دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب العتق

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #6  
قديم 23 ربيع الثاني 1432هـ/28-03-2011م, 02:34 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

كِتَابُ العِتْقِ


جعل الفقهاء العتق بعد المعاملات المالية مباشرة؛ لأن فيه شائبة مال، فإن العتق هو تخليص الرقبة من الرق، والرقيق مال؛ فلهذا ضمّوه إلى المعاملات المالية قبل أن تأتي المعاملات الشخصية، ومن العلماء من جعل باب العتق في آخر الفقه بعد الإقرار، والإقرار جعلوه في الصلح أو في مكان آخر، ولكل وجهة، أما الذين جعلوا آخر الفقه كتاب الإقرار، قالوا: تفاؤلاً بالإقرار بالشهادة عند الموت الذي هو آخر عمل الإنسان، والذين جعلوا العتق آخر الفقه، قالوا: تفاؤلاً بأن يعتق الله الإنسان من النار، لكن الفقهاء المتأخرين لاحظوا المعنى الأول أن العتق فيه شائبة مالية، فألحقوه بالمعاملات.
العتق في اللغة: القِدَم، ومن قوله تعالى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] .
واصطلاحاً: تخليص الرقبة من الرق.
يعني إنسان عنده عبد مملوك فأعتقه، أي: حرره من الرق.
ويحصل العتق بأمور، منها :
أولاً : الصيغة القولية، وهي نوعان: صريح، وكناية، فالصريح ما لا يحتمل غير المراد، مثل أعتقتك، حررتك، أنت عتيق، أنت حر، وما أشبه ذلك.
الكناية كل لفظ يحتمل المعنى المراد وغيره، مثل أن يقول: لا سبيل لي عليك، أنت طليق في الهواء، وما أشبه ذلك.
والفرق بين الصريح والكناية من حيث الحكم، أن الصريح لا يحتاج إلى نية، والكناية تحتاج إلى نية؛ لأن الكناية كل لفظ يحتمل المعنى المراد وغيره، فإذا كان كذلك فإنه لا يكون للمعنى المراد إلا بالنية، فإذا قال السيد لعبده: لا سبيل لي عليك، اذهب، فيحتمل أن المعنى لا سبيل لي عليك في هذا المذهب الذي قلت لك فيه: اذهب، ويحتمل لا سبيل لي عليك مطلقاً، يعني فأنت حر.
ثانياً : القوة وهي السراية، فإذا أعتق نصف العبد سرى العتق إلى جميعه بالقوة حتى وإن لم يرده، فلو أن إنساناً عنده عبد فقال: عشرك حر، يعتق كله، أو: إصبعك حر، يسري العتق إليه كله، فلا يتبعض العتق، بل لو أن الرجل أعتق نصيبه من عبد وله شركاء سرى إلى نصيب شركائه، مع أنه لا يملكه، لكن يسري بالقوة ويعطي شركاءه قيمة أنصبائهم، هكذا جاء الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم[(1)]، هذا إذا كان عنده ثمن الشركاء، أما إذا لم يكن عنده، فهذا فيه قولان للعلماء:
القول الأول: أنه لا يسري العتق؛ لأنه لو سرى لكان في ذلك ضرر على الشركاء؛ لأنه فوَّت العبد عليهم، فيبقى ملكهم على ما هو عليه، ويكون هذا العبد مبعضاً، جزء منه حر والباقي رقيق.
القول الثاني: يُستسعى العبد، فيقال له: اذهب، اتجر، اعمل، ثم اردد ما يحصل لك على أسيادك الآخرين حتى ينتهي، فإن قال أسياده: نحن لا نريد أن يعتق بل يبقى، قلنا: قهراً عليكم أن يستسعى ويوفي أسياده.
ثالثاً : ملك ذي الرحم[(2)]، وضابطه أن يملك مَنْ لو كان أنثى لحرم عليه بنسب أن يتزوجه، فإنه لو ملك أباه يعتق عليه، ولو لم يكن عنده مال إلا قيمة أبيه، وكذلك لو ملك أخاه فإنه يعتق عليه، وكذلك عمته تعتق؛ لأنه لا يمكن أن يتزوج بها، أما ابنة عمه فإنها لا تعتق؛ لأنه يحل أن يتزوج بها، ولو ملك من لو كان أنثى لحرم عليه برضاع لم يعتق، وهذا مما يفرق فيه بين الرضاع والنسب.
رابعاً : التمثيل،، يعني أنه يمثل بعبده، فإذا مثل به عتق عليه[(3)]، كإنسان عنده عبد فحل وخاف على أهله منه فخصاه ـ أي: قطع خصيتيه ـ فإنه يعتق عليه، ولو أنه غضب على عبده فقطع شحمة أذنه فإنه يعتق، ولكن لو قلم أظافره فإنه لا يعتق؛ لأن هذا ليس تمثيلاً.
وإنما جعل الشرع العتق يحصل بأدنى سبب حرصاً منه على تحرير الرقاب، وبه تندفع الشبهة التي يوردها الكفار على الإسلام في مسألة الرق؛ لأننا نقول: إن الإسلام ضَيَّقَ سبب الملك في الرق، إذ ليس هناك سبب للرق إلا الكفر، ووسَّع جداً أسباب الحرية، وما يندب إلى الحرية، وجعل العتق في الكفارات، وقربة من القربات من أفضل الأعمال، فضيق جداً نطاق الرق من وجوه منها:
أولاً: أن سببه واحد.
ثانياً: أنه فتح أبواباً كثيرة تكون سبباً للعتق، باختيار المرء مثل الكفارات، وبغير اختياره كالسراية والتمثيل.

وَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ القُرَبِ، وَيُسْتَحَبُّ عِتْقُ مَنْ لَهُ كَسْبٌ، وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ، وَيَصِحُّ تَعْلِيقُ العِتْقِ بِمَوْتٍ، وَهُوَ التَّدْبِيرُ.
قوله: ((وهو من أفضل القُرَب)) ، ((من)) للتبعيض فليس أفضل القرب ولكن من أفضلها؛ لأن من أعتق عبداً أعتق الله من هذا المعتِق كل عضو من النار، حتى الفرج بالفرج[(4)]، ولا يعني قولنا: إنه من أفضل القرب أن يكون مشروعاً بكل حال، ولذا قال المؤلف:
«ويستحب عتق من له كسب، وعكسه بعكسه» ، فالذي ليس له كسب لا يستحب عتقه؛ لأننا نجعله عالة على نفسه وعالة على غيره، ومن باب أولى إذا كان هذا العبد معروفاً بالشر والفساد فإننا نقول: لا تعتقه؛ لأنك إذا أعتقته ذهب يفسد في الأرض، وكذلك لو كان إذا أعتق هرب إلى الكفار، وصار علينا فإننا لا نعتقه، فالمهم أن كون العتق من أفضل القربات مقيد بما إذا لم يترتب عليه مفسدة، فإن ترتب عليه مفسدة فإنه ليس من القربات فضلاً عن أن يكون من أفضلها.
قوله: «ويصح تعليق العِتق بموتٍ وهو التدبير» ، التدبير: مأخوذ من دبر الحياة أي ما بعدها، وهو تعليق العتق بالموت، سمي تدبيراً؛ لأنه ينفذ في دبر الحياة، ولا شك أنه صحيح؛ لأنه ثبتت به السنة، فإن رجلاً أعتق غلاماً له عن دبر، ولم يكن له مال غيره، وكان عليه دين، فباعه النبي صلّى الله عليه وسلّم وأوفى دينه[(5)]، وليس عتق التدبير كعتق الحياة؛ لأن عتق التدبير يكون بعد الموت، بعد أن خرج الإنسان من الدنيا، ولهذا قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((أفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح تأمل البقاء وتخشى الفقر، ولا تمهل)) ـ أي: تؤخر ـ حتى إذا بلغت الحلقوم، قلت: لفلان كذا ولفلان كذا ـ يعني أوصيت ـ وقد كان لفلان [(6)]، أي: الوارث، فالعتق بالتدبير أقل أجراً من العتق في حال الحياة، والعتق في مرض الموت أقل من العتق في الصحة، فإذا قال الإنسان لعبده: أنت حر بعد موتي صح، فإذا مات عتق، ولكن لا يعتق إلا بعد الدَّين ومن الثلث فأقل، فحكمه حكم الوصية فلا يعتق مطلقاً، فإذا مات السيد والعبد مدبر، قيمته عشرة آلاف ريال، وعليه دين يبلغ عشرة آلاف ريال، فإن العبد لا يعتق؛ لأن الدين مقدم عليه، ولهذا باع النبي صلّى الله عليه وسلّم العبد المدبر لقضاء دين سيده[(7)]، وإذا دبر سيدٌ عبده وقيمة العبد عشرة آلاف ريال، وعليه دين يبلغ خمسة آلاف ريال، وليس له سوى هذا العبد، فنصفه للدين ويعتق ثلث النصف الباقي، أي: سدس جميعه، والباقي للورثة، فيباع العبد على أن سدسه حر، فيوفى الدين، والباقي من الثَّمَن يكون ثلثه للعبد؛ لأنه كَسَبَه بجزئه الحر، والباقي للورثة.
ولو دبر عبداً وقيمته عشرة آلاف ريال، وليس عنده إلا خمسة آلاف ريال، فالجميع خمسة عشر ألفاً، فثلثها خمسة ـ آلاف وهو نصف قيمة العبد ـ فيعتق نصفه، وفي هذه الحال يستسعى العبد ـ على قول بعض العلماء ـ حتى يتحرر.

-----------------------------------

[1] أخرجه البخاري في العتق/ باب إذا أعتق عبداً بين اثنين (2522)؛ ومسلم في العتق/ باب من أعتق شركاً له في عبد (1501) عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ. ولفظه: ((من أعتق شركاً له في عبد فكان له ما يبلغ ثمن العبد قوم قيمة عدل، فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد، وإلا فقد عتق منه ما عتق)).
[2] لما أخرجه الإمام أحمد (5/18)؛ وأبو داود في العتق/ باب فيمن ملك ذا رحم محرم (3949)؛ والترمذي في الأحكام/ باب فيمن ملك ذا رحم محرم (1365)؛ وابن ماجه في الأحكام/ باب من ملك ذا رحم محرم (2524) عن سمرة بن جندب ـ رضي الله عنه ـ ولفظه: «من ملك ذا رحم مَحْرَمٍ فهو حر». قال الحافظ في البلوغ (1425): «ورجح جمع من الحفاظ أنه موقوف».
انظر: التلخيص (2149)، ونصب الراية (3/278).
[3] أخرجه أبو داود في الديات/ باب من قتل عبده أو مثل به... (4515)؛ وابن ماجه في الديات/ باب من مثل بعبده فهو حر (2680) عن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ، ولفظه: «جاء رجل إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم صارخاً، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما لك؟ قال: سيدي رآني أقبِّل جارية له فجبَّ مذاكيري، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: إذهب، فأنت حر».
[4] لما أخرجه البخاري في كفارات الأيمان/ باب قول الله تعالى: {أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} (6715)؛ ومسلم في العتق/ باب فضل العتق (1509) (22) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ. ولفظه: «من أعتق رقبة مسلمة أعتق الله بكل عضو منه عضواً من النار حتى فرجه بفرجه».
[5] سبق تخريجه ص(58).
[6] سبق تخريجه ص(102).
[7] سبق تخريجه ص(58).


 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
العتق, كتاب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:53 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir