دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > فضائل القرآن > فضائل القرآن لابن كثير

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17 ربيع الثاني 1431هـ/1-04-2010م, 08:14 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي كتابة عثمان رضي الله عنه للمصاحف


كتابة عثمان رضي الله عنه للمصاحف
قال البخاري رحمه الله:
ثنا موسى بن إسماعيل ثنا إبراهيم ثنا ابن شهاب أن أنس بن مالك حدثه أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان بن عفان رضي الله عنهما وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينيه وأذربيجان مع أهل العراق فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى فأرسل عثمان إلى حفصة: أن أرسلي إلينا بالصحف فننسخها ثم نردها إليك فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد ابن العاص وعبد الرحمن بن الحرث بن هشام فنسخوها في المصاحف
وقال عثمان للرهط القريشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما أنزل بلسانهم ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق
بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق
قال ابن شهاب الزهري: فأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت سمع زيد بن ثابت فقال: فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} فألحقناها في سورتها بالمصحف وهذا أيضا من أكبر مناقب أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه
فإن الشيخين سبقاه إلى حفظ القرآن أن يذهب منه شيء؟ وهو جمع الناس على قراءة واحدة لئلا يختلفوا في القرآن ووافقه على ذلك جميع الصحابة وإنما روى عن عبد الله بن مسعود شيء من التغضب بسبب أنه لم يكن ممن كتب المصاحف وأمر أصحابه بغل مصاحفهم لما أمر عثمان بحرق ما عدا المصحف الإمام ثم رجع ابن مسعود إلى الوفاق حتى قال علي بن أبي طالب: لو لم يفعل ذلك عثمان لفعلته أنا فاتفق الأئمة الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلى على أن ذلك من مصالح الدين وهم الخلفاء الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي] وكان السبب في هذا حذيفة بن اليمان رضي الله عنه فإنه لما كان غازيا في فتح أرمينية وأذربيجان وكان قد اجتمع هناك أهل الشام والعراق وجعل حذيفة يسمع منهم قراءات على حروف شتى ورأى منهم اختلافا وافتراقا فلما رجع إلى عثمان أعلمه وقال لعثمان: أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى
وذلك أن اليهود والنصارى مختلفون فيما بأيديهم من الكتب فاليهود بأيديهم نسخة من التوراة والسامرة يخالفونهم في ألفاظ كثيرة ومعاني أيضا وليس في توراة السامرة حروف الهمزة ولا حرف الهاء ولا الياء والنصارى أيضا بأيديهم توراة يسمونها العتيقة وهي مخالفة لنسختي اليهود والسامرة
وأما الأناجيل التي بأيدي النصارى فأربعة: إنجيل مرقس وإنجيل لوقا وإنجيل متى وإنجيل يوحنا وهي مختلفة أيضا اختلافا كثيرا وهذه الأناجيل الأربعة كل منها لطيف الحجم منها ما هو قريب من أربع عشرة ورقة بخط متوسط ومنها ما هو أكثر من ذلك إما بالنصف أو الضعف ومضمونها سيرة عيسى عليه السلام وأيامه وأحكامه وكلامه ومعه شيء قليل مما يدعون أنه كلام الله وهي مع هذا مختلفة كما قلنا وكذلك التوراة مع ما فيها من التحريف والتبديل ثم هما منسوخان بعد ذلك بهذه الشريعة المحمدية المطهرة
فلما قال حذيفة لعثمان أفزعه وأرسل إلى حفصة أم المؤمنين أن ترسل إليه بالصحف التي عندها مما جمعه الشيخان ليكتب ذلك في مصحف واحد وينفذه إلى الآفاق ويجمع الناس على القراءة به وترك ما سواه ففعلت حفصة
وأمر عثمان هؤلاء الأربعة وهم زيد بن ثابت الأنصاري أحد كتاب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي أحد فقهاء الصحابة ونجبائهم علما وعملا وأصلا وفضلا وسعيد بن العاص ابن أمية القرشي الأموي وكان كريما جوادا ممدحا وكان أشبه الناس لهجة برسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي
فجلس هؤلاء النفر الأربعة يكتبون بالقرآن نسخا وإذا اختلفوا في موضع الكتابة على أي لغة رجعوا إلى عثمان كما اختلفوا في التابوت أيكتبونه بالتاء أو الهاء؟ فقال زيد بن ثابت: إنما هو التابوه وقال الثلاثة القرشيون: إنما هو التابوت فتراجعوا إلى عثمان فقال: اكتبوه بلغة قريش فإن القرآن نزل بلغتهم وكان عثمان رضي الله عنه - والله أعلم - رتب السور في المصحف وقدم السبع الطول وثنى بالمئين
ولهذا روى ابن جرير وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث غير واحد من الأئمة الكتاب: عن عوف الأعرابي عن يزيد الفارسي عن ابن عباس قال: قلت لعثمان ابن عفان: ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر {بسم الله الرحمن الرحيم} ووضعتموها في السبع الطول ما حملكم على ذلك؟ فقال عثمان: [كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يأتي عليه الزمان وهو ينزل عليه السور ذوات العدد فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول: ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا]
وكانت الأنفال من أول ما نزلت بالمدينة وكانت براءة من آخر القرآن وكانت قصتها شبيهة بقصتها وحسبت أنها منها فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتبين لنا أنها منها فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم فوضعتها في السبع الطول ففهم من هذا الحديث أن ترتيب الآيات في الصور أمر توقيفي متلقى عن النبي صلى الله عليه وسلم
وأما ترتيب السور فمن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه ولهذا ليس لأحد أن يقرأ القرآن إلا مرتبا آياته فإن نكسه أخطأ كثيرا وأما ترتيب السور فمستحب اقتداء بعثمان رضي الله عنه والأولى إذا قرأ أن يقرأ متواليا كما قرأ عليه السلام في صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين وتارة بسبح و{هل أتاك حديث الغاشية} فإن فرق جاز كما صح أن رسول الله قرأ في العيد بقاف و{اقتربت الساعة} رواه مسلم عن أبي قتادة وفي الصحيحين عن أبي هريرة [أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة {ألم} السجدة و{هل أتى على الإنسان}] وان قدم بعض السور على بعض جاز أيضا فقد روى حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ البقرة ثم النساء ثم آل عمران أخرجه مسلم وقرأ عمر في الفجر بسورة النحل ثم بيوسف
ثم إن عثمان رضي الله عنه رد الصحف إلى حفصة رضي الله عنها فلم تزل عندها حتى أرسل إليها مروان بن الحكم يطلبها فلم تعطه حتى ماتت فأخذها من عبد الله بن عمر فحرقها لئلا يكون فيها شيء يخالف المصاحف الأئمة التي نفذها عثمان إلى الآفاق مصحفا إلى مكة ومصحفا إلى البصرة وآخر إلى الكوفة وآخر إلى الشام وآخر إلى اليمن وآخر إلى البحرين وترك عند أهل المدينة مصحفا رواه أبو بكر بن أبي داود عن أبي حاتم السجستاني سمعه يقوله وصحح القرطبي أنه إنما نفذ إلى الآفاق أربعة مصاحف - وهذا غريب - وأمر بما عدا ذلك من مصاحف الناس أن يحرق لئلا تختلف قراءات الناس في الآفاق وقد وافقه الصحابة في عصره على ذلك ولم ينكره أحد منهم وإنما نقم عليه ذلك الرهط الذين تمالؤا عليه وقتلوه - قاتلهم الله - وذلك في جملة ما أنكروا ممالا أصل له وأما سادات المسلمين من الصحابة ومن نشأ في عصرهم ذلك من التابعين فكلهم وافقوه
قال أبو داود الطيالسي وابن مهدي وغندر عن شعبة عن علقمة ابن مرثد عن رجل عن سويد بن غفلة: قال على حين حرق عثمان المصاحف: لو لم يصنعه هو لصنعته
وقال أبو بكر بن أبي داود: ثنا أحمد بن سنان ثنا عبد الرحمن ثنا شعبة عن أبي إسحق عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص قال: أدركت الناس متوافرين حين حرق عثمان المصاحف فأعجبهم ذلك أو قال لم ينكر ذلك منهم أحد وهذا إسناد صحيح وقال أيضا: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الصواف ثنا بن كثير ثنا ثابت بن عمارة الحنفي قال: سمعت غنيم بن قيس المازني قال: قرأت القرآن على الحرفين جميعا والله ما يسرني أن عثمان لم يكتب المصحف وأنه ولد لكل مسلم كلما أصبح غلام فأصبح له مثل ماله قال: قلنا له يا أبا العنبر لم؟ قال لو لم يكتب عثمان المصحف لطفق الناس يقرءون الشعر وحدثنا يعقوب بن سفيان حدثنا محمد بن عبد الله - حدثني عمران بن حدير عن أبي مجلز قال: لولا أن عثمان كتب القران لألفيت الناس يقرءون الشعر
وحدثنا أحمد بن سنان سمعت ابن مهدي يقول: خصلتان لعثمان بن عفان ليستا لأبي بكر ولا لعمر: صبره نفسه حتى قتل مظلوما وجمعه الناس على المصحف وأما عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقد قال إسرائيل عن أبي إسحاق عن حميد بن مالك قال: لما أمر بالمصاحف - يعني بتحريقها - ساء ذلك عبد الله بن مسعود وقال: من استطاع منكم أن يغل مصحفا فليغلل فإنه من غل شيئا جاء بما غل يوم القيامة ثم قال عبد الله: لقد قرأت القرآن من في رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة وزيد صبي أفأترك ما أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أبو بكر: ثنا محمد بن عبد الله بن محمد بن النضر ثنا سعيد بن سليمان ثنا ابن شهاب عن الأعمش عن أبي وائل قال: خطبنا ابن مسعود على المنبر فقال: من يغلل يأت بما غل يوم القيامة غلوا مصاحفكم وكيف تأمروني أن أقرأ على قراءة زيد بن ثابت وقد قرأت القرآن من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة وأن زيد بن ثابت ليأتي مع الغلمان له ذؤابتان والله ما نزل من القرآن شيء إلا وأنا أعلم في أي شيء نزل وما أحد أعلم بكتاب الله منى وما أنا بخيركم ولو أعلم مكانا تبلغه الإبل أعلم بكتاب الله منى لأتيته قال أبو وائل: فلما نزل عن المنبر جلست في الخلق فما أحد ينكر ما قال أصل هذا مخرج في الصحيحين وعندهما: ولقد علم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أني من أعلمهم بكتاب الله
وقول أبي وائل: فما أحد ينكر ما قال يعني من فضله وحفظه وعلمه والله أعلم وأما أمره بغل المصاحف وكتمانها فقد أنكره عليه غير واحد
قال الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال: قدمت الشام فلقيت أبا الدرداء فقال: كنا نعد عبد الله جبانا فما باله يواثب الأمراء؟ وقال أبو بكر بن أبي داود باب رضي عبد الله بن مسعود بجمع عثمان المصاحف بعد ذلك
حدثنا عبد الله بن سعيد ومحمد بن عثمان بن حسان العامري عن فلفلة الجعفي قال: فزعت فيمن فزع إلى عبد الله في المصاحف فدخلنا عليه فقال رجل من القوم: إنا لم نأتك زائرين ولكننا جئنا حين راعنا هذا الخبر فقال: إن القرآن أنزل على نبيكم من سبعة أبواب على سبعة أحرف - أو حروف - وإن الكتاب قبلكم كان ينزل - أو نزل - من باب واحد على حرف واحد وهذا الذي استدل به أبو بكر رحمه الله على رجوع ابن مسعود فيه نظر من جهة أنه لا تظهر من هذا اللفظ رجوع عما كان يذهب إليه والله أعلم
وقال أبو بكر أيضا: حدثني عمي ثنا أبو رجاء أنا إسرائيل عن أبي إسحق عن مصعب بن سعد قال: قام عثمان فخطب الناس فقال: أيها الناس عهد نبيكم منذ ثلاث عشرة وأنتم تمترون في القرآن وتقولون قراءة أبي وقراءة عبد الله يقول الرجل: والله ما يقيم قراءتك وأعزم على كل رجل منكم ما كان معه من كتاب الله شيء لما جاء به فكان الرجل يجيء بالورقة والأديم فيه القرآن حتى تجمع من ذلك شيء كثير ثم دخل عثمان فدعاهم رجلا رجلا فناشدهم: لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أملاه عليك فيقول نعم فلما فرغ من ذلك عثمان قيل من أكتب الناس قال كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت قال فأي الناس أعرب قالوا: سعيد بن العاص قال عثمان: فليمل سعيد وليكتب زيد مصاحفا ففرقها - في الناس فسمعت بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: قد أحسن إسناد صحيح
وقال أيضا: ثنا إسحق بن إبراهيم بن زيد ثنا أبو بكر بن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن كثير بن أفلح قال: لما أراد عثمان أن يكتب المصاحف جمع له اثني عشر رجلا من قريش والأنصار فيهم أبي بن كعب وزيد بن ثابت قال: فبعثوا إلى الربعة التي في بيت عمر فجيء بها قال: وكان عثمان يتعاهدهم فكانوا إذا تدارءوا في شيء أخروه قال محمد: فقلت لكثير وكان فيهم فيمن يكتب: هل تدرون لم كانوا يؤخرونه؟ قال: لا قال محمد: فظننت ظنا كانوا يؤخرونها لينظروا أحدثهم عهدا بالعرضة الأخيرة فيكتبونها على قوله صحيح أيضا
قلت: الربعة هي الكتب المجتمعة وكانت عند حفصة رضي الله عنها فلما جمعها عثمان رضي الله عنه في المصحف ردها إليها ولم يحرقها في جملة ما حرقه مما سواها لأنها هي بعينها الذي كتبه وإنما رتبه ثم أنه كان قد عاهدها على أن يردها إليها فمازالت عندها حتى ماتت ثم أخذها مروان بن الحكم فحرقها وتأول في ذلك ما تأول عثمان كما رواه أبو بكر بن أبي داود: حدثنا محمد بن عوف ثنا أبو اليمان ثنا شعيب عن الزهري أخبرني سالم بن عبد الله أن مروان كان يرسل إلى حفصة يسألها عن الصحف التي كتب منها القرآن فتأبى حفصة أن تعطيه إياها قال سالم: فلما توفيت حفصة ورجعنا من دفنها أرسل مروان بالعزيمة إلى عبد الله ابن عمر ليرسلن إليه بتلك الصحف فأرسل بها إليه عبد الله بن عمر فأمر بها مروان فشققت وقال مروان: إنما فعلت هذا لأن ما فيها قد كتب وحفظ بالمصحف فخشيت إن طال بالناس زمان أن يرتاب في شأن هذه الصحف مرتاب أو يقول إنه قد كان شيء منها لم يكتب إسناد صحيح
وأما ما رواه الزهري عن خارجة عن أبيه في شأن آية الأحزاب وإلحاقهم إياها في سورتها فذكره لهذا بعد جمع عثمان فيه نظر وإنما هذا كان حال جمع الصديق الصحف كما جاء مصرحا به في غير هذه الرواية عن الزهري عن عبيد بن السباق عن زيد بن ثابت والدليل على ذلك أنه قال فألحقناها في سورتها من المصحف وليست هذه الآية ملحقة في الحاشية في المصاحف العثمانية
فهذه الأفعال من أكبر القربات التي بادر إليها الأئمة الراشدون: أبو بكر وعمر رضي الله عنهما حفظا على الناس القرآن وجمعاه لئلا يذهب منه شيء وعثمان رضي الله عنه جمع قراءات الناس على مصحف واحد ووضعه على العرضة الأخيرة التي عارض بها جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر رمضان من عمره عليه السلام فإنه عارضه به عامئذ مرتين ولهذا قال رسول الله لفاطمة ابنته لما مرض: [وما أرى ذلك إلا لاقتراب أجلى] أخرجاه في الصحيحين
وقد روى أن عليا رضي الله عنه أراد أن يجمع القرآن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتبا حسب نزوله أولا فأول كما رواه ابن أبي داود رحمه الله حيث قال: ثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي ثنا ابن تفضيل عن أشعث عن محمد ابن سيرين قال: لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم أقسم علي أن لا يرتدي برداء إلا لجمعة حتى يجمع القرآن في مصحف ففعل فأرسل إليه أبو بكر رضي الله عنه أيام أكرهت إمارتي يا أبا الحسن؟ فقال: لا والله إلا أني أقسمت أن لا أرتدي برداء إلا لجمعة فبايعه ثم رجع هكذا رواه وفيه انقطاع ثم قال لم يذكر المصحف أحد إلا أشعث وهو لين الحديث وإنما رووا حتى أجمع القرآن يعني أتم حفظه فإنه يقال للذي يجمع القرآن قد جمع قلت وهذا الذي قاله أبو بكر أظهر والله أعلم فإن عليا لم ينقل عنه مصحف على ما قيل ولا غير ذلك ولكن قد توجد مصاحف على الوضع العثماني يقال أنها بخط علي رضي الله عنه وفي ذلك نظر فإن في بعضهم (كتبه علي بن أبي طالب) وهذا لحن من الكلام وعلي رضي الله عنه من أبعد الناس عن ذلك فإنه كما هو المشهور عنه هو أول من وضع علم النحو فيما رواه عنه الأسود ظالم بن عمرو الدؤلي وأنه قسم الكلام إلى اسم وفعل وحرف وذكر أشياء أخر تممها أبو الأسود بعده ثم أخذ الناس عن أبي الأسود فوسعوه ووضحوه وصار علما مستقلا
وأما المصاحف العثمانية الأئمة فأشهرها اليوم الذي في الشام بجامع دمشق عند الركن شرقي المقصورة المعمورة بذكر الله وقد كان قديما بمدينة طبرية ثم نقل منها إلى دمشق في حدود ثماني عشرة وخمسمائة وقد رأيته كتابا عزيزا جليلا عظيما ضخما بخط حسن مبين قوي بحبر محكم في رق أظنه من جلود الإبل والله أعلم زاده الله تشريفا وتعظيما وتكريما فأما عثمان رضي الله عنه فيما يعرف أنه كتب بخطه هذه المصاحف وإنما كتبها زيد بن ثابت في أيامه وغيره فنسبت إلى عثمان لأنها بأمره وإشارته ثم قرئت على الصحابة بين يدي عثمان ثم نفذت إلى الآفاق رضي الله عنه
وقد قال أبو بكر بن أبي داود: ثنا علي بن حرب الطائي ثنا قريش بن أنس ثنا سليمان التيمي عن أبي نضرة عن أبي سعيد مولى بني أسيد قال: لما دخل المصريون على عثمان ضربوه بالسيف على يده فوقعت على {فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم} فمد يده وقال: والله إنها لأول يد خطت المفصل وقال أيضا: ثنا أبو الطاهر ثنا ابن وهب قال: سألت مالكا عن مصحف عثمان فقال لي: ذهب يحتمل أنه سأله عن المصحف الذي كتبه بيده ويحتمل أن يكون سأله عن المصحف الذي تركه في المدينة والله أعلم
قلت: وقد كانت الكتابة في العرب قليلة جدا وإنما أول ما تعلموا ذلك ما ذكره هشام بن محمد بن السائب الكلبي وغيره أن بشر ابن عبد الملك أخا أكيدر دومة تعلم الخط من الأنبار ثم قدم مكة فتزوج الصهباء بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية فعلمه حرب بن أمية وابنه سفيان وتعلمه عمر بن الخطاب من حرب ابن أمية وتعلمه من عمه سفيان بن حرب وقيل: إن أول من تعلمه من الأنبار قوم من طيئ من قرية هناك يقال لها بقة ثم هذبوه ونشروه في جزيرة العرب فتعلمه الناس ولهذا قال أبو بكر بن أبي داود: ثنا عبد الله بن محمد الزهري ثنا سفيان عن مجاهد عن الشعبي قال: سألنا المهاجرون: من أين تعلمتم الكتابة؟ قالوا: من أهل الأنبار قلت: والذي كان يغلب على زمان السلف الكتابة المكتوبة ثم هذبها أبو علي بن مقلة الوزير وصار له في ذلك نهج وأسلوب في الكتابة ثم قربها علي بن هلال البغدادي المعروف بابن البواب وسلك الناس وراءه وطريقته في ذلك واضحة جيدة والغرض أن الكتابة لما كانت في ذلك الزمان لم تحكم جيدا وقع في كتابة المصاحف اختلاف في وضع الكلمات من حيث صناعة الكتابة لا من حيث المعنى وصنف الناس في ذلك واعتنى بذلك الإمام أبو بكر بن أبي داود رحمه الله فبوبا على ذلك وذكر قطعة صالحة هي من صناعة القرآن ليست مقصدنا ههنا
ولهذا نص الإمام مالك على أنه لا توضع المصاحف إلا على وضع كتابة الإمام ورخص غيره في ذلك واختلفوا في الشكل والنقط فمن مرخص ومن مانع
فأما كتابة السورة وآياتها والتعشير والأجزاء والأحزاب فكثير من مصاحف زماننا والأولى اتباع السلف الصالح ثم قال البخاري

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
عثمان, كتابة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:12 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir