فَأَقُولُ: لَمَّا كانَ كتابُ اللَّهِ مُفْتَتَحاً بالبسملةِ ثمَّ الحمدِ لهُ، وَجَاءَت السنَّةُ بالندبِ إلى افتتاحِ الأمورِ المُهِمَّةِ بهما، افْتَتَحَ الناظمُ رَحِمَهُ اللَّهُ هذا بِهِمَا، فَقَالَ بعدَ التَّيَمُّنِ بالبسملةِ:
(الحمدُ لِلَّهِ) لَا أَبْغِي بهِ بَدَلا = حَمْداً يُبَلِّغُ مِنْ رِضْوَانِهِ الْأَمَلا
الحمدُ: هوَ الثناءُ باللسانِ على المحمودِ بصفاتِهِ الجميلةِ في مقامِ التعظيمِ، واللَّهُ سبحانَهُ: عَلَمٌ للذاتِ الواجبِ الوجودِ المعبودِ بِحَقٍّ المُسْتَحِقُّ لجميعِ المحامدِ، وَبَغَيْتُ الشيءَ أَبْغِيهِ بُغْيَةً وَبِغْيَةً بالضمِّ والكسرِ وَبُغاً بالقصرِ بُغَاءً بالمدِّ معَ الضمِّ فيهما, أي: طَلَبْتُهُ، وبَدَلُ الشيءِ: عِوَضُهُ، وَبَلَّغْتُ الشيءَ بالتشديدِ وَأَبْلَغْتُهُ, أي: أَوْصَلْتُهُ، وَبِهِمَا قُرِئَ {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي}، والرضوانُ: بِمَعْنَى الرِّضَى، يُقَالُ: أَرْضَى عنهُ وعليهِ رِضاً وَرُضْوَاناً بكسرِ الراءِ وَضَمِّهَا، وبهما قُرِئَ أيضاً، والأملُ: الرَّجَاءُ، يُقَالُ أَمَلْتُ الشيءَ مُخَفَّفاً آمُلُهُ بِمَدِّ الهمزةِ، كَأَكَلْتُ الشيءَ آكُلُهُ وَأَمَّلْتُهُ بالتشديدِ أُؤَمِّلُهُ؛ أي: رَجَوْتُهُ، وقولُهُ: (لا أَبْغِي بِهِ بَدَلا) في مَوْضِعِ النصبِ؛ إمَّا على أنَّهُ وَصْفٌ لمصدرٍ محذوفٍ, أي: حَمْداً لا أَبْغِي بهِ بَدَلاً، والضميرُ للحمدِ، أي: بلْ لِمَا تَسْتَحِقُّهُ ذَاتُهُ المُقَدَّسَةُ من التعظيمِ، وإمَّا على الحالِ منْ فاعلِ الحمدِ المفهومِ منْ قولِهِ: الحمدُ للَّهِ؛ لأنَّهُ بِمَعْنَى أَحْمَدُ اللَّهَ، أي: غَيْرَ طالبٍ بِحَمْدِي لهُ عِوَضاً، وَيَجُوزُ عَوْدُ الضميرِ إلى اللَّهِ - سُبْحَانَهُ وتعالى - أي: غَيْرَ مُسْتَبْدِلٍ بهِ إِلَهاً غَيْرَهُ، وَ (حَمْداً) المُصَرِّحُ بهِ مَنْصُوبٌ على المصدرِ، والعاملُ فيهِ الحمدُ، وَيُبَلِّغُ في مَوْضِعِ النَّعْتِ لهُ.
ثُمَّ لَمَّا كانَ شُكْرُ الوسائطِ في إيصالِ الخيراتِ مَأْمُوراً بهِ شَرْعاً وإنْ كانَ المُنْعِمُ الحقيقيُّ هوَ اللَّهَ تَعَالَى ثَلَّثَ الناظمُ رَحِمَهُ اللَّهُ بالصلاةِ على أكبرِ الوسائطِ بينَ العبادِ وَمَعْبُودِهِم في إيصالِ كلِّ خيرٍ ودَفْعِ كلِّ ضَيْرٍ، وهوَ الرسولُ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وَسَلَّمَ ، ثمَّ آلُهُ وَصَحْبُهُ، الذينَ آوَوُا الدينَ وَنَصَرُوهُ، وَحَمَلُوهُ إلى الأُمَّةِ وَنَقَلُوهُ رَضِيَ اللَّهُ عنهم فَقَالَ:
ثُمَّ الصَّلَاةُ على خَيْرِ الوَرَى وَعَلَى = سَادَاتِنَا آلِهِ وَصَحْبِهِ الْفُضَلا
وإِنَّمَا عَطَفَ ذلكَ بِثُمَّ لِيُفِيدَ الترتيبَ صَرِيحاً؛ لأنَّ حَمْدَ اللَّهِ تعالى أَهَمُّ وأَحَقُّ بالتقديمِ، والصلاةُ في اللغةِ: الدعاءُ والرحمةُ والاستغفارُ، والمرادُ بها هُنَا: الدعاءُ لهُ صَلَّى اللَّهُ وعليهِ وسَلَّمَ، والاستغفارُ لَهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عنهم بما هوَ وَهُمْ لهُ أَهْلٌ، وقدْ أَمَرَ اللَّهُ سبحانَهُ عِبَادَهُ المؤمنينَ بالصلاةِ على نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وَسَلَّمَ، وبالتسليمِ والثناءِ على الذينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِم، يَقُولُون َ: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ}.
والوَرَى مَقْصُوراً: الخلقُ، يُقَالُ: ما أَدْرِي أيُّ الوَرَى هوَ؟ . وخيرُ الخليقةِ هوَ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ، وَلِهَذَا اسْتَغْنَى الناظِمُ رَحِمَهُ اللَّهُ بهذا الوصفِ عن اسْمِهِ العَلَمِ لِتَعَيُّنِ هذا الوصفِ لهُ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وَسَلَّمَ.
والسادةُ: جَمْعُ سَيِّدٍ، يُقَالُ: سَادَ فلانٌ قَوْمَهُ يَسُودُهُم سِيَادَةً وسُؤْدَداً بفتحِ الدالِ / وَضَمِّهَا معَ ضَمِّ السينِ فيهما، فهوَ سَيِّدٌ، والجمعُ سَادَةٌ.
والآلُ: أصلُهُ أَهْلٌ بدليلِ قَوْلِهِم في تصغيرِهِ: أُهَيْلٌ، فَأُبْدِلَت الهمزةُ من الهاءِ لِقُرْبِ المَخْرَجِ، وآلُ الرَّجُلِ: عَشِيرَتُهُ وأَتْبَاعُهُ، وَتَخْصِيصُ آلِهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وَسَلَّمَ بِبَنِي هَاشِمٍ والمُطَّلِبِ شَرْعِيٌّ لا لُغَوِيٌّ. والصَّحْبُ: جَمْعُ صَاحِبٍ، كَرَكْبٍ وراكبٍ، وَأَمَّا أَصْحَابٌ فَجَمْعُ الجَمْعِ.
والفُضَلا: جَمْعُ فَاضِلٍ على غيرِ قِيَاسٍ كَشَاعِرٍ وشُعَرَاءَ، وَأَصْلُ الفضلِ: الزيادةُ، فَمَنْ زادَ على أحدٍ بشيءٍ فقدْ فَضَلَهُ بهِ، وَهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عنهم قدْ فَضَلُوا سائرَ الأُمَمِ بِمَا خَصَّهُم اللَّهُ بهِ منْ صُحْبَتِهِ وَرُؤْيَتِهِ والانتسابِ إليهِ واتِّبَاعِهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ، قالَ تَعَالَى: {لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى}، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وَسَلَّمَ: ((لا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ إِنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَباً ما بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِم ولا نَصِيفَهُ)).
رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
أيْ: إنَّ إِنْفَاقَ أَحَدِهِم مُدًّا أوْ نِصْفَ مُدٍّ أَفْضَلُ منْ إِنْفَاقِ غَيْرِهِم مثلَ أُحُدٍ ذَهَباً، ثمَّ إنَّهُ رَحِمَهُ اللَّهُ بَيَّنَ الغرضَ الدَّاعِيَ لهُ إلى هذا النظمِ، وهوَ الحثُّ على عِلْمِ التصريفِ الذي يُتَوَصَّلُ بهِ إلى علمِ اللغةِ، والتي بها يُتَوَصَّلُ إلى فَهْمِ كتابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
وَبَعْدُ: فالفعلُ مَنْ يُحْكِمْ تَصَرُّفَهُ = يَحُزْ مِنَ اللُّغَةِ الْأَبْوَابَ وَالسُّبُلَا
وبعدُ هنا من الظروفِ المَبْنِيَّةِ على الضمِّ؛ لِقَطْعِهَا عن الإضافةِ لَفْظاً، والتقديرُ: وَبَعْدَ ما قَدَّمْتُهُ من الحمدِ وغيرِهِ، وهوَ مُتَضَمِّنٌ لِمَعْنَى الابتداءِ، ولهذا حَسُنَ بَعْدَهُ الفاءُ وَيُسَمَّى عندَ كثيرٍ من العلماءِ فَصْلَ الخطابِ؛ لأنَّهُ يُؤْتَى بهِ فَاصِلاً ما بَيْنَ كَلامَيْنِ لا ارْتِبَاطَ بَيْنَهُمَا ، والمرادُ بالفعلِ هنا: الفعلُ الصِّنَاعِيُّ منْ ماضٍ ومضارعٍ وأمرٍ، معَ ما يَشْتَمِلُ على حروفِ الفعلِ وَمَعْنَاهُ منْ مَصْدَرٍ، واسْمَيْ فَاعِلٍ ومفعولٍ، وَاسْمَيْ زَمَانٍ ومكانٍ، وما يَلْتَحِقُ بها؛ وذلكَ لأنَّ عِلْمَ التصريفِ يُبْحَثُ فيهِ عنْ أحوالِ أَبْنِيَةِ الكَلِمِ، والكَلِمُ: اسمٌ وفعلٌ وحرفٌ، ولا حَظَّ للحروفِ في التصريفِ، وكذا الأسماءُ المَبْنِيَّةُ والأفعالُ الجامدةُ لِقُوَّةِ شَبَهِهَا بالحروفِ؛ لأنَّها لا تَقْبَلُ التَّغْيِيرَ، فَصَارَ عِلْمُ التصريفِ مُخْتَصًّا بالأصالةِ بالأفعالِ المُتَصَرِّفَةِ والأسماءِ المُتَمَكِّنَةِ، وهوَ في الفعلِ أَصْلٌ لكثرةِ تَغْيِيرِهِ بظهورِ الاشتقاقِ فيهِ.
والناظمُ رَحِمَهُ اللَّهُ خَصَّ هذهِ المنظومةَ بالفعلِ مُجَرَّداً كانَ أوْ مَزِيداً فيهِ؛ لِمَا ذَكَرَهُ منْ أنَّ أَحْكَامَهُ مفتاحُ مُحْكَمِ اللغةِ: والفعلُ ثلاثةُ أقسامٍ: ماضٍ ومضارعٌ وأمرٌ، ولا بُدَّ لكلِّ فِعْلٍ منْ مصدرٍ ومنْ فاعلٍ، فإنْ كانَ مُتَعَدِّياً فلا بُدَّ لهُ منْ مفعولٍ بهِ، وقدْ يُحْذَفُ الفاعلُ وَيُقَامُ المفعولُ بهِ مَقَامَهُ، فَيُحْتَاجُ إلى تَغْيِيرِ صِيغَةِ الفعلِ لهُ، ولا بُدَّ أيضاً لوقوعِ الفعلِ منْ زمانٍ ومكانٍ، وقدْ يكونُ للفعلِ آلةٌ يُفْعَلُ بها، فَانْحَصَرَتْ أَبْوَابُ هذهِ المنظومةِ فيما ذُكِرَ منْ بابِ الفعلِ المُجَرَّدِ وتصاريفِهِ وبابِ أَبْنِيَةِ أسماءِ الفاعِلِينَ والمَفْعُولِينَ من المُجَرَّدِ والمزيدِ فيهِ، وبابِ أَبْنِيَةِ المصادرِ مُجَرَّدَةً ومزيدةً فيها، وبابِ أسماءِ الزمانِ والمكانِ وما يَلْتَحِقُ بهما من الآلةِ وغيرِهَا.
وإحكامُ الشيءِ: إِتْقَانُهُ وَضَبْطُهُ، والتَّصَرُّفُ: التَّقَلُّبُ، وتَصْرِيفُ الشيءِ: تَقْلِيبُهُ منْ حالٍ إلى حالٍ. وعِلْمُ التصريفِ في الاصطلاحِ ما سَبَقَ. وَيَحُزْ بالحاءِ المُهْمَلَةِ, أي: يَحْوِي وَيُحِيطُ، يُقَالُ: حَازَهُ يَحُوزُهُ حَوْزاً وحِيَازَةً, أي: ضَمَّهُ وَأَحَاطَ بهِ.
والسُّبُلُ جمعُ سَبِيلٍ وهوَ الطريقُ، يُذَكَّرُ/ كلٌّ مِنْهُمَا وَيُؤَنَّثُ، وَبَابُ الشيءِ ما يُدْخَلُ منهُ إليهِ.
والمَعْنَى أنَّ مَنْ أَحْكَمَ عِلْمَ التصريفِ حَوَى أبوابَ اللغةِ وأَحَاطَ بِطُرُقِهَا، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الناسَ في ذلكَ ثلاثةُ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ عَرَفَ الأبنيةَ والأوزانَ، فهذا تَصْرِيفِيٌّ فَقَطْ، كَمَنْ يَعْلَمُ مثلاً أنَّ مضارعَ فَعُلَ المضمومِ مَضْمُومٌ كَكَرُمَ يَكْرُمُ، وأنَّ قِيَاسَ اسمِ الفاعلِ منهُ على فَعْلٍ وفَعِيلٍ، كَسَهْلٍ وظَرِيفٍ، وقياسَ مصدرِهِ الفَعالةُ والفُعولةُ كالشجاعةِ والسهولةِ، إلَّا أنَّ هذا مُفْتَقِرٌ إلى علمِ اللغةِ الفارقِ لهُ بالنقلِ عنهم بينَ فَعُلَ بالضمِّ, وفَعِلَ بالكسرِ, وفَعَلَ بالفتحِ.
وصِنْفٌ ثَانٍ أَشْرَفَ على مَوَادِّ علمِ اللغةِ بالنقلِ والمطالعةِ, ولا يَعْرِفُ المَوَازِينَ والأَقْيِسَةَ التي يُرَدُّ بها كلُّ نَوْعٌ إلى نوعِهِ، فهذا لُغَوِيٌّ فقطْ لا يَذُوقُ حَلاوةَ علمِ اللغةِ.
وصِنْفٌ ثَالِثٌ عَرَفَ الموازينَ والأقيسةَ أَوَّلاً، ثمَّ تَتَبَّعَ مَوَادَّ اللغةِ نَقْلاً، فهذا هوَ المُتْقِنُ الذي أَحْكَمَ على التصريفِ، وَحَازَ سُبُلَ اللغةِ، وهذا مُرَادُ الناظمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى، فإنَّ مُرَادَهُ حَصْرُ مُوَادِّ الأفعالِ كُلِّهَا وَمَعْرِفَةُ ما جاءَ منها مقيساً وشاذًّا، إلَّا أنَّهُ لَمَّا لم يُمْكِنْهُ ذلكَ حَصَرَ الشاذَّ في أبوابِهِ، وَأَحَالَ على المقيسِ في كُتُبِ اللغةِ، فلهذا شَرَحْتُ أَنَا هذهِ المنظومةَ شَرْحاً مُطَابِقاً لغرضِ الناظمِ رَحِمَهُ اللَّهُ، فَبَسَطْتُ القولَ في البابِ الأوَّلِ بكثرةِ الأمثلةِ التي يُحْتَاجُ إليها، فَذَكَرْتُ للفعلِ الرُّبَاعِيِّ نحوَ مِائَةِ مِثَالٍ، وَلِفَعُلَ المضمومِ نحوَ مِائَةٍ أيضاً، وَلِفَعِلَ المكسورِ نحوَ ثلاثِمائةٍ وسبعينَ، منها نحوَ أَرْبَعِينَ لَوْناً، وَلِمَا اشْتَرَكَا فيهِ نحوَ خَمْسِينَ مِثالاً، وَلِمَا اشْتَرَكَ فيهِ فَعُلَ وَفَعِلَ وفَعَلَ جَمِيعاً وهوَ المُثَلَّثُ، نحوَ ثلاثِينَ مِثالاً، وَلِمَا فَاؤُهُ واوٌ منْ فَعَلَ المفتوحِ كَوَعَدَ سَبْعِينَ، وَلِمَا عَيْنُهُ ياءٌ كَبَاعَ ثَمَانِينَ، وَلِمَا لامُهُ ياءٌ كَرَضِيَ سِتِّينَ، وَلِمُضَاعفِهِ اللازمِ كَحَنَّ مائةً، والمُعَدَّى كَمَدَّهُ مائةً وعشرينَ، ولِمَا عَيْنُهُ واوٌ كَقَالَ مائةً وثلاثينَ، وَلِمَا لامُهُ واوٌ كَدَعَا ثمانِينَ، وللحَلْقيِّ المفتوحِ كَمَنَعَ مائةً وَسَبْعِينَ، والمكسورِ كَيَبْغِي ستَّةً، والمضمومِ كَيَدْخُلُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، وَلِغَيْرِ الحلقيِّ المضمومِ كَنَصَرَ مِائَتَيْنِ وَعِشْرِينَ، والمكسورِ كَضَرَبَ مائةً وستِّينَ، وَمِمَّا يَجُوزُ كَسْرُهُ وضَمُّهُ كَعَتُلَ مائةً وأربعينَ، إلى غيرِ ذلكَ من الأمثلةِ، فَيَصِيرُ مجموعُ أمثلةِ الفعلِ المُجَرَّدِ رُبَاعِيًّا وثلاثيًّا مَضْمُوماً ومكسوراً ومَفْتُوحاً بأنواعِهِ قريباً منْ أَلْفَيْ مِثَالٍ، وذلكَ مُعْظَمُ موادِّ اللغةِ بِحَيْثُ لا يَفُوتُ على مَنْ عَرَفَ ذلكَ إلَّا قَلِيلٌ.
(قَاعِدَةٌ عَظِيمةٌ) إذا عَرَفْتَ أمثلةَ المُجَرَّدِ اسْتَخْرِجْ منها أمثلةَ المزيدِ فيهِ، وأمثلةَ المصادرِ، وَاسْمَي الفاعلِ والمفعولِ منهما، فَيَتَحَصَّلُ منْ ذلكَ ما لا يُحْصَى من الأمثلةِ، وَجَعَلْتُ الأمثلةَ مُرَتَّبَةً في الغالبِ على حروفِ المُعْجَمِ على تَرْتِيبِ الصِّحَاحِ، وَمَنْ عَرَفَ ذلكَ لم يَشْتَبِهْ عَلَيْهِ ضَبْطُ الأمثلةِ يَسَّرَ اللَّهُ النَّفْعَ بِذَلِكَ.
ثُمَّ كَأَنَّ السامعَ لَمَّا تَوَفَّرَتْ رَغْبَتُهُ قَالَ: فَكَيْفَ لي بِذَلِكَ؟
فَقَالَ:
فَهَاكَ نَظْماً مُحِيطاً بِالمُهِمِّ وَقَدْ = يَحْوِي التَّفَاصِيلَ مَنْ يَسْتَحْضِرُ الجُمَلا
فها: اسمُ فِعْلٍ بِمَعْنَي خُذْ، والكافُ فيهِ حَرْفُ خطابٍ يُفْتَحُ للمُذَكَّرِ، وَيُكْسَرُ للمؤنَّثِ، وَيُثَنَّى، ويُجْمَعُ، تَقُولُ: هاكَ هاكِ هَاكُمَا هَاكُمْ هَاكُنَّ، وقدْ يُبْدَلُ من الكافِ هَمْزَةً تَتَصَرَّفُ كَتَصَرُّفِهِ، فَيُقَالُ: هَاءَ للمُذَكَّرِ بفتحِ الهمزةِ، وهاءِ للمُؤَنَّثِ بِكَسْرِهَا، وَهَاؤُمَا وَهَاؤُمْ وَهَاؤُنَّ، وبهذهِ اللغةِ جاءَ قولُهُ تَعَالَى: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} أيْ: هَاكُمْ.
وَنَظْمُ الشيءِ: تَأْلِيفُهُ على وَجْهٍ مخصوصٍ، ومنهُ نَظْمُ الشِّعْرِ، يُقالَ: نَظَمَهُ وَيَنْظِمُهُ كَضَرَبَهُ يَضْرِبُهُ نَظْماً ونِظَاماً، أي: جَمَعَهُ وَأَلَّفَهُ. والإحاطةُ بالشيءِ: إِدْرَاكُهُ منْ جميعِ جهاتِهِ، ومنهُ الحائِطُ. والمُهِمُّ: الأمرُ الذي يَهُمُّكَ شَأْنُهُ، والتفاصيلُ بالأمورِ الجزئِيَّةِ / كَمَعْرِفَةِ أفرادِ موادِّ اللغةِ مثلاً. والجُمَلُ: الأمورُ الكُلِّيَّةُ كمعرفةِ الأبْنِيَةِ والأَقْيِسَةِ مثلاً، المَعْنَى: إِنَّ هذهِ المنظومةَ قَد احْتَوَتْ على المُهِمِّ منْ علمِ اللغةِ، وهوَ الأَبْنِيَةُ والأقيسةُ التي يُتَوَصَّلُ بها إلى حفظِ أَفْرَادِهَا وَرَدِّ كلِّ نوعٍ إلى أصلِهِ.