دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > العقيدة الواسطية

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #8  
قديم 22 ذو الحجة 1429هـ/20-12-2008م, 07:30 PM
فاطمة فاطمة غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 758
افتراضي التنبيهات السنية للشيخ: عبد العزيز بن ناصر الرشيد

(فصلٌ:
ومِن الإِيمانِ باليومِ الآخِرِ الإِيمانُ بكُلِّ مَا أَخْبَرَ بِه النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا يَكُونُ بعدَ المَوْتِ، فيؤِمنُونَ بفِتْنَةِ القَبْرِ، وبِعذابِ القَبْرِ ونَعيِمهِ. (155)
فأَمَّا الفِتْنَةُ؛ فإِنَّ النَّاسَ [ يُمْتَحَنونَ ] في قُبُورِهِمْ، فَيُقالُ للرَّجُل: مَنْ رَبُّكَ؟ ومَا دِينُكَ؟ و [ من ] نبيُّكَ؟ (156)
فيُثَبِّتُ اللهُ الَّذينَ آمَنُوا بالقَوْلِ الثَّابِتِ في الحَياةِ الدُّنْيا وفي الآخِرَةِ، فيقولُ المؤمِنُ: [ رَبِّيَ اللهُ ]، والإِسلامُ دِيني، ومحمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيِّي.

(157)
وأَمَّا المُرْتَابُ؛ فَيقولُ: هاه هاه، لا أَدْري، سمعتُ النَّاسَ يَقولُونَ شَيْئاً فقُلْتُهُ؛ فَيُضْرَبُ بمِرْزَبَةٍ مِنْ حَديدٍ، فيَصيحُ صيحَةً يَسْمَعُها كُلُّ شيءٍ؛ إِلا الإِنسانَ، ولَوْ سَمِعَها الإِنْسانُ؛ لَصَعِقَ ثمَّ بعدَ هذه الفِتنةِ إِمَّا نعيمٌ وإِمَّا عذابٌ، إِلى أَنْ تَقومَ القِيامَةُ الكُبْرى). (158)



(155) فَصلٌ: قولُه: (الإيمانُ باليومِ الآخِرِ) الذي هُوَ أحدُ أُصولِ الإيمانِ السِّتَّةِ المذكورةِ في حديثِ عُمرَ وغيرِه، والمرادُ بالإيمانِ بِهِ التَّصدِيقُ بما يَقعُ مِن الحسابِ، والميزانِ، والجَنَّةِ، والنَّارِ، وغيرِ ذَلِكَ، وسُمِّيَ باليومِ الآخِرِ لتأخُّرِه عن الدُّنْيَا.
قولُه: (الإيمانُ بكُلِّ ما أخبَرَ بِهِ النَّبيُّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- مما يكونُ بعدَ الموتِ) أيْ: مِن فِتنةِ القبرِ وعذابِه ونَعيمِه، وكونِه حُفرةً مِن حُفَرِ النَّارِ، أو رَوْضةً مِن رياضِ الجَنَّةِ، وتوسِيعِه على بعضٍ وتَضييقِه على بعضٍ، وضَغْطِه، ونحوِ ذَلِكَ، وإعادةِ الرُّوحِ إلى الميِّتِ، فيؤمنون بما يَقعُ في البَرْزَخِ ممَّا وَرَدَتْ بِهِ الأدلَّةُ، والبَرزخُ لُغةً: الحاجِزُ بين الشَّيْئَيْنِ، كما قال -سُبْحَانَهُ وتعالى-: (بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ) أي حاجزٌ، وفي الشَّرعِ: البَرزخُ مِن وقتِ الموتِ إلى القيامةِ مَن ماتَ دَخَلَه، وسُمِّيَ بَرزخًا لكونِه يَحجِزُ بين الدُّنْيَا والآخرةِ.
قولُه: (فِتنةِ القبرِ) الفتنةُ لغةً: الامتحانُ والاختبارُ، والفَتَّانانِ منكرٌ ونكيرٌ، ويُريدُ بفتنةِ القبرِ مسألةَ مُنكرٍ ونكيرٍ، ويجبُ الإيمانُ بِذَلِكَ لثُبوتِه عن النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- في عِدَّةِ أخبارٍ يَبلُغُ مجموعُها حَدَّ التَّواتُرِ.
قولُه: (وبعذابِ القبرِ ونَعِيمِه) تَواتَرَت الأخبارُ عن رسولِ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- في ثُبوتِ عذابِ القبرِ، ولمَن كان أهلاً لذَلِكَ، فيَجبُ اعتقادُ ذَلِكَ والإيمانُ به، ولا يُتكَلَّمُ في كَيفيَّتِه، إذْ ليس للعقلِ وقوفٌ على كيفيَّتِه؛ لكونِه لا عَهْدَ له بِهِ في هَذِهِ الدَّارِ، وعلى هَذَا دَرَجَ السَّلَفُ الصَّالِحُ، وأَنْكَرَ الخوارجُ والمعتزِلةُ وبعضُ المُرْجِئةِ.
قال ابنُ رجبٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: تَواتَرَت الأحاديثُ عن النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- في عذابِ القبرِ، ففي الصَّحيحَيْنِ عن عائشةَ -رضي اللَّهُ عنها- أنها قالت: سألتُ النَّبيَّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- عن عذابِ القبرِ قال: ((نَعَمْ عَذَابُ الْقَبْرِ حَقٌّ)) وفي صحيحِ مسلمٍ عن ابنِ عباسٍ عن النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- أنَّه كان يُعلِّمُهم هَذَا الدُّعاءَ كما يُعلِّمُهم السُّوَرَ مِن القرآنِ: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ)) وفي الصَّحيحَيْنِ مِن حديثِ ابن عباسٍ -رضي اللَّهُ عنهما- قال: مَرَّ النَّبيُّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- بقبرَيْنِ فقال: ((إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ))، ثم قال: ((بَلَى إِنَّهُ كَبِيرٌ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ)).
وقال المرُّوذِيُّ: قال أبو عبدِ اللَّهِ أحمدُ بنُ حنبلٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: عذابُ القبرِ حَقُّ لا يُنكِرُه إلا ضالٌّ مُضِلٌّ. ا.هـ. وعذابُ القبرِ على الرُّوحِ والبَدَنِ.
قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين -رَحِمَهُ اللَّهُ-: العذابُ والنَّعيمُ على النَّفْسِ والبَدنِ جميعًا باتِّفاقِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ.

(156) قولُه: (فإنَّ النَّاسَ يُفتَنُون في قُبورِهم) أي: بأنْ تُعادَ إليهم أرواحُهم، كما في حديثِ البراءِ وغيرِه، فتُعادُ إليه رُوحُه إعادةً غيرَ الإعادةِ المألوفةِ في الدُّنْيَا، لِيُسألَ ويُمتَحنَ في قبرِه. انتهى. وهَذَا الرَّدُّ إعادةٌ خاصَّةٌ تُوجِبُ حياةَ البَدنِ قبلَ يومِ القيامةِ، فإنَّ الرُّوحَ لها بالبَدَنِ خمسةُ أنواعٍ مِن التَّعلُّقِ متغايرةُ الأحكامِ: أحدُها: تَعلُّقُها بِهِ في بَطنِ الأُمِّ جَنِينًا. الثَّاني: تعلقها بِهِ بعدَ خُروجِه إلى الأرضِ. الثَّالثُ: تَعلُّقُها بِهِ حالَ النَّومِ، فلها تَعلُّقٌ بِهِ مِن وجهٍ ومُفارَقةٌ مِن وجهٍ. الرَّابعُ: تعلُّقُها بِهِ في البَرزخِ، فإنَّها وإنْ فارَقتْه وتجرَّدَتْ عنه فإنَّها لم تُفارِقْه فِراقًا كُلِّيا. الخامِسُ: تعلُّقُها بِهِ يومَ بَعثِ الأجسادِ، وهَذَا أَكْملُ أنواعِ تعلُّقِها بالبَدنِ، ا. هـ. مِن كتابِ الرُّوحِ.
قولُه: (فيُقالُ للرَّجُلِ) أيْ: للإنسانِ مِن رُجُلٍ وامرأةٍ وغيرِهما ممَّن ورَدَت الأدِلَّةُ أنَّه يُمتَحنُ في قبرِه، أي يقولُه له المَلَكانِ، واسمُهما (المُنكَرُ والنَّكيرُ) نَصَّ على ذَلِكَ أحمدُ، وفي حديثِ أبي هريرةَ: ((يَأْتِيهِ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ يُقَالُ لأَحَدِهِمَا الْمُنْكَرُ وَلِلآخَرِ النَّكِيرُ)) رواه ابنُ حِبَّانَ والتَّرمذِيُّ، وفي روايةِ ابنِ حِبَّانَ: ((يُقالُ لَهُمَا مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ)) وقولُه: (منكرٌ) مُفْعلٌ، و(نَكيرٌ) فَعِيلٌ بمعنى مفعولٍ مِن أَنْكَرَ، وكِلاهما ضِدُّ المعروفِ، وسُمِّيا به؛ لأنَّ الميِّتَ لم يَعرِفْهُما ولم يَرَ صورةً مِثلَ صورَتِهما، وظاهرُ هَذَا ومقتضَى الأحاديثِ استواءُ النَّاسِ في اسمِهما، وذَكَر بعضُ العلماءِ أنَّ اللذَيْنِ يسألانِ المؤمِنَ اسمُهما البَشيرُ والمُبَشِّرُ، والأوَّلُ هُوَ الصَّحيحُ.
قولُه: (فيُقالُ للرَّجُلِ مَن رَبُّكَ) إلخ. كما أَخرجَ الشَّيخانِ مِن حديثِ البراءِ بنِ عازبٍ -رضي اللَّهُ عنه- عن النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- في قولِه: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) الآيةَ، نَزَلَتْ في عذابِ القبرِ، زادَ مسلمٌ: ((فَيُقَالُ لَهُ مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللَّهُ وَنَبِيِّي مُحَمَّدٌ، فذَلِكَ: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ) الآيةَ)).
وفي الصَّحيحَيْنِ مِن حديثِ أنسِ بنِ مالكٍ -رضي اللَّهُ عنه- أنَّ رسولَ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- قال: ((إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ، وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، أَتَاهُ مَلَكَانِ فَيُقْعِدَانِهِ فَيَقُولاَنِ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ لمُحَمَّدٍ –صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ مَقْعَدَكَ مِنَ النَّارِ وَقَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَداً مِنَ الجَنَّةِ))، قَالَ: ((فَيَرَاهُمَا جَميعاً)) يعني الْمَقْعَدَيْنِ.
قال قتادةُ: ذُكِرَ لنا أنَّه يُفسَحُ له في قبرِه،((وأمَّا المنافِقُ والكافرُ فَيُقالُ له: ما تقولُ في هَذَا الرَّجُلِ؟ فيقولُ: لا أدري، كنتُ أقولُ ما يقولُ النَّاسُ، فيقال: لا دَرَيْتَ، ولا تَلَيْتَ، ويُضْرَبُ بِمِطْرَاقٍ مِن حديدٍ ضَربةً فيَصِيحُ صيحةً يَسمَعُه مَن يَلِيه غيرُ الثَّقلَيْنِ)).
قولُه: (فإنَّ النَّاسَ يُفتنون) إلخ، ظاهرُه أنَّ السُّؤالَ في القبرِ عامٌّ للمؤمِنِ والفاسِقِ والكافرِ، كما اختاره الشَّيخُ تقيُّ الدِّينِ وابنُ القيِّمِ وجمهورُ العلماءِ، خِلافاً لابنِ عبدِ البَرِّ، حَيْثُ قال: لا يُسألُ إلا مؤمِنٌ أو مُنافِقٌ كان مَنسوباً لِدِينِ الإسلامِ بظاهرِ الشَّهادةِ، بخلافِ الكافرِ، والكِتابُ والسُّنَّةُ تدلُّ على خلافِ هَذَا القولِ، قال اللَّهُ تعالى: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ) وفي البخاريِّ: ((وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي)) بالواو، ورَجَّحَه أيضًا ابنُ حجَرٍ، ويفيدُ أيضًا أنَّ السُّؤالَ عامٌّ للأُمَمِ كُلِّها، ليس خاصًّا بهذهِ الأمَّةِ، كما اختاره ابنُ القيِّمِ وعبدُ الحقِّ الإشبيليُّ وغيرُهم، وجَزَم بِهِ القرطبيُّ، وقال الحكيمُ التِّرمذيُّ: إنَّه خاصٌّ بهذه الأمَّةِ، وتَوقَّفَ ابنُ عبدِ البَرِّ، ويُستثنَى ممَّا تقدَّمَ المرابِطُ في سبيلِ اللَّهِ، فقد صَحَّ أنَّه لا يُفْتَنُ في قبرِه، كما في صحيحِ مسلمٍ وغيرِه، وكشهيدِ المعركةِ، والصَّابرِ في الطَّاعونِ، وغيرِ هؤلاء ممَّا جاءَ في الأحاديثِ.
قولُه: (في قبورِهم) وكذا مَن لم يُدْفَنْ مِن مصلوبٍ ونحوِه ينالُه نصيبُه مِن فتنةِ السُّؤالِ وضغطةِ القبرِ. قال ابنُ القيِّمِ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في كتابِ (الرُّوحِ) وممَّا ينبغي أنْ يُعلَمَ أنَّ عذابَ القبرِ هُوَ عذابُ البَرزخِ، فكُلُّ مَن ماتَ، وهُوَ مستحِقٌّ للعذابِ نالَه نصيبُه مِن ذَلِكَ قُبِرَ أو لم يُقْبَرْ، فلو أَكَلتْهُ السِّباعُ أو أُحرِقَ حتى صار رماداً أو نُسِفَ في الهواءِ أو غَرِقَ في البَحرِ، وصَلَ إلى رُوحِه وبَدنِه مِن العذابِ ما يَصِلُ إلى المقبورِ. ا.هـ.
وقولُه: (فيُقالُ للرَّجُلِ) ظاهرُه اختصاصُ السُّؤالِ بالمكلَّفِ، أمَّا الصَّغيرُ فجَزَم غيرُ واحدٍ مِن الشَّافعيَّةِ أنَّه لا يُسألُ، وجَزَم القرطبيُّ في التَّذكِرةِ بأنَّه يُسألُ، وهُوَ منقولٌ عن الحَنفِيَّةِ.
وأفادَ قولُه: (فيُقالُ للرَّجُلِ) إلى آخرِه أنَّ السُّؤالَ والجوابَ يكونُ باللُّغةِ العربيَّةِ، خِلافا لما ذُكِرَ عن البَلقينيِّ أنَّه يُجِيبُ باللُّغةِ السُّريانِيَّةِ؛ إذْ لا دليلَ عليه، وأفادَ أيضًا أنَّ السُّؤالَ في القَبرِ للرُّوحِ والبَدنِ، وَكَذَلِكَ عذابُ القبرِ ونَعيمُه، والأدلَّةُ صريحةٌ بِذَلِكَ، وعليه أهلُ السُّنَّةِ والجماعةِ، وأفاد قولُه: (فيَقولانِ له) أنَّ الملائكةَ الذين يسألُونَ في القَبرِ اثنانِ، وزَعَم بعضُهم أنَّهم أربعةٌ، والصَّحيحُ الأوَّلُ للأدلَّةِ الصَّحيحةِ في ذَلِكَ، وأفاد أيضًا أنَّ السُّؤالَ مَرَّةٌ واحدةٌ.
وقال القسطلانيُّ: وذَكَر ابنُ رجبٍ عن بعضِهم أنَّ المؤمِنَ يُفتَنُ سَبعًا والكافِرُ أربعين صباحًا، ومِن ذَلِكَ كانوا يَستحِبُّون أنْ يُطعَمَ عن المؤمنِ سبعةَ أيامٍ مِن يومِ دَفْنِه. قال: وهَذَا مما انفرَدَ بِهِ، ولا أَعْلَمُ أنَّ أحدًا قالَه غيرَه. انتهى.
وأفاد أيضًا أنَّ عذابَ القبرِ واقعٌ على الكفارِ، ومنْ شاءَ اللَّهُ مِن الموحِّدِينَ، وأفاد ذَمَّ التَّقليدِ في الاعتقاداتِ لمُعاقَبةِ مَن قال سمعتُ النَّاسَ يقولون شيئا فقُلْتُه، وأفاد أيضًا أنَّ الميِّتَ يُحْيَا في قبرِه للمسألةِ، خلافا لابنِ حَزْمٍ، وقد سَبَقَت الإشارةُ إلى ذَلِكَ.

(157) قولُه: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ) نَزَلَتْ هَذِهِ الآيةُ في سؤالِ المكلَّفِينَ في القبرِ، كما قالَه الجمهورُ، قال الطبريُّ: يُثَبِّتُهم في الدُّنْيَا على الإيمانِ حتى يَمُوتوا، وفي الآخرةِ عند المسألةِ. انتهى.
وقولُه: (بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ) أي: الذي ثَبَتَ عندَهم بالحُجَّةِ، وَهِيَ كلمةُ التَّوحيدِ، وثُبوتُها تَمكُّنُها في القلبِ، واعتقادُ حقيقَتِها، واطمئنانُ القلبِ بها، وتَثْبيتُهم في الدُّنْيَا أنَّهم إذا فُتِنوا لم يُزالوا عنها، وإنْ أُلْقوا في النَّارِ ولم يَرتابوا، وتَثْبيتُهم في الآخرةِ أنَّهم إذا سُئِلوا في القبرِ لم يَتَوقَّفوا في الجوابِ، وَكَذَلِكَ إذا سُئِلوا في الحشْرِ، وعِندَ مَوقِفِ الأشهادِ عن مُعتقَدِهم ودِينِهم لم تُدْهِشْهُم أحوالُ يومِ القيامةِ، وبالجُملةِ فالمرءُ على قَدْرِ ثَباتِه في الدُّنْيَا يكونُ ثباتُه في القبرِ وما بعدَه.

(158) قولُه: (وأمَّا المُرتابُ) أي: الشَّاكُّ (فيقولُ: هاه هاه) هي كلمةُ توجُّعٍ، والهاءُ الأُولى مُبْدَلةٌ مِن همزةِ آه، وهُوَ الأليقُ بمعنى هَذَا الحديثِ، ا.هـ.
قولُه: (فيُضرَبُ بِمَرْزَبَةٍ مِن حديدٍ) قال في النِّهايةِ: المَرْزَبَةُ بالتَّخفيفِ: المَطْرَقةُ الكبيرةُ التي للحدَّادِ.
قولُه: (يَسْمَعُها كُلُّ شيءٍ إلاَّ الإنسانَ) وفي حديثٍ آخرَ: ((فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ غَيْرُ الثَّقَلَيْنِ)) أي الجِنِّ والإنْسِ، قيلَ لهم ذَلِكَ؛ لأنَّهم كالثِّقَلِ على وجْهِ الأرضِ. انتهى. فتحُ الباري.
قولُه: (لَصَعِقَ) أي: خرَّ مَيِّتا، وصَعِقَ أيضًا إذا غُشِيَ عليه.
قولُه: (ثم بعد هَذِهِ الفتنةِ إمَّا نعيمٌ وإمَّا عذابٌ) المرادُ أنَّه لا بدَّ مِن أحدِ الأمرَيْنِ، ولا يُفْهَمُ منه دَوامُ العذابِ، فإنَّ النَّاسَ بالنِّسبةِ لدوامِ عذابِ القبرِ وعَدمِه يَنقسِمونَ إلى قِسمَيْنِ: قِسمٌ عذابُه دائمٌ لا يَنقطِعُ، كما قال -سُبْحَانَهُ-: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًَّا وَعَشِياًّ..) الآيةَ، وكما في حديثِ البراءِ بنِ عازبٍ في قصَّةِ الكافرِ: ((ثم يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى النَّارِ فَيَنْظُرُ إِلَى مَقْعَدِه فِيهَا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ)). رواه أحمدُ في بعضِ طُرُقِه.
النَّوعُ الثَّاني: إلى مِدَّةٍ ينقطِعُ، وهُوَ عذابُ بعضِ العُصاةِ الذين خَفَّتْ جَرائِمُهم، فيُعذَّبُ بحسَبِ جُرْمِه، ثم يُخفَّفُ عنه، وقد يَنقطِعُ عنه العذابُ بدُعاءٍ أو صدقةٍ أو استغفارٍ أو ثوابٍ حَجٍّ أو غيرِ ذَلِكَ مِن الأسبابِ.
قولُه: (إلى أنْ تقومَ القيامةُ الكُبرى) بعد ما يُنفَخُ في الصُّورِ نَفخةُ البَعثِ، فإنَّ يومَ القيامةِ يقع على ما بعدَ نفخةِ البَعثِ مِن أهوالٍ وزلزلةٍ وغيرِ ذَلِكَ إلى آخرِ الاستقرارِ في الجَنَّةِ أو النَّارِ.
قولُه: (الكُبرى) إشارةٌ إلى أنَّ فيه قيامةً صُغرى، وهُوَ الموتُ كما قيل:
خَرَجْتُ مِن الدُّنْيَا وقامتْ قِيامَتي غَداةَ أَقَلَّ الحامِلون جِنازَتي
قال القرطبيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: القيامةُ قيامتانِ: صُغرى وكُبرى، فالصُّغرى: ما تقومُ على كُلِّ إنسانٍ في خاصَّتِه مِن خُروجِ رُوحِه وانقطاعِ سَعْيِه وحُصولِه على عِلمِه، وأمَّا الكُبرى: فهي التي تَعُمُّ النَّاسَ وتأخُذُهم أخْذةً واحدةً، قيل: سُمِّيَ ذَلِكَ اليومُ يومَ القيامةِ؛ لكونِ النَّاسِ يَقُومون مِن قُبورِهم، قال تعالى: (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مَّنتَشِرٌ) وقال: (يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ سِرَاعًا) وروى مسلمٌ في "صحيحِه" مرفوعا: (يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)، قال: ((يقومُ أحدُهم في رَشْحِه إلى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ))، قال ابنُ عمرَ: يقومونَ مائةَ سَنةٍ.


 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الإيمان, بفتنة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:46 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir