دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > مكتبة علوم الحديث الشريف > علوم الحديث الشريف > مقدمة ابن الصلاح

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21 جمادى الأولى 1431هـ/4-05-2010م, 06:47 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي النوع التاسع والثلاثون والأربعون: معرفة الصحابة ومعرفة التابعين

النّوع التّاسع والثّلاثون: معرفة الصّحابة رضي اللّه عنهم أجمعين

هذا علمٌ كبيرٌ قد ألّف النّاس فيه كتبًا كثيرةً، ومن أحلاها وأكثرها فوائد كتاب " الاستيعاب " لابن عبد البرّ، لولا ما شانه به من إيراده كثيرًا ممّا شجر بين الصّحابة، وحكاياته عن الأخباريّين لا المحدّثين، وغالبٌ على الأخباريّين الإكثار والتّخليط فيما يروونه.

وأنا أورد نكتًا نافعةً - إن شاء اللّه تعالى - قد كان ينبغي لمصنّفي كتب الصّحابة أن يتوّجوها بها، مقدّمين لها في فواتحها:

إحداها: اختلف أهل العلم في أنّ الصّحابيّ من؟ فالمعروف من طريقة أهل الحديث أنّ كلّ مسلمٍ رأى رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - فهو من الصّحابة.

قال البخاريّ في صحيحه: " من صحب النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - أو رآه من المسلمين، فهو من أصحابه.

وبلغنا عن أبي المظفّر السّمعانيّ المروزيّ أنّه قال: " أصحاب الحديث يطلقون اسم الصّحابة على كلّ من روى عنه حديثًا أو كلمةً، ويتوسّعون حتّى يعدّون من رآه رؤيةً من الصّحابة، وهذا لشرف منزلة النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - أعطوا كلّ من رآه حكم الصّحبة".

وذكر أنّ اسم الصّحابيّ - من حيث اللّغة، والظّاهر - يقع على من طالت صحبته للنّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - وكثرت مجالسته له على طريق التّبع له والأخذ عنه، قال: " وهذا طريق الأصوليّين".

قلت: وقد روّينا عن سعيد بن المسيّب أنّه كان لا يعدّ الصّحابيّ إلّا من أقام مع رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - سنةً أو سنتين، وغزا معه غزوةً أو غزوتين، وكأنّ المراد بهذا - إن صحّ عنه - راجعٌ إلى المحكيّ عن الأصوليّين.

ولكن في عبارته ضيقٌ يوجب ألّا يعدّ من الصّحابة جرير بن عبد اللّه البجليّ ومن شاركه في فقد ظاهر ما اشترطه فيهم، ممّن لا نعرف خلافًا في عدّه من الصّحابة.

وروّينا عن شعبة عن موسى السّبلانيّ - وأثني عليه خيرًا - قال:... أتيت أنس بن مالكٍ فقلت: هل بقي من أصحاب رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - أحدٌ غيرك؟ قال: " بقي ناسٌ من الأعراب قد رأوه، فأمّا من صحبه فلا".... إسناده جيّدٌ، حدّث به مسلمٌ بحضرة أبي زرعة.

ثمّ إنّ كون الواحد منهم صحابيًّا تارةً يعرف بالتّواتر، وتارةً بالاستفاضة القاصرة عن التّواتر، وتارةً بأن يروى عن آحاد الصّحابة أنّه صحابيٌّ، وتارةً بقوله وإخباره عن نفسه - بعد ثبوت عدالته - بأنّه صحابيٌّ، واللّه أعلم.

الثّانية: للصّحابة بأسرهم خصيصةٌ، وهي أنّه لا يسأل عن عدالة أحدٍ منهم، بل ذلك أمرٌ مفروغٌ منه، لكونهم على الإطلاق معدّلين بنصوص الكتاب والسّنّة وإجماع من يعتدّ به في الإجماع من الأمّة.

قال اللّه تبارك وتعالى: (كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس) الآية، قيل: اتّفق المفسّرون على أنّه واردٌ في أصحاب رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم -

وقال تعالى: (وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا لتكونوا شهداء على النّاس). وهذا خطابٌ مع الموجودين حينئذٍ.

وقال سبحانه وتعالى: (محمّدٌ رسول اللّه والّذين معه أشدّاء على الكفّار) الآية.

وفي نصوص السّنّة الشّاهدة بذلك كثرةٌ، منها حديث أبي سعيدٍ المتّفق على صحّته أنّ رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - قال: " لا تسبّوا أصحابي، فوالّذي نفسي بيده لو أنّ أحدكم أنفق مثل أحدٍ ذهبًا ما أدرك مدّ أحدهم ولا نصيفه".

ثمّ إنّ الأمّة مجمعةٌ على تعديل جميع الصّحابة، ومن لابس الفتن منهم فكذلك بإجماع العلماء الّذين يعتدّ بهم في الإجماع، إحسانًا للظّنّ بهم، ونظرًا إلى ما تمهّد لهم من المآثر، وكأنّ اللّه - سبحانه وتعالى - أتاح الإجماع على ذلك لكونهم نقلة الشّريعة، واللّه أعلم.

الثّالثة: أكثر الصّحابة حديثًا عن رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - أبو هريرة روي ذلك عن سعيد بن أبي الحسن و أحمد بن حنبلٍ، وذلك من الظّاهر الّذي لا يخفى على حديثيٍّ، وهو أوّل صاحب حديثٍ.

بلغنا عن أبي بكر بن أبي داود السّجستانيّ قال: " رأيت أبا هريرة في النّوم، وأنا بسجستان أصنّف حديث أبي هريرة فقلت: إنّي لأحبّك، فقال: " أنا أوّل صاحب حديثٍ كان في الدّنيا".

وعن أحمد بن حنبلٍ أيضًا - رضي اللّه عنه - قال: " ستّةٌ من أصحاب النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - أكثروا الرّواية عنه وعمّروا: أبو هريرة وابن عمر وعائشة وجابر بن عبد اللّه و ابن عبّاسٍ وأنسٌ، وأبو هريرة أكثرهم حديثًا، وحمل عنه الثّقات".

ثمّ إنّ أكثر الصّحابة فتيا تروى ابن عبّاسٍ، بلغنا... عن أحمد بن حنبلٍ قال: " ليس أحدٌ من أصحاب النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - يروى عنه في الفتوى أكثر من ابن عبّاسٍ"....

وروّينا عن أحمد بن حنبلٍ أيضًا أنّه قيل له: " من العبادلة؟ " فقال: " عبد اللّه بن عبّاسٍ، وعبد اللّه بن عمر، وعبد اللّه بن الزّبير، وعبد اللّه بن عمرٍو". قيل له: " فابن مسعودٍ؟ " قال: " لا، ليس عبد اللّه بن مسعودٍ من العبادلة".

قال الحافظ أحمد البيهقيّ فيما روّيناه عنه وقرأته بخطّه: " وهذا لأنّ ابن مسعودٍ تقدّم موته، وهؤلاء عاشوا حتّى احتيج إلى علمهم، فإذا اجتمعوا على شيءٍ قيل: هذا قول العبادلة، أو هذا فعلهم".

قلت: ويلتحق بابن مسعودٍ في ذلك سائر العبادلة المسمّين بعبد اللّه من الصّحابة، وهم نحو مائتين وعشرين نفسًا، واللّه أعلم.

وروّينا عن عليّ بن عبد اللّه المدينيّ قال: " لم يكن من أصحاب النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - أحدٌ له أصحابٌ يقومون بقوله في الفقه إلّا ثلاثةٌ: عبد اللّه بن مسعودٍ، وزيد بن ثابتٍ وابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهم، كان لكلّ رجلٍ منهم أصحابٌ يقومون بقوله ويفتون النّاس".

وروّينا عن مسروقٍ قال: " وجدت علم أصحاب النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - انتهى إلى ستّةٍ: عمر، وعليٌّ، وأبيٌّ، وزيدٌ، وأبو الدّرداء، وعبد اللّه بن مسعودٍ، ثمّ انتهى علم هؤلاء السّتّة إلى اثنين: عليٌّ، وعبد اللّه".

وروّينا نحوه عن مطرّفٍ، عن الشّعبيّ، عن مسروقٍ، لكن ذكر أبا موسى بدل أبي الدّرداء.

وروّينا عن الشّعبيّ قال: " كان العلم يؤخذ عن ستّةٍ من أصحاب رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - وكان عمر، وعبد اللّه، وزيدٌ، يشبه علم بعضهم بعضًا، وكان يقتبس بعضهم من بعضٍ، وكان عليٌّ، والأشعريّ، وأبيٌّ، يشبه علم بعضهم بعضًا، وكان يقتبس بعضهم من بعضٍ".

وروّينا عن الحافظ أحمد البيهقيّ أنّ الشّافعيّ ذكر الصّحابة في رسالته القديمة، وأثنى عليهم بما هم أهله، ثمّ قال: " وهم فوقنا في كلّ علمٍ، واجتهادٍ، وورعٍ، وعقلٍ، وأمرٍ استدرك به علمٌ واستنبط به، وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من آرائنا عندنا لأنفسنا"، واللّه أعلم.

الرّابعة: روّينا عن أبي زرعة الرّازيّ أنّه سئل عن عدّة من روى عن النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - فقال: ومن يضبط هذا؟ شهد مع النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - حجّة الوداع أربعون ألفًا، وشهد معه تبوك سبعون ألفًا.

وروّينا عن أبي زرعة - أيضًا - أنّه قيل له: " أليس يقال: حديث النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - أربعة آلاف حديثٍ؟ " قال: " ومن قال ذا؟ قلقل اللّه أنيابه ! هذا قول الزّنادقة، ومن يحصي حديث رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم -، قبض رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - عن مائة ألفٍ وأربعة عشر ألفًا من الصّحابة، ممّن روى عنه وسمع منه، وفي روايةٍ: ممّن رآه وسمع منه "، فقيل له: يا أبا زرعة، هؤلاء أين كانوا وأين سمعوا منه؟ قال: " أهل المدينة، وأهل مكّة، ومن بينهما، والأعراب، ومن شهد معه حجّة الوداع، كلٌّ رآه وسمع منه بعرفة".

قلت: ثمّ إنّه اختلف في عدد طبقاتهم وأصنافهم، والنّظر في ذلك إلى السّبق بالإسلام، والهجرة، وشهود المشاهد الفاضلة مع رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - بآبائنا وأمّهاتنا وأنفسنا هو - صلّى اللّه عليه وسلّم -.

وجعلهم الحاكم أبو عبد اللّه: اثنتي عشرة طبقةً، ومنهم من زاد على ذلك، ولسنا نطوّل بتفصيل ذلك، واللّه أعلم.

الخامسة: أفضلهم على الإطلاق أبو بكرٍ، ثمّ عمر، ثمّ إنّ جمهور السّلف على تقديم عثمان على عليٍّ، وقدّم أهل الكوفة من أهل السّنّة عليًّا على عثمان، وبه قال منهم سفيان الثّوريّ أوّلًا، ثمّ رجع إلى تقديم عثمان، روى ذلك عنه وعنهم الخطّابيّ.

وممّن نقل عنه من أهل الحديث تقديم عليٍّ على عثمان محمّد بن إسحاق بن خزيمة، وتقديم عثمان هو الّذي استقرّت عليه مذاهب أصحاب الحديث وأهل السّنّة.

وأمّا أفضل أصنافهم صنفًا: فقد قال أبو منصورٍ البغداديّ التّميميّ: أصحابنا مجمعون على أنّ أفضلهم الخلفاء الأربعة، ثمّ السّتّة الباقون إلى تمام العشرة، ثمّ البدريّون، ثمّ أصحاب أحدٍ، ثمّ أهل بيعة الرّضوان بالحديبية.

قلت: وفي نصّ القرآن تفضيل السّابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار، وهم الّذين صلّوا إلى القبلتين في قول سعيد بن المسيّب وطائفةٍ، وفي قول الشّعبيّ: هم الّذين شهدوا بيعة الرّضوان، وعن محمّد بن كعبٍ القرظيّ وعطاء بن يسارٍ أنّهما قالا: هم أهل بدرٍ، روى ذلك عنهما ابن عبد البرّ فيما وجدناه عنه، واللّه أعلم.

السّادسة: اختلف السّلف في أوّلهم إسلامًا، فقيل: أبو بكرٍ الصّدّيقّ، روي ذلك عن ابن عبّاسٍ، وحسّان بن ثابتٍ، وإبراهيم النّخعيّ، وغيرهم.

وقيل: عليٌّ أوّل من أسلم، روي ذلك عن زيد بن أرقم، وأبي ذرٍّ، والمقداد، وغيرهم.

وقال الحاكم أبو عبد اللّه: " لا أعلم خلافًا بين أصحاب التّواريخ أنّ عليّ بن أبي طالبٍ أوّلهم إسلامًا "، واستنكر هذا من الحاكم.

وقيل: أوّل من أسلم زيد بن حارثة، وذكر معمرٌ نحو ذلك عن الزّهريّ.

وقيل: أوّل من أسلم خديجة أمّ المؤمنين، روي ذلك من وجوهٍ عن الزّهريّ، وهو قول قتادة، ومحمّد بن إسحاق بن يسارٍ، وجماعةٍ، وروي أيضًا عن ابن عبّاسٍ.

وادّعى الثّعلبيّ المفسّر فيما روّيناه أو بلغنا عنه اتّفاق العلماء على أنّ أوّل من أسلم خديجة، وأنّ اختلافهم إنّما هو في أوّل من أسلم بعدها.

والأورع أن يقال: أوّل من أسلم من الرّجال الأحرار أبو بكرٍ، ومن الصّبيان أو الأحداث عليٌّ، ومن النّساء خديجة، ومن الموالي زيد بن حارثة، ومن العبيد بلالٌ، واللّه أعلم.

السّابعة: آخرهم على الإطلاق موتًا أبو الطّفيل عامر بن واثلة، مات سنة مائةٍ من الهجرة.

وأمّا بالإضافة إلى النّواحي، فآخر من مات منهم بالمدينة: جابر بن عبد اللّه، رواه أحمد بن حنبلٍ عن قتادة، وقيل: سهل بن سعدٍ، وقيل: السّائب بن يزيد.

وآخر من مات منهم بمكّة عبد اللّه بن عمر، وقيل: جابر بن عبد اللّه. وذكر عليّ بن المدينيّ أنّ أبا الطّفيل بمكّة مات، فهو إذًا الآخر بها.

وآخر من مات منهم بالبصرة أنس بن مالكٍ، قال أبو عمر بن عبد البرّ: " ما أعلم أحدًا مات بعده ممّن رأى رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - إلّا أبا الطّفيل".

وآخر من مات منهم بالكوفة: عبد اللّه بن أبي أوفى.

وبالشّام: عبد اللّه بن بسرٍ، وقيل: بل أبو أمامة.

وتبسّط بعضهم فقال: " آخر من مات من أصحاب رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - بمصر: عبد اللّه بن الحارث بن جزءٍ الزّبيدي ّ، وبفلسطين: أبو أبيٍّ ابن أمّ حرامٍ، وبدمشق: واثلة بن الأسقع، وبحمص: عبد اللّه بن بسرٍ، وباليمامة: الهرماس بن زيادٍ، وبالجزيرة: العرس بن عميرة، وبأفريقيّة: رويفع بن ثابتٍ، وبالبادية في الأعراب: سلمة بن الأكوع، رضي اللّه عنهم أجمعين".

وفي بعض ما ذكرناه خلافٌ لم نذكره.

وقوله في رويفعٍ: " بأفريقيّة " لا يصحّ، إنّما مات في حاضرة برقة وقبره بها، ونزل سلمة إلى المدينة قبل موته بليالٍ فمات بها، واللّه أعلم.

النّوع الموفي أربعين: معرفة التّابعين

هذا ومعرفة الصّحابة أصلٌ أصيلٌ يرجع إليه في معرفة المرسل والمسند.

قال الخطيب الحافظ: التّابعيّ من صحب الصّحابيّ.

قلت: ومطلقه مخصوصٌ بالتّابع بإحسانٍ، ويقال للواحد منهم: تابعٌ وتابعيٌّ.

وكلام الحاكم أبي عبد اللّه وغيره مشعرٌ بأنّه يكفي فيه أن يسمع من الصّحابيّ أو يلقاه، وإن لم توجد الصّحبة العرفيّة، والاكتفاء في هذا بمجرّد اللّقاء والرّؤية أقرب منه في الصّحابيّ، نظرًا إلى مقتضى اللّفظين فيهما.

وهذه مهمّاتٌ في هذا النّوع:

إحداها: ذكر الحافظ أبو عبد اللّه أنّ التّابعين على خمس عشرة طبقةً:

الأولى: الّذين لحقوا العشرة: سعيد بن المسيّب، وقيس بن أبي حازمٍ، وأبو عثمان النّهديّ، وقيس بن عبادٍ، وأبو ساسان حضين بن المنذر، وأبو وائلٍ، وأبو رجاءٍ العطارديّ وغيرهم.

وعليه في بعض هؤلاء إنكارٌ، فإنّ سعيد بن المسيّب ليس بهذه

المثابة، لأنّه ولد في خلافة عمر، ولم يسمع من أكثر العشرة، وقد قال بعضهم: لا تصحّ له روايةٌ عن أحدٍ من العشرة إلّا سعد بن أبي وقّاصٍ.

قلت: وكان سعدٌ آخرهم موتًا.

وذكر الحاكم قبل كلامه المذكور أنّ سعيدًا أدرك عمر فمن بعده إلى آخر العشرة.

وقال: ليس في جماعة التّابعين من أدركهم وسمع منهم غير سعيدٍ وقيس بن أبي حازمٍ، وليس ذلك على ما قال كما ذكرناه، نعم، قيس بن أبي حازمٍ سمع العشرة وروى عنهم، وليس في التّابعين أحدٌ روى عن العشرة سواه، ذكر ذلك عبد الرّحمن بن يوسف بن خراشٍ الحافظ، فيما روّينا أو بلغنا عنه، وعن أبي داود السّجستانيّ أنّه قال: روى عن التّسعة: ولم يرو عن عبد الرّحمن بن عوفٍ.

ويلي هؤلاء التّابعون الّذين ولدوا في حياة رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - من أبناء الصّحابة كعبد اللّه بن أبي طلحة، وأبي أمامة أسعد بن سهل بن حنيفٍ، وأبي إدريس الخولانيّ، وغيرهم.

الثّانية: المخضرمون من التّابعين: هم الّذين أدركوا الجاهليّة، وحياة رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - وأسلموا، ولا صحبة لهم، واحدهم مخضرمٌ - بفتح الرّاء - كأنّه خضرم أي قطع عن نظرائه الّذين أدركوا الصّحبة وغيرها.

وذكرهم مسلمٌ فبلغ بهم عشرين نفسًا، منهم: أبو عمرٍو الشّيبانيّ، وسويد بن غفلة الكنديّ، وعمرو بن ميمونٍ الأوديّ، وعبد خير بن يزيد الخيوانيّ، وأبو عثمان النّهديّ، وعبد الرّحمن بن ملٍّ، وأبو الحلال العتكيّ ربيعة بن زرارة.

وممّن لم يذكره مسلمٌ: منهم أبو مسلمٍ الخولانيّ عبد اللّه بن ثوب، والأحنف بن قيسٍ، واللّه أعلم.

الثّالثة: من أكابر التّابعين: الفقهاء السّبعة من أهل المدينة، وهم سعيد بن المسيّب، والقاسم بن محمّدٍ، وعروة بن الزّبير، وخارجة بن زيدٍ، وأبو سلمة بن عبد الرّحمن، وعبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة، وسليمان بن يسارٍ.

روّينا عن الحافظ أبي عبد اللّه أنّه قال: " هؤلاء الفقهاء السّبعة عند الأكثر من علماء الحجاز".

وروّينا عن ابن المبارك قال: " كان فقهاء أهل المدينة الّذين يصدرون عن رأيهم سبعةً " فذكر هؤلاء إلّا أنّه لم يذكر أبا سلمة بن عبد الرّحمن، وذكر بدله سالم بن عبد اللّه بن عمر.

وروّينا عن أبي الزّناد تسميتهم في كتابه عنهم، فذكر هؤلاء، إلّا أنّه ذكر أبا بكر بن عبد الرّحمن بدل أبي سلمة وسالمٍ.

الرّابعة: ورد عن أحمد بن حنبلٍ أنّه قال: " أفضل التّابعين سعيد بن المسيّب "، فقيل له: " فعلقمة والأسود؟ " فقال: " سعيد بن المسيّب، وعلقمة، والأسود".

وعنه أنّه قال: " لا أعلم في التّابعين مثل أبي عثمان النّهديّ، وقيس بن أبي حازمٍ".

وعنه أيضًا أنّه قال: " أفضل التّابعين قيسٌ، وأبو عثمان وعلقمة، ومسروقٌ، هؤلاء كانوا فاضلين، ومن علية التّابعين".

وأعجبني ما وجدته عن الشّيخ أبي عبد اللّه بن خفيفٍ الزّاهد الشّيرازيّ في كتابٍ له، قال: " اختلف النّاس في أفضل التّابعين:

فأهل المدينة يقولون: سعيد بن المسيّب، وأهل الكوفة يقولون: أويسٌ القرنيّ، وأهل البصرة يقولون: الحسن البصريّ".

وبلغنا عن أحمد بن حنبلٍ قال: " ليس أحدٌ أكثر في فتوى من الحسن، وعطاءٍ، يعني من التّابعين".

وقال أيضًا: " كان عطاءٌ مفتي مكّة والحسن مفتي البصرة، فهذان أكثر النّاس عنهم آراءهم".

وبلغنا عن أبي بكر بن أبي داود قال: " سيّدتا التّابعين من النّساء: حفصة بنت سيرين، وعمرة بنت عبد الرّحمن. وثالثهما - وليست كهما - أمّ الدّرداء "، واللّه أعلم.

الخامسة: روّينا عن الحاكم أبي عبد اللّه قال: " طبقةٌ تعدّ في التّابعين، ولم يصحّ سماع أحدٍ منهم من الصّحابة، منهم: إبراهيم بن سويدٍ النّخعيّ الفقيه، وليس بإبراهيم بن يزيد النّخعيّ الفقيه، وبكير بن أبي السّميط، وبكير بن عبد اللّه بن الأشجّ "، وذكر غيرهم.

قال: " وطبقةٌ عدادهم عند النّاس في أتباع التّابعين وقد لقوا الصّحابة، منهم: أبو الزّناد عبد اللّه بن ذكوان لقي عبد اللّه بن عمر وأنسًا، وهشام بن عروة، وقد أدخل على عبد اللّه بن عمر وجابر بن عبد اللّه وموسى بن عقبة، وقد أدرك أنس بن مالكٍ وأمّ خالدٍ بنت خالد بن سعيد بن العاص "، وفي بعض ما قاله مقالٌ.

قلت: وقومٌ عدّوا من التّابعين وهم من الصّحابة، ومن أعجب ذلك عدّ الحاكم أبي عبد اللّه: النّعمان وسويدًا ابني مقرّنٍ المزنيّ في التّابعين، عندما ذكر الأخوة من التّابعين، وهما صحابيّان معروفان مذكوران في الصّحابة، واللّه أعلم.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
التاسع, النوع

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:33 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir