دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 5 ربيع الأول 1441هـ/2-11-2019م, 10:00 AM
أمل يوسف أمل يوسف غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 570
افتراضي

تفسير قوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (25)}

علوم الآية :

ما جاء في نسخ الآية

-توهم قوم أن قوله تعالى {ذلك لمن خشي العنت منكم }ناسخ لقوله {ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات}
ولا نسخ فيه لأن الناسخ لايكون متصلا بالمنسوخ إنما هو تخصيص وتبيين لما يباح من نكاح الإماء ،ذكره مكى ابن ابي طالب
-وزعم قوم أن قوله تعالى {فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة }ناسخ لما كان وجب على الأمة حين تزنى قبل الإحصان وهو مائة جلدة لقوله تعالى {فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} وأن لفظ الآية عام في الإماء والحرائر ،فنسخ بجلد الأمة خمسين إذا زنت بعد الإحصان ،ذكره مكي والسخاوى بغير نسبة
وهذا القول يبدو أنه قول أهل الظاهر ومن وافقهم ويرده الإجماع على أن الأمة لا تجلد أكثر من خمسين جلدة محصنة كانت أو غير محصنة فالآية محكمة غير ناسخة لشىء

القراءة في {المحصنات }:
-قراءة بفتح الصاد وهم عامة قراء المدينة والعراق في كل المواضع في القرآن والمعنى في كل موضع بحسبه فتدور بين معنى التزويج أو الحرية أو الإسلام
-قراءة بكسر الصاد وهم جماعة من قراء الكوفيين والمكيين على معنى العفة في جميع المواضع في القرآن بمعنى أنهن عففن وأحصن أنفسهن
عدا قوله تعالى {والمحصنات من النساء} قرئت بالفتح بمعنى المزوجات فأزواجهن أحصنوهن
وذكرت هذه القراءة أعنّي بكسر الجميع عن علقمة على الاختلاف في الرّواية عنه،كما ذكر ابن جرير
قال أبو جعفرٍ: والصّواب عندنا من القول في ذلك أنّهما قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار مع اتّفاق ذلك في المعنى، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ الصّواب

القراءة في { فإذا أحصنّ }
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر «أحصن» على بناء الفعل للمفعول، فوجه الكلام أن تكون القراءة الأولى بالتزوج،
وقرأ حمزة والكسائي على بناء الفعل للفاعل، ولكن يدخل كل معنى منهما على الآخر، واختلف عن عاصم، ووجه هذه القراءة الإسلام أو غيره مما هو من فعلهن، ابن عطية
اختلف القراء في {أحصنّ} فقرأه بعضهم بضمّ الهمزة وكسر الصّاد، مبنيٌّ لما لم يسمّ فاعله، وقرئ بفتح الهمزة والصّاد فعلٌ لازمٌ ثمّ قيل: معنى القراءتين واحدٌ.ابن كثير

قوله تعالى {ومن لم يستطع منكم}
-معنى {ومن }
من إما شرطية، وما بعدها شرطها، وإما موصولة وما بعدها صلتها،مفاتيح الغيب

المراد بالطول :
-القول الاول : السعة والفضل والمال أو الغنى وهو قول ابن عباس ومجاهد وابن جبير وقتادة والسدى وابن زيد
قول ابن عباس:رواه ابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر من طريق على بن أبي طلحة
قول مجاهد رواه ابن جرير وابن المنذر من طريق ابن أبي نجيح
وقول قتادة رواه ابن جرير من طريق يزيد عن سعيد عنه
وقول ابن جبير رواه ابن جرير من طرق عن هشيم عن أبي بشر بألفاظ متقاربة
وقول السدي رواه ابن جرير من طريق أسباط عنه
وقول ابن زيد رواه ابن جرير من طريق ابن وهب عنه
ومحمل هذا القول من جهة اللغة :فالطول لغة الحبل الذي يطول للدابة فترعى فيه كما ذكر الأزهري
ومعنى الطول القدرة على مهر الحرة وقال الله عزوجل {ذى الطول لا إله إلا هو}أي ذى القدرة
وقيل الطول الغنى وقيل الفضل
يتبين من هذه المعانى مجتمعة أن الطول في الآية بمعنى السعة والفضل والغنى ومنه القدرة على مهر الحرة وعلى هذا فمن يملك سعة من المال يطول بها مهر الحرة ونفقتها فليس له أن ينكح أمة
التوجيه :وجه هذا القول مبنى على معنى الطول في لغة العرب :
قال ابن عاشور : والطول- بفتح الطاء وسكون الواو- القدرة، وهو مصدر طال المجازي بمعنى قدر، وذلك أن الطول يستلزم المقدرة على المناولة فلذلك يقولون: تطاول لكذا، أي تمطى ليأخذه، ثم قالوا: تطاول، بمعنى تكلف المقدرة «وأين الثريا من يد المتطاول» فجعلوا لطال الحقيقي مصدرا- بضم الطاء- وجعلوا لطال المجازي مصدرا- بفتح الطاء- وهو مما فرقت فيه العرب بين المعنيين المشتركين. انتهى كلامه
قلت:ويفهم من قوله رحمه الله أن طال لها معنيان أحدهما حقيقي والآخر مجازي فالحقيقي منهما بمعنى تمطى ليأخذ ونحوه وهذا مصدره بضم الطاء
وأما المجازى فهو لازم المعنى الحقيقي وهو القدرة وهذا مصدره طولا بفتح الطاء فبهذا فرقت العرب بين المعنيين
وقال رحمه الله : وظاهر الآية أن الطول هنا هو القدرة على بذل مهر لامرأة حرة احتاج لتزوجها أولى أو ثانية او ثالثة او رابعة لأن الله ذكر عدم استطاعة الطول في مقابلة قوله{أن تبتغوا بأموالكم}وقوله {فآتوهن أجورهن فريضة} ولهذا كان هذا هو الأصح في تفسير الطول.

-والقول الثانى :الهوى وهو قول ربيعة والشعبي وجابر وعطاء
قول ربيعة: رواه ابن وهب المصري و ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عبد الجبار بن عمر عنه
وروى ابن جرير من طريق ابن وهب عن ابن زيد قوله كان ربيعة يلين فيه بعض التليين
قول جابر ر واه ابن جرير من طريق حماد بن سلمة عن أبي الزبير عنه أنّه سئل عن الحرّ، يتزوّج الأمة، فقال
إن كان ذا طولٍ فلا. قيل: إن وقع حبّ الأمة في نفسه؟ قال: إن خشي العنت فليتزوّجها
ويتضح من قوله أنه يعمل القول الأول على الأصل إلا إذا هوى أمة فيجعل الطول بمعنى الهوى والله أعلم
وقول الشعبي رواه ابن جرير من طريق منصور عن عبيدة عنه
وقول عطاء رواه ابن جرير من طريق ابن جريج عنه
التوجيه :هذا القول وجهه والله أعلم لغوى أيضا فقد سبق وبينا أن الطول بمعنى القدرة والقدرة قد تكون حسية أو معنوية والمراد هنا القدرة المعنوية والله أعلم
والمعنى من وقع في نفسه حب أمة حتى غلبته نفسه فلايقدر على نكاح الحرة وخشي على نفسه العنت
قال القرطبي عند هذا القول : الطول الجلد والصبر لمن أحب أمة وهويها حتى صار لذلك لا يستطع أن يتزوج غيرها، فإن له أن يتزوج الأمة إذا لم يملك هواها وخاف أن يبغي بها وإن كان يجد سعة في المال لنكاح حرة، هذا قول قتادة والنخعي وعطاء وسفيان الثوري.
لكن هذا القول ضعيف ومأخذه واه وهو خلاف قول الجمهور خاصة وأن السياق السابق له لايعين عليه ولايتناسب مع معناه
وقد رده الطبري والعمدة عنده تحريم نكاح الإماء على واجد الطول فقال :
لا يحلّ له من أجل غلبة هوًى عند فيها، لأنّ ذلك مع وجوده الطّول إلى الحرّة منه قضاء لذّةٍ وشهوةٍ وليس بموضع ضرورةٍ تدفع برخّصه كالميتة للمضطرّ الّذي يخاف هلاك نفسه فيترخّص في أكلها ليحيي بها نفسه، وما أشبه ذلك من المحرّمات اللّواتي رخّص اللّه لعباده في حال الضّرورة والخوف على أنفسهم الهلاك منه ما حرّم عليهم منها في غيرها من الأحوال. ولم يرخّص اللّه تبارك وتعالى لعبدٍ في حرامٍ لقضاء لذّةٍ، وفي إجماع الجميع على أنّ رجلاً لو غلبه هوى امرأةٍ حرّة أوامة أنّها لا تحلّ له إلاّ بنكاحٍ أو شراءٍ على ما أذن اللّه به، ما يوضّح فساد قول من قال: معنى الطّول في هذا الموضع: الهوى، وأجاز لواجد الطّول لحرّةٍ نكاح الإماء

القول الثالث :أن الطول يراد به وجود الحرة تحته وإن لم يملك سعة وهو قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف الطول وجود الحرة ،ذكره القرطبي
وقال مالك في المدونة: ليست الحرة بطول تمنع من نكاح الأمة إذا لم يجد سعة لأخرى وخاف العنت، وقال في كتاب محمد: ما يقتضي أن الحرة بمثابة الطول، قال الشيخ أبو الحسن اللخمي: وهو ظاهر القرآن، وروي نحو هذا عن ابن حبيب، وقاله أبو حنيفة: فمقتضى هذا أن من عنده حرة فلا يجوز له نكاح أمة، وإن عدم السعة وخاف العنت، لأنه طالب شهوة وعنده امرأة، وقال به الطبري واحتج له ،ذكره ابن عطية

قال أبو جعفرٍ: وأولى القولين في ذلك بالصّواب قول من قال: معنى الطّول في هذا الموضع: السّعة والغنى من المال، لإجماع الجميع على أنّ اللّه تبارك وتعالى لم يحرّم شيئًا من الأشياء سوى نكاح الإماء لواجد الطّول إلى الحرّة، فأحلّ ما حرّم من ذلك عند غلبته المحرّم عليه له لقضاء لذّةٍ. فإن كان ذلك إجماعًا من الجميع فيما عدا نكاح الإماء لواجد الطّول،.
فتأويل الآية إذ كان الأمر على ما وصفنا: ومن لم يجد منكم سعةً من مالٍ لنكاح الحرائر فلينكح ممّا ملكت أيمانكم.
وأصل الطّول: الإفضال، يقال منه: طال عليه يطول طولاً في الإفضال، وطال يطول طولاً في الطّول الّذي هو خلاف القصر

اعراب طولا
- يصح في إعرابه أن يكون مفعولا بالاستطاعة، وأن ينكح في موضع نصب بدل من قوله طولًا أو في موضع نصب بتقدير لأن ينكح، وفي هذا نظر،
- ويصح أن يكون طولًا نصبا على المصدر، والعامل فيه الاستطاعة لأنها بمعنى يتقارب، وأن ينكح على هذا مفعول بالاستطاعة أو بالمصدر، تقول: طال الرجل طولا بفتح الطاء إذا تفضل ووجد واتسع عرفه، وطولًا بضم الطاء في ضد القصر ،ابن عطية

معنى المحصنات في اللغة وفي القرآن
قال ابن عطية : والتحصن: التمنع، يقال حصن المكان: إذا امتنع، ومنه الحصن، وحصنت المرأة: امتنعت بوجه من وجوه الامتناع، وأحصنت نفسها، وأحصنها غيرها
والإحصان تستعمله العرب في أربعة أشياء، وعلى ذلك تصرفت اللفظة في كتاب الله عز وجل:
- فتستعمله في الزواج، لأن ملك الزوجة منعة وحفظ
- ويستعملون الإحصان في الحرية لأن الإماء كان عرفهن في الجاهلية الزنا، والحرة بخلاف ذلك، ألا ترى إلى قول هند بنت عتبة للنبي عليه السلام، حين بايعته، وهل تزني الحرة؟ فالحرية منعة وحفظ
- ويستعملون الإحصان في الإسلام لأنه حافظ، ومنه قول النبي عليه السلام "الإيمان قيد الفتك"
-ويستعملون الإحصان في العفة، لأنه إذا ارتبط بها إنسان وظهرت على شخص ما وتخلق بها، فهي منعة وحفظ، وحيثما وقعت اللفظة في القرآن فلا تجدها تخرج عن هذه المعاني، لكنها قد تقوى فيها بعض هذه المعاني دون بعض، بحسب موضع وموضع

المراد ب{المحصنات }
اختلف في المراد بالمحصنات على أقوال :
-الأول:الحرائر المؤمنات وهو قول ابن عباس ومجاهد ولازم قول السدى وسعيد بن جبير وابن زيد والحسن
قول ابن عباس:رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق على بن أبي طلحة
وقول مجاهد رواه ابن جرير من طريق ابن أبي نجيح
وقول سعيد بن جبير رواه ابن جرير من طريق هشيم عن أبي بشر عنه
وقول ابن زيد:رواه ابن جرير من طريق ابن وهب عنه
وقول الحسن رواه ابن جرير من طريق سفيان عن هشام الدستوائى عن عامر الأحول عنه
وأما السدى فقوله {أما فتياتكم فإماؤكم}وليس بصريح في ذكر الحرائر وإنما قد يفهم ضمنا من القول وهذا القول المستخرج عنه رواه ابن جرير من طريق أسباط عنه وفيه نظر بل قد روى عنه غير ذلك كما سيأتى
قال ابن عطية :المحصنات في هذا الموضع الحرائر، يدل على ذلك التقسيم بينهن وبين الإماء،أى المقابلة ورجحه ابن كثير ايضا
قال ابن عاشور: ومعنى أن ينكح المحصنات أي ينكح النساء الحرائر أبكارا أو ثيبات، دل عليه قوله: فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات

- الثانى :المحصنات :العفائف
وهو قول السدي رواه ابن أبي حاتم من طريق أحمد بن المفضل عن أسباط عنه
ودليل هذا القول كما ذكر ابن المنذر قوله تعالى {ومريم ابنة عمران التى أحصنت فرجها }
قال ابن عاشور: والمحصنات هنا وصف خرج مخرج الغالب، لأن المسلم لا يقصد إلا إلى نكاح امرأة عفيفة، قال تعالى: والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك [النور: 30] أي بحسب خلق الإسلام، وقد قيل: إن الإحصان يطلق على الحرية، وأن المراد بالمحصنات الحرائر، ولا داعي إليه، واللغة لا تساعد عليه.
وضعف هذا القول ابن عطية وقال : لأن الإماء يقعن تحته.
الراجح: الإختلاف في المراد بالمحصنات ربما مبنى على توجيه القراءة فيه فمن قرأ بفتح الصاد فالمعنى اللاتى أحصنهن أزواجهن أو حريتهن وإسلامهن ومن قرأ بالكسر فالمعنى اللاتى أحصن أنفسهن بالعفة ولما كان هذا الموضع لايناسب فيه معنى إلا معنى الحرية أو العفاف إذ يمتنع أن يراد به الالإحصان بالزوج أو الإسلام لقوله بعدها المؤمنات وكان المعنى دائرا بين الحرية والعفاف كان السياق أليق بالحرية من العفاف ويؤيد هذا قوله في مقابله{ فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات }فيفهم منه أن المراد بالمحصنات الحرائر ولايمنع ذلك كونهن عفيفات فهو لازم معنى الإحصان ولاينفك عنه ولاتضاد بين القولين ولكن الذي عليه أغلب السلف والمفسرين الحرائر

إعراب المؤمنات وما يترتب عليه
-و قال ابن عطية المؤمنات صفة،على قولين:
-أنها صفة غير مشترطة، وإنما جاءت لأنها مقصد النكاح، إذ الأمة مؤمنة، وهذا هو المذهب المالكي، نص عليه ابن الماجشون في الواضحة
فمن يقول في الرجل يجد طولا لحرة كتابية لا لمؤمنة: إنه يمتنع عن نكاح الإماء،ذكره ابن عطية

ومعنى هذا القول أن صفة الإيمان للمحصنات غير مقصودة لذاتها ولامشترطة بحيث يمتنع نكاح الحرائر غير المؤمنات لأن نكاح الكتابيات مشروع كما في سورة المائدة {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} وليس نكاحهن مشروطا بالعجز عن نكاح الحرائر المؤمنات بقاعدة قياس المساواة
كما أن نكاح الكتابية لايعرض الأولاد للرق كماهو الحال في نكاح الأمة فبذلك تعطل مفهوم {المحصنات المؤمنات}بالمخالفة وأن صفة الإيمان خرجت مخرج الغالب ،خلاصة ما ذكره ابن عاشور

-صفة مشترطة :ومن قال في الرجل لا يجد طولا إلا الكتابية: إنه يتزوج الأمة إن شاء، فصفة المؤمنات عنده في الآية مشترطة في إباحة نكاح الإماء، والمسألة مختلف فيها ،ذكره ابن عطية
قال ابن عاشور :وشذ بعض الشافعية، فاعتبروا رخصة نكاح الأمة المسلمة مشروطة بالعجز عن الحرة المسلمة، ولو مع القدرة على نكاح الكتابية، وكأن فائدة ذكر وصف المؤمنات هنا أن الشارع لم يكترث عند التشريع بذكر غير الغالب المعتبر عنده، فصار المؤمنات هنا كاللقب في نحو (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين) .


{وما} في قوله: فمن ما ملكت أيمانكم
يصح أن تكون مصدرية، تقديره: فمن ملك أيمانكم
ويصح أن يراد بها النوع المملوك، فهي واقعة عليه،ابن عطية


معنى {فتياتكم}
وإن كانت واقعة في اللغة على الشابة أيا كانت، فعرفها في الإماء، وفتى- كذلك،
أي: فتزوّجوا من الإماء المؤمنات اللّاتي يملكهنّ المؤمنون، ولهذا قال: {من فتياتكم المؤمنات} ابن عطية
قال ابن عبّاسٍ وغيره: فلينكح من إماء المؤمنين، رواه ابن جرير من طريق على بن أبي طلحة عنه وكذا قال السّدّيّ ومقاتل بن حيّان


دلالة المخاطبات بالكاف والميم عامة،
أي: منكم الناكحون ومنكم المالكون، لأن الرجل ينكح فتاة نفسه، وهذا التوسع في اللغة كثير، ابن عطية

اعراب المؤمنات وما يترتب عليه من أحكام وطء الأمة غير المسلمة

-إعراب {المؤمنات} صفة مشترطة كما ذكر ابن عطية وابن عاشور
قال ابن عاشور :ووصف المؤمنات عقب الفتيات مقصود للتقييد عند كافة السلف، وجمهور أيمة الفقه، لأن الأصل أن يكون له مفهوم، ولا دليل يدل على تعطيله، فلا يجوز عندهم نكاح أمة كتابية.
والحكمة في ذلك أن اجتماع الرق والكفر يباعد المرأة عن الحرمة في اعتبار المسلم، فيقل الوفاق بينهما، بخلاف أحد الوصفين. ويظهر أثر ذلك في الأبناء إذ يكونون أرقاء مع مشاهدة أحوال الدين المخالف فيمتد البون بينهم وبين أبيهم.
قال ابن عطية :والمؤمنات في هذا الموضع صفة مشترطة عند مالك وجمهور أصحابه، لأنهم يقولون:
- لا يجوز زواج أمة غير مسلمة بوجه .وهو القول الأول
قلت:وهو قول مجاهد وغيره فقول مجاهد رواه الطبري من طرق عن بن أبي نجيح عنه
وروى الطبري عن على بن سهل عن الوليد بن مسلم يحدث بالسماع عن أبي عمرٍو، وسعيد بن عبد العزيز، ومالك بن أنسٍ وأبا بكر, ومالك بن عبد اللّه بن أبي مريم، يقولون: لا يحلّ لحرٍّ مسلمٍ ولا لعبدٍ مسلمٍ الأمة النّصرانيّة، لأنّ اللّه يقول {من فتياتكم المؤمنات}
قال ابن عبد البر: وعليه جماعة فقهاء الأمصار وجمهور العلماء، وما خالفه فهو شذوذ لا يعد خلافا، ولم يبلغنا إباحة ذلك إلا عن طاوس،أضواء البيان
القول الثانى:
-وقال أبو حنيفة: موقع وصف المؤمنات هنا كموقعه مع قوله: المحصنات المؤمنات، فلم يشترط في نكاح الأمة كونها مؤمنة
-وقالت طائفة من أهل العلم منهم أصحاب الرأي: نكاح الأمة الكتابية جائز، وقوله المؤمنات على جهة الوجه الفاضل،والندب والإرشاد
واحتجوا بالقياس على الحرائر، وذلك أنه لما لم يمنع قوله المؤمنات في الحرائر من نكاح الكتابيات الحرائر، فكذلك لا يمنع قوله المؤمنات في الإماء من نكاح الكتابيات الإماء، وقال أشهب في المدونة: جائز للعبد المسلم أن يتزوج أمة كتابية
وقال ابن عبد البر معللا قول أبي حنيفة ومن وافقه أنه لا يعتبر المفهوم
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فالمنع عنده أن يفضل الزوج في الحرية والدين معا
وقال سالم بن عطية في أضواء البيان : قال ابن القيم في «زاد المعاد» ما نصه: ودل هذا القضاء النبوي على جواز وطء الإماء الوثنيات بملك اليمين، فإن سبايا أوطاس لم يكن كتابيات، ولم يشترط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وطئهن إسلامهن، ولم يجعل المانع منه إلا الاستبراء فقط، وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع مع أنهم حديثو عهد بالإسلام ويخفى عليهم حكم هذه المسألة وحصول الإسلام من جميع السبايا، وكن عدة آلاف بحيث لم يتخلف منهن عن الإسلام جارية واحدة مما يعلم أنه في غاية البعد، فإنهن لم يكرهن على الإسلام، ولم يكن لهن من البصيرة والرغبة والمحبة في الإسلام ما يقتضي مبادرتهن إليه جميعا، فمقتضى السنة وعمل الصحابة في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبعده جواز وطء المملوكات على أي دين كن، وهذا مذهب طاوس وغيره، وقواه صاحب «المغني» فيه ورجح أدلته، وبالله التوفيق. اهـ كلام ابن القيم

-الثانى :المنع على الندب والإرشاد لا على التحريم وهو قول مغيرة رواه ابن جرير من طريق جرير عن منصور عنه وهو قول أبي حنيفة وأصحابه
حجتهم :{ أحلّ لكم الطّيّبات وطعام الّذين أوتوا الكتاب حلٌّ لكم وطعامكم حلٌّ لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم}
ومعنى قوله: {فتياتكم المؤمنات} غير المشركات من عبدة الأوثان
قال أبو جعفرٍ: وأولى القولين في ذلك بالصّواب قول من قال: هو دلالةٌ على تحريم نكاح إماء أهل الكتاب فإنّهنّ لا يحللن إلاّ بملك اليمين؛ وذلك أنّ اللّه جلّ ثناؤه أحلّ نكاح الإماء بشروطٍ، فما لم تجتمع الشّروط الّتي سمّاهن فيهنّ، فغير جائزٍ لمسلمٍ نكاحهنّ.
فإن قال قائلٌ: فإنّ الآية الّتي في المائدة تدلّ على إباحتهنّ بالنّكاح؟
قيل: إنّ الّتي في المائدة قد أبان أنّ حكمها في خاصٍّ من محصناتهم، وأنّها معنيّ بها حرائرهم دون إمائهم، قوله {من فتياتكم المؤمنات:
} وليست إحدى الآيتين دافعا حكمها حكم الأخرى، بل إحداهما مبيّنةٌ حكم الأخرى، وإنّما تكون إحداهما دافعةٌ حكم الأخرى لو لم يكن جائزًا اجتماع حكميهما على صحّة، فأمّا وهما جائزٌ اجتماع حكميهما على الصّحّة، فغير جائزٍ أن يحكم لإحداهما بأنّها دافعةٌ حكم الأخرى إلاّ بحجّة التّسليم لها من خبرٍ أو قياسٍ، ولا خبر بذلك ولا قياس، والآية محتملةٌ ما قلنا: والمحصنات من حرائر الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم دون إمائهم


الإعراب في قوله {واللّه أعلم بإيمانكم } والمعنى المترتب عليه:
-قالت طائفة: هو رفع على الابتداء والخبر، والمقصد بهذا الكلام أي إنكم أيها الناس سواء بنو الحرائر وبنو الإماء، أكرمكم عند الله أتقاكم، فهذه توطئة لنفوس العرب التي كانت تستهجن ولد الأمة، فلما جاء الشرع بجواز نكاحها، أعلموا مع ذلك أن ذلك التهجين لا معنى له.،ابن عطية

-وقيل: هو رفع بفعل تقديره: فلينكح مما ملكت «أيمانكم بعضكم من بعض»أي فلينكح هذا فتاة هذا فيكون المعنى لينكح هذا المقتّر الّذي لا يجد طولاً لحرّةٍ من هذا الموسر فتاته المؤمنة الّتي قد أبدت الإيمان فأظهرته وكلوا سرائرهنّ إلى اللّه،ذكره الطبري وتعقبه ابن عطية وقال هو قول ضعيف

قلت :والذي أرى والله أعلم بالصواب أن لقول ابن جرير وجه وهو أنه لما ذكر الزواج من الإماء ووصفهن بالإيمان وعقب ذلك الوصف بعلمه تعالى ببواطن الأمور وحقيقة إيمان كل عبد كأنه أكد على النكاح من إماء المسلمين لا من غيرهم لأن ابن جرير لايرى جواز نكاح الأمة غير المؤمنة فماهى إذن فائدة تأويله بعضكم من بعض على هذا القول خاصة وأنه يبدو في ظاهره بعيدا جدا.إلا أن المعنى الأول أقرب للمراد والله أعلم

فيكون معنى الآية :أن الله عليم ببواطن الأمور ولكم ظواهرها، فإذا كانت الفتاة ظاهرها الإيمان فنكاحها صحيح، وعلم باطنها إلى الله، وإنما هذا لئلا يستريب متحير بإيمان بعض الإماء، كالقريبة عهد بالسباء، أو كالخرساء وما أشبهه. ابن عطية
والمعنى : فلينكح من لم يستطع منكم طولاً لحرّةٍ من فتياتكم المؤمنات، لينكح هذا المقتّر الّذي لا يجد طولاً لحرّةٍ من هذا الموسر فتاته المؤمنة الّتي قد أبدت الإيمان فأظهرته وكلوا سرائرهنّ إلى اللّه، فإنّ علم ذلك إلى اللّه دونكم، واللّه أعلم بسرائركم وسرائرهنّ،ذكره الطبري


دلالة قوله تعالى {والله أعلم بإيمانكم}

قال ابن عاشور :اعتراض جمع معاني شتى،:
-أنه أمر، وقيد للأمر في قوله تعالى: ومن لم يستطع منكم طولا إلخ وقد تحول الشهوة والعجلة دون تحقيق شروط الله تعالى، فأحالهم على إيمانهم المطلع عليه ربهم.
-ومن تلك المعاني أنه تعالى أمر بنكاح الإماء عند العجز عن الحرائر، وكانوا في الجاهلية لا يرضون بنكاح الأمة وجعلها حليلة، ولكن يقضون منهن شهواتهم بالبغاء، فأراد الله إكرام الإماء المؤمنات، جزاء على إيمانهن، وإشعارا بأن وحدة الإيمان قربت الأحرار من العبيد، فلما شرع ذلك كله ذيله بقوله: والله أعلم بإيمانكم، أي بقوته.
-وأيضا لما كان الإيمان، هو الذي رفع المؤمنين عند الله درجات كان إيمان الإماء مقنعا للأحرار بترك الاستنكاف عن تزوجهن .
-وفي اللفظ أيضا تنبيه على أنه ربما كان إيمان أمة أفضل من إيمان بعض من الحرائر، أي: فلا تعجبوا بمعنى الحرية، ابن عطية

متعلق قوله تعالى {بعضكم من بعض}
-قيل في الحسب :كلكم ولد آدم
-وقيل في الدين :أي دينكم واحد ذكر ههنا المؤمنات من العبيد،الزجاج.


دلالة قوله بعضكم من بعض
وإنما قيل لهم ذلك لأن العرب في الجاهلية كانت تطعن في الأنساب، وتفخر بالأحساب وتعير بالهجنة، كانوا يسمّون ابن الأمة الهجين، فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أن أمر العبيد وغيرهم مستوفى الإيمان، الزجاج

الحكمة من كراهية التزوج بالأمة
وإنما كره التزوج بالأمة إذا وجد إلى الحرّة سبيل، لأن ولد الحر من الأمة يصيرون رقيقا،
ولأن الأمة مستخدمة ممتهنة تكثر عشرة الرجال، وذلك شاق على الزوج، فلذلك كره تزوج الحر بالأمة. الزجاج


الدلالة على كيفية نكاح الأمة من قوله تعالى {فانكحوهن بإذن أهلهن}
-شرط الإذن ورضا الولى لئلا يكون سرا وزنى، ولأن نكاحهن دون ذلك اعتداء على حقوق أهل الإماء.ابن عاشور
-دلّ على أنّ السّيّد هو وليّ أمته لا تزوّج إلّا بإذنه، وكذلك هو وليّ عبده، ليس لعبده أن يتزوّج إلّا بإذنه، كما جاء في الحديث: "أيّما عبدٍ تزوّج بغير إذن مواليه فهو عاهر" أي زان.
-فإن كان مالك الأمة امرأةٌ زوّجها من يزوّج المرأة بإذنها؛ لما جاء في الحديث: "لا تزوّج المرأة [المرأة، ولا المرأة نفسها] فإنّ الزّانية هي الّتي تزوّج نفسها ،ابن كثير
- والآية دليل على ولاية السيد لأمته، وأنه إذا نكحت الأمة بدون إذن السيد فالنكاح مفسوخ، ولو أجازه سيدها ،ابن عاشور


المراد بالأهل في قوله {بإذن أهلهنّ} وعلة التسمية بذلك

-قال ابن عاشور: الأهل هنا بمعنى السادة المالكين، وهو إطلاق شائع على سادة العبيد في كلام الإسلام.
- وأحسب أنه من مصطلحات القرآن (يعنى إطلاق الأهل على السادة المالكين للعبيد) تلطفا بالعبيد

المراد بالأجور في قوله: وآتوهنّ أجورهنّ
يعني أعطوهن مهورهن، وهو الصداق قاله ابن زيد وغيره، كما روى ابن جرير من طريق ابن وهب عنه


{وآتوهنّ أجورهنّ بالمعروف}
المراد ب{المعروف}

قال ابن عطية : بالشرع والسنة، قال ابن جرير : على ما تراضيتم به ممّا أحلّ اللّه لكم وأباحه لكم أن تجعلوه مهورًا لهنّ وقال ابن كثير أي: عن طيب نفسٍ منكم، ولا تبخسوا منه شيئًا استهانةً بهنّ؛ لكونهنّ إماءً مملوكاتٍ
قال ابن عطية :وهذا يقتضي أنهن أحق بمهورهن من السادة، وهو مذهب مالك قال في كتاب الرهون: ليس للسيد أن يأخذ مهر أمته ويدعها بلا جهاز..
والمعنى أنه ليس لسيدها أن يأخذ مهرها إلا أن يبوئها أى يجعل سكناها وزوجها عنده ،أو يجهزها هو ، مختصر ما ذكره ابن عاشور



-إعراب محصنات وما يترتب عليه من معنى

محصنات وما بعده حال
- الإحصان هنا :الظاهر أنه بمعنى عفيفات إذ غير ذلك من وجوه الإحصان بعيد إلا مسلمات فإنه يقرب والعامل في الحال{ فانكحوهنّ} ابن عطية واختاره ابن جرير
-الإحصان: التزويج الصحيح فهى حال مقدرة أي ليصرن محصنات ،ذكره ابن عاشور

الراجح :عفيفات إذ روى ابن جرير من طريق على بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله {محصنات غير مسافحات } يعنى تنكحوهن عفائف غير زوان في سر ولا علانية وروى ابن جرير عن السدي من طريق أسباط قوله عفائف
وقال ابن كثير :أي: عفائف عن الزّنا لا يتعاطينه؛ ولهذا قال: {غير مسافحاتٍ} ابن كثير

الفرق في معنى «المسافحات» ومتخذات الأخدان :

قال ابن عبّاسٍ: المسافحات،" هنّ الزّواني المعالنات "يعني الزّواني اللّاتي لا يمنعن أحدًا أرادهنّ بالفاحشة. ذكره ابن كثير ولم أقف عليه بهذا اللفظ ولكن رواه ابن أبي حاتم من طريق على بن أبي طلحة بلفظ غير زوان في السر والعلانية ورواه ابن جرير من طريق العوفيين الضعفاء بلفظ المعالنات بالزنا
وهو قول قتادة والضحاك وابن زيد والسدي وقول قتادة رواه ابن جرير من طريق سعيد عنه وقول الضحاك رواه ابن جرير بصيغة التضعيف من طريق عبيد بن سليمان عنه وقول السدى رواه ابن جرير من طريق أسباط عنه وقول ابن زيد رواه ابن جرير من طريق ابن وهب عنه

«ومتخذات الأخدان»:
هن المتسترات اللواتي يصحبن واحدا واحدا ويزنين خفية وهذان كانا نوعين في زنا الجاهلية
وأيضا فهو تقسيم عقلي لا يعطي الوجود إلا أن تكون الزانية إما لا ترد لامس وإما أن تختص من تقتصر عليه،ابن عطية

فالمسافحات المعالنات بالزنا ومتخذات الاخدان التى تتخذ خليلا تختص به وهذا قول قتادة والشعبي وابن زيد والضحاك والسدي كما روى ابن جرير
و روي عن أبي هريرة، ومجاهدٍ والشّعبيّ، والضّحّاك، وعطاءٍ الخراسانيّ، ويحيى بن أبي كثيرٍ، ومقاتل بن حيّان، والسّدّيّ، قالوا: أخلّاء. وقال الحسن البصريّ: يعني: الصّديق. ، كما ذكر ابن أبي حاتم عنهم بصيغة التضعيف عدا الحسن
وقال الضّحّاك أيضًا: {ولا متّخذات أخدانٍ} ذات الخليل الواحد المقرّة به، نهى اللّه عن ذلك، يعني عن تزويجها ما دامت كذلك رواه ابن أبى حاتم من طريق عبيد بن سلمان



المراد بالإحصان في قوله {فإذا أحصن}
-اختلف المتأولون فيما هو الإحصان هنا على قولين كلاهما مبنى على القراءة :

القول الأول :أن القراءتين بمعنى واحد أى قراءة الفتح أو قراءة الضم كل واحدة منهما تحتمل معنيين:
أحدهما: أنّ المراد بالإحصان هاهنا الإسلام. روي ذلك عن عبد اللّه بن مسعودٍ رواه عنه علقمة وإبراهيم وهو قول السدى والشعبي والقاسم
أما ماروى عن ابن مسعود :فقد روى ابن جرير من طريق أبي معشر عن إبراهيم أن ابن مسعود قال إسلامها إحصانها ،ولم يسمع إبراهيم من ابن مسعود ففيه انقطاع
ورواه ابن جرير موصولا من طرق عن حماد عن إبراهيم أن معقل بن مقرن سأل ابن مسعود .. بألفاظ متقاربة ورواه من طريق أشعث عن الشعبي عن ابن مسعود
وروى ابن جرير من طريق هشيم عن مغيرة عن إبراهيم من قوله {إذا أسلمن}
وروى ابن جرير من طرق عن الشعبي من قوله وروى من طريق أسباط عن السدي وروى عن القاسم وسالم من طريق اسرائيل عن جابر عنهما
وروى نحوه الزّهريّ عن عمر بن الخطّاب،قال (جلد عمر رضي اللّه عنه ولائد أبكارًا من ولائد الأمارة في الزّنى )وهو منقطعٌ.
قال ابن كثير : وإنّما قلنا [ذلك] استدلالًا بالسّنّة وإجماع أكثر أهل العلم
.
وقد روى ابن أبي حاتمٍ في ذلك حديثًا مرفوعًا، قال: حدّثنا عليّ بن الحسين بن الجنيد، حدّثنا أحمد بن عبد الرّحمن بن عبد اللّه الدشتكى حدّثنا أبي، عن أبيه، عن أبي حمزة، عن جابرٍ، عن رجلٍ، عن أبي عبد الرّحمن، عن عليٍّ قال: قال رسول اللّه صلّى عليه وسلّم: {فإذا أحصنّ} قال: "إحصانها إسلامها وقال عليٌّ: اجلدوهن و قال المراد به هاهنا التّزويج،.
ثمّ قال ابن أبي حاتمٍ: وهو حديثٌ منكرٌ.
قال ابن كثير : وفي إسناده ضعفٌ، ومنهم من لم يسمّ، و مثله لا تقوم به حجّةٌ

الثاني: المراد به هاهنا: التّزويج. وهو قول ابن عبّاسٍ، ومجاهدٍ، وسعيد بن جبير، والحسن، وقتادة وغيرهم.
فقول ابن عباس: رواه ابن جرير من طريق على بن أبي طلحة ورواه عنه عكرمة من طرق ورواه عن ابن عباس أيضا الشعبي من طريق أبي الزناد
وقول سعيد بن جبير: رواه ابن جرير من طريق عمرو بن مرة ، وقول الحسن: رواه ابن جرير من طريق سعيد عن قتادة عنه ورواه بن جرير من طريق سعيد عن قتادة
وقول مجاهد: رواه ابن جرير من طريق ليث بن أبي سليم عنه قال: إحصان الأمة أن ينكحها الحرّ، وإحصان العبد أن ينكح الحرّة وروى ابن أبي حاتم بنحوه عن الشعبي والنخعي بحذف الإسناد

القول الثانى :أن القراءتين متباينتان ولكل واحدة منهما معنى متوجه
- فمن قرأ {أحصنّ} بضمّ الهمزة، فمراده التّزويج، ومن قرأ "أحصنّ" بفتحها، فمراده الإسلام ،ذكره ابن كثير
اختاره الإمام أبو جعفر ابن جريرٍ في تفسيره، وقرّره ونصره

الترجيح:
-قال ابن كثير : أنّ المراد بالإحصان هاهنا التّزويج؛ لأنّ سياق الآية يدلّ عليه، حيث يقول سبحانه وتعالى: {ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم} واللّه أعلم. والآية الكريمة سياقها كلّها في الفتيات المؤمنات، فتعيّن أنّ المراد بقوله: {فإذا أحصنّ} أي: تزوّجن، كما فسّره ابن عبّاسٍ ومن تبعه
-أما ابن جرير : فيرى أن المراد بقوله فإذا أحصن أي فإذا أسلمن على الراجح عنده و علة ذلك الترجيح عنده أن كل أمة زنت وجب عليها الحد متزوجة كانت أو غير متزوجة مسلمة كانت أو غير مسلمة وعلى هذا فإن صرف معنى الإحصان في قوله {فإذا أحصن }للتزويج غير مناسب للواقع وهو وجوب إقامة حد الزنا على الإماء وأن تأويل الإحصان بالتزويج يفهم منه أن الأمة إذا زنت قبل أن تتزوج فإنها لاتحد وهذا خلاف المتفق عليه وأما حديث أبي هريرة وزيد بن خالد المتفق عليه والذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الأمة إذا زنت قبل أن تحصن ؟قال اجلدها ....الحديث فقد قال إن قولهم قبل أن تحصن ليس بالضرورة أن يكون مرادا منه التزوج وذلك أن الإحصان يكون على معنيين الإسلام والتزوج وليس واحد منهما بدافع معنى الآخر ولا أقوى منه حجة فيكون كلا المعنيين مرادا على السواء ولذا فإن تفسير قوله تعالى {فإذا أحصن }أي فإذا أسلمن موافق لهذا المعنى
وقال : ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات، فإذا هنّ آمنّ فإن أتين بفاحشةٍ، فعليهنّ نصف ما على المحصنات من العذاب، فيكون الخبر مبتدأ عمّا يجب عليهنّ من الحدّ إذا أتين بفاحشةٍ بعد إيمانهنّ بعد البيان عمّا لا يجوز لناكحهنّ من المؤمنين من نكاحهنّ وعمّن يجوز نكاحه له منهنّ .
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا الحديث والسؤال من الصحابة يقتضي أنهم فهموا من القرآن أن معنى أحصنّ تزوجن، وجواب النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك يقتضي تقرير المعنى ومن أراد أن يضعف قول من قال: إنه الإسلام بأن الصفة لهن بالإيمان قد تقدمت وتقررت فذلك غير لازم، لأنه جائز أن يقطع في الكلام ويزيد، فإذا كن على هذه الحالة المتقدمة من الإيمان فإن أتين بفاحشةٍ فعليهنّ، وذلك سائغ صحيح، والفاحشة هنا: الزنى بقرينة إلزام الحد، والمحصنات في هذه الآية الحرائر، إذ هي الصفة المشروطة في الحد الكامل، والرجم لا يتنصف، فلم يرد في الآية بإجماع
والإشكال في هذه المسألة قائم :فمن قال الإحصان التزويج فيلزم من مفهوم الآية ان غير المتزوجة من الإناء إذا زنت لاتحد وهو مخالف للسنة
وإن قيل المراد بالإحصان الإسلام فهم من ذلك أن الحد عليها عموما على النصف من حد الحرائر واختلفوا في ذلك
وبيان المسألة يتضح عند تحرير مسألة حد الزنا على الأمة .

.

-حد الأمة إذا زنت :
قال مكى بن أبي طالب في الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه :
الإجماع على أن الأمة لاتجلد أكثر من خمسين جلدة محصنة كانت أو غير محصنة واختلفوا على جلدها قبل الإحصان

قال ابن كثير : إذا زنت أقوالٌ
: أحدها:
أنها تجلد خمسين قبل الإحصان وبعده، وهل تنفى؟ فيه ثلاثة أقوالٍ :
أحدها أنّها تنفى عنه والثّاني: لا تنفى عنه مطلقًا. وهو قول عليٍّ وفقهاء المدينة والثّالث: أنّها تنفى نصف سنةٍ وهو نفي نصف الحرّة.
وهذا الخلاف في مذهب الشّافعيّ، وأمّا أبو حنيفة فعنده أنّ النّفي تعزيرٌ ليس من تمام الحدّ، وإنّما هو رأي الإمام، إن شاء فعله وإن شاء تركه في حقّ الرّجال والنّساء، وعند مالكٍ أنّ النّفي إنّما هو على الرّجال، وأمّا النّساء فلا ؛ لأنّ ذلك مضادٌّ لصيانتهنّ،
-وما ورد شيءٌ من النّفي في الرّجال ولا في النّساء نعم حديث عبادة وحديث أبي هريرة :أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قضى فيمن زنى ولم يحصن بنفي عامٍ وبإقامة الحدّ عليه، رواه البخاريّ، و كلّ ذلك مخصوصٌ بالمعنى، وهو أنّ المقصود من النّفي الصّون وذلك مفقودٌ في نفي النّساء واللّه أعلم

حجة هذا القول : وقد وردت أحاديث عامّةٌ في إقامة الحدّ على مفهوم الآية، فمن ذلك ما رواه مسلمٌ في صحيحه، عن عليٍّ، رضي اللّه عنه، أنّه خطب فقال: يا أيّها النّاس، أقيموا على أرقّائكم الحدّ من أحصن منهم ومن لم يحصن، فإنّ أمةً لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم زنت فأمرني أن أجلدها، فإذا هي حديثة عهدٍ بنفاسٍ، فخشيت إن جلدتها أن أقتلها، فذكرت ذلك للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: "أحسنت، اتركها حتّى تماثل ".
وعند عبد اللّه بن أحمد، عن غير أبيه: "فإذا تعالت من نفسها حدّها خمسينى الإماء، فقدّمناها
.
والثّاني: أنّ الأمة إذا زنت تجلد خمسين بعد الإحصان، وتضرب قبله تأديبًا غير محدودٍ بعددٍ محصورٍ، كما رواه ابن جريرٍ عن سعيد بن جبيرٍ: أنّها لا تضرب قبل الإحصان، وإن أراد نفيه فيكون مذهبًا بالتّأويل وإلّا فهو كالقول الثّاني

القول الثالث: أنّها تجلد قبل الإحصان مائةً وبعده خمسين، كما هو المشهور عن داود

والقول الرابع [هو] أضعف الأقوال: أنّها تجلد قبل الإحصان خمسين وترجم بعده، وهو قول أبي ثورٍ، وهو ضعيفٌ أيضًا واللّه سبحانه وتعالى أعلم

وقال ابن كثير: إلا أن الحد واجب على الأمة المسلمة بالسنة، وهي الحديث الصحيح في مسلم والبخاري، أنه قيل: يا رسول الله، الأمة إذا زنت ولم تحصن؟ فأوجب عليها الحد. قال الزهري:
فالمتزوجة محدودة بالقرآن والمسلمة غير المتزوجة محدودة بالحديث.
قال ابن كثير: وعلى كلٍّ من القولين إشكالٌ على مذهب الجمهور؛ وذلك أنّهم يقولون: إنّ الأمة إذا زنت فعليها خمسون جلدةً، سواءٌ كانت مسلمةً أو كافرةً، مزوّجةً أو بكرًا، مع أنّ مفهوم الآية يقتضي أنّه لا حدّ على غير المحصنة ممّن زنا من الإماء، وقد اختلفت أجوبتهم عن ذلك:

فأمّا الجمهور فقالوا: عموم جلد الأمة خمسين مسلمة أو كافرة مزوجة أو بكرا ،
العلة :لا شكّ أنّ المنطوق مقدّمٌ على المفهوم.
دليلهم :
-عن أبي هريرة قال: سمعت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم يقول: "إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها، فليجلدها الحدّ ولا يثرّب عليها، ثمّ إن زنت الثّانية فليجلدها الحدّ ولا يثرّب عليها، ثمّ إن زنت الثالثة فتبين زناها، فليبعها ولو بحبل من شعر" ولمسلمٍ إذا زنت ثلاثًا فليبعها في الرّابعة".
-وقال مالكٌ، عن يحيى بن سعيدٍ، عن سليمان بن يسار، عن عبد اللّه بن عيّاش بن أبي ربيعة المخزوميّ قال: أمرني عمر بن الخطّاب في فتيةٍ من قريشٍ، فجلدنا من ولائد الإمارة خمسين خمسين في الزّنا
.
القول الثانى : جواب من ذهب إلى أنّ الأمة إذا زنت ولم تحصن فلا حدّ عليها، وإنّما تضرب تأديبًا،
وهو المحكيّ عن عبد اللّه بن عبّاسٍ، رضي اللّه عنه، وإليه ذهب طاوسٌ، وسعيد بن جبير، وأبو عبيد القاسم بن سلّامٍ، وداود بن عليٍّ الظّاهريّ في روايةٍ عنه.

دليلهم : 1-وعمدتهم مفهوم الآية وهو من مفاهيم الشّرط، وهو حجّةٌ عند أكثرهم فهو مقدّمٌ على العموم عندهم.
2-وحديث أبي هريرة وزيد بن خالدٍ، رضي اللّه عنهما، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن؟ قال: "إن زنت فحدّوها ثمّ إنّ زنت فاجلدوها ثمّ بيعوها ولو بضفيرٍ" قال ابن شهابٍ: لا أدري أبعد الثّالثة أو الرّابعة.
أخرجاه في الصّحيحين وعند مسلمٍ: قال ابن شهابٍ: الضّفير الحبل.
قالوا: فلم يؤقّت في هذا الحديث عددٌ كما وقّت في المحصنة بنصف ما على المحصنات من العذاب، فوجب الجمع بين الآية والحديث بذلك واللّه أعلم.
3-وأصرح من ذلك ما رواه سعيد بن منصورٍ، عن سفيان، عن مسعرٍ، عن عمرو بن مرّة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ليس على أمةٍ حدٌّ حتّى تحصن -أو حتّى تزوّج-فإذا أحصنت بزوجٍ فعليها نصف ما على المحصنات".

اعتراض :وقد رواه ابن خزيمة، عن عبد اللّه بن عمران العابديّ عن سفيان به مرفوعًا. وقال: رفعه خطأٌ، إنّما هو من قول ابن عبّاسٍ، وكذا رواه البيهقيّ من حديث عبد اللّه بن عمران، وقال مثل ما قاله ابن خزيمة.
قالوا: وحديث عليٍّ وعمر [رضي اللّه عنهما] قضايا أعيانٍ،
وحديث أبي هريرة الذي استدل به الجمهور :
عنه أجوبةٌ:
أحدها: أنّ ذلك محمولٌ على الأمة المزوّجة جمعًا بينه وبين هذا الحديث.
الثّاني: أنّ لفظ الحدّ في قوله: فليجلدها الحدّ، لفظٌ مقحمٌ من بعض الرّواة، بدليل الجواب الثّالث وهو:
أنّ هذا من حديث صحابيّين وذلك من رواية أبي هريرة فقط، وما كان عن اثنين فهو أولى بالتّقدّم من رواية واحدٍ، وأيضًا فقد رواه النّسائيّ بإسنادٍ على شرط مسلمٍ، من حديث عبّاد بن تميمٍ، عن عمّه -وكان قد شهد بدرًا-أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إذا زنت الأمة فاجلدوها، ثمّ إذا زنت فاجلدوها، ثمّ إذا زنت فاجلدوها، ثمّ إذا زنت فبيعوها ولو بضفيرٍ".
الرّابع: أنّه لا يبعد أنّ بعض الرّواة أطلق لفظ الحدّ في الحديث على الجلد؛ لأنّه لمّا كان الجلد اعتقد أنّه حدٌّ، أو أنّه أطلق لفظة الحدّ على التّأديب، كما أطلق الحدّ على ضرب من زنى من المرضى بعثكال نخلٍ فيه مائة شمراخٍ، وعلى جلد من زنى بأمة امرأته إذا أذنت له فيها مائةً، وإنّما ذلك تعزيرٌ وتأديبٌ عند من يراه كالإمام أحمد وغيره من السّلف. وإنّما الحدّ الحقيقيّ هو جلد البكر مائةً، ورجم الثّيّب أو اللّائط، واللّه أعلم.
وقد روى ابن جريرٍ في تفسيره: حدّثنا ابن المثنّى، حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثنا شعبة، عن عمرو بن مرّة؛ أنّه سمع سعيد بن جبيرٍ يقول: لا تضرب الأمة إذا زنت ما لم تتزوّج.
وهذا إسنادٌ صحيحٌ عنه، ومذهبٌ غريبٌ إن أراد أنّها لا تضرب أصلًا لا حدًّا، وكأنّه أخذ بمفهوم الآية ولم يبلغه الحديث، وإن كان أراد أنّها لا تضرب حدًّا، ولا ينفي ضربها تأديبًا، فهو كقول ابن عبّاسٍ ومن تبعه في ذلك، واللّه أعلم.
توجيه القول الثّالث: أنّ الآية دلّت على أنّ الأمة المحصنة تحدّ نصف حدّ الحرّة، فأمّا قبل الإحصان فعمومات الكتاب والسّنّة شاملةٌ لها في جلدها مائةً، كقوله تعالى {الزّانية والزّاني فاجلدوا كلّ واحدٍ منهما مائة جلدةٍ} [النّور:2] وكحديث عبادة بن الصّامت: "خذوا عنّي، خذوا عنّي، قد جعل اللّه لهنّ سبيلا البكر بالبكر جلد مائةٍ وتغريب عامٍ، والثّيّب جلد مائةٍ ورجمها بالحجارة" والحديث في صحيح مسلمٍ وغير ذلك من الأحاديث.
وهذا القول هو المشهور عن داود بن عليٍّ الظّاهريّ، وهو في غاية الضّعف

علة الضعف : لأنّ اللّه تعالى إذا كان أمر بجلد المحصنة من الإماء بنصف ما على الحرّة من العذاب وهو خمسون جلدةً، فكيف يكون حكمها قبل الإحصان أشدّ منه بعد الإحصان. وقاعدة الشّريعة في ذلك عكس ما قال،
وهذا الشّارع عليه السّلام يسأله أصحابه عن الأمة إذا زنت ولم تحصن، فقال: "اجلدوها" ولم يقل مائةً، فلو كان حكمها كما قال داود لوجب بيان ذلك لهم؛ لأنّهم إنّما سألوا عن ذلك لعدم بيان حكم جلد المائة بعد الإحصان في الإماء، وإلّا فما الفائدة في قولهم: "ولم تحصن" لعدم الفرق بينهما لو لم تكن الآية نزلت، لكن لمّا علموا حكم أحد الحكمين سألوا عن حكم الحال الآخر، فبيّنه لهم.
كما ثبت في الصّحيحين أنّهم لمّا سألوه عن الصّلاة عليه، فذكرها لهم ثمّ قال: "والسّلام ما قد علمتم" وفي لفظٍ: لمّا أنزل اللّه قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليمًا} [الأحزاب:56] قالوا: هذا السّلام عليك قد عرّفناه، فكيف الصّلاة عليك؟ وذكر الحديث، وهكذا هذا السّؤال
.
توجيه القول الرّابع -عن مفهوم الآية-: جواب أبي ثورٍ، فإنّ من مذهبه ما هو أغرب من قول داود من وجوهٍ، ذلك أنّه يقول فإذا أحصن فإنّ عليهنّ نصف ما على المحصنات المزوّجات وهو الرّجم، وهو لا يتناصف فيجب أن ترجم الأمّة المحصنة إذا زنت، وأمّا قبل الإحصان فيجب جلدها خمسين.
اعتراض : فأخطأ في فهم الآية وخالف الجمهور في الحكم،
بل قد قال أبو عبد اللّه الشّافعيّ، رحمه اللّه: ولم يختلف المسلمون في أن لا رجم على مملوكٍ في الزّنا؛ وذلك لأنّ الآية دلّت على أنّ عليهنّ نصف ما على المحصنات من العذاب، والألف واللّام في المحصنات للعهد، وهنّ المحصنات المذكورات في أوّل الآية: {ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات} والمراد بهنّ الحرائر فقط، من غير تعرّضٍ لتزويج غيره، وقوله: {نصف ما على المحصنات من العذاب} يدلّ على أنّ المراد من العذاب الّذي يمكن تنصيفه وهو الجلد لا الرّجم، واللّه أعلم.
ثمّ قد روى الإمام أحمد [حديثًا] نصا في ردّ مذهب أبي ثورٍ من رواية الحسن بن سعدٍ عن أبيه أنّ صفيّة كانت قد زنت برجلٍ من الحمس، فولدت غلامًا، فادّعاه الزّاني، فاختصما إلى عثمان [بن عفّان] فرفعهما إلى عليّ بن أبي طالبٍ، فقال عليٌّ: أقضي فيهما بقضاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "الولد للفراش وللعاهر الحجر" وجلدهما خمسين خمسين الشاهد هنا أنها كانت محصنة أى مزوجة وجلدها ولم يرجمها
.
وقيل: بل المراد من المفهوم التّنبيه بالأعلى على الأدنى، أي: أنّ الإماء على النّصف من الحرائر في الحدّ وإن كنّ محصناتٍ، وليس عليهنّ رجمٌ أصلًا لا قبل النّكاح ولا بعده، وإنّما عليهنّ الجلد في الحالتين بالسّنّة. قال ذلك صاحب الإفصاح عن الشّافعيّ، فيما رواه ابن عبد الحكم، عنه. وقد ذكره البيهقيّ في كتاب السّنن والآثار، وهو بعيدٌ عن لفظ الآية؛ لأنّا إنّما استفدنا تنصيف الحدّ من الآية لا من سواها، فكيف يفهم منها التّنصيف فيما عداها،
وقال البيهقي: بل أريد بأنّها في حال الإحصان لا يقيم الحدّ عليها إلّا الإمام، ولا يجوز لسيّدها إقامة الحدّ عليها والحالة هذه -وهو قولٌ في مذهب الإمام أحمد رحمه اللّه-فأمّا قبل الإحصان فله ذلك، والحدّ في كلا الموضعين نصف حدّ الحرّة.
وهذا أيضًا بعيدٌ؛ لأنّه ليس في لفظ الآية ما يدل عليه.
ولولا هذه لم ندر ما حكم الإمام في التّنصيف، ولوجب دخولهنّ في عموم الآية في تكميل الحدّ مائةً أو رجمهنّ، كما أثبت في الدّليل عليه، وقد تقدّم عن عليٍّ أنّه قال: أيّها النّاس أقيموا على أرقّائكم الحدّ من أحصن منهم ومن لم يحصن، وعموم الأحاديث المتقدّمة ليس فيها تفصيلٌ بين المزوّجة وغيرها، لحديث أبي هريرة الّذي احتجّ به الجمهور: "إذا زنت أمة أحدكم فتبيّن زناها فليجلدها الحدّ ولا يثرّب عليها
فليس فيها أن سيدها لايحلدها بل الإمام
".
مرجع اسم الإشارة {ذلك لمن خشي العنت}

هذا الّذي أبحت أيّها النّاس من نكاح فتياتكم المؤمنات ،الطبري
أي: إنّما يباح نكاح الإماء بالشّروط المتقدّمة لمن خاف على نفسه الوقوع في الزّنا، وشقّ عليه الصّبر عن الجماع، وعنت بسبب ذلك كلّه، فحينئذٍ يتزوّج الأمة

المراد بالعنت:

العنت في اللغة المشقة ،ذكره ابن عطية
-القول الأول :الزنا وهو قول ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد والضحاك وعطية فقول ابن عباس رواه الطبري من طريق على بن أبي طلحة وقول مجاهد رواه الطبري من طريق ليث عنه وقول سعيد بن جبير رواه الطبري من طرق عن أبي بشر وقول الضحاك رواه الطبري من طريق جويبر عنه وقول عطية رواه الطبري من طرق عن فضيل عنه
- القول الثانى :العقوبة التى تعنته وهى الحد،ذكره الطبري
-وقيل: الإثم ،ذكره ابن عطية

والراجح : قال ابن جريرذلك لمن خاف منكم ضررًا في دينه وبدنه.

-وذلك أنّ العنت هو ما ضرّ الرّجل، يقال منه: قد عنت فلانٌ فهو يعنت عنتًا: إذا أتى ما يضرّه في دينٍ أو دنيا، ومنه قول اللّه تبارك وتعالى عنتّم
ويقال: قد أعنتني فلانٌ فهو يعنتني: إذا نالني بمضرّةٍ؛ وقد قيل: العنت: الهلاك.
-فالّذين وجّهوا تأويل ذلك إلى الزّنا قالوا: الزّنا ضررٌ في الدّين، وهو من العنت.
-والّذين وجّهوه إلى الإثم، قالوا: الآثام كلّها ضررٌ في الدّين وهي من العنت.
-والّذين وجّهوه إلى العقوبة الّتي تعنته في بدنه من الحدّ،:فإنّهم قالوا: الحدّ مضرّةٌ على بدن المحدود في دنياه، وهو من العنت.
وقد عمّ اللّه بقوله: {لمن خشي العنت منكم}
جميع معاني العنت، ويجمع جميع ذلك الزّنا لأنّه يوجب العقوبة على صاحبه في الدّنيا بما يعنت بدنه، ويكتسب به إثمًا ومضرّةً في دينه ودنياه. وقد اتّفق أهل التّأويل الّذي هم أهله، على أنّ ذلك معناه. فهو وإن كان في عينه لذّةٌ وقضاء شهوةٍ فإنّه بأدائه إلى العنت منسوبٍ إليه موصوفٌ به إذ كان للعنت سببًا
-قال ابن عطية : والآية تحتمل ذلك كله، وكل ما يعنت عاجلا وآجلا

شروط نكاح الأمة
لمن خشي العنت، ولم يجد طولاً لحرّة. فبهذين الشّرطين أرخص للمؤمن الحرّ في نكاح الإماء بيّن الله جلّ ذكره أنّ الإباحة المتقدمة إنما هي
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وليس في الآية ما يلزم منه تحليل الأمة لحر دون الشرطين،

وفي إباحة نكاح المؤمن المملوكة، وهو يجد الطّول للحرة اختلاف إذا خشى العنت:
-القول الأول :المنع
وقال مالك في المدونة: ليست الحرة بطول تمنع من نكاح الأمة إذا لم يجد سعة لأخرى وخاف العنت، وقال في كتاب محمد: ما يقتضي أن الحرة بمثابة الطول، قال الشيخ أبو الحسن اللخمي: وهو ظاهر القرآن، وروي نحو هذا عن ابن حبيب، وقاله أبو حنيفة: فمقتضى هذا أن من عنده حرة فلا يجوز له نكاح أمة، وإن عدم السعة وخاف العنت، لأنه طالب شهوة وعنده امرأة، وقال به الطبري واحتج له
وقال ابن عاشور معقبا على هذا الرأي:وهو تضييق لا يناسب يسر الإسلام على أن الحاجة إلى امرأة ثانية قد لا يكون لشهوة بل لحاجة لا تسدها امرأة واحدة، فتعين الرجوع إلى طلب التزوج،ووجود المقدرة.

قال ابن كثير :ومن هذه الآية الكريمة استدلّ جمهور العلماء في جواز نكاح الإماء، على أنّه لا بدّ من عدم الطّول لنكاح الحرائر ومن خوف العنت؛ لما في نكاحهنّ من مفسدة رقّ الأولاد، ولما فيهنّ من الدّناءة في العدول عن الحرائر إليهن.
-القول الثانى :الجواز
-وخالف الجمهور أبو حنيفة وأصحابه في اشتراط الأمرين، فقالوا: متى لم يكن الرّجل مزوّجًا بحرّة جاز له نكاح الأمة المؤمنة والكتابيّة أيضًا، سواءٌ كان واجدًا الطّول لحرّةٍ أم لا وسواءٌ خاف العنت أم لا وعمدتهم فيما ذهبوا إليه [عموم] قوله تعالى: {والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم} [المائدة: 5] أي: العفائف، وهو يعمّ الحرائر والإماء، وهذه الآية عامّةٌ، وهذه أيضًا ظاهرةٌ في الدّلالة على ما قاله الجمهور واللّه أعلم(ابن عطية)
وهذا القول مبناه على معنى الطول عندهم فعلى قولهم الطول وجود الحرة عنده فإن تحقق ذلك امتنع زواجه من الأمة

معنى {وأن تصبروا خير لكم}
إن ترك تزوّج الأمة وجاهد نفسه في الكفّ عن الزّنا، فهو خيرٌ له أي وصبركم خير لكم،ابن كثير

دلالة قوله {وأن تصبروا خير لكم}
وهذا ندب إلى الترك، وعلته ما يؤدي إليه نكاح الإماء من استرقاق الولد ومهنتهن،ابن عطية

وجه الخيرية في قوله {خير لكم }
لأنه إذا تزوجها جاء أولاده أرقّاء لسيّدها إلّا أن يكون الزّوج عربيًّا فلا تكون أولاده منها أرقّاء في قولٍ قديمٍ للشّافعيّ، ولهذا قال: {وأن تصبروا خيرٌ لكم}، ابن كثير

دلالة قوله {والله غفور رحيم}
واللّه غفورٌ لكم نكاح الإماء أن تنكحوهنّ على ما أحلّ لكم وأذن لكم به، وما سلف منكم في ذلك إن أصلحتم أمور أنفسكم فيما بينكم وبين اللّه، رحيمٌ بكم، إذ أذن لكم في نكاحهنّ عند الافتقار وعدم الطّول للحرّة ،ذكره الطبري

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 24 ذو القعدة 1441هـ/14-07-2020م, 12:04 AM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أمل يوسف مشاهدة المشاركة
تفسير قوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (25)}

علوم الآية :

ما جاء في نسخ الآية

-توهم قوم أن قوله تعالى {ذلك لمن خشي العنت منكم }ناسخ لقوله {ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات}
ولا نسخ فيه لأن الناسخ لايكون متصلا بالمنسوخ إنما هو تخصيص وتبيين لما يباح من نكاح الإماء ،ذكره مكى ابن ابي طالب
-وزعم قوم أن قوله تعالى {فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة }ناسخ لما كان وجب على الأمة حين تزنى قبل الإحصان وهو مائة جلدة لقوله تعالى {فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} وأن لفظ الآية عام في الإماء والحرائر ،فنسخ بجلد الأمة خمسين إذا زنت بعد الإحصان ،ذكره مكي والسخاوى بغير نسبة
وهذا القول يبدو أنه قول أهل الظاهر ومن وافقهم ويرده الإجماع على أن الأمة لا تجلد أكثر من خمسين جلدة محصنة كانت أو غير محصنة فالآية محكمة غير ناسخة لشىء

القراءة في {المحصنات }:
-قراءة بفتح الصاد وهم عامة قراء المدينة والعراق في كل المواضع في القرآن والمعنى في كل موضع بحسبه فتدور بين معنى التزويج أو الحرية أو الإسلام
-قراءة بكسر الصاد وهم جماعة من قراء الكوفيين والمكيين على معنى العفة في جميع المواضع في القرآن بمعنى أنهن عففن وأحصن أنفسهن
عدا قوله تعالى {والمحصنات من النساء} قرئت بالفتح بمعنى المزوجات فأزواجهن أحصنوهن
وذكرت هذه القراءة أعنّي بكسر الجميع عن علقمة على الاختلاف في الرّواية عنه،كما ذكر ابن جرير
قال أبو جعفرٍ: والصّواب عندنا من القول في ذلك أنّهما قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار مع اتّفاق ذلك في المعنى، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ الصّواب
[يفضل ذكر أسماء القراء السبعة على وجه التحديد]
القراءة في { فإذا أحصنّ }
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر «أحصن» على بناء الفعل للمفعول، فوجه الكلام أن تكون القراءة الأولى بالتزوج،
وقرأ حمزة والكسائي على بناء الفعل للفاعل، ولكن يدخل كل معنى منهما على الآخر، واختلف عن عاصم، ووجه هذه القراءة الإسلام أو غيره مما هو من فعلهن، ابن عطية
اختلف القراء في {أحصنّ} فقرأه بعضهم بضمّ الهمزة وكسر الصّاد، مبنيٌّ لما لم يسمّ فاعله، وقرئ بفتح الهمزة والصّاد فعلٌ لازمٌ ثمّ قيل: معنى القراءتين واحدٌ.ابن كثير [هذه العبارة تكرار للمعنى السابق]

قوله تعالى {ومن لم يستطع منكم}
-معنى {ومن }
من إما شرطية، وما بعدها شرطها، وإما موصولة وما بعدها صلتها،مفاتيح الغيب

المراد بالطول :
-القول الاول : السعة والفضل والمال أو الغنى وهو قول ابن عباس ومجاهد وابن جبير وقتادة والسدى وابن زيد
قول ابن عباس:رواه ابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر من طريق على بن أبي طلحة [عنه]
قول مجاهد رواه ابن جرير وابن المنذر من طريق ابن أبي نجيح
وقول قتادة رواه ابن جرير من طريق يزيد عن سعيد عنه
وقول ابن جبير رواه ابن جرير من طرق عن هشيم عن أبي بشر بألفاظ متقاربة
وقول السدي رواه ابن جرير من طريق أسباط عنه
وقول ابن زيد رواه ابن جرير من طريق ابن وهب عنه
ومحمل هذا القول من جهة اللغة :فالطول لغة الحبل الذي يطول للدابة فترعى فيه كما ذكر الأزهري
ومعنى الطول القدرة على مهر الحرة وقال الله عزوجل {ذى الطول لا إله إلا هو}أي ذى القدرة
وقيل الطول الغنى وقيل الفضل
يتبين من هذه المعانى مجتمعة أن الطول في الآية بمعنى السعة والفضل والغنى ومنه القدرة على مهر الحرة وعلى هذا فمن يملك سعة من المال يطول بها مهر الحرة ونفقتها فليس له أن ينكح أمة
التوجيه :وجه هذا القول مبنى على معنى الطول في لغة العرب :
قال ابن عاشور : والطول- بفتح الطاء وسكون الواو- القدرة، وهو مصدر طال المجازي بمعنى قدر، وذلك أن الطول يستلزم المقدرة على المناولة فلذلك يقولون: تطاول لكذا، أي تمطى ليأخذه، ثم قالوا: تطاول، بمعنى تكلف المقدرة «وأين الثريا من يد المتطاول» فجعلوا لطال الحقيقي مصدرا- بضم الطاء- وجعلوا لطال المجازي مصدرا- بفتح الطاء- وهو مما فرقت فيه العرب بين المعنيين المشتركين. انتهى كلامه
قلت:ويفهم من قوله رحمه الله أن طال لها معنيان أحدهما حقيقي والآخر مجازي فالحقيقي منهما بمعنى تمطى ليأخذ ونحوه وهذا مصدره بضم الطاء
وأما المجازى فهو لازم المعنى الحقيقي وهو القدرة وهذا مصدره طولا بفتح الطاء فبهذا فرقت العرب بين المعنيين
وقال رحمه الله : وظاهر الآية أن الطول هنا هو القدرة على بذل مهر لامرأة حرة احتاج لتزوجها أولى أو ثانية او ثالثة او رابعة لأن الله ذكر عدم استطاعة الطول في مقابلة قوله{أن تبتغوا بأموالكم}وقوله {فآتوهن أجورهن فريضة} ولهذا كان هذا هو الأصح في تفسير الطول.
[هنا أيضًا هناك تكرار، يمكنكِ اختصاره في عبارات قصيرة اللفظ وتؤدي نفس المعنى، ولا حاجة لنسخ كلام المفسر، بل يكفي النسبة إلى أنه قال بنحو معنى كلامك]
-والقول الثانى :الهوى وهو قول ربيعة والشعبي وجابر وعطاء
قول ربيعة: رواه ابن وهب المصري و ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عبد الجبار بن عمر عنه
وروى ابن جرير من طريق ابن وهب عن ابن زيد قوله كان ربيعة يلين فيه بعض التليين
قول جابر ر واه ابن جرير من طريق حماد بن سلمة عن أبي الزبير عنه أنّه سئل عن الحرّ، يتزوّج الأمة، فقال
إن كان ذا طولٍ فلا. قيل: إن وقع حبّ الأمة في نفسه؟ قال: إن خشي العنت فليتزوّجها
ويتضح من قوله أنه يعمل القول الأول على الأصل إلا إذا هوى أمة فيجعل الطول بمعنى الهوى والله أعلم
وقول الشعبي رواه ابن جرير من طريق منصور عن عبيدة عنه
وقول عطاء رواه ابن جرير من طريق ابن جريج عنه
[بعض الأقوال المنسوبة للسلف تكون مستخرجة، والمفسر يعمد إلى ذكر نص القول، ليتأمل غيره اجتهاده فيه، فإن كان اللفظ بعيدًا عن استخراجه واجتهاده يفضل ذكر ذلك، ومثل هذا فيما رواه ابن جرير عن جابر والشعبي فلا يوجد في أقوالهم ما يعني صراحة قولهم بأن الطول بمعنى الهوى]
التوجيه :هذا القول وجهه والله أعلم لغوى أيضا فقد سبق وبينا أن الطول بمعنى القدرة والقدرة قد تكون حسية أو معنوية والمراد هنا القدرة المعنوية والله أعلم
والمعنى من وقع في نفسه حب أمة حتى غلبته نفسه فلايقدر على نكاح الحرة وخشي على نفسه العنت
قال القرطبي عند هذا القول : الطول الجلد والصبر لمن أحب أمة وهويها حتى صار لذلك لا يستطع أن يتزوج غيرها، فإن له أن يتزوج الأمة إذا لم يملك هواها وخاف أن يبغي بها وإن كان يجد سعة في المال لنكاح حرة، هذا قول قتادة والنخعي وعطاء وسفيان الثوري.
لكن هذا القول ضعيف ومأخذه واه وهو خلاف قول الجمهور خاصة وأن السياق السابق له لايعين عليه ولايتناسب مع معناه
وقد رده الطبري والعمدة عنده تحريم نكاح الإماء على واجد الطول فقال :
لا يحلّ له من أجل غلبة هوًى عند فيها، لأنّ ذلك مع وجوده الطّول إلى الحرّة منه قضاء لذّةٍ وشهوةٍ وليس بموضع ضرورةٍ تدفع برخّصه كالميتة للمضطرّ الّذي يخاف هلاك نفسه فيترخّص في أكلها ليحيي بها نفسه، وما أشبه ذلك من المحرّمات اللّواتي رخّص اللّه لعباده في حال الضّرورة والخوف على أنفسهم الهلاك منه ما حرّم عليهم منها في غيرها من الأحوال. ولم يرخّص اللّه تبارك وتعالى لعبدٍ في حرامٍ لقضاء لذّةٍ، وفي إجماع الجميع على أنّ رجلاً لو غلبه هوى امرأةٍ حرّة أوامة أنّها لا تحلّ له إلاّ بنكاحٍ أو شراءٍ على ما أذن اللّه به، ما يوضّح فساد قول من قال: معنى الطّول في هذا الموضع: الهوى، وأجاز لواجد الطّول لحرّةٍ نكاح الإماء

القول الثالث :أن الطول يراد به وجود الحرة تحته وإن لم يملك سعة وهو قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف الطول وجود الحرة ،ذكره القرطبي
وقال مالك في المدونة: ليست الحرة بطول تمنع من نكاح الأمة إذا لم يجد سعة لأخرى وخاف العنت، وقال في كتاب محمد: ما يقتضي أن الحرة بمثابة الطول، قال الشيخ أبو الحسن اللخمي: وهو ظاهر القرآن، وروي نحو هذا عن ابن حبيب، وقاله أبو حنيفة: فمقتضى هذا أن من عنده حرة فلا يجوز له نكاح أمة، وإن عدم السعة وخاف العنت، لأنه طالب شهوة وعنده امرأة، وقال به الطبري واحتج له ،ذكره ابن عطية

قال أبو جعفرٍ: وأولى القولين [ذكرتِ ثلاثة، فالأولى تحديد المراد هنا] في ذلك بالصّواب قول من قال: معنى الطّول في هذا الموضع: السّعة والغنى من المال، لإجماع الجميع على أنّ اللّه تبارك وتعالى لم يحرّم شيئًا من الأشياء سوى نكاح الإماء لواجد الطّول إلى الحرّة، فأحلّ ما حرّم من ذلك عند غلبته المحرّم عليه له لقضاء لذّةٍ. فإن كان ذلك إجماعًا من الجميع فيما عدا نكاح الإماء لواجد الطّول،.
فتأويل الآية إذ كان الأمر على ما وصفنا: ومن لم يجد منكم سعةً من مالٍ لنكاح الحرائر فلينكح ممّا ملكت أيمانكم.
وأصل الطّول: الإفضال، يقال منه: طال عليه يطول طولاً في الإفضال، وطال يطول طولاً في الطّول الّذي هو خلاف القصر

اعراب طولا
- يصح في إعرابه أن يكون مفعولا بالاستطاعة، وأن ينكح في موضع نصب بدل من قوله طولًا أو في موضع نصب بتقدير لأن ينكح، وفي هذا نظر،
- ويصح أن يكون طولًا نصبا على المصدر، والعامل فيه الاستطاعة لأنها بمعنى يتقارب، وأن ينكح على هذا مفعول بالاستطاعة أو بالمصدر، تقول: طال الرجل طولا بفتح الطاء إذا تفضل ووجد واتسع عرفه، وطولًا بضم الطاء في ضد القصر ،ابن عطية

معنى المحصنات في اللغة وفي القرآن
قال ابن عطية : والتحصن: التمنع، يقال حصن المكان: إذا امتنع، ومنه الحصن، وحصنت المرأة: امتنعت بوجه من وجوه الامتناع، وأحصنت نفسها، وأحصنها غيرها
والإحصان تستعمله العرب في أربعة أشياء، وعلى ذلك تصرفت اللفظة في كتاب الله عز وجل:
- فتستعمله في الزواج، لأن ملك الزوجة منعة وحفظ
- ويستعملون الإحصان في الحرية لأن الإماء كان عرفهن في الجاهلية الزنا، والحرة بخلاف ذلك، ألا ترى إلى قول هند بنت عتبة للنبي عليه السلام، حين بايعته، وهل تزني الحرة؟ فالحرية منعة وحفظ
- ويستعملون الإحصان في الإسلام لأنه حافظ، ومنه قول النبي عليه السلام "الإيمان قيد الفتك"
-ويستعملون الإحصان في العفة، لأنه إذا ارتبط بها إنسان وظهرت على شخص ما وتخلق بها، فهي منعة وحفظ، وحيثما وقعت اللفظة في القرآن فلا تجدها تخرج عن هذه المعاني، لكنها قد تقوى فيها بعض هذه المعاني دون بعض، بحسب موضع وموضع

المراد ب{المحصنات }
اختلف في المراد بالمحصنات على أقوال :
-الأول:الحرائر المؤمنات وهو قول ابن عباس ومجاهد ولازم قول السدى وسعيد بن جبير وابن زيد والحسن
قول ابن عباس:رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق على بن أبي طلحة
وقول مجاهد رواه ابن جرير من طريق ابن أبي نجيح
وقول سعيد بن جبير رواه ابن جرير من طريق هشيم عن أبي بشر عنه
وقول ابن زيد:رواه ابن جرير من طريق ابن وهب عنه
وقول الحسن رواه ابن جرير من طريق سفيان عن هشام الدستوائى عن عامر الأحول عنه
وأما السدى فقوله {أما فتياتكم فإماؤكم}وليس بصريح في ذكر الحرائر وإنما قد يفهم ضمنا من القول وهذا القول المستخرج عنه رواه ابن جرير من طريق أسباط عنه وفيه نظر بل قد روى عنه غير ذلك كما سيأتى
قال ابن عطية :المحصنات في هذا الموضع الحرائر، يدل على ذلك التقسيم بينهن وبين الإماء،أى المقابلة ورجحه ابن كثير ايضا
قال ابن عاشور: ومعنى أن ينكح المحصنات أي ينكح النساء الحرائر أبكارا أو ثيبات، دل عليه قوله: فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات

- الثانى :المحصنات :العفائف
وهو قول السدي رواه ابن أبي حاتم من طريق أحمد بن المفضل عن أسباط عنه
ودليل هذا القول كما ذكر ابن المنذر قوله تعالى {ومريم ابنة عمران التى أحصنت فرجها }
قال ابن عاشور: والمحصنات هنا وصف خرج مخرج الغالب، لأن المسلم لا يقصد إلا إلى نكاح امرأة عفيفة، قال تعالى: والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك [النور: 30] أي بحسب خلق الإسلام، وقد قيل: إن الإحصان يطلق على الحرية، وأن المراد بالمحصنات الحرائر، ولا داعي إليه، واللغة لا تساعد عليه.
وضعف هذا القول ابن عطية وقال : لأن الإماء يقعن تحته.
الراجح: الإختلاف في المراد بالمحصنات ربما مبنى على توجيه القراءة فيه فمن قرأ بفتح الصاد فالمعنى اللاتى أحصنهن أزواجهن أو حريتهن وإسلامهن ومن قرأ بالكسر فالمعنى اللاتى أحصن أنفسهن بالعفة ولما كان هذا الموضع لايناسب فيه معنى إلا معنى الحرية أو العفاف إذ يمتنع أن يراد به الالإحصان بالزوج أو الإسلام لقوله بعدها المؤمنات وكان المعنى دائرا بين الحرية والعفاف كان السياق أليق بالحرية من العفاف ويؤيد هذا قوله في مقابله{ فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات }فيفهم منه أن المراد بالمحصنات الحرائر ولايمنع ذلك كونهن عفيفات فهو لازم معنى الإحصان ولاينفك عنه ولاتضاد بين القولين ولكن الذي عليه أغلب السلف والمفسرين الحرائر

إعراب المؤمنات وما يترتب عليه
-و قال ابن عطية المؤمنات صفة،على قولين:
-أنها صفة غير مشترطة، وإنما جاءت لأنها مقصد النكاح، إذ الأمة مؤمنة، وهذا هو المذهب المالكي، نص عليه ابن الماجشون في الواضحة
فمن يقول في الرجل يجد طولا لحرة كتابية لا لمؤمنة: إنه يمتنع عن نكاح الإماء،ذكره ابن عطية

ومعنى هذا القول أن صفة الإيمان للمحصنات غير مقصودة لذاتها ولامشترطة بحيث يمتنع نكاح الحرائر غير المؤمنات لأن نكاح الكتابيات مشروع كما في سورة المائدة {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} وليس نكاحهن مشروطا بالعجز عن نكاح الحرائر المؤمنات بقاعدة قياس المساواة
كما أن نكاح الكتابية لايعرض الأولاد للرق كماهو الحال في نكاح الأمة فبذلك تعطل مفهوم {المحصنات المؤمنات}بالمخالفة وأن صفة الإيمان خرجت مخرج الغالب ،خلاصة ما ذكره ابن عاشور

-صفة مشترطة :ومن قال في الرجل لا يجد طولا إلا الكتابية: إنه يتزوج الأمة إن شاء، فصفة المؤمنات عنده في الآية مشترطة في إباحة نكاح الإماء، والمسألة مختلف فيها ،ذكره ابن عطية
قال ابن عاشور :وشذ بعض الشافعية، فاعتبروا رخصة نكاح الأمة المسلمة مشروطة بالعجز عن الحرة المسلمة، ولو مع القدرة على نكاح الكتابية، وكأن فائدة ذكر وصف المؤمنات هنا أن الشارع لم يكترث عند التشريع بذكر غير الغالب المعتبر عنده، فصار المؤمنات هنا كاللقب في نحو (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين) .

[دلالة الصفة أمر زائد على معنى الإعراب، فالإعراب صفة في كلا الحالتين]
{وما} في قوله: فمن ما ملكت أيمانكم
يصح أن تكون مصدرية، تقديره: فمن ملك أيمانكم
ويصح أن يراد بها النوع المملوك، فهي واقعة عليه،ابن عطية


معنى {فتياتكم}
وإن كانت واقعة في اللغة على الشابة أيا كانت، فعرفها في الإماء، وفتى- كذلك،
أي: فتزوّجوا من الإماء المؤمنات اللّاتي يملكهنّ المؤمنون، ولهذا قال: {من فتياتكم المؤمنات} ابن عطية
قال ابن عبّاسٍ وغيره: فلينكح من إماء المؤمنين، رواه ابن جرير من طريق على بن أبي طلحة عنه وكذا قال السّدّيّ ومقاتل بن حيّان


دلالة المخاطبات بالكاف والميم عامة،
أي: منكم الناكحون ومنكم المالكون، لأن الرجل ينكح فتاة نفسه، وهذا التوسع في اللغة كثير، ابن عطية

اعراب المؤمنات وما يترتب عليه من أحكام وطء الأمة غير المسلمة

-إعراب {المؤمنات} صفة مشترطة كما ذكر ابن عطية وابن عاشور
قال ابن عاشور :ووصف المؤمنات عقب الفتيات مقصود للتقييد عند كافة السلف، وجمهور أيمة الفقه، لأن الأصل أن يكون له مفهوم، ولا دليل يدل على تعطيله، فلا يجوز عندهم نكاح أمة كتابية.
والحكمة في ذلك أن اجتماع الرق والكفر يباعد المرأة عن الحرمة في اعتبار المسلم، فيقل الوفاق بينهما، بخلاف أحد الوصفين. ويظهر أثر ذلك في الأبناء إذ يكونون أرقاء مع مشاهدة أحوال الدين المخالف فيمتد البون بينهم وبين أبيهم.
قال ابن عطية :والمؤمنات في هذا الموضع صفة مشترطة عند مالك وجمهور أصحابه، لأنهم يقولون:
- لا يجوز زواج أمة غير مسلمة بوجه .وهو القول الأول
قلت:وهو قول مجاهد وغيره فقول مجاهد رواه الطبري من طرق عن بن أبي نجيح عنه
وروى الطبري عن على بن سهل عن الوليد بن مسلم يحدث بالسماع عن أبي عمرٍو، وسعيد بن عبد العزيز، ومالك بن أنسٍ وأبا بكر, ومالك بن عبد اللّه بن أبي مريم، يقولون: لا يحلّ لحرٍّ مسلمٍ ولا لعبدٍ مسلمٍ الأمة النّصرانيّة، لأنّ اللّه يقول {من فتياتكم المؤمنات}
قال ابن عبد البر: وعليه جماعة فقهاء الأمصار وجمهور العلماء، وما خالفه فهو شذوذ لا يعد خلافا، ولم يبلغنا إباحة ذلك إلا عن طاوس،أضواء البيان
القول الثانى:
-وقال أبو حنيفة: موقع وصف المؤمنات هنا كموقعه مع قوله: المحصنات المؤمنات، فلم يشترط في نكاح الأمة كونها مؤمنة
-وقالت طائفة من أهل العلم منهم أصحاب الرأي: نكاح الأمة الكتابية جائز، وقوله المؤمنات على جهة الوجه الفاضل،والندب والإرشاد
واحتجوا بالقياس على الحرائر، وذلك أنه لما لم يمنع قوله المؤمنات في الحرائر من نكاح الكتابيات الحرائر، فكذلك لا يمنع قوله المؤمنات في الإماء من نكاح الكتابيات الإماء، وقال أشهب في المدونة: جائز للعبد المسلم أن يتزوج أمة كتابية
وقال ابن عبد البر معللا قول أبي حنيفة ومن وافقه أنه لا يعتبر المفهوم
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فالمنع عنده أن يفضل الزوج في الحرية والدين معا
وقال سالم بن عطية في أضواء البيان : قال ابن القيم في «زاد المعاد» ما نصه: ودل هذا القضاء النبوي على جواز وطء الإماء الوثنيات بملك اليمين، فإن سبايا أوطاس لم يكن كتابيات، ولم يشترط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وطئهن إسلامهن، ولم يجعل المانع منه إلا الاستبراء فقط، وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع مع أنهم حديثو عهد بالإسلام ويخفى عليهم حكم هذه المسألة وحصول الإسلام من جميع السبايا، وكن عدة آلاف بحيث لم يتخلف منهن عن الإسلام جارية واحدة مما يعلم أنه في غاية البعد، فإنهن لم يكرهن على الإسلام، ولم يكن لهن من البصيرة والرغبة والمحبة في الإسلام ما يقتضي مبادرتهن إليه جميعا، فمقتضى السنة وعمل الصحابة في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبعده جواز وطء المملوكات على أي دين كن، وهذا مذهب طاوس وغيره، وقواه صاحب «المغني» فيه ورجح أدلته، وبالله التوفيق. اهـ كلام ابن القيم
[يمكنكِ الرجوع لكلام ابن القيم من أصل كتبه]
-الثانى :المنع على الندب والإرشاد لا على التحريم وهو قول مغيرة رواه ابن جرير من طريق جرير عن منصور عنه وهو قول أبي حنيفة وأصحابه
حجتهم :{ أحلّ لكم الطّيّبات وطعام الّذين أوتوا الكتاب حلٌّ لكم وطعامكم حلٌّ لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم}
ومعنى قوله: {فتياتكم المؤمنات} غير المشركات من عبدة الأوثان
قال أبو جعفرٍ: وأولى القولين في ذلك بالصّواب قول من قال: هو دلالةٌ على تحريم نكاح إماء أهل الكتاب فإنّهنّ لا يحللن إلاّ بملك اليمين؛ وذلك أنّ اللّه جلّ ثناؤه أحلّ نكاح الإماء بشروطٍ، فما لم تجتمع الشّروط الّتي سمّاهن فيهنّ، فغير جائزٍ لمسلمٍ نكاحهنّ.
فإن قال قائلٌ: فإنّ الآية الّتي في المائدة تدلّ على إباحتهنّ بالنّكاح؟
قيل: إنّ الّتي في المائدة قد أبان أنّ حكمها في خاصٍّ من محصناتهم، وأنّها معنيّ بها حرائرهم دون إمائهم، قوله {من فتياتكم المؤمنات:
} وليست إحدى الآيتين دافعا حكمها حكم الأخرى، بل إحداهما مبيّنةٌ حكم الأخرى، وإنّما تكون إحداهما دافعةٌ حكم الأخرى لو لم يكن جائزًا اجتماع حكميهما على صحّة، فأمّا وهما جائزٌ اجتماع حكميهما على الصّحّة، فغير جائزٍ أن يحكم لإحداهما بأنّها دافعةٌ حكم الأخرى إلاّ بحجّة التّسليم لها من خبرٍ أو قياسٍ، ولا خبر بذلك ولا قياس، والآية محتملةٌ ما قلنا: والمحصنات من حرائر الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم دون إمائهم


الإعراب في قوله {واللّه أعلم بإيمانكم } والمعنى المترتب عليه:
-قالت طائفة: هو رفع على الابتداء والخبر، والمقصد بهذا الكلام أي إنكم أيها الناس سواء بنو الحرائر وبنو الإماء، أكرمكم عند الله أتقاكم، فهذه توطئة لنفوس العرب التي كانت تستهجن ولد الأمة، فلما جاء الشرع بجواز نكاحها، أعلموا مع ذلك أن ذلك التهجين لا معنى له.،ابن عطية

-وقيل: هو رفع بفعل تقديره: فلينكح مما ملكت «أيمانكم بعضكم من بعض»أي فلينكح هذا فتاة هذا فيكون المعنى لينكح هذا المقتّر الّذي لا يجد طولاً لحرّةٍ من هذا الموسر فتاته المؤمنة الّتي قد أبدت الإيمان فأظهرته وكلوا سرائرهنّ إلى اللّه،ذكره الطبري وتعقبه ابن عطية وقال هو قول ضعيف

قلت :والذي أرى والله أعلم بالصواب أن لقول ابن جرير وجه وهو أنه لما ذكر الزواج من الإماء ووصفهن بالإيمان وعقب ذلك الوصف بعلمه تعالى ببواطن الأمور وحقيقة إيمان كل عبد كأنه أكد على النكاح من إماء المسلمين لا من غيرهم لأن ابن جرير لايرى جواز نكاح الأمة غير المؤمنة فماهى إذن فائدة تأويله بعضكم من بعض على هذا القول خاصة وأنه يبدو في ظاهره بعيدا جدا.إلا أن المعنى الأول أقرب للمراد والله أعلم

فيكون معنى الآية :أن الله عليم ببواطن الأمور ولكم ظواهرها، فإذا كانت الفتاة ظاهرها الإيمان فنكاحها صحيح، وعلم باطنها إلى الله، وإنما هذا لئلا يستريب متحير بإيمان بعض الإماء، كالقريبة عهد بالسباء، أو كالخرساء وما أشبهه. ابن عطية
والمعنى : فلينكح من لم يستطع منكم طولاً لحرّةٍ من فتياتكم المؤمنات، لينكح هذا المقتّر الّذي لا يجد طولاً لحرّةٍ من هذا الموسر فتاته المؤمنة الّتي قد أبدت الإيمان فأظهرته وكلوا سرائرهنّ إلى اللّه، فإنّ علم ذلك إلى اللّه دونكم، واللّه أعلم بسرائركم وسرائرهنّ،ذكره الطبري


دلالة قوله تعالى {والله أعلم بإيمانكم}

قال ابن عاشور :اعتراض جمع معاني شتى،:
-أنه أمر، وقيد للأمر في قوله تعالى: ومن لم يستطع منكم طولا إلخ وقد تحول الشهوة والعجلة دون تحقيق شروط الله تعالى، فأحالهم على إيمانهم المطلع عليه ربهم.
-ومن تلك المعاني أنه تعالى أمر بنكاح الإماء عند العجز عن الحرائر، وكانوا في الجاهلية لا يرضون بنكاح الأمة وجعلها حليلة، ولكن يقضون منهن شهواتهم بالبغاء، فأراد الله إكرام الإماء المؤمنات، جزاء على إيمانهن، وإشعارا بأن وحدة الإيمان قربت الأحرار من العبيد، فلما شرع ذلك كله ذيله بقوله: والله أعلم بإيمانكم، أي بقوته.
-وأيضا لما كان الإيمان، هو الذي رفع المؤمنين عند الله درجات كان إيمان الإماء مقنعا للأحرار بترك الاستنكاف عن تزوجهن .
-وفي اللفظ أيضا تنبيه على أنه ربما كان إيمان أمة أفضل من إيمان بعض من الحرائر، أي: فلا تعجبوا بمعنى الحرية، ابن عطية

متعلق قوله تعالى {بعضكم من بعض}
-قيل في الحسب :كلكم ولد آدم
-وقيل في الدين :أي دينكم واحد ذكر ههنا المؤمنات من العبيد،الزجاج.


دلالة قوله بعضكم من بعض
وإنما قيل لهم ذلك لأن العرب في الجاهلية كانت تطعن في الأنساب، وتفخر بالأحساب وتعير بالهجنة، كانوا يسمّون ابن الأمة الهجين، فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أن أمر العبيد وغيرهم مستوفى الإيمان، الزجاج

الحكمة من كراهية التزوج بالأمة
وإنما كره التزوج بالأمة إذا وجد إلى الحرّة سبيل، لأن ولد الحر من الأمة يصيرون رقيقا،
ولأن الأمة مستخدمة ممتهنة تكثر عشرة الرجال، وذلك شاق على الزوج، فلذلك كره تزوج الحر بالأمة. الزجاج


الدلالة على كيفية نكاح الأمة من قوله تعالى {فانكحوهن بإذن أهلهن}
-شرط الإذن ورضا الولى لئلا يكون سرا وزنى، ولأن نكاحهن دون ذلك اعتداء على حقوق أهل الإماء.ابن عاشور
-دلّ على أنّ السّيّد هو وليّ أمته لا تزوّج إلّا بإذنه، وكذلك هو وليّ عبده، ليس لعبده أن يتزوّج إلّا بإذنه، كما جاء في الحديث: "أيّما عبدٍ تزوّج بغير إذن مواليه فهو عاهر" أي زان.
-فإن كان مالك الأمة امرأةٌ زوّجها من يزوّج المرأة بإذنها؛ لما جاء في الحديث: "لا تزوّج المرأة [المرأة، ولا المرأة نفسها] فإنّ الزّانية هي الّتي تزوّج نفسها ،ابن كثير
- والآية دليل على ولاية السيد لأمته، وأنه إذا نكحت الأمة بدون إذن السيد فالنكاح مفسوخ، ولو أجازه سيدها ،ابن عاشور


المراد بالأهل في قوله {بإذن أهلهنّ} وعلة التسمية بذلك

-قال ابن عاشور: الأهل هنا بمعنى السادة المالكين، وهو إطلاق شائع على سادة العبيد في كلام الإسلام.
- وأحسب أنه من مصطلحات القرآن (يعنى إطلاق الأهل على السادة المالكين للعبيد) تلطفا بالعبيد

المراد بالأجور في قوله: وآتوهنّ أجورهنّ
يعني أعطوهن مهورهن، وهو الصداق قاله ابن زيد وغيره، كما روى ابن جرير من طريق ابن وهب عنه


{وآتوهنّ أجورهنّ بالمعروف}
المراد ب{المعروف}

قال ابن عطية : بالشرع والسنة، قال ابن جرير : على ما تراضيتم به ممّا أحلّ اللّه لكم وأباحه لكم أن تجعلوه مهورًا لهنّ وقال ابن كثير أي: عن طيب نفسٍ منكم، ولا تبخسوا منه شيئًا استهانةً بهنّ؛ لكونهنّ إماءً مملوكاتٍ
قال ابن عطية :وهذا يقتضي أنهن أحق بمهورهن من السادة، وهو مذهب مالك قال في كتاب الرهون: ليس للسيد أن يأخذ مهر أمته ويدعها بلا جهاز..
والمعنى أنه ليس لسيدها أن يأخذ مهرها إلا أن يبوئها أى يجعل سكناها وزوجها عنده ،أو يجهزها هو ، مختصر ما ذكره ابن عاشور



-إعراب محصنات وما يترتب عليه من معنى

محصنات وما بعده حال
- الإحصان هنا :الظاهر أنه بمعنى عفيفات إذ غير ذلك من وجوه الإحصان بعيد إلا مسلمات فإنه يقرب والعامل في الحال{ فانكحوهنّ} ابن عطية واختاره ابن جرير
-الإحصان: التزويج الصحيح فهى حال مقدرة أي ليصرن محصنات ،ذكره ابن عاشور

الراجح :عفيفات إذ روى ابن جرير من طريق على بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله {محصنات غير مسافحات } يعنى تنكحوهن عفائف غير زوان في سر ولا علانية وروى ابن جرير عن السدي من طريق أسباط قوله عفائف
وقال ابن كثير :أي: عفائف عن الزّنا لا يتعاطينه؛ ولهذا قال: {غير مسافحاتٍ} ابن كثير

الفرق في معنى «المسافحات» ومتخذات الأخدان :

قال ابن عبّاسٍ: المسافحات،" هنّ الزّواني المعالنات "يعني الزّواني اللّاتي لا يمنعن أحدًا أرادهنّ بالفاحشة. ذكره ابن كثير ولم أقف عليه بهذا اللفظ ولكن رواه ابن أبي حاتم من طريق على بن أبي طلحة بلفظ غير زوان في السر والعلانية ورواه ابن جرير من طريق العوفيين الضعفاء بلفظ المعالنات بالزنا
وهو قول قتادة والضحاك وابن زيد والسدي وقول قتادة رواه ابن جرير من طريق سعيد عنه وقول الضحاك رواه ابن جرير بصيغة التضعيف من طريق عبيد بن سليمان عنه وقول السدى رواه ابن جرير من طريق أسباط عنه وقول ابن زيد رواه ابن جرير من طريق ابن وهب عنه

«ومتخذات الأخدان»:
هن المتسترات اللواتي يصحبن واحدا واحدا ويزنين خفية وهذان كانا نوعين في زنا الجاهلية
وأيضا فهو تقسيم عقلي لا يعطي الوجود إلا أن تكون الزانية إما لا ترد لامس وإما أن تختص من تقتصر عليه،ابن عطية

فالمسافحات المعالنات بالزنا ومتخذات الاخدان التى تتخذ خليلا تختص به وهذا قول قتادة والشعبي وابن زيد والضحاك والسدي كما روى ابن جرير
و روي عن أبي هريرة، ومجاهدٍ والشّعبيّ، والضّحّاك، وعطاءٍ الخراسانيّ، ويحيى بن أبي كثيرٍ، ومقاتل بن حيّان، والسّدّيّ، قالوا: أخلّاء. وقال الحسن البصريّ: يعني: الصّديق. ، كما ذكر ابن أبي حاتم عنهم بصيغة التضعيف عدا الحسن
وقال الضّحّاك أيضًا: {ولا متّخذات أخدانٍ} ذات الخليل الواحد المقرّة به، نهى اللّه عن ذلك، يعني عن تزويجها ما دامت كذلك رواه ابن أبى حاتم من طريق عبيد بن سلمان



المراد بالإحصان في قوله {فإذا أحصن}
-اختلف المتأولون فيما هو الإحصان هنا على قولين كلاهما مبنى على القراءة :

القول الأول :أن القراءتين بمعنى واحد أى قراءة الفتح أو قراءة الضم كل واحدة منهما تحتمل معنيين:
أحدهما: أنّ المراد بالإحصان هاهنا الإسلام. روي ذلك عن عبد اللّه بن مسعودٍ رواه عنه علقمة وإبراهيم وهو قول السدى والشعبي والقاسم
أما ماروى عن ابن مسعود :فقد روى ابن جرير من طريق أبي معشر عن إبراهيم أن ابن مسعود قال إسلامها إحصانها ،ولم يسمع إبراهيم من ابن مسعود ففيه انقطاع
ورواه ابن جرير موصولا من طرق عن حماد عن إبراهيم أن معقل بن مقرن سأل ابن مسعود .. بألفاظ متقاربة ورواه من طريق أشعث عن الشعبي عن ابن مسعود
وروى ابن جرير من طريق هشيم عن مغيرة عن إبراهيم من قوله {إذا أسلمن}
وروى ابن جرير من طرق عن الشعبي من قوله وروى من طريق أسباط عن السدي وروى عن القاسم وسالم من طريق اسرائيل عن جابر عنهما
وروى نحوه الزّهريّ عن عمر بن الخطّاب،قال (جلد عمر رضي اللّه عنه ولائد أبكارًا من ولائد الأمارة في الزّنى )وهو منقطعٌ.
قال ابن كثير : وإنّما قلنا [ذلك] استدلالًا بالسّنّة وإجماع أكثر أهل العلم
.
وقد روى ابن أبي حاتمٍ في ذلك حديثًا مرفوعًا، قال: حدّثنا عليّ بن الحسين بن الجنيد، حدّثنا أحمد بن عبد الرّحمن بن عبد اللّه الدشتكى حدّثنا أبي، عن أبيه، عن أبي حمزة، عن جابرٍ، عن رجلٍ، عن أبي عبد الرّحمن، عن عليٍّ قال: قال رسول اللّه صلّى عليه وسلّم: {فإذا أحصنّ} قال: "إحصانها إسلامها وقال عليٌّ: اجلدوهن و قال المراد به هاهنا التّزويج،.
ثمّ قال ابن أبي حاتمٍ: وهو حديثٌ منكرٌ.
قال ابن كثير : وفي إسناده ضعفٌ، ومنهم من لم يسمّ، و مثله لا تقوم به حجّةٌ

الثاني: المراد به هاهنا: التّزويج. وهو قول ابن عبّاسٍ، ومجاهدٍ، وسعيد بن جبير، والحسن، وقتادة وغيرهم.
فقول ابن عباس: رواه ابن جرير من طريق على بن أبي طلحة ورواه عنه عكرمة من طرق ورواه عن ابن عباس أيضا الشعبي من طريق أبي الزناد
وقول سعيد بن جبير: رواه ابن جرير من طريق عمرو بن مرة ، وقول الحسن: رواه ابن جرير من طريق سعيد عن قتادة عنه ورواه بن جرير من طريق سعيد عن قتادة
وقول مجاهد: رواه ابن جرير من طريق ليث بن أبي سليم عنه قال: إحصان الأمة أن ينكحها الحرّ، وإحصان العبد أن ينكح الحرّة وروى ابن أبي حاتم بنحوه عن الشعبي والنخعي بحذف الإسناد

القول الثانى :أن القراءتين متباينتان ولكل واحدة منهما معنى متوجه
- فمن قرأ {أحصنّ} بضمّ الهمزة، فمراده التّزويج، ومن قرأ "أحصنّ" بفتحها، فمراده الإسلام ،ذكره ابن كثير
اختاره الإمام أبو جعفر ابن جريرٍ في تفسيره، وقرّره ونصره

الترجيح:
-قال ابن كثير : أنّ المراد بالإحصان هاهنا التّزويج؛ لأنّ سياق الآية يدلّ عليه، حيث يقول سبحانه وتعالى: {ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم} واللّه أعلم. والآية الكريمة سياقها كلّها في الفتيات المؤمنات، فتعيّن أنّ المراد بقوله: {فإذا أحصنّ} أي: تزوّجن، كما فسّره ابن عبّاسٍ ومن تبعه
-أما ابن جرير : فيرى أن المراد بقوله فإذا أحصن أي فإذا أسلمن على الراجح عنده و علة ذلك الترجيح عنده أن كل أمة زنت وجب عليها الحد متزوجة كانت أو غير متزوجة مسلمة كانت أو غير مسلمة وعلى هذا فإن صرف معنى الإحصان في قوله {فإذا أحصن }للتزويج غير مناسب للواقع وهو وجوب إقامة حد الزنا على الإماء وأن تأويل الإحصان بالتزويج يفهم منه أن الأمة إذا زنت قبل أن تتزوج فإنها لاتحد وهذا خلاف المتفق عليه وأما حديث أبي هريرة وزيد بن خالد المتفق عليه والذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الأمة إذا زنت قبل أن تحصن ؟قال اجلدها ....الحديث فقد قال إن قولهم قبل أن تحصن ليس بالضرورة أن يكون مرادا منه التزوج وذلك أن الإحصان يكون على معنيين الإسلام والتزوج وليس واحد منهما بدافع معنى الآخر ولا أقوى منه حجة فيكون كلا المعنيين مرادا على السواء ولذا فإن تفسير قوله تعالى {فإذا أحصن }أي فإذا أسلمن موافق لهذا المعنى
وقال : ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات، فإذا هنّ آمنّ فإن أتين بفاحشةٍ، فعليهنّ نصف ما على المحصنات من العذاب، فيكون الخبر مبتدأ عمّا يجب عليهنّ من الحدّ إذا أتين بفاحشةٍ بعد إيمانهنّ بعد البيان عمّا لا يجوز لناكحهنّ من المؤمنين من نكاحهنّ وعمّن يجوز نكاحه له منهنّ .
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا الحديث والسؤال من الصحابة يقتضي أنهم فهموا من القرآن أن معنى أحصنّ تزوجن، وجواب النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك يقتضي تقرير المعنى ومن أراد أن يضعف قول من قال: إنه الإسلام بأن الصفة لهن بالإيمان قد تقدمت وتقررت فذلك غير لازم، لأنه جائز أن يقطع في الكلام ويزيد، فإذا كن على هذه الحالة المتقدمة من الإيمان فإن أتين بفاحشةٍ فعليهنّ، وذلك سائغ صحيح، والفاحشة هنا: الزنى بقرينة إلزام الحد، والمحصنات في هذه الآية الحرائر، إذ هي الصفة المشروطة في الحد الكامل، والرجم لا يتنصف، فلم يرد في الآية بإجماع
والإشكال في هذه المسألة قائم :فمن قال الإحصان التزويج فيلزم من مفهوم الآية ان غير المتزوجة من الإناء إذا زنت لاتحد وهو مخالف للسنة
وإن قيل المراد بالإحصان الإسلام فهم من ذلك أن الحد عليها عموما على النصف من حد الحرائر واختلفوا في ذلك
وبيان المسألة يتضح عند تحرير مسألة حد الزنا على الأمة .

.

-حد الأمة إذا زنت :
قال مكى بن أبي طالب في الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه :
الإجماع على أن الأمة لاتجلد أكثر من خمسين جلدة محصنة كانت أو غير محصنة واختلفوا على جلدها قبل الإحصان

قال ابن كثير : إذا زنت أقوالٌ
: أحدها:
أنها تجلد خمسين قبل الإحصان وبعده، وهل تنفى؟ فيه ثلاثة أقوالٍ :
أحدها أنّها تنفى عنه والثّاني: لا تنفى عنه مطلقًا. وهو قول عليٍّ وفقهاء المدينة والثّالث: أنّها تنفى نصف سنةٍ وهو نفي نصف الحرّة.
وهذا الخلاف في مذهب الشّافعيّ، وأمّا أبو حنيفة فعنده أنّ النّفي تعزيرٌ ليس من تمام الحدّ، وإنّما هو رأي الإمام، إن شاء فعله وإن شاء تركه في حقّ الرّجال والنّساء، وعند مالكٍ أنّ النّفي إنّما هو على الرّجال، وأمّا النّساء فلا ؛ لأنّ ذلك مضادٌّ لصيانتهنّ،
-وما ورد شيءٌ من النّفي في الرّجال ولا في النّساء نعم حديث عبادة وحديث أبي هريرة :أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قضى فيمن زنى ولم يحصن بنفي عامٍ وبإقامة الحدّ عليه، رواه البخاريّ، و كلّ ذلك مخصوصٌ بالمعنى، وهو أنّ المقصود من النّفي الصّون وذلك مفقودٌ في نفي النّساء واللّه أعلم

حجة هذا القول : وقد وردت أحاديث عامّةٌ في إقامة الحدّ على مفهوم الآية، فمن ذلك ما رواه مسلمٌ في صحيحه، عن عليٍّ، رضي اللّه عنه، أنّه خطب فقال: يا أيّها النّاس، أقيموا على أرقّائكم الحدّ من أحصن منهم ومن لم يحصن، فإنّ أمةً لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم زنت فأمرني أن أجلدها، فإذا هي حديثة عهدٍ بنفاسٍ، فخشيت إن جلدتها أن أقتلها، فذكرت ذلك للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: "أحسنت، اتركها حتّى تماثل ".
وعند عبد اللّه بن أحمد، عن غير أبيه: "فإذا تعالت من نفسها حدّها خمسينى الإماء، فقدّمناها
.
والثّاني: أنّ الأمة إذا زنت تجلد خمسين بعد الإحصان، وتضرب قبله تأديبًا غير محدودٍ بعددٍ محصورٍ، كما رواه ابن جريرٍ عن سعيد بن جبيرٍ: أنّها لا تضرب قبل الإحصان، وإن أراد نفيه فيكون مذهبًا بالتّأويل وإلّا فهو كالقول الثّاني

القول الثالث: أنّها تجلد قبل الإحصان مائةً وبعده خمسين، كما هو المشهور عن داود

والقول الرابع [هو] أضعف الأقوال: أنّها تجلد قبل الإحصان خمسين وترجم بعده، وهو قول أبي ثورٍ، وهو ضعيفٌ أيضًا واللّه سبحانه وتعالى أعلم

وقال ابن كثير: إلا أن الحد واجب على الأمة المسلمة بالسنة، وهي الحديث الصحيح في مسلم والبخاري، أنه قيل: يا رسول الله، الأمة إذا زنت ولم تحصن؟ فأوجب عليها الحد. قال الزهري:
فالمتزوجة محدودة بالقرآن والمسلمة غير المتزوجة محدودة بالحديث.
قال ابن كثير: وعلى كلٍّ من القولين إشكالٌ على مذهب الجمهور؛ وذلك أنّهم يقولون: إنّ الأمة إذا زنت فعليها خمسون جلدةً، سواءٌ كانت مسلمةً أو كافرةً، مزوّجةً أو بكرًا، مع أنّ مفهوم الآية يقتضي أنّه لا حدّ على غير المحصنة ممّن زنا من الإماء، وقد اختلفت أجوبتهم عن ذلك:

فأمّا الجمهور فقالوا: عموم جلد الأمة خمسين مسلمة أو كافرة مزوجة أو بكرا ،
العلة :لا شكّ أنّ المنطوق مقدّمٌ على المفهوم.
دليلهم :
-عن أبي هريرة قال: سمعت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم يقول: "إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها، فليجلدها الحدّ ولا يثرّب عليها، ثمّ إن زنت الثّانية فليجلدها الحدّ ولا يثرّب عليها، ثمّ إن زنت الثالثة فتبين زناها، فليبعها ولو بحبل من شعر" ولمسلمٍ إذا زنت ثلاثًا فليبعها في الرّابعة".
-وقال مالكٌ، عن يحيى بن سعيدٍ، عن سليمان بن يسار، عن عبد اللّه بن عيّاش بن أبي ربيعة المخزوميّ قال: أمرني عمر بن الخطّاب في فتيةٍ من قريشٍ، فجلدنا من ولائد الإمارة خمسين خمسين في الزّنا
.
القول الثانى : جواب من ذهب إلى أنّ الأمة إذا زنت ولم تحصن فلا حدّ عليها، وإنّما تضرب تأديبًا،
وهو المحكيّ عن عبد اللّه بن عبّاسٍ، رضي اللّه عنه، وإليه ذهب طاوسٌ، وسعيد بن جبير، وأبو عبيد القاسم بن سلّامٍ، وداود بن عليٍّ الظّاهريّ في روايةٍ عنه.

دليلهم : 1-وعمدتهم مفهوم الآية وهو من مفاهيم الشّرط، وهو حجّةٌ عند أكثرهم فهو مقدّمٌ على العموم عندهم.
2-وحديث أبي هريرة وزيد بن خالدٍ، رضي اللّه عنهما، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن؟ قال: "إن زنت فحدّوها ثمّ إنّ زنت فاجلدوها ثمّ بيعوها ولو بضفيرٍ" قال ابن شهابٍ: لا أدري أبعد الثّالثة أو الرّابعة.
أخرجاه في الصّحيحين وعند مسلمٍ: قال ابن شهابٍ: الضّفير الحبل.
قالوا: فلم يؤقّت في هذا الحديث عددٌ كما وقّت في المحصنة بنصف ما على المحصنات من العذاب، فوجب الجمع بين الآية والحديث بذلك واللّه أعلم.
3-وأصرح من ذلك ما رواه سعيد بن منصورٍ، عن سفيان، عن مسعرٍ، عن عمرو بن مرّة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ليس على أمةٍ حدٌّ حتّى تحصن -أو حتّى تزوّج-فإذا أحصنت بزوجٍ فعليها نصف ما على المحصنات".

اعتراض :وقد رواه ابن خزيمة، عن عبد اللّه بن عمران العابديّ عن سفيان به مرفوعًا. وقال: رفعه خطأٌ، إنّما هو من قول ابن عبّاسٍ، وكذا رواه البيهقيّ من حديث عبد اللّه بن عمران، وقال مثل ما قاله ابن خزيمة.
قالوا: وحديث عليٍّ وعمر [رضي اللّه عنهما] قضايا أعيانٍ،
وحديث أبي هريرة الذي استدل به الجمهور :
عنه أجوبةٌ:
أحدها: أنّ ذلك محمولٌ على الأمة المزوّجة جمعًا بينه وبين هذا الحديث.
الثّاني: أنّ لفظ الحدّ في قوله: فليجلدها الحدّ، لفظٌ مقحمٌ من بعض الرّواة، بدليل الجواب الثّالث وهو:
أنّ هذا من حديث صحابيّين وذلك من رواية أبي هريرة فقط، وما كان عن اثنين فهو أولى بالتّقدّم من رواية واحدٍ، وأيضًا فقد رواه النّسائيّ بإسنادٍ على شرط مسلمٍ، من حديث عبّاد بن تميمٍ، عن عمّه -وكان قد شهد بدرًا-أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إذا زنت الأمة فاجلدوها، ثمّ إذا زنت فاجلدوها، ثمّ إذا زنت فاجلدوها، ثمّ إذا زنت فبيعوها ولو بضفيرٍ".
الرّابع: أنّه لا يبعد أنّ بعض الرّواة أطلق لفظ الحدّ في الحديث على الجلد؛ لأنّه لمّا كان الجلد اعتقد أنّه حدٌّ، أو أنّه أطلق لفظة الحدّ على التّأديب، كما أطلق الحدّ على ضرب من زنى من المرضى بعثكال نخلٍ فيه مائة شمراخٍ، وعلى جلد من زنى بأمة امرأته إذا أذنت له فيها مائةً، وإنّما ذلك تعزيرٌ وتأديبٌ عند من يراه كالإمام أحمد وغيره من السّلف. وإنّما الحدّ الحقيقيّ هو جلد البكر مائةً، ورجم الثّيّب أو اللّائط، واللّه أعلم.
وقد روى ابن جريرٍ في تفسيره: حدّثنا ابن المثنّى، حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثنا شعبة، عن عمرو بن مرّة؛ أنّه سمع سعيد بن جبيرٍ يقول: لا تضرب الأمة إذا زنت ما لم تتزوّج.
وهذا إسنادٌ صحيحٌ عنه، ومذهبٌ غريبٌ إن أراد أنّها لا تضرب أصلًا لا حدًّا، وكأنّه أخذ بمفهوم الآية ولم يبلغه الحديث، وإن كان أراد أنّها لا تضرب حدًّا، ولا ينفي ضربها تأديبًا، فهو كقول ابن عبّاسٍ ومن تبعه في ذلك، واللّه أعلم.
توجيه القول الثّالث: أنّ الآية دلّت على أنّ الأمة المحصنة تحدّ نصف حدّ الحرّة، فأمّا قبل الإحصان فعمومات الكتاب والسّنّة شاملةٌ لها في جلدها مائةً، كقوله تعالى {الزّانية والزّاني فاجلدوا كلّ واحدٍ منهما مائة جلدةٍ} [النّور:2] وكحديث عبادة بن الصّامت: "خذوا عنّي، خذوا عنّي، قد جعل اللّه لهنّ سبيلا البكر بالبكر جلد مائةٍ وتغريب عامٍ، والثّيّب جلد مائةٍ ورجمها بالحجارة" والحديث في صحيح مسلمٍ وغير ذلك من الأحاديث.
وهذا القول هو المشهور عن داود بن عليٍّ الظّاهريّ، وهو في غاية الضّعف

علة الضعف : لأنّ اللّه تعالى إذا كان أمر بجلد المحصنة من الإماء بنصف ما على الحرّة من العذاب وهو خمسون جلدةً، فكيف يكون حكمها قبل الإحصان أشدّ منه بعد الإحصان. وقاعدة الشّريعة في ذلك عكس ما قال،
وهذا الشّارع عليه السّلام يسأله أصحابه عن الأمة إذا زنت ولم تحصن، فقال: "اجلدوها" ولم يقل مائةً، فلو كان حكمها كما قال داود لوجب بيان ذلك لهم؛ لأنّهم إنّما سألوا عن ذلك لعدم بيان حكم جلد المائة بعد الإحصان في الإماء، وإلّا فما الفائدة في قولهم: "ولم تحصن" لعدم الفرق بينهما لو لم تكن الآية نزلت، لكن لمّا علموا حكم أحد الحكمين سألوا عن حكم الحال الآخر، فبيّنه لهم.
كما ثبت في الصّحيحين أنّهم لمّا سألوه عن الصّلاة عليه، فذكرها لهم ثمّ قال: "والسّلام ما قد علمتم" وفي لفظٍ: لمّا أنزل اللّه قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليمًا} [الأحزاب:56] قالوا: هذا السّلام عليك قد عرّفناه، فكيف الصّلاة عليك؟ وذكر الحديث، وهكذا هذا السّؤال
.
توجيه القول الرّابع -عن مفهوم الآية-: جواب أبي ثورٍ، فإنّ من مذهبه ما هو أغرب من قول داود من وجوهٍ، ذلك أنّه يقول فإذا أحصن فإنّ عليهنّ نصف ما على المحصنات المزوّجات وهو الرّجم، وهو لا يتناصف فيجب أن ترجم الأمّة المحصنة إذا زنت، وأمّا قبل الإحصان فيجب جلدها خمسين.
اعتراض : فأخطأ في فهم الآية وخالف الجمهور في الحكم،
بل قد قال أبو عبد اللّه الشّافعيّ، رحمه اللّه: ولم يختلف المسلمون في أن لا رجم على مملوكٍ في الزّنا؛ وذلك لأنّ الآية دلّت على أنّ عليهنّ نصف ما على المحصنات من العذاب، والألف واللّام في المحصنات للعهد، وهنّ المحصنات المذكورات في أوّل الآية: {ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات} والمراد بهنّ الحرائر فقط، من غير تعرّضٍ لتزويج غيره، وقوله: {نصف ما على المحصنات من العذاب} يدلّ على أنّ المراد من العذاب الّذي يمكن تنصيفه وهو الجلد لا الرّجم، واللّه أعلم.
ثمّ قد روى الإمام أحمد [حديثًا] نصا في ردّ مذهب أبي ثورٍ من رواية الحسن بن سعدٍ عن أبيه أنّ صفيّة كانت قد زنت برجلٍ من الحمس، فولدت غلامًا، فادّعاه الزّاني، فاختصما إلى عثمان [بن عفّان] فرفعهما إلى عليّ بن أبي طالبٍ، فقال عليٌّ: أقضي فيهما بقضاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "الولد للفراش وللعاهر الحجر" وجلدهما خمسين خمسين الشاهد هنا أنها كانت محصنة أى مزوجة وجلدها ولم يرجمها
.
وقيل: بل المراد من المفهوم التّنبيه بالأعلى على الأدنى، أي: أنّ الإماء على النّصف من الحرائر في الحدّ وإن كنّ محصناتٍ، وليس عليهنّ رجمٌ أصلًا لا قبل النّكاح ولا بعده، وإنّما عليهنّ الجلد في الحالتين بالسّنّة. قال ذلك صاحب الإفصاح عن الشّافعيّ، فيما رواه ابن عبد الحكم، عنه. وقد ذكره البيهقيّ في كتاب السّنن والآثار، وهو بعيدٌ عن لفظ الآية؛ لأنّا إنّما استفدنا تنصيف الحدّ من الآية لا من سواها، فكيف يفهم منها التّنصيف فيما عداها،
وقال البيهقي: بل أريد بأنّها في حال الإحصان لا يقيم الحدّ عليها إلّا الإمام، ولا يجوز لسيّدها إقامة الحدّ عليها والحالة هذه -وهو قولٌ في مذهب الإمام أحمد رحمه اللّه-فأمّا قبل الإحصان فله ذلك، والحدّ في كلا الموضعين نصف حدّ الحرّة.
وهذا أيضًا بعيدٌ؛ لأنّه ليس في لفظ الآية ما يدل عليه.
ولولا هذه لم ندر ما حكم الإمام في التّنصيف، ولوجب دخولهنّ في عموم الآية في تكميل الحدّ مائةً أو رجمهنّ، كما أثبت في الدّليل عليه، وقد تقدّم عن عليٍّ أنّه قال: أيّها النّاس أقيموا على أرقّائكم الحدّ من أحصن منهم ومن لم يحصن، وعموم الأحاديث المتقدّمة ليس فيها تفصيلٌ بين المزوّجة وغيرها، لحديث أبي هريرة الّذي احتجّ به الجمهور: "إذا زنت أمة أحدكم فتبيّن زناها فليجلدها الحدّ ولا يثرّب عليها
فليس فيها أن سيدها لايحلدها بل الإمام
".
مرجع اسم الإشارة {ذلك لمن خشي العنت}

هذا الّذي أبحت أيّها النّاس من نكاح فتياتكم المؤمنات ،الطبري
أي: إنّما يباح نكاح الإماء بالشّروط المتقدّمة لمن خاف على نفسه الوقوع في الزّنا، وشقّ عليه الصّبر عن الجماع، وعنت بسبب ذلك كلّه، فحينئذٍ يتزوّج الأمة

المراد بالعنت:

العنت في اللغة المشقة ،ذكره ابن عطية
-القول الأول :الزنا وهو قول ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد والضحاك وعطية فقول ابن عباس رواه الطبري من طريق على بن أبي طلحة وقول مجاهد رواه الطبري من طريق ليث عنه وقول سعيد بن جبير رواه الطبري من طرق عن أبي بشر وقول الضحاك رواه الطبري من طريق جويبر عنه وقول عطية رواه الطبري من طرق عن فضيل عنه
- القول الثانى :العقوبة التى تعنته وهى الحد،ذكره الطبري
-وقيل: الإثم ،ذكره ابن عطية

والراجح : قال ابن جريرذلك لمن خاف منكم ضررًا في دينه وبدنه.

-وذلك أنّ العنت هو ما ضرّ الرّجل، يقال منه: قد عنت فلانٌ فهو يعنت عنتًا: إذا أتى ما يضرّه في دينٍ أو دنيا، ومنه قول اللّه تبارك وتعالى عنتّم
ويقال: قد أعنتني فلانٌ فهو يعنتني: إذا نالني بمضرّةٍ؛ وقد قيل: العنت: الهلاك.
-فالّذين وجّهوا تأويل ذلك إلى الزّنا قالوا: الزّنا ضررٌ في الدّين، وهو من العنت.
-والّذين وجّهوه إلى الإثم، قالوا: الآثام كلّها ضررٌ في الدّين وهي من العنت.
-والّذين وجّهوه إلى العقوبة الّتي تعنته في بدنه من الحدّ،:فإنّهم قالوا: الحدّ مضرّةٌ على بدن المحدود في دنياه، وهو من العنت.
وقد عمّ اللّه بقوله: {لمن خشي العنت منكم}
جميع معاني العنت، ويجمع جميع ذلك الزّنا لأنّه يوجب العقوبة على صاحبه في الدّنيا بما يعنت بدنه، ويكتسب به إثمًا ومضرّةً في دينه ودنياه. وقد اتّفق أهل التّأويل الّذي هم أهله، على أنّ ذلك معناه. فهو وإن كان في عينه لذّةٌ وقضاء شهوةٍ فإنّه بأدائه إلى العنت منسوبٍ إليه موصوفٌ به إذ كان للعنت سببًا
-قال ابن عطية : والآية تحتمل ذلك كله، وكل ما يعنت عاجلا وآجلا

شروط نكاح الأمة
لمن خشي العنت، ولم يجد طولاً لحرّة. فبهذين الشّرطين أرخص للمؤمن الحرّ في نكاح الإماء بيّن الله جلّ ذكره أنّ الإباحة المتقدمة إنما هي
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وليس في الآية ما يلزم منه تحليل الأمة لحر دون الشرطين،

وفي إباحة نكاح المؤمن المملوكة، وهو يجد الطّول للحرة اختلاف إذا خشى العنت:
-القول الأول :المنع
وقال مالك في المدونة: ليست الحرة بطول تمنع من نكاح الأمة إذا لم يجد سعة لأخرى وخاف العنت، وقال في كتاب محمد: ما يقتضي أن الحرة بمثابة الطول، قال الشيخ أبو الحسن اللخمي: وهو ظاهر القرآن، وروي نحو هذا عن ابن حبيب، وقاله أبو حنيفة: فمقتضى هذا أن من عنده حرة فلا يجوز له نكاح أمة، وإن عدم السعة وخاف العنت، لأنه طالب شهوة وعنده امرأة، وقال به الطبري واحتج له
وقال ابن عاشور معقبا على هذا الرأي:وهو تضييق لا يناسب يسر الإسلام على أن الحاجة إلى امرأة ثانية قد لا يكون لشهوة بل لحاجة لا تسدها امرأة واحدة، فتعين الرجوع إلى طلب التزوج،ووجود المقدرة.

قال ابن كثير :ومن هذه الآية الكريمة استدلّ جمهور العلماء في جواز نكاح الإماء، على أنّه لا بدّ من عدم الطّول لنكاح الحرائر ومن خوف العنت؛ لما في نكاحهنّ من مفسدة رقّ الأولاد، ولما فيهنّ من الدّناءة في العدول عن الحرائر إليهن.
-القول الثانى :الجواز
-وخالف الجمهور أبو حنيفة وأصحابه في اشتراط الأمرين، فقالوا: متى لم يكن الرّجل مزوّجًا بحرّة جاز له نكاح الأمة المؤمنة والكتابيّة أيضًا، سواءٌ كان واجدًا الطّول لحرّةٍ أم لا وسواءٌ خاف العنت أم لا وعمدتهم فيما ذهبوا إليه [عموم] قوله تعالى: {والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم} [المائدة: 5] أي: العفائف، وهو يعمّ الحرائر والإماء، وهذه الآية عامّةٌ، وهذه أيضًا ظاهرةٌ في الدّلالة على ما قاله الجمهور واللّه أعلم(ابن عطية)
وهذا القول مبناه على معنى الطول عندهم فعلى قولهم الطول وجود الحرة عنده فإن تحقق ذلك امتنع زواجه من الأمة

معنى {وأن تصبروا خير لكم}
إن ترك تزوّج الأمة وجاهد نفسه في الكفّ عن الزّنا، فهو خيرٌ له أي وصبركم خير لكم،ابن كثير

دلالة قوله {وأن تصبروا خير لكم}
وهذا ندب إلى الترك، وعلته ما يؤدي إليه نكاح الإماء من استرقاق الولد ومهنتهن،ابن عطية

وجه الخيرية في قوله {خير لكم }
لأنه إذا تزوجها جاء أولاده أرقّاء لسيّدها إلّا أن يكون الزّوج عربيًّا فلا تكون أولاده منها أرقّاء في قولٍ قديمٍ للشّافعيّ، ولهذا قال: {وأن تصبروا خيرٌ لكم}، ابن كثير

دلالة قوله {والله غفور رحيم}
واللّه غفورٌ لكم نكاح الإماء أن تنكحوهنّ على ما أحلّ لكم وأذن لكم به، وما سلف منكم في ذلك إن أصلحتم أمور أنفسكم فيما بينكم وبين اللّه، رحيمٌ بكم، إذ أذن لكم في نكاحهنّ عند الافتقار وعدم الطّول للحرّة ،ذكره الطبري


أحسنتِ، بارك الله فيكِ
وأحسب أنه لو لخصتِ كلام المفسرين بأسلوبك دون الاعتماد على نسخ نص كلامهم، سيكون أفضل لكِ، فتعبرين عن المعنى بألفاظ مختصرة
ربما يكون هذا أكثر مشقة عند التلخيص، لكنه الأفضل لأنه سيختصر عليكِ وقتًا كبيرًا عند مراجعة مادة تفسير هذه الآيات، أعني عند المذاكرة أو إرادة تحضير درس منها
التقويم: أ
وفقكِ الله وسددكِ

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجلس, الثامن

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:57 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir