دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > جامع علوم القرآن > الإكسير في علم التفسير

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23 محرم 1432هـ/29-12-2010م, 09:28 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي النوع الثاني عشر: في التقديم والتأخير من جهة المعنى، النوع الثالث عشر: في التخلص والاقتضاب


النوع الثاني عشر: في التقديم والتأخير من جهة المعنى
وقد قدمنا جملة منه في شجاعة العربية إلا أنه متعلق باللفظ والمعنى جميعًا، وقد كان الأليق ذكر هذا عقيب ذلك؛ جمعًا بين المتناسبين، إلا أنا تابعنا ابن الأثير في ترتيبه في غالب الكتاب.
فمنه تقديم السبب على المسبب، نحو: {إياك نعبد وإياك نستعين}، فقدموا العبادة؛ لأنها سبقت حصول الإعانة، فتقديمها أجدر بتحصيل المقصود من العكس.
ولو مدح رجل رجلاً، ثم سأله، كان أرجى لإجابة سؤاله من تقديم السؤال.
ومنه قوله تعالى: {وأنزلنا من السماء ماءً طهورًا * لنحيي به بلدة ميتًا ونسقيه مما خلقنا أنعامًا وأناسي كثيرًا}، فقدم إحياء الأرض، لأنه سبب حياة الأنعام والناس، وقدم إحياء الأنعام؛ لأنه مما تحيا به الناس بأكل لحومها وألبانها.
ومنه تقديم الأعجب فالأعجب: {فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين * ومنهم من يمشي على أربع} ولو العكس، لكان من تقديم الأكثر فالأكثر، كقوله تعالى: {فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد * ومنهم سابق بالخيرات}، فهذه الأصناف من الناس في الكثرة والقلة على هذا الترتيب.
[الإكسير في علم التفسير: 246]
ولو عكس، لكان من باب تقديم الأفضل فالأفضل، وهم في الأفضلية على هذا الترتيب.
وعلى هذا، فمتى تفاوت الشيئان فصاعدًا في وصفين، فلك تقديم أيهما شئت باعتبار رجحانه في وصفه، لاستوائهما يكون كل منهما راجحًا من وجه، مرجوحًا من وجه، نعم إن كان تقديم أحدهما أنسب لسياق الكلام ومطلعه، كان تقديمه أولى، فمن ذلك آية النور، تقديم الأعجب فالأعجب فيها أنسب لما قبله من سياق الكلام ألا ترى أنه تعالى ذكر عجائب مصنوعاته تنبيهًا على قدرته بقوله تعالى: {ألم تر أن الله يزجي سحابًا}، ثم ذكر العجائب العلوية من: برد، وبرق، ومطر، وغير ذلك، ثم ذكر الدواب، فكان المناسب تقديمه ما ذكر.
ومنه آية الملائكة، فإنها سيقت لبيان استحقاقه الحمد، وتذكير العباد نعمه عليهم وتحذيرهم من متابعة الشيطان، وإنكار كلمهم، وكفرهم عليهم، ثم عقب ذلك بذكر المخلوقات الكثيرة بقوله: {فأخرجنا به ثمرات مختلفًا ألوانها * ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود * ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك}، فناسب ذلك تقديم الظالم والمقتصد المفضوليين، وتقديم الأكثر فالأكثر.
ومنه قوله تعالى: {لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء * يهب لمن يشاء إناثًا * ويهب لمن يشاء الذكور}، فقدم الآيات، وإن كان من حقهن التأخير، لأن هذه الآية ذكرت في سياق قوله: {وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور}، فذمهم على الفرح بالرحمة والتبرم بالسيئة، ثم أشار إلى أنه المالك الحقيقي المطلق، وأنه تعالى: {فعال لما يريد}، سواء أساءهم أو أفرحهم وأن ذلك ليس بنافعهم، وكأن خلق الآيات مما
[الإكسير في علم التفسير: 247]
يسوءهم، كما أخبر عنهم بقوله: {وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودًا وهو كظيم}، فقد ذكرهن، تنبيهًا على أنه قادر، ولما يشاء فاعل، وأن إرادتهم لا تأثير لها، ثم لما أخر الذكور، ومن حقهم التقديم، تدارك أمرهم بجبر نقصهم، فعرفهم، لأن التعريف أفضل من التنكير، تنبيهًا على أن تقديم الإناث للعارض المذكور، لا لاستحقاقهن التقديم، فلما رجح المرجوح من جهة جبر الراجح من جهة، ثم أعطى بعد ذلك كل ذي حق حقه لزوال المانع بقوله: {أو يزوجهم ذكرانًا وإناثًا}، ثم قد علمت أنه في هذه الآية قدم ذكر السموات على الأرض، لأن ملك السماء أعظم، فتقديمه أدل على العظمة، والقدرة، والملكة.
وكذلك قدمها في سورة سبأ في قوله: {عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض}، لأن معلومات السماء أدق وأكثر، وهو أبلغ في الدلالة على كمال العلم.
وقال في يونس: {وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودًا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء}، فقدم الأرض، لأنه صدر الآية بذكر أهل الأرض، ومن أمعن النظر، وجد لكل تقديم وتأخير في القرآن مقتضيًا مناسبًا، ولابن الدهان في ذلك كتاب كبير حسن، وفيما ذكرناه تنبيه على ما أهملناه.

النوع الثالث عشر: في التخلص والاقتضاب:
أما التخلص: فهو الانفصال من شيء إلى غيره، والمراد به هنا: خروج المتكلم من
[الإكسير في علم التفسير: 248]
معنى إلى غيره بغتة، كقول المتنبي يصف وقوفه بالربع، وما يجده من الألم ساعة الوداع:
وقفنا به والبين فينا كأنه = قنا ابن الهيجاء في صدر فيلق
وكقوله:
فاستضحكت ثم قالت كالمغيث يرى = ليث الشرى وهو من عجل إذا انتسبا
كقوله يصف الزمان بأنه لا ينزل سرورًا إلا ضمنه ضده وقابله به:
حتى أبو الفضل بن عبد الله رؤ = يته المنى وهي المقام الهائل
ولو سمي مثل هذا (البهت)، لكون السامع يبهت له، لكان اسمًا مناسبًا، وكذا كتب اسمه قبل أن أعلم له اسم التخلص.
وهو من الناظم دليل براعته، وتمكنه في صناعته، بخلاف الناثر، إذ هو مطلق العنان، فلا يشق ذلك عليه.
ومن أمثلة التخلص قول علي بن الجهم:
وليلة كحلت بالسهد مقلتها = ألقت قناع الدجى في كل أخدود
قد كاد يغرقني أمواج ظلمتها = لولا اقتباس سنًا من وجه داود
[الإكسير في علم التفسير: 249]
وقول ابن نباتة الشاعر:
كأن الشموع وقد أطلعت = من النار في كل رأس لسانا
أنامل أعدائك الخائفين = تضرع تطلب منك الأمانا
وقول إسحاق بن إبراهيم الموصلي:
وصافية تعشي العيون بنورها = رهينة عام في الدنان وعام
أدرنا بها الكأس الروية بيننا = من الليل حتى انجاب كل الظلام
فما ذر قرن الشمس حتى رأيتنا = من العي نحكي أحمد بن هشام
ويحكى أن أحمد بن هشام هذا عاتب إسحاق، فقال: ما لي ولك يا إسحاق حتى تهجوني، فقال له: لا شيء إلا أنك جلست على طريق القافية.
وقول البحتري:
وأغر في الزمن البهيم محجل = مذ رحت منه على أغر محجل
ما إن يعاف قذى ولو أوردته = يومًا خلائق حمدويه الأحول
وقول أبي تمام في صفة الفرس:
ولو تراه مشيحًا والحصى قلق = بين السنابك من مشي ووجدان
أيقنت إن لم تصدق أن حافره = من صخر تدمر أو من وجه عثمان
ومن أبدع التخلصات قول ابن الزمكدم، وقد سأله قرواش أن يمدحه، ويهجو ندماءه: البرقعيدى المغني، وسليمان بن فهد الوزير، وأبا جابر الحاجب، فقال:
[الإكسير في علم التفسير: 250]
وليلٍ كوجه البرقعيدي ظلمةً = وبرد أغانيه وطول قرونه
سريت ونومي فيه نوم مشرد = كعقل سليمان بن فهد ودينه
على أولقٍ فيه التفات كأنه = أبو جابر في خبطه وجنونه
إلى أن بدا ضوء الصباح كأنه = سنا وجه قرواش وضوء جبينه
وقد قال بعض أهل الصناعة، لو تحدى هذا الشاعر بهذه الأبيات الشعراء لأعجزهم.
وأما الاقتضاب: وهو افتعال من القضب، وهو: القطع، ومنه سمي السيف: قاضبًا، والرطبة قضبًا، وهو ضد التخلص: وهو الخروج من معنى إلى غيره من غير تعلق بينهما لفظي، ولا ربط معنوي، وهو مذهب قدماء الشعراء: كامرئ القيس، والأعشى، وأضرابهما، ألا ترى امرأ القيس حيث فرغ من حكاية عنزة وما بعدها قال:
وبيضة خدر لا يرام خباؤها
إلى أن فرغ من حكايتها، ثم قال:
وليل كموج البحر أرخى سدوله
إلى أن فرغ منه، ثم قال:
وقربة أقوام جعلت عصامها
[الإكسير في علم التفسير: 251]
ثم ركب للصيد بقوله:
وقد أغتدي والطير في وكناتها
إلى أن فرغ منه ثم قال:
أحار ترى برقًا كأن وميضه
إلى آخره، وبه ختم القصيدة، وكل ذلك اقتضاب.
ثم الاقتضاب ضربان:
أحدهما: فصل الخطاب، وهو قولهم: أما بعد، وهو عند بعضهم أحسن من التخلص؛ لما فيه من التنبيه على الفرق بين المعنى الذي انتقل عنه والمعنى الذي انتقل إليه.
والثاني: ما عداه، كقوله تعالى، بعد ذكر جماعة من الأنبياء عليهم الصلاة السلام: {هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب}، إلى أن فرغ من صفة أهل الجنة، ثم قال: {هذا وإن للطاغين لشر مآب}، وهذا كما تحدث صاحبك، ثم تقول له، هذا مضى، وأما كذا وكذا، وتسوق له الحديث.
وقد ذهب أبو العلاء محمد بن غانم الغانمي إلى أن القرآن خالٍ من الاقتضاب والتخلص، وهو باطل.
أما في الاقتضاب، فلما ذكرنا من وقوعه، وهو فيه كثير جدًا.
وأما في التخلص، فلما نذكره، وهو قول إبراهيم صلى الله عليه وسلم لقومه: {فإنهم عدو لي إلا
[الإكسير في علم التفسير: 252]
رب العالمين * الذي خلقني} إلى قوله: {يوم الدين}، ثم تخلص إلى دعائه بقوله: {رب هب لي حكمًا وألحقني بالصالحين} إلى قوله: {يوم يبعثون}، ثم تخلص إلى وعظهم وتحذيرهم شدة ذلك اليوم بقوله: {يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم}.
ثم إن القرآن مشتمل على أمر ونهي، وخبر، ووعد، ووعيد، وتراه يذكر بعض هذه الأنواع بعد بعض، ويخرج من بعضها إلى بعض وذلك إما بتخلص، أو اقتضاب، وأيًاما كان بطل قول الغانمي، وما أظنه كان حين قال هذا القول إلا نائمًا، والله أعلم). [الإكسير في علم التفسير: 253]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الثاني, النوع

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:03 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir