دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > مكتبة علوم الحديث الشريف > علوم الحديث الشريف > مقدمة ابن الصلاح

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21 جمادى الأولى 1431هـ/4-05-2010م, 05:25 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي النوع الثاني: الحسن


النّوع الثّاني معرفة الحسن من الحديث:
روّينا عن أبي سليمان الخطّابيّ - رحمه اللّه - أنّه قال بعد حكايته أنّ الحديث عند أهله ينقسم إلى الأقسام الثّلاثة الّتي قدّمنا ذكرها: " الحسن ما عرف مخرجه واشتهر رجاله". قال: " وعليه مدار أكثر الحديث، وهو الّذي يقبله أكثر العلماء، ويستعمله عامّة الفقهاء".
وروّينا عن أبي عيسى التّرمذيّ رضي اللّه عنه أنّه يريد بالحسن " أن لا يكون في إسناده من يتّهم بالكذب، ولا يكون حديثًا شاذًّا، ويروى من غير وجهٍ نحو ذلك".
وقال بعض المتأخّرين: " الحديث الّذي فيه ضعفٌ قريبٌ محتملٌ هو الحديث الحسن، ويصلح للعمل به".
قلت: كلّ هذا مستبهمٌ لا يشفي الغليل، وليس فيما ذكره التّرمذيّ والخطّابيّ ما يفصل الحسن من الصّحيح.
وقد أمعنت النّظر في ذلك والبحث، جامعًا بين أطراف كلامهم، ملاحظًا مواقع استعمالهم، فتنقّح لي واتّضح أنّ الحديث الحسن قسمان:
أحدهما: الحديث الّذي لا يخلو رجال إسناده من مستورٍ لم تتحقّق أهليّته، غير أنّه ليس مغفّلًا كثير الخطأ فيما يرويه، ولا هو متّهمٌ بالكذب في الحديث، أي لم يظهر منه تعمّد الكذب في الحديث ولا سببٌ آخر مفسّقٌ، ويكون متن الحديث مع ذلك قد عرف بأن روي مثله أو نحوه من وجهٍ آخر أو أكثر حتّى اعتضد بمتابعة من تابع راويه على مثله، أو بما له من شاهدٍ، وهو ورود حديثٍ آخر بنحوه، فيخرج بذلك عن أن يكون شاذًّا ومنكرًا، وكلام التّرمذيّ على هذا القسم يتنزّل.
القسم الثّاني: أن يكون راويه من المشهورين بالصّدق والأمانة، غير أنّه لم يبلغ درجة رجال الصّحيح، لكونه يقصر عنهم في الحفظ والإتقان، وهو مع ذلك يرتفع عن حال من يعدّ ما ينفرد به من حديثه منكرًا، ويعتبر في كلّ هذا - مع سلامة الحديث من أن يكون شاذًّا ومنكرًا - سلامته من أن يكون معلّلًا.
وعلى القسم الثّاني يتنزّل كلام الخطّابيّ.
فهذا الّذي ذكرناه جامعٌ لما تفرّق في كلام من بلغنا كلامه في ذلك، وكأنّ التّرمذيّ ذكر أحد نوعي الحسن، وذكر الخطّابيّ النّوع الآخر، مقتصرًا كلّ واحدٍ منهما على ما رأى أنّه يشكل، معرضًا عمّا رأى أنّه لا يشكل. أو أنّه غفل عن البعض وذهل، واللّه أعلم، هذا تأصيل ذلك.
ونوضّحه بتنبيهاتٍ وتفريعاتٍ
أحدها: الحسن يتقاصر عن الصّحيح في أنّ الصّحيح من شرطه: أن يكون جميع رواته قد ثبتت عدالتهم وضبطهم وإتقانهم، إمّا بالنّقل الصّريح، أو بطريق الاستفاضة، على ما سنبيّنه إن شاء اللّه تعالى، وذلك غير مشترطٍ في الحسن، فإنّه يكتفى فيه بما سبق ذكره من مجيء الحديث من وجوهٍ، وغير ذلك ممّا تقدّم شرحه.
وإذا استبعد ذلك من الفقهاء الشّافعيّة مستبعدٌ ذكرنا له نصّ الشّافعيّ رضي اللّه عنه في مراسيل التّابعين: أنّه يقبل منها المرسل الّذي جاء نحوه مسندًا، وكذلك لو وافقه مرسلٌ آخر، أرسله من أخذ العلم عن غير رجال التّابعيّ الأوّل في كلامٍ له ذكر فيه وجوهًا من الاستدلال على صحّة مخرج المرسل لمجيئه من وجهٍ آخر.
وذكرنا له أيضًا ما حكاه الإمام أبو المظفّر السّمعانيّ وغيره عن بعض أصحاب الشّافعيّ من أنّه تقبل رواية المستور، وإن لم تقبل شهادة المستور، ولذلك وجهٌ متّجهٌ، كيف وإنّا لم نكتف في الحديث الحسن بمجرّد رواية المستور على ما سبق آنفًا. واللّه أعلم.
الثّاني: لعلّ الباحث الفهم يقول: إنّا نجد أحاديث محكومًا بضعفها مع كونها قد رويت بأسانيد كثيرةٍ من وجوهٍ عديدةٍ مثل حديث: " الأذنان من الرّأس " ونحوه، فهلّا جعلتم ذلك وأمثاله من نوع الحسن، لأنّ بعض ذلك عضّد بعضًا، كما قلتم في نوع الحسن على ما سبق آنفًا.
وجواب ذلك أنّه ليس كلّ ضعفٍ في الحديث يزول بمجيئه من وجوهٍ، بل ذلك يتفاوت:
فمنه ضعفٌ يزيله ذلك بأن يكون ضعفه ناشئًا من ضعف حفظ راويه، مع كونه من أهل الصّدق والدّيانة. فإذا رأينا ما رواه قد جاء من وجهٍ آخر عرفنا أنّه ممّا قد حفظه، ولم يختلّ فيه ضبطه له. وكذلك إذا كان ضعفه من حيث الإرسال زال بنحو ذلك، كما في المرسل الّذي يرسله إمامٌ حافظٌ، إذ فيه ضعفٌ قليلٌ، يزول بروايته من وجهٍ آخر.
ومن ذلك ضعفٌ لا يزول بنحو ذلك، لقوّةٍ الضّعف وتقاعد هذا الجابر عن جبره ومقاومته. وذلك كالضّعف الّذي ينشأ من كون الرّاوي متّهمًا بالكذب، أو كون الحديث شاذًّا.
وهذه جملةٌ تفاصيلها تدرك بالمباشرة والبحث، فاعلم ذلك، فإنّه من النّفائس العزيزة. واللّه أعلم.
الثّالث: إذا كان راوي الحديث متأخّرًا عن درجة أهل الحفظ والإتقان، غير أنّه من المشهورين بالصّدق والسّتر، وروي مع ذلك حديثه من غير وجهٍ، فقد اجتمعت له القوّة من الجهتين، وذلك يرقّي حديثه من درجة الحسن إلى درجة الصّحيح.
مثاله: حديث محمّد بن عمرٍو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: " لولا أن أشقّ على أمّتي لأمرتهم بالسّواك عند كلّ صلاةٍ".
فمحمّد بن عمرو بن علقمة من المشهورين بالصّدق والصّيانة، لكنّه لم يكن من أهل الإتقان، حتّى ضعّفه بعضهم من جهة سوءٍ حفظه، ووثّقه بعضهم لصدقه وجلالته، فحديثه من هذه الجهة حسنٌ. فلمّا انضمّ إلى ذلك كونه روي من أوجهٍ أخر، زال بذلك ما كنّا نخشاه عليه من جهة سوء حفظه، وانجبر به ذلك النّقص اليسير، فصحّ هذا الإسناد والتحق بدرجة الصّحيح، واللّه أعلم.
الرّابع: كتاب أبي عيسى التّرمذيّ رحمه اللّه أصلٌ في معرفة الحديث الحسن وهو الذى نوّه باسمه، وأكثر من ذكره في جامعه.
ويوجد في متفرّقاتٍ من كلام بعض مشايخه والطّبقة الّتي قبله، كأحمد بن حنبلٍ، والبخاريّ، وغيرهما.
وتختلف النّسخ من كتاب التّرمذيّ في قوله: " هذا حديثٌ حسنٌ". أو: " هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ " ونحو ذلك. فينبغي أن تصحّح أصلك به بجماعة أصولٍ، وتعتمد على ما اتّفقت عليه.
ونصّ الدّارقطنيّ في سننه على كثيرٍ من ذلك.
ومن مظانّه سنن أبي داود السّجستانيّ رحمه اللّه تعالى. روّينا عنه أنّه قال: " ذكرت فيه الصّحيح وما يشبهه ويقاربه". وروّينا عنه أيضًا ما معناه: أنّه يذكر في كلّ بابٍ أصحّ ما عرفه في ذلك الباب. وقال: " ما كان في كتابي من حديثٍ فيه وهنٌ شديدٌ فقد بيّنته، وما لم أذكر فيه شيئًا فهو صالحٌ، وبعضها أصحّ من بعضٍ".
قلت: فعلى هذا ما وجدناه في كتابه مذكورًا مطلقًا، وليس في واحدٍ من الصّحيحين، ولا نصّ على صحّته أحدٌ ممّن يميّز بين الصّحيح والحسن، عرفناه بأنّه من الحسن عند أبي داود.
وقد يكون في ذلك ما ليس بحسنٍ عند غيره، ولا مندرجٍ فيما حقّقنا ضبط الحسن به على ما سبق، إذ حكى أبو عبد اللّه بن منده الحافظ أنّه سمع محمّد بن سعدٍ الباورديّ بمصر يقول: " كان من مذهب أبي عبد الرّحمن النّسائيّ أن يخرج عن كلّ من لم يجمع على تركه". وقال ابن منده: " وكذلك أبو داود السّجستانيّ يأخذ مأخذه، ويخرج الإسناد الضّعيف إذا لم يجد في الباب غيره ؛ لأنّه أقوى عنده من رأي الرّجال "، واللّه أعلم.
الخامس: ما صار إليه صاحب المصابيح رحمه اللّه من تقسيم أحاديثه إلى نوعين: الصّحاح والحسان، مريدًا بالصّحاح ما ورد في أحد الصّحيحين أو فيهما، وبالحسان ما أورده أبو داود والتّرمذيّ وأشباههما في تصانيفهم. فهذا اصطلاحٌ لا يعرف، وليس الحسن عند أهل الحديث عبارةً عن ذلك. وهذه الكتب تشتمل على حسنٍ وغير حسنٍ كما سبق بيانه، واللّه أعلم.
السّادس: كتب المسانيد غير ملتحقةٍ بالكتب الخمسة الّتي هي: الصّحيحان، وسنن أبي داود، وسنن النّسائيّ، وجامع التّرمذيّ، وما جرى مجراها في الاحتجاج بها والرّكون إلى ما يورد فيها مطلقًا، كمسند أبي داود الطّيالسيّ، ومسند عبيد اللّه بن موسى، ومسند أحمد بن حنبلٍ، ومسند إسحاق بن راهويه، ومسند عبد بن حميدٍ، ومسند الدّارميّ، ومسند أبي يعلى الموصليّ، ومسند الحسن بن سفيان، ومسند البزّار أبي بكرٍ، وأشباهها، فهذه عادتهم فيها أن يخرجوا في مسند كلّ صحابيٍّ ما رووه من حديثه، غير متقيّدين بأن يكون حديثًا محتجًّا به. فلهذا تأخّرت مرتبتها - وإن جلّت لجلالة مؤلّفيها - عن مرتبة الكتب الخمسة وما التحق بها من الكتب المصنّفة على الأبواب، واللّه أعلم.
السّابع: قولهم " هذا حديثٌ صحيح الإسناد، أو حسن الإسناد " دون قولهم: " هذا حديثٌ صحيحٌ أو حديثٌ حسنٌ " لأنّه قد يقال: " هذا حديثٌ صحيح الإسناد "، ولا يصحّ، لكونه شاذًّا أو معلّلًا.
غير أنّ المصنّف المعتمد منهم إذا اقتصر على قوله: إنّه صحيح الإسناد، ولم يذكر له علّةً، ولم يقدح فيه، فالظّاهر منه الحكم له بأنّه صحيحٌ في نفسه ؛ لأنّ عدم العلّة والقادح هو الأصل والظّاهر، واللّه أعلم.
الثّامن: في قول التّرمذيّ وغيره: " هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ " إشكالٌ، لأنّ الحسن قاصرٌ عن الصّحيح، كما سبق إيضاحه، ففي الجمع بينهما في حديثٍ واحدٍ جمعٌ بين نفي ذلك القصور وإثباته.
وجوابه: أنّ ذلك راجعٌ إلى الإسناد، فإذا روي الحديث الواحد بإسنادين: أحدهما إسنادٌ حسنٌ، والآخر إسنادٌ صحيحٌ استقام أن يقال فيه: إنّه حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، أي إنّه حسنٌ بالنّسبة إلى إسنادٍ، صحيحٍ بالنّسبة إلى إسنادٍ آخر.
على أنّه غير مستنكرٍ أن يكون بعض من قال ذلك أراد بالحسن معناه اللّغويّ، وهو: ما تميل إليه النّفس ولا يأباه القلب، دون المعنى الاصطلاحيّ الّذي نحن بصدده، فاعلم ذلك، واللّه أعلم.
التّاسع: من أهل الحديث من لا يفرد نوع الحسن، ويجعله مندرجًا في أنواع الصّحيح، لاندراجه في أنواع ما يحتجّ به، وهو الظّاهر من كلام الحاكم أبي عبد اللّه الحافظ في تصرّفاته، وإليه يومي في تسميته كتاب التّرمذيّ بالجامع الصّحيح، وأطلق الخطيب أبو بكرٍ أيضًا عليه اسم الصّحيح، وعلى كتاب النّسائيّ. وذكر الحافظ أبو الطّاهر السّلفيّ الكتب الخمسة، وقال: " اتّفق على صحّتها علماء الشّرق والغرب".
وهذا تساهلٌ ؛ لأنّ فيها ما صرّحوا بكونه ضعيفًا أو منكرًا أو نحو ذلك من أوصاف الضّعيف. وصرّح أبو داود فيما قدّمنا روايته عنه بانقسام ما في كتابه إلى صحيحٍ وغيره، والتّرمذيّ مصرّحٌ فيما في كتابه بالتّمييز بين الصّحيح والحسن.
ثمّ إنّ من سمّى الحسن صحيحًا لا ينكر أنّه دون الصّحيح المقدّم المبيّن أوّلًا، فهذا إذًا اختلافٌ في العبارة دون المعنى، واللّه أعلم.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الثاني, النوع

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:20 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir