دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > الأربعون النووية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 1 ذو القعدة 1429هـ/30-10-2008م, 03:21 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي ح40: حديث ابن عمر: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل...) خ

40-عن ابنِ عمرَ رَضِي اللهُ عَنْهُما قالَ: أَخَذَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْكِبَيَّ فقالَ: ((كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ)).
وكانَ ابنُ عُمَر رَضِي اللهُ عَنْهُما يقولُ: إذا أمسيـْتَ فلا تَنْتَظِرِ الصَّباحَ، وإذا أَصْبَحْتَ فَلا تَنْتَظِرِ المساءَ، وخُذْ مِن صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ ، ومِنْ حياتِكَ لِمَوْتِكَ. رواه البخاريُّ.


  #2  
قديم 1 ذو القعدة 1429هـ/30-10-2008م, 03:21 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي شرح الأربعين النووية لفضيلة الشيخ: محمد بن صالح العثيمين

الحديث الأربعون
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمنْكبيَّ فَقَالَ: (كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيْبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيْلٍ) وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَقُوْلُ: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلا تَنْتَظِرِ المَسَاءَ. وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لمَوْتِكَ.(1) رواه البخاري.


الشرح
قوله: "أَخَذَ بِمنْكَبَيَّ" أي أمسك بكفتي من الأمام. وذلك من أجل أن يستحضر مايقوله النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "كُنْ فِي الدُّنِيا كَأَنَّكَ غَرِيْبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيْلٍ" فالغريب لم يتخذها سكناً وقراراً، وعابر السبيل: لم يستقر فيها أبداً، بل هو ماشٍ.
وعابر السبيل أكمل زهداً من الغريب، لأن عابر السبيل ليس بجالس، والغريب يجلس لكنه غريب.
"كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيْبٌ أَوْ عَابرُ سَبِيْلٍ" وهذا يعني الزهد في الدنيا، وعدم الركون إليها، لأنه مهما طال بك العمر فإن مآلك إلى مفارقتها. ثم هي ليست بدار صفاء وسرور دائماً، بل صفوها محفوف بكدرين، وسرورها محفوف بحزنين كما قال الشاعر:
ولاطيبَ للعيشِ مَادامت منغّصةً لذاتُهُ بادّكارِ الموتِ والهَرَمِ
إذاً كيف تركن إليها؟ كن فيها كأنك غريب لاتعرف أحداً ولايعرفك أحد، أوعابر سبيل أي ماشٍ لاتنوي الإقامة.
وَكَانُ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَقُوْلُ: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلا تَنْتَظِرِ المَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ. رواه البخاري.
هذه كلمات من ابن عمر رضي الله عنهما يقول:
إِذَا أَمْسَيْتَ فَلا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ والمعنى: اعمل العمل قبل أن تصبح ولاتقل غداً أفعله، لأن منتظر الصباح إذا أمسى يؤخر العمل إلى الصباح، وهذا غلط، فلا تؤخر عمل اليوم لغد.
وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلا تَنْتَظِرِ المَسَاءَ أي اعمل وتجهّز، وهذا أحد المعنيين في الأثر.
أو المعنى: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلا تَنْتَظِرِ الصَّبَاح لأنك قد تموت قبل أن تصبح. وَإِذَا أَمْسَيْتَ فَلا تَنْتَظِرِ المَسَاء لأنك قد تموت قبل أن تمسي. وهذا في عهدنا كثير جداً، انظر إلى الحوادث كيف نسبتها؟ تجد الرجل يخرج من بيته وهو يقول لأهله هيؤوا لي الغداء، ثم لا يتغدى، يصاب بحادث ويفارق الدنيا، أو يموت فجأة، وقد شوهد من مات فجأة. وفي هذا يقول بعضهم: (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً) والمعنى: الدنيا لاتهمّك، الذي لاتدركه اليوم تدركه غداً فاعمل كأنك تعيش أبداً، والآخرة اعمل لها كأنك تموت غداً، بمعنى: لاتؤخر العمل.
وهذا يروى حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه ليس بحديث.
وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ فالإنسان إذا كان صحيحاً تجده قادراً على الأعمال منشرح الصدر، يسهل عليه العمل لأنه صحيح، وإذا مرض عجز وتعب، أو تعذر عليه الفعل، أو إذا أمكنه الفعل تجد نفسه ضيّقة ليست منبسطة، فخذ من الصحة للمرض، لأنك ستمرض أو تموت.
وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ الحي موجود قادر على العمل، وإذامات انقطع عمله إلا من ثلاث، فخذ من الحياة للموت واستعد.
هذه كلمات نيّرات، ولو أننا سرنا على هذا المنهج في حياتنا لهانت علينا الدنيا ولم نبال بها واتخذناها متاعاً فقط.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: ينبغي للإنسان أن يجعل المال كأنه حمار يركبه، أو كأنه بيت الخلاء يقضي فيه حاجته فهذا هو الزّهد. وأكثر الناس اليوم يجعلون المال غاية فيركبهم المال، ويجعلونه مقصوداً فيفوتهم خير كثير.
من فوائد هذا الحديث:
1. التزهيد في الدنيا وأن لايتخذها الإنسان دار إقامة، لقوله: "كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيْبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيْلٍ".
2. حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم بضرب الأمثال المقنعة، لأنه لو قال: ازهد في الدنيا ولاتركن إليها وما أشبه ذلك لم يفد هذا مثل ما أفاد قوله: "كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَريْبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيْلٍ".
3. فعل ما يكون سبباً لانتباه المخاطب وحضور قلبه، لقوله:"أَخَذَ بِمنْكَبَيَّ" ، ونظير ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما علَّمَ ابن مسعود رضي الله عنه التشهد أمسك كفه وجعله بين كفيه(2) حتى ينتبه.
4. أنه ينبغي للعاقل مادام باقياً والصحة متوفرة أن يحرص على العمل قبل أن يموت فينقطع عمله.
5. الموعظة التي ذكرها ابن عمر رضي الله عنهما: أن من أصبح لاينتظر المساء، وذكرنا لها وجهين في المعنى، وكذلك من أمسى لاينتظر الصباح.
والموعظة الثانية: أن يأخذ الإنسان من صحته لمرضه، لأن الإنسان إذا كان في صحة تسهل عليه الطاعات واجتناب المحرمات بخلاف ما إذاكان مريضاً، وكذلك أيضاً أن يأخذ الإنسان من حياته لموته.
6. فضيلة عبد الله بن عمر رضي الله عنهما حيث تأثّر بهذه الموعظة من رسول الله صلى الله عليه وسلم. والله أعلم.

______________________________________________________________________
(1) أخرجه البخاري – كتاب: الرقاق، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم :" كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل"، (6416)
(2) أخرجه البخاري – كتاب: الاستئذان، باب: الأخذ باليدين، (6265). ومسلم – كتاب: الصلاة، باب: التشهد في الصلاة، (402)،(59).


  #3  
قديم 25 ذو القعدة 1429هـ/23-11-2008م, 01:58 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post شرح فضيلة الشيخ : محمد حياة السنيدي.

(2) الشرح :

(عَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمَنْكِبَيَّ)؛ لأَِتَوَجَّهَ إليهِ بِقَلْبِي وَقَالِبِي، وَآخُذَ مِنْهُ مَا يُلْقِيهِ إليَّ بالإقبالِ التَّامِّ؛ لأَنَّ مَا أَرَادَ إِلْقَاءَهُ أَمْرٌ عَظِيمُ الشَّأْنِ، فَقَالَ: ((كُنْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا)) الفانِيَةِ عَنْ قَرِيبٍ، التي خَلَقَهَا لِتَتَزَوَّدَ مِنْهَا للآخِرَةِ، لا للرُّكُونِ عليهَا والاشْتغالِ بِلَذَّاتِهَا.
((كَأَنَّكَ غَرِيبٌ)) مُسَافرٌ في غيرِ وَطَنِكَ؛ لأنَّ وَطَنَكَ الأَصْلِيَّ الآخِرَةُ وَلاَ تَتَعَلَّقْ منها إلاَّ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ، كَتَعَلُّقِ المُسَافِرِ بِمَا في غيرِ وَطَنِهِ ((أَوْ)) بَلْ كُنْ((عَابِرَسَبِيلٍ)) مَارَّ طَرِيقٍ، وهُوَ أَكْثَرُ انْقِطَاعًا، عَمَّا لا يَتَعَلَّقُ بِمَقْصِدِهِ، وَتَزَوَّدْ لِآخِرَتِكَ، ولاَ تَغْفُلْ عَنْهَا في عُمُرِكَ؛ فإنَّ العاقِلَ النَّبِيهَ مَنْ سَعَى في هذهِ الدارِ لِزَادِ المعادِ، وأَعْرَضَ عَمَّا سِوَاهُ، وَسَوْفَ تَقَرُّ عَيْنُهُ حِينَ يَرَى فَائِدَةَ زَادِهِ، يَوْمَ لا يَنْفَعُ إلاَّ مَا قَدَّمَ، وإنَّ الغَبِيَّ السَّفِيهَ مَن انْهَمَكَ في لذَّاتِ هذهِ الفانِيَةِ، وَأَعْرَضَ عَنْ لَذَّاتِ الباقِيَةِ، وَسَوْفَ تَعْلَمُ سُوءَ عَاقِبَتِهِ، حينَ يَعَضُّ الظَّالِمُ على يَدَيْهِ وَيَنْدَمُ.
(وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: إِذَا أَمْسَيْتَ) يا ابنَ آدمَ (فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ) لَعَلَّكَ تَمُوتُ قبْلَ أَنْ تُدْرِكَهُ، فَاجْتَهِدْ في المَسَاءِ، بِفِعْلِ الأخْيَارِ، وَاجْتَنِبْ فيهِ عَمَلَ الأَشْرَارِ، وَتُبْ عَن الأوزَارِ، وَلاَ تُسَوِّفْ ذلكَ إلى الصَّباحِ، فإنَّهُ مُوهِمٌ.

(فإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ المَسَاءَ)؛لأَِنَّ الأمرَ أَعْجَلُ مِنْ ذَلكَ.
(وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ)التي هيَ أَوَانُ فِعْلِ الخيرَاتِ، مِنْهَا (لِمَرَضِكَ) الذي يُضْعِفُكَ عَنْهَا.
(وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ) فَإِنَّكَ لا تَنْتَفِعُ عِنْدَ حُلُولِهِ، إِلاَّ بِمَا قَدَّمْتَ مِنَ الحسَنَاتِ.
وَالآخِذُونَ مِنَ الدُّنْيَا مُخْتَلِفُو الأحوَالِ، كَقَومٍ وَرَدُوا مَكَانًا فيهِ صَنَادِيقُ مُقْفَلَةٌ فَحَمَلَ كلٌّ ما اشْتَهَاهُ، ثُمَّ ارْتَحَلُوا منهُ وَنَزَلُوا مَكَانًا في قُرْبِهِ نِعَمٌ عَلِيَّةٌ، فَفَتَحُوا صَنَادِيقَهُم:

فَمِنْهُم: مَنْ وَجَدَ صُنْدُوقَهُ مَمْلُوءًا مِنَ اللآلِئِ وَالجَوَاهِرِ وَالفِضَّةِ والذَهَبِ، وَتِلْكَ النِّعَمُ لا تُحَصَّلُ إلاَّ بِمَا في صنْدُوقِهِ، فَحَصَّلَ بِهَا تِلْكَ النِّعَمَ العَالِيَةَ، وَسَعِدَ بِمَا حَمَلَ أَشَدَّ السَّعَادَةِ، وَفَرِحَ بِهِ أَشَدَّ الفَرْحَةِ.
ومنهُمْ: مَنْ وَجَدَ صنْدُوقَهُ مَمْلُوءًا مِنَ الأَثْمَانِ النَّفِيسَةِ والأحجارِ الخَسِيسَةِ وَحَيَّاتٍ وَعَقَارِبَ وَسُمٍّ قَاتِلٍ، فَفَرِحَ بالأَثمانِ التي يُحَصِّلُ بِهَا تِلْكَ النِّعَمَ بِقَدْرِهَا، وَنَدِمَ على الأحجارِ حَيْثُ لَمْ تَنْفَعْ شَيئًا، وَاغْتَمَّ بالحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ، حَيْثُ ابْتُلِيَ بِلَدْغِهَا.
ومنهمْ: مَنْ وَجَدَ صُنْدُوقَهُ مَمْلُوءًا مِنَ الحَيَّاتِ والعَقَارِبِ، والسُّمِّ القاتِلِ، وأنواعِ المُؤْذِيَاتِ، فَاغْتَمَّ لذلكَ غَمًّا شَدِيدًا ونَدِمَ نَدَامَةً لَمْ يَنْدَمْهَا أَحَدٌ.
(فالأَوَّلُ): مِثَالُ مَنْ عَمِلَ بِطَاعَةِ اللهِ تَعَالَى، ولَمْ يَخْلِطْهَا بالمَعْصِيَةِ، وجُوزِيَ عَلَيْهَا جَنَّةً عَالِيَةً وَرِضَى الرَّبِّ الكَريمِ، وَرُؤْيَتَهُ، وهيَ أَلَذُّ النِّعَمِ.
فَبِمَاذَا يَفْرَحُ؟

هَلْ يَفْرَحُ بمَا أُعْطِيَ مِنْ أَعْلَى النِّعَمِ مِنْ قُرَّةِ الأَعْيُنِ، أَوْ بمَا عُصِمَ مِمَّا ابْتُلِيَ بِهِ رُفَقَاؤُهُ مِنَ الغَمِّ وَأَشَدِّ المِحَنِ.
(الثاني): مِثَالُ مَنْ خَلَطَ عَمَلاً صَاحِلاً، وَآخَرَ سَيِّئًا وَعَبَثًا، فَجُوزِيَ بِصَالِحِهِ ثَوَابًا جَلِيلاً، فَفَرِحَ بذلِكَ، وَجُوزِيَ بِسَيِّئَتِهِ سُوءًا فَاغْتَمَّ لذلكَ غَمًّا وَوَجَدَ العَبَثَ عَبَثًا، فَنَدِمَ على حِمْلِهِ نَدَمًا.
(والثالثُ): مِثَالُ مَنْ عَصَى مَوْلاَهُ، واتَّبَعَ الشَّيْطَانَ وَاتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ، فَجُوزِيَ على ذلكَ عِقَابًا أَبَدِيًّا، وَعَذَابًا سَرْمَدِيًّا، وَغَضِبَ عليهِ سَيِّدُهُ، وَأَلَمُ غَضَبِهِ أَشَدُّ مِنْ أَلَمِ الجَحِيمِ.
فَعَلَى مَاذَا يَغْتَمُّ؟ هلْ يَغْتَمُّ على مَا ابْتُلِيَ بهِ مِنَ النِّقَمِ؟ أَوْ على ما فَاتَهُ مِنْ أَجَلِّ النِّعَمِ؟
قالَ اللهُ تَعَالَى: {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَايَعْقِلُهَاإِلاَّالْعَالِمُونَ}[العنكبوت:43].
أَيْ: ولا يَنْتَفِعُ بِها الغَافِلُونَ الجَاهِلُونَ.


  #4  
قديم 25 ذو القعدة 1429هـ/23-11-2008م, 02:00 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post المنن الربانية لفضيلة الشيخ :سعد بن سعيد الحجري

الحديثُ الأَرْبَعُونَ
عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْكِبَيْ فَقَالَ: ((كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ)).
وَكانَ ابنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنْهُمَا يَقُولُ: (إِذَا أَمْسَيْتَ فَلا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلا تَنْتَظِرِ المساءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ)، رواهُ البخاريُّ.
موضوعُ الحديثِ: حقيقةُ الدُّنيا.
المفرداتُ:

(أَخَذَ) أيْ: أَمْسَكَ وَوَضَعَ يَدَهُ للتَّنْبِيهِ على أَمْرٍ مُهِمٍّ.
(مَنْكِبَيْ): مُثَنَّى مَنْكِبٍ، وَالمَنْكِبُ: هوَ مُجْتَمَعُ رأسِ العَضُدِ وَالكَتِفِ. وَسُمِّيَ بهِ؛ لأنَّهُ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ.

(6) ((كأنَّكَ غَرِيبٌ)) أيْ: مِثْلُ الغريبِ، وَالغريبُ هوَ البعيدُ عَنْ وَطَنِهِ وَعنْ أَهْلِهِ، وَالمرادُ أيْ: كَمَنْ لَمْ يُقِمْ فِي بَلَدِهِ، فهوَ مَشْغُولُ البالِ بِوَطَنِهِ (الآخرةِ) وَبِأَهْلِهِ (أَهْلِهِ في الآخرةِ)، وَليسَ مَعَهُ مِن الزادِ إِلاَّ بِمِقْدَارِ حَاجَتِهِ، وَهوَ رجلٌ مُعْرِضٌ عَن الدُّنْيَا مُتَقَلِّلٌ مِنْهَا.
(7)((أو عَابِرُ سَبِيلٍ)): (أَوْ) بِمَعْنَى بَلْ، فَهِيَ للإِضرابِ وَلَيْسَتْ للتَّخْيِيرِ.
وَعابِرُ السبيلِ: هوَ المسافرُ الذي يَرْحَلُ كُلَّ يَوْمٍ مَرْحَلَةً لِيَصِلَ مَقْصُودَهُ، وَنحنُ في سَفَرٍ إِلى الآخرةِ.

وَوَجْهُ الشبهِ: أنَّ المُقِيمَ قدْ يَرْكَنُ إِلى أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ، وَالمسافرُ بِعَكْسِ ذلكَ لِبُعْدِهِ عَنْهُمْ.
وَالمُسَافِرُ لا يَأْخُذُ مَعَهُ في سَفَرِهِ إِلاَّ الشيءَ الضروريَّ، وَالمُسْلِمُ لا يَأْخُذُ إِلى الآخرةِ إِلاَّ العملَ الصالحَ.

وَالمُسَافِرُ لا يَرَى الطريقَ هَدَفاً وَغَايَةً، وَلكنْ يَرَاهُ سَبِيلاً وَمَعْبَراً، وَكذلكَ المُسْلِمُ يَرَى الدُّنيا كذلكَ.
وَالمُسَافِرُ يَشْعُرُ في كلِّ لحظةٍ أَنَّهُ يَبْتَعِدُ عَن الانطلاقةِ وَيَقْتَرِبُ مِن النهايَةِ، وَكذلكَ المُسْلِمُ يَبْتَعِدُ عَن الدُّنيا وَيَقْتَرِبُ مِن الآخرةِ.
وَالمُسَافِرُ يَتَزَوَّدُ مِن المَحَطَّاتِ، وَالمُسْلِمُ كَذَلِكَ.
(وإِذا أَمْسَيْتَ): أيْ إِذا دَخَلْتَ في المساءِ، وَهوَ مِن الزَّوَالِ إِلى مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ.
(إِذا أَصْبَحْتَ) أيْ: إِذا دَخَلْتَ في الصباحِ، وَهوَ مِنْ نصفِ اللَّيْلِ إِلى الزَّوَالِ.
والمُرَادُ: كُنْ مُسْتَعِدًّا للموتِ في كلِّ لحظةٍ؛ فَإِنَّكَ لا تَدْرِي مَتَى يَكُونُ؛ إِذْ هوَ مِنْ عِلْمِ الغيبِ الذي لا يَعْلَمُهُ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ، وَالواجبُ الاستعدادُ لهُ، قَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ} [الجمعة:8].
وَقدْ أُمِرْنَا أَنْ نُكْثِرَ مِنْ ذِكْرِهِ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَادِمِ اللَّذَّاتِ؛ الْمَوْتِ)).
قَالَ بعضُ السَّلَفِ:

(لَوْ قِيلَ: القِيَامَةُ يَوْمُ غَدٍ، لَمْ أَجِدْ للعَمَلِ الصالحِ مَزِيداً).
(وخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِسَقَمِكَ) أيْ: خُذْ مِنْ سَلامَتِكَ لِمَرَضِكَ، فَاغْتَنِم الصِّحَّةَ حتَّى يُكْتَبَ لَكَ حالَ المرضِ ما كُنْتَ تَعْمَلُهُ حالَ الصحَّةِ، وَمِثْلُهُ اغْتَنِمْ خَمْساً قبلَ خَمْسٍ... منها صِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، فالصِّحَّةُ قُوَّةٌ وَتَمَكُّنٌ مِن العملِ، وَالمَرَضُ ضَعْفٌ وَعَدَمُ تَمَكُّنٍ.
(ومِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ) أيْ: تَزَوَّدْ بالعملِ الصالحِ حتَّى تَجِدَهُ أَمَامَكَ؛ لأنَّ الدُّنيا دارُ عَمَلٍ وَالآخرةَ دارُ جزاءٍ، الدُّنْيَا دَارُ مَمَرٍّ وَالآخرةَ دَارُ مَقَرٍّ، الدُّنيا دَارُ زَرْعٍ وَالآخرةَ دَارُ حَصَادٍ.

قَالَ عَلِيٌّ: (إِنَّ الدُّنيا قَد ارْتَحَلَتْ مُدْبِرَةً، وَالآخرةَ قد ارْتَحَلَتْ مُقْبِلَةً، وَلكلٍّ مِنْهُمَا بَنُونَ، فَكُونُوا مِنْ أبناءِ الآخرةِ وَلا تَكُونُوا مِنْ أبناءِ الدُّنيا؛ فإِنَّ اليومَ عَمَلٌ وَلا حِسَابَ، وَغَداً حِسَابٌ وَلا عَمَلَ).
وَقالَ أحدُ السلفِ:

(العقلاءُ ثلاثةٌ: مَنْ أَرْضَى رَبَّهُ قَبْلَ أَنْ يَلْقَاهُ، وَمَن اسْتَعَدَّ لقَبْرِهِ قبلَ أنْ يَنْزِلَهُ، وَمَنْ تَرَكَ الدُّنيا قبلَ أنْ تَتْرُكَهُ).
فالدُّنيا دارُ عَمَلٍ،{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزَّلْزَلَة:7، 8]. وَيَصْحَبُ الإِنسانَ إِلى قبرِهِ ثلاثةٌ، فلا يَبْقَى مَعَهُ إِلاَّ العملُ. وَيَأْتِي العملُ للعبدِ في قبرِهِ على صُورَةِ رجلٍ. وَالحياةُ عملٌ وَالموتُ جزاءٌ.
الفوائدُ:

1- شَفَقَةُ النبيِّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلَّمَ.
2- صِدْقُ الرسولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في نُصْحِهِ.
3- حُبُّ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأصحابِهِ.
4- صَرْفُ القوَّةِ في عملِ الآخرةِ.
5- عدمُ الرُّكُونِ للدُّنيا.
6- بيانُ حقيقةِ الدنيا.
7- الدنيا مَمَرٌّ وَليستْ مَقَرًّا.
8- اغْتِنَامُ الدنيا لعملِ الآخرةِ.
9- الدارُ الحقيقيَّةُ هيَ الآخرةُ.
10- الدنيا للعملِ وَالآخرةُ للجزاءِ.
11- سُرْعَةُ زوالِ الدنيا.
12- التَّزْوِيدُ بِخَيْرِ زادٍ.
13- انتفاعُ الصحابةِ بالمواعظِ.
14- الاستعدادُ للموتِ قبلَ نُزُولِهِ.
15- حفظُ الصباحِ وَالمساءِ.
16- اغتنامُ الصحَّةِ.
17- يُكْتَبُ للإِنسانِ حالَ مَرَضِهِ ما كانَ يَعْمَلُ حالَ صِحَّتِهِ.
18- شُكْرُ اللهِ تَعَالَى على نِعْمَةِ الصِّحَّةِ.
19- إِشغالُ الحياةِ بالصالحاتِ.


  #5  
قديم 25 ذو القعدة 1429هـ/23-11-2008م, 02:02 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post شرح فضيلة الشيخ :ناضم سلطان المسباح

(3) مَنْزِلَةُ الحديثِ:
كم مِن مكلَّفٍ وَقَفَت الدُّنيَا عائقًا في طريقِهِ مِن الالتزامِ بأوامرِ الدَّيانِ، وكم مِن مكلَّفٍ نفذَ حبُّ الدُّنيا إلَى قلبِهِ فأصبحَ أسيرًا لها ولأهلِهَا، وكم مِن مكلَّفٍ باعَ دينَهُ وضميرَهُ وأمَّتَهُ بسببِهَا، لذلك بيَّنَ رسولُ الإسلامِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كيفَ يَنْبَغِي للمكلَّفِ أن يكونَ فيها، حتَّى يجتازَ هذه الدُّنيا بسلامٍ إلَى دارِ السَّلامِ.
فهذا الحديثُ أصلٌ في الزُّهدِ في الدُّنيا واحتقارِهَا، والقناعةِ منها بالقليلِ الَّذي يُبَلِّغُ للآخرةِ.
أقوالُ العلماءِ بهذه الوَصِيَّةِ:
(4) قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ)).
نقلَ الحافظُ ابنُ حجرٍ للعلماءِ في هذه الوصيَّةِ العظيمةِ أقوالاً مفيدةً، أنقلُهَا بالنَّصِّ:
-قالَ الطِّيبِيُّ: ليسَتْ [ أو ] للشَّكِّ بل للتَّخييرِ والإباحةِ، والأحسنُ أن تكونَ بمعنَى [ بلْ]، فشبَّهَ النَّاسكَ السَّالكَ بالغريبِ الَّذي ليسَ له مسكنٌ يُؤْويهِ، ولا مسكنٌ يَسْكُنُهُ، ثمَّ ترقَّى وأضربَ عنه إلَى عابرِ السَّبيلِ؛ لأنَّ الغريبَ قد يسكنُ في بلدِ الغربةِ بخلافِ عابرِ السَّبيلِ القاصدِ لبلدٍ شاسعٍ وبينهُمَا أوديَةٌ مُرديَةٌ، ومَفَاوُزُ مُهْلِكَةٌ، وقطَّاعُ طريقٍ، فإنَّ مِن شأنِهِ أن لا يقيمَ لحظةً ولا يَسْكُنَ لَمْحَةً.
وقالَ ابنُ بطَّالٍ: (لمَّا كانَ الغريبُ قليلَ الانبساطِ إلَى النَّاسِ، بل هو مستوحِشٌ منهم إذْ لا يكادُ يمرُّ بمَن يعرِفُهُ فيستأنِسَ به، فهو ذليلٌ في نفسِهِ خائفٌ، وكذلك عابرُ السَّبيلِ لا ينفذُ في سفرِهِ إلاَّ بقوَّتِهِ عليهِ، وتخفيفِهِ مِن الأثقالَ غيرَ متثبِّتٍ بما يمنعُهُ مِن قطعِ سفرِهِ، معه زادُهُ وراحلتُهُ يُبلِّغانِهِ إلَى بُغيتِهِ مِن قصدِهِ، شبَّهَ بهما، وفي ذلك إشارةٌ إلَى إيثارِ الزُّهدِ في الدُّنيَا وأخذِ البلغةِ منها والكفافِ، فكمَا لا يحتاجُ المسافرُ إلَى أكثرَ ممَّا يبلِّغُهُ إلَى غايَةِ سفرِهِ، فكذلك لا يحتاجُ المؤمنُ في الدُّنيَا إلَى أكثرَ ممَّا يبلِّغُهُ المحلَّ).
وقالَ النَّوويُّ: (معنَى الحديثِ: لا تَرْكَنْ إلَى الدُّنيَا ولا تَتَّخِذْهَا وَطَنًا، ولا تُحَدِّثْ نفسَكَ بالبقاءِ فيها، ولا تَتعلَّقْ منها بما لا يَتعلَّقُ به الغريبُ في غيرِ وطنِهِ).
- كما ذكرَ الحافظُ قولين لاثنينِ مِن العلماءِ لم يَذْكُر اسْمَيْهِمَا:
الأوَّلُ: عابرُ السَّبيلِ هو المارُّ علَى الطَّريقِ طالبًا وطنَهُ، فالمرءُ في الدُّنيَا كعبدٍ أرسلَهُ سيِّدُهُ في حاجةٍ إلَى غيرِ بلدِهِ فشأنُهُ أن يبادرَ بفعلِ ما أُرْسِلَ به ثمَّ يعودَ إلَى وطنِهِ ولا يَتعلَّقَ بشيءٍ غيرِ ما هو فيهِ.
الثَّاني: وقالَ غيرُهُ: المرادُ أنَّ للمؤمنِ نفسِهِ في الدُّنيا مَنْزِلَةَ الغريبِ؛ فلا يُعلِّقُ قلبَهُ بشيءٍ مِن بلدِ الغربةِ، بل قلبُهُ متعلِّقٌ بوطنِهِ الَّذِي يرجعُ إليهِ، ويجعلُ إقامَتَهُ في الدُّنيَا ليقضيَ حاجَتَهُ وجهازَهُ للرُّجوعِ إلَى وطنِهِ، وهذا شأنُ الغريبِ، أو يكونُ كالمسافرِ لا يَستقرُّ في مكانٍ بعينِهِ، بل هو دائمُ السَّيرِ إلَى بلدِ الإقامةِ.
(5) وقولُ ابنِ عمرَ رَضِي اللهُ عَنْهُ: (إِذَا أَمْسَيـْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ) مُنْتَزَعٌ مِن وصيَّةِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهُ، فهي تَدُلُّ علَى قِصَرِ الأملِ في هذه الدُّنيا، ويَنْبَغِي للعبدِ أن يَظَلَّ دائمًا مُستشعِرًا أنَّ أَجَلَهُ مُدْرِكُهُ.
وهذا الشُّعورُ يَدفعُهُ للقناعةِ بالقليلِ مِن الدُّنيا، والاستعدادِ ليومِ المعادِ، وإحسانِ ما كلِّفَ به مِن طاعاتٍ واجبةٍ ومستحبَّةٍ.
استغلالُ العمرِ بما يَنْفَعُ:
(6) قولُ ابنِ عمرَ: (وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ).
هذه وصيَّةٌ عظيمةٌ مِن هذا الصَّحابيِّ الجليلِ رَضِي اللهُ عَنْهُ، مشتقَّةٌ مِن كتابِ ربِّنَا، وسنَّةِ رسولِنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
- فأوصَى باستغلالِ زمنِ الصِّحَّةِ والعافيَةِ بالطَّاعةِ الواجبةِ والمستحَبِّ منها؛ لأنَّ الإنسانَ أثناءَ المرضِ قد يَعْجَزُ عن الكثيرِ مِن الطَّاعاتِ، وقد يُقَصِّرُ بأدائِهَا، فلعلَّ ما قامَ بهِ أثناءَ الصِّحَّةِ والعافيَةِ يجبرُ ما بدرَ منه أثناءَ المرضِ.
قالَ الحافظُ: والمعنَى: اشتغِلْ في الصِّحَّةِ بالطَّاعةِ، بحيثُ لو حصلَ تقصيرٌ في المرض يُجْبَرُ بذلك.
وقالَ ابنُ الجوزيِّ: (قد يكونُ الإنسانُ صحيحًا ولا يكونُ متفرِّغًا لشغلِهِ بالمعاشِ، وقد يكونُ مستغنِيًا ولا يكونُ صحيحًا، فإذا اجتمعَا فغلبَ الكسلُ علَى الطَّاعةِ فهو المغبونُ. وتمامُ ذلك أنَّ الدُّنيا مزرعةُ الآخرةِ، وفيها التِّجارةُ الَّتِي يظهر ربحُهَا في الآخرةِ، فمَن استغلَّ فراغَهُ وصحَّتَهُ في طاعةِ اللهِ فهو المغبوطُ، ومَن استعملَهَا في معصيَةِ اللهِ فهو المغبونُ؛ لأنَّ الفراغَ يعقبُهُ الشُّغلُ، والصِّحَّةُ يَعْقُبُها السَّقَمُ).
وكلامُ ابنِ الجوزيِّ هذا أوردَهُ الحافظُ أثناءَ شرحِ حديثِ: ((نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ)).
- كما أوصَى رَضِي اللهُ عَنْهُ باستغلالِ أيَّامِ العمرِ بطاعةِ اللهِ ورسولِهِ، والتَّزوُّدِ مِن أبوابِ الخيرِ الواسعةِ ليومِ المعادِ، قالَ تَعالَى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}، والموتُ يَفْجَأُ ابنَ آدمَ، وقدْ يلقَى ربَّهُ ولا زادَ معَهُ، وبهذا يَهْلِكُ ويَخسَرُ ويَضِلُّ سعيُهُ.
أَنْشَدَ بعضُهُم:
أيسرُّكَ أن تكونَ رفيقَ قومٍ ** لهم زادٌ وأنتَ بغيرِ زادِ
وهنا يَندمُ ابنُ آدمَ علَى ما فرَّطَ في جنبِ اللهِ، ولاتَ ساعةَ مندمٍ.
قالَ تعالَى: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}.
وقالَ تعالَى: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولاَ}.
والآخرةُ دارُ حسابٍ وليسَتْ دارَ عملٍ، قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ: إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ)).
انقضاءُ الدُّنيَا: يَعلمُ ابنُ آدمَ علمَ اليقينِ بأنَّ الدُّنيَا فانيَةٌ ومنقضِيَةٌ، ولكنَّهُ يَغفلُ وينسَى هذه الحقيقةَ بسببِ انغماسِهِ في الدُّنيا وأثناءَ الكدحِ فيها، لذلك ذكَّرَنَا اللهُ عزَّ وجلَّ في أكثرَ مِن موضعٍ قالَ تعالَى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ}.
وقالَ سبحانَهُ: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
فالعبدُ الْفَطِنُ الَّذِي نوَّرَ اللهُ قلبَهُ بحقيقةِ هذه الدُّنيا، لا تَغرُّهُ الدُّنيَا الفانيَةُ ولا يَطمئنُّ لنعيمِهَا وزِينتِهَا، بل يَجعلُهَا مَزْرَعَةً ليومِ الْمَعادِ.
فوائدُ مِن الحديثِ:

1 - أخْذُ الرَّسولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْكِبِ عبدِ اللهِ فيهِ تَنبيهُ طالبِ العلمِ لِمَا يُلْقَى عليهِ، وإشعارُ المتعلِّمِ باهتمامِ المعلِّمِ به وحرصِهِ علَى توصيلِ العلمِ إلَى قَرارةِ نفسِهِ، وهذا يؤدِّي إلَى حفظِ العلمِ، إذ محالٌ أن ينسَى مَن فُعِلَ به ذلك.
كما فيهِ محبَّةُ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعبدِ اللهِ بنِ عمرَ؛ لأنَّ مثلَ هذا غالبًا يَفعلُهُ المرءُ معَ مَنْ يُحِبُّ.
2 -في الحديثِ حِرْصُ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علَى إيصالِ الخيرِ والصَّلاحِ للأمَّةِ.
3 - كما فيهِ الاقتصارُ علَى ما لا بدَّ منهُ.
4 - كما فيهِ الحثُّ علَى المبادرةِ في الطَّاعاتِ.


  #6  
قديم 25 ذو القعدة 1429هـ/23-11-2008م, 02:05 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post جامع العلوم والحكم للحافظ: عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي

(1) هذا الحديثُ خَرَّجَهُ البخاريُّ عنْ عَلِيِّ بنِ المَدِينِيِّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عبدِ الرحمنِ الطُّفَاوِيُّ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنِي مُجَاهِدٌ، عن ابنِ عُمَرَ، فَذَكَرَهُ.
وقدْ تَكَلَّمَ غيرُ واحدٍ من الحُفَّاظِ في لَفْظَةِ: (حَدَّثَنَا مُجَاهِدٌ)، وقالُوا: هيَ غيرُ ثَابِتَةٍ، وَأَنْكَرُوهَا على ابنِ المَدِينِيِّ وقالُوا: لم يَسْمَع الأَعْمَشُ هذا الحديثَ منْ مجاهدٍ، إنَّمَا سَمِعَهُ منْ لَيْثِ بنِ أبي سُلَيْمٍ عنهُ، وقدْ ذَكَرَ ذلكَ العُقَيْلِيُّ وغيرُهُ.
وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ منْ حديثِ ليثٍ عنْ مجاهدٍ، وزادَ فيهِ: ((وَعُدَّ نَفْسَكَ مِنْ أَهْلِ الْقُبُورِ)). وزادَ في كلامِ ابنِ عُمَرَ: (فَإِنَّكَ لا تَدْرِي يا عبدَ اللَّهِ ما اسْمُكَ غدًا).
وَخَرَّجَهُ ابنُ ماجَهْ ولمْ يَذْكُرْ قولَ ابنِ عُمَرَ.
وَخَرَّجَ الإِمامُ أحمدُ وَالنَّسَائِيُّ منْ حديثِ الأَوْزَاعِيِّ عنْ عَبْدَةَ بنِ أبي لُبَابَةَ، عن ابنِ عُمَرَ قالَ: أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعْضِ جَسَدِي فقالَ: ((اعْبُدِ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، وَكُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ)).
وعَبْدَةُ بنُ أبي لُبَابَةَ أَدْرَكَ ابنَ عُمَرَ، وَاخْتُلِفَ في سَمَاعِهِ مِنْهُ.
وهذا الحديثُ أَصْلٌ في قِصَرِ الأملِ في الدُّنيا، وأنَّ المؤمنَ لا يَنْبَغِي لهُ أنْ يَتَّخِذَ الدُّنْيَا وَطَنًا وَمَسْكَنًا فَيَطْمَئِنَّ فيها، ولكنْ يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ فيها كَأَنَّهُ على جَنَاحِ سَفَرٍ يُهَيِّئُ جهازَهُ للرحيلِ.
وقد اتَّفَقَتْ على ذلكَ وَصايَا الأنبياءِ وَأَتْبَاعِهِم، قالَ تَعَالَى حَاكِيًا عنْ مُؤْمِنِ آلِ فرعونَ أنَّهُ قالَ: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} [غَافِر:39].

وكانَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((مَا لِي وَلِلدُّنْيَا؛ إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رَاكِبٍ قَالَ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا)).
وَمِنْ وَصَايَا المَسِيحِ عليهِ السَّلامُ لأصحابِهِ، أنَّهُ قالَ لهم: اعْبُرُوهَا ولا تَعْمُرُوهَا.

ورُوِيَ عنهُ أنَّهُ قالَ: مَنْ ذا الذي يَبْنِي على مَوْجِ البحرِ دَارًا، تِلْكُم الدُّنْيَا، فَلا تَتَّخِذُوهَا قَرَارًا.
ودخلَ رَجُلٌ على أبي ذرٍّ، فَجَعَلَ يُقَلِّبُ بَصَرَهُ في بَيْتِهِ، فقالَ: يا أَبَا ذَرٍّ، أَيْنَ مَتَاعُكُمْ؟ قالَ: إنَّ لَنَا بَيْتًا نُوَجِّهُ إليهِ، قالَ: إنَّهُ لا بُدَّ لكَ منْ مَتاعٍ ما دُمْتَ هَا هُنَا، قالَ: إنَّ صَاحِبَ المنْزِلِ لا يَدَعُنَا فيهِ.

ودَخَلُوا على بعضِ الصالحينَ، فَقَلَّبُوا بَصَرَهُم في بيتِهِ، فقالُوا لهُ: إنَّا نَرَى بَيْتَكَ بَيْتَ رَجُلٍ مُرْتَحِلٍ، فقالَ: أَمُرْتَحِلٌ؟ لا، وَلَكِنْ أُطْرَدُ طَرْدًا.
وكانَ عَلِيُّ بنُ أبي طالبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يقولُ: إنَّ الدُّنيا قد ارْتَحَلَتْ مُدْبِرَةً، وإنَّ الآخِرَةَ قد ارْتَحَلَتْ مُقْبِلَةً، ولكُلٍّ منهما بَنُونَ، فَكُونُوا منْ أبناءِ الآخرةِ، ولا تَكُونُوا منْ أبناءِ الدُّنيا؛ فإنَّ اليومَ عَمَلٌ ولا حِسَابَ، وَغَدًا حِسَابٌ وَلا عَمَلَ.
قالَ بعضُ الحكماءِ: عَجِبْتُ مِمَّن الدُّنْيَا مُوَلِّيَةٌ عنهُ، والآخرةُ مُقْبِلَةٌ إليهِ، يَشْتَغِلُ بالمُدْبِرَةِ، ويُعْرِضُ عن المُقْبِلَةِ.
وقالَ عُمرُ بنُ عبدِ العزيزِ في خُطْبَتِهِ: (إنَّ الدُّنيا لَيْسَتْ بِدَارِ قَرَارِكُمْ، كَتَبَ اللَّهُ عليها الفَنَاءَ، وَكَتَبَ على أهلِهَا منها الظَّعْنَ، فكَمْ مِنْ عَامِرٍ مُوَثَّقٍ عنْ قليلٍ يَخْرَبُ، وكمْ منْ مُقِيمٍ مُغْتَبِطٍ عَمَّا قَلِيلٍ يَظْعَنُ، فَأَحْسِنُوا -رَحِمَكُم اللَّهُ- منها الرِّحْلَةَ بِأَحْسَنِ ما بِحَضْرَتِكُمْ مِن النُّقْلَةِ، وَتَزَوَّدُوا؛ فإنَّ خَيْرَ الزادِ التَّقْوَى).
وإذا لمْ تكُن الدُّنيا للمُؤْمِنِ دارَ إقامةٍ، ولا وَطَنًا، فَيَنْبَغِي للمؤمنِ أنْ يكونَ حالُهُ فيها على أحدِ حَالَيْنِ: إمَّا أنْ يكونَ كَأَنَّهُ غَرِيبٌ مُقِيمٌ في بلدِ غُرْبَةٍ، هَمُّهُ التَّزَوُّدُ للرجوعِ إلى وَطَنِهِ، أوْ يكونَ كأنَّهُ مُسَافِرٌ غيرُ مُقِيمٍ الْبَتَّةَ، بلْ هوَ لَيْلُهُ ونهارُهُ يَسِيرُ إلى بلدِ الإِقامةِ؛ فَلِهَذَا وَصَّى النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابنَ عُمَرَ أنْ يَكُونَ في الدُّنيا على أحدِ هَذَيْنِ الحَالَيْنِ.
فأحدُهُما: أنْ يُنْزِلَ المُؤْمِنُ نَفْسَهُ كأنَّهُ غريبٌ في الدُّنْيا يَتَخَيَّلُ الإِقامةَ، لكِنْ فِي بَلَدِ غُرْبَةٍ، فهوَ غيرُ مُتَعَلِّقِ القلبِ ببلدِ الغُرْبَةِ، بلْ قَلْبُهُ مُتَعَلِّقٌ بِوَطَنِهِ الذي يَرْجِعُ إليهِ، وإنَّمَا هوَ مُقِيمٌ في الدُّنْيا لِيَقْضِيَ مَرَمَّةَ جَهَازِهِ إلى الرجوعِ إلى وَطَنِهِ.

قالَ الفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ: (المُؤْمِنُ في الدُّنْيَا مَهْمُومٌ حَزِينٌ، هَمُّهُ مَرَمَّةُ جهازِهِ).
ومَنْ كانَ في الدُّنْيا كذلكَ، فلا هَمَّ لهُ إلا في التَّزَوُّدِ بما يَنْفَعُهُ عندَ عَوْدِهِ إلى وطنِهِ، فلا يُنَافِسُ أهلَ البلدِ الذي هوَ غريبٌ بينهم في عِزِّهِم، ولا يَجْزَعُ من الذُّلِّ عندَهُم.

قالَ الحسنُ: (المُؤْمِنُ في الدُّنيا كالغريبِ، لا يَجْزَعُ منْ ذُلِّهَا، ولا يُنَافِسُ في عِزِّها، لهُ شَأْنٌ، وللنَّاسِ شَأْنٌ).
لَمَّا خُلِقَ آدَمُ أُسْكِنَ هوَ وزوجتُهُ الجنَّةَ، ثمَّ أُهْبِطَا مِنْهَا، ووُعِدَا الرجوعَ إليها وَصَالِحُ ذُرِّيَّتِهِمَا، فالمؤمنُ أبدًا يَحِنُّ إلى وطنِهِ الأوَّلِ، وَحُبُّ الوطنِ من الإِيمانِ، وكما قيلَ:
كَمْ مَنْزِلٍ لِلْمَرْءِ يَأْلَفُهُ الْفَتَى ** وَحَنِينُه ُأَبَدًا لأَِوَّلِ مَنْزِلِ
وَلِبَعْضِ شُيُوخِنَا:
فَحَيَّ علَى جَنَّاتِ عَدْنٍ فِإِنَّها ** مَنَازِلُكَ الْأُولَى وَفِيهَا الْمُخَيَّمُ
وَلَكِنَّنَاسَبْيُ الْعَدُوِّ فَهَلْ تَرَى ** نَعُودُإِلَى أَوْطَانِنَا وَنُسَلِّمُ
وَقَدْزَعَمُوا أنَّ الغَريبَ إِذَا نَأَى ** وَشَطَّتْبهِ أَوْطَانُهُ فَهْوَ مُغَرَّمُ
وأيُّ اغْتِرَابٍ فَوْقَ غُرْبَتِنَا الَّتِي ** لَهَا أَضْحَت الأَعْدَاءُ فِينَا تَحَكَّمُ
كَانَ عطاءٌ السَّلِيمِيُّ يَقُولُ في دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ ارْحَمْ في الدُّنيا غُرْبَتِي، وارحَمْ في القبرِ وَحْشَتِي، وَارْحَمْ مَوْقِفِي غَدًا بَيْنَ يَدَيْكَ.
قَالَ الحسنُ: (بَلَغَنِي أنَّ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ لأصحابِهِ: ((إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ وَمَثَلُ الدُّنْيَا، كَقَوْمٍ سَلَكُوا مَفَازَةً غَبْرَاءَ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَدْرُوا مَا سَلَكُوا مِنْهَا أَكْثَرَ أَوْ مَا بَقِيَ، أَنْفَدُوا الزَّادَ، وَحَسَرُوا الظَّهْرَ، وَبَقُوا بَيْنَ ظَهْرَانَيِ الْمَفَازَةِ لا زَادَ وَلا حَمُولَةَ، فَأَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ، إِذْ خَرَجَ عَلَيْهِمْ رَجُلٌ فِي حُلَّةٍ يَقْطُرُ رَأْسُهُ.
فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا قَرِيبُ عَهْدٍ بِرِيفٍ، وَمَا جَاءَكُمْ هَذَا إِلا مِنْ قَرِيبٍ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِمْ.

قَالَ: عَلامَ أَنْتُمْ؟
قَالُوا: عَلَى مَا تَرَى.
قَالَ: أَرَأَيْتُكُمْ إِنْ هَدَيْتُكُمْ إِلَى مَاءٍ رِوَاءٍ، وَرِيَاضٍ خُضْرٍ، مَا تَعْمَلُونَ؟
قَالُوا: لا نَعْصِيكَ شَيْئًا.
قَالَ: عُهُودَكُمْ وَمَوَاثِيقَكُمْ بِاللَّهِ.
قَالَ: فَأَعْطَوْهُ عُهُودَهُمْ وَمَوَاثِيقَهُمْ بِاللَّهِ لا يَعْصُونَهُ شَيْئًا.
قَالَ: فَأَوْرَدَهُمْ مَاءً وَرِيَاضًا خُضْرًا، فَمَكَثَ فِيهِمْ مَا شَاءَ اللَّهُ.
ثُمَّ قَالَ: يَا هَؤُلاءِ، الرَّحِيلَ.
قَالُوا: إِلَى أَيْنَ؟
قَالَ: إِلَى مَاءٍ لَيْسَ كَمَائِكُمْ، وَإِلَى رِيَاضٍ لَيْسَتْ كَرِيَاضِكُمْ.
فَقَالَ جُلُّ الْقَوْمِ، وَهُمْ أَكْثَرُهُمْ: وَاللَّهِ مَا وَجَدْنَا هَذَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نَجِدَهُ، وَمَا نَصْنَعُ بِعَيْشٍ خَيْرٍ مِنْ هَذَا؟
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ، وَهُمْ أَقَلُّهُمْ: أَلَمْ تُعْطُوا هَذَا الرَّجُلَ عُهُودَكُمْ وَمَوَاثِيقَكُمْ بِاللَّهِ لا تَعْصُونَهُ شَيْئًا، وَقَدْ صَدَقَكُمْ فِي أَوَّلِ حَدِيثِهِ، فَوَاللَّهِ لَيَصْدُقَنَّكُمْ فِي آخِرِهِ.
قَالَ: فَرَاحَ فِيمَنِ اتَّبَعَهُ، وَتَخَلَّفَ بَقِيَّتُهُمْ، فَنَذَرَ بِهِمْ عَدُوٌّ، فَأَصْبَحُوا مِنْ بَيْنِ أَسِيرٍ وَقَتِيلٍ))).
خَرَّجَهُ ابنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَخَرَّجَهُ الإِمامُ أحمدُ منْ حديثِ عَلِيِّ بنِ زيدِ بنِ جُدْعَانَ، عنْ يُوسُفَ بن مِهْرَانَ، عن ابنِ عَبَّاسٍ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَاهُ مُخْتَصَرًا.
فهذا المَثَلُ في غايَةِ المُطَابَقَةِ بحالِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معَ أُمَّتِهِ؛ فإنَّهُ أَتَاهُم والعَرَبُ حينئذٍ أَذَلُّ الناسِ، وأَقَلُّهُم، وأَسْوَءُهُم عَيْشًا في الدُّنْيا وحالاً في الآخرةِ، فَدَعَاهُم إلى سُلُوكِ طريقِ النجاةِ، وَظَهَرَ لهم منْ بَرَاهِينِ صِدْقِهِ كما ظَهَرَ منْ صِدْقِ الذي جَاءَ إلى القومِ الذينَ في المَفَازَةِ، وقدْ نَفِدَ مَاؤُهُم وهَلَكَ ظَهْرُهُم، بِرُؤْيَتِهِ في حُلَّةٍ مُتَرَجِّلاً يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً، وَدَلَّهُم على الماءِ والرِّياضِ المُعْشِبَةِ، فَاسْتَدَلُّوا بِهَيْئَتِهِ وحالِهِ على صِدْقِ مقالِهِ، فاتَّبَعُوهُ، وَوَعَدَ مَن اتَّبَعَهُ بِفَتْحِ بلادِ فارسَ والرُّومِ وأَخْذِ كُنُوزِهِمَا، وَحَذَّرَهُم من الاغترارِ بذلكَ، والوقوفِ معَهُ، وَأَمَرَهُم بالتَّجَزِّي من الدُّنيا بالبلاغِ، وَبِالْجِدِّ والاجتهادِ في طلبِ الآخرةِ والاستعدادِ لها، فَوَجَدُوا ما وَعَدَهُم بهِ كُلَّهُ حَقًّا، فَلَمَّا فُتِحَتْ عليهم الدُّنيا -كما وَعَدَهُم- اشْتَغَلَ أَكْثَرُ النَّاسِ بِجَمْعِهَا واكْتِنَازِهَا والمُنَافَسَةِ فيها، وَرَضُوا بالإِقامةِ فيها، والتَّمَتُّعِ بِشَهَوَاتِهَا، وَتَرَكُوا الاستعدادَ للآخرةِ التي أَمَرَهُم بالجِدِّ والاجتهادِ في طلبِهَا، وَقَبِلَ قليلٌ من الناسِ وَصِيَّتَهُ في الجِدِّ في طلبِ الآخرةِ والاستعدادِ لها.
فهذهِ الطائفةُ القليلةُ نَجَتْ، ولَحِقَتْ نَبِيَّهَا في الآخرةِ؛ حيثُ سَلَكَتْ طَرِيقَهُ في الدُّنيا، وَقَبِلَتْ وَصِيَّتَهُ، وامْتَثَلَتْ ما أَمَرَ بهِ.
وأمَّا أكثرُ الناسِ، فلمْ يَزَالُوا في سَكْرَةِ الدُّنْيا والتكاثُرِ فيها، فَشَغَلَهُم ذلكَ عن الآخرةِ، حتَّى فَاجَأَهُم الموتُ بَغْتَةً على هذهِ الغِرَّةِ، فَهَلَكُوا وأَصْبَحُوا ما بينَ قَتِيلٍ وأَسِيرٍ.
وما أَحْسَنَ قَوْلَ يَحْيَى بنِ مُعَاذٍ الرَّازِيِّ: الدُّنْيَا خَمْرُ الشَّيْطَانِ، مَنْ سَكِرَ منها لمْ يُفِقْ إِلا في عَسْكَرِ المَوْتَى نَادِمًا معَ الخَاسِرِينَ.
الحالُ الثاني:أنْ يُنْزِلَ المُؤْمِنُ نَفْسَهُ في الدُّنْيا كَأَنَّهُ مُسَافِرٌ غيرُ مُقِيمٍ الْبَتَّةَ، وَإِنَّما هوَ سَائِرٌ في قَطْعِ منازلِ السفرِ حتَى يَنْتَهِيَ بهِ السفرُ إلى آخرِهِ، وهوَ الموتُ.

ومَنْ كانتْ هذهِ حالَهُ في الدُّنيا، فَهِمَّتُهُ تَحْصِيلُ الزادِ للسفرِ، وليسَ لهُ هِمَّةٌ في الاسْتِكْثَارِ منْ متاعِ الدُّنْيا؛ ولهذا أَوْصَى النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جماعةً منْ أصحابِهِ أنْ يكونَ بَلاغُهُم من الدُّنيا كَزَادِ الرَّاكِبِ.
قيلَ لمُحَمَّدِ بنِ واسعٍ: كيفَ أَصْبَحْتَ؟ قالَ: مَا ظَنُّكَ برَجُلٍ يَرْتَحِلُ كلَّ يومٍ مَرْحَلَةً إلَى الآخِرَةِ؟

وقالَ الحسنُ: (إنَّمَا أَنْتَ أَيَّامٌ مَجْمُوعَةٌ، كُلَّمَا مَضَى يومٌ مَضَى بَعْضُكَ).
وقالَ: (ابنَ آدمَ، إنَّما أَنْتَ بَيْنَ مَطِيَّتَيْنِ يُوضِعَانِكَ، يُوضِعُكَ النهارُ إلى اللَّيْلِ، واللَّيْلُ إلى النهارِ، حتَّى يُسْلِمَانِكَ إلى الآخرةِ، فمَنْ أَعْظَمُ مِنْكَ يا ابنَ آدمَ خَطَرًا؟!).

وقالَ: (الموتُ مَعْقُودٌ في نَوَاصِيكُم، والدُّنيا تُطْوَى مِنْ وَرَائِكُم)
قالَ دَاوُدُ الطائِيُّ: (إنَّمَا اللَّيْلُ والنهارُ مَرَاحِلُ يَنْزِلُهَا الناسُ مَرْحَلةً مَرْحَلةً، حتَّى يَنْتَهِيَ ذلكَ بِهِمْ إلى آخِرِ سَفَرِهِم، فإن اسْتَطَعْتَ أنْ تُقَدِّمَ في كُلِّ مرحلةٍ زادًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا فَافْعَلْ؛ فَإِنَّ انْقِطَاعَ السفرِ عنْ قَرِيبٍ ما هُوَ، والأمرَ أَعْجَلُ منْ ذلكَ، فَتَزَوَّدْ لِسَفَرِكَ، وَاقْضِ ما أَنْتَ قَاضٍ منْ أَمْرِكَ، فَكَأَنَّكَ بالأَمْرِ قَدْ بَغَتَكَ).
وَكَتَبَ بعضُ السلفِ إلى أخٍ لهُ: يا أَخِي، يُخَيَّلُ لكَ أنَّكَ مُقِيمٌ، بلْ أنتَ دَائِبُ السَّيْرِ، تُسَاقُ معَ ذلكَ سَوْقًا حَثِيثًا، المَوْتُ مُوَجَّهٌ إليكَ، والدُّنيا تُطْوَى منْ وَرَائِكَ، وَمَا مَضَى منْ عُمُرِكَ فليسَ بِكَارٍّ عليكَ، حتَّى يَكُرَّ عليكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ.
سَبِيلُكَ في الدُّنْيَا سَبِيلُ مُسَافِرٍ ** وَلاَ بُدَّمنْ زَادٍ لِكُلِّ مُسَافِر
وَلاَبُدَّ لِلإنْسَانِ مِنْ حَمْلِ عُدَّةٍ ** وَلا سِيَّمَا إِنْ خَافَ صَوْلَةَ قَاهِرِ

قَالَ بعضُ الحكماءِ: كَيْفَ يَفْرَحُ بالدُّنْيَا مَنْ يَوْمُهُ يَهْدِمُ شَهْرَهُ، وَشَهْرُهُ يَهْدِمُ سَنَتَهُ، وَسَنَتُهُ تَهْدِمُ عُمُرَهُ؟! وكيفَ يَفْرَحُ مَنْ يَقُودُهُ عُمُرُهُ إِلَى أَجَلِهِ، وَتَقُودُهُ حَيَاتُهُ إِلَى مَوْتِهِ؟!
وقالَ الفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ(لرَجُلٍ: كمْ أَتَتْ عَلَيْكَ؟ قالَ: سِتُّونَ سَنَةً، قالَ: فَأَنْتَ منذُ سِتِّينَ سَنَةً تَسِيرُ إلى رَبِّكَ يُوشِكُ أنْ تَبْلُغَ، فقالَ الرجلُ: إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إليهِ رَاجِعُونَ، فقالَ الفُضَيْلُ: أَتَعْرِفُ تَفْسِيرَهُ؟ تقولُ: أَنَا للَّهِ عَبْدٌ، وإليهِ رَاجِعٌ، فَمَنْ عَلِمَ أنَّهُ للَّهِ عَبْدٌ، وأنَّهُ إليهِ راجعٌ، فَلْيَعْلَمْ أنَّهُ مَوْقُوفٌ، ومَنْ عَلِمَ أنَّهُ موقوفٌ فَلْيَعْلَمْ أنَّهُ مَسْئُولٌ، ومَنْ عَلِمَ أنَّهُ مَسْئُولٌ فَلْيُعِدَّ للسُّؤَالِ جَوَابًا، فقالَ الرجلُ: فما الْحِيلَةُ؟ قالَ: يَسِيرَةٌ، قالَ: ما هِيَ؟ قالَ: تُحْسِنُ فِيمَا بَقِيَ يُغْفَرُ لَكَ مَا مَضَى؛ فَإِنَّكَ إنْ أَسَأْتَ فيما بَقِيَ أُخِذْتَ بِمَا مَضَى وَبِمَا بَقِيَ).
وفي هذا يَقُولُ بَعْضُهُم:
وَإِنَّ امْرَأً قَدْ سَارَ سِتِّينَ حِجَّةً ** إِلى مَنْهَلٍ منْ وِرْدِهِ لَقَرِيبُ
قال بعضُ الحكماءِ: مَنْ كانَت اللَّيَالِي والأيَّامُ مَطَايَاهُ سَارَتْ بِهِ وإنْ لمْ يَسِرْ.
وفي هذا قالَ بَعْضُهُم:
وَمَا هَذِهِ الْأَيَّامُ إِلاَّ مَرَاحِلُ ** يَحُثُّ بِهَا دَاعٍ إِلَى الْمَوْتِ قَاصِدُ
وَأَعْجَبُ شَيْءٍ لَوْ تَأَمَّلْتَ أَنَّهَا ** مَنَازِلُ تُطْوَى وَالْمُسَافِرُ قَاعِدُ

وَقَالَ آخَرُ:
أَيَا وَيْحَ نَفْسِي مِنْ نَهَارٍ يَقُودُهَا ** إِلَى عَسْكَرِ الْمَوْتَى وَلَيْلٍ يَذُودُهَا

قالَ الحسنُ: (لمْ يَزَل اللَّيْلُ والنهارُ سَرِيعَيْنِ في نقصِ الأعمارِ، وَتَقْرِيبِ الآجالِ. هَيْهَاتَ! قَدْ صَحِبَا نُوحًا وَعَادًا وَثَمُودَ وَقُرُونًا بينَ ذلكَ كثيرًا، فَأَصْبَحُوا قَدِمُوا على رَبِّهِم، وَوَرَدُوا على أعمالِهِم، وأصبحَ اللَّيلُ والنَّهارُ غَضَّيْنِ جَدِيدَيْنِ، لم يُبْلِهُمَا مَا مَرَّا بهِ، مُسْتَعِدَّيْنِ لِمَنْ بَقِيَ بمِثْلِ ما أَصَابَا بهِ مَنْ مَضَى).
وكَتَبَ الأَوْزَاعِيُّ إلى أخ لهُ: (أَمَّا بَعْدُ، فقدْ أُحِيطَ بكَ مِنْ كلِّ جانبٍ، واعْلَمْ أنَّهُ يُسَارُ بكَ في كلِّ يومٍ وليلةٍ، فاحْذَرِ اللَّهَ، والمَقَامَ بينَ يَدَيْهِ، وَأَنْ يَكُونَ آخِرَ عَهْدِكَ بهِ، والسَّلامُ).
نَسِيرُإِلى الآجالِ في كلِّ لَحْظَةٍ ** وَأَيَّامُنَا تُطْوَى وهُنَّ مَرَاحِلُ
ولمْ أرَ مثْلَ الموتِ حقَّا كأنَّه ُ ** إذا مَاتَخَطَّتْهُ الأَمانِيُّ بَاطِلُ
وَمَا أَقْبَحَ التَّفْرِيطَ في زمنِ الصِّبَا ** فكيفَ بهِ والشَّيْبُ للرَّأْسِ شَامِلُ
تَرَحَّلْ من الدُّنيا بِزَادٍ مِن التُّقَى** فَعُمُرُكَ أَيَّامٌ وهُنَّ قَلائِلُ

وأمَّا وَصِيَّةُ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، فهيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ هذا الحديثِ الذي رَوَاهُ، وهيَ مُتَضَمِّنَةٌ لنهايَةِ قِصَرِ الأملِ، وأنَّ الإِنسانَ إذا أَمْسَى لمْ يَنْتَظِر الصَّباحَ، وإذا أَصْبَحَ لمْ يَنْتَظِر المساءَ، بلْ يَظُنُّ أنَّ أَجَلَهُ يُدْرِكُهُ قبلَ ذلكَ، وَبِهَذَا فَسَّرَ غَيْرُ واحدٍ مِن العُلماءِ الزُّهْدَ في الدُّنْيا.
قالَ الْمَرَوَّذِيُّ: (قُلْتُ لأبي عبدِ اللَّهِ، يَعْنِي أَحْمَدَ: أيُّ شَيْءٍ الزُّهدُ في الدُّنيا؟ قالَ: قِصَرُ الأملِ، مَنْ إذا أَصْبَحَ قالَ: لا أُمْسِي، قالَ: وهكذا قالَ سفيانُ).
قيلَ لأبِي عبدِ اللَّهِ: بأيِّ شَيْءٍ نَسْتَعِينُ على قِصَرِ الأملِ؟ قالَ: ما نَدْرِي، إِنَّمَا هُوَ تَوْفِيقٌ.
قالَ الحسنُ: (اجْتَمَعَ ثلاثةٌ من العلماءِ، فَقَالُوا لأَِحَدِهِم: ما أَمَلُكَ؟ قالَ: مَا أَتَى عَلَيَّ شَهْرٌ إِلا ظَنَنْتُ أَنِّي سَأَمُوتُ فيهِ، قالَ: فقالَ صَاحِبَاهُ: إنَّ هذا لأَمَلٌ، فقالا لأَِحَدِهِم: فما أَمَلُكَ؟ قالَ: ما أَتَتْ عَلَيَّ جُمُعَةٌ إِلا ظَنَنْتُ أَنِّي سَأَمُوتُ فيها. قالَ: فَقَالَ صَاحِبَاهُ: إنَّ هذا لأَمَلٌ، فقالا لِلآخَرِ: فَمَا أَمَلُكَ؟ قالَ: ما أَمَلُ مَنْ نَفْسُهُ في يَدِ غَيْرِهِ؟!).
قَالَ داودُ الطَّائِيُّ: (سَأَلْتُ عَطْوَانَ بنَ عُمَرَ التَّمِيمِيَّ قُلْتُ: مَا قِصَرُ الأملِ؟ قالَ: مَا بينَ تَرَدُّدِ النَّفَسِ).

فَحُدِّثَ بذلكَ الفضيلُ بنُ عِيَاضٍ، فَبَكَى وقالَ: يقولُ: يَتَنَفَّسُ فَيَخَافُ أنْ يَمُوتَ قبلَ أنْ يَنْقَطِعَ نَفَسُهُ، لقدْ كَانَ عَطْوَانُ مِن الموتِ على حَذَرٍ.
وقالَ بعضُ السلفِ: (ما نِمْتُ نَوْمًا قَطُّ فَحَدَثْتُ نَفْسِي أنِّي أَسْتَيْقِظُ منهُ).
وكانَ حَبِيبٌ أبو مُحَمَّدٍ يُوصِي كُلَّ يومٍ بما يُوصِي بهِ المُحْتَضَرُ عندَ مَوْتِهِ مِنْ تَغْسِيلِهِ وَنَحْوِهِ، وكانَ يَبْكِي كُلَّما أَصْبَحَ أوْ أَمْسَى، فَسُئِلَت امْرَأَتُهُ عنْ بُكَائِهِ، فقَالَتْ: يَخَافُ واللَّهِ إِذَا أَمْسَى أنْ لا يُصْبِحَ، وإذا أَصْبَحَ أنْ لا يُمْسِيَ.
وكانَ مُحَمَّدُ بنُ واسعٍ إذا أَرَادَ أنْ يَنَامَ قالَ لأَِهْلِهِ: أَسْتَوْدِعُكُم اللَّهَ، فَلَعَلَّهَا أَنْ تَكُونَ مَنِيَّتِي التي لا أَقُومُ منها، فكانَ هذا دَأْبُهُ إذا أَرَادَ النومَ.
وقالَ بَكْرٌ المُزَنِيُّ: (إن اسْتَطَاعَ أَحَدُكُم أنْ لا يَبِيتَ إِلا وَعَهْدُهُ عِنْدَ رَأْسِهِ مَكْتُوبٌ فَلْيَفْعَلْ؛ فإنَّهُ لا يَدْرِي لَعَلَّهُ أنْ يَبِيتَ في أَهْلِ الدُّنيا وَيُصْبِحَ في أَهْلِ الآخرةِ).
وكانَ أُوَيْسٌ إذا قِيلَ لهُ: كَيْفَ الزَّمَانُ عَلَيْكَ؟ قالَ: كَيْفَ الزَّمَانُ على رَجُلٍ إنْ أَمْسَى ظَنَّ أنَّهُ لا يُصْبِحُ، وَإِنْ أَصْبَحَ ظَنَّ أنَّهُ لا يُمْسِي، فَيُبَشَّرُ بالجَنَّةِ أو النَّارِ؟
وقالَ عَوْنُ بنُ عبدِ اللَّهِ: (ما أَنْزَلَ المَوْتَ كُنْهَ مَنْزِلَتِهِ مَنْ عَدَّ غَدًا منْ أَجَلِهِ، كَمْ مِنْ مُسْتَقْبِلٍ يَوْمًا لا يَسْتَكْمِلُهُ، وكَمْ مِنْ مُؤَمِّلٍ لِغَدٍ لا يُدْرِكُهُ، إِنَّكُم لوْ رَأَيْتُم الأجلَ وَمَسِيرَهُ لأََبْغَضْتُم الأملَ وَغُرُورَهُ).
وكانَ يقُولُ: (إنَّ مِنْ أَنْفَعِ أَيَّامِ المؤمنِ لهُ في الدُّنْيا مَا ظَنَّ أنَّهُ لا يُدْرِكُ آخِرَهُ).
وكانت امْرَأَةٌ مُتَعَبِّدَةٌ بمَكَّةَ إِذَا أَمْسَتْ قالَتْ: يا نَفْسُ، اللَّيْلَةُ لَيْلَتُكِ، لا لَيْلَةَ لَكِ غَيْرُهَا، فَاجْتَهَدَتْ.
فَإِذَا أَصْبَحَتْ قالَتْ: يا نَفْسُ، اليَوْمُ يَوْمُكِ، لا يَوْمَ لَكِ غَيْرُهُ، فَاجْتَهَدَتْ.
وقالَ بَكْرٌ المُزَنِيُّ: (إذا أَرَدْتَ أنْ تَنْفَعَكَ صَلاتُكَ فَقُلْ: لَعَلِّي لا أُصَلِّي غَيْرَهَا).
وهذا مَأْخُوذٌ مِمَّا رُوِيَ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ قالَ: ((صَلِّ صَلاةَ مُوَدِّعٍ)).
وأقامَ مَعْرُوفٌ الكَرْخِيُّ الصَّلاةَ، ثُمَّ قالَ لرَجُلٍ: تَقَدَّمْ فَصَلِّ بنا، فقالَ الرجلُ: إِنِّي إِنْ صَلَيْتُ بكم هذهِ الصلاةَ لمْ أُصَلِّ بكُمْ غَيْرَها، فقالَ معروفٌ: وأنْتَ تُحَدِّثُ نَفْسَكَ أَنَّكَ تُصَلِّي صَلاةً أُخْرَى؟! نَعُوذُ باللَّهِ منْ طُولِ الأَمَلِ؛ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ خَيْرَ العملِ.
وَطَرَقَ بَعْضُهم بابَ أخٍ لهُ، فَسَأَلَ عنهُ، فقيلَ لهُ: ليسَ هوَ في البيتِ، فقالَ: مَتَى يَرْجِعُ؟ فقَالَتْ لهُ جاريَةٌ من البيتِ: مَنْ كانَتْ نَفْسُهُ في يَدِ غَيْرِهِ مَنْ يَعْلَمُ مَتَى يَرْجِعُ.

ولأَبِي العَتَاهِيَةِ مِنْ جُمْلَةِ أَبْيَاتٍ:
وَما أَدْرِي وَإِنْ أَمَّلْتُ عُمْرًا ** لَعَلِّي حِينَ أُصْبِحُ لَسْتُ أُمْسِي
أَلَمْ تَرَ أَنَّ كُلَّ صَبَاحِ يَوْمٍ ** وَعُمُرُكَفِيهِ أَقْصَرُ مِنْهُ أَمْسِ

وهذا البيتُ الثاني أَخَذَهُ مِمَّا رُوِيَ عنْ أبي الدَّرْدَاءِ والحسنِ، أنَّهُمَا قالا: ابنَ آدَمَ، إِنَّكَ لمْ تَزَلْ في هَدْمِ عُمُرِكَ مُنْذُ سَقَطْتَ منْ بَطْنِ أُمِّكَ.
ومِمَّا أَنْشَدَ بَعْضُ السلفِ:

إِنَّا لَنَفْرَحُ بالأَيَّامِ نَقْطَعُهَا وكُلُّ ** يومٍ مَضَى يُدْنِي مِن الأَجَلِ
فَاعْمَلْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ المَوْتِ مُجْتَهِدًا ** فإنَّمَا الرِّبْحُ وَالخُسْرَانُ في العَمَلِ
قولُهُ: (وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِسَقَمِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ)، يعنِي: اغْتَنِم الأعمالَ الصالحةَ في الصحَّةِ قبلَ أنْ يَحُولَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا السَّقَمُ، وفي الحياةِ قَبْلَ أنْ يَحُولَ بَيْنَكَ وبينَهَا الموتُ. وفي روايَةٍ: (فإنَّكَ يَا عبدَ اللَّهِ لا تَدْرِي ما اسْمُكَ غَدًا)، يَعْنِي: لَعَلَّكَ غَدًا مِن الأَمْوَاتِ دُونَ الأَحْيَاءِ.
وَقَدْ رُوِيَ مَعْنَى هذهِ الوصِيَّةِ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منْ وُجُوهٍ.
فَفِي (صحيحِ البُخَارِيِّ): عن ابنِ عَبَّاسٍ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ)).

وَفِي (صَحِيحِ الْحَاكِمِ): عن ابنِ عَبَّاسٍ، أنَّ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ لِرَجُلٍ وهوَ يَعِظُهُ: ((اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ)).
وقالَ غُنَيْمُ بنُ قَيْسٍ: (كُنَّا نَتَوَاعَظُ في أوَّلِ الإِسلامِ: ابنَ آدمَ، اعْمَلْ في فَرَاغِكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وفي شَبَابِكَ لِكِبَرِكَ، وفي صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وفي دُنْيَاكَ لِآخِرَتِكَ، وفي حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ).
وفي (صَحِيحِ مُسْلِمٍ): عنْ أبي هُريرةَ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سِتًّا: طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، أَوِ الدُّخَانَ، أَوِ الدَّجَّالَ، أَوِ الدَّابَّةَ، أَوْ خَاصَّةَ أَحَدِكُمْ، أَوْ أَمْرَ الْعَامَّةِ)).

وفِي (التِّرْمِذِيِّ): عَنْهُ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سَبْعًا: هَلْ تَنْظُرُونَ إِلا إِلَى فَقْرٍ مُنْسٍ، أَوْ غِنًى مُطْغٍ، أَوْ مَرَضٍ مُفْسِدٍ، أَوْ هَرَمٍ مُفَنِّدٍ، أَوْ مَوْتٍ مُجْهِزٍ، أَوِ الدَّجَّالِ، فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوِ السَّاعَةِ، فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ؟)).
والمُرَادُ مِنْ هذا، أنَّ هذهِ الأشياءَ كُلَّهَا تَعُوقُ عن الأعمالِ، فَبَعْضُهَا يَشْغَلُ عَنْهُ، إِمَّا في خَاصَّةِ الإِنسانِ، كَفَقْرِهِ وَغِنَاهُ وَمَرَضِهِ وَهَرَمِهِ وَمَوْتِهِ، وَبَعْضُها عامٌّ، كقيامِ الساعةِ، وَخُرُوجِ الدَّجَّالِ، وكذلكَ الفِتَنُ المُزْعِجَةُ، كَمَا جَاءَ في حديثٍ آخَرَ: ((بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ)).
وبعضُ هذهِ الأمورِ العامَّةِ لا يَنْفَعُ بعدَهَا عَمَلٌ، كما قالَ تَعَالَى:
{يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا}[الأنعام: 158].
وفِي (الصَّحِيحَيْنِ): عنْ أبي هُرَيْرَةَ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا طَلَعَتْ وَرَآهَا النَّاسُ آمَنُوا أَجْمَعُونَ، فَذَلِكَ حِينَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ، أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا)).
وفي (صَحِيحِ مُسْلِمٍ): عنهُ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((ثَلاثٌ إِذَا خَرَجْنَ لَمْ يَنْفَعْ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ، أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا: طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَالدَّجَّالُ، وَدَابَّةُ الأَرْضِ)).
وَفِيهِ أيضًا: عنهُ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ:((مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ)).
وعنْ أبي موسى، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إِنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا)).
وَخَرَّجَ الإِمامُ أحمدُ، والنَّسَائِيُّ، والتِّرْمِذِيُّ، وابنُ مَاجَهْ منْ حديثِ صَفْوَانَ بنِ عَسَّالٍ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إِنَّ اللَّهَ فَتَحَ بَابًا قِبَلَ الْمَغْرِبِ عَرْضُهُ سَبْعُونَ عَامًا لِلتَّوْبَةِ، لا يُغْلَقُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْهُ)).
وفِي (المُسْنَدِ): عنْ عبدِ الرحمنِ بنِ عَوْفٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بنِ عَمْرٍو وَمُعَاوِيَةَ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((لا تَزَالُ التَّوْبَةُ مَقْبُولَةً حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنَ الْمَغْرِبِ، فَإِذَا طَلَعَتْ طُبِعَ عَلَى كُلِّ قَلْبٍ بِمَا فِيهِ، وَكُفِيَ النَّاسُ الْعَمَلَ)).
وَرُوِيَ عنْ عائشةَ قالَتْ: إذا خَرَجَ أوَّلُ الآيَاتِ طُرِحَت الأَقْلامُ، وَحُبِسَت الْحَفَظَةُ، وَشَهِدَت الأجسادُ على الأعمالِ.
خَرَّجَهُ ابنُ جريرٍ الطَّبَرِيُّ.
وكذا قالَ كَثِيرُ بنُ مُرَّةَ، وَيَزِيدُ بنُ شُرَيْحٍ، وغيرُهُمَا من السلفِ: إذا طَلَعَت الشمسُ منْ مَغْرِبِهَا طُبِعَ على القلوبِ بِمَا فيهَا، وَتُرْفَعُ الحَفَظَةُ والعَمَلُ، وَتُؤْمَرُ الملائكةُ أنْ لا يَكْتُبُوا عَمَلاً.

وقالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: (إذا طَلَعَت الشمسُ منْ مَغْرِبِهَا طَوَت المَلائِكَةُ صَحَائِفَهَا، وَوَضَعَتْ أَقْلامَها).
فَالْوَاجِبُ على المؤمنِ المُبَادَرةُ بالأعمالِ الصالحةِ قبلَ أنْ لا يَقْدِرَ عليها، وَيُحَالَ بينَهُ وبينَهَا، إمَّا بِمَرَضٍ أوْ مَوْتٍ، أوْ بأنْ يُدْرِكَهُ بعضُ هذهِ الآياتِ التي لا يُقْبَلُ معها عملٌ.
قالَ أبو حازمٍ: (إنَّ بِضَاعَةَ الآخرةِ كَاسِدَةٌ، وَيُوشِكُ أنْ تَنْفَقَ، فَلا يُوصَلُ منها إلى قليلٍ ولا كثيرٍ، وَمَتَى حِيلَ بينَ الإِنسانِ والعملِ لمْ يَبْقَ لهُ إلا الحَسَرَةُ والأسفُ عليهِ، وَيَتَمَنَّى الرجوعَ إلى حالةٍ يَتَمَكَّنُ فيها من العملِ، فَلا تَنْفَعُهُ الأُمْنِيَةُ).
قالَ تَعَالَى: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الزُّمَر: 54-58].
وقالَ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنونَ:99،100].
وقالَ عزَّ وجلَّ: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُونَ مِنَ الصَّالِحِينَ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا} [المنافقونَ: 10،11].
وفي (التِّرْمِذِيِّ): عنْ أبي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: ((مَا مِنْ مَيِّتٍ يَمُوتُ إِلا نَدِمَ))، قالُوا: وَمَا نَدَامَتُهُ؟ قالَ: ((إِنْ كَانَ مُحْسِنًا نَدِمَ أَنْ لا يَكُونَ ازْدَادَ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا نَدِمَ أَنْ لا يَكُونَ اسْتُعْتِبَ)).
فإذا كانَ الأمرُ على هذا فَيَتَعَيَّنُ على المؤمنِ اغْتِنَامُ ما بَقِيَ منْ عُمُرِهِ؛ وَلِهَذَا قِيلَ: إنَّ بَقِيَّةَ عُمُرِ المُؤْمِنِ لا قِيمَةَ لهُ.

وقالَ سَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ: (كُلُّ يَوْمٍ يَعِيشُهُ المُؤْمِنُ غَنِيمَةٌ).
وقالَ بكرٌ المُزَنِيُّ: (ما منْ يَوْمٍ أَخْرَجَهُ اللَّهُ إلى الدُّنْيا إلا يقولُ: يا ابنَ آدمَ، اغْتَنِمْنِي لَعَلَّهُ لا يَوْمَ لكَ بعدِي. ولا ليلةٍ إِلا تُنَادِي: ابنَ آدمَ، اغْتَنِمْنِي لَعَلَّهُ لا ليلةَ لكَ بعدِي).

وَلِبَعْضِهِمْ:
اغْتَنمْ فِي الْفَرَاغِ فَضْلَ رُكُوعٍ ** فَعَسَى أنْ يكونَ مَوْتُكَ بَغْتَةَ
كَمْ صَحِيحٍ رَأَيْتَ منْ غَيْرِ سُقْمٍ ** ذَهَبَتْ نَفْسُهُ الصحيحةُ فَلْتَةَ

وقالَ محمودٌ الورَّاقُ:
مَضَى أَمْسُكَ المَاضِي شَهِيدًا مُعَدَّلاً ** وَأَعْقَبَهُ يَومٌ عَلَيْكَ جَدِيدُ
فَإِنْ كُنْتَ بِالأَمْسِ اقْتَرَفْتَ إِسَاءَةً ** فَثَنِّ بإِحْسَانٍ وأَنْتَ حمَِيدُ
فَيَوْمُكَ إنْ أَعْتَبتَهُ عَادَ نَفْعُهُ ** عَلَيْكَ وَمَاضِي الأَمْسِ لِيْسَ يَعُودُ
ولاتُرْجِ فِعْلَ الخَيْرِ يَوْمًا إِلى غَدٍ ** لَعَلَّ غَدًا يَأْتِي وأَنْتَ فَقِيدُ


  #7  
قديم 25 ذو القعدة 1429هـ/23-11-2008م, 02:07 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post شرح معالي الشيخ : صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ(مفرغ)



القارئ:
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمنكبي فقال: ((كنْ في الدُّنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: (إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك) رواه البخاري.

الشيخ:
هذا الحديث؛ حديث ابن عمر -رضي الله عنه- ووصية النبي -صلى الله عليه وسلم- له؛ به حياةُ القلوب؛ لأنّ به الابتعاد عن الاغترار بهذه بالدنيا بشباب المرْء، أو بصحته، أو بعُمره، أو بما حوله.
قال ابن عمر -رضي الله عنهما-: (أخذَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمنكبي) وهذا يدلُّ على الاهتمام بابن عمر وكان إذ ذاك شابّاً صغيراً في العَشْر الثانية من عمره.
قال: أخذ بمنكبي فقال: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابرُ سبيل))وهذا من أعظم الوصية المطابقة للواقع لو عَقَل الناس، فإن الإنسان ابتدأ حياته في الجنة ونزل إلى هذه الأرض ابتلاءً فهو فيها غريبٌ أو عابر سبيل، فالجنس البشري بأجمعه للدنيا هذه زيارة غريب، وإلا فإن مكان آدم ومن تبعه على إيمانه وتقواه وتوحيد الله -جل وعلا- والإخلاص له فالمنزل هو الجنة.

وإنما أُخرجَ آدم من الجنة ابتلاءً وجزاءً على معصيته، وهذا إذا تأمّلته وجدت أنّ المرْء المسلم حقيق أن يوطن نفسه وأن يربيها على أنَّ منزله الجنة وليست هي هذه الدُّنيا، وهو في هذه الدنيا في دار ابتلاء وإنما هو غريب أو عابرُ سبيل كما قال المصطفى -صلى الله عليه وسلم-.
وما أحسن استشهاد ابن القيم -رحمه الله تعالى- إذا ذكر أن حنين المسلم إلى الجنة وأن حبه للجنة ورغبه فيها هو بسبب أنها موطنه الأول وأنه هو الآن سبي للعدو، ورُحِّل عن أوطانه بسبب سبي إبليس لأبينا آدم، وهل تُرى أن يرجع إلى داره الأولى أم لا؟! ولهذا ما أحسن قول الشاعر:
نقِّل فؤادك حيث شئت من الهوى ** ما الحب إلا للحبيب الأول
وهو الله -جل جلاله-
كم منزل في الأرض يألفه الفتى ** وحنينه أبداً لأول منزل
وهي الجنة، وهذا إنما يخلص له قلب المنيبين إلى الله -جل وعلا- دائماً المخبتين له الذين تعلقت قلوبهم بالله حبًّا ورغباً ورهباً وطاعة، وتعلقت قلوبهم بدار الكرامة؛ بالجنة، ويعملون لها وكأنها بين أعينهم، فهم في الدنيا كأنهم غرباء، أو كأنهم عابروا سبيل.
ومن كان على هذه الحال: غريب أو عابر سبيل فإنه لا يأنس بِمُقامِه؛ لأنَّ الغريب لا يأنسُ إلا بين أهله، وعابرُ السبيل دائماً على عَجل من أمرهِ وهذه حقيقةُ الدنيا، فإنه لو عاش ابن آدم ما عاش، عاش نوح ألف سنة، منها تسعمائة وخمسون سنة في قومه: {فلبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً} ثم مضت وانتهت، وعاش أقوام مئات السنين ومضوا وانتهوا، وعاش قوم مائة سنة، وثمانون سنة، وأربعون، وخمسون، فالحقيقة أنهم غرباء وعابروا سبيل، مرُّوا بهذه الدنيا وذهبوا، والموتُ يصبحُ المرْء ويمسيه، فيجبُ على المرء أن ينتبهه لنفسه، وأعظمُ ما يُصابُ به العبد أن يُصاب بالغفلة عن حقيقة الدنيا ما هي.
فإذا منَّ الله عليك بمعرفة حقيقة الدنيا وأنَّها دار غرْبة، وأنها دارا بتلاء،داراختبار، دار ممر وليست دار مَقر؛ فإنهُ يصفو قلبهُ، وأما إذا غفل عن هذه الحقيقة فإنه يُصابُ قلبه من مقاتله. أيقظنا الله وإياكم من أنواع الغفلات.
ابن عمر -رضي الله عنه- كان يُوصي بمقتضى الوصية فيقول: (إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء) يعني: كن على حذر دائماً من الموت أن يَفْجأكَ؛ فكن على استعداد.
وقد قيل في عدد من علماء السَّلف؛ علماء الحديث: (كان فلان لو قيل له إنك تموتُ الليلة لما استطاع أن يزيد في عمله)، وهذا يكون باستحضار حق الله -جل وعلا- دائماً، وأنه إذا تعبّد فإنهُ يستحضرُ ذلك ويُخلِصُ فيه لِرَبِّه، وإذا خالط أهله يكون على الإخلاص وامتثال الشريعة، وإذا بايع أو اشترى فيكون على الإخلاص وعلى الرغب في إتيان الحلال، وهكذا في كل أمر يأتيه فإنه يكون على علم، وهذا فضْلُ أهل العلم؛ أنَّهُم إذا تحركوا وعملوا ففي كلِّ حالٍ يكونون فيه يستحضرون الحكم الشرعي فيه، فيمتثلونه أو يفعلوه، وإن غلِطوا أو إن أذنبوا فسُرْعان ما يستغفرون فيكونون بعد الاستغفار أمثل ممَّا هم قبله، وهذه مَقامات، ولهذا قال: (وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك) رواه البخاري.


  #8  
قديم 26 ذو القعدة 1429هـ/24-11-2008م, 04:58 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post الكشاف التحليلي

حديث ابن عمر رضي الله عنهما -مرفوعاً-: (كن في الدنيا كأنك غريب...)
تخريج حديث ابن عمر
موضوع الحديث:
الزهد في الدنيا وقصر الأمل
منزلة حديث ابن عمر:
حديث ابن عمر أصل من أصول علم السلوك
المعنى الإجمالي لحديث ابن عمر
شرح قول ابن عمر: (أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبيَّ)
معنى الأخذ في الحديث
معنى (المنكب)
ضبط قوله: (بمنكبيَّ) بالتثنية
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)
معنى الأمر في قوله: (كن)
معنى التشبيه في قوله: (كأنك غريب أو عابر سبيل)
ينبغي للمؤمن أن يكون في هذه الدنيا الفانية على أحد حالين:
الحال الأولى: حال الغريب
الحال الثانية: حال عابر السبيل
معنى (الغريب)
الزهد في الدنيا من أصول علم السلوك
شرح قول ابن عمر: (إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح)
بيان وقت المساء
معنى النهي في قوله: (فلا تنتظر الصباح)
قوله: (إذا أمسيت) يفيد أنه قد لا يمسي
ذكر ما يشهد لقول ابن عمر من آيات الكتاب العزيز
ذكر ما يشهد لقول ابن عمر من الأحاديث النبوية
ذكر بعض وصايا الأنبياء والصالحين بتقصير الأمل
شرح قول ابن عمر: (وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء)
بيان وقت الصباح
شرح قول ابن عمر: (وخذ من صحتك لمرضك)
معنى قوله: (خذ)
ذكر ما يشهد لهذه الجملة من قول ابن عمر من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم
معنى الأخذ من الصحة للمرض
الصحة من النعم التي غبن فيها كثير من الناس
شرح قول ابن عمر: (ومن حياتك لموتك)
معنى الأخذ من الحياة للموت
هذه الوصية أصل في المبادرة بالتزود بالأعمال الصالحة
فسر بعض السلف الزهد في الدنيا بقصر الأمل
قصر الأمل من أعظم ما يعين على الزهد والاستقامة
ذكر بعض أخبار السلف في قصر الأمل
الدعوة إلى التوبة النصوح واغتنام ما تبقى من العمر
* من فوائد حديث ابن عمر رضي الله عنهما:
عناية النبي صلى الله عليه وسلم بابن عمر رضي الله عنهما
خطاب النبي صلى الله عليه وسلم لواحد من أمته خطاب لأمته كلها ما لم يدل دليل على التخصيص
نصح النبي صلى الله عليه وسلم لأمته
أهمية علم السلوك
التحذير من الاغترار بالدنيا
الوصية بالاستعداد للموت قبل نزوله
الدنيا دار ممر لا دار مقر
جواز التعليم بالتشبيه وضرب الأمثال
فقه ابن عمر رضي الله عنهما للحديث
الحث على المبادرة إلى التزود بالأعمال الصالحة
المؤمن كيِّس فطن لا يغتر بالدار الفانية وينسى الدار الباقية
الاستعدادُ للموتِ قبلَ نُزُولِه


  #9  
قديم 26 ذو القعدة 1429هـ/24-11-2008م, 05:04 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post العناصر

حديث ابن عمر رضي الله عنهما -مرفوعاً-: (كن في الدنيا كأنك غريب...)

تخريج حديث ابن عمر
موضوع الحديث
منزلة حديث ابن عمر
المعنى الإجمالي لحديث ابن عمر
شرح قول ابن عمر: (أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبيَّ)
معنى الأخذ في الحديث
معنى (المنكب)
ضبط قوله: (بمنكبيَّ) بالتثنية
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)
معنى التشبيه في قوله: (كأنك غريب أو عابر سبيل)
ينبغي للمؤمن أن يكون في هذه الدنيا الفانية على أحد حالين:
الحال الأولى: حال الغريب
الحال الثانية: حال عابر السبيل
معنى (الغريب)
شرح قول ابن عمر: (إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح)
بيان وقت المساء
معنى النهي في قوله: (فلا تنتظر الصباح)
ذكر ما يشهد لقول ابن عمر من آيات الكتاب العزيز
ذكر ما يشهد لقول ابن عمر من الأحاديث النبوية
ذكر بعض وصايا الأنبياء والصالحين بتقصير الأمل
شرح قول ابن عمر: (وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء)
بيان وقت الصباح
شرح قول ابن عمر: (وخذ من صحتك لمرضك)
معنى الأخذ من الصحة للمرض
شرح قول ابن عمر: (ومن حياتك لموتك)
معنى الأخذ من الحياة للموت
هذه الوصية أصل في المبادرة بالتزود بالأعمال الصالحة
فسر بعض السلف الزهد في الدنيا بقصر الأمل
قصر الأمل من أعظم ما يعين على الزهد والاستقامة
ذكر بعض أخبار السلف في قصر الأمل
الدعوة إلى التوبة النصوح واغتنام ما تبقى من العمر
من فوائد حديث ابن عمر رضي الله عنهما


  #10  
قديم 26 ذو القعدة 1429هـ/24-11-2008م, 05:07 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post الأسئلة

الأسئلة
س1: بين باختصار منـزلة حديث ابن عمر رضي الله عنهما؟
س2: ما فائدة أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكب ابن عمر رضي الله عنهما؟
س3: بين معنى التشبيه في قول النبي عليه الصلاة والسلام: (كأنك غريب أو عابر سبيل)؟
س4: علام يحمل الأمر في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كن في الدنيا)؟
س5: اذكر بعض ما يشهد لقول ابن عمر رضي الله عنها؟
س6: اذكر بعض الآثار الواردة عن السلف في تقصير الأمل؟
س7: ما معنى قول ابن عمر رضي الله عنها: (وخذ من صحتك لمرضك)؟
س8: عدد بإيجاز بعض الفوائد المستنبطة من حديث ابن عمر رضي الله عنهما؟


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ح40, حديث

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:03 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir