دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > الرسالة التدمرية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 5 ذو الحجة 1429هـ/3-12-2008م, 07:39 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي المؤمن مأمور بأن يفعل المأمور ويترك المحظور ويصبر على المقدور

وَالْمُؤْمِنُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَفْعَلَ الْمَأْمُورَ، وَيَتْرُكَ الْمَحْظُورَ، وَيَصْبِرَ عَلَى الْمَقْدُورِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ( وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهمْ شَيْئًا)، وَقَالَ تَعَالَى فِي قِصَّةِ يُوسُفَ: (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) فَالتَّقْوَى فِعْلُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، وَتَرْكُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ)، فَأَمَرَهُ مَعَ الِاسْتِغْفَارِ بِالصَّبْرِ، فَإِنَّ الْعِبَادَ لاَ بُدَّ لَهُمْ مِنَ الاسْتِغْفَارِ أَوَّلَهمْ وَآخِرَهمْ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى رَبِّكُمْ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لِأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً )، وَقَالَ: (إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لِأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ).
وَكَانَ يَقُولُ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي، وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطَئِي وَعَمْدِي، وَهَزْلِي وَجِدِّي، وَكُلَّ ذَلِكَ عِنْدِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ ).
وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ آدَمَ أَبِي الْبَشَرِ أَنَّهُ اسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَتَابَ إِلَيْهِ، فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ وَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَاهُ، وَعَنْ إِبْلِيسَ أَبِي الْجِنِّ أَنَّهُ أَصَرَّ مُتَعَلِّقًا بِالْقَدَرِ فَلَعَنَهُ وَأَقْصَاهُ، فَمَنْ أَذْنَبَ فَتَابَ وَنَدِمَ فَقَدْ أَشْبَهَ أَبَاهُ، وَمَنْ أَشْبَهَ أَبَاهُ فَمَا ظَلَمَ، قَالَ تَعَالَى: ( وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا).

وَلِهَذَا قَرَنَ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - بَيْنَ التَّوْحِيدِ وَالِاسْتِغْفَارِ فِي غَيْرِ آيَةٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ)، وَقَالَ تَعَالَى: (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ)، وَقَالَ تَعَالَى: (الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍِ خَبِيرٍ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمْتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى).
وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ وَغَيْرُه: يَقُولُ الشَّيْطَانُ أَهْلَكْتُ النَّاسَ بِالذُّنُوبِ، وَأَهْلَكُونِي بِلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَالِاسْتِغْفَارِ، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ بَثَثْتُ فِيهِمُ الْأَهْوَاءَ فَهُمْ يُذْنِبُونَ وَلاَ يَتُوبُونَ؛ لِأَنَّهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا.
وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - عَنْ ذِي النُّونِ أَنَّهُ نَادَى فِي الظُّلُمَاتِ (أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) قَالَ تَعَالَى: ( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ)، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( دَعْوَةُ أَخِي ذِي النُّونِ مَا دَعَا بِهَا مَكْرُوبٌ إِلاَّ فَرَّجَ اللَّهُ بِهَا كَرْبَهُ).

  #2  
قديم 7 ذو الحجة 1429هـ/5-12-2008م, 04:19 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي تقريب التدمرية للشيخ: محمد بن صالح العثيمين

فَصْلٌ
المؤمنُ مأمورٌ بفعلِ المأمورِ، وتَرْكِ المحظورِ، والصَّبْرِ على المقدورِ قالَ اللهُ تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)([1]). وقالَ: (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)([2]). وقالَ عنْ لقمانَ: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)([3]). وقال: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)([4]).

ومأمورٌ في جانبِ الطَّاعةِ بالإخْلاَصِ والاسْتِغْفَارِ قالَ اللهُ تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ)([5]). وقال: (أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ*وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ)([6]). وقالَ تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ)([7]).

وقالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إلى رَبِّكُمْ فَإِنِّي أَتُوبُ إليْهِ في اليَومِ مائَةَ مَرَةٍ". وَقَالَ: "إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلى قَلْبِي وَإِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللهَ في اليَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ". أخرجهُمَا مُسْلِمٌ.
ورَوَى البخاريُّ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رضيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقولُ: "وَاللهِ إِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِليْهِ في اليَوْمِ أَكثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً".

([1]) سورة آل عمران، الآية: 200.

([2]) سورة يوسف، الآية: 90.

([3]) سورة لقمان، الآية: 17.

([4]) سورة البقرة، الآية: 155.

([5]) سورة محمد، الآية: 19.

([6]) سورة هود، الآيتان: 2، 3.

([7]) سورة فصلت، الآية: 6.

  #3  
قديم 16 ذو الحجة 1429هـ/14-12-2008م, 07:28 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التحفة المهدية للشيخ: فالح بن مهدي الدوسري


قولُه:
والمؤمنُ مأمورٌ بأن يَفعلَ المأمورَ ويَتركَ المحظورَ، ويَصبرَ على المقدورِ كما قالَ تعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً} وقالَ في قصَّةِ يوسفَ: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} فالتقوى فِعْلُ ما أَمرَ اللهُ به وترْكُ ما نَهَى اللهُ عنه، ولهذا قالَ اللهُ تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكِ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} أمَرَه مع الاستغفارِ بالصبرِ، فإن العِبادَ لابدَّ لهم من الاستغفارِ أوَّلَهم وآخرَهم. قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديثِ الصحيحِ: (يَا أيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى رَبِّكُمْ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لاَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً) وقالَ: (إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي وَإِنِّي لاَسْتَغفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ) وكان يقولُ (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي، وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطَئِي وَعَمْدِي، وَهَزْلِي وَجِدِّي وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ)، وقد ذُكرَ عن آدمَ أبي البشرِ أنه استغفرَ ربَّه وتابَ إليه فاجتباه ربُّه فتاب عليه وهداه, وعن إبليسَ أبي الجنِّ أنه أصرَّ متعلِّقاً بالقدَرِ، فلَعَنَه وأَقصاه فمن أذنبَ وتابَ ونَدِمَ فقد أَشبهَ أباه ومن أَشبهَ أباه فما ظَلَمَ، قالَ اللهُ تعالى: {وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَّحِيماً} ولهذا قَرنَ اللهُ سبحانَه بينَ التوحيدِ والاستغفارِ في غيرِ آيةٍ كما قالَ تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} وقالَ تعالى: {فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ} وقالَ تعالى: {الر. كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَنْ لاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ وَّبَشِيرٌ وَأنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسمًّى} وفي الحديثِ الذي رواه ابنُ أبي عاصمٍ وغيرُه: (يقولُ الشيطانُ: أَهلكتُ الناسَ بالذنوبِ وأَهلَكوني بلا إلهَ إلا اللهُ، والاستغفارُ، فلما رأيتُ ذلك بثَثْتُ فيهم الأهواءَ فهم يُذنبون ولا يَتوبون لأنهم يَحسَبُون أنهم يُحسنون صُنْعاً) وقد ذكَرَ اللهُ سبحانَه عن ذيِ النونِ أنه: {نَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} قالَ تعالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} وقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (دَعْوَةُ أَخِي ذِي النُّونِ مَا دَعَا بِهَا مَكْرُوبٌ إِلاَّ فَرَّجَ اللهُ كَرْبَهُ).

الشرْحُ:
يعني أن الناظرين إلى القدَرِ المعرِضين عن الشرْعِ قد أَخطأُوا الصوابَ واتَّبَعُوا غيرَ سبيلِ المؤمنين؛ فإن واجبَ المؤمنِ الذي فرَضَه اللهُ عليه، هو فِعلُ ما أَمَرَ به، وترْكُ ما نَهَى عنه، والصبرُ على ما قدَّرَه اللهُ وقضاه من المصائبِ كما في آيةِ آلِ عِمرانَ وآيةِ يوسفَ، وإذاً فحقيقةُ تَقْوَى اللهِ هي فعْلُ المأمورِ، واجتنابُ المحظورِ، والصبرُ على المقدورِ كما في آيةِ غافرٍ؛ فقد أمَرَ اللهُ فيها بفعْلِ الطاعاتِ والصبرِ والندمِ والإقلاعِ، والعزْمِ على ترْكِ الذنوبِ، وطلبِ العفوِ من الرحمنِ الرحيمِ، والعِبادُ كلُّهم مأمورون بأن يَتُوبوا إلى اللهِ ويَستغفروه. قالَ تعالى في الحديثِ القدسيِّ: (يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ) وقولُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا أيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى رَبِّكُمْ) (أخرجَه البخاريُّ عن أبي هريرةَ - رضِيَ اللهُ عنه - ).

وقولُه عليه الصلاةُ والسلامُ: (إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي) (رواه مسلِمٌ من حديثِ أبي بُردةَ عن الأغرِّ الْمُزَنِيِّ). وقولُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يُغَانُ عَلَى قَلْبِي) معناه هو كما قالَ في فتحِ البَارِي عن عِياضٍ: (المرادُ بالغَيْنِ فتراتٌ عن الذكْرِ الذي شأنُه أن يُداوِمَ عليه فإذا فَتَرَ عنه لأَمْرٍ عَدَّ ذلك ذنْباً فاستغفرَ عنه)، وقيلَ: هو شيءٌ يَعتَرِي القلبَ مما يَقَعُ من حديثِ النفسِ، وقيلَ هو السكينةُ التي تَغشَى قلبَه والاستغفارُ لإظهارِ العبوديَّةِ للهِ والشكرِ لمن أَوْلاه. وقالَ الشيخُ السَّهْرَوَرْدِيُّ: (لا يُعتقدُ أن الغَيْنَ فيه حالةُ نقْصٍ بل هو كمالٌ أو تتمَّةُ كمالٍ، ثم مَثَّلَ لذلك بجَفْنِ العَيْنِ حين يُسبِلُ ليَدفَعَ القَذَى عن العينِ مثلاً فإنه يَمنَعُ العينَ من الرؤيةِ فهو من هذه الحيثيَّةِ نقصٌ وفي الحقيقةِ هو كمالٌ)، وقولُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطَئِي) (رواه البخاريُّ ومسلِمٌ من حديثِ أبي موسى - رضِيَ اللهُ عنه - ).

وقولُه: (وقد ذكَرَ عن آدمَ أبي البشرِ أنه استَغفَرَ ربَّه وتابَ إليه فاجتباه ربُّه فتابَ عليه وهداه، وعن إبليسَ أبي الجنِّ أنه أصرَّ متعلِّقاً بالقدَرِ فلَعَنَه وأَقصاه، فمن أذنبَ وتابَ ونَدِمَ فقد أَشبهَ أباه ومن أَشبهَ أباه فما ظَلَمَ) يعني كما في قوله جَلَّ وعَلا: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هِذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا َفَأخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَّمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} وكما في قولِه سبحانَه: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لاَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لاَتِيَنَّهُم مِّن بَّيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُوماً مَّدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لاَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا َما وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَّرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} وحينئذٍ فمن ارتَكبَ معاصيَ اللهِ، وتَمرَّدَ عن طاعتِه، وأَصرَّ على ارتكابِه المحرَّماتِ فقد أَشبَهَ عدوَّ أبيه، ومن جَعلَ أباه قُدوةً له وإماماً فسارَ سيرتَه واتَّبَعَ أثرَه فقد ربِحَ وفازَ بسعادةِ الدنيا والآخرةِ، كما أن الذي يُشبِهُ أباه في خِلقتِه أو سجاياه لم يَظلِمْ أمَّه لأنه جاءَ على مِثالِ أبيه الذي يُنسبُ إليه، وذلك أنه لو خالفَ أباه لنَسبَ الناسُ أمَّه إلى الزِّنا وهذا القولُ مقتَبَسٌ من بيتِ رؤبةَ بنِ العجَّاجِ يَمْدَحُ به عدِيَّ بنَ حَاتِمٍ الطائيَّ وأصلُه:

بِأَبِهِ اقتدى عديٌّ في الكرَمْ ومن يُشابِهْ أَبَهُ فما ظَلَمْ

والشاهِدُ من آيةِ الأحزابِ أن اللهَ سبحانَه عفوٌّ كريمٌ، رؤوفٌ بعبادِه رحيمٌ، يَتوبُ على من تابَ وأَقلعَ عن المعاصي وأنابَ، ومن أجْلِ أن التوبةَ تَمْحُو الذنبَ وتَقضي عليه نَجدُ أن اللهَ تباركَ وتعالى قد ذَكرَ في كتابِه العزيزِ الاستغفارَ من الذنوبِ إلى جانبِ الأمْرِ بتوحيدِه وطاعتِه كما في آية القتالِ وحم السجدةِ وهودٍ، والعدوُّ اللدودُ حريصٌ على إغواءِ الناسِ وإضلالِهم فهو يَتحسَّرُ على أنهم أَهلَكُوه بالذكْرِ وطلبِ الغُفران، وأنه حين رأى منهم ذلك لجأَ إلى طريقةٍ يَنفُذُ منها إلى غرضِه وهي بثُّ الفُرْقةِ والاختلافِ بينَهم في الآراءِ والمذاهبِ، كما في الحديثِ الذي رواه ابنُ أبي عاصمٍ، وقولُه: (وغيرُه): يعني وقد رواه أيضاً أبو يَعْلَى بسندِه عن أبي بكرٍ الصدِّيقِ - رضِيَ اللهُ عنه - قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَلَيْكُمْ بِلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَالِاسْتِغْفَارِ فَأَكْثِرُوا مِنْهَا فَإِنَّ إِبْلِيسَ قَالَ إِنَّمَا أَهْلَكْتُ النَّاسَ بِالذُّنُوبِ وَأَهْلَكُونِي بِلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَالِاسْتِغْفَارِ فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ أَهْلَكْتُهُمْ بِالْإِغْوَاءِ فَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) وقد روى الطبرانيُّ وابنُ مَرْدَوَيْهِ عن عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: (أَفْضَلُ الذِّكْرِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ الِاسْتِغْفَارُ - ثم قرأَ -: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} وفي ذلك كلِّه حثٌّ على كثرةِ الذكْرِ والاستغفارِ: ومعنى قولِه: (فهم يُذنبون ولا يَتوبون لأنهم يَحسَبون أنهم يُحسنون صُنعاً) أن أهْلَ البدَعِ والشبُهاتِ من هذه الأُمَّةِ مُصِرُّون على ما هم عليه لاعتقادِهم أنهم مُصِيبون، وهذا مُتناوِلٌ لكلِّ من عبدَ اللهَ على غيرِ طريقةٍ مرضيَّةٍ يَحسبُ أنه مُصيبٌ فيها، وأن عملَه مَقبولٌ وهو مخطئٌ وعملُه مردودٌ كما قالَ تعالى: {وُجُوهٌ يَّوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً} وقد فسَّرَ اللهُ سبحانَه في آيةِ الكهفِ الأخسرين أعمالاً بالذين ضَلَّ سعيُهم في الحياةِ الدنيا أي عمِلوا أعمالاً باطلَةً على غيرِ شريعةٍ مشروعةٍ وهم يَحسبون أنهم يُحسنون صُنعاً أي يَعتقدون أنهم على شيءٍ وأنهم مقبولون.

واللهُ جَلَّ وعَلا يُجيبُ دعاءَ الداعين ويَسمعُ استغاثةَ الملهوفين ويتوبُ على التائبين كما حكى اللهُ ذلك في قصَّةِ ذي النونِ في سورةِ الأنبياءِ.

وذو النونِ هو يونسُ بنُ متَّى ولُقِّبَ ذا النونِ لابتلاعِ الحوتِ له فإن النونَ من أسماءِ الحوتِ والمرادُ بالظلُماتِ ظُلمةُ الليلِ وظُلمةُ البحرِ وظُلمةُ بطنِ الحوتِ، وكان نداؤه هو قولُه: {لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} ومعنى {سُبْحَانَكَ} تنزيهاً لك من أن يُعجزِكَ شيءٌ، {إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} الذين يَظلمون أنفسَهم. قالَ الحسَنُ وقتادةُ: هذا القولُ من يونسَ اعترافٌ بذنبِه وتوبةٌ من خطيئتِه قالَ ذلك وهو في بطنِ الحوتِ، ثم أخبرَ اللهُ سبحانَه بأنه استجابَ له فقالَ: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ} دعاءَه الذي دَعانا به في ضمْنِ اعترافِه بالذنبِ {وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ} بإخراجِنا له من بطنِ الحوتِ { وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} أي نُخلِّصُهم من همومِهم، وقولُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (دَعْوَةُ أَخِي ذِي النُّونِ....) الخ. هذا الحديثُ رواه التِّرمذيُّ وأحمدُ عن سعدِ ابنِ أبي وقَّاصٍ ولفظُه: سمِعتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: (دَعْوَةُ أَخِي ذِي النُّونِ إِذْ هُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، لَمْ يَدْعُ بِهَا مُسْلِمٌ رَبَّهُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ اسْتَجَابَ لَهُ) وقد سَمَّى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قولَ ذي النونِ: (لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) دعوةً لأنها تَتضَمَّنُ نَوْعَي الدعاءِ، فقولُه: لا إلهَ إلا أنتَ اعترافٌ بتوحيدِ الإلهيَّةِ وتوحيدُ الإلهيَّةِ أحدُ نَوْعَي الدعاءِ فإن الإلهَ هو المستحِقُّ لأن يُدْعَى دعاءَ عبادةٍ ودعاءَ مسألةٍ، وقولُه: (إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) صيغةُ خبرٍ يَتضمَّنُ طلبَ المغفرةِ؛ فإن الطالبَ السائلَ تارةً يَسألُ بصيغةِ الطلبِ، وتارةً يَسألُ بصيغةِ الخبرِ، إما بوصفِ حالِه، وإما بوصْفِ حالِ المسؤولِ، وإما بوصْفِ الحالتين كقولِ نوحٍ عليه السلامُ: {رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ} فهذا ليس صيغةَ طلبٍ وإنما هو إخبارٌ عن اللهِ أنه إن لم يَغفرْ له ويَرحَمْه خسِرَ، ولكن هذا يَتضمَّنُ سؤالَ المغفرةِ، وكذلك قولُ آدمَ عليه السلامُ: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} هو من هذا البابِ، ومن ذلك قولُ موسى عليه السلامُ: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} فإن هذا وصْفٌ لحالِه بأنه فقيرٌ إلى ما أَنزلَ اللهُ إليه من الخيرِ وهو مُتضمِّنٌ لسؤالِ اللهِ إنزالَ الخيرِ.

وقريبٌ من حديثِ ذي النونِ الحديثُ الذي رواه البخاريُّ ومسلِمٌ عن ابنِ عبَّاسٍ أن النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كان يقولُ عندَ الكرْبِ: (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمُ).

والكرْبُ والكُربةُ: الحزْنُ والمشقَّةُ والغمُّ الشديدُ. والمكروبُ: المهمومُ.
وابنُ أبي عاصمٍ: هو عاصمُ بنُ عليٍّ الحافظُ الإمامُ الثِّقَةُ سَمِعَ أباه وعكرمةَ بنَ عمَّارٍ وغيرَهما وحدَّثَ عنه البخاريُّ في صحيحِه وأحمدُ بنُ حنبلٍ وأبو حاتمٍ الرازيُّ وغيرُهم تُوُفِّيَ سنةَ إحدى وعشرين ومائتين، وأبوه هو عليُّ بنُ عاصمِ بنِ صُهيبٍ مَوْلَى قَريبةَ بنتِ محمَّدِ بنِ أبي بكرٍ الصدِّيقِ وكان مولدُه سنةَ خمسٍ ومائةٍ وتُوُفِّيَ سنةَ 201 هـ. كان حافظاً حدَّثَ عنه أحمدُ بنُ حنبلٍ وأبو داودَ وغيرُهما.

وقولُه: (وعن إبليسَ أبي الجنِّ) معناه: أن الشيطانَ أصلُ الجنِّ، كما أن آدمَ أصْلُ البشَرِ، وبذلك قالَ بعضُ السلَفِ، وعليه فالاستثناءُ في الآياتِ التي فيها أمْرُ الملائكةِ بالسجودِ لآدمَ منقطِعٌ. وقالَ الجمهورُ بل هو من الملائكةِ من حيٍّ يُقالُ لهم الجنُّ كما في آيةِ الصافَّاتِ، وعليه فالاستثناءُ في الآياتِ متَّصِلٌ. ومحلُّ بسْطِ ذلك كتُبُ التفسيرِ.

  #4  
قديم 16 ذو الحجة 1429هـ/14-12-2008م, 07:29 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التوضيحات الأثرية للشيخ: فخر الدين بن الزبير المحسِّي


الواجبُ في الشرْعِ والقَدَرِ عَمَلاً
قولُه: ( والمؤمِنُ مَأْمُورٌ بأن يَفْعَلَ المأمورَ، ويَتْرُكَ الْمَحظورَ، ويَصْبِرَ على الْمَقدورِ كما قالَ تعالى: { وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} وقالَ في قِصَّةِ يُوسُفَ { إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } فالتقوى فِعْلُ ما أَمَرَ اللهُ به وتَرْكُ ما نَهَى اللهُ عنه، ولهذا قالَ تعالى: { فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} فأَمَرَه مع الاستغفارِ بالصَّبْرِ، فإنَّ العِبادَ لا بُدَّ لهم من الاستغفارِ: أوَّلَهُم وآخِرَهُم، قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديثِ الصحيحِ: (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ، تُوبُوا إِلَى رَبِّكُمْ؛ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً)) وقالَ:(( إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ وأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ)) وكان يقولُ: (( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي، وإِسْرَافِي في أَمْرِي، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ به مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي اللهمَّ اغْفِرْ لي خَطَئِي وَعَمْدِي، وَهَزْلِي وَجِدِّي، وَكُلُّ ذلك عِنْدِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ)) وقد ذُكِرَ عن آدَمَ أبي البشَرِ: أنه استَغْفَرَ ربَّه وتابَ إليه، فاجْتَبَاه ربُّه فتابَ عليه وهَداه، وعن إبليسَ أبي الْجِنَّ أنه أَصَرَّ مُتَعِلِّقًا بالقَدَرِ، فلَعَنَه وأَقْصَاه، فمَن أذْنَبَ وتابَ ونَدِمَ فقد أَشْبَهَ أباهُ ومَن أَشْبَه أباهُ فما ظَلَمَ. قالَ تعالى: { وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً. لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} ولهذا قَرَنَ اللهُ سبحانَه وتعالى بينَ التوحيدِ والاستغفارِ في غيرِ آيةٍ، كما قالَ تعالى: { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} وقالَ تعالى: { فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ} وقالَ تعالى: { آلر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَن لاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ * إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ * وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} وفي الحديثِ الذي رواه ابنُ أبي عاصِمٍ و غيرُه: (( يقولُ الشيطاُن: أَهْلَكْتُ الناسَ بالذنوبِ، وأَهْلَكُونِي بلا إلهَ إلا اللهُ، وبالاستغفارِ، فلمَّا رأيْتُ ذلك بَثَثْتُ فيهم الأهواءَ،فهم يُذْنِبون ولا يَتوبون؛ لأنهم يَحْسَبون أنهم يُحْسِنون صُنْعًا)) وقد ذَكَرَ اللهُ سبحانَه عن ذِي النُّونِ أنه { نَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ * سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} قالَ تعالى: { فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ * وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ} وقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:دَعوةُ أخي ذي النُّونِ ما دعا بها مَكروبٌ إلا فرَّجَ اللهُ كَرْبَه)) ).

التوضيحُ

قد بَيَّنَ شيخُ الإسلامِ الواجِبَ تُجاهَ الشرْعِ والقَدَرِ اعتقادًا، والآن يُبَيِّنُ الواجِبَ فيهما عَمَلاً فيُبَيِّنُ أنَّ الواجِبَ تُجاهَ الشرْعِ فِعْلُ المأمورِ وتَرْكُ المحظورِ، وفي القَدَرِ الصَّبْرُ على الْمَقدورِ، وأدلَّةُ ذلك:
قولُه تعالى: { وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا}.
قولُه: { إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}.
فالتقوى فعْلُ المأمورِ وتَرْكُ المحظورِ، وهو الشرْعُ، والصبْرُ يكونُ على الْمَقدورِ،وهو القدَرُ.
{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ} والاستغفارُ دليلٌ على وُجوبِ الامتثالِ، ومنه 1) قولُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى رَبِّكُمْ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً)) 2) قولُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(( إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي * وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ)).

معنى ( يُغَانُ على قَلْبِي): الْغَيْنُ هو الْغَيْمُ وغَيَنَتِ السماءُ تَغَانُ: إذا أَطْبَقَ عليها الْغَيْمُ، واخْتُلِفَ في المقصودِ به هنا:
فقالَ القاضي عِياضٌ: " هي فَتَراتٌ عن الذِّكْرِ الذي يُدَاوِمُ عليه، فيَعُدُّه ذَنْبًا، فيَسْتَغْفِرُ منه.
وقالَ في النهايةِ:" أَرَادَ ما يَغْشاهُ من السهْوِ الذي لا يَخلُو منه البَشَرُ.
وقالَ بعضُهم " الْغَيْنُ هنا كمالٌ مِثْلُ جَفْنِ العينِ حينَ يُغْمَضُ ليَدْفَعَ الْقَذَى، فإنه يَمْنَعُ عن الرؤيةِ، لكنه في الحقيقةِ كمالٌ لدَفْعِ الْقَذَى، وكذلك الغَيْنُ ". واللهُ أَعْلَمُ.
وقد اسْتَغَفَرَ آدَمُ فاجْتَبَاهُ رَبُّه وهَدَاهُ، وأَصَرَّ إبليسُ فلَعَنَه وأَقْصَاهُ.
فمَن أذْنَبَ وتَابَ شَابَه أَبَاهُ، ومَن أَشْبَهَ أَباه فما ظَلَمَ، وهذا اقتباسٌ من شيخِ الإسلامِ من بَيْتٍ في مَدْحِ عدِيِّ بنِ حاتِمٍ وأَصْلُه.

بأَبِهِ اقْتَدَى عَدِيٌّ في الْكَرَمْ ومَن يُشَابِهْ أَبَهُ فَمَا ظَلَمْ

العَلاقَةُ بينَ الاستغفارِ وتوحيدِ العِبادةِ
والعَلاقةُ بينَ الاستغفارِ وما سَبَقَ من العِبادةِ أن للعَمَلِ أصْلَيْنِ: أصْلاً معه وهو الاجتهادُ، وأَصْلاً بعدَه وهو الاستغفارُ، فهما مُقْتَرِنَانِ، لذلك جَمَعَ اللهُ بينَ توحيدِ العِبادةِ والاستغفارِ في مَوَاضِعَ كثيرةٍ منها:
قولُه تعالى: { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ}.
وقولُه: { فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ }.
وقولُه: { أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ}.
وفي الحديثِ ((يقولُ الشيطاُن: أَهْلَكْتُ الناسَ بالذنوبِ، وأَهْلَكُونِي بلا إلهَ إلا اللهُ، وبالاستغفارِ، فلمَّا رأيتُ ذلك بَثَثْتُ فيهم الأهواءَ، فهم يُذْنِبون ولا يَتوبون؛ لأنهم يَحْسَبون أنهم يُحْسِنون صُنْعًا )) إلا أنه لا يَثْبُتُ.
وذكَرَ تعالى عن ذِي النُّونِ أنه { نَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ * سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ }.
فقالَ تعالى: { فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ، وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ}.
وقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( دَعْوَةُ أَخِي ذِي النُّونِ: مَا دَعَا بِهَا مَكْرُوبٌ إِلاَّ فَرَّجَ اللهُ كَرْبَهُ )).

- قولُه رَحِمَه اللهُ:" وعن إبليسَ أبي الْجِنِّ" معناه أنَّ الشيطانَ أصْلُ الْجِنِّ، وبهذا قالَ بعضُ العُلْماءِ، فلا يكونُ إبليسُ من الملائكةِ، وعليه يكون الاستثناءُ في الآياتِ مُنْقَطِعًا، أي ليس الْمُستَثْنَى من جِنْسِ الْمُستَثْنَى منه، كما في قولِه تعالى: { فَسَجَدَ الْمَلاَئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاَّ إِبْلِيسَ } واسْتَدَلُّوا بقولِه تعالى: { إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ} وقالَ جُمهورُ العُلْماءِ: إنَّ إبليسَ من الملائكةِ، فيكونُ الاستثناءُ مُتَّصِلاً، ودليلُهم قولُه تعالى: { وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} والمقصودُ بالْجِنَّةِ الملائكةُ،كما ذَكَرَه أهْلُ التفسيرِ.

فإبليسُ مِن حَيٍّ من الملائكةِ يُقالُ لهم الْجِنُّ على قولِ الجمهورِ، ويُمْكِنُ الْجَمْعُ بينَهما بأنَّ إبليسَ أبو الْجِنِّ الذين هم حَيٌّ من الملائكةِ، واللهُ تعالى أَعْلَمُ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مأمور, المؤمن

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:03 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir