دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > ألفية العراقي

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 07:53 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي مراتب التعديل

مَراتِبُ التعديلِ

والْجَرْحُ والتعديلُ قد هَذَّبَهُ = ابنُ أبي حاتِمٍ اذْ رَتَّبَهُ
والشيخُ زادَ فيهما وزِدْتُ = ما في كلامِ أهلِه وَجَدْتُ
فأَرْفَعُ التعديلِ ما كَرَّرْتَهُ = كثِقَةٍ ثَبْتٍ ولو أَعَدْتَهُ
ثم يَلِيهِ ثِقَةٌ أو ثَبْتٌ اوْ = مُتْقِنٌ او حُجَّةٌ او إذا عَزَوْا
(330) الْحِفْظَ أو ضَبْطاً لعَدْلٍ وَيَلِي = ليس به بَأْسٌ صَدوقٌ وَصِلِ
بذاك مأموناً خِياراً وتَلاَ = مَحَلُّهُ الصدْقُ رَوَوْا عنه إِلَى
الصدْقِ ما هو وكذا شيخٌ وَسَطْ = أو وَسَطٌ فحَسْبُ أو شيخٌ فَقَطْ
وصالِحُ الحديثِ أو مُقَارِبُهْ = جَيِّدُهُ حَسَنُهُ مُقَارِبُهْ
صُوَيْلِحٌ صَدوقٌ انْ شاءَ اللهْ = أَرْجُو بأَنْ ليس به بَأْسٌ عَرَاهْ
(335) وابنُ مَعِينٍ قالَ مَن أقولُ لاَ = بَأْسَ به فثِقَةٌ ونُقِلاَ
أنَّ ابنَ مَهْدِيٍّ أجابَ مَن سَأَلْ = أثِقَةً كان أبو خَلْدَةَ بَلْ
كانَ صَدُوقاً خَيِّراً مَأمونَا = الثِّقَةُ الثَّوْرِيُّ لو تَعُونَا
ورُبَّما وَصَفَ ذا الصدْقِ وُسِمْ = ضَعْفاً بصالِحِ الحديثِ إذْ يَسِمْ


  #2  
قديم 6 ذو الحجة 1429هـ/4-12-2008م, 02:12 PM
مسلمة 12 مسلمة 12 غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,159
افتراضي شرح الناظم

مَراتِبُ التعديلِ
(326) والْجَرُح والتعديلُ قد هَذَّبَهُ ابنُ أبي حاتِمٍ اذ رَتَّبَهُ
(327)والشيخُ زادَ فيهما وزِدْتُ ما في كلامِ أهلِه وَجَدْتُ
هذه التَّرجمةُ مَعقودةٌ لبَيانِ ألفاظِهم في الجرحِ والتعديلِ التي يَدُلُّ تَغَايُرُها على تَبَايُنِ أحوالِ الرُّواةِ في القُوَّةِ، وقد رَتَّبَ ابنُ أبي حاتِمٍ في مُقَدِّمَةِ كتابِه (الْجَرْحِ والتعديلِ) طَبقاتِ ألفاظِهم فيهما فأجادَ وأَحْسَنَ، وقد أَوْرَدَها ابنُ الصلاحِ وزادَ فيهما ألفاظاً أخَذَها مِن كلامِ غيرِه، وقد زِدْتُ عليهما ألفاظاً مِن كلامِ أهْلِ هذا الشأنِ غيرَ مُتَمَيِّزَةٍ بقُلتُ، ولكنِّي أُوَضِّحُ ما زِدْتُ عليهما هنا إنْ شاءَ اللهُ تعالى.
(328) فأَرْفَعُ التعديلِ ما كَرَّرْتَهُ كثِقَةٍ ثَبْتٍ ولو أَعَدْتَهُ
(329)ثم يَلِيهِ ثِقَةٌ أو ثَبْتٌ اوْ مُتْقِنٌ او حُجَّةٌ او إذا عَزَوْا
(330) الْحِفْظَ أو ضَبْطاً لعَدْلٍ وَيَلِي ليس به بَأْسٌ صَدوقٌ وَصِلِ
(331)بذاك مأموناً خِياراً وتَلاَ مَحَلُّهُ الصدْقُ رَوَوْا عنه إِلَى
(332)الصدْقِ ما هو كذا شيخٌ وَسَطْ أو وَسَطٌ فحَسْبُ أو شيخٌ فَقَطْ
(333)وصالِحُ الحديثِ أو مُقَارِبُهْ جَيِّدُهُ حَسَنُهُ مُقَارَبُهْ
(334)صُوَيْلِحٌ صَدوقٌ انْ شاءَ اللهُ أَرْجُو بأَنْ ليس به بَأْسٌ عَرَاهُ
مَراتِبُ التعديلِ على أرْبَعٍ أو خَمْسِ طَبقاتٍ.
(فالْمَرتبةُ الأُولَى) العليا مِن ألفاظِ التعديلِ، ولم يَذْكُرْها ابنُ أبي حاتمٍ ولا ابنُ الصلاحِ فيما زَادَه عليه.
وهي إذا كَرَّرَ لفْظَ التوثيقِ المذكورِ في هذه الْمَرتبةِ الأُولَى إمَّا مع تبايُنِ اللفظينِ كقولِهم: ثَبْتٌ حُجَّةٌ أو ثَبْتٌ حافظٌ أو ثِقَةٌ ثَبْتٌ أو ثِقَةٌ مُتْقِنٌ أو نحوِ ذلك. وإمَّا مع إعادةِ اللفْظِ الأوَّلِ كقولِهم: ثِقَةٌ ثِقةٌ. ونحوُها.
وهذا المرادُ بقولِي (ولو أَعَدْتَهُ) أيْ: ولو أعَدْتَ اللفظَ الأَوَّلَ بعينِه. فهذه الْمَرتبةُ أعلى العباراتِ في الرُّواةِ الْمَقبولينَ كما قالَه الحافِظُ أبو عبدِ اللهِ الذهبيُّ في مُقَدِّمَةِ كتابِه (مِيزانِ الاعتدالِ).
وقولِي: (كَثِقَةٍ ثَبْتٍ) أُشيرُ بالمثالِ إلى أنَّ المرادَ تَكرارُ ألفاظِ الْمَرتَبَةِ الأُولَى لا مُطْلَقَ تَكرارِ التوثيقِ.
الْمَرتبةُ الثانيةُ هي التي جَعَلَها ابنُ أبي حاتمٍ وتَبِعَه ابنُ الصلاحِ المرتبة الأولى.
قالَ ابنُ أبي حاتمٍ: وَجَدْتُ الألفاظَ في الْجَرحِ والتعديلِ على مَراتبَ شَتَّى. فإذا قيلَ للواحِدِ إنه ثِقةٌ أو متْقِنٌ فهو ممن يُحْتَجُّ بحديثِه.
قالَ ابنُ الصَّلاحِ: وكذا إذا قيلَ ثَبْتٌ أو حُجَّةٌ، وكذا إذا قيلَ في العدْلِ إنه حافظٌ أو ضابطٌ.
قالَ الخطيبُ: أَرْفَعُ العباراتِ أنْ يُقالَ حُجَّةٌ أو ثِقةٌ.
(الْمَرتبةُ الثالثةُ) قولُهم ليس به بأسٌ أو لا بأسَ به أو صَدوقٌ أو مأمونٌ أو خِيارٌ.
وجَعَلَ ابنُ أبي حاتمٍ وابنُ الصلاحِ هذه الْمَرتبةَ الثانيةَ واقْتَصَرَا فيها على قولِهم: صدوقٌ أو لا بأسَ به وأَدْخَلا فيها قولَهم مَحَلُّهُ الصدْقُ.
وقالَ ابن أبي حاتمٍ: إنَّ مَن قيلَ فيه ذلك فهو مِمَّنْ يُكْتَبُ حديثُه ويُنْظَرُ فيه، وأخَّرْتُ هذه اللَّفْظَةَ إلى الْمَرتبةِ التي تَلِي هذه تَبَعاً لصاحِبِ الْمِيزانِ.
(الْمَرتبةُ الرابعةُ) قولُهم: مَحَلُّه الصدْقُ أو رَوَوْا عنه، أو إلى الصدْقِ ما هو، أو شيخٌ وسَطٌ أو وسَطٌ، أو شيخٌ أو صالحُ الحديثِ أو مقارَبُ الحديثِ، بفَتْحِ الراءِ وكسْرِها كما حكاه القاضي أبو بكرِ بنُ العربيِّ في (شرْحِ التِّرمذيِّ)، فلهذا كَرَّرْتُ هذه اللَّفْظَةَ في وسَطِ البيتِ وآخِرِه، أو جيِّدُ الحديثِ، أو حسَنُ الحديثِ أو صُوَيْلِحٌ أو صَدوقٌ إنْ شاءَ اللهُ، أو أرجو أنه ليس به بأسٌ.
واقْتَصَرَ ابن أبي حاتمٍ في الْمَرتبةِ الثالثةِ مِن كلامِه على قولِهم: شيخٌ. وقالَ: هو بالمنزلةِ التي قَبْلَها يُكْتَبُ حديثُه ويُنظرُ فيه إلاَّ أنه دُونَها، واقتَصَرَ في الْمَرتبةِ الرابعةِ على قولِهم: صالِحُ الحديثِ. وقالَ: إنَّ مَن قيلَ فيه ذلك يُكْتَبُ حديثُه للاعتبارِ. ثم ذكَرَ ابنُ الصلاحِ مِن ألفاظِهم على غيرِ ترتيبٍ قولَهم: فلانٌ روى عنه الناسُ ، فلانٌ وَسَطٌ، فلانٌ مقارَبُ الحديثِ، فلانٌ ما أعْلَمُ به بأساً. قالَ: وهو دُونَ قولِهم: لا بَأْسَ به.

وأمَّا تمييزُ الألفاظِ التي زِدْتُها على كتابِ ابنِ الصلاحِِ فهي الْمَرتبةُ الأُولَى بكمالِها، وفي الْمَرتبةِ الثالثةِ قولُهم: مأمونٌ خِيارٌ. وفي الْمَرتبةِ الرابعةِ قولُهم: فُلانٌ إلى الصدْقِ ما هو وشيخٌ وسَطٌ وشيخٌ وجَيِّدُ الحديثِ وحسَنُ الحديثِ وصالِحُ الحديثِ وصُوَيْلِحٌ وصَدوقٌ إنْ شاءَ اللهُ وأرْجُو أنه لا بأسَ به. وهي نَظيرُ ما أَعْلَمُ به بأساً أو الأُولَى أرْفَعُ لأنه لا يَلزمُ مِن عَدَمِ العلْمِ حُصولُ الرجاءِ بذلك.
(335) وابنُ مَعِينٍ قالَ مَن أقولُ لاَ بَأْسَ به فثِقَةٌ ونُقِلاَ
(336)أنَّ ابنَ مَهْدِيٍّ أجابَ مَن سَأَلْ أثِقَةٌ كان أبو خَلْدَةَ بَلْ
(337)كانَ صَدُوقاً خَيِّراً مَأمونَا الثِّقَةُ الثَّوْرِيُّ لو تَعُونَا
(338)ورُبَّما وَصَفَ ذا الصدْقِ وُسِمْ ضَعْفاً بصالِحِ الحديثِ إذْ يَسِمْ
لَمَّا تَقَدَّمَ أنَّ لألفاظِ التعديلِ مَراتبَ، وأنَّ قولَهم: ثِقةٌ. أرْفَعُ مِن: ليسَ به بأسٌ. ذَكَرَ بعدَه أنَّ كلامَ ابنِ مَعينٍ يَقتضِي التسويةَ بينَهما، فإنَّ أَبِي خَيثمَةَ قالَ: قلتُ ليحيى بنِ مَعينٍ: إنك تقولُ: فُلانٌ ليس به بَأْسٌ، وفلانٌ ضعيفٌ؟ قالَ: إذا قُلْتُ لك: ليس به بأسٌ فهو ثِقةٌ، وإذا قلتُ لك: هو ضعيفٌ فليس هو بثِقةٍ لا تَكتُبْ حديثَه. قالَ ابنُ الصَّلاحِ: ليس في هذا حكايةُ ذلك عن غيرِه مِن أهْلِ الحديثِ فإنه نَسَبَه إلى نفْسِه خاصَّةً بخِلافِ ما ذَكَرَه ابنُ أبي حاتمٍ.
قلتُ: ولم يَقُلِ ابنُ مَعينٍ: إنَّ قولِي ليس به بأسٌ كقولِي ثِقةٌ حتى يَلزمَ منه التساوي بينَ اللفظينِ، إنما قالَ: إنَّ مَن قالَ فيه هذا فهو ثِقةٌ وللثقَةِ مَراتبُ، فالتعبيرُ عنه بقولِهم: ثِقةٌ. أرْفَعُ مِن التعبيرِ عنه بأنه لا بأسَ به، وإنِ اشْتَرَكَا في مُطْلَقِ الثِّقةِ واللهُ أَعْلَمُ.
وفي كلامِ دُحيمٍ ما يُوافِقُ كلامَ ابنِ مَعينٍ، فإنَّ أبا زُرعةَ الدِّمَشْقِيَّ قالَ: قلتُ لعبدِ الرحمنِ بنِ إبراهيمَ: ما تقولُ في عليِّ بنِ حَوْشَبٍ الفَزَارِيِّ؟ قالَ: لا بأسَ به. قالَ: قلتُ ولِمَ لا تقولُ: ثِقةٌ ولا نَعلَمُ إلاَّ خيراً؟ قالَ: قد قُلتُ لك إنه ثِقةٌ.
ويَدُلُّ على أنَّ التعبيرَ بالثِّقةِ أرْفَعُ، أنَّ عبدَ الرحمنِ بنَ مَهْدِيٍّ قالَ: حَدَّثَنا أبو خَلْدَةَ. فقيلَ له: أكانَ ثِقَةً؟ فقالَ: كان صَدوقاً وكان مَأموناً وكانَ خَيِّراً. وفي روايةٍ: وكان خِيَاراً - الثِّقَةُ شُعبةُ وسفيانُ. فانظُرْ كيف وصَفَ أبا خَلدةَ بما يَقتضِي القَبولَ ثم ذَكَرَ أنَّ هذا اللفْظَ يُقالُ لِمِثْلِ شُعبةَ وسفيانَ، ونحوُه ما حكاه الْمَروزِيُّ قالَ: سألتُ أبا عبدِ اللهِ ـ يَعنِي أحمدَ بنَ حَنبلٍ: عبدُ الوَهَّابِ بنُ عَطاءٍ ثِقَةٌ؟ قالَ: تَدرِي ما الثِّقَةُ، إنما الثِّقَةُ يَحيى بنُ سعيدٍ القَطَّانُ.
وقولِي: (لو تَعُونَا) تَكْمِلَةٌ للوزْنِ أيْ لو تَحفظونَ مَراتِبَ الرُّواةِ، وكانَ ابنُ مَهْدِيٍّ أيضاً فيما ذَكَرَ أحمدُ بنُ سَنانَ رُبَّمَا جَرَى ذِكْرُ حديثِ الرجُلِ فيه ضَعْفٌ وهو رَجُلٌ صَدوقٌ فيقولُ: رجُلٌ صالِحُ الحديثِ واللهُ أعْلَمُ.

  #3  
قديم 23 ذو الحجة 1429هـ/21-12-2008م, 11:39 AM
مسلمة 12 مسلمة 12 غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,159
افتراضي فتح الباقي لأبي زكريا الأنصاري

مَراتِبُ التعديلِ
(مَراتِبُ) ألفاظِ (التعديلِ) وهي أربعةٌ، بل خَمسةٌ أو سِتَّةٌ.
والْجَرْحُ والتعديلُ قد هَذَّبَهُ ابنُ أبي حاتِمِ إذ رَتَّبَهُ
والشيخُ زادَ فيهما وزِدْتُ ما في كلامِ أهلِه وَجَدْتُ
فأَرْفَعُ التعديلِ ما كَرَّرْتَهُ كثِقَةٍ ثَبْتٍ ولو أَعَدْتَهُ
ثم يَلِيهِ ثِقَةٌ أوْ ثَبْتٌ اوْ مُتْقِنٌ او حُجَّةٌ او إذا عَزَوْا
الْحِفْظُ أو ضَبْطاً لعَدْلٍ وَيَلِي ليس به بَأْسٌ صَدوقٌ وَصِلِ
بذاك مأموناً خِياراً وتَلاَ مَحَلُّهُ الصدْقُ رَوَوْا عنه إِلَى
الصدْقِ ما هو كذا شيخٌ وَسَطْ أو وَسَطٌ فحَسْبُ أو شيخٌ فَقَطْ
وصالِحُ الحديثِ أو مُقَارِبُهْ جَيِّدُهُ حَسَنُهُ مُقَارَبُهْ
صُوَيْلِحٌ صَدوقٌ انْ شاءَ اللهُ أَرْجُو بأَنْ ليس به بَأْسٌ عَرَاهُ
(والجَرْحُ والتعديلُ) المنْقَسِمانِ إجمالاً إلى أَعْلَى، وأَدْنَى، ووسَطٍ، (قدْ هَذَّبَهُ) أيْ: نَقَّى كُلاًّ منهما، أيْ: نَقَّى اللفْظَ الصادِرَ مِن الْمُحَدِّثِينَ فيهما الإمامُ أبو محمَّدٍ عبدُ الرحمنِ (ابنُ أبي حاتمِ) بغيرِ تنوينٍ للوزْنِ، وبه مع دَرْجِ الهمزةِ، (اذ رَتَّبَه) في مُقَدِّمَةِ كتابِه (الْجَرْحِ والتعديلِ) فأجادَ وأَحْسَنَ.
(والشيخُ) ابنُ الصلاحِ (زادَ) عليه (فِيهمَا) أَلفاظًا مِن كلامِ غيرِه مِن الأئمَّةِ، (وَزِدْتُ) أنا عليهما (ما في كلامِ) أئمَّةِ (أهْلِه) أي: الحديثِ، (وَجَدْتُ) مِن الألفاظِ في ذلك.
(فأَرْفَعُ) مَراتِبِ (التعديلِ) ما أتى - كما قالَ شيخُنا - بصِيغةِ (أَفْعَلَ) كأوثَقِ الناسِ، أو أَثْبَتِ الناسِ، وكذا إليه المنتهَى في التَّثَبُّتِ.
ثم يَلِيهِ ما هو الْمَرتبةُ الأُولَى عندَ الذهبيِّ وتَبِعَه الناظمُ (ما كَرَّرْتَهُ) أنتَ مِن ألفاظِ الْمَرْتَبَةِ الثانيةِ عندَه، سواءٌ اختَلَفَتِ الألفاظُ (كثِقَةٍ ثَبْتٍ) أو: ثَبْتٍ حُجَّةٍ أمْ لا، كما ذَكَرَه بقولِه:
(ولو أَعَدْتَهُ) أي: اللفظَ الواحدَ، كثِقةٍ ثِقةٍ، أو ثَبْتٍ ثَبْتٍ.
فإنْ زادَ على مَرَّتينِ أو أكثرَ كان أَعْلَى منها.
والثبْتُ بالإسكانِ، الثابتُ، وبالفتْحِ الثَّباتُ والحجَّةُ، وما يُثْبِتُ فيه المحدِّثُ سماعَه مع أسماءِ المشارِكينَ له فيه.
(ثم يَلِيهِ) ما هو الْمَرتبةُ الأُولَى عندَ ابنِ أبي حاتمٍ وابنِ الصلاحِ، والثانيةُ عندَ الناظمِ، والثالثةُ عندَ شيخِنا: (ثِقَةٌ أوْ ثَبْتٌ أوْ) فُلانٌ (مُتْقِنٌ او حُجَّةٌ او إذا عَزَوْا) بدرْجِ همزةِ (او) في الثلاثةِ الأخيرةِ، أيْ: أو نَسَبَ الأئمَّةُ (الحفْظَ أو ضَبْطًا لعدْلٍ) كأنْ يُقالَ فيه: حافِظٌ، أو ضابِطٌ.
فمُجَرَّدُ الوصْفِ بكُلٍّ منهما غيرُ كافٍ في التوثيقِ، بل بينَهما وبينَ العدْلِ عمومٌ وخُصوصٌ مِن وجهٍ؛ لأنهما يُوجدانِ بدونِه ويُوجَدُ بدونِهما، ويوجَدُ الثلاثةُ.
فعُلِمَ أنَّ الوصْفَ بكلٍّ منهما مع العدْلِ كافٍ، وأنه يَلِي مَرتبةَ التكريرِ عندَ الناظِمِ كالذهبيِّ، لكنْ جَعَلَه شيخُنا منها.
(ويَلِي) هذه المرتبةَ رابعةٌ عندَ شيخِنا وهي قولُهم: (ليس به بأسٌ)، أو لا بأْسَ به، أو (صَدوقٌ، وَصِلِ) بكسْرِ اللامِ - مما لم يَذْكُرْه ابنُ الصلاحِ (بذاكَ) أيْ: بما ذَكَرَ في الْمَرتبةِ الرابعةِ (مأمونًا) أو (خِيَارًا).
كأنْ يُقالَ: هو مأمونٌ، أو خِيارُ الناسِ.
(وتلا) هذه الْمَرتبةَ خامسةٌ في غيرِ صالحِ الحديثِ وهي: (مَحَلُّهُ الصدْقُ) وِفاقًا للذهبيِّ، خِلافًا لابنِ أبي حاتمٍ وابنِ الصلاحِ في إدراجِهما لها في الرابعةِ التي هي ثانيةٌ عندَهما.
أو (رَوَوْا عنه)، أو يُرْوَى عنه، أو (إلى الصدْقِ ما هو) أيْ: هو قريبٌ منه.
فحَرْفُ الجرِّ مُتعلِّقٌ بقريبٍ الْمُقَدَّرِ، و(ما) زائدةٌ.
(وكذا شيخٌ وسَطْ، أو وَسَطٌ فحَسْبُ) أيْ: بدونِ شيخٍ، (أو شيخٌ فقَطْ) أيْ: بدونِ وَسَطٍ.
ولم يَذْكُرْ ابنُ أبي حاتمٍ وابنُ الصلاحِ في هذه الْمَرتبةِ التي هي عندَهما الثالثةُ غيرَ الأخيرةِ.
(و) كذا (صالحُ الحديثِ) وهذه عندَهما الرابعةُ، وعندَ الناظمِ في (شَرْحِه) بتَرَدُّدٍ الخامسةُ، وعندَ شيخِنا السادسةُ.
ومِن الْمَرتبةِ الخامسةِ قولُهم: يُعْتَبَرُ به. أيْ: في المتابِعاتِ والشواهِدِ، أو يُكْتَبُ حديثُه. (أو مُقَارِبُهُ) أي الحديثِ، وهو بكسْرِ الراءِ مِن القرْبِ ضِدِّ البُعْدِ، أيْ: حديثُه يُقارِبُ حديثَ غيرِه، أو (جَيِّدُه)، أو (حَسَنُه)، أو (مُقارَبُهُ) بفتْحِ الراءِ - أيْ: حديثُه يُقارِبُه حديثُ غيرِه، فهو بالكسْرِ والفتْحِ بمعنى أنَّ حديثَه ليس بشاذٍّ ولا مُنْكَرٍ.
أو (صُوَيْلِحٌ)،أو (صَدوقٌ انْ شاءَ اللهُ) بدَرْجِ الهمزةِ، أو (أَرْجُو بأنْ) أيْ: أنْ (ليس به بأسٌ عَرَاهُ) أيْ: غَشِيَهُ.
وخالَفَ الذهبيُّ في هذه الْمَرتبةِ فجَعَلَ مَحَلَّهُ الصدْقَ، وصالحَ الحديثِ، وحَسَنَه، وصَدوقًا إنْ شاءَ اللهُ، مَرتبةً. وروى الناسُ عنه، وشيخًا، وصُوَيْلِحًا، ومُقارِبًا، مع ما به بأسٌ، ويُكْتَبُ حديثُه، وما عَلِمْتُ فيه جَرْحًا، أُخْرَى.
وصَرَّحَ ابنُ الصلاحِ بأنَّ قولَهم: (ما أَعْلَمُ به بأسًا) دونَ (لا بأسَ به)، والناظمُ بأنَّ (أَرْجُو أنْ لا بأسَ به) نظيرُ (ما أعْلَمُ به بأسًا)، أو أَرْفَعُ منها، إذ لا يَلْزَمُ مِن عَدَمِ العلْمِ بالشيءِ حصولُ الرجَاءِ به.
والحكْمُ في أهْلِ هذه الْمَراتِبِ الاحتجاجُ بهم في الثلاثةِ الأُولَى بخلافِهم في الباقِي؛ لأنَّ ألفاظَهم فيه تُشْعِرُ بشَريطةِ الضبْطِ، بل يُضْبَطُ حديثُهم للاعتبارِ وللاختبارِ هل له أصْلٌ مِن رِوايةِ غيرٍ؟
نعمْ حديثُ بعضِ أهلِ الخامسةِ لكونِها دونَ الرابعةِ قد لا يُكتَبُ للاختبارِ.
وفي قولِه: (شاءَ اللهُ)، و (بأسٌ عَراهُ) إذالةٌ، وهي زِيادةُ ساكِنٍ آخِرًا بعدَ وَتَدٍ مجموعٍ، مع أنَّ في الأُولَى القطْعَ أيضًا، وهو حَذْفُ ساكِنِ الوتَدِ المجموعِ وتَسكينُ ما قبلَه.
والإذالةُ جائزةٌ في مَجْزُوءِ البسيطِ والكاملِ، وكأنَّ الناظمَ ارتكبَها في الرَّجَزِ تَشبيهًا له بهما للضرورةِ.
وابنُ مَعِينٍ قالَ مَن أقولُ لاَ بَأْسَ به فثِقَةٌ ونُقِلاَ
أنَّ ابنَ مَهْدِيٍّ أجابَ مَن سَأَلْ أثِقَةٌ كان أبو خَلْدَةَ بَلْ
كانَ صَدُوقاً خَيِّراً مَأمونَا الثِّقَةُ الثَّوْرِيُّ لو تَعُونَا
ورُبَّما وَصَفَ ذا الصدْقِ وُسِمْ ضَعْفاً بصالِحِ الحديثِ إذْ يَسِمْ
ثم ما مَرَّ مِن أنَّ الوَصْفَ بثِقَةٍ أَرْفَعُ منه بـ (ليس به بأسٌ)، قد يُقالُ: يُنافِيهِ ما ذَكَرَه بقولِه:
(و) الإمامُ يحيى (ابنُ مَعينٍ) بفَتْحِ الميمِ - سَوَّى بينَهما إذ قيلَ له: (إنك تقولُ: فلانٌ ليس به بأسٌ، وفلانٌ ضَعيفٌ).
(قالَ: مَن أقولُ) فيه: (لا بَأْسَ به فثِقَةٌ)، (ومَن أقولُ فيه: ضعيفٌ، فليس بثِقةٍ ولا يُكْتَبُ حديثُه).
ونحوَه قولُ دُحيمٍ عبدِ الرحمنِ بنِ إبراهيمَ، فإنَّ أبا زُرعةَ الدِّمَشْقِيَّ قالَ: (قلتُ له: ما تقولُ في عَلِيِّ بنِ حَوْشَبٍ الفَزَارِيِّ؟ قالَ: لا بأسَ به. قالَ: فقُلتُ: ولِمَ لا تقولُ: ثِقَةٌ ولا تَعْلَمُ إلا خيرًا؟ قالَ: قد قلتُ لك: إنه ثِقَةٌ).
وأجابَ ابنُ الصلاحِ بأنَّ ابنَ مَعينٍ إنما نَسَبَ ذلك لنفْسِه بخِلافِ ما مَرَّ. وهذا قد يُشْكِلُ بجوابِ دُحيمٍ.
وأجابَ الناظمُ بما حاصِلُه أنَّ ابنَ مَعينٍ لم يُصَرِّحْ بالتسويةِ بينَهما، بل أَشْرَكَها في مُطْلَقِ الثِّقَةِ، فلا يُنافِي ما مَرَّ.
(ونُقِلاَ) ببنائِه للمفعولِ - مما يُؤَيِّدُ أرْفَعِيَّةَ الوصْفِ بالثقةِ، (أنَّ) عبدَ الرحمنِ (ابنَ مَهْدِيٍّ) لَمَّا روى عن أبي خَلْدَةَ خالدِ بنِ دِينارٍ التميميِّ التابِعِيِّ (أجابَ مَن سألَ) منه وهو عمرُو بنُ عليٍّ الفَلاَّسُ: (أثِقَةً كانَ أبو خَلْدَةَ) بقولِه: (بل كانَ صَدُوقًا). وكانَ (خَيِّرَا) ورُوِي: خِيَارًا، وكانَ (مَأمونًا الثقَةُ) شُعبةُ وسُفيانُ (الثَّوْرِيُّ لو) كُنتمْ (تَعُونَا) أيْ: تَفهمونَ مَراتِبَ الرُّواةِ ومَواقِعَ ألفاظِهم، ما سَأَلْتُمْ عن ذلك.
فصَرَّحَ بأَرْفَعِيَّةِ (ثِقَةٌ) على كُلٍّ مِن صَدوقٍ، وخَيِّرٍ، ومأمونٍ، الذي كلٌّ منهما في مَرتبةِ (ليس به بأسٌ).
وقولُه: (لو تَعُونَا) تَكْمِلَةٌ.
(وربما وَصَفَ) ابنُ مَهديٍّ أيضًا (ذا الصدْقِ) أي: الصدوقَ الذي (وُسِمْ ضَعْفًا) أي: الموسومَ بالضعْفِ لسوءِ حفْظِه وغَلَطِه ونحوِهما، (بصالِحِ الحديثِ) المنحَطَّ عن مَرتبةِ (ليس به بأسٌ)، (إذ يَسِمْ) بفتْحِ التحتيَّةِ، أيْ: حينَ يُعَلِّمُ على الرُّواةِ بما تَتميَّزُ به مَراتبُهم مِن لَفْظٍ أو كِتابةٍ.

  #4  
قديم 26 ذو الحجة 1429هـ/24-12-2008م, 05:52 PM
مسلمة 12 مسلمة 12 غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,159
افتراضي فتح المغيث شرح ألفية الحديث للسخاوي

مَراتِبُ التَّعْدِيلِ
والْجَرْحُ والتعديلُ قد هَذَّبَهُ ابنُ أَبِي حاتِمٍ اذْ رَتَّبَهُ
والشيخُ زادَ فيهِما وزِدْتُ ما في كلامِ أهلِهِ وَجَدْتُ
فأَرْفَعُ التعديلِ ما كَرَّرْتَهُ كثِقَةٍ ثَبْتٍ وَلَوْ أَعَدْتَهُ
ثمَّ يَلِيهِ ثِقَةٌ أوْ ثَبْتٌ اوْ مُتْقِنٌ اوْ حُجَّةٌ اوِ اذَا عَزَوْا
الْحِفْظَ أوْ ضَبْطاً لِعَدْلٍ وَيَلِي ليسَ بهِ بَأْسٌ صَدوقٌ وَصِلِ
بذاكَ مَأْمُوناً خِياراً وتَلا مَحَلُّهُ الصِّدْقُ رَوَوْا عنهُ إِلَى
الصِّدْقِ ما هُوَ وكَذَا شيخٌ وَسَطْ أوْ وَسَطٌ فَحَسْبُ أو شيخٌ فَقَطْ
وصالِحُ الحديثِ أوْ مُقَارِبُهْ جَيِّدُهُ حَسَنُهُ مُقَارَبُهْ
صُوَيْلِحٌ صَدوقٌ انْ شاءَ اللَّهْ أَرْجُو بأَنْ ليسَ بهِ بَأْسٌ عَرَاهْ
وابنُ مَعِينٍ قالَ مَنْ أَقُولُ لا بَأْسَ به فَثِقَةٌ وَنُقِلا
أنَّ ابنَ مَهْدِيٍّ أجابَ مَن سَأَلْ أثِقَةً كانَ أَبُو خَلْدَةَ بَلْ
كانَ صَدُوقاً خَيِّراً مَأْمُونَا الثِّقَةُ الثَّوْرِيُّ لَوْ تَعُونَا
ورُبَّما وَصَفَ ذَا الصِّدْقِ وُسِمْ ضَعْفاً بصالِحِ الحديثِ إذْ يَسِمْ
وهيَ سِتٌّ، وقُدِّمَتْ لِشَرَفِها ولِمُوَازَاةِ البابِ قَبْلَها، التي هيَ وما بعدَها مِنْ تَتِمَّاتِهِ، ولِذَا أَرْدَفَهُ بها.
(والجَرْحُ والتعديلُ) الْمُنْقَسِمَانِ إلى أَعْلَى وأَدْنَى وبَيْنَ ذلكَ، حَسْبَمَا دَلَّ عليهِ تَنْوِيعُهم للألفاظِ الْمُصْطَلَحِ علَيْها لَهُمَا اختصاراً، معَ شُمُولِ القَبولِ والرَّدِّ لها، (قدْ هَذَّبَهُ) بالْمُعْجَمَةِ؛ أيْ: هَذَّبَ كُلاًّ مِنْهُما، حَيْثُ نَقَّى اللَّفْظَ الصادرَ منهم فِيهِما، (ابنُ أبي حاتمِ) بغيرِ تنوينٍ للوزْنِ وَبِهِ، معَ تَرْكِ هَمْزَةِ ما بَعْدَهُ، هوَ الإمامُ أبو محمَّدٍ عبدُ الرحمنِ ابنُ الإمامِ أَبِي حاتمٍ مُحَمَّدِ بنِ إدريسَ الرازيِّ؛ (إذْ رَتَّبَهُ) في مُقَدِّمَةِ كتابِهِ (الجْرَحِ والتعديلِ) فأَجادَ وأَحسَنَ، كما قالَ ابنُ الصلاحِ.
(والشَّيْخُ) ابنُ الصلاحِ (زَادَ) عليهِ (فِيهِمَا) ألفاظاً أَخَذَها مِنْ كلامِ غيرِهِ مِن الأئمَّةِ، (وَ) كذا (زِدْتُ) على كلٍّ مِن ابنِ الصلاحِ وابنِ أبي حاتمٍ (ما في كلامِ) أئمَّةِ (أهْلِهِ)؛ أي: الحديثِ، (وَجَدْتُ) مِن الألفاظِ في ذلكَ، يَعنِي: بدُونِ اسْتِقْصَاءٍ، وإلاَّ فَمَنْ نَظَرَ كُتُبَ الرجالِ، ككتابِ ابنِ أبي حاتمٍ المذكورِ، و(الكامِلِ) لابنِ عَدِيٍّ، و(التهذيبِ) وغيرِها، ظَفَرَ بألفاظٍ كثيرةٍ، ولو اعْتَنَى بارِعٌ بتَتَبُّعِها، ووَضَعَ كُلَّ لَفْظَةٍ بالْمَرْتَبَةِ المُشَابِهَةِ لها، مَعَ شَرْحِ مَعَانِيهَا لُغَةً واصْطِلاحاً لَكَانَ حَسَناً.
وقدْ كَانَ شَيخُنَا يَلْهَجُ بذِكْرِ ذلكَ، فما تَيَسَّرَ، والواقِفُ على عِباراتِ القَوْمِ يَفْهَمُ مَقاصِدَهم بما عُرِفَ مِنْ عِباراتِهم في غالِبِ الأحوالِ، وبقَرائنَ تُرْشِدُ إلى ذلكَ، (فأَرْفَعُ) مَرَاتِبِ (التعديلِ) ما أَتَى، كما قالَ شيخُنا، بصيغةِ أَفْعَلَ، كأَنْ يُقالَ: أَوثَقُ الناسِ، أوْ أَثبَتُ الناسِ، أوْ نَحْوُهما، مِثلُ قولِ هشامِ بنِ حَسَّانَ: حَدَّثَنِي أَصْدَقُ مَنْ أَدْرَكْتُ مِن البشَرِ محمَّدُ بنُ سِيرينَ؛ لِمَا تَدُلُّ عليهِ هذهِ الصِّيغةُ مِن الزيادةِ.
وأَلْحَقَ بها شَيْخُنا: " إِلَيْهِ المُنْتَهَى في التَّثَبُّتِ "، وهلْ يَلتَحِقُ بها مِثلُ قولِ الشافِعِيِّ في ابنِ مَهْدِيٍّ: لا أَعرِفُ لهُ نَظيراً في الدُّنْيَا؟ مُحتَمَلٌ. ثمَّ يَلِيهِ ما هوَ الْمَرتَبَةُ الأُولَى عندَ بعضِهم، قَوْلُهم: فُلانٌ لا يُسْأَلُ عنْ مِثلِهِ، ونَحْوُ ذلكَ. ثمَّ يَلِيهِ ما هوَ الْمَرتَبَةُ الأُولَى عندَ الذَّهَبِيِّ في مُقَدِّمَةِ مِيزانِهِ، وتَبِعَهُ الناظِمُ.
(ما كَرَّرْتَهُ) مِنْ ألفاظِ الْمَرتَبَةِ التاليَةِ لهذهِ خاصَّةً، معَ تَبَايُنِ الألفاظِ (كثِقَةٍ ثَبْتٍ)، أوْ ثَبْتٍ حُجَّةٍ، (ولوْ أَعَدْتَهُ)؛ أي: اللفظَ الواحدَ كثِقَةٍ ثَقَةٍ؛ لأنَّ التأكيدَ الحاصلَ بالتَّكرارِ فيهِ زِيادةٌ على الكلامِ الخالِي منهُ. وعلى هذا فما زادَ على مَرَّتيْنِ مثَلاً يكونُ أَعْلَى منها، كقولِ ابنِ سعْدٍ في شُعْبَةَ: ثِقَةٌ، مَأْمُونٌ، ثَبْتٌ، حُجَّةٌ، صاحبُ حديثٍ.
وأَكثَرُ ما وَقَفْنَا عليهِ مِنْ ذلكَ قولُ ابنِ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَنا عمرُو بنُ دِينارٍ، وكان ثِقَةً ثِقَةً تِسْعَ مَرَّاتٍ، وكأنَّهُ سَكَتَ لانقطاعِ نَفَسِهِ.
(ثُمَّ يَلِيهِ) ما هُوَ الْمَرتَبَةُ الأُولَى عندَ ابنِ أبي حاتمٍ، وتَبِعَهُ ابنُ الصلاحِ، والثانيَةُ عندَ الناظِمِ، والرابعةُ بالنِّسْبَةِ لِمَا قَرَّرْنَاهُ، (ثِقَةٌ أوْ ثَبْتٌ) بِسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ، الثابتُ القلبِ واللِّسانِ والكِتَابِ والْحُجَّةِ.
وأمَّا بالفَتْحِ فما يُثَبِّتُ فيهِ الْمُحَدِّثُ مَسموعَهُ معَ أسماءِ المُشارِكينَ لهُ فيهِ؛ لأنَّهُ كالْحُجَّةِ عندَ الشخصِ لسماعِهِ وسَمَاعِ غيرِهِ.
ومِنْ صِيَغِ هذهِ الْمَرْتَبَةِ كأنَّهُ مُصَحَّفٌ: (أَوْ) فُلانٌ (مُتْقِنٌ اوْ حُجَّةٌ اوِ اذَا عَزَوْا) بنقْلِ همزةِ الثلاثةِ معَ التنوينِ، وإنِ اتَّزَنَ معَ تَرْكِهِ بالقطْعِ؛ أيْ: نَسَبَ الأئمَّةُ (الْحِفْظَ أَوْ) نَسَبُوا (ضَبْطاً لِعَدْلٍ) كَأَنْ يُقالَ فيهِ: حافظٌ أوْ ضابطٌ؛ إذْ مُجَرَّدُ الوصْفِ بكلٍّ منهما غيرُ كَافٍ في التوثيقِ، بلْ بَيْنَ العدْلِ وبينَهما عُمُومٌ وخُصوصٌ مِنْ وَجْهٍ؛ لأنَّهُ يُوجَدُ بِدُونِهما، ويُوجَدانِ بدُونِهِ، وتُوجَدُ الثلاثةُ.
ويَدُلُّ لذلكَ أنَّ ابنَ أبي حاتمٍ سَأَلَ أبا زُرْعَةَ عنْ رَجُلٍ، فقالَ: " حَافِظٌ، فَقَالَ لهُ: أَهُوَ صَدُوقٌ؟ " وكانَ أَبُو أيُّوبَ سُليمانُ بنُ داودَ الشَّاذَكُونِيُّ مِن الحُفَّاظِ الكِبارِ، إلاَّ أنَّهُ كانَ يُتَّهَمُ بشُرْبِ النَّبيذِ وبالوَضْعِ، حتَّى قالَ البُخاريُّ: هوَ أَضْعَفُ عندِي مِنْ كلِّ ضَعيفٍ.
ورُؤِيَ بعدَ مَوْتِهِ في النَّوْمِ، فقِيلَ لهُ: ما فَعَلَ اللَّهُ بِكَ؟ قالَ: غَفَرَ لي، فقيلَ: بِمَاذَا؟ قالَ: كُنْتُ في طريقِ أَصْبَهانَ، فأَخَذَنِي مَطَرٌ، وكانَ مَعِي كُتُبٌ، ولم أَكُنْ تَحْتَ سَقْفٍ ولا شَيْءٍ، فانْكَبَبْتُ على كُتُبِي، حتَّى أَصْبَحْتُ وَهَدَأَ الْمَطَرُ، فغَفَرَ اللَّهُ لي بذلكَ في آخَرِينَ.
والظاهِرُ أنَّ مُجَرَّدَ الوصْفِ بالإتقانِ كذلكَ، قِياساً على الضَّبْطِ؛ إذْ هُما مُتقارِبانِ، لا يَزيدُ الإِتْقَانُ على الضبْطِ سِوَى إشعارِهِ بِمَزيدِ الضبْطِ، وصَنيعُ ابنِ أبي حاتمٍ يُشْعِرُ بهِ؛ فإنَّهُ قالَ: إذا قيلَ للواحِدِ: إنَّهُ ثِقَةٌ أوْ مُتقِنٌ ثَبْتٌ، فهوَ ممَّن يُحْتَجُّ بحديثِهِ؛ حيثُ أَرْدَفَ الْمُتْقِنَ بثَبْتٍ الْمُقْتَضِي للعدالةِ، بِدُونِ "أو" التي عَبَّرَ بها في غيرِها، وحينئذٍ فلا يُعتَرَضُ على ابنِ الصلاحِ في جَعْلِهِ لفْظَ ثَبْتٍ مِنْ زِياداتِهِ على ابنِ أبي حاتمٍ؛ لأنَّها فيما ظَهَرَ كما قَرَّرْناهُ لَيْسَتْ مُستَقِلَّةً.
وكذا لم يَقَعْ في كلامِهِ لَفْظُ الْحُجَّةِ وما بعدَها، بل الثلاثةُ مِنْ زِياداتِ ابنِ الصلاحِ معَ تَفَاوُتِها، فكَلامُ أبي داودَ يَقتضِي أنَّ الْحُجَّةَ أَقْوَى مِن الثِّقَةِ، وذلكَ أنَّ الآجُرِّيَّ سَأَلَهُ عنْ سُليمانَ ابنِ بِنْتِ شُرَحْبِيلَ، فقالَ: " ثِقةٌ يُخْطِئُ، كما يُخْطِئُ الناسُ، قالَ الآجُرِّيُّ: فَقُلْتُ: هوَ حُجَّةٌ؟ قالَ: الْحُجَّةُ أحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ ".
وكذا قالَ عُثمانُ بنُ أبي شَيبةَ في أَحمدَ بنِ عبدِ اللَّهِ بنِ يُونسَ: ثِقةٌ وليسَ بِحُجَّةٍ. وقالَ ابنُ مَعِينٍ في محمَّدِ بنِ إسحاقَ: ثِقةٌ وليسَ بِحُجَّةٍ، وفي أبي أُوَيْسٍ: صَدُوقٌ وليسَ بحُجَّةٍ.
وكأنَّ هذهِ النُّكْتَةَ قَدَّمَها الْخَطيبُ؛ حيثُ قالَ: أَرْفَعُ العِباراتِ أنْ يُقالَ: حُجَّةٌ أوْ ثِقَةٌ.
ثمَّ إنَّ ما تَقَدَّمَ في أنَّ الوصْفَ بالضبْطِ والْحِفْظِ، وكذا الإتقانُ، لا بُدَّ أنْ يكونَ في عَدْلٍ هوَ؛ حيثُ لم يُصَرِّحْ ذاكَ الإمامُ بهِ، إذْ لوْ صَرَّحَ بهِ كانَ أَعْلَى، ولِذَا أَدْرَجَ شَيْخُنا عَدْلاً ضَابِطاً في التي قَبْلَها.
وخالَفَ الذَّهَبِيُّ فَعَدَّ حافِظاً ثِقَةً مِنْ هذهِ، وأَدْرَجَ في ألفاظِها إِمَاماً فقطْ، وجَعَلَ ثِقةً، وقَوِيَّ الحديثِ، وصَحيحَهُ، وجَيِّدَ المعرِفةِ، مَرتَبَةً أُخرَى، وفيهِ نَظَرٌ، ولا بُدَّ في آخِرِها أيضاً أنْ يكونَ لِعَدْلٍ.
(وَيَلِي) هذهِ الْمَرتَبَةَ خامِسَةٌ، وهيَ قولُهم: (ليسَ بهِ بَأْسٌ)، أوْ لا بأسَ بهِ، أوْ (صَدوقٌ)، وَصْفٌ بالصِّدْقِ على طريقِ المبالَغَةِ، لا مَحَلُّهُ الصِّدْقُ، وإنْ أَدْرَجَها ابنُ أبي حاتمٍ، ثمَّ ابنُ الصلاحِ هُنا؛ فإنَّها كما سَيَأْتِي تَبَعاً للذَّهَبِيِّ مِن التي بَعْدَها، (وَصِلِ) بكسْرِ اللامِ ممَّا لم يَذْكُرْهُ ابنُ الصلاحِ (بِذَاكَ)؛ أيْ: بقولِ: ليسَ بهِ بَأْسٌ والَّذِينَ بعدَهُ، (مَأْمُوناً) أوْ (خِيَاراً) مِن الخيرِ ضِدِّ الشَّرِّ. ومِنْ ذلكَ الوصْفُ لِسَيْفِ بنِ عُبيدِ اللَّهِ بأنَّهُ مِنْ خِيَارِ الخلْقِ، كما وَقَعَ في أصْلِ حديثِهِ مِنْ سُنَنِ النَّسائيِّ.
(وتَلا) هذهِ الْمَرتبَةَ سَادِسَةٌ، وهيَ (مَحَلُّهُ الصدْقُ)، خِلافاً لابنِ أبي حاتمٍ، ثمَّ ابنِ الصلاحِ، وتَبَعاً للذَّهَبِيِّ كما تَقَدَّمَ، وَ(رَوَوْا عنْهُ)، أوْ رَوَى الناسُ عنهُ، أوْ يُرْوَى عنهُ، أوْ (إلَى الصِّدْقِ ما هُوَ)، يعني: أنَّهُ ليسَ بِبَعِيدٍ عن الصِّدْقِ.
و(كَذَا شَيخٌ وَسَطْ أوْ وَسَطٌ فحَسْبُ)؛ أيْ: بِدُونِ شيخٍ، (أوْ شَيْخٌ فقَطْ)؛ أيْ: بِدُونِ وَسَطٍ، ولم يَذْكُر ابنُ الصلاحِ تَبَعاً لابنِ أبي حاتمٍ في هذهِ الْمَرْتَبَةِ التي هيَ عندَهما الثالثةُ غيرَ الأخيرةِ. نَعَمْ، زادَ عليهِ ممَّا لم يُرَتِّبْهُ: وَسَطاً، ورَوَى الناسُ عنهُ، ومُقَارَبَ الحديثِ.
(وَ) منها أيضاً (صَالِحُ الحديثِ)، وهيَ عِنْدَهما الرابعةُ، بلْ حَكَى ابنُ الصَّلاحِ عنْ أبي جَعفرٍ أحمدَ بنِ سِنَانٍ، كما سيَأْتِي قريباً.
قالَ: كانَ ابنُ مَهْدِيٍّ رُبَّمَا جَرَى ذِكْرُ الرجُلِ فيهِ ضَعْفٌ، وهوَ صَدوقٌ، فَيَقُولُ: صَالِحُ الحديثِ. وهذا يَقْتَضِي أَنَّها هيَ والوَصْفُ بِصَدُوقٍ عندَ ابنِ مَهْدِيٍّ سَوَاءٌ. ومنها: يُعْتَبَرُ بهِ؛ أيْ: فِي المُتابَعاتِ والشواهِدِ، أوْ: يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، (أَوْ مُقارِبُهُ)؛ أي: الحديثِ، مِن القُرْبِ ضِدِّ البُعْدِ، وهوَ بكسْرِ الراءِ كما ضُبِطَ في الأصولِ الصحيحةِ مِنْ كتابِ ابنِ الصلاحِ المسموعةِ عليهِ، وكذا ضَبَطَها النَّوَوِيُّ في مُخْتَصَرَيْهِ، وابنُ الْجَوْزِيِّ، ومَعْنَاهُ أنَّ حَدِيثَهُ مُقارِبٌ لحديثِ غيرِهِ مِن الثِّقَاتِ، أوْ (جَيِّدُهُ)؛ أي: الحديثِ مِن الْجَوْدَةِ، أوْ (حَسَنُهُ)، أوْ (مُقَارَبُهْ) بفَتْحِ الراءِ؛ أيْ: حديثُهُ يُقَارِبُهُ حديثُ غيرِهِ، فَهُوَ على المُعْتَمَدِ، بالكسْرِ والفتْحِ، وسَطٌ لا يَنتهِي إلى دَرجةِ السقوطِ ولا الْجَلالَةِ، وهوَ نَوْعُ مَدْحٍ، وممَّن ضَبَطَها بالوجهَيْنِ ابنُ العربيِّ، وابنُ دِحْيَةَ، والبَطْلَيُوسِيُّ، وابنُ رُشَيْدٍ في رِحلتِهِ.
قالَ: ومعْنَاها يُقارِبُ الناسَ في حديثِهِ ويُقَارِبُونَهُ؛ أيْ: ليسَ حديثُهُ بشَاذٍّ ولا مُنكَرٍ. قالَ: وممَّا يَدُلُّكَ على أنَّ مُرادَهم بهذا اللفْظِ هذا المعنى ما قالَهُ التِّرمِذِيُّ في آخِرِ بابِ: مِنْ فَضائلِ الْجِهادِ، مِنْ جَامِعِهِ.
وقَدْ جَرَى لهُ ذِكْرُ إسماعيلَ بنِ رافعٍ، فقالَ: ضَعَّفَهُ بعضُ أهلِ الحديثِ، وسَمِعْتُ مُحمَّداً، يَعْنِي البخاريَّ، يقولُ: هوَ ثِقةٌ مُقارِبُ الحديثِ.
وقالَ في بابِ ما جاءَ مَنْ أَذَّنَ فهوَ يُقِيمُ: والأفريقيُّ - يعني عبدَ الرحمنِ - ضَعيفٌ عندَ أهلِ الحديثِ، ضَعَّفَهُ يحيى بنُ سعيدٍ القَطَّانُ وغيرُهُ، وقالَ أحمدُ: لا أَكْتُبُ عنهُ، قالَ التِّرمِذيُّ: ورَأَيْتُ البخاريَّ يُقَوِّي أَمْرَهُ ويقولُ: هوَ مُقارِبُ الحديثِ، فانْظُرْ إلى قَوْلِ التِّرمِذيِّ، إنَّ قَوْلَهُ: مُقارِبُ الحديثِ، تَقويَةٌ لأمْرِهِ، وتَفَهَّمْهُ؛ فإنَّهُ مِن الْمُهِمِّ الْخَافِي الذي أَوْضَحْنَاهُ. انتهى.
ومنها: ما أَقْرَبَ حَدِيثَهُ، أوْ (صُوَيْلِحٌ أوْ صَدُوقٌ انْ شاءَ اللَّهْ) بنقْلِ الهمزةِ، أوْ (أَرْجُو بِأَنْ)؛ أيْ: أنْ، (ليسَ بهِ بَأْسٌ عَرَاهْ) بِمُهْمَلَتَيْنِ؛ أيْ: غَشِيَهُ.
وقدْ خالَفَ الذَّهَبِيُّ في أهلِ هذهِ الْمَرتَبَةِ، فجَعَلَ "مَحَلُّهُ الصِّدْقُ"، و"حَسَنَ الحديثِ" و"صالِحَهُ"، و"صَدُوقاً إنْ شاءَ اللَّهُ" مَرْتَبَةً، و"رَوَى الناسُ عنهُ"، و"شَيْخاً"، وَ"صُوَيْلِحاً"، و"مُقارِباً"، معَ "ما بهِ الْمِسكينُ بأسٌ"، و"يُكتَبُ حديثُهُ"، و"ما عَلِمْتُ فيهِ جَرْحاً" أُخْرَى. وأمَّا قولُهم: ما أَعْلَمُ بهِ بَأساً، فقدْ صَرَّحَ ابنُ الصلاحِ بأنَّهُ دُونَ: لا بأسَ، وهوَ ظاهرٌ.
وقالَ الشارِحُ: إنَّ " أَرْجُو لا بَأْسَ بهِ " أَرْفَعُ مِنْ " ما أَعْلَمُ بهِ بَأْساً "؛ فإنَّهُ لا يَلزَمُ مَنْ عَدَمِ العِلْمِ بالشيءِ حُصولُ الرجاءِ بهِ، وكأنَّهُ بالنظَرِ لذلكَ قالَ: مراتِبُ التعديلِ على أَرْبَعٍ أوْ خَمْسٍ.
ويُحتمَلُ على بُعْدٍ أنْ يكونَ نَظَراً لِتَفْرِقَةِ الذَّهَبِيِّ، ويُشْبِهُ أنْ يَكونَ مِنْ هذهِ الْمَرْتَبَةِ "فَطِنٌ كَيِّسٌ"، فإِن انْضَمَّ إليهما صحيحٌ، كما لِيَحْيَى القَطَّانِ في حَجَّاجِ بنِ أبي عُثمانَ الصَّوَّافِ، فأَعْلَى.
وبالجُمْلَةِ، فالضابطُ في أَدْنَى مَراتِبِ التعديلِ كُلُّ ما أَشْعَرَ بالقُرْبِ مِنْ أَسْهَلِ التجريحِ، ثمَّ إنَّ الحُكْمَ في أهلِ هذهِ الْمَرَاتِبِ الاحتجاجُ بالأربعةِ الأُولَى منها، وأمَّا التي بعْدَها فإنَّهُ لا يُحْتَجُّ بأحَدٍ مِنْ أَهْلِها؛ لِكَوْنِ ألفاظِها لا تُشْعِرُ بشريطةِ الضبْطِ، بلْ يُكتَبُ حدِيثُهم ويُخْتَبَرُ.
قالَ ابنُ الصلاحِ: وإنْ لم يَسْتَوْفِ النَّظَرُ المُعَرَّفَ، بكَوْنِ ذلكَ المُحَدِّثِ في نفْسِهِ ضابِطاً مُطْلَقاً، واحْتَجْنَا إلى حديثٍ مِنْ حديثِهِ، اعْتَبَرْنَا ذلكَ الحديثَ ونَظَرْنَا هلْ لهُ أَصْلٌ مِنْ روايَةِ غيرِهِ، كما تَقَدَّمَ بَيانُ طريقةِ الاعتبارِ في مَحَلِّهِ.
وأمَّا السَّادِسَةُ، فالحُكْمُ في أَهْلِها دونَ أهْلِ التي قَبْلَها، وفي بعضِهم مَنْ يُكْتَبُ حديثُهُ لِلاعْتِبَارِ دُونَ اختبارِ ضَبْطِهم؛ لوُضوحِ أمْرِهم فيهِ.
وإلى هذا أَشارَ الذَّهَبِيُّ بقولِهِ: إنَّ قولَهم: ثَبْتٌ وحُجَّةٌ وإمامٌ وثِقَةٌ ومُتْقِنٌ، مِنْ عِباراتِ التعديلِ التي لا نِزاعَ فيها، وأمَّا صَدُوقٌ وما بعدَهُ، يَعنِي مِنْ أهلِ هاتَيْنِ الْمَرتَبَتَيْنِ اللَّتَيْنِ جَعَلَهُما ثَلاثاً، فمُخْتَلَفٌ فيها بينَ الْحُفَّاظِ هلْ هيَ تَوثيقٌ أوْ تَلْيِينٌ.
وبِكُلِّ حالٍ، فهيَ مُنخَفِضَةٌ عنْ كمالِ رُتبةِ التوثيقِ، ومُرْتَفِعَةٌ عنْ رُتَبِ التجريحِ.
فإنْ قِيلَ: ما تَقَدَّمَ يَقتضِي أنَّ الوصْفَ بثِقةٍ أَرفَعُ مِنْ "لَيْسَ بهِ بَأْسٌ"، (وابنُ مَعِينٍ) بفَتْحِ الميمِ، هوَ يَحْيَى الإمامُ المُقَدَّمُ في الْجَرْحِ والتعديلِ، سَوَّى بينَهما؛ إذْ قِيلَ لهُ: إنَّكَ تَقولُ: فُلانٌ ليسَ بهِ بَأْسٌ، وفُلانٌ ضَعيفٌ، (قَالَ: مَنْ أَقُولُ) فيهِ: (لا بَأْسَ بهِ فثِقَةٌ)، ومَنْ أَقولُ فيهِ: ضَعيفٌ، فليسَ بثِقَةٍ لا يُكْتَبُ حديثُهُ.
ونَحْوُهُ قولُ أبي زُرعةَ الدِّمَشْقِيِّ: قُلْتُ لعبدِ الرحمنِ بنِ إبراهيمَ دُحَيْمٍ، يَعْنِي الذي كانَ في أهلِ الشامِ كأَبِي حاتمٍ في أهلِ الْمَشرِقِ: " ما تَقُولُ في عَلِيِّ بنِ حَوْشَبٍ الفَزَارِيِّ؟ قالَ: لا بَأْسَ بهِ، قالَ: فَقُلْتُ: ولِمَ لا تَقولُ: ثِقَةٌ، ولا نَعْلَمُ إلاَّ خَيْراً؟ قالَ: قدْ قُلْتُ لكَ: إنَّهُ ثِقَةٌ ". فالجوابُ كما قالَ ابنُ الصلاحِ أنَّ ابنَ مَعِينٍ إنَّما نَسَبَ ما تَقَدَّمَ لنفْسِهِ بخِلافِ ابنِ أبي حاتمٍ، فهوَ عنْ صَنِيعِهم.
قُلْتُ: ولوْ لم يَكُنْ صَنِيعُهم كذلكَ ما سَألَ أبو زُرعةَ، لكنَّ جوابَ دُحَيْمٍ مُوافِقٌ لابنِ مَعِينٍ، فكأنَّهُ اختيارُهُ أيضاً.
وأَجابَ الشارِحُ أَيضاً بما حاصِلُهُ أنَّ ابنَ مَعِينٍ لم يُصَرِّحْ بالتسويَةِ بينَهما، بلْ أَشْرَكَهما في مُطْلَقِ الثِّقَةِ، وذلكَ لا يَمنَعُ ما تَقدَّمَ، وهوَ حَسَنٌ.
وكذا أَيَّدَهُ غَيْرُهُ بأنَّهُم قدْ يُطْلِقُونَ الوَصْفَ بالثِّقَةِ على مَنْ كانَ مَقبولاً، ولوْ لم يَكُنْ ضابِطاً، فقَوْلُ ابنِ مَعِينٍ هنا يَتَمَشَّى عليهِ. (ونُقِلا) بالبِناءِ للمفعولِ، ممَّا يَتَأَيَّدُ بهِ أَرْجَحِيَّةُ الوصْفِ بالثِّقَةِ، (أنَّ ابنَ مَهْدِيٍّ)، هوَ عبدُ الرحمنِ الإمامُ القُدوةُ في هذا الشَّأْنِ، حِينَ رَوَى عنْ أبي خَلْدَةَ، بِسُكُونِ اللامِ، خالدِ بنِ دِينارٍ التَّمِيمِيِّ السَّعْدِيِّ البَصْرِيِّ الْخَيَّاطِ التابِعِيِّ.
(أَجابَ مَنْ سَأَلْ) منهُ، وهوَ عَمرُو بنُ عَلِيٍّ الفَلاَّسُ: (أَثِقَةً كانَ أبو خَلْدَةَ) بقولِهِ: (بلْ كانَ صَدُوقاً)، وكان (خَيِّراً) أوْ خِيَاراً، وكانَ (مَأْمُونَا الثِّقَةُ) شُعبةُ وسُفيانُ (الثَّوْرِيُّ)، ورُبَّما وُجِدَ في بعضِ الرواياتِ عن ابنِ مَهْدِيٍّ: مِسْعَرٌ، بدَلَ الثَّوْرِيِّ، (لَوْ) كُنتُمْ (تَعُونَا)؛ أيْ: تَفْهَمُونَ مَراتِبَ الرُّواةِ، ومَواقِعَ أَلفاظِ الأئمَّةِ، ما سَأَلْتُمْ عنْ ذلكَ، فصَرَّحَ بأَرْجَحِيَّتِها على كُلٍّ مِنْ "صَدوقٍ، وخَيِّرٍ، ومأمونٍ"، الذي كُلٌّ منها مِنْ مَرتَبَةِ "ليسَ بهِ بَأْسٌ".
ولا يَخْدِشُ فيهِ قَوْلُ ابنِ عبدِ الْبَرِّ: كَلامُ ابنِ مَهْدِيٍّ لا مَعْنَى لهُ في اختيارِ الألفاظِ؛ إذْ أبو خَلْدَةَ ثِقةٌ عندَ جَميعِهم، يَعْنِي كما صَرَّحَ بهِ التِّرمِذِيُّ؛ حيثُ قالَ: هوَ ثِقَةٌ عندَ أهلِ الحديثِ؛ فإنَّ هذا لا يَمنَعُ الاستدلالَ الْمُشارَ إليهِ.
ونَحْوُهُ ما حَكاهُ الْمَرُوَّذِيُّ، قالَ: قُلْتُ لأحمدَ بنِ حَنبلٍ: عبدُ الوَهَّابِ بنُ عَطاءٍ ثِقَةٌ؟ قالَ: تَدْرِي مَن الثِّقَةُ؟ الثِّقَةُ يحيى بنُ سَعيدٍ القَطَّانُ. هذا معَ تَوثيقِ ابنِ مَعينٍ وجماعةٍ لهُ.
(وَ) كذا (رُبَّمَا)؛ أيْ: وفِي بعضِ الأحيانِ، (وَصَفَ) ابنُ مَهْدِيٍّ فيما حَكاهُ أبو جَعفرٍ أحمدُ بنُ سِنَانٍ عنهُ كما قَدَّمْتُهُ (ذَا الصِّدْقِ) الذي (وُسِمْ ضَعْفاً)؛ أي: الصَّدوقَ مِن الرُّوَاةِ المَوْسُومَ بالضَّعْفِ لِسُوءِ حِفْظِهِ وغَلَطِهِ ونَحْوِ ذلكَ، (بصالحِ الحديثِ) الْمُنْحَطِّ عنْ مَرتَبَةِ "ليسَ بهِ بأسٌ"، (إِذْ يَسِمْ) بفتْحِ التَّحتانِيَّةِ وكسْرِ الْمُهْمَلَةِ؛ أيْ: حينَ يُعَلِّمُ على الرُّواةِ بلَفْظِهِ أوْ كتابِهِ بما يَتَمَيَّزُ بهِ مَراتِبُهم إلى غيرِ ذلكَ ممَّا يَشْهَدُ لاصطلاحِهم.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مراتب, التعديل

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:50 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir