دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > ثلاثة الأصول وأدلتها

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28 شوال 1429هـ/28-10-2008م, 07:44 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي مرتبة الإحسان (نسأل الله بلوغها والثبات عليها)

الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ


الإِحْسَانُ
رُكْنٌ وَاحِدٌ؛ وَهُوَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ.

وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الوُثْقَى} .
- وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}.
-وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {ومَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}.
-وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.
- وَقَوْلُهُ: {وَمَا تَكُونُ فِي شَانٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} الآية .


  #2  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 06:59 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح ثلاثة الأصول لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز

(1) أمَّا الإحسانُ: فهوَ إكمالُ العبادةِ ظاهرًا وباطنًا، وهوَ أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كأنكَ تراهُ، فإنْ لم تكنْ تراهُ فإنَّه يراكَ؛ فمَنْ عَبَدَ اللَّهَ على هذا الاستحضارِ فقدْ أدركَ مرتبةَ الإحسانِ، واجتمعَ لَهُ الخيرُ كلُّه، كما قالَ اللَّهُ سبحانَهُ: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ}، وقالَ عزَّ وجلَّ: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ المُحْسِنِينَ} والآياتُ فِي هذا المعنى كثيرةٌ.


  #3  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 07:03 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح ثلاثة الأصول للشيخ: محمد بن صالح العثيمين

(1) الإحسانُ ضِدُّ الإساءةِ، وهُوَ: أنْ يَبْذُلَ الإنسانُ المعروفَ، وَيَكُفَّ الأَذَى، فَيَبْذُلَ المعروفَ لعبادِ اللَّهِ في مالِهِ وَجَاهِهِ وَعِلْمِهِ وَبَدَنِهِ.

فَأَمَّا المَالُ؛ فَأَنْ يُنْفِقَ وَيَتَصَدَّقَ وَيُزَكِّيَ.
وَأَفْضَلُ أنواعِ الإحسانِ بالمالِ الزكاةُ؛لأَِنَّ الزكاةَ أحدُ أركانِ الإسلامِ وَمَبَانِيهِ العِظَامِ، ولا يَتِمُّ إسلامُ المرءِ إلاَّ بِهَا، وهيَ أَحَبُّ النَّفَقَاتِ إلى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَيَلِي ذلكَ مَا يَجِبُ على الإنسانِ منْ نَفَقَةٍ لزوجتِهِ، وأُمِّهِ، وَأَبِيهِ، وَذُرِّيَّتِهِ، وَإِخْوَانِهِ، وبَنِي إِخْوَتِهِ، وَأَخَوَاتِهِ، وَأَعْمَامِهِ، وَعَمَّاتِهِ، وخالاتِهِ، إلى آخرِ هذا.
ثُمَّ الصدقةُ على المساكينِ
وغيرِهِم مِمَّنْ هم أهلٌ للصدقةِ؛ كَطُلاَّبِ العلمِ مثلاً. وأمَّا بَذْلُ المعروفِ في الجاهِ؛ فهوَ أنَّ النَّاسَ مراتبُ، مِنْهُم مَنْ لهُ جاهٌ عندَ ذَوِي السلطانِ، فَيَبْذُلُ الإنسانُ جاهَهُ، يَأْتِيهِ رَجُلٌ فَيَطْلُبُ منهُ الشفاعةَ إلى ذي سلطانٍ يَشْفَعُ لهُ عندَهُ، إمَّا بِدَفْعِ ضَرَرٍ عنهُ، أوْ بِجَلْبِ خيرٍ لهُ. وأمَّا بِعِلْمِهِ؛فأَنْ يَبْذُلَ عِلْمَهُ لعبادِ اللَّهِ تَعْلِيمًا في الحَلَقاتِ والمجالسِ العامَّةِ والخاصَّةِ، حتَّى لوْ كُنْتَ في مجلسِ قَهْوَةٍ، فإنَّ من الخيرِ والإحسانِ أنْ تُعَلِّمَ النَّاسَ، ولوْ كُنْتَ في مجلسٍ عامٍّ فمِن الخيرِ أنْ تُعَلِّمَ النَّاسَ، ولكن اسْتَعْمِل الحكمةَ في هذا البابِ، فلا تُثْقِلْ على النَّاسِ، حيثُ كُلَّمَا جَلَسْتَ في مجلسٍ جَعَلْتَ تَعِظُهُم وَتَتَحَدَّثُ إليهم؛ لأنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ يَتَخَوَّلُهُم بالموعظةِ ولا يُكْثِرُ؛ لأنَّ النفوسَ تَسْأَمُ وَتَمَلُّ، فإذا مَلَّتْ كَلَّتْ وَضَعُفَتْ، وَرُبَّمَا تَكْرَهُ الخيرَ لكثرةِ مَنْ يَقُومُ وَيَتَكَلَّمُ.
وأمَّا الإحسانُ إلى النَّاسِ بالبَدَنِ
؛ فقدْ قالَ النبيُّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: ((وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ تَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ)). فهذا رجلٌ تُعِينُهُ تَحْمِلُ متاعَهُ معهُ، أوْ تَدُلُّهُ على طريقٍ، أوْ ما أَشْبَهَ ذلكَ، فَكُلُّ ذلكَ من الإحسانِ، هذا بالنسبةِ للإحسانِ إلى عِبَادِ اللَّهِ. وأمَّا بالنسبةِ للإحسانِ في عِبَادةِ اللَّهِ؛
فأنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، كما قالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وهذهِ العبادةُ - أيْ: عبادةُ الإنسانِ رَبَّهُ كأنَّهُ يَرَاهُ - عِبَادَةُ طَلَبٍ وشَوْقٍ، وعبادةُ الطلبِ والشوقِ يَجِدُ الإنسانُ مِنْ نفسِهِ حَاثًّا عليها؛ لأنَّهُ يَطْلُبُ هذا الَّذِي يُحِبُّهُ، فهوَ يَعْبُدُهُ كأنَّهُ يَرَاهُ، فَيَقْصِدُهُ وَيُنِيبُ إليهِ ويَتَقَرَّبُ إليهِ سبحانَهُ وتَعَالَى، ((فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ)). وهذهِ عبادةُ الهَرَبِ والخوفِ؛ ولهذا كانتْ هذهِ المرتبةُ ثانيَةً في الإحسانِ، إذا لمْ تَكُنْ تَعْبُدُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ كأنَّكَ تَرَاهُ وَتَطْلُبُهُ وَتَحُثُّ النفسَ للوصولِ إليهِ؛ فَاعْبُدْهُ كأنَّهُ هوَ الَّذِي يَرَاكَ، فَتَعْبُدُهُ عبادةَ خائفٍ منهُ، هاربٍ منْ عذابِهِ وعقابِهِ. وهذهِ الدرجةُ عندَ أَرْبَابِ السلوكِ أَدْنَى من الدرجةِ الأُولَى.
وعبادةُ اللَّهِ سبحانَهُ وتَعَالَى هيَ كما قالَ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ:
وعبادةُ الرحمنِ غايَةُ حُبِّهِ = معَ ذُلِّ عَابِدِهِ هُمَا رُكْنَانِ
فالعبادةُ مَبْنِيَّةٌ على هذَيْنِ الأمرَيْنِ:غايَةُ الحبِّ، وغايَةُ الذُّلّ، فَفِي الحُبِّ الطلبُ، وفي الذُّلِّ الخوفُ والهربُ. فهذا هوَ الإحسانُ في عبادةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وإذا كانَ الإنسانُ يَعْبُدُ اللَّهَ على هذا الوجهِ، فإنَّهُ سوفَ يكونُ مُخْلِصًا للَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لا يُرِيدُ بعبادتِهِ رِيَاءً ولا سُمْعَةً، ولا مَدْحًا عندَ النَّاسِ، وسواءٌ اطَّلَعَ النَّاسُ عليهِ أمْ لم يَطَّلِعُوا، الكلُّ عندَهُ سواءٌ، وهُوَ مُحْسِنُ العبادةِ على كلِّ حالٍ، بلْ إنَّ منْ تمامِ الإخلاصِ أنْ يَحْرِصَ الإنسانُ على ألاَّ يَرَاهُ النَّاسُ في عبادتِهِ، وأنْ تكونَ عبادتُهُ معَ ربِّهِ سِرًّا، إلاَّ إذا كانَ في إعلانِ ذلكَ مَصْلَحَةٌ للمسلمينَ أوْ للإسلامِ، مثلُ أنْ يكونَ رَجُلاً مَتْبُوعًا يُقْتَدَى بهِ، وَأَحَبَّ أنْ يُبَيِّنَ عِبَادَتَهُ للناسِ لِيَأْخُذُوا منْ ذلكَ نِبْرَاسًا يَسِيرُونَ عليهِ، أوْ كانَ هوَ يُحِبُّ أنْ يُظْهِرَ العبادةَ لِيَقْتَدِيَ بها زُمَلاَؤُهُ وَقُرَنَاؤُهُ وأصحابُهُ، ففي هذا خيرٌ. وهذه المصلحةُ التي يُلْتَفَتُ إليها قدْ تكونُ أفضلَ وأَعْلَى منْ مصلحةِ الإخفاءِ؛ لهذا يُثْنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ على الذينَ يُنْفِقُونَ أموالَهُم سِرًّا وعلانيَةً، فإذا كانَ السرُّ أَصْلَحَ وأَنْفَعَ للقلبِ وَأَخْشَعَ وَأَشَدَّ إِنَابَةً إلى اللَّهِ أَسَرُّوا، وإذا كانَ في الإعلانِ مصلحةٌ للإسلامِ بِظُهُورِ شرائعِهِ للمسلمينَ يَقْتَدُونَ بهذا الفاعلِ وهذا العاملِ أَعْلَنُوهُ.
والمؤمنُ يَنْظُرُ ما هوَ الأصلحُ،
كُلَّما كانَ أَصْلَحَ وأَنْفَعَ في العبادةِ فهوَ أَكْمَلُ وأفضلُ.


  #4  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 07:05 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي حاشية ثلاثة الأصول للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم

المتن:
الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ: الإِحْسَانُ(1)رُكْنٌ وَاحِدٌ(2)؛ وَهُوَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ كَأَنَّكَ تَرَاهُ(3) فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ(4).وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الوُثْقَى} .
-وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} (5).
-وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {ومَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} .
-وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ(6) (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (7)(218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (8)(219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (9)}.
- وَقَوْلُهُ: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} (10) الآية .





الحاشية :


(1) قَدَّمَ مَرْتَبَتَيِ الإِسْلاَمِ والإِيمَانِ، وثَلَّثَ بالمَرْتَبَةِ الثَّالِثَةِ مِن مَرَاتِبِ الدِّينِ، وهي: الإحْسَانُ.
والإحْسَانُ:نِهَايَةُ الإِخْلاَصِ.

والإِخْلاَصُ:هو إِيقَاعُ العَمَلِ عَلَى أَكْمَلِ وجُوهِهِ في الظَّاهِرِ والبَاطِنِ بِحَيْثُ يكونُ قَائِمًا بِهِ في البَاطِنِ والظَّاهِرِ عَلَى أَكْمَلِ الوُجُوهِ.

وهذا هو الإِحْسَانُ، ولِذَا يُفَسَّرُ بالإِخْلاَصِ، واشْتِقَاقُه مِن الحُسْنِ، نِهَايَةُ الإِخْلاَصِ، النَّاشِئِ عن حَقِيقَةِ الاسْتِحْضَارِ، ومِن حَيْثُ الظَّاهِرُ كَمَالُ المُتَابَعَةِ.
وتَفْسِيرُه بالإِخْلاَصِ تَفْسِيرٌ له بِنَتِيجَتِه وثَمَرَتِه؛ فإنَّ مَن اتَّصَفَ بذلك فإنَّه يُكَمِّلُ العَمَلَ في الظَّاهِرِ والبَاطِنِ.
فالإِحْسَانُ:أَعْلَى المَرَاتِبِ، وأَعَمُّها مِن جِهَةِ نَفْسِها، وأَخَصُّها مِن جِهَةِ أَصْحَابِهَا.

كَمَا أنَّ الإيمانَ أعمُّ مِن جِهَةِ نَفْسِه، وأَخَصُّ مِن جِهَةِ أَصْحَابِه، ولهذا يُقَالُ: كُلُّ مُحْسِنٍ مُؤْمِنٌ مُسْلِمٌ، وليس كلُّ مسلمٍ مُؤْمِنًا مُحْسِنًا.
وكُلَّمَا أُطْلِقَ الإِحْسَانُ، فإنَّه يَدْخُلُ فيه الإيمانُ، والإِسْلاَمُ؛ فإنَّ الإِسْلاَمَ والإِيمَانَ والإِحْسَانَ دَوائِرُ، أَوْسَعُهَا دَائِرَةُ الإِسْلاَمِ، ثُمَّ يَلِيهَا في السَّعَةِ الإيمانُ، ثُمَّ أَضْيقُها الإِحْسَانُ، كَدَوائِرَ كلُّ واحِدَةٍ منها مُحِيطَةٌ بالأُخْرَى.
ومَعْلُومٌ: أنَّ مَن كَانَ في دَائِرَةِ الإِحْسَانِ، فهو دَاخِلٌ في الإسْلاَمِ والإِيمَانِ، وإذا خَرَجَ عن الأُولَى، فهو دَاخِلٌ في الثَّانِيَةِ، وهي دَائِرَةُ الإيمَانِ، وإذا خَرَجَ عنها فهو دَاخِلٌ في الثَّالِثَةِ، وهي دَائِرَةُ الإسْلاَمِ، ومَن خَرَجَ عن هذه الدَّوائِرِ الثَّلاَثِ، فهو خَارِجٌ إلى غَضَبِ اللَّهِ وعِقَابِهِ، ودَاخِلٌ في دَوائِرِ الشَّيْطَانِ، والعِيَاذُ باللَّهِ.
فَظَهَرَ بالتَّمْثِيلِ بهذه الدَّوَائِرِ: صِحَّةُ قَوْلِ مَن قَالَ، كلُّ مُحْسِنٍ مُؤْمِنٌ مُسْلِمٌ، وليس كلُّ مُسْلِمٍ مُؤْمِنًا مُحْسِنًا، فَلاَ يَلْزَمُ مِن دُخُولِه في الإِسْلاَمِ، أنْ يكونَ دَاخِلاً في الإِحْسانِ والإيمانِ؛ وليس المُرَادُ: أنَّ مَن لَمْ يَكُنْ في الإحْسَانِ، والإيمَانِ، أنْ يكونَ كَافِرًا، بل يكونُ مُسْلِمًا، ومَعَه مِن الإيمَانِ مَا يُصَحِّحُ إِسْلاَمَه، لكن لاَ يَكُونُ مُؤْمِنًا الإيمانَ الكَامِلَ، الذي يَسْتَحِقُّ أنْ يُثْنَى عَلَيْهِ بِهِ، فإنَّه لو كَانَ مُؤْمِنًا الإيمانَ الكَامِلَ، لَمَنَعَه مِن المَعَاصِي والمُحَرَّمَاتِ.
وقيلَ للنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَعْطَيْتَهُم وتَرَكْتَ فُلاَنًا، وهو مُؤْمِنٌ، فَقَالَ: ((أَو مُسْلِمٌ))، وقَالَ: ((لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ))، الحَدِيثَ، وقَالَ: ((وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، مَنْ لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ)).

فالنُّصُوصُ مَا نَفَتْ عَنْهُم الإِسْلاَمَ، بل أَثْبَتَتْ لَهُم أَحْكَامَ الإِسْلاَمِ مِن عِصْمَةِ الدَّمِ، وإِذَا مَاتُوا، غُسِّلُوا وكُفِّنُوا وصُلِّيَ عَلَيْهِم، فَأَهْلُ الإِحْسَانِ، هم خَوَاصُّ أَهْلِ الإيمَانِ، كَمَا أنَّ أهلَ الإيمانِ هم خَوَاصُّ أهلِ الإسْلاَمِ، فإِنَّ أَهْلَ الإحْسَانِ: كَمَّلُوا عِبَادَةَ اللَّهِ، إِلَى أنْ وَصَلُوا إلى حَدِّ المُرَاقَبَةِ.

(2) أيْ: شَيْءٌ واحِدٌ، ولَمْ يَذْكُرْ له أَرْكَانًا، كَمَا ذَكَرَ للإِسْلاَمِ والإيمَانِ.

(3) أيْ: والإِحْسَانُ، هو أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ العِبَادَةَ البَدَنِيَّةَ، كالصَّلاَةِ، أو المَالِيَّةَ كالذَّبْحِ، كأنَّكَ تُشَاهِدُ مَعْبُودَكَ، الذي قُمْتَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وقَرَّبْتَ له القُرْبَانَ، وأَطَعْتَه فيما أَمَرَكَ به، فإنَّه إذا انْكَشَفَت الحَقِيقَةُ للقَلْبِ، وبَلَغَ العَبْدُ في مَقَامِ المَعْرِفَةِ إلى حَدٍّ، كَأنَّه يُطَالِعُ ما اتَّصَفَ به الرَّبُّ سُبْحَانَه، مِن صِفَاتِ الكَمَالِ، ونُعُوتِ الجَلاَلِ، وأَحَسَّت الرُّوحُ بالقُرْبِ الخَاصِّ، الذي لَيْسَ كَقُرْبِ المَحْسُوسِ مِن المَحْسُوسِ، حتَّى يُشَاهَدَ رَفْعُ الحِجَابِ بَيْنَ رُوحِه وقَلْبِه، وبَيْنَ رَبِّه: أَفْضَى القَلْبُ والرُّوحُ حينَئذٍ إلى الرَّبِّ، فَصَارَ يَعْبُدُه كَأنَّه يَرَاهُ.

(4) أيْ: وإِنْ لَمْ تَعْبُدْه، عَلَى اسْتِحْضَارِ الدَّرَجَةِ الأُولَى، دَرَجَةِ المُرَاقَبَةِ، فاعْلَمْ أنَّه يَرَاكَ، سَمِيعٌ عَلِيمٌ بَصِيرٌ، مُطَّلِعٌ عَلَى جَمِيعِ خَفِيَّاتِكَ؛ فهذِه دَرَجَتَانِ، إِحْدَاهُما أَكْمَلُ مِن الأُخْرَى، فإنْ لَمْ تُحَصِّلْ عِبَادَةَ اللَّهِ، كَأَنَّكَ تُشَاهِدُه، فاعْبُدْه عَلَى مَرْأَى مِن اللَّهِ، وأَنَّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ بِجَمِيعِ مَا تَفْعَلُه.

(5) أيْ: أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ مَعَ عِبَادِه الَّذِين اتَّقَوُا المَنْهِيَّاتِ، والَّذِين هم مُحْسِنُونَ في العَمَلِ، يَحْفَظُهُم ويَكْلَؤُهُم ويُؤَيِّدُهُم، وهذه مَعِيَّةٌ خَاصَّةٌ، ومُقْتَضَاهَا مُقْتَضَى العَامَّةِ، وتَقْتَضِي المَعِيَّةُ الخَاصَّةُ: مَعْنًى زَائِدًا بِحَسَبِ مَواطِنِها.

(6) في جَمِيعِ أُمُورِكَ؛ فإِنَّه مُؤَيِّدُكَ وحَافِظُكَ.

(7) ومُعْتَنٍ بِكَ في جَمِيعِ حَرَكَاتِكَ، وسَكَنَاتِكَ.

(8) أي: يَرَاكَ فِي صَلاَتِكَ، في حَالِ قِيَامِكَ، ورُكُوعِكَ، وسُجُودِكَ، وقُعُودِكَ.

(9) أي: السَّمِيعُ لأَِقْوَالِ عِبَادِه، العَلِيمُ بِحَرَكَاتِهِم، وسَكَنَاتِهِم، وقَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} وغيرُها مِن الآياتِ الدَّالَّةِ عَلَى رُؤْيَةِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ، واطِّلاَعِه عَلَى أَفْعَالِ خَلْقِه.

(10) أيْ: وَمَا تَكُونُ يَا مُحَمَّدُ، في عَمَلٍ مِن الأَعْمَالِ، ومَا تَتْلُو مِن اللَّهِ، مِن قُرْآنٍ نَازِلٍ، أو مِن شَأْنٍ، مِن قُرْآنٍ نَزَلَ فيه، ولا تَعْمَلُونَ مِن عَمَلٍ، أَنْتَ وأُمَّتُكَ {إلاَّ كنَّا} أي: إلاَّ ونَحْنُ عَلَيْكُم {شُهُودًا} مُشَاهِدُونَ لَكُمْ، رَاؤُونَ سَامِعُونَ، إذ تُفِيضُونَ فيه، أيْ: تَأْخُذُونَ في ذلك الشَّيْءِ.


  #5  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 07:06 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي حصول المأمول لفضيلة الشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان

قولُهُ: (الْمَرتبةُ الثالثةُ: الإحسانُ رُكْنٌ واحدٌ)
(1) الإحسانُ في الأَصْلِ نَوعانِ:
- إحسانٌ في عِبادةِ الخالِقِ وهوَ الْمُرَادُ هنا.
- إحسانٌ في حُقوقِ الخلْقِ، وهوَ نَوعان:
النوع الأول: إحسانٌ واجبٌ،وهوَ أنْ تَقومَ بحُقوقِهم الوَاجبةِ علَى أَكْمَلِ وَجْهٍ: كَبِرِّ الوالدينِ، وصِلَةِ الأرحامِ، والإنصافِ في جميعِ الْمُعاملاتِ، ويَدْخُلُ في هذا النوعِ: الإحسانُ إلَى البَهائمِ، ثمَّ الإحسانُ في القَتْلِ، لِمَا وَرَدَ في الحديثِ الصحيحِ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ قالَ: ((إِنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ)).
النوعُ الثاني: الإحسانُ المستحَبُّ، وهوَ ما زادَ علَى الواجِبِ مِنْ: بَذْلِ نَفْعٍ بَدَنِيٍّ، أوْ مالٍ، أوْ عِلْمِيٍّ، فَيُساعِدُ الإنسانُ مَن احتاجَ إلَى مُساعَدَتِهِ ببَدَنِهِ، أوْ بمالِهِ، أوْ بعِلْمِهِ، فهذا كلُّهُ داخلٌ في بابِ الإحسانِ.
وأَجَلُّ أنواعِ الإحسانِ: الإحسانُ إلَى مَنْ أساءَ إليكَ، كما قالَ تعالَى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}.

قولُهُ: (ركنٌ واحدٌ وهوَ أن تَعبدَ اللهَ كأنكَ تراهُ، فإن لم تكنْ تَراهُ فإنَّهُ يَراكَ)
(2) معنَى قولِهِ: (أنْ تَعبدَ اللهَ) أيْ: تقومَ بعِبادةِ رَبِّكَ مِنْ عِبادةٍ بَدَنِيَّةٍ: مِنْ صلاةٍ وصيامٍ، أوْ عِبادةٍ مالِيَّةٍ: كذَبْحِ الأَضَاحِيِّ والهدايا أو الصدَقَةِ، تَقومُ بهذه العِبادةِ علَى هذه الحالِ.(كأنكَ تَراهُ) أيْ: كأنكَ تَرَى مَعبودَكَ وتُشاهدُهُ؛ فيَبْعَثُ هذا علَى أمرينِ:
الأمرُ الأوَّلُ:الإخلاصُ للهِ عَزَّ وَجَلَّ بعِبادتِهِ، فلا يَعْبُدُهُ رياءً، ولا سُمْعَةً، ولا مَدْحًا، وهوَ يَعتقدُ أنَّ اللهَ يَراهُ.
الثاني: أن يَتَيَقَّنَ العِبادةَ ويُحْسِنَ أداءَها، فيُصَلِّيَ صلاةَ مَنْ يُشاهدُهُ رَبُّهُ وهوَ يَرَى رَبَّهُ.
ولا ريبَ أنَّ المسلِمَ لوْ تَحَقَّقَ هذا المعنَى؛ لكان مِنْ أَكْبَرِ الدواعِي علَى إخلاصِ العِبادةِ وإتقانِها؛ ولكان مِنْ أَكبرِ الدواعي علَى عَدَمِ شُرودِ ذِهْنِ الإنسانِ في صلاتِهِ، وانشغالِهِ بأفكارٍ أوْ بِهَواجِسَ تَرِدُ عليهِ أثناءَ الصلاةِ.
وهذه هيَ الدرجةُ الأُولَى مِنْ دَرجاتِ الإحسانِ، وهيَ الدرجةُ العُظْمَى، وهيَ دَرجةُ الْمُرَاقبةِ، تَليها دَرجةٌ أُخرَى وهيَ: قولُهُ: (فإنْ لم تكنْ تَراهُ فإنَّهُ يَراكَ) أيْ: إذا لم تَعْبُدْهُ كأنكَ تَراهُ وتُشاهِدُهُ، فاعْبُدْهُ علَى مَرْأَى مِنه سُبحانَهُ وتعالَى؛ فإنَّهُ يَرَى ما تَفعلُ، ويَسمعُ ما تَقولُ.

فهما دَرجتانِ، والدرجةُ الأُولَى هيَ العُظْمَى؛ لأنَّ الدرجةَ الثانيَةَ درجةٌ عامَّةٌ؛ لأنَّ اللهَ جلَّ وعلا يَرَى جميعَ الْخَلْقِ.
لكنَّ الدرجةَ الأُولَى لا تكونُ إلاَّ لصاحِبِ الإحسانِ الذي يَعبدُ ربَّهُ كأنَّهُ يَراهُ.

والْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ أَخَّرَ الْمَرتبةَ الثالثةَ وهيَ مَرتبةُ الإحسانِ؛ لأنَّها أَضيقُ الْمَراتِبِ الثلاثِ؛ لأنَّ أصحابَها هم الْخُلَّصُ مِنْ عِبادِ اللهِ الصالحينَ؛ ولهذا يقولُ الْعُلَمَاءُ: (إذا تَحَقَّقَ الإحسانُ تَحَقَّقَ الإيمانُ والإسلامُ، وكلُّ مُحْسِنٍ مؤمِنٌ مُسلمٌ، وليسَ كلُّ مسلمٍ مؤمِنًا مُحْسِنًا).
وقدْ صَوَّرَ بعضُ الْعُلَمَاءِ هذه الْمَراتِبَ الثلاثَ بثلاثِ دَوائرَ، كلُّ واحدةٍ داخلَ الأخرَى.

- الدائرةُ الأُولَى: وهيَ الدائرةُ الوَاسعةُ، دائرةُ الإسلامِ؛ لأنَّ أهلَ الإسلامِ أكثرُ مِنْ أهلِ الإيمانِ، فقدْ يكونُ مسلمًا في الظاهرِ ولا يكونُ مؤمِنًا، كما سنَذْكُرُ بعدَ قليلٍ إن شاءَ اللهُ، فأَوْسَعُ دائرةٍ هيَ دائرةُ الإسلامِ.
-وفي داخلِها: دائرةُ الإيمانِ.

- وأَضيقُ مِنها:دائرةُ الإحسانِ.
- فمَنْ وُجِدَ داخلَ الدوائرِ الثلاثِ فهوَ مُسلمٌ مؤمِنٌ مُحْسِنٌ.
-وإن خَرَجَ مِن الدائرةِ الصُّغرَى -ونَعْنِي بها دائرةَ الإحسانِ - فهوَ مؤمِنٌ مُسلمٌ.
-وإن خَرَجَ مِن الدائرةِ الثانيَةِ فهوَ مُسلِمٌ في الظاهرِ وليسَ بمؤمِنٍ، ومِنْ بابِ أَوْلَى لن يكونَ مُحْسِنًا.
فأَهْلُ الإحسانِ هم الصَّفوةُ، وهم الْخُلَّصُ مِنْ عِبادِ اللهِ المؤمِنينَ؛ ولهذا وَرَدَ في حَقِّهم في القرآنِ ما لم يَرِدْ في حقِّ غيرِهم.

(3) قولُهُ: (والدليلُ قولُهُ تعالَى: {إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}) فهذه الآيَةُ فيها دليلٌ علَى فَضْلِ المحسنينَ الذينَ اتَّقَوُا اللهَ جلَّ وعلا فلم يَتْرُكوا فَرائضَهُ، ولم يَنتهِكُوا مَحارِمَهُ، وهذه الْمَعِيَّةُ مَعيَّةٌ خاصَّةٌ، مَعِيَّةُ نصرٍ وتأييدٍ وتسديدٍ، زيادةً علَى المعيَّةِ العامَّةِ.
ومعنَى قولِهِ تعالَى: {وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} أيْ: في طاعةِ ربِّهم وعِبادتِهِ، إخلاصًا في النِّيَّةِ والقصْدِ، وأداءً علَى ما شَرَعَ اللهُ وبَيَّنَ رسولُهُ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ.

(4) قولُهُ: (وقولُهُ تعالَى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}) هذه الآياتُ أيضًا فيها دليلٌ علَى الإحسانِ، وهوَ قولُهُ: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ}.
فاللهُ جَلَّ وعلا يأمُرُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ أن يَتَوَكَّلَ علَى ربِّهِ في جميعِ أمورِهِ؛ لأنَّهُ سُبحانَهُ وتعالَى {عزيزٌ} أيْ: قَوِيٌّ لا يُغْلَبُ، {رحيمٌ} أيْ: بالمؤمِنينَ مِنْ عِبادِهِ .
{الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ} أيْ: تَقومُ إلَى الصلاةِ فتُصَلِّي مُتَهَجِّدًا مِن الليلِ وَحدَكَ.
{وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} الواوُ حرفُ عطْفٍ، و{تَقَلُّبَ} معطوفٌ علَى الكافِ، والتقديرُ: الذي يَراكَ ويَرَى تَقَلُّبَكَ، ومعنَى: (يَرَى تَقَلُّبَكَ في الساجدينَ) أيْ: يَرَى تَقَلُّبَكَ معَ الْمُصَلِّين.
والْمُرَادُ بالتَّقَلُّبِ:الركوعُ والسجودُ والقيامُ، فهوَ معكَ يَسمعُ ويَرَى.
ثمَّ قالَ تعالَى: {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} فيهِ تقريرٌ للأمْرِ بالتوَكُّلِ؛ لأنَّ السميعَ لكلِّ صوتٍ والعليمَ بكلِّ حركةٍ وسُكونٍ يَحِقُّ للعَبْدِ أن يَتَوَكَّلَ عليهِ، وأنْ يُفَوِّضَ أمورَهُ إليهِ.

(5) قولُهُ: (وقولُهُ تعالَى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ}) هذه الآيَةُ أيضًا فيها دليلٌ علَى الإحسانِ، والخطابُ للرسولِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ.
ومعنَى {في شأنٍ} أيْ: وما تكونُ في عملٍ مِن الأعمالِ يا مُحَمَّدُ، وما تَتْلُو مِنْ كتابِ اللهِ تعالَى.
{ولا تَعملونَ} أيْ: أنتَ وأُمَّتُكَ مِنْ عملٍ {إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا} أيْ: مُشاهدينَ لكم، مُراقبينَ لأعمالِكم، سامعينَ لأقوالِكم {إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} أيْ: تَأخذونَ في ذلكَ العَمَلِ.


  #6  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 07:08 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح معالي الشيخ :صالح بن عبدالعزيزبن محمد آل الشيخ (مفرغ)


[المرتبة الثالثة: الإحسان]
(المرتبة الثالثة: الإحسان، ركن واحد، وهو أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، والدليل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} ، وقوله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}، وقوله تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} ) في سورة يونس.
[بيان معنى الإحسان]
الإحسان الذي هو مرتبة من المراتب: إحسان العابد أثناء عبادته، وهو مقام المراقبة، مراقبة العابد لربه جل وعلا أثناء عباداته لربه جل وعلا، بل في أحواله كلها؛ لأنه إذا راقب ربه بأنه قد علم أن الله -جل وعلا- مطلع عليه كأنه يرى الله -جل وعلا- فإن هذا يدعوه إلى إحسان العمل، وأن يجعل عمله أحسن ما يكون، وأن يجعل حاله بإقبال قلبه وإنابته وخضوعه وخشوعه، ومراقبته لأحوال قلبه وتصرفات نفسه يجعل ذلك أكمل ما يكون في حسنه وبهائه؛ لأنه يعلم أن الله -جل وعلا- مطلع عليه.
[شرح ركن الإحسان]
هذا المقام - مقام المراقبة - ركن واحد، وهو: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، أن تكون عابداً لله على النحو الذي أمر الله -جل وعلا- به، وأمر به رسوله، وحالتك أثناء تلك العبادة التي تكون فيها مخلصاً موافقاً للسنة حالتك أن تكون كأنك ترى الله جل وعلا، فإن لم تكن تراه فلتعلم أنه جل وعلا مطلع عليك، عالمٌ بحالك، يرى ويبصر ما تعمل، يعلم ظاهر عملك وخفيه، يعلم خلجات صدرك، ويعلم تحركات أركانك وجوارحك، وبضعفه تضعف المراقبة لله جل وعلا.
إذاً: فمقام الإحسان (مرتبة الإحسان) تعظم بعظم مراقبة الله جل وعلا، وتضعف بضعف مراقبة الله جل وعلا، فالعبد المؤمن أثناء عبادته إذا كان يعبد الله -جل وعلا- مخلصاً على وَفق السنة، وحاله أنه كأنه يرى الله، عالم بأن الله مطلع عليه يراه، هذه تجعله يُحسن عمله بل يجعل عمله وحاله أثناء العمل أحسن ما يكون.
[تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} ]
(والدليل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} ) وجه الاستدلال: أن الله -جل وعلا- ذكر هاهنا معيته للذين اتقوا ولمن هم محسنون، قال: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}.
وهذه المعية تقتضي - في هذا الموضع - شيئين:
الأول: أنه -جل وعلا- مطلع عليهم، عالمٌ بهم، محيط بأحوالهم، لا يفوته شيء من كلامهم، ولا من أحوالهم، ولا من تقلباتهم.
والثاني: أنه -جل وعلا- معهم، ناصراً لهم بتأييده ونصره وتوفيقه وتسديده، فالمعيةُ هاهنا معية خاصة بالمؤمنين، ومعلومٌ أن المعية الخاصة للمؤمنين تفسر بما تقتضيه، وهو أنها معيةُ نصر وتأييد وتوفيق وتسديد وإلهام ونحو ذلك، وهذا متضمن للمعية العامة وهي معية الإحاطة والعلم ونحو ذلك، إذاً وجه الاستدلال:
أولاً: أنه ذكر المعية.
الثاني: أنه ذكر معيته للمحسنين، فقال: {وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} والمحسنون هاهنا جمع المحسن، والمحسن: اسمٌ لفاعل الإحسان، ففاعل الإحسان اسمه محسن، والإحسان هو الذي نتكلم عليه في المرتبة الثالثة، فإذاً وجه الاستدلال من جهتين:
أولاً: ذكر المعية.
وثانياً: ذكر المحسنين.
[تفسير قوله تعالى{وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ....} الآيات]
(وقوله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} ) وجه الاستدلال من هذه الآية: أنه ذكر رؤية الله -جل وعلا- لنبيه حال عبادة نبيه، وأنه يراه في جميع أحواله، حين يقوم وتقلبه في الساجدين من صحابته أثناء صلاته بهم عليه الصلاة والسلام، قال واصفاً نفسه جل وعلا: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} وهذا دليل للشق الثاني من ركن الإحسان وهو قوله: (فإن لم تكن تراه فإنه يراك) ، دليل الرؤية هاهنا قوله: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} يعني في المصلين.
[تفسير قوله تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ} ]
قال أيضاً: (وقوله تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} ) وجه الاستدلال: قوله تعالى هنا: {إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ}، وشهود الله -جل وعلا- بما يعمله العباد؛ من معانيه: رؤيته جل وعلا لهم، وإبصاره جل وعلا بهم، فرؤيته جل وعلا من معاني كونه جل وعلا شهيداً.
قال جل وعلا هنا: {إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} وهذا الاستدلال ظاهر؛ لأن الإحسان: هو أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
قال جل وعلا هنا: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ} أيُّ شأن تكون فيه {وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ} أنواع تلاوتك للقرآن، وأحوال ذلك في الصلاة، خارج الصلاة، وأنت على جنبك، وأنت قائم، أحوال ذلك.
{وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ} أحوال عملكم، كل ذلك منكم، الله جل وعلا شهيدٌ عليه، يرى أحوالكم تلك على تفصيلاتها، شاهدٌ وشهيد عليكم، يرى أعمالكم، يسمع كلامكم، ويبصر أعمالكم جل وعلا، وهذا دليل أيضاً ظاهر الاستدلال.


  #7  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 07:09 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي العناصر

بيان المرتبة الثالثة
بيان معنى الإحسان وشرحه
بيان نوعي الإحسان
معنى الإحسان في عبادة الخالق
معنى الإحسان إلى الخلق
- الإحسان بالمال
- الإحسان بالجاه
- الإحسان بالعلم
- الإحسان بالبدن
مراتب الإحسان
- المرتبة الأولى من مراتب الإحسان
- المرتبة الثانية من مراتب الإحسان
سبب تأخير المصنف لمرتبة الإحسان
الدوائر الثلاث التي صور بها العلماء مراتب الدين
بيان معنى عبادة الله تعالى
أيهما أفضل إظهار العبادة أو إسرارها
تفسير قوله تعالى (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون)
تفسير قوله تعالى (وتوكل على العزيز الرحيم) الآيات
تفسير قوله تعالى (وما تكون في شأن وما تتلوا منه من قرآن...) الآية


  #8  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 07:10 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي الأسئله

الأسئلة
س1: عرف الإحسان لغةً وشرعاً.
س2: اذكر أقسام الإحسان.
س3: اذكر مراتب الإحسان، مع التوضيح.
س4: ما معنى الإحسان إلى الخلق؟
س5: ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما المسؤول عنها بأعلم من السائل)) ؟
س6: ما معنى قوله: ((أن تلد الأمة ربتها)) ؟
س7: ما معنى الأمارات؟
س8: ما الذي ينبغي أن يقوله مَن سُئل عما لا يعلم؟
س9: أيهما أفضل: إظهار العبادة أو إسرارها؟
س10: تحدث باختصار عن أهمية حديث جبريل عليه السلام.
س11: ما سبب اختيار المؤلف لرواية مسلم لحديث عمر دون سائر الروايات؟
س12: فسر الآيات التالية باختصار:
أ) قوله تعالى: {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون}.
ب) قوله تعالى: {وتوكل على العزيز الرحيم...} الآيات.
ج) قوله تعالى: {وما تكون في شأن وما تتلوا منه من قرآن...} الآية.
س13: بين ما يدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام: ((هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم)).


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مرتبة, الإحسان

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:25 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir