دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > بيان المُستشكل > تفسير آيات أشكلت لابن تيمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 15 ربيع الثاني 1432هـ/20-03-2011م, 12:19 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 7,079
افتراضي فصل : الإيمان بالرسل يجب أن يكون جامعًا عامًّا مؤتلفًا لا تفريق فيه ولا تبعيض ولا اختلاف .

فصل
والإيمان بالرسل يجب أن يكون جامعًا عامًّا مؤتلفًا لا تفريق فيه ولا تبعيض ولا اختلاف بأن يؤمن بجميع الرسل وبجميع ما أنزل إليهم فمن آمن ببعض الرسل وكفر ببعض أو آمن ببعض ما أنزل الله وكفر ببعض فهو كافر.

وهذا حال من بدل وكفر من اليهود والنصارى والصابئين فإن هؤلاء في أصلهم قد يؤمنون بالله واليوم الآخر ويعملون صالحًا فأولئك لا خوف عليهم ولا هم يحزنون كما قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} ونحو ذلك في المائدة.
ومنهم من فرَّق فآمَن ببعض وكفر ببعض كما قال تعالى عن اليهود {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ} الآيات.
وقال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا
[تفسير آيات أشكلت: 2/716]
بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} الآية.
وقال تعالى {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ} إلى قوله {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ}.
وقال عن المؤمنين هنا {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ}.
وقال {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}.
وذم الذين تفرقوا واختلفوا في الكتب وهم الذين يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض فيكون مع هؤلاء بعض ومع هؤلاء بعض كقوله {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} وقوله {وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ
[تفسير آيات أشكلت: 2/717]
أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ}.
وقوله {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} وقال تعالى {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} وقال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}.
[تفسير آيات أشكلت: 2/718]


التوقيع :
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 15 ربيع الثاني 1432هـ/20-03-2011م, 12:21 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 7,079
افتراضي

فصل
التفريق والتبعيض قد يكون في القدر تارة وقد يكون في الوصف تارة إما في الكم وإما في الكيف كما قد يكون في التنزيل تارة وفي التأويل أخرى فإن الموجود له حقيقة موصوفة نوعية وله مقدارٌ محدود فما أنزله الله على رسله قد يقع التبعيض والتفريق في قدره وقد يقع في وصفه.
فالأول مثل قول اليهود نؤمن بما أنزل على موسى دون ما أنزل على عيسى ومحمد وهكذا النصارى في إيمانهم بالمسيح دون محمد فمن آمن ببعض الكتب والرسل دون بعض فقد دخل في هذا فإنه لم يؤمن بجميع المنزل.
وكذلك من كان من المنتسبين إلى هذه الأمة يؤمن ببعض نصوص الكتاب والسنة دون بعض فإن البدع مشتقة من الكفر.
وأما الوصف فمثل اختلاف اليهود والنصارى في المسيح هؤلاء قالوا إنه عبد مخلوق لكن جحدوا نبوته وقدحوا في نسبه وهؤلاء أقروا بنبوته
[تفسير آيات أشكلت: 2/719]
ورسالته لكن قالوا هو الله.
فاختلف الطائفتان في وصفه وصفته كل طائفة بحق وباطل.
ومثل الصابئة الفلاسفة الذين يصفون إنزال الله على رسله بوصف بعضه حق وبعضه باطل مثل أن يقولوا إن الرسل تجب طاعتهم واتباعهم ويجوز أن يسمى ما أتوا به كلام الله لكنه إنما أنزله على قلوبهم من الروح الذي هو العقل الفعَّال في السماء الدنيا لا من عند الله.
وهكذا ما ينزل على قلوب غيرهم هو أيضًا كذلك ولا يسمى كلام الله في الحقيقة وإنما هذا في الحقيقة كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإن سُمِّي كلام الله مجازًا ونحو ذلك.
فهؤلاء أيضًا مُبَعِّضون مُفرِّقون حيث صَدَّقوا ببعض صفات ما أنزل الله وبعض صفات رسله دون بعض وربما كان ما كفروا به من الصفات أكثر مما آمنوا
[تفسير آيات أشكلت: 2/720]
به كما أن ما كفر به اليهود من الكتاب أعظم وأكثر مما آمنوا به لكن هؤلاء أكفر من اليهود من وجهٍ وإن كان اليهود أكفر منهم من وجهٍ آخر.
فأما من كان من هؤلاء يهوديًّا أو نصرانيًّا فهو كافر من الجهتين ومن كان منهم لا يوجب اتباع خاتم الرسل بل يجوز التدين باليهودية والنصرانية فهو أيضًا كافر من الجهتين فقد يكون أحدهم أكفر من اليهود والنصارى الكافرين بمحمدٍ والقرآن.
وقد يكون اليهود والنصارى أكفر ممن آمن منهم بأكثر صفات ما بعث الله به محمدًا صلى الله عليه وسلم لكنهم في الأصل أكفر من جنس اليهود والنصارى فإن أولئك مُقِرُّون في الأصل بكمال الرسالة والنبوة وهؤلاء ليسوا مقرين بكمال الرسالة والنبوة كما أن من كان قديمًا مؤمنًا من اليهود والنصارى دَيِّنًا صالحًا فهو أفضل ممن كان منهم مؤمنًا صالحًا.
وكذلك من كان من المنتسبين إلى الإسلام مؤمنًا ببعض صفات القرآن وكلام الله وتنزيله على رسله وصفات رسله دون بعض فنسبته إلى
[تفسير آيات أشكلت: 2/721]
هؤلاء كنسبة من أمن ببعض نصوص الكتاب والسنة دون بعض إلى اليهود والنصارى.
ومن هنا تتبين الضلالات المبتدعة في هذه الأمة حيث هي من الإيمان ببعض ما جاء به الرسول دون بعض إما ببعض النصوص دون بعض وإما ببعض صفات التكليم والرسالة والنبوة دون بعض وكلاهما إما في التنزيل وإما في التأويل.
[تفسير آيات أشكلت: 2/722]


التوقيع :
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 15 ربيع الثاني 1432هـ/20-03-2011م, 12:23 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 7,079
افتراضي

فصل
والسبب الذي أوقع هؤلاء في الكفر ببعض ما أنزله هو من جنس ما أوقع الأولين في الكفر بجميع ما أنزله الله في كثير من المواضع فإن من تأمل وجد شبه اليهود والنصارى ومن تبعهم من الصابئين في الكفر بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم هي من جنس شبه المشركين والمجوس ومن معهم من الصابئين في الكفر بجنس الكتاب وما أنزله الله على رسله في كثير من المواضع.
فإنهم يعترضون على آياته وعلى الكتاب الذي أنزله معه وعلى الشريعة التي بعث بها وعلى سيرته بنحو مما اعترض به على سائر الرسل مثل موسى وعيسى.
كما قال الله تعالى في جميعهم {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ (4) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ} إلى قوله {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (34) الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا}.
[تفسير آيات أشكلت: 2/723]
وفي الآية الأخرى {إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} إلى قوله {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (69) الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}.
هذا مع أن السلطان الذي أيد الله به رسوله من أنواع الحجج المعجزات وأنواع القدَر الباهرات أعظم مما أيِّدَ به غيره ونبوته هي التي طبق نورها مشارق الأرض ومغاربها وبه ثبتت نبوات من تقدمه وتبين الحق من الباطل وإلا فلولا نبوته لكان الناس في ظلمات بعضها فوق بعض وأمر مريج
[تفسير آيات أشكلت: 2/724]
يُؤفك عنه من أفِك الكتابيُّون منهم والأمِّيُّون.
ولهذا لما كان ما يقال له إلا ما قد قيل للرسل من قبله أمره الله سبحانه باستشهاد أهل الكتاب على مثل ما جاء به وهذا من بعض حكمة إقرارهم بالجزية كقوله تعالى {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ}.
وقوله {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} وقوله {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}.
[تفسير آيات أشكلت: 2/725]
وفي السورة الأخرى {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (7) وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} الآية ومثل قوله {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ}.
وجماع شبه هؤلاء الكفار أنهم قاسوا الرسول على من فرق الله بينه وبينه وكفروا بفضل الله الذي اختص به رسله فأتوا من جهة القياس الفاسد ولا بد في القياس من قدر مشترك بين المشبه والمشبه به مثل جنس الوحي والتنزل فإن الشياطين يتنزلون على أوليائهم ويوحون إليهم كما قال تعالى {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ}.
وقال سبحانه {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ}.
وقال الله تعالى في آلـ {طس} وقد افتتح كلًّا منهن بقصة موسى وتكليم الله إياه وإرساله إلى فرعون فإنها أعظم القصص كما قدمناه.
[تفسير آيات أشكلت: 2/726]
فقال في سورة الشعراء المحتوية على قصص المرسلين واحدًا بعد واحدٍ وهي سبع قصة موسى وإبراهيم ونوح وهود وصالح ولوط وشعيب ثم قال عن القرآن {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} إلى قوله {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ}.
فذكر الفرق بينه وبين من قال تنزل عليه الشياطين من الكهان والمتنبئين ونحوهم وبين الشعراء لأن الكاهن قد يخبر بغيب بكلام مسجوع والشاعر أيضًا يأتي بكلام منظوم يحرك به النفوس فإن قرين الشيطان مادته من الشيطان ويعين الشيطان بكذِبه وفجوره والشاعر مادته من نفسه وربما أعانه الشيطان.
فأخبر أن الشياطين إنما تنزل على من يناسبها وهو الكاذب في قوله الفاجر في عمله بخلاف الصادق البرّ وأن الشعراء إنما يُحرِّكون النفوس إلى أهوائها
[تفسير آيات أشكلت: 2/727]
فيتبعهم الغاوون وهم الذين يتبعون الأهواء وشهوات الغي فنفى كلًّا منهما بانتفاء لازمه وبين ما تجتمع فيه من شياطين الإنس والجن.
[تفسير آيات أشكلت: 2/728]


التوقيع :
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 15 ربيع الثاني 1432هـ/20-03-2011م, 12:24 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 7,079
افتراضي

فصل
إذا تبين هذا الأصل ظهر به وجه اشتقاق البدع من الكفر فنقول:
كما أن الذين أثنى الله عليهم من الذين هادوا والنصارى كانوا مؤمنين مسلمين ثم لم يبدلوا ما أنزل الله ولا كفروا بشيء مما أنزل الله وكما أن اليهود والنصارى صاروا كفارًا من جهة تبديلهم لما أنزل عليهم ومن جهة كفرهم بما أنزل الله على محمدٍ وإن كانوا منافقين كما قد ينافق اليهودي والنصراني وهؤلاء هم المستأخرون من اليهود والنصارى والصابئين.
وذلك أن متأخري الصابئين لم يؤمنوا أن لله كلامًا أو يتكلم ويقول أو أنه ينزل من عنده كلامًا وذكرًا على أحدٍ من البشر أو أنه يكلم أحدًا من البشر بل عندهم لا يوصف الله بصفة ثبوتية لا يقولون إن له علمًا ولا محبة ولا رحمة وينكرون أن يكون الله اتخذ إبراهيم خليلًا أو كلم موسى تكليمًا.
[تفسير آيات أشكلت: 2/729]
وإنما يوصف عندهم بالسلب والنفي مثل قولهم ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض ولا داخل العالم ولا خارجه أو بإضافة مثل كونه مبدأ العالم أو العلة الأولى أو بصفة مركبة من السلب والإضافة مثل كونه عاقلًا ومعقولًا وعقلًا.
وعندهم أن الله لا يخص موسى بالتكليم دون غيره ولا يخص محمدًا بالإرسال دون غيره فإنهم لا يثبتون له علمًا مفصلًا للمعلومات فضلًا عن إرادة تفصيلية بل يثبتون إذا أثبتوا له علمًا جمليًّا كليًّا وغاية جملية كلية.
ومن أثبت النبوة منهم قال إنها فيض يفيض على نفس النبي من جنس ما يفيض على سائر النفوس لكن استعداد النبي صلى الله عليه وسلم أكمل فيكون الفيض عليه أكمل بحيث يعلم ما لا يعلم غيره ويسمع ما لا يسمع غيره ويبصر ما لا يبصر غيره وتقدر نفسه على ما لا تقدر عليه نفس غيره.
[تفسير آيات أشكلت: 2/730]
والكلام الذي تقوله الأنبياء هو كلامهم وقولهم وهؤلاء هم الذين يقولون عن القرآن {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} فإن الوحيد الذي هو الوليد بن المغيرة كان من جنسهم كان من المشركين الذين هم صابئون أيضًا.
فإن الصابئين كأهل الكتاب تارة يجعلهم الله قسمًا من المشركين وتارة يجعلهم قسيمًا لهم كما قال تعالى {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ} إلى قوله {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ}.
وكذلك لما ذكر الملل الست في الحج فقال {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا} وقال تعالى {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ
[تفسير آيات أشكلت: 2/731]
وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}.
وهذا بعد قوله {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ} إلى قوله {سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ} إلى قوله {وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}.
وقال {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} وقال {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ
[تفسير آيات أشكلت: 2/732]
يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} {وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ}.
وقال أيضًا {مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ}.
فإذا كان اليهود والنصارى قد يكونون مشركين فالصابئون أولى وذلك بعد تبديلهم فحيث وصفوا بالشرك فبعد التبديل وحيث جعلوا غير مشركين فلأن أصل دينهم الصحيح ليس فيه شرك فالشرك مبتدع عندهم فينبغي التفطن لهذه المعاني.
وكان الوحيد من ذوي الرأي والقياس والتدبير من العرب وهو معدود من حكمائهم وفلاسفتهم ولهذا أخبر الله عنه بمثل حال المتفلسفة في قوله {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ}.
[تفسير آيات أشكلت: 2/733]
ثم إن هؤلاء فيما تقوله الأنبياء حيارى متهوكون فإنهم بهرهم نور النبوة ولم يقع على أصولهم الفاسدة فصاروا على أنحاء منهم من لا يؤمن بكثير مما تقوله الأنبياء والمرسلون بل يعرض عنه أو يشك فيه أو يكذب به.
ومنهم من يقول يجوز الكذب لمصلحةٍ راجحة والأنبياء فعلوا ذلك.
ومنهم من يقول يجوز هذا لصالح العامة دون الخاصة.
وأمثلهم من يقول بل هذه تخييلات وأمثلة مضروبة لتقريب الحقائق إلى قلوب العامة وهذه طريقة الفارابي وابن سينا لكن ابن سينا أقرب إلى الإيمان من بعض الوجوه وإن لم يكن مؤمنًا.
[تفسير آيات أشكلت: 2/734]
فمن أدركته رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وبهرته براهينها وأنوارها ورأى فيها من أصناف العلوم النافعة والأعمال الصالحة حتى قال ابن سينا اتفق فلاسفة العالم على أنه لم يطرق العالم ناموس أفضل من هذا الناموس فلا بد أن يتأول نصوص الكتاب والسنة على عادة إخوانه في تحريف الكلم عن مواضعه فيحرفون ما أخبرت به الرسل عن كلام الله تحريفًا يصيرون به كفارًا ببعض تأويل الكتاب وفي بعض صفات تنزيله.
فلما رأوا أن الرسل سَمَّت هذا الكلام كلام الله وأخبرت أنه نزلت به ملائكة الله مثل الروح الأمين جبريل أطلقت هذه العبارة في الظاهر وكفروا بمعناها في الباطن وردوها إلى أصلهم أصل الصابئة وصاروا منافقين في المسلمين وفي غيرهم من أهل الملل فيقولون هذا القرآن كلام الله وهذا الذي جاءت به الرسل كلام الله كما أخبرت الرسل ولكن معنى كونه كلام الله أنه فاض على نفس النبي من العقل الفعال.
[تفسير آيات أشكلت: 2/735]
وربما قالوا إن العقل الفعال هو جبريل وهو الروح الأمين الذي ليس على الغيب بضنين بالضاد الساقطة أي ببخيل لأنه فياض.
ويقولون إن الله كلم موسى من سماء عقله وأن أهل الرياضة والصفاء يصلون إلى أن يسمعوا ما سمعه موسى كما سمعه موسى.
وقد ضلَّ بكلامه كثير من المشهورين مثل أبي حامد الغزالي وكثر هذا المعنى في بعض كتبه وصنفوا رسائل إخوان الصفا وغيرها وجمعوا فيها على زعمهم بين مقالات الصابئة المتأخرين التي هي الفلسفة المبتدعة وبين ما جاءت به الرسل عن الله.
فأتوا بما زعموا أنه معقول ولا دليل على كثير منه وربما ذكروا أنه منقول وفيه من الكذب والتحريف أمر عظيم وإنما يضلون به كثيرًا بما فيه من الأمور
[تفسير آيات أشكلت: 2/736]
الطبيعية والرياضية التي لا تعلق لها بأمر النبوات والرسالة لا بنفي ولا إثبات ولكن ينتفع بها في مصالح الدنيا كالصناعات من الحراثة والحياكة والبناية والخياطة ونحو ذلك.
فإذا عرف أن حقيقة قول هؤلاء المشركين الصابئين أن القرآن قول البشر كغيره لكنه أفضل من غيره كما أن بعض البشر أفضل من بعض وأنه فاض على نفس النبي صلى الله عليه وسلم من المحل الأعلى كما تفيض سائر العلوم والمعارف على نفوس أهلها فاعلم أن هذا القول كثر في كثير من المتأخرين المظهرين للإسلام وهم منافقون زنادقة وإن ادَّعوا كمال المعارف من المتفلسفة
[تفسير آيات أشكلت: 2/737]
والمتكلمة والمتصوفة والمنافقين حتى يقول أحدهم كالتلمساني كلامنا يوصل إلى الله والقرآن يوصل إلى الجنة وقد يقول بعضهم كابن عربي إن الولي يأخذ من حيث يأخذ الملك الذي يوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويقول كثير منهم إن القرآن للعامة وكلامنا للخاصة.
فهؤلاء جعلوا القرآن عضين وضربوا له الأمثال مثلما فعل المشركون
[تفسير آيات أشكلت: 2/738]
قبلهم كما فعلوا بالنبي صلى الله عليه وسلم فإن هؤلاء منهم من يفضل الولي الكامل والفيلسوف الكامل على النبي صلى الله عليه وسلم.
ومنهم من يفضل بعض الأولياء على زعمه أو بعض الفلاسفة مثل نفسه أو شيخه أو متبوعه على النبي صلى الله عليه وسلم وربما قالوا هو أفضل من وجه والنبي أفضل من وجه.
فلهم في الإلحاد والافتراء في رسل الله ما لهم من الإلحاد والافتراء في رسالات الله فيقيسون الكلام الذي بلغته الرسل عن الله بكلامهم ويقيسون رسل الله بأنفسهم وقد بين الله حال مثل هؤلاء في قوله {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} إلى قوله {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ}.
[تفسير آيات أشكلت: 2/739]
فذكر الله إنزال الكتابين اللذين لم ينزل من عند الله كتاب هو أهدى منهما التوراة والإنجيل كما جمع بينهما في قوله {قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (48) قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}.
وكذلك الجن لما استمعت القرآن {قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ}.
وقال تعالى {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ} ولهذا قال النجاشي لما سمع القرآن إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة ثم ذكر حال
[تفسير آيات أشكلت: 2/740]
الكذاب والمتنبئ فقال {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ}.
[تفسير آيات أشكلت: 2/741]
فجمع في هذا بين من أضاف ما يفتريه إلى الله وبين من يزعم أنه يوحى إليه ولا يعين من أوحاه فإن الذي يدعي الوحي لا يخرج عن هذين القسمين.
ويدخل في القسم الثاني من يُري عينيه في المنام ما لا تريا ومن يقول ألقي في قلبي أو ألهمْت ونحو ذلك إذا كان كاذبًا.
ويدخل في القسم الأول من يقول قال الله لي أو أمرني الله أو وافقني أو قال لي ونحو ذلك بخيالات وإلهامات يجدها في نفسه ولا يعلم أنها من عند الله بل قد يعلم أنها من الشيطان مثل مسيلمة الكذاب ونحوه.
ثم قال تعالى {وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} فهذه حال من زعم أن البشر يمكنهم أن يأتوا بمثل كلام الله وأن هذا الكلام كلام البشر بفضيلةٍ وقوةٍ
[تفسير آيات أشكلت: 2/742]
من صاحبه فإذا اجتهد المرء أمكن أن يأتي بمثله.
وهذا يعم من قال إنه يمكنه معارضة القرآن كابن أبي سرح في حال ردته وطائفة متفرقين من الناس ويعم المتفلسفة الصابئة المنافقين والكافرين ممن يزعم أن رسالة الأنبياء كلام فاض عليهم قد يفيض على غيرهم مثله فيكون قد أنزل مثلما أنزل الله في دعوى الرسل لأن القائل سأنزل مثل ما أنزل الله قد يقوله غير معتقد أن الله أنزل شيئًا وقد يقوله معتقدًا أن الله أنزل شيئًا.
[تفسير آيات أشكلت: 2/743]


التوقيع :
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 15 ربيع الثاني 1432هـ/20-03-2011م, 12:26 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 7,079
افتراضي

فصل
ولهذا كان أول من أظهر إنكار التكليم والمخالة الجعد بن درهم في أوائل المائة الثانية وأمر علماء الإسلام مثل الحسن البصري وغيره بقتله فضحَّى به خالد بن عبد الله القسري أمير العراق بواسط فقال أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم فإني مضح بالجعد بن درهم إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلًا ولم يكلم موسى تكليمًا تعالى الله عما يقول الجعد علوًّا
[تفسير آيات أشكلت: 2/744]
كبيرًا ثم نزل فذبحه.
وأخذ ذلك عنه الجهم بن صفوان فأنكر أن الله يتكلم ثم نافق المسلمين فأقرَّ بلفظ الكلام وقال كلامه يخلقه في محل كالهواء وورق الشجر.
ودخل بعض أهل الكلام والجدل من المنتسبين إلى الإسلام من المعتزلة ونحوهم في بعض مقالة الصابئة والمشركين متابعة للجعد والجهم وكان مبدأ ذلك أن الصابئة في الخلق على قولين:
[تفسير آيات أشكلت: 2/745]
منهم من يقول إن السماوات مخلوقة بعد أن لم تكن كما أخبرت بذلك الرسل وكتب الله تعالى.
ومنهم من ابتدع فقال بل هي قديمة أزلية لم تزل موجودة بوجود الأول واجب الوجود بنفسه.
ومنهم من قد ينكر الصانع بالكلية.
ولهم مقالات كثيرة الاضطراب في الخلق والبعث والمبدأ والمعاد لأنهم لم يكونوا معتصمين بحبل الله تعالى فيجمعهم والظنون لا تجمع الناس في مثل هذه الأمور التي تعجز الآراء عن إدراك حقائقها إلا بوحي من الله تعالى.
وهم إنما يناظر بعضهم بعضًا بالقياس المأخوذ مقدِّماته من الأمور الطبيعية السفلية وقوى الطبائع الموجودة في التراب والماء والهواء والحيوان والمعدن والنبات ويريدون بهذه المقدمات السفلية أن ينالوا معرفة الله وعلم ما فوق السماوات وأول الخلق وآخره وهذا غلط بيِّن اعترف به أساطينهم بأن هذا غير ممكن وأنه لا سبيل لهم إلى إدراك اليقين وأنهم إن يتبعون إلا الظن.
فلما كان هذا حال هذه الصابئة المبتدعة الضالة ومن أضلوه من اليهود
[تفسير آيات أشكلت: 2/746]
والنصارى وكان قد اتصل كلامهم ببعض من لم يهتد بهدي الله الذي بعث به رسله من أهل الكلام والجدل صاروا يريدون أن يأخذوا مأخذهم كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله «لتأخذن مأخذ الأمم قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع قالوا يا رسول الله فارس والروم قال ومن الناس إلا فارس والروم».
فاحتجوا على حدوث العالم بنحوٍ من مسلك هذه الصابئة وهو الكلام في الأجسام والأعراض بأن تثبت الأعراض ثم يثبت لزومها للأجسام ثم حدوثها ثم يقال ما لا يسبق الحوادث فهو حادث واعتمد كثير من أهل الجدل هذا المسلك في إثبات حدوث العالم.
فلما رأوا أن الأعراض التي هي الصفات تدل عندهم على حدوث الموصوف الحامل للأعراض ورأوا أن العلم والقدرة والكلام ونحو ذلك صفات وهي عندهم أعراض التزموا نفيها عن الله لأن ثبوتها مستلزم حدوثه وبطلان دليل حدوث العالم الذي اعتقدوه أن لا دليل سواه بل ربما اعتقدوا أنه لا يصح إيمان أحدٍ إلا به.
[تفسير آيات أشكلت: 2/747]
وهؤلاء يخالفون الصابئة الفلاسفة الذين يقولون بقدم العالم وأن النبوة كمال يفيض على نفس النبي لأن هؤلاء المتكلمين أكثر حقًّا وأتبع للأدلة العقلية والسمعية لما تنورت به قلوبهم من نور القرآن والإسلام وإن كانوا قد ضلوا في كثير مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم لكن هم خير من أولئك من وجوه أخرى وافقوا فيها ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.
فوافقوا أولئك على أن الله لم يتكلم ولا يتكلم كما وافقوهم على أنه لا علم له ولا قدرة ولا صفة من الصفات ورأوا أن إثباته متكلمًا يقتضي أن يكون جسمًا والجسم حادث لأن الجسم صفة من الصفات الدالة على حدوث الموصوف بل هو عندهم أدل على حدوث المتكلم من غيره لأنه يفتقر في الخارج إلى ما لا يفتقر إليه غيره ولأن فيه من الترتيب والتقديم والتأخير ما ليس في غيره ولأنهم رأوا أنه فعل من الأفعال بمنزلة الحركات والأفعال والحركات عندهم أدلاء على حدوث الفاعل المتحرك من الصفات كالعلم والقدرة.
[تفسير آيات أشكلت: 2/748]
ولما رأوا أن الرسل اتفقت على أنه يتكلم والقرآن مملوء من إثبات قوله وكلامه صاروا تارة يقولون ليس بمتكلم حقيقة وإنما هو متكلم مجازًا وهذا قولهم الأول لما كانوا في بدعتهم وكفرهم على الفطرة قبل أن يدخلوا في المعاندة والجحود.
ثم إنهم رأوا هذا شنيعًا فقالوا بل هو يتكلم حقيقة كما يطلقه المسلمون وربما حكي عن بعض متكلميهم إجماع المسلمين هم وغيرهم على أن الله يتكلم وليس هو عندهم كذلك بل حقيقة قولهم وأصله عند من عرفه وابتدعه أن الله ليس بمتكلم.
وقالوا المتكلم من فعل الكلام ولو في محل منفصل عنه ففسروا المتكلم في اللغة بمعنى لا يعرف في لغة العرب ولا غيرهم لا حقيقة ولا مجازًا أن يكون المتكلم متكلمًا بكلام فعله في غيره من غير أن يكون هو تكلم به قط ولا اتصل الكلام بنفسه بوجهٍ من الوجوه وهذا قول من يقول إن القرآن مخلوق.
[تفسير آيات أشكلت: 2/749]
وهذا القول أحد أقوال الصابئة وهم الذين يقولون بحدوث العالم ويوافقون الرسل في ذلك وهو وإن كان كفرًا بما جاءت به الرسل فليس هو في الكفر مثل القول الأول لأن هؤلاء لا يقولون إن الله أراد أن يبعث رسولًا معينًا وأن ينزل عليه هذا الكلام الذي خلقه.
وأنكر هؤلاء أن يكون الله متكلمًا أو قائلًا على الوجه الذي دلت عليه الكتب الإلهية والذي أفهمت الرسل لقومهم واتفق عليه أهل الفطرة السليمة المتلقية عن الرسل لما تقدم من أن الكلام صفة وزعموا أن الله لا يجوز أن تقوم به الصفات ولأن الكلام الذي يتكلم به لا يجوز أن يكون قديمًا لما فيه من محالات ذكروها ولازم أن يكون حادثًا لأنه يلزم أن تكون ذاته محلًّا للحوادث ولو كان كذلك لكان حادثًا لأنهم أثبتوا حدوث الأجسام بحلول الحوادث بها.
ونشأ بين هؤلاء الذين هم فروع الصابئة وبين المؤمنين أتباع الرسل الخلاف فكفر هؤلاء ببعض ما جاءت به الرسل من وصف الله بالكلام والتكليم واختلفوا في كتاب الله فآمنوا ببعضٍ وكفروا ببعض.
[تفسير آيات أشكلت: 2/750]
واتبع المؤمنون ما أنزل إليهم من ربهم وما جاءت به الرسل من أن الله تكلم بالقرآن وغيره من الكتب وأنه كلم موسى تكليمًا وأنه يتكلم ويقول ويأمر وينهى ولم يحرفوا الكلم عن مواضعه كما فعل الأولون بل ردوا تحريف أولئك ببصائر الإيمان الذي علموا أنه مراد الرسل من إخبارهم برسالة الله وكلامه وأنبائه وحديثه وخبره وبشواهد القرآن والحديث وإجماع السلف من الصحابة والتابعين وسائر أتباع الأنبياء.
وعلموا أن قول هؤلاء أخبث من قول اليهود والنصارى كما تقدم حتى كان عبد الله بن المبارك إمام المسلمين رضي الله عنه
[تفسير آيات أشكلت: 2/751]
يقول إنا لنحكِي كلام اليهود والنصارى ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية.
وكان قد كثر ظهور هؤلاء الجهمية الذين هم فروع المشركين ومن اتبعهم من مبدلة الصابئين ثم مبدلة اليهود والنصارى في آخر المائة الثانية وأوائل الثالثة في إمارة أبي العباس الملقب بالمأمون بسبب تعريب كتب الروم المشركين الصابئين الذين كانوا قبل النصارى ومن أشبههم من فارس والهند وظهرت علوم الصابئين المنجمين ونحوهم.
[تفسير آيات أشكلت: 2/752]
وقد تقدم أن أهل الكلام المبتدع في الإسلام هم من فروع الصابئين كما يقال المعتزلة مخانيث الفلاسفة فظهرت هذه المقالة في أهل العلم والكلام وفي أهل السيف والإمارة وصار في أهلها من الخلفاء والأمراء والوزراء والقضاة والفقهاء وغيرهم ما امتحنوا به المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الذين اتبعوا ما أنزل إليهم من ربهم ولم يبدلوا ولم يبتدعوا وذلك لقصورٍ وتفريطٍ من أكثرهم في معرفة حقيقة ما جاء به الرسول وأتباعه وإلا فلو كان ذلك كثيرًا فيهم لم يتمكن أولئك المبتدعة لما يخالف دين الإسلام من التمكن منهم.
[تفسير آيات أشكلت: 2/753]


التوقيع :
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 15 ربيع الثاني 1432هـ/20-03-2011م, 12:27 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 7,079
افتراضي

فصل
فجاء قوم من متكلمة الصفاتية الذين نصروا أن الله له علم وقدرة وسمع وبصر وحياة وكلام بالمقاييس العقلية المطابقة للنصوص النبوية وفرَّقوا بين الصفات القائمة بالجواهر فجعلوها أعراضًا وبين الصفات القائمة بالرب فلم يسمُّوها أعراضًا لأن العَرَض ما لا يدوم ولا يبقى أو ما يقوم بمتحيز أو جسم وصفات الرب لازمة دائمة ليست من جنس الأعراض القائمة بالأجسام.
وهؤلاء أهل الكلام القياسي من الصفاتية فارقوا أولئك المبتدعة المعطلة الصابئة في كثير من أمورهم وأثبتوا الصفات التي قد يستدل بالقياس العقلي عليها كالصفات السبع وهي الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام.
ولهم نزاع في السمع والبصر والكلام هل هو من الصفات القياسية العقلية أو الصفات النبوية الخبرية السمعية ولهم اختلاف في البقاء والقدم
[تفسير آيات أشكلت: 2/754]
وفي الإدراك الذي هو إدراك المشمومات والمذوقات والملموسات ولهم أيضًا اختلاف في الصفات السمعية القرآنية الخبرية كالوجه واليد فأكثر متقدميهم أو كلهم يثبتها وكثير من متأخريهم لا يثبتها.
وأما ما لم يرد إلا في الحديث فأكثرهم لا يثبتها ثم منهم من يصرف النصوص عن دلالتها لأجل ما عارضها من القياس العقلي عنده ومنهم من يفوض معناها.
وليس الغرض هنا تفصيل مقالات الناس فيما يتعلق بسائر الصفات وإنما المقصود القول في رسالة الله وكلامه الذي بَلَّغته رسله فكان هؤلاء بينهم وبين أهل الوراثة النبوية قدرًا مشتركًا بما أثبتوه مما جاءت به الرسل وبينهم وبين أهل الوراثة الصابئة المحدثة قدرًا مشتركًا بما سلكوه من الطرق الصابئة في أمر الخالق وأسمائه وصفاته وآياته.
فصار في مذهبهم في الرسالة تركيب من الوراثتين لبسوا حق ورثة الأنبياء بباطل ورثه أتباع الصابئة كما كان في مذهب أهل الكلام المحض المبتدع
[تفسير آيات أشكلت: 2/755]
كالمعتزلة تركيب ولبس بين الأثارة النبوية وبين الأثارة الصابئة لكن أولئك أشد اتباعًا للأثارة النبوية وأقرب إلى مذهب أهل السنة والجماعة وأهل القرآن والحديث والفقه في ذلك من المعتزلة ونحوهم من وجوه كثيرة ولهذا وافقهم في بعض ما ابتدعوه كثير من أهل الفقه والحديث والتصوف لوجوه:
أحدها كثرة الحق الذي يقولونه وظهور الأثارة النبوية عندهم.
الثاني لبسهم ذلك بمقاييس عقلية بعضها موروث عن الصابئة وبعضها مما ابتدع في الإسلام ابتدعه إما هم وإما غيرهم واستيلاء ما في ذلك من الشبهات عليهم وظنهم أنه لم يكن التمسك بالأثارة النبوية من أهل العقل والعلم إلا على هذا الوجه.
الثالث ضعف الأثارة النبوية الدافعة لهذه الشبهات والموضحة لسبيل الهدى عندهم.
الرابع العجز والتفريط الواقع في المنتسبين إلى السنة والحديث تارة يروون ما لا يعلمون صحته وتارة يكونون كالأميين الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني ويعرضون عن بيان دلالة الكتاب والسنة على حقائق الأمور.
[تفسير آيات أشكلت: 2/756]
فلما كان هذا منهاجهم قالوا إن القرآن غير مخلوق لما دل على ذلك من النصوص وإجماع السلف ولما رأوا أنه مستقيم على الأصل الذي قرَّروه في الصفات.
ورأوا أن التوفيق بين النصوص النبوية السمعية وبين القياس العقلي لا يستقيم إلا بأن يجعلوا القرآن معنى قائمًا بنفس الله تعالى كسائر الصفات كما جعله الأولون من باب المصنوعات المخلوقات لا قديمًا كسائر الصفات.
ورأوا أنه ليس إلا مخلوق أو قديم فإن إثبات قسم ثالث قائم بالله يقتضي حلول الحوادث بذاته وهو دليل على حدوث الموصوف ومبطل لدلالة حدوث العالم ثم رأوا أنه لا يجوز أن يكون معاني كثيرة بل إما معنى واحد عند طائفة أو معان أربعة عند طائفة.
والتزموا على هذا أن حقيقة الكلام هي المعنى القائم بالنفس وأن الحروف والأصوات ليست من حقيقة الكلام بل هي دالة عليه فتسمى باسمه إما مجازًا عند طائفة أو حقيقة بطريق الاشتراك عند طائفة وإما مجازًا في كلام الله وحقيقة في كلام الآدميين عند طائفة.
[تفسير آيات أشكلت: 2/757]
وخالفهم الأولون وبعض من يتسنن أيضًا فقالوا لا حقيقة للكلام إلا الحروف والأصوات وأنه ليس وراء الحروف والأصوات معنى إلا العلم ونوعه أو الإرادة ونوعها فصار النزاع بين الطائفتين في موضعين أن معنى الكلام هل حقيقة في المعنى فقط أو في اللفظ فقط وادعى هؤلاء أن الأمر والنهي والخبر صفات للكلام إضافية ليست أنواعًا له وأقسامًا وأن كلام الله معنى واحد وزعموا أنه إذا عبر عنه بالعربية فهو قرآن وبالعبرانية فهو توراة وبالسريانية فهو إنجيل.
وقال لهم أكثر الناس هذا معلوم الفساد بالضرورة كما قال الأولون إنه خلق الكلام في الهواء فصار متكلمًا به وأن المتكلم من أحدث الكلام ولو في ذات غير ذاته وقال لهم أكثر الناس إن هذا معلوم الفساد بالضرورة.
وقال جمهور الناس من جميع الطوائف إن الكلام اسم للفظ والمعنى جميعًا كما أن الإنسان المتكلم اسم للجسم والروح جميعًا وأنه إذا
[تفسير آيات أشكلت: 2/758]
أطلق على أحدهما فبقرينة وأن معاني الكلام متنوعة ليست منحصرة في العلم والإرادة كتنوع ألفاظه وإن كانت المعاني أقرب إلى الاتحاد والاجتماع والألفاظ أقرب إلى التعدد والتفرق.
والتزم هؤلاء أن حروف القرآن مخلوقة وإن لم يكن عندهم المعنى الذي هو كلام الله مخلوقًا وفرقوا بين كتاب الله وكلامه فقالوا كتاب الله هو الحروف وهو مخلوق وكلام الله وهو معناها غير مخلوق والقرآن وإن عني به الحروف فهو مخلوق وقال من قال منهم القرآن في العرف العام هو الحروف وهو مخلوق ولا ينعقد اليمين به ورأوا أن إطلاق القول بانعقاد اليمين مخالفًا للأصول.
وهؤلاء والأولون متفقون على خلق القرآن الذي قال الأولون إنه مخلوق لكن هؤلاء يثبتون معنى آخر هو القرآن الذي ليس بمخلوق عندهم والأولون ينكرون وجوده فهم في الحقيقة قد قالوا بخلق إحدى شطري القرآن لا بخلقه كله.
والطائفتان جميعًا تنكران أن يكون الله تكلم بحروف القرآن أو أنها كلامه على المعنى المعروف الذي يعلم الناس أنه بكلام المتكلم ولكن قد يطلقون هذا اللفظ لإطلاق الأمة له لمعنى ليس هو المعنى المفهوم عند الأمة ولا عند أهل
[تفسير آيات أشكلت: 2/759]
الفطرة الباقية التي لم تغير وحجتهم جميعًا امتناع حرف قديم أو حرف ليس بقديم قائم بنفس الله فتعين القسم الثالث وهو حرف ليس بقديم ولا قائم بنفس الله تعالى.
واختلف هؤلاء أين خلقت هذه الحروف هل خلقت في الهواء أو في نفس جبريل أو أن جبريل هو الذي أحدثها أو محمد على أقوال مضطربة.
وأما جمهور الأمة وأهل الحديث والفقه والتصوف فعلى ما جاءت به الرسل وما جاء عنهم من الكتب والأثارة من العلم وهم المتبعون للرسالة اتباعًا محضًا لم يشوبوه بما يخالفه من مقالة الصابئين وهو أن القرآن كله كلام الله لا يجعلون بعضه كلام الله وبعضه ليس كلام الله.
والقرآن هو القرآن الذي يعلم المسلمون أنه القرآن حروفه معانيه والأمر والنهي هو اللفظ والمعنى جميعًا.
ولهذا كان الفقهاء المصنفون في أصول الفقه من جميع الطوائف الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية إذا لم يخرجوا عن مذاهب الأئمة والفقهاء إذا تكلموا في الأمر والنهي ذكروا ذلك وخالفوا من قال إن الأمر هو المعنى المجرد.
[تفسير آيات أشكلت: 2/760]
ويعلم أهل الأثارة النبوية أهل السنة والحديث وعامة المسلمين الذين هم جماهير أهل القبلة أن قوله تعالى {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} ونحو ذلك هو كلام الله لا كلام غيره وكلام الله هو ما تكلم به لا ما خلقه في غيره ولم يتكلم به.
والله أعلم
[تفسير آيات أشكلت: 2/761]


التوقيع :
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الإيمان, فصل

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:42 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir