملون هم كل من يعمل في جبايتها، وكتابتها، وحراستها، وتفريقها على مستحقيها.
4 - المؤلفة قلوبهم: وهم قوم يعطون الزكاة؛ تأليفاً لقلوبهم على الإسلام إن كانوا كفاراً، وتثبيتاً لإيمانهم، إن كانوا من ضعاف الإيمان المتهاونين في عباداتهم، أو لترغيب ذويهم في الإسلام، أو طلباً لمعونتهم أو كف أذاهم.
5 - في الرقاب: جمع رقبة، والمراد بها العبد المسلم أو الأمة يشترى من مال الزكاة ويعتق، أو يكون مكاتباً فيعطى من الزكاة ما يسدد به نجوم كتابته؛ ليصبح حراً نافذ التصرف، وعضواً نافعاً في المجتمع، ويتمكن من عبادة الله تعالى على الوجه الأكمل، وكذا الأسير المسلم يفك من الأعداء من مال الزكاة.
6 - الغارمون: جمع غارم، وهو المدين الذي تحمل ديناً في غير معصية الله، سواء لنفسه في أمر مباح، أو لغيره كإصلاح ذات البين، فهذا يعطى من الزكاة ما يسدد به دينه، والغارم للإصلاح بين الناس يعطى من الزكاة، وإن كان غنياً.
7 - في سبيل الله: المراد به الغزاة في سبيل الله المتطوعون الذين ليس لهم راتب في بيت المال، فيعطون من الزكاة، سواء أكانوا أغنياء أم فقراء.
8 - ابن السبيل: وهو المسافر المنقطع عن بلده الذي يحتاج إلى مال؛ ليواصل السفر إلى بلده، إذا لم يجد من يقرضه.
المسألة الثانية: في حد الذين لا تدفع لهم الزكاة
الأصناف الذين لا يجوز صرف الزكاة لهم هم:
1 - الأغنياء، والأقوياء المكتسبون، لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم : (لا حظ فيها لغني، ولا لقويٍ مكتسب) ، لكن يعطى العامل عليها والغارم وإن كانوا أغنياء، كما تقدم. والقادر على الكسب إذا كان متفرغاً لطلب العلم الشرعي، وليس له مال، فإنه يعطى من الزكاة؛ لأن طلب العلم جهاد في سبيل الله، وأما إن كان القادر على الكسب عابداً ترك العمل للتفرغ لنوافل العبادات فلا يعطى؛ لأن العبادة نفعها قاصر على العابد بخلاف العلم.
2 - الأصول والفروع والزوجة الذين تجب نفقتهم عليه، فلا يجوز دفع الزكاة إلى من تجب على المسلم نفقتهم كالآباء والأمهات، والأجداد والجدات، والأولاد، وأولاد الأولاد؛ لأن دفع الزكاة إلى هؤلاء يغنيهم عن النفقة الواجبة عليه، ويسقطها عنه، ومن ثم يعود نفع الزكاة إليه، فكأنه دفعها إلى نفسه.
3 - الكفار غير المؤلّفين، فلا يجوز دفع الزكاة إلى الكفار؛ لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم : (تؤخذ من أغنيائهم، وترد على فقرائهم) أي أغنياء المسلمين وفقرائهم دون غيرهم، ولأن من مقاصد الزكاة إغناء فقراء المسلمين، وتوطيد دعائم المحبة والإخاء بين أفراد المجتمع المسلم، وذلك لا يجوز مع الكفار.
4 - آل النبي صلّى اللّه عليه وسلّم : لا تحل الزكاة لآل النبي صلّى اللّه عليه وسلّم إكراماً لهم لشرفهم؛ لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم: (إنها لا تحل لآل محمد إنما هي أوساخ الناس). وآل النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قيل: هم بنو هاشم، وبنو المطلب؛ وقيل: هم بنو هاشم فقط، وهو الصحيح. وعليه يصح دفع الزكاة إلى بني المطلب؛ لأنهم ليسوا من آل محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، ولعموم الآية: {إنّما الصّدقات للفقراء} [التوبة: 60]، فيدخل فيهم بنو المطلب.
5 - وكذلك لا يجوز دفع الزكاة لموالى آل النبي؛ لحديث: (إن الصدقة لا تحل لنا، وإن موالي القوم من أنفسهم). وموالي القوم: عتقاؤهم. ومعنى (من أنفسهم): أي: فحكمهم كحكمهم، فتحرم الزكاة على موالي آل بني هاشم.
6 - العبد: لا تدفع الزكاة إلى العبد؛ لأن مال العبد ملك لسيده، فإذا أعطي الزكاة انتقلت إلى ملك سيده، ولأن نفقته تلزم سيده. ويستثنى من ذلك: المكاتب فإنه يعطى من الزكاة ما يقضي به دين كتابته، والعامل على الزكاة، فإذا كان العبد عاملاً على الزكاة أعطي منها لأنه كالأجير، والعبد يجوز أن يستأجر بإذن سيده.
فمن دفعها لهذه الأصناف مع علمه بأنه لا يجوز دفعها لهم، فهو آثم.
المسألة الثالثة: هل يشترط استيعاب الأصناف الثمانية المذكورة عند تفريق الزكاة؟
لا يشترط استيعاب الأصناف الثمانية المذكورة عند تفريق الزكاة على القول الصحيح، بل يجزئ دفعها لأي صنف من الأصناف الثمانية، لقوله تعالى: {إن تبدوا الصّدقات فنعمّا هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خيرٌ لكم} [البقرة: 271].
وقوله صلّى اللّه عليه وسلّم : (تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم) متفق عليه، ولقوله صلّى اللّه عليه وسلّم لقبيصة: (أقم عندنا حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها).
فهذه الأدلة تدل على أن المراد بقوله تعالى: {إنّما الصّدقات للفقراء} الآية [التوبة: 60]، بيان المستحقين للزكاة لا تعميم المستحقين عند تفريقها.
المسألة الرابعة: في نقل الزكاة من بلدها إلى بلد آخر
يجوز نقل الزكاة من بلدها إلى بلد آخر قريب أو بعيد للحاجة، مثل أن يكون البلد البعيد أشد فقراً، أو يكون لصاحب الزكاة أقارب فقراء في بلد بعيد مثل فقراء بلده، فإن في دفعها إلى أقاربه تحصيل المصلحة، وهي الصدقة والصلة.
وهذا القول بجواز نقل الزكاة هو الصحيح؛ لعموم قوله تعالى: {إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين} [التوبة: 60] أي: الفقراء والمساكين في كل مكان). [الفقه الميسر: 144-147]