إعداد درس الإلقاء
فضل الصبر ومآل الصابرين
إن الحمد لله نحمده ونستعين به ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمد عبده ورسوله
أما بعد ...
خلق الله ابن آدم وأسكنه الجنة وأكرمه فيها ، ونهاه عن أن يقرب الشجرة ، فوسوس الشيطان له لما رأى مابه من نعيم الجنة ، وجعله يأكل منها ، فعصى آدم ربه ، وإهبط وزوجه من الجنة ..
فبهذا كتب على ابن آدم الكبد والمشاق والهموم ، قال سبحانه : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ )،البلد :4
فهذه الدنيا دار ابتلاء ،ولم تصف لأحد، فأمرها لايدوم على حال ، ولذتها يعلوها الأكدار والمشاق ، قال سبحانه :(وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ) آل عمران :140
-ولنا في الأنبياء قدوة ،فهم أشد بلاءً ، قال عليه الصلاة والسلام :" إن أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل " رواه النسائي
-فالصبر حقيقة ً هو حبس النفس ،وتمرينها على الطاعة وترك النواهي ،والرضاء بأقدار الله المؤلمة ، فتأنس النفس بقربها من ربها ،وتسعد اذا عرفت لما لها من الخير والسعادة ، وأن الله عزيز حكيم ، وأن المقادير بتدبيره ، فتذعن للرضى والقبول ..
-فيا من ابتلي بفقد عينيه أو سمعه ، فالله سبحانه وعده بالجنة لمن صبر واحتسب حبيبتيه .
-ومن ابتلي بفقد أحبته وقرة عينه ، وأولاده ،فحمد الله واسترجع ،بنى الله له بيت الحمد في دار كرامته
-ومن ابتلي بالخوف والجوع ونقص الثمرات ، فليهنأ ببشارته سبحانه ، عز من قائل :( وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) البقرة 155
يقول ابن القيم رحمه الله :"يا ضعيف العزم! الطريق شاق طويل، ناح فيه نوح، وذبح يحيى، واغتيل زكريا، وطُعن عمر، وضرج عثمان بدمائه، وقُتل علي، وجلدت ظهور الأئمة، وحبسوا لماذا؟ {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:2 - 3]
-ولنا في نبي الله محمد قدوة حسنة ،نشأ يتيماً ، ومات جده ، وزوجته ، وماطاله من قريش ، من تكذيب دعوته ، واتهامه بالسحر والجنون ..
ولاقى عليه الصلاة والسلام من شدة الوحي مالاقى ، فكان إذا نزل به ينكس رأسه ، ويتفصد عرق جبينه ، قال عبادة بن الصامت :( كان النبي ، إذا نزل عليه الوحي كرب لذلك وتربد وجهه " رواه مسلم
واشتدت كرباته ، صلى الله عليه وسلم ، في حياته ، ومن أذى قومه ، وسحره ، وسمه ، وموت ابنائه ، والسخرية والتكذيب له ، قال سبحانه :(فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ﴿184﴾ آل عمران) –
فليعلم الإنسان المؤمن كلما قوي إيمانه ، زاد بلاؤه ، ولايزال المؤمن في البلاء حتى يضع قدمه في الجنة ..
والله سبحانه لم يخلقه عبث ، ولم يحمله فوق طاقته فليأخذ بالإسباب لتزول هذه الكروب ، وليثبت أمامها ، فبتوحيد الله سبحانه ،هو أسرع مخلص للكروب ، والتوكل على الله ،وحسن الظن به سبحانه ،قال سبحانه :(قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ) الأنعام 64
-والتضرع إلى الله بالدعاء في السر والعلن ، سبب لتغير الأحوال ،وانكشاف الغمة ، قال سبحانه :(أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ) النمل : 62
-وبالصلاة ،تطمئن النفس ،وتهدأ وترتاح ، ويستعان بها عند المصائب ، قال سبحانه :( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ(153) ﴾
-وذكرالله وتسبيحه ،أنيس ورفيق المكروبين ، قال عزوجل :( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ (98) الحجر : 97،98
وعلى المؤمن أن يسترجع عند المصيبة ، فهي عزاء لكل مصاب ، قال سبحانه :(الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) البقرة : 155
وكذلك الإستغفار سبب تفريج الخطوب ، لأن الذنوب هي أسباب الكروب ، قال سبحانه :( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُون ) الأنفال : 33
-فليتزود العبد المؤمن بالطاعات ، وبتقوى الله ،فهي تفرج الهموم والغموم ، قال سبحانه :( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ) الطلاق :32
فليحسن العبد الظن بالله ، وليتفائل بالخير ، فليس بعد العسر إلا يسراً ، قال سبحانه :( فإن مع العسر يسراً ) الشرح :5
والصبر أجره عند الله عظيم ، ورحمة الله قريبة من المحسنين ، والله أرحم بالعبد من نفسه ، والحياة الباقية هي الدار الآخرة ، قال سبحانه :( ونبلونكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون ) الأنبياء : 35