دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > جامع علوم القرآن > الإكسير في علم التفسير

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23 محرم 1432هـ/29-12-2010م, 09:52 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي النوع الخامس والعشرون: الاستدراج، النوع السادس والعشرون: الإرصاد


النوع الخامس والعشرون: الاستدراج
وهو التوصل إلى بلوغ المراد من المخاطب بالتلطف من حيث لا يشعر.
فمنه قول إبراهيم عليه السلام لأبيه: {يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئًا * يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطًا سويًا * يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا * يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليًا}.
فطلب منه أولاً العلة، والدليل على استحقاق آلهته العبادة، وضمن ذلك الدليل على أنها لا تستحقها، وهو كونها لا تسمع ولا تبصر، ومن كان كذلك فهو جدير أن لا يغني عنك شيئًا، وأنت جدير أن لا تعبده، ثم ارتفع عن ذلك يسيرًا، فقال: {إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني}. ولم يصرح له بالتجهيل تأدبًا وتلطفًا، ثم ارتفع عن ذلك قليلاً، فقال: {لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيًا}. فيريد أن يجعلك مثله وهو عدوك، ولكن لشدة إخلاص إبراهيم ومناصحته لربه، اقتصر على إخباره بمعصية الشيطان للرحمن، ولم يلتفت إلى عدوانه أبيه، ثم ارتفع قليلاً، فتوعده بالعذاب غير مصرح، بل قال: (إني أخاف أن يمسك عذاب الرحمن). هذا مع تصديره كل جملة من الكلام بقوله: (يا أبت) تقربًا إلى قلبه، واستعطافًا له، فكان جوابه له أن {قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم * لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليًا}. فأنكر عليه رغبته عن آلهته إنكارًا عنيفًا لتقديمه الخبر على المبتدأ، وسماه باسمه، ولم يقل له: يا بني، كما قال له: يا أبت، وتوعده بالرجم توعدًا مؤكدًا لا تعريضًا، كما قال هو له: (إني أخاف أن يمسك) وأمره بهجرانه مليًا، إظهارًا لتبرئه منه، وجفوته له، وكراهة ما جاء به، وهذا ضد الاستدراج.
[الإكسير في علم التفسير: 311]
ومنه: قول مؤمن من آل فرعون: {أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم * وإن يك كاذبًا فعليه كذبه * وإن يك صادقًا يصبكم بعض الذي يعدكم}.
فأخذهم بالاحتجاج على جهة التقسيم والاستدراج فقال: هذا إما كاذب فوبال كذبه عائد عليه، فما لكم وله، وإما صادق فيصيبكم بعض ما يعدكم به، فقدم الكذب على الصدق، وقال: {بعض الذي يعدكم} من علمه بأن جميع ما وعدهم به واقع بهم، هضمًا لبعض حقه في ظاهر الكلام، كأنه قال: إني قد هضمته بعض حقه، وحجتي ظاهرة عليكم، فكيف لو استوفيت له حقه، في جدالكم، أو تعصبت له فزدته على حقه، ثم أبطل القسمين، وهو كونه كاذبًا بقوله: {إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب} أي: وهذا قد هداه الله للإيمان فلا يكون كاذبًا، فيكون صادقًا، فاقبلوا اتباعه، وهذا هو المقصود بالاستدراج، توصل إليه بتلك المقدمات، والله أعلم.
وهكذا قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام لقومه: {ما تعبدون * قالوا نعبد أصنامًا فنظل لها عاكفين}. فإن في هذه القصة أنواعًا من التلطف والاستدراج.

النوع السادس والعشرون: الإرصاد
وهو معرفة السامع قافية البيت، أو فاصلة النثر من سماع صدر كلام، كقول النابغة:
[الإكسير في علم التفسير: 312]
فداء لامرئ سارت إليه = بعذرة ربها عمي وخالي
ولو كفي اليمين بغتك خوفًا = لأفردت اليمين عن الشمال
فإن من سمع لفظ اليمين في أول البيت بعد معرفته أن الشعر على قافية اللام علم أن لفظ الشمال في آخره.
وكذا قول البحتري:
أحلت دمي من غير جرم وحرمت = بلا سبب يوم اللقاء كلامي
فليس الذي حللته بمحلل = وليس الذي حرمته بحرام
فإن السامع لا يخفى عليه آخر هذا البيت من سماع أوله.
ومن هذا القبيل ما حكي أن جريرًا والفرزدق كانا يتهاجيان، فأنشد جرير بحضرة الفرزدق قصيدته التي هجا بها الراعي، يقول فيها:
فغض الطرف إنك من نمير = فلا كعبًا بلغت ولا كلابا
إلى أن انتهى إلى قوله:
لها مرض بجانب إسكتيها = ...........................
فأحس الفرزدق بتمام البيت فغطى عنقفته بيده، فقال جرير:
............................. = كعنقفة الفرزدق حين شابا
[الإكسير في علم التفسير: 313]
فما أغنى عن الفرزدق تغطية عنقفته شيئًا.
ومن الإرصاد قوله تعالى: {فما كان الله ليظلمهم}، فالسامع لهذا يدري أن آخر الآية {يظلمون}.
وقوله تعالى: {كمثل العنكبوت اتخذت بيتًا * وإن أوهن البيوت}
فالسامع لهذا يعلم أن بعده: بيت العنكبوت.
ونظائر هذا كثيرة وهذا مما يدل على براعة الناظم والناثر، لأن أول الكلام لا يدل على آخره، إلا لشدة ارتباطه به، وذلك أعلى مطالب هذا العلم كما سبق.
وفي الافتخار بذلك قال ابن نباتة الشاعر:
خذها إذا أنشدت في القوم من طرب = صدورها عرفت منها قوافيها
ينسى لها الراكب العجلان حاجته = ويصبح الحاسد الغضبان يطريها
وأبو هلال سمى هذا النوع (التوشيح)، وتسميته بالإرصاد أولى، لأن السامع يرصد القافية في نفسه، أي: يعدها بالحدس حتى يحققها بالحس.
والتوشيح يأتي ذكره، وقريب من هذا تسمية الغانمي، ذكر الشاعر زيادة لأجل القافية يتم المعنى بدونها (تبليغًا) ومثله بقول امرئ القيس:
كأن عيون الوحش حول خبائنا = وأرحلنا الجزع الذي لم يثقب
[الإكسير في علم التفسير: 314]
ثم ذكر قول ذي الرمة:
قف العيس في أطلال مية فاسأل = رسومًا كأخلاق الرداء المسلسل
فسماه (الإشباع) والموضوعان سواء، إذ التشبيه هاهنا يتم بدون المسلسل كما يتم ثم بدون قوله: (الذي لم يثقب). وأبو هلال سمى هذين النوعين: (إيغالاً) وهو أنسب، والأسماء الثلاثة متقاربة، والنوعان واحد، وفيه شبه ما بما جعله ابن الأثير مثالاً للإطناب، وقد سبق.
والإغراق في الوصف كفول امرئ القيس:
من القاصرات الطرف لو دب محول = من الذر فوق الإتب منها لأثرا
وهو كالأفعال لكنه أبلغ منه). [الإكسير في علم التفسير: 315]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الخامس, النوع

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:40 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir