دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > ثلاثة الأصول وأدلتها

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28 شوال 1429هـ/28-10-2008م, 07:28 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي الخوف والرجاء والتوكل

وَدَلِيلُ الخَوْفِ قَوْلُهُ تَعَالى: {إنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيطَانُ يُخَوِّفُ أوْلِيَآءَهُ فَلاَ تَخَافُـوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}
وَدَلِيلُ الرَّجَاءِ قَوْلُهُ تَعَالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} .
وَدَلِيلُ التَّوَكُّلِ قَوْلُهُ تَعَالى: {وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ، وَقَوْلُهُ تَعَالى: {ومَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} .


  #2  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 01:01 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح ثلاثة الأصول لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز

(5) ومنْ ذلكَ الخوفُ وهوَ أقسامٌ ثلاثةٌ:
الأولُ: خوفُ السرِّ وهذا خاصٌّ باللَّهِ؛ لأَِنَّهُ القادرُ على كلِّ شيءٍ، وهوَ الذي يُخافُ ويُخْشَى:
- كما قالَ تعالى: {فَلاَتَخَافُوهُمْ وَخافُونِ إن كُنتُم مُّؤْمِنينَ} .
- وقالَ تعالى: {وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ} .
- وقالَ تعالى: {فَلاَ تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ}.
فالواجبُ خشيةُ اللَّهِ وخوفُهُ؛ لأَِنَّهُ مُصَرِّفُ القلوبِ ومُقَلِّبُها والقادرُ على كلِّ شيءٍ، وهوَ الذي يَنْفَعُ ويَضُرُّ، ويُعْطِي ويَمْنَعُ، فالواجِبُ تَخْصِيصُهُ بالخوفِ، وألا يُخافَ هذا الخوفَ إلاَّ اللَّهُ في كلِّ الأمورِ، ولكنَّ خوفَ السرِّ يختصُّ بِهِ سبحانَهُ وهوَ كونُ الإنسانِ يخافُ منْ أجلِ قُدْرَةٍ خَاصَّةٍ سرِّيةٍ ليستْ حسَبَ الحسِّ.
ولذلكَ يَعْتَقِدُ عُبَّادُ القبورِ أنَّ بعضَ النَّاسِ لَهُ القدرةُ على التصرفِ في الكونِ معَ اللَّهِ جلَّ وعلا، ويَعْتَقِدُونَ ذلكَ أيضًا في الأَصْنامِ والجنِّ وغيرِها، وهذا هوَ الشِّرْكُ الأَكْبَرُ، ويَعْتَقِدُ فيهِم أيضًا أنَّ لهُمُ القدرةَ على العطاءِ والمنعِ، وزيغِ القلوبِ، وموتِ النفوسِ دونَ أسبابٍ حسيةٍ.
الثاني: خوفُ الأسبابِ الحسيةِ، كما قالَ تعالى في قصةِ أُحُدٍ لمَّا قيلَ للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم: إنَّ المشركينَ قدْ جَمَعُوا لكُم وسَيَرْجِعُونَ إليكُم، فأَنْزَلَ اللَّهُ في ذلكَ: {إِنَّما ذلِكُم الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}.
فالشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ النَّاسَ منْ أوليائِهِ، ويُعَظِّمُهُم في صدورِ النَّاسِ حتَّى يخافوهُم، واللَّهُ يَقولُ: {فَلاَ تَخَافُوهُمْ}، بل اعْتَمِدُوا عَلَيَّ، وأَعِدُّوا العُدَّةَ ولاَ تُبَالُوا بِهِم، كما قالَ تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ}.
وهذا الخوفُ الحِسِّيُّ لاَ بأسَ بِهِ لكنَّ الخوفَ القلبيَّ خوفَ السرِّ هذا هوَ المنهيُّ عنهُ.
أمَّا الخوفُ الحسيُّ، مثلُ أنْ يخافَ اللصَّ أو السارقَ أو العدوَّ، فيُعِدَّ العُدَّةَ منَ السلاحِ اللازمِ، كلُّ هذا لا بدَّ منهُ، ولهذا قالَ تعالى: {يَأَيُّها الّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} .
وقالَ سبحانَهُ في قصةِ موسى لـمَّا خرجَ منْ مصرَ خائفًا منْ فرعونَ وقومِهِ: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ}، فإنَّ هذا الخَوْفَ خَوْفٌ حسيٌّ لا بأسَ بِهِ، لكِنْ لا يجوزُ خوفُ العدوِّ خوفًا يمنعُ منْ جهادِهِ، ونصرِ الحقِّ، وإنَّما يَحْمِلُه هذا الخوفُ على الإعدادِ للعدوِّ وأَخْذِ الحذَرِ.
الثالثُ: الخوفُ الطبيعيُّ الذي جُبِلَ عليهِ الإنسانُ، وهذا لا حرجَ فيهِ، مثلَ خوفِ الإنسانِ الحيةَ والعقربَ والسَّبُعَ، فيتباعدُ عنها ويَقْتُلُها، ويَتَباعَدُ عنْ مَظِنَّةِ السِّباعِ حتىَّ لا يَتَأَذَّى بِها، هذا أمرٌ لا بدَّ منهُ، واللَّهُ جَبلَ النَّاسَ على الخوفِ مِمَّا يُؤْذِي حتَّى يَتَحَرَّزَ منهُ، يَخَافُ البَرْدَ فيَلْبَسُ الثِّيابَ الغَلِيظَةَ، ويَخَافُ الجُوعَ فيأكلُ، ويخافُ العطشَ فيشربُ، هذهِ أمورٌ طبيعيةٌ لا بأسَ بها.

(6) وهكذا الرجاءُ عبادةٌ للَّهِ فيرجو اللَّهَ ويحسنُ بِهِ الظنَّ كما قالَ تعالى: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا ولاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}.
فالرَّغْبَةُ إليهِ، ورجاءُ ما عندَهُ، عبادةٌ لَهُ سبحانَهُ وتعالى، قالَ تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}.
فالرَّغَبُ: الرجاءُ.
والرَّهَبُ: الخوفُ.
وكلاهُما عبادةٌ.
وعلى العبدِ أن يحسنَ ظنَّه بربِّه، ويعملَ بالأسبابِ الشرعيةِ.
وإنَّ الظنَّ الحسنَ معَ الأخذِ بالأسبابِ يعودُ على العبدِ بالخيرِ، وبالرَّحْمَةِ، وبدُخُولِ الجَنَّةِ، وبِمَغْفِرَةِ الذنوبِ.

(7) وهكذا التوكلُ عبادةٌ، وهوَ التفويضُ إلى اللَّهِ، والاعتمادُ عليهِ في كلِّ الأمورِ معَ الأخذِ بالأسبابِ، فتَعْتَمِدُ عَلَى اللَّهِ في السلامةِ منَ الشرِّ، والعافيةِ منَ الفتنِ، وحصولِ الرزقِ، وفي دخولِ الجنةِ، والنجاةِ منَ النارِ، مع الأخذِ بالأسبابِ المشروعةِ قالَ تعالى: {وَعلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}.
وقالَ تعالى: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} يعني: كافيهِ.


  #3  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 01:03 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح ثلاثة الأصول للشيخ: محمد بن صالح العثيمين

(5) الخوفُ: هوَ الذُّعْرُ، وهُوَ انْفِعَالٌ يَحْصُلُ بِتَوَقُّعِ ما فيهِ هلاكٌ أوْ ضَرَرٌ أوْ أَذًى، وقدْ نَهَى اللَّهُ سبحانَهُ وتَعَالَى عنْ خوفِ أولياءِ الشيطانِ، وَأَمَرَ بِخَوْفِهِ وَحْدَهُ.
والخوفُ ثلاثةُ أنواعٍ:
النوعُ الأَوَّلُ: خَوْفٌ طبيعيٌّ، كخوفِ الإنسانِ من السَّبُعِ والنارِ والغَرَقِ، وهذا لا يُلاَمُ عليهِ العبدُ؛ قالَ اللَّهُ تَعَالَى عنْ موسَى عليهِ الصلاةُ والسلامُ: {فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ} .
لكنْ إذا كانَ هذا الخوفُ - كما ذَكَرَ الشيخُ رَحِمَهُ اللَّهُ - سببًا لِتَرْكِ واجبٍ أوْ فِعْلِ مُحَرَّمٍ، كانَ حَرَامًا؛ لأنَّ ما كانَ سببًا لتركِ واجبٍ، أوْ فِعْلِ مُحَرَّمٍ فهوَ حرامٌ. وَدَلِيلُهُ قولُهُ تَعَالَى: {فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}.والخوفُ من اللَّهِ تَعَالَى يَكُونُ مَحْمُودًا، ويكونُ غيرَ محمودٍ.
فالمحمودُ ما كانتْ غايَتُهُ أنْ يَحُولَ بَيْنَكَ وبينَ معصيَةِ اللَّهِ، بِحَيْثُ يَحْمِلُكَ على فِعْلِ الواجباتِ وَتَرْكِ المُحَرَّمَاتِ، فإذا حَصَلَتْ هذهِ الغايَةُ سَكَنَ القلبُ وَاطْمَأَنَّ، وَغَلَبَ عليهِ الفرحُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ، والرجاءُ لثوابِهِ.
وغيرُ المحمودِ ما يَحْمِلُ العبدَ على اليَأْسِ منْ رَوْحِ اللَّهِ والقُنُوطِ، وحينئذٍ يَتَحَسَّرُ العبدُ وَيَنْكَمِشُ، ورُبَّما يَتَمَادَى في المعصيَةِ لقوَّةِ يَأْسِهِ.
النوعُ الثاني: خوفُ العبادةِ، أنْ يَخَافَ أحدًا يَتَعَبَّدُ بالخوفِ لهُ؛ فهذا لا يكونُ إلاَّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَصَرْفُهُ لغيرِ اللَّهِ تَعَالَى شِرْكٌ أَكْبَرُ.
النوعُ الثالثُ: خوفُ السرِّ، كَأَنْ يَخَافَ صاحبَ القبرِ، أوْ وَلِيًّا بعيدًا عنهُ لا يُؤَثِّرُ فيهِ، لكنَّهُ يَخَافُهُ مَخَافَةَ سِرٍّ، فهذا أَيْضًا ذَكَرَهُ العلماءُ من الشركِ.

(6) الرجاءُ: طَمَعُ الإنسانِ في أمْرٍ قريبِ المَنالِ، وقدْ يكونُ في بعيدِ المنالِ تَنْزِيلاً لهُ مَنْزِلَةَ القريبِ.
والرجاءُ المُتَضَمِّنُ لِلذُّلِّ والخضوعِ لا يكونُ إلاَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَصَرْفُهُ لغيرِ اللَّهِ تَعَالَى شِرْكٌ؛ إمَّا أَصْغَرُ، وإمَّا أَكْبَرُ، بِحَسَبِ ما يقومُ بقَلْبِ الرَّاجِي.
وقد اسْتَدَلَّ المُؤَلِّفُ لهُ بقولِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}.
وَاعْلَمْ أنَّ الرَّجَاءَ المحمودَ لا يكونُ إلاَّ لِمَنْ عَمِلَ بطاعةِ اللَّهِ وَرَجَا ثوابَهَا، أوْ تَابَ مِنْ مَعْصِيَتِهِ وَرَجَا قَبُولَ تَوْبَتِهِ، فَأَمَّا الرجاءُ بلا عَمَلٍ فهوَ غُرُورٌ وَتَمَنٍّ مَذْمُومٌ.

(7) التَّوَكُّلُ على الشيءِ: الاعتمادُ عليهِ.
والتَّوَكُّلُ على اللَّهِ تَعَالَى: الاعتمادُ على اللَّهِ تَعَالَى كِفايَةً وحَسْبًا في جَلْبِ المنافعِ وَدَفْعِ المَضَارِّ، وهُوَ منْ تمامِ الإيمانِ وعلاماتِهِ؛ لقولِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}.
وإذا صَدَقَ العبدُ في اعتمادِهِ على اللَّهِ تَعَالَى كَفَاهُ اللَّهُ تَعَالَى ما أَهَمَّهُ؛ لقولِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}؛ أيْ: كَافِيهِ.
ثُمَّ طَمْأَنَ المُتَوَكِّلَ بقولِهِ: {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} فلا يُعْجِزُهُ شيءٌ أَرَادَهُ.
واعْلَمْ أنَّ التَّوَكُّلَ أنواعٌ:
الأَوَّلُ: التَّوَكُّلُ على اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ منْ تمامِ الإيمانِ وعلاماتِ صِدْقِهِ. وهُوَ واجبٌ لا يَتِمُّ الإيمانُ إلاَّ بهِ، وَسَبَقَ دَلِيلُهُ.
الثَّاني: تَوَكُّلُ السِّرِّ، بأنْ يَعْتَمِدَ على مَيِّتٍ في جَلْبِ منفعةٍ، أوْ دَفْعِ مَضَرَّةٍ. فهذا شِرْكٌ أكبرُ؛ لأنَّهُ لا يَقَعُ إلاَّ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ أنَّ لهذا المَيِّتِ تَصَرُّفًا سِرِّيًّا في الكونِ، ولا فَرْقَ بينَ أنْ يكونَ نَبِيًّا، أوْ وَلِيًّا، أوْ طَاغُوتًا عَدُوًّا لِلَّهِ تَعَالَى.
الثَّالثُ: التَّوَكُّلُ على الغيرِ فيما يَتَصَرَّفُ فيهِ الغيرُ، معَ الشعورِ بِعُلُوِّ مَرْتَبَتِهِ وانْحِطَاطِ مَرْتَبَةِ المُتَوَكِّلِ عنهُ، مثلُ: أنْ يَعْتَمِدَ عليهِ في حصولِ المعاشِ ونحوِهِ، فهذا نوعٌ من الشركِ الأصغرِ؛ لقوَّةِ تَعَلُّقِ القلبِ بهِ والاعتمادِ عليهِ.
أمَّا لو اعْتَمَدَ عليهِ على أنَّهُ سَبَبٌ، وأنَّ اللَّهَ تَعَالَى هوَ الَّذِي قَدَّرَ ذلكَ على يَدِهِ، فإنَّ ذلكَ لا بَأْسَ بهِ، إذا كانَ لِلمُتَوَكَّلِ عليهِ أَثَرٌ صحيحٌ في حصولِهِ.
الرابعُ: التَّوَكُّلُ على الغيرِ فيما يَتَصَرَّفُ فيهِ المُتَوَكِّلُ، بحيثُ يُنِيبُ غيرَهُ في أمْرٍ تَجُوزُ فيهِ النيابةُ، فهذا لا بأسَ بهِ بدلالةِ الكتابِ والسُّنَّةِ والإجماعِ؛ فقدْ قالَ يَعْقُوبُ لِبَنِيهِ: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ} .
وَوَكَّلَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الصَّدَقَةِ عُمَّالاً وَحُفَّاظًا، وَوَكَّلَ في إثباتِ الحدودِ وإقامَتِهَا، وَوَكَّلَ عَلِيَّ بنَ أبي طالبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في هَدْيِهِ في حِجَّةِ الوداعِ أنْ يَتَصَدَّقَ بِجُلُودِهَا وَجِلاَلِهَا، وأنْ يَنْحَرَ ما بَقِيَ من المِائَةِ بعدَ أنْ نَحَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيدِهِ ثَلاَثًا وسِتِّينَ.
وأمَّا الإجماعُ على جوازِ ذلكَ فمعلومٌ منْ حيثُ الجملةُ.


  #4  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 01:05 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي حاشية ثلاثة الأصول للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم

المتن:

وَدَلِيلُ الخَوْفِ(13) قَوْلُهُ تَعَالى: {إنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيطَانُ يُخَوِّفُ أوْلِيَآءَهُ فَلاَ تَخَافُـوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (14)
وَدَلِيلُ الرَّجَاءِ(15) قَوْلُهُ تَعَالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعمَلْ عَمَلاً صَالِحاً(16) وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً(17)} .
وَدَلِيلُ التَّوَكُّلِ(18) قَوْلُهُ تَعَالى: {وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (19) .
وَقَوْلُهُ تَعَالى: {ومَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} (20) .



الحاشية:

(13) وأنَّه عِبَادَةٌ مِن العِبَادَاتِ القَلْبِيَّةِ، بَلْ هو: رُكْنُ العِبَادَةِ الأعْظَمُ، ولاَ يَسْتَقِيمُ إِخْلاَصُ الدِّينِ للَّهِ، الذي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ عِبَادَه إلاَّ به.
والخَوْفُ مَصْدَرُ خَافَ، فَزِعَ ووَجِلَ، لكنَّ الخَوْفَ يَتَعَلَّقُ بالمَكْرُوهِ، والفَزَعَ بِمَا فاجَأَ منه، وهو انْزِعَاجُ القَلْبِ، بِتَوَقُّعِ مَكْرُوهٍ عَاجِلٍ، والوَجَلُ مِن غيرِ مُتَعَدٍّ، والخَوْفُ مِن مُتَعَدٍّ.

(14) أَوَّلُ الآيةِ: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} يُعَظِّمُهم في صُدُورِكُم، ويُوهِمُكم أنَّهم ذوو بَأْسٍ، فَنَهَاكُم أنْ تَخَافُوا أولياءَه، الذِين خوَّفَكُم إيَّاهم {وَخَافُونِ} في مُخَالَفَةِ أَمْرِي، وتَوَكَّلُوا عَلَيَّ، فإنِّي كَافِيكُم {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} جَعَلَه شَرْطًا في صِحَّةِ الإيمانِ.
فَكَمَا أنَّه إذا دَعَا غَيْرَ اللَّهِ أو سَأَلَ غيرَ اللَّهِ، انْتَفَى عنه الإيمانُ، فكذلك إذا خَافَ غيرَ اللَّهِ خَوْفَ السِّرِّ، مثلَ أنْ يَخَافَ أنْ يَفْعَلَ بِهِ شيئًا بِسِرِّه، فإنَّ الخَوْفَ أَنْواعٌ، منها خَوْفُ السِّرِّ، فإذا خَافَ مِن غيرِ اللَّهِ، فيمَا لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلاَّ اللَّهُ، فهو مُشْرِكٌ كَافِرٌ.

(15) وأنَّه عِبَادَةٌ قَلْبِيَّةٌ، مِن أَجَلِّ العِبَادَاتِ، فَصَرْفُه لغَيْرِ اللَّهِ شِرْكٌ أَكْبَرُ، والرَّجَاءُ بِمَعْنَى: التَّوَقُّعِ والأَمَلِ، مَمْدُودٌ.

(16) أيْ: فَمَنْ كَانَ يَرْجُو ثَوابَ اللَّهِ، ويَخَافُ عِقَابَه، ويَرْجُو المَصِيرَ إليه، ويَأْمُلُ لِقَاءَه ورُؤْيَتَهُ، وفُسِّرَ بالمُعَايَنَةِ {فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا} وهو مَا كَانَ مُوافِقًا لِشَرْعِ اللَّهِ، مَقْصُودًا بِهِ وجْهُه.

(17) أيْ: لاَ يَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ شَرِيكًا في عِبَادَتِه، فإنَّ العِبَادَةَ لاَ تَصْلُحُ إلاَّ للَّهِ وحْدَه لاَ شَرِيكَ لَهُ، فـ {أَحَدًا} نَكِرَةٌ فِي سِياقِ النَّهْيِ، تَعُمُّ كُلَّ مَدْعُوٍّ مِن دونِ اللَّهِ، مِن المَلاَئِكَةِ، والأنبياءِ، والأولياءِ، والصَّالِحِينَ وغَيْرِهم، فإنَّه إِذَا رَجَا غيرَ اللَّهِ، فِيمَا لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلاَّ اللَّهُ، فهو مُشْرِكٌ الشِّرْكَ الأَكْبرَ.
ورُكْنَا العَمَلِ المُتَقَبَّلِ:
- أنْ يكونَ خَالِصًا للَّهِ.
- وأنْ يكونَ صَوابًا عَلَى شَرِيعَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(18) وهو صِدْقُ التَّفْوِيضِ والاعْتِمَادِ عَلَى اللَّهِ في جَمِيعِ الأمورِ، وإِظْهارُ العَجْزِ والاسْتِسْلاَمِ له، وتَوَكَّلَ عَلَيْهِ واتَّكَلَ: اسْتَسْلَمَ إليه، واعْتَمَدَ عَلَيْهِ، ووَكَّلَ إليه أَمْرَه وسَلَّمَه إليه.
وهو عِبَادَةٌ مِن أَجَلِّ العِبَادَاتِ، بل هو أَجَلُّ أَنْواعِ العِبَادَةِ، وأَعْلَى مَقَامَاتِ التَّوْحيدِ، فَلاَ يُفَوِّضُ عبدٌ أمورَه، ولاَ يَعْتَمِدُ إلاَّ عَلَى اللَّهِ عزَّ وجلَّ، فهو القَادِرُ عَلَى كلِّ شيءٍ، بيدِه المُلْكُ وهو عَلَى كلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
وإِذَا كَانَ ذلك كذلك فالمَخْلُوقُ وإِنْ كَانَ له نَوْعُ قُدْرَةٍ فَلاَ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، ولو فِيمَا أَقْدَرَه اللَّهُ عَلَيْهِ، بل يَعْتَمِدُ العَبْدُ عَلَى اللَّهِ عزَّ وجلَّ وحدَه، فالتَّوَكُّلُ عِبَادَةٌ قَلْبِيَّةٌ، فإِنِ اعْتَمَدَ عَلَى غيرِ اللَّهِ فيما لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلاَّ اللَّهُ فذلك هو الشِّرْكُ الأَكْبَرُ.
وإِنِ اعْتَمَدَ عَلَى الأَحْياءِ الحَاضِرِينَ والسَّلاَطِينِ ونَحْوِهم فيما أَقْدَرَهُم اللَّهُ عَلَيْهِ، مِن رِزْقٍ، أو دَفْعِ أَذًى، ونَحْوِه، فهو نَوْعُ شِرْكٍ أَصْغَرَ؛ والمُبَاحُ: أنْ يُوَكِّلَ شَخْصًا بالنِّيابَةِ في التَّصَرُّفِ في أُمُورِ دُنْياهُ، لكن لاَ يَقُولُ: تَوَكَّلْتُ عَلَيْهِ، بل وكَّلْتُه، فإنَّه ولو وكَّلَهُ، فَلاَ بُدَّ أنْ يَتَوَكَّلَ في ذلك عَلَى اللَّهِ عزَّ وجلَّ وحْدَه.

(19) فإِخْلاَصُ التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ، شَرْطٌ في صِحَّةِ الإيمانِ، يَنْتَفِي عندَ انْتِفَائِه، فإنَّ تَقْدِيمَ المَعْمُولِ وهو قولُه: {وَعَلَى اللَّهِ} عَلَى العَامِلِ، وهو كَلِمَةُ {تَوَكَّلُوا} يُفِيدُ الحَصْرَ، أيْ: عَلَيْهِ وحْدَه {فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} لاَ عَلَى غيرِه، وهذه قَاعِدَةُ العَرَبِيَّةِ.

(20) الحَسْبُ مَعْناه: الكَافِي، وهذه الآيةُ دَلِيلٌ ثَانٍ، ذَكَرَه المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ، عَلَى أنَّ التَّوَكُّلَ عِبَادَةٌ، مِن أَجَلِّ أَنْواعِ العِبَادَةِ، فمعنى الآيةِ: ومَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ، أيْ: يَعْتَمِدْ عَلَيْهِ في أُمُورِه، فهو كَافِيهِ، ومَن كانَ اللَّهُ كَافِيَه، فَلاَ مَطْمَعَ لأَِحَدٍ فيه.
ولَمْ يَذْكُرْ تَعَالَى للتَّوَكُّلِ جَزاءً، غيرَ تَوَلِّي كِفَايَتِهِ العَبْدَ، فَقَالَ: {فَهُوَ حَسْبُهُ} ولَمْ يَأْتِ في غَيْرِه مِن العِبَادَاتِ، فَدَلَّ عَلَى عِظَمِ شَأْنِ التَّوَكُّلِ، وفَضِيلَتِه، وأَنَّه أَجَلُّ أَنْواعِ العِبَادَةِ، فَصَرْفُه لِغَيْرِ اللَّهِ شِرْكٌ أَكْبَرُ.


  #5  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 01:07 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي حصول المأمول لفضيلة الشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان

(9) قولُهُ: (ودليلُ الخوفِ قولُهُ تعالَى: {فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}) الخوفُ: هوَ انْفِعالٌ يَحْصُلُ بتَوَقُّعِ ما فيهِ ضَرَرٌ أوْ هَلاكٌ.
والخوفُ أنواعٌ:
الأوَّلُ: الخوفُ الطبيعيُّ، كالخوْفِ مِنْ عَدُوٍّ، أوْ سَبُعٍ، أوْ حَيَّةٍ، فهذا ليسَ بعِبادةٍ، ولا يُنافِي الإيمانَ؛ لأنَّهُ قدْ يُوجَدُ في المؤمِنِ كما قالَ تعالَى عنْ موسَى عليهِ السلامُ: {فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ} وهذا الخوفُ لا يُلامُ عليهِ الإنسانُ إذا انْعَقَدَتْ أسبابُهُ.
أمَّا إذا كانَ وَهْمِيًّا أَوْ لَهُ سببٌ ضعيفٌ فهوَ مَذمومٌ؛ لأنَّ صاحبَهُ جَبَانٌ.
النوعُ الثاني: خوفُ (السِّرِّ) وهوَ أن يَخافَ مِنْ غيرِ اللهِ مِنْ وَثَنٍ أوْ وَلِيٍّ مِن الأولياءِ بعيدًا عنه أن يُصيبَهُ بمَكروهٍ وهذا الخوفُ هوَ الواقِعُ بينَ عُبَّادِ القبورِ والمتعلِّقينَ بالأولياءِ، قالَ تعالَى عنْ قومِ هُودٍ: {إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} فهم يَتَصَوَّرُونَ أنَّ الآلِهَةَ يُخافُ مِنها؛ لأنَّها قدْ تَعْتَرِي الإنسانَ بسُوءٍ، ومعنَى هذا في نظَرِهم أنَّها إذا كانتْ تَنْفَعُ فإنَّهُ يُتَصَوَّرُ أنَّها تَضُرُّ فهذا يُطْلَقُ عليهِ خَوْفُ السِّرِّ.
النوعُ الثالثُ: أن يَتْرُكَ الإنسانُ ما يَجِبُ خَوْفًا مِن الناسِ، كأن يَتْرُكَ الأمْرَ بالمعروفِ والنهيَ عن الْمُنْكَرِ خَوْفًا مِن الناسِ، فهذا خَوفٌ مُحَرَّمٌ مذمومٌ.
النوعُ الرابعُ: خوفُ تَعَبُّدٍ وتَعَلُّقٍ، وهوَ أن يَخافَ أحدًا يَتَعَبَّدُ بالخوفِ لهُ فيَدعوهُ الخوفُ لطاعتِهِ، وهذا النوعُ هوَ خوفُ التَّعَبُّدِ والتأَلُّهِ الذي يَحْمِلُ علَى الطاعةِ والبُعْدِ عن الْمَعْصِيَةِ، وهذا خاصٌّ باللهِ تعالَى، وتَعَلُّقُه بهِ مِنْ أعْظَمِ واجباتِ الدِّينِ ومُقتضياتِ الإيمانِ، وتَعَلُّقُه بغيرِ اللهِ تعالَى مِن الشرْكِ الأكبَرِ؛ لأنَّ الخوفَ مِنْ أعظَمِ واجباتِ القلبِ.
يقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميَّةَ رَحِمَهُ اللهُ: (الإنسانُ إذا لم يَخَفْ مِن اللهِ اتَّبَعَ هَواهُ ولا سِيَّما إذا كانَ طالِبًا ما لم يَحْصُلْ لهُ، فإنَّ نفسَهُ تَبْقَى طالِبةً لِمَا تَستريحُ بهِ، وتَدْفَعُ بهِ الْغَمَّ والحُزْنَ عنها، وليسَ عندَها مِنْ ذِكْرِ اللهِ وعِبادتِهِ ما تَستريحُ إليهِ وبهِ، فيَستريحُ إلَى الْمُحَرَّمَاتِ مِنْ فِعلِ الفَواحِشِ، وشُرْبِ الْمُحَرَّمَاتِ، وقولِ الزُّورِ...).
والآيَةُ التي ساقَها المؤلِّفُ دليلٌ علَى أنَّ الخوفَ عِبادةٌ للهِ تعالَى بدليلِ أنَّ اللهَ تعالَى جَعَلَ الخوفَ شَرْطًا لصِحَّةِ الإيمانِ فقالَ تعالَى: {فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}، وهذه الآيَةُ أوَّلُها قولُهُ تعالَى: {إنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ}.
ومعنَى {يُخَوِّفُ أولياءَهُ} أيْ: يُخَوِّفُكم أولياءَهُ ويُعَظِّمُهم في صدورِكم؛ لأجْلِ أن تموتَ مَعنوِيَّاتُكم فتَخافوهم فتَحْصُلَ الهزيمةُ.
قالَ ابنُ الأَنْباريِّ: (والذي نَختارُهُ في الآيَةِ: يُخَوِّفُكم أولياءَهُ، تقولُ العربُ: أَعْطَيْتُ الأموالَ؛ أيْ: أَعطيتُ القومَ الأموالَ، فيَحذفونَ المفعولَ الأَوَّلَ).
وقولُهُ تعالَى: {فَلاَ تَخَافُوهُمْ} فيهِ بيانُ أنَّهُ لا يَجوزُ للمؤمِنِ أن يَخافَ أولياءَ الشيطانِ، ولا يخافَ الناسَ، كما قالَ تعالَى: {فَلاَ تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ}، فخَوْفُ اللهِ أَمَرَ بهِ، وخوْفُ أولياءِ الشيطانِ نَهَى عنه.
والشاهِدُ في الآيَةِ: أنَّ الإنسانَ إذا خافَ غيرَ اللهِ سُبحانَهُ خَوْفَ تَعَبُّدٍ وتَأَلُّهٍ مُسْتَقِرٍّ بالقلبِ يَحملُ علَى الطاعةِ والبُعْدِ عن المعصيَةِ، فإنَّ هذا الخوفَ مِنْ أنواعِ الشرْكِ؛ لأنَّ اللهَ جَلَّ وعلا جَعَلَهُ مِنْ مُقتضياتِ الإيمانِ، فمَنْ صَرَفَ هذا لغيرِ اللهِ تعالَى فليسَ بمؤمِنٍ.
وقدْ ذَكَرَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميَّةَ رَحِمَهُ اللهُ معنًى بَديعًا مِنْ معاني الخوفِ، كما نَقَلَهُ عنه ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ في (مَدارجِ السالكينَ)، يقولُ شيخُ الإسلامِ: (الخوفُ المحمودُ ما حَجَزَكَ عنْ مَحارِمِ اللهِ).
وقالَ بعضُ السَّلَفِ: (لا يُعَدُّ خائفًا مَنْ لم يكنْ للذنوبِ تَارِكًا).
والخشيَةُ بمعنَى الخوفِ، لكنَّ الخشيَةَ أَخَصُّ مِن الخوفِ؛ لأنَّ الخشيَةَ مَقرونةٌ بمَعْرِفَةِ اللهِ تعالَى، قالَ تعالَى: {إنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} فالخشيَةُ خوفٌ مَقرونٌ بمَعْرِفَةِ اللهِ، ولهذا قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: ((أَمَا وَاللهِ، إِنِّي لأََخْشَاكُمْ للهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ)).

(10)قولُهُ: (ودليلُ الرجاءِ قولُهُ تعالَى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا})
أَصْلُ الرجاءِ هوَ الطمَعُ، أو انتظارُ الشيءِ المحبوبِ، والرجاءُ يَتضمَّنُ التذلُّلَ والخضوعَ، فلا يكونُ إلاَّ للهِ سُبحانَهُ وتعالَى، وتَعليقُ الرجاءِ بغيرِ اللهِ شرْكٌ، وإنْ كانَ اللهُ تعالَى قدْ جَعَلَ لها أسبابًا، فالسببُ لا يَسْتَقِلُّ بنفسِهِ، بلْ لا بُدَّ لهُ مِنْ مُعاوِنٍ، ولا بُدَّ مِن انتفاءِ الموانِعِ، وهوَ لا يَحْصُلُ ولا يَبْقَى إلاَّ بمشيئةِ اللهِ تعالَى.
والرجاءُ نوعانِ:
1 - رجاءٌ مَحمودٌ: وهوَ رَجاءُ رَجُلٍ عَمِلَ بطاعةِ اللهِ علَى نورٍ مِن اللهِ فهوَ راجٍ لثوابِهِ، ورَجُلٍ أَذْنَبَ ذُنوبًا ثمَّ تابَ مِنها، فهوَ راجٍ لِمَغفِرَةِ اللهِ تعالَى وعَفوِهِ وإحسانِهِ وجُودِهِ وحِلْمِهِ وكَرَمِهِ.
2 - رجاءٌ مذمومٌ: وهوَ رجاءُ رجُلٍ مُتَمَادٍ في التفريطِ والخطايا يَرْجُو رحمةَ اللهِ بلا عمَلٍ ، فهذا هوَ الغرورُ والتمَنِّي والرجاءُ الكاذبُ.
والفرْقُ بينَ الرجاءِ والتمَنِّي: أنَّ الرجاءَ يكونُ معَ بَذْلِ الْجُهْدِ وحُسْنِ التوَكُّلِ، والتمَنِّيَ يكونُ معَ الكَسَلِ، قالَ تعالَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} وابتغاءُ الوسيلةِ إليهِ: طَلَبُ القُرْبِ مِنه بالْمَحَبَّةِ والعُبودِيَّةِ بالطاعةِ وأنواعِ القُرُباتِ.
ومعنَى قولِهِ تعالَى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو} أيْ: يَعملُ ويَطلُبُ ويَنتظِرُ.
وقولُهُ: {لِقَاءَ رَبِّهِ} الْمُرَادُ باللقاءِ أو اللُّقَى هنا الْمُعاينةُ، والْمُرَادُ بها الْمُلاقاةُ الْخَاصَّةُ؛ لأنَّ اللقاءَ يومَ القِيامةِ نَوعانِ:
نوعٌ خاصٌّ: وهذا للمؤمِنينَ، وهوَ لِقاءُ الرِّضَا والنعيمِ مِن اللهِ سُبحانَهُ وتعالَى.
لقاءٌ عامٌّ: لجميعِ الناسِ، وقدْ دَلَّ علَى اللقاءِ العامِّ قولُهُ تعالَى في سورةِ الانشقاقِ: {يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاَقِيهِ (6) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا..} الآيَةَ، فدَلَّ قولُهُ: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ....}، {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ...} علَى أنَّ اللِّقاءَ في قولِهِ: {فَمُلاَقِيهِ} لقاءٌ عامٌّ.
أمَّا في هذه الآيَةِ التي معَنا فمعناها: فمَنْ كانَ يَنتَظِرُ ويَطْلُبُ ويَتَرَقَّبُ لقاءَ اللهِ سُبحانَهُ وتعالَى الذي هوَ لقاءُ رِضًا ونعيمٍ، فلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالحًا ولا يُشْرِكْ بعِبادَةِ ربِّهِ أحدًا؛ لأنَّ الذي يَرْجو ثوابَ اللهِ ويَخافُ مِنْ عِقابِهِ يَعْمَلُ عملاً صالِحًا، ولا يُشْرِكُ بعِبادةِ رَبِّهِ أَحَدًا.
والعمَلُ الصالحُ - كما فَسَّرَهُ أهلُ الْعِلْمِ - هوَ الخالِصُ مِن الرياءِ، الموافِقُ لشَرْعِ اللهِ مِنْ واجِبٍ أوْ مُسْتَحَبٍّ.
وقولُهُ: {وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}، يعني: لا يُشْرِكْ في العِبادةِ معَ اللهِ غيرَهُ كائنًا مَنْ كانَ، لا مَلَكًا مُقَرَّبًا، ولا نَبِيًّا، ولا وَلِيًّا، ولا أحدًا مِن الصالحينَ.
وفي قولِهِ سُبحانَهُ: {بِعِبَادَةِ رَبِّهِ} إشارةٌ إلَى عِلَّةِ النهيِ عن الشرْكِ؛ أيْ: فكما أنَّهُ ربُّكَ الذي خَلَقَكَ ورَبَّاكَ ولم يُشارِكْهُ أحدٌ في خَلْقِكَ فيَجِبُ أنْ تكونَ العِبادةُ لهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لهُ.
فالواجِبُ علَى العَبْدِ أن يُحَقِّقَ رَجاءَهُ فلا يُعَلِّقَهُ إلاَّ باللهِ تعالَى، لا يُعَلِّقُهُ بقُوَّتِهِ ولا بعَمَلِهِ ولا يُعَلِّقُهُ بمخلوقٍ.
ومِن المأثورِ عنْ عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنهُ أنَّهُ قالَ: (لا يَرْجُو عبدٌ إلاَّ ربَّهُ، ولا يَخافُ إلاَّ ذَنْبَهُ).
وعنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ دَخَلَ علَى شابٍّ وهوَ في الموتِ فقالَ: ((كيفَ تَجِدُكَ؟)) قالَ: أَرْجُو اللهَ يا رسولَ اللهِ، وأخافُ ذُنوبِي، فقالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: ((لاَ يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ إِلاَّ أَعْطَاهُ اللهُ مَا يَرْجُو وأمَّنَهُ مِمَّا يَخَافُ)).
وعلَى الإنسانِ أن يَعْلَمَ أنَّهُ كُلَّمَا قَوِيَ رَجاؤُهُ وطَمَعُهُ في فَضْلِ اللهِ تعالَى ورَحْمَتِهِ وتَيسيرِ أُمورِهِ، ودَفْعِ ضَرورتِهِ؛ قَوِيَتْ عُبوديَّتُهُ لرَبِّهِ، وحُرِّيَّتُهُ ممَّا سِواهُ، وإنْ رَجَا مَخلوقًا، أوْ تَعَلَّقَ بهِ؛ انْصَرَفَ قَلْبُهُ عن العُبُودِيَّةِ للهِ تعالَى، وصارَ عَبْدًا لغيرِهِ بقَدْرِ ما قامَ في قَلْبِهِ مِن التَّعَلُّقِ والرجاءِ؛ فَذَلَّ لغيرِ اللهِ وخَضَعَ.
ولشيخِ الإسلامِ ابنِ تَيميَّةَ رَحِمَهُ اللهُ كلامٌ نَفيسٌ في هذا الْمَوضِعِ أَنْقُلُهُ ليَستفيدَ مِنه القارئُ، يقولُ رَحِمَهُ اللهُ:
(اعْلَمْ أنَّ مُحَرِّكَاتِ القلوبِ إلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ثلاثةٌ:
الْمَحَبَّةُ، والخوفُ، والرجاءُ.
وأقواها الْمَحَبَّةُ، وهيَ مَقصودةٌ تُرادُ لذاتِها؛ لأنَّها تُرادُ في الدنيا والآخِرَةِ، بخِلافِ الخوفِ فإنَّهُ يَزولُ في الآخِرَةِ، قالَ اللهُ تعالَى: {أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} .
والخوفُ المقصودُ مِنه: الزجْرُ والْمَنْعُ مِن الخروجِ عن الطريقِ. فالمحَبَّةُ تُلْقِي العبدَ في السيرِ إلَى مَحبوبِهِ، وعلَى قَدْرِ ضَعْفِها وقُوَّتِها يكونُ سَيرُهُ إليهِ، والخوفُ يَمنَعُهُ أن يَخْرُجَ عنْ طريقِ المحبوبِ، والرجاءُ يَقودُهُ، فهذا أصلٌ عظيمٌ، يَجِبُ علَى كلِّ عَبْدٍ أن يَتَنَبَّهَ لهُ، فإنَّهُ لا تَحْصُلُ لهُ العُبوديَّةُ بدونِهِ، وكلُّ أَحَدٍ يَجِبُ أنْ يكونَ عبدًا للهِ لا لغيرِهِ.
فإن قيلَ: فالعبدُ في بعضِ الأحيانِ قدْ لا يكونُ عندَهُ مَحَبَّةٌ تَبْعَثُهُ علَى طَلَبِ مَحْبُوبِهِ، فأيُّ شيءٍ يُحَرِّكُ القلوبَ؟ قُلْنَا: يُحَرِّكُها شَيئانِ:
أحدُهما: كَثرةُ الذكْرِ للمحبوبِ؛ لأنَّ كَثرةَ ذِكْرِهِ تُعَلِّقُ القلوبَ به…
والثاني: مُطالَعَةُ آلائِهِ ونَعمائِه… فإذا ذَكَرَ العبدُ ما أَنْعَمَ اللهُ بهِ عليهِ مِنْ تَسخيرِ السماءِ والأرضِ وما فيها مِن الأشجارِ والحيوانِ، وما أُسْبِغَ عليهِ مِن النِّعَمِ الباطنةِ مِن الإيمانِ وغيرِهِ، فلا بدَّ أن يُثيرَ عندَهُ باعثًا.
وكذلكَ الخوفُ تُحَرِّكُهُ مُطالَعَةُ آياتِ الوعيدِ والزجْرِ والعرْضِ والْحِسابِ ونحوِهِ، وكذلكَ الرجاءُ يُحَرِّكُهُ مُطالَعَةُ الكَرَمِ والْحِلْمِ والعفوِ).

(11) قولُهُ: (ودليلُ التوكُّلِ قولُهُ تعالَى: {وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} )
أصلُ التوكُّلِ: الاعتمادُ، تقولُ: تَوَكَّلْتُ علَى اللهِ تَوَكُّلاً؛ أي: اعتَمَدْتُ عليهِ، هذا معنَى التوَكُّلِ.
وحقيقةُ التوكُّلِ: أن يَعتمدَ العبدُ علَى اللهِ سُبحانَهُ وتعالَى اعتمادًا صادقًا في مَصالِحِ دينِهِ ودُنياهُ معَ فِعْلِ الأسبابِ المأذونِ فيها، فالتَّوَكُّلُ: اعتقادٌ، واعتمادٌ، وعملٌ.
أمَّا الاعتقادُ فهوَ: أن يَعْلَمَ العبدُ أنَّ الأمرَ كلَّهُ للهِ، فإنَّ ما شاءَ اللهُ كانَ، وما لم يَشَأْ لم يكنْ، واللهُ جَلَّ وعَلاَ هوَ: النافِعُ، الضارُّ، المُعطِي، المانِعُ.
ثمَّ بعدَ هذا الاعتقادِ يَعْتَمِدُ بقلبِهِ علَى ربِّهِ سُبحانَهُ وتعالَى، ويَثِقُ بهِ غايَةَ الوُثوقِ، ثمَّ بعدَ هذا يأتي الأَمْرُ الثالثُ وهوَ: أن يَفعلَ الأسبابَ المأذونَ فيها شَرْعًا.
والتوَكُّلُ علَى اللهِ تعالَى نَوعانِ: أحدُهما: تَوَكُّلٌ عليهِ في تحصيلِ حَظِّ العبدِ مِن الرزْقِ والعافيَةِ وغيرِهما.
وثانيهما: تَوَكُّلٌ عليهِ في تحصيلِ مَرْضاتِهِ.
فأمَّا النوعُ الأوَّلُ: فغَايتُهُ المطلوبةُ وإن لم تكنْ عِبادةً؛ لأنَّها مَحْضُ حَظِّ العبدِ، فالتوَكُّلُ علَى اللهِ في حُصولِهِ عِبادةٌ، فهوَ مَنشأٌ لِمَصلحةِ دِينِهِ ودُنياهُ.
وأمَّا النوعُ الثاني: فغايتُهُ عِبادةٌ، وهوَ في نفسِهِ عِبادةٌ، فلا عِلَّةَ فيهِ بِوَجْهٍ، فإنَّهُ استعانَةٌ باللهِ علَى ما يُرضِيهِ، فصاحِبُهُ مُتَحَقِّقٌ بـ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} .
وأمَّا التوَكُّلُ علَى غيرِ اللهِ تعالَى فأنواعٌ:
النوعُ الأَوَّلُ: التوَكُّلُ علَى غيرِ اللهِ فيما لا يَقْدِرُ عليهِ إلاَّ اللهُ مِنْ جَلْبِ الْمَنافعِ ودَفْعِ الْمَضَارِّ، وهذا شِرْكٌ أَكْبَرُ؛ لأنَّهُ إذا كانَ التوكُّلُ علَى اللهِ مِنْ تَمامِ الإيمانِ، فالتوَكُّلُ علَى غيرِ اللهِ فيما لا يَقْدِرُ عليهِ غيرُ اللهِ مِن الشرْكِ الأكبَرِ، وهذا النوعُ هوَ الْمُرَادُ:
- بقولِهِ تعالَى: {وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} .
- وقالَ تعالَى: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ}.
- وقالَ تعالَى: {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}.
النوعُ الثاني: أن يَتَوَكَّلَ علَى حيٍّ حاضرٍ مِنْ مَلِكٍ أوْ وزيرٍ أوْ مسؤولٍ فيما أَقْدَرَهُ اللهُ عليهِ مِنْ رِزْقٍ أوْ دَفْعِ أَذًى، وهذا شِرْكٌ أَصْغَرُ، بسببِ قُوَّةِ تَعَلُّقِ القلبِ بهذا الإنسانِ واعتمادِهِ عليهِ.
أمَّا إذا اعْتَقَدَ أنَّ هذا الإنسانَ سببٌ، وأنَّ اللهَ تعالَى هوَ الذي أَقْدَرَهُ علَى هذا الشيءِ وأَجراهُ علَى يَدَيْهِ فهذا لا بأسَ بهِ إذا كانَ لهذا الإنسانِ أَثَرٌ صحيحٌ في حُصولِ الْمُرَادِ، لكنَّ كثيرًا مِن الناسِ قدْ لا يَمُرُّ علَى بالِهِ هذا المعنَى، ويَكادُ يَعتمِدُ علَى هذا الإنسانِ في حُصولِ مُرادِهِ.
النوعُ الثالثُ: الاعتمادُ علَى الغيرِ في فِعْلِ ما يَقْدِرُ عليهِ نِيابةً عنه، فهذا جائزٌ دَلَّ عليهِ الكتابُ والسُّنَّةُ والإجماعُ، لكن لا يُعْتَمَدُ عليهِ في حُصولِ ما وُكِّلَ فيهِ بلْ يَتَوَكَّلُ علَى اللهِ سُبحانَهُ وتعالَى في تَيسيرِ أَمْرِهِ الذي يَطْلُبُهُ إمَّا بنفسِهِ أوْ بنائِبِهِ؛ ولهذا لا تَقولُ: تَوَكَّلْتُ علَى فُلانٍ، إنَّمَا تَقولُ: وَكَّلْتُ فلانًا.
وقدْ وَكَّلَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ عَلِيًّا في ذَبْحِ بَقِيَّةِ بُدْنِهِ في حَجَّةِ الوداعِ، ووَكَّلَ أبا هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ علَى الصدَقَةِ، ووَكَّلَ عُرْوَةَ بنَ الْجَعْدِ أن يَشتريَ لهُ أُضْحِيَّةً.
أمَّا الآيَةُ وهيَ قولُهُ تعالَى: {وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}، فقولُهُ: {وَعَلَى اللهِ} أيْ: لا علَى غيرِهِ، وهذا يُفيدُ الْحَصْرَ؛ لأنَّ مِنْ طُرُقِ القَصْرِ عندَ البلاغيِّينَ تَقَدُّمَ ما حَقُّهُ التأخيرُ، والأَصْلُ: تَوَكَّلُوا علَى اللهِ.
وقولُهُ: {فَتَوَكَّلُوا} هذا أمْرٌ يَدُلُّ علَى وُجوبِ التَّوَكُّلِ؛ أي: اعْتَمِدُوا علَى اللهِ جلَّ وعلا، وفَوِّضُوا أُمورَكم إليهِ.
فدَلَّت الآيَةُ علَى وُجوبِ التَّوَكُّلِ، وأنَّهُ مِن العِباداتِ.
وقولُهُ: {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} أيْ: إن كنتمْ مُؤمِنينَ باللهِ جلَّ وعلا فعليهِ تَوَكَّلُوا.
قالَ ابنُ القَيِّمِ: (فجَعَلَ التوَكُّلَ علَى اللهِ شَرْطًا في الإيمانِ فدَلَّ علَى انتفاءِ الإيمانِ عندَ انتفائِهِ فمَنْ لا تَوَكُّلَ لهُ لا إيمانَ لهُ).
(12) وقالَ تعالَى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}ساقَ المؤلِّفُ آيتينِ في التوَكُّلِ، والغالبُ أنَّهُ لا يَسوقُ إلاَّ دليلاً واحدًا، وكأنَّهُ أَرادَ - واللهُ أعلمُ - أنَّ الدليلَ الأَوَّلَ فيهِ وُجوبُ التوَكُّلِ والأمْرُ بالتَّوَكُّلِ، والدليلُ الثاني فيهِ جَزاءُ مَنْ تَوَكَّلَ علَى اللهِ، هذا الذي يَظهَرُ، واللهُ أعْلَمُ.
وقولُهُ: {فَهُوَ حَسْبُهُ} أيْ: كافِيهِ، ومَنْ كانَ اللهُ جَلَّ وعلا كافِيهِ تَيَسَّرَتْ أُمورُهُ، ولا مَطْمَعَ لأحَدٍ فيهِ، وهوَ يَدُلُّ علَى عِظَمِ شَأْنِ التوَكُّلِ وفَضْلِهِ، حتَّى إنَّهُ لم يأتِ في أيِّ عِبادةٍ مِن العِباداتِ أنَّ اللهَ قالَ: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} إلاَّ في مَقامِ التوَكُّلِ.
ومِنْ فَضيلةِ التوَكُّلِ أيضًا: أنَّ اللهَ تعالَى جَعَلَهُ سَببًا لنَيْلِ مَحَبَّتِهِ، قالَ تعالَى: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} .
ومِنْ فَضيلتِهِ أنَّهُ دَليلٌ علَى صِحَّةِ إسلامِ المتوَكِّلِ، قالَ تعالَى: {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ}.


  #6  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 01:09 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح معالي الشيخ :صالح بن عبدالعزيزبن محمد آل الشيخ (مفرغ)




[شرح قول المؤلف (ودليل الخوف...) ]
قال رحمه الله: (دليل الخوف) يعني: دليل كون الخوف عبادة (قوله تعالى: {فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ).
هذا الدليل فيه: أن الخوف من غير الله منهي عنه، وأن الخوف من الله -جل وعلا- مأمور به.
قال جل وعلا: {فَلا تَخَافُوهُمْ} نهيٌ عن الخوف من غير الله، ثم قال: {وَخَافُونِ} وهذا أمر بالخوف من الله جل وعلا.
وما دام أن الله -جل وعلا- أمر بالخوف منه، فإنه يصدق على الخوف إذاً تعريف العبادة؛ لأنه إذ أمر بالخوف منه فمعنى ذلك أن الخوف منه محبوب له، مرضيٌ عنده، فيصدق عليه تعريف شيخ الإسلام للعبادة أنها: (اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه).
وهذا ما دام أنه أمر به فمعناه أن الله جل وعلا يحبه؛ لأنه إنما يأمر شرعاً بما يحبه ويرضاه.
وفي هذه الآية دليلٌ من النوع الثاني، وهو: أن الخوف يجب أن يفرد به الله جل وعلا.
قال ها هنا: {وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} فجعل حصول الإيمان مشروطاً بالخوف منه جل وعلا، قال: {وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} إن كنتم مؤمنين فخافوني ولا تخافوهم، وهذا فيه دليل على إفراد الله -جل وعلا- بهذا النوع من الخوف.

[بيان الخوف الذي لا يجوز صرفه لغير الله تعالى]

والخوف الذي يجب إفراد الله -جل وعلا- به، ومن لم يفرد الله -جل وعلا- به فهو مشرك كافر؛ هو نوع من أنواع الخوف، وليس كل أنواع الخوف، هو خوف السر، وهو: أن يخاف غير الله -جل وعلا- فيما لا يقدر عليه إلا الله جل وعلا، وهو المسمى عند العلماء: خوف السر، وهو: أن يخاف أن يصيبه هذا المَخوف منه، أن يصيبه ذلك الشيء بشيء في نفسه، يعني: في نفس ذلك الخائف، كما يصيبه الله -جل وعلا- بأنواع المصائب، من غير أسباب ظاهرة، ولا شيء يمكن الاحتراز منه.
فإن الله -جل وعلا- له الملكوت كله، وله الملك، وهو على كل شيء قدير، بيده تصريف الأمر، يرسل ما يشاء من الخير، ويمسك ما يشاء من الخير، يرسل المصائب، وكل ذلك دون أسباب يعلمها العبد، وقد يكون لبعضها أسباب، لكن هو في الجملة من دون أسبابٍ يمكن للعبد أن يعلمها، يموت هذا، ينقضي عمر ذاك، هذا يموت صغيراً، ذاك يموت كبيراً، هذا يأتيه مرض، وذاك يصيبه بلاء في ماله، ونحو ذلك، الذي يفعل هذه الأشياء هو الله جل وعلا، فيُخاف من الله -جل وعلا- خوف السر أن يصيب العبدَ بشيء من العذاب في الدنيا أو في الآخرة.
المشركون يخافون آلهتهم خوف السر؛ أن يصيبهم ذلك الإله، ذلك السيد، ذلك الولي؛ أن يصيبهم بشيء كما يصيبهم الله جل وعلا بالأشياء؛ فيقع في قلوبهم الخوف من تلك الآلهة من جنس الخوف الذي يكون من الله جل وعلا.
يوضح ذلك: أن عُبَّاد القبور، وعباد الأضرحة، وعباد الأولياء يخافون أشد الخوف من الولي أن يصيبهم بشيء إذا تُنُقِّصَ الولي، أو إذا لم يُقم بحقه.

[مثال توضيحي للشرك في عبادة الخوف]
وقد حُكيت لي في ذلك حكاية من أحد طلبة العلم: أنه كان مجتازاً مرةً مع سائق سيارة الأُجرة ببلدة طنطا المعروفة في مصر، التي فيها قبر البدوي، والبدوي عندهم معظم، وله من الأوصاف ما لله جل وعلا، يعني: يعطونه من الأوصاف بعض ما لله -جل وعلا-.
هم اجتازوا بالبلدة، فأتى صغير متوسط في السن، يسأله صدقة، فأعطاه شيئاً، فحلف له بالبدوي أن يعطيه أكثر، وكان من العادة عندهم أن من حلف له بمثل ذلك فلا يمكن أن يرد، بل لابد أن يعطي؛ لأنه يخاف ألا يقيم لذلك الولي حقه؛ فقال هذا - وهو من طلبة العلم، والمتحققين بالتوحيد - فقال: هات ما أعطيتك، فظن ذاك أنه يريد أن يعطيه زيادة، فأخذ ما أعطاه، وقال: لأنك أقسمت بالبدوي فلن أعطيك شيئاً؛ لأن القسم بغير الله شرك.
(هذا مثال للتوضيح، ليس من باب القصص، لكنه يوضح المراد بخوف السر وضوحاً تاماً) سائق الأجرة علاه الخوف في وجهه، ومضى سائقاً، وهو يقول: استر، استر، استر، استر، فسأله ذاك، قال: تخاطب من؟ قال: أنت أهنت البدوي، وأنا أخاطبه، أدعوه بأن يستر، فإننا نستحق مصيبة، وسيرسل علينا البدوي مصيبة؛ لأننا أهناه.
وكان في قلبه خوف، بحيث إنهم مشوا أكثر من مائة كيلو ولم يتكلم إلا بـ استر، استر.
يقول: فلما وصلنا سالمين معافَيْن توجهت له، فقلت: يا فلان! أين ما زعمت؟ وأين ما ذكرت ـ من أن هذا الإله الذي تؤلهونه - أنه سيفعل ويفعل؟
فتنفس الصُعداء وقال: أصل السيد البدوي حليم.
هذه الحالة هي حالة تعلق القلب بغير الله الذي يكون عند الخرافيين، خوف من غير الله خوف السر، البدوي ميت في قبره، يخشى أن يرسل إليه أحداً، يصدمه، أو مصيبة في سيارته، أو في نفسه.
هذا هو خوف السر، وهذا هو الذي جاء في مثل قول الله جل علا: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} قال: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ} لأنهم يخافون آلهتهم هذا النوع من الخوف؛ ولهذا تجد قلوبهم معلقة بآلهتهم؛ لأنهم يخافونهم خوف السر.
وقال جل وعلا مخبراً عن قوم هود، حيث قالوا لهود: {إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} فهم خافوا الآلهة، عندهم أن الآلهة تصيب بسوء، وكان الواجب - على حد زعمهم - أن يخاف هذا من الآلهة أن تصيبه بسوء، فقالوا له: {إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} يعني: بمصيبة في نفسك إذ اختل عقلك، أو اختلت جوارحك، أو نحو ذلك.
هذا النوع من الخوف هو الذي إذا صرف لغير الله -جل وعلا- فهو شرك أكبر.

[أنواع الخوف وأحكامه]

هناك أنواع من الخوف: خوف جائز، وهو الخوف الطبيعي، أن يخاف من الأسباب العادية التي جعل الله -جل وعلا- فيها ما يخاف ابن آدم منه، أن يخاف من النار أن تحرقه، يخاف من السبع أن يعدو عليه، من العقرب أن تلدغه، يخاف من ذي سلطان غشوم أن يعتدي عليه، ونحو ذلك.
هذا النوع خوف طبيعي من الأشياء، لا يُنقص الإيمان؛ لأنه مما جبل الله -جل وعلا- الخلق عليه.
هناك نوع خوف محرم؛ هذا القسم الثالث؛ لأن الخوف أقسام:
- قسم منه شرك أكبر.
- وقسم منه جائز.
- وقسم محرم، وهو أن يخاف من الخلق في أداء واجب من واجبات الله، يخاف من الخلق في أداء الصلاة، يخاف إن قام للصلاة من مجلسٍ يقطنه كثيرون أن يعاب.
فإذا خاف هذا الخوف، فإنه - هذا الخوف - يكون محرماً.
وفي مثله نزل قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} وفي قوله: {فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}؛ لأن الواجب أن يُجاهدوا فإذا خافوهم عن أداء ذلك الواجب خوفاً ليس بمأذون به في الشرع، وإنما هو من تسويل الشيطان، كما قال: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ}.
هذا النوع من الخوف محرم لا يجوز؛ لأن فيه تفويت فريضة من فرائض الله؛ لأجل الخلق.
خاف من غير الله لكنه ليس خوف السر، وإنما هو خوف ظاهر، وهذا محرم من المحرمات.
هذه أقسام ثلاثة مشهورة وبها تجمع مسائل أقسام الخوف، والشرك منه، وما ليس بشركي منه.
وهذه المسألة مما يكثر فيها اضطراب طلاب العلم؛ لأنهم ليس عندهم ضبط للخوف الذي يحصل به ـ إن صُرف لغير الله جل وعلا ـ الشرك، الذي يوصف من قام به أنه مشرك، أيُّ خوف هذا؟
هو خوف السر، ووصفه وضبط حاله هو ما ذكرته لك من قبل، فكن منه على ذُكْرٍ وبَيِّنة في فهمك لهذه المسألة العظيمة.
الخوف عبادة قلبية، موردها القلب، قد يظهر أثره على الجوارح.

[شرح قوله: (ودليل الرجاء) ]

قال بعد ذلك: (ودليل الرجاء قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} ).
الرجاء أيضاً عبادة قلبية، حقيقتها: الطمع في الحصول على شيء مرجو، الرغبة في الحصول على شيء، يرجو أن يحصل على هذا الشيء.
فإن كان الرجاء لشيء ممن يملك ذلك الشيء فإن هذا رجاء طبيعي، أرجو أن تحضر؛ لأنه يمكنك أن تحضر، أرجوك أن تفعل؛ لأنه يمكنك أن تفعل، فهذا الرجاء ليس هو رجاء العبادة.
النوع الثاني: هو رجاء العبادة، وهو: أن يطمع في شيء لا يملكه إلا الله جل وعلا، أن يطمع في شفائه من مرض، يرجو أن يُشفى، يرجو أن يُدخل الجنة وينجو من النار، يرجو أن لا يُصاب بمصيبة، ونحو ذلك.
هذه أنواع من الرجاء لا يمكن أن تُرجى وتُطلب وتُؤمل إلا من الله جل وعلا، وهذا هو معنى رجاء العبادة.
فالرجاء منه ما هو رجاء عبادة، ومنه ما هو رجاءٌ ليس من العبادة، والمقصود ها هنا هو رجاء العبادة، قال جل وعلا: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} هذا النوع من الرجاء امتدح الله جل وعلا من قام به.
قال: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً} فدل على أن هذا الرجاء ممدوح من رجاه، وإذا كان ممدوحاً، قد مدحه الله جل وعلا فهو مرضيٌ عند الله جل وعلا، فيصدق عليه حدُّ العبادة؛ من أنها: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، وهذا - بنص هذه الآية - داخل في ما يرضاه الله جل وعلا؛ لأنه أثنى على من قام به ذلك الرجاء.
وقوله هنا: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ} اللقاء: فسر بالملاقاة، وفسر بالمعاينة، الرؤية؛ رؤية الله جل وعلا، {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ} أي ملاقاة الله جل وعلا، والرجوع إليه، أو: فمن كان يرجو رؤية ربه؛ لأن اللقاء يحتمل هذا وذاك، وهما تفسيران مشهوران عن السلف.

[شرح قوله: ودليل التوكل]

قال بعدها: (ودليل التوكل قوله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} )
التوكل أيضاً من العبادات القلبية.
حقيقته: أنه يجمع شيئين:
الأول: تفويض الأمر إلى الله جل وعلا.
الثاني: عدم رؤية السبب بعد عمله.
والتفويض، وعدم رؤية السبب؛ شيئان قلبيان.
فالعبد المؤمن إذا فعل السبب ـ وهو جزء مما تحصل به حقيقة التوكل ـ فإنه لا يلتفت لهذا السبب؛ لأنه يعلم أن هذا السبب لا يُحَصِّل المقصود، ولا يحصل المراد به وحده، وإنما قد يحصل المراد به، وقد لا يحصل؛ لأن حصول المرادات يكون بأشياء: منها السبب، ومنها صلاحية المحل، ومنها خلو الأمر من المضاد.
فثمَّ ثلاثة أشياء تحصل بها المرادات:
أول سبب: نعلم - بما خلق الله جل وعلا خلقه عليه - أن هذا السبب ينتج المسبب؛ النتيجة.
الثاني: صلاحية المحل لقيام الأمر به؛ الأمر المراد.
الثالث: خلو الأمر أو المحل من المضاد له.
مثاله: الدواء، النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالدواء، فقال: ((تداووا عباد الله)) .
فالمسلم الموحد يتناول الدواء باعتباره سبباً للشفاء، لكنه ليس علة وحيدة، بل لا يحصل الشفاء بهذا وحده، وإنما لابد من أشياء أُخر، منها:
- أن يكون المحل الذي هو داخل الإنسان -باطن متناوِل الدواء-صالحاً لقبول ذلك الدواء.
وهذا معنى قولي: أن يكون المحل صالحاً.
- أيضاً من العلل التي يكمل بها المراد: أن يكون السبب - هذا الذي عُمِل - خالياً من المُعارض له، فقد يكون يتناول شيئاً وفي البدن ما يفسد ذلك الشيء؛ فلا يصل إلى المقصود.
ومنها: وهو الأعظم: أن يأذن الله جل وعلا بأن يكون السبب مؤثراً، منتجاً للمُسَبب، وهذا يعطيك أن فعل السبب ليس كافياً في حصول المراد.
من الأمثلة التي نمثل بها كثيراً في هذا الباب - غير مثال الدواء -: رجل رام سفراً على سيارة، فأعد العدة، وفعل أسباب السلامة جميعاً؛ من رعايةٍ - مثلاً - للكابحات (الفرامل)، ومن رعايةٍ للإطارات، ونحو ذلك، فعل أسباب السلامة جميعاً، وسار على مهل، هذا كل ما يمكنه أن يفعله، لكن هل هذا وحده يحصِّل السلامة؟ لا يحصِّل السلامة هذا وحده، فهناك من قد يكون معتدياً عليه، تأتيه سيارة كبيرة - وقد بذل أسباب السلامة - تأتيه في طريقه ويصاب بالمصيبة من جراء ذلك، فهو فعل ما يمكنه أن يفعله، لكن هناك أشياء بيد الله -جل وعلا- تتم السلامة باجتماعها، وليس بهذا السبب الوحيد الذي عمله العبد.

[العبد مأمور بفعل الأسباب ومنهي عن التعلق بها]

لا يجوز للعبد أن يتخلى عن بذل السبب؛ لأن بذل السبب من تمام التوكل، ولكن لا يلتفت إلى السبب، ولهذا قال علماؤنا - علماء التوحيد من أئمة السلف فمن بعدهم -: (الالتفات إلى الأسباب قدح في التوكل - الالتفات إلى الأسباب قدح في التوحيد - ومحو الأسباب - أن تكون أسباباً - قدح في العقل)، إذا التفت القلب إلى السبب، وأنه ينتج المُسَبَّب؛ هذا قدح في التوحيد.
لهذا نقول: التوكل هو: ما يجمع شيئين:
أولاً: تفويض الأمر إلى الله جل وعلا؛ لأن الله هو الذي بيده الملك.
الثاني: عدم رؤية السبب الذي فُعل.
إذاً؛ لا بد من فعل السبب، ويقوم بالقلب عدم رؤية لهذا السبب؛ أنه ينتج المقصود وحده، وإنما يعلم أنه جزء مما ينتج المقصود، والباقي على الله جل وعلا، ثم يفوض الأمر إلى الله جل وعلا.
هذا ينتج لك أن التوكل عبادة قلبية محضة، ولهذا صار صرفه لغير الله -جل وعلا- شركاً.
بمعنى: أن يفوض الأمر لغير الله جل علا، كما يقول بعض مشايخ الصوفية لبعض مريديهم، يقول: إذا أصبت بمصيبة فاذكرني، فإني أخلصك منها، (اذكرني) يقوم بالقلب ذلك المُتَذَكَّر؛ ذلك المذكور وإذا قام به أنه يخلصه من ذلك الشيء؛ فمعناه أنه فوض الأمر إليه، فصار متوكلاً على غير الله جل وعلا، وهذا هو حقيقة ما يفعله المشركون في الجاهلية، ومن شابههم ممن بعدهم.

[بيان وجه استدلال المؤلف بقوله تعالى:
{وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ]

دليل التوكل: قوله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ففي هذه الآية الأمر بالتوكل، وما دام أنه أمر به فهو عبادة؛ لأن العبادة: ما أمر به، من غير اقتضاء عقلي ولا اطراد عرفي، وما دام أنه أمر به، فهو راضٍ له أن يتوكل عليه، وهذا معنى كونه عبادة.
ثم أيضاً في هذا الدليل: أنه جعل التوكل شرط الإيمان، فقال: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} فمعنى ذلك: أنه لا يحصل الإيمان إلا بالتوكل على الله وحده.
أيضاً؛ هنا قدم الجار والمجرور فقال: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا}؛ وتقديم ما حقه التأخير - في علم المعاني - يفيد الحصر والقصر، أو يفيد الاختصاص، وهنا يفيدهما، يفيدُ الاختصاص ويفيد الحصر والقصر.
فمعنى هذه الآية - في قوله: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا} - يعني: احصروا توكلكم على الله إن كنتم مؤمنين، خصوا الله بتوكلكم إن كنتم مؤمنين.
و هذا الدليل مركب من نوعي الدليل اللذين ذكرتهما لك من قبل:
النوع الأول: إثبات أن هذا الأمر عبادة.
الثاني: إثبات أن هذه العبادة يجب صرفها لله جل وعلا بدليل خاصٍ، وهو المستفاد من قوله: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا} وهو المستفاد من قوله: {فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} .
وكذلك في قوله: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} هذا فيها الثناء على من يتوكل على الله، ففيها الدليل على أن التوكل على الله عمل يحبه الله ويرضاه، ومعنى ذلك: أنه من أنواع العبادات، هذا هو توكل العبادة.
وهناك شيء آخر ليس من توكل العبادة، وهو: التوكيل، وهو المعروف في باب الوكالة عند الفقهاء: وكلت فلاناً في أمري، كما جاء في الحديث: (ووكل عليٌّ عقيلاً في خصومةٍ) ، هذا من باب الوكالة، وهو شيء آخر غير التوكل، التوكيل والوكالة باب آخر، أما التوكل فهو عبادة قلبية.
يضبط ذلك: أن الوكالة فيها المعنى الظاهر، فيها شيء ظاهر، أما التوكل فهو عملٌ قلبي.
لهذه الجمل مزيد تفصيل، لكن المقام يضيق عن تفصيلات ما يتعلق بهذه الأنواع من العبادات، وتفصيلها في (كتاب التوحيد)؛ لأن كل واحدة منها عقد لها باب في (كتاب التوحيد).

[حكم قول القائل: توكلت على الله ثم عليك]
وهذا سؤال، قال: هل يصح أن يقال: (توكلت على الله ثم عليك) ؟
والجواب: أن هذا لا يصلح؛ لأن الإمام أحمد وغيره من الأئمة صرحوا بأن التوكل عمل القلب.
ما معنى التوكل؟
هو تفويض الأمر إلى الله جل وعلا، بعد بذل السبب، إذا بُذل السبب؛ فوض العبد أمره إلى الله، فصار مجموع بذله للسبب وتفويضه أمره لله؛ مجموعها التوكل.
ومعلوم أن هذا عمل القلب، كما قال الإمام أحمد.
ولهذا سئل الشيخ محمد بن إبراهيم - مفتي الديار السعودية السابق رحمه الله تعالى - عن هذه العبارة، فقال: (لا تصح؛ لأن التوكل عمل القلب، لا يقبل أن يقال فيه: توكلت على الله ثم عليك، إنما الذي يقال: فيه (ثم) ما يسوغ أن ينسب للبشر).
بعض أهل العلم في وقتنا قالوا: إن هذه العبارة لا بأس بها (توكلت على الله ثم عليك)، ولا ينظر فيها إلى أصل معناها، وما يكون من التوكل في القلب، وإنما ينظر فيها إلى أن العامة حين تستعملها ما تريد التوكل الذي يعلمه العلماء، وإنما تريد من مثل معنى: اعتمدت عليك؛ ومثل: (وكلتك)، ونحو ذلك، فسهلوا فيها؛ باعتبار ما يجول في خاطر العامة من معناها، وأنهم لا يعنون التوكل الذي هو لله، لا يصلح إلا لله.
لكن الأولى المنع؛ لأن هذا الباب ينبغي أن يسد، ولو فتح باب أنه يُستسهل في الألفاظ لأجل مراد العامة فإنه يأتي من يقول - مثلاً - ألفاظاً شركية، ويقول: أنا لا أقصد بها كذا.
مثل الذين يظهر ويكثر على لسانهم الحلف بغير الله؛ بالنبي أو ببعض الأولياء، ونحو ذلك، يقولون: لا نقصد حقيقة الحلف، فالذي ينبغي وَصد ما يتعلق بالتوحيد، وما ربما يخدشه، أو يضعفه، ينبغي وصد الباب أمامه؛ حتى تخلص القلوب والألسنة لله وحده لا شريك له.


  #7  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 01:11 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي العناصر

بيان أن الخوف عبادة لا يجوز صرفها لغير الله تعالى
- بيان معنى الخوف
- بيان أنواع الخوف وأحكامه
- تفسير قوله تعالى (إنما ذلكم الشيطان يخوف أوليائه...) الآية
- الفرق بين الخوف والفزع والوجل
- الفرق بين الخوف والخشية
بيان أن الرجاء عبادة لا يجوز صرفها لغير الله تعالى
- بيان معنى الرجاء
- بيان أنواع الرجاء
- الفرق بين الرجاء والغرور
- الفرق بين الرجاء والتمني
- تفسير قوله تعالى (فمن كان يرجو لقاء ربه...) الآية
- بيان حقيقة الرجاء في نفس المؤمن
- كلام لشيخ الإسلام ابن تيمية حول المحبة والخوف والرجاء وعلاقتها بالعبودية
بيان أن التوكل عبادة لا يجوز صرفها لغير الله تعالى
- بيان معنى التوكل
- بيان حقيقة التوكل
- بيان معنى التوكل على الله
- من ثمرات التوكل على الله
- بيان أنواع التوكل وأحكامه
- تفسير قوله تعالى (وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين)
- تفسير قوله تعالى (ومن يتوكل على الله فهو حسبه)
- بيان حكم قول القائل : (توكلت على الله ثم عليك)


  #8  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 01:11 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي الأسئله

الأسئلة
س1: بين معنى العبادة، واذكر بعض أنواعها.
س2: ما حكم صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله تعالى ؟ مع الدليل ووجه الاستدلال.
س3: فسر باختصار الآيتين التاليتين مع بيان دلالتها على وجوب إفراد الله تعالى بالعبادة :
أ. {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً} .
ب. {ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه}.
س4: اذكر أقسام الدعاء.
س5: اذكر أحكام دعاء غير الله تعالى.
س6: ما الذي يشترط لمعرفة أن العمل المعيّن عبادة ؟
س7: اذكر دليلاً على أن الخوف عبادة لا يجوز صرفها لغير الله تعالى.
س8: بيّن معنى الخوف، واذكر أنواعه، وحكم كل نوع، مع الاستدلال.
س9: بين معنى الرجاء واذكر أنواعه وحكم كل نوع مع الاستدلال.
س10: ما الفرق بين الرجاء المحمود والغرور والتمني المذموم ؟
س11: ما معنى التوكل على الله تعالى؟ اذكر أهميته، مع الدليل.
س12: ما حكم التوكل على غير الله؟ مع ذكر الدليل، وبيان وجه الاستدلال.
س13: ما الفرق بين التوكل والتوكيل ؟
س14: اذكر أحكام التوكل.
س15: ما حكم قول القائل : (توكلت على الله ثم عليك) ؟
س16: هل التوكل على الله ينافي الأخذ بالأسباب ؟ وضح ذلك.


  #9  
قديم 28 رجب 1430هـ/20-07-2009م, 06:55 AM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي إجابات على أسئلة طلاب الدورات العلمية بالمعهد

السؤال الأول : من شرح الشيخ الفوزان

اقتباس:
قال بن القيم :
اعْلَمْ أنَّ مُحَرِّكَاتِ القلوبِ إلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ثلاثةٌ: الْمَحَبَّةُ، والخوفُ، والرجاءُ.
وأقواها الْمَحَبَّةُ، وهيَ مَقصودةٌ تُرادُ لذاتِها؛ لأنَّها تُرادُ في الدنيا والآخِرَةِ، بخِلافِ الخوفِ فإنَّهُ يَزولُ في الآخِرَةِ، قالَ اللهُ تعالَى: {أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} .
والخوفُ المقصودُ مِنه: الزجْرُ والْمَنْعُ مِن الخروجِ عن الطريقِ. فالمحَبَّةُ تُلْقِي العبدَ في السيرِ إلَى مَحبوبِهِ، وعلَى قَدْرِ ضَعْفِها وقُوَّتِها يكونُ سَيرُهُ إليهِ، والخوفُ يَمنَعُهُ أن يَخْرُجَ عنْ طريقِ المحبوبِ، والرجاءُ يَقودُهُ، فهذا أصلٌ عظيمٌ، يَجِبُ علَى كلِّ عَبْدٍ أن يَتَنَبَّهَ لهُ، فإنَّهُ لا تَحْصُلُ لهُ العُبوديَّةُ بدونِهِ، وكلُّ أَحَدٍ يَجِبُ أنْ يكونَ عبدًا للهِ لا لغيرِهِ.
فإن قيلَ: فالعبدُ في بعضِ الأحيانِ قدْ لا يكونُ عندَهُ مَحَبَّةٌ تَبْعَثُهُ علَى طَلَبِ مَحْبُوبِهِ، فأيُّ شيءٍ يُحَرِّكُ القلوبَ؟ قُلْنَا: يُحَرِّكُها شَيئانِ:
أحدُهما: كَثرةُ الذكْرِ للمحبوبِ؛ لأنَّ كَثرةَ ذِكْرِهِ تُعَلِّقُ القلوبَ به…
والثاني: مُطالَعَةُ آلائِهِ ونَعمائِه… فإذا ذَكَرَ العبدُ ما أَنْعَمَ اللهُ بهِ عليهِ مِنْ تَسخيرِ السماءِ والأرضِ وما فيها مِن الأشجارِ والحيوانِ، وما أُسْبِغَ عليهِ مِن النِّعَمِ الباطنةِ مِن الإيمانِ وغيرِهِ، فلا بدَّ أن يُثيرَ عندَهُ باعثًا.
وكذلكَ الخوفُ تُحَرِّكُهُ مُطالَعَةُ آياتِ الوعيدِ والزجْرِ والعرْضِ والْحِسابِ ونحوِهِ، وكذلكَ الرجاءُ يُحَرِّكُهُ مُطالَعَةُ الكَرَمِ والْحِلْمِ والعفوِ). شيخ الاسلام
السؤال : لو تفضلتم شيخنا بشرح جميل ما كتب شيخ الاسلام تبسيطا له

الجواب :
اقتباس:
قال شيخ الإسلام: (اعْلَمْ أنَّ مُحَرِّكَاتِ القلوبِ إلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ثلاثةٌ: الْمَحَبَّةُ، والخوفُ، والرجاءُ).
إذا علمنا أن صلاح القلب هو أصل صلاح العبد ، كما دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) متفق عليه من حديث النعمان بن بشير
فإن ما يدفع القلب للعمل ثلاثة أمور: المحبة ، والخوف ، والرجاء
فمن أحب الله أطاعه ، ومن خاف الله أطاعه، ومن رجا ثواب الله أطاعه
فمن المؤمنين من يغلب عليه دافع المحبة فيطيع الله عز وجل محبة له، مع خوفه من الله ورجائه له ، لكن الذي يغلب على قلبه المحبة وصدق التقرب إلى الله عز وجل
ومن المؤمنين من يغلب عليه الخوف من الله فيطيع الله خوفاً منه ، سواء خاف عقابه الدنيوي أو عقابه الأخروي فالذي يحمله غالبا على فعل الطاعات واجتناب المحرمات خوفه من الله
ومن المؤمنين من يغلب عليه رجاء ثواب الله فتجد أن أكثر ما يحمله على فعل الطاعات واجتناب المحرمات هو رجاء ثواب الله وفضله
والكمال أن يجمع العبد بين هذه الثلاثة ، فيطيع الله محبة له، وخوفاً منه ، ورجاء لثوابه وفضله.

اقتباس:
وأقواها الْمَحَبَّةُ، وهيَ مَقصودةٌ تُرادُ لذاتِها؛ لأنَّها تُرادُ في الدنيا والآخِرَةِ، بخِلافِ الخوفِ فإنَّهُ يَزولُ في الآخِرَةِ، قالَ اللهُ تعالَى: {أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} .
والخوفُ المقصودُ مِنه: الزجْرُ والْمَنْعُ مِن الخروجِ عن الطريقِ.
أي أن المحبة أعلى مرتبة من مرتبة الخوف والرجاء إذا أردنا المفاضلة بينها ، لأن المحبة تبقى في الدنيا والآخرة ، وأما الخوف فإنه يزول في الآخرة.
والجمع بين هذه الثلاثة هو منهج السلف الصالح وهو الذي عليه هدي النبي صلى الله عليه وسلم
وقال بعض ضلال الصوفية بالتفريق بينها وزعموا أن من يعبد الله محبة له فقط أعلى وأكمل ممن يعبد الله رجاء لثوابه أو خوفاً من عقابه ، حتى كان بعضهم يدعو: (اللهم إن كنت تعلم أني أطيعك رغبة في جنتك فاحرمني منها!!) وهذا ضلال مبين وخسران عظيم إن لم يرحمه الله لجهله وقلة عقله
فإن الله أمر بسؤاله من فضله ورغب في ثوابه فمن ترك رجاء الله فقد عصى الله
وحذر الله من عقابه وعذابه فمن لم يخف الله فقد عصى الله
والمقصود أن هدي النبي صلى الله عليه وسلم وهدي أصحابه الجمع بين هذه العبادات العظيمة فيعبدون الله محبة له كما وصفهم الله بقوله: (والذين آمنوا أشد حباً لله)
ويعبدون الله خوفاً من عقابه كما أمرهم الله بقوله: (وخافون إن كنتم مؤمنين) وجعل صفة الرجاء فرقاناً بين المؤمنين والكافرين فقال: (وترجون من الله ما لا يرجون) ورغبهم في ثوابه وأمرهم وسؤاله من فضله فقال : (واسألوا الله من فضله) .

اقتباس:
فالمحَبَّةُ تُلْقِي العبدَ في السيرِ إلَى مَحبوبِهِ، وعلَى قَدْرِ ضَعْفِها وقُوَّتِها يكونُ سَيرُهُ إليهِ، والخوفُ يَمنَعُهُ أن يَخْرُجَ عنْ طريقِ المحبوبِ، والرجاءُ يَقودُهُ، فهذا أصلٌ عظيمٌ، يَجِبُ علَى كلِّ عَبْدٍ أن يَتَنَبَّهَ لهُ، فإنَّهُ لا تَحْصُلُ لهُ العُبوديَّةُ بدونِهِ، وكلُّ أَحَدٍ يَجِبُ أنْ يكونَ عبدًا للهِ لا لغيرِهِ.
هذا مثال ضربه شيخ الإسلام لتوضيح منازل هذه العبادات العظيمة والتلازم الشرعي بينها ، وحاجة المؤمن إليها جميعاً
فإن من أحب الله سار إليه وتقرب إليه ، والسير إليه يكون بامتثال أوامره واجتناب نواهيه فهو سير معنوي على الصراط المستقيم الذي هو الطريق إلى المحبوب الأعظم
فمحبة الله تدفع العبد إلى التقرب إليه وعلى حسب قوة المحبة وضعفها تكون مسارعة العبد في الطاعات ومسارعته في الكف عن المحرمات
وخوفه من الله يمنعه من الانحراف عن الصراط المستقيم فلا يتعدى حدود الله وهو يخاف عقاب الله ، ورجاؤه لفضل الله يحفزه لفعل الطاعات ويؤمله لقاء الله تعالى والفوز بقربه والتنعم بعظيم ثوابه
نسأل الله تعالى من فضله وبركاته.

اقتباس:
فإن قيلَ: فالعبدُ في بعضِ الأحيانِ قدْ لا يكونُ عندَهُ مَحَبَّةٌ تَبْعَثُهُ علَى طَلَبِ مَحْبُوبِهِ، فأيُّ شيءٍ يُحَرِّكُ القلوبَ؟ قُلْنَا: يُحَرِّكُها شَيئانِ:
أحدُهما: كَثرةُ الذكْرِ للمحبوبِ؛ لأنَّ كَثرةَ ذِكْرِهِ تُعَلِّقُ القلوبَ به…
والثاني: مُطالَعَةُ آلائِهِ ونَعمائِه… فإذا ذَكَرَ العبدُ ما أَنْعَمَ اللهُ بهِ عليهِ مِنْ تَسخيرِ السماءِ والأرضِ وما فيها مِن الأشجارِ والحيوانِ، وما أُسْبِغَ عليهِ مِن النِّعَمِ الباطنةِ مِن الإيمانِ وغيرِهِ، فلا بدَّ أن يُثيرَ عندَهُ باعثًا.
وكذلكَ الخوفُ تُحَرِّكُهُ مُطالَعَةُ آياتِ الوعيدِ والزجْرِ والعرْضِ والْحِسابِ ونحوِهِ، وكذلكَ الرجاءُ يُحَرِّكُهُ مُطالَعَةُ الكَرَمِ والْحِلْمِ والعفوِ).
بين بهذا القول كيف يحصل العبد محبة الله عز وجل ويجددها في قلبه ويزيدها فذكر أمرين:
الأول : كثرة الذكر ، فإن من أحب شيئاً أكثر من ذكره فكثرة الذكر من أثر المحبة ، وهي أيضاً سبب لتحصيل المحبة وزيادتها ، كما أن الغفلة سبب لنقصها وضعفها فينبغي أن يكثر المؤمن من ذكر الله عز وجل بقلبه ولسانه ويحتسب ذلك في ما يفعله من الطاعات
الأمر الثاني: تذكر نعم الله عز وجل ، فإن العبد إذا تأمل وتذكر كثرة نعم الله تعالى عليه أفضى به ذلك إلى محبة الله ، فإن النفس السوية مجبولة على محبة المنعم إليها ، وتذكر النعم والتحدث بها من أسباب شكرها ، وشكر النعم من أسباب زيادتها ، فلا يزال العبد يذكر الله ويشكره فتزداد نعم الله عليه وتتضاعف أضعافاً كثيرة ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
كما أن من استمرأ الغفلة ابتلي بقسوة القلب وقلة الشكر وحلول النقم وزوال النعم نعوذ بالله من زوال نعمته وفجاءة نقمته وتحول عافيته .
وبيَّن رحمه الله أيضاً أسباب زيادة الخوف من الله في القلب فإذا تأمل العبد آيات الوعيد العظيمة وأهوال يوم القيامة بل إذا تأمل وحشة القبر علم أنه إذا لم يصلح الله له عمله خاب وخسر وشقي الشقاء العظيم
وتدبر آيات الوعيد يزيد الخشية من الله في قلب العبد المؤمن ويغسل الران ويذهب القسوة ويزجر عن المعصية ويحض على التذلل لله وحسن التأدب معه جل جلاله وهذا هو العلم النافع (إنما يخشى الله من عباده العلماء)




السؤال الثاني : ما المقصود بهذه العبارة ؟
اقتباس:
أَصْلُ الرجاءِ هوَ الطمَعُ، أو انتظارُ الشيءِ المحبوبِ، والرجاءُ يَتضمَّنُ التذلُّلَ والخضوعَ، فلا يكونُ إلاَّ للهِ سُبحانَهُ وتعالَى، وتَعليقُ الرجاءِ بغيرِ اللهِ شرْكٌ، وإنْ كانَ اللهُ تعالَى قدْ جَعَلَ لها أسبابًا، فالسببُ لا يَسْتَقِلُّ بنفسِهِ، بلْ لا بُدَّ لهُ مِنْ مُعاوِنٍ، ولا بُدَّ مِن انتفاءِ الموانِعِ، وهوَ لا يَحْصُلُ ولا يَبْقَى إلاَّ بمشيئةِ اللهِ تعالَى.

الجواب : المقصود التفريق بين رجاء العبادة والرجاء الجائز من المخلوقين
فرجاء العبادة لا يجوز صرفه لغير الله جل وعلا ، ومن صرفه لغير الله تعالى فهو مشرك ، ورجاء العبادة له لوازم ومقتضيات اعتقادية وتعبدية لا تشتبه بالرجاء الجائز من المخلوقين ، فرجاء العبادة يستلزم اعتقاد أن المرجو مستقل بالنفع والضر ويتضمن تفويض الأمر إليه وتعلق القلب به والتقرب إليه لتحقيق ما يرجوه العبد فهذا الرجاء من صرفه لغير الله فهو مشرك كافر.
وأما رجاء المخلوقين فهو على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: رجاء جائز ، كأن يرجو نفع من أقدره الله عز وجل على نفعه في أمر من الأمور المباحة التي جرت سنة الله تعالى بإقدار بعض عباده عليها
كأن يرجو المحتاج من الموسر مالاً يقضي به شؤونه فهذا الرجاء ونحوه جائز إذا لم يعتقد أنه مستقل بالنفع والضر ولم يتعلق قلب الراجي بالمرجو
القسم الثاني: رجاء محرم وهو شرك أكبر ، كرجاء المشركين في آلهتهم التي يعبدونها من دون الله أنها تشفع لهم عند الله أو أنها تقربهم إلى الله زلفى ، وكرجاء بعض عباد الأولياء بأنهم ينجونهم من الكربات ويدفعون عنهم البلاء ويجلبون لهم النفع ونحو ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله
القسم الثالث: رجاء محرم أيضاً ولكنه شرك أصغر ، وهو تعلق القلب بمن يرجوهم من المخلوقين فيما أقدرهم الله عز وجل عليه ، فهذا من شرك الأسباب كتعلق بعض المرضى بالرقاة والأطباء تعلقاً قلبياً يغفلون معه عن أن الشفاء بيد الله عز وجل

وسيأتي لهذه المسألة مزيد بيان بإذن الله ، عند دراسة كتاب التوحيد ، والمطلوب الآن التفريق بين رجاء المشركين والرجاء الجائز من المخلوقين.




السؤال الثالث : ما آية الأصول العشرة ؟
الجواب : آية الحقوق العشرة هي قوله تعالى في سورة النساء: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم...)
وسميت بآية الحقوق العشرة لأن الله سمى فيها عشرة فذكر حقه وحق الوالدين وحق ذي القربى ...إلخ
وعدتهم عشرة . وهذه المسألة من الفوائد العلمية ، وسيأتي لها تفصيل بإذن الله في علوم القرآن في باب أسماء الآيات.




السؤال الرابع : ما الفرق بين خوف السر وخوف التعبد ؟
الجواب : خوف السر نوع من أنواع خوف التعبد يفرده بعض العلماء بالذكر تنبيهاً وله وإلا فمرادهم به ما صرحوا بالتمثيل له بخوف عباد القبور والأولياء
وهؤلاء في الحقيقة جمعوا أنواعاً من الشرك منها اعتقادهم أن أولئك الأموات يطلعون على ما يعملون ، واعتقادهم قدرتهم على المؤاخذة وإحلال العقوبة والسخط ، وخوفهم أن يقطعوا عنهم المدد أو يتخلوا عن الشفاعة لهم ونحو ذلك
فلذلك تجد بعضهم إذا سمع أحداً يذكر أحد أؤلئك الأموات بسوء أو ينهى عن الغلو فيهم يرى عليه أثر الخوف من غضب ذلك الولي
وإذا تأملت الأمر وجدت أن الذي يقع منه خوف السر هذا قد وقع في أنواع من الشرك والعياذ بالله.
وخوف السر هذا فيه معاني التعبد من الرهبة والخشية وتعلق القلب بالمعبود والالتجاء إليه وهذه عبادات عظيمة من صرفها لغير الله تعالى فقد أشرك ، والعياذ بالله تعالى من الشرك.


  #10  
قديم 25 محرم 1433هـ/20-12-2011م, 03:40 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي إجابات على أسئلة طلاب الدورات العلمية بالمعهد / الشيخ عبد العزيز الداخل

السؤال الخامس : ذكر الشيخ الفوزان للخوف أربعة أنواع، فذكر خوف التعبد والتعلق في نوع، وذلك في قوله:

اقتباس:
"الرابعُ: خوفُ تَعَبُّدٍ وتَعَلُّقٍ، وهوَ أن يَخافَ أحدًا يَتَعَبَّدُ بالخوفِ لهُ فيَدعوهُ الخوفُ لطاعتِهِ، وهذا النوعُ هوَ خوفُ التَّعَبُّدِ والتأَلُّهِ الذي يَحْمِلُ علَى الطاعةِ والبُعْدِ عن الْمَعْصِيَةِ، وهذا خاصٌّ باللهِ تعالَى، وتَعَلُّقُه بهِ مِنْ أعْظَمِ واجباتِ الدِّينِ ومُقتضياتِ اﻹيمانِ، وتَعَلُّقُه بغيرِ اللهِ تعالَى مِن الشرْكِ اﻷكبَرِ؛ ﻷنَّ الخوفَ مِنْ أعظَمِ واجباتِ القلبِ". وقد ذكر قبله خوف السر في نوع آخر، وذلك في قوله: "النوعُ الثاني: (خوفُ السِّرِّ) وهوَ أن يَخافَ مِنْ غيرِ اللهِ مِنْ وَثَنٍ أوْ وَلِيٍّ مِن اﻷولياءِ بعيدًا عنه أن يُصيبَهُ بمَكروهٍ وهذا الخوفُ هوَ الواقِعُ بينَ عُبَّادِ القبورِ والمتعلِّقينَ باﻷولياءِ، قالَ تعالَى عنْ قومِ هُودٍ: {إِنْ نَقُولُ إِﻻَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ}، فهم يَتَصَوَّرُونَ أنَّ اﻵلِهَةَ يُخافُ مِنها؛ ﻷنَّها قدْ تَعْتَرِي اﻹنسانَ بسُوءٍ، ومعنَى هذا في نظَرِهم أنَّها إذا كانتْ تَنْفَعُ فإنَّهُ يُتَصَوَّرُ أنَّها تَضُرُّ فهذا يُطْلَقُ عليهِ خَوْفُ السِّرِّ".
فما هو رأيكم في هذا التقسيم
الجواب :
العبرة هي أيتضمن الخوف معنى العبادة أم لا؟
فإذا كان يتضمن معنى العبادة فصرفه لغير الله شرك أكبر؛ لأن الخوف حينئذ عبادة لا يجوز صرفها لغير الله تعالى.
وأما إذا كان غير متضمن لمعنى العبادة فهو خوف طبيعي وحكمه بحسب ما يحمل عليه .
وانظر هنا لمزيد من التفصيل:
http://www.afaqattaiseer.com/vb/show...58&postcount=3

وأما عبارة خوف السر فمصطلح لدى أئمة الدعوة النجدية ولا أعرفه عن العلماء المتقدمين، وفي الرابط بيان للمراد به.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الخوف, والرجاء

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:40 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir