دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > جامع علوم القرآن > تيسير اللطيف المنان

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 28 رجب 1436هـ/16-05-2015م, 01:23 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي فصل: في ذكر الفوائد والثمرات المترتبة على التحقق بهذه العقائد الجليلة

فصل
في ذكر الفوائد والثمرات المترتبة على التحقق بهذه العقائد الجليلة


قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السَّعْدِيُّ (ت: 1376هـ): (فصل
في ذكر الفوائد والثمرات المترتبة على التحقق بهذه العقائد الجليلة
اعلم أن خير الدنيا والآخرة من ثمرات الإيمان الصحيح، وبه يحيا العبد حياة طيبة في الدارين، وبه ينجو من المكاره والشرور، وبه تخف الشدائد، وتدرك جميع المطالب، ولنشر إلى هذه الثمرات على وجه التفصيل، فإن معرفة فوائد الإيمان وثمراته من أكبر الدواعي إلى التزود منه.
فمن ثمرات الإيمان: أنه سبب رضا الله الذي هو أكبر شيء، فما نال أحد رضا الله في الدنيا والآخرة إلا بالإيمان وثمراته، بل صرح الله به في كتابه في مواضع كثيرة، وإذا رضي الله عن العبد قبل اليسير من عمله ونماه، وغفر الكثير من زلَلِه ومحاه.
ومنها: أن ثواب الآخرة ودخول الجنة والتنعم بنعيمها، والنجاة من النار وعقابها، إنما يكون بالإيمان، فأهل الإيمان هم أهل الثواب المطلق، وهم الناجون من جميع الشرور.
ومنها: أن الله يدفع ويدافع عن الذين آمنوا شرور الدنيا والآخرة، فيدفع عنهم كيد شياطين الإنس والجن، ولهذا قال تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [النحل: 99]
ولما ذكر إنجاءه ذا النون قال: {وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء: 88] أي: من الشدائد والمكاره إذا وقعوا فيها، والإيمان بنفسه وطبيعته يدفع الإقدام على المعاصي، وإذا وقعت من العبد دفع عقوباتها بالمبادرة إلى التوبة، كما قال صلى الله عليه وسلم: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» . .) إلى آخر الحديث.
فبين أن الإيمان يدفع وقوع الفواحش، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: 201]
ومنها: أن الله وعد المؤمنين القائمين بالإيمان حقيقة بالنصر، وأحقه على نفسه، فمن قام بالإيمان ولوازمه ومتمماته فله النصر في الدنيا والآخرة، وإنما ينتصر أعداء المؤمنين عليهم إذا ضيعوا الإيمان، وضيعوا حقوقه وواجباته المتنوعة.
ومنها: أن الهداية من الله للعلم والعمل ولمعرفة الحق وسلوكه هي بحسب الإيمان والقيام بحقوقه، قال تعالى: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ} [المائدة: 16]
ومعلوم أن اتباع رضوان الله - الذي هو حقيقة الإخلاص - هو روح الإيمان وساقه الذي يقوم عليه، وقال تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن: 11] فهذه هداية عملية، هداية توفيق وإعانة على القيام بوظيفة الصبر عند حلول المصائب إذا علم أنها من عند الله فرضي وسلم وانقاد.
ومنها: أن الإيمان يدعو إلى الزيادة من علومه وأعماله الظاهرة والباطنة؛ فالمؤمن بحسب إيمانه لا يزال يطلب الزيادة من العلوم النافعة، ومن الأعمال النافعة ظاهرا وباطنا، وبحسب قوة إيمانه يزيد إيمانه ورغبته وعمله؛ كما قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} [الحجرات: 15]
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: 2]
{فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [التوبة: 124]
ومنها: أن المؤمنين بالله وبكماله وعظمته وكبريائه ومجده أعظم الناس يقينا وطمأنينة وتوكلا على الله، وثقة بوعده الصادق، ورجاء لرحمته، وخوفا من عقابه، وأعظمهم إجلالا لله ومراقبة، وأعظمهم إخلاصا وصدقا، وهذا هو صلاح القلوب، لا سبيل إليه إلا بالإيمان.
ومنها: أنه لا يمكن للعبد أن يقوم بالإخلاص لله ولعباد الله ونصيحتهم على وجه الكمال إلا بالإيمان، فإن المؤمن تحمله عبودية الله، وطلب التقرب إلى الله، ورجاء ثوابه، والخشية من عقابه على القيام بالواجبات التي لله، والتي لعباد الله.
ومنها: أن المعاملات بين الخلق لا تتم وتقوم إلا على الصدق والنصح وعدم الغش بوجه من الوجوه، وهل يقوم بها على الحقيقة إلا المؤمنون؟
ومنها: أن الإيمان أكبر عون على تحمل المشقات، والقيام بأعباء الطاعات، وترك الفواحش التي في النفوس داع قوي إلى فعلها، فلا تتم هذه الأمور إلا بقوة الإيمان.
ومنها: أن العبد لا بد أن يصاب بشيء من الخوف والجوع، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، وهو بين أمرين: إما أن يجزع ويضعف صبره، فيفوته الخير والثواب، ويستحق على ذلك العقاب، ومصيبته لم تقلع ولم تخف، بل الجزع يزيدها. وإما أن يصبر فيحظى بثوابها، والصبر لا يقوم إلا على الإيمان؛ وأما الصبر الذي لا يقوم على الإيمان كالتجلد ونحوه فما أقل فائدته، وما أسرع ما يعقبه الجزع، فالمؤمنون أعظم الناس صبرا ويقينا وثباتا في مواضع الشدة.
ومنها: أن الإيمان يوجب للعبد قوة التوكل على الله، لعلمه وإيمانه أن الأمور كلها راجعة إلى الله ومندرجة في قضائه وقدره، وأن من اعتمد عليه كفاه، ومن توكل على الله فقد توكل على القوي العزيز القهار، ومع أنه يوجب قوة التوكل فإنه يوجب السعي والجد في كل سبب نافع، لأن الأسباب النافعة نوعان: دينية ودنيوية، فالأسباب الدينية: هي إيمان، وهي من لوازم الإيمان.
والأسباب الدنيوية قسمان:
سبب: معين على الدين، ويحتاج إليه الدين، فهو أيضا من الدين كالسعي في القوة المعنوية والمادية التي فيها قوة المؤمنين.
وسبب: لم يوضع في الأصل معينا على الدين، ولكن المؤمن لقوة إيمانه ورغبته فيما عند الله من الخير يسلك إلى ربه، وينفذ إليه مع كل سبب وطريق، فيستخرج من المباحات بنيته وصدق معرفته ولطف علمه بابا يكون به معينا على الخير، مجما للنفس، مساعدا لها على القيام بحقوق الله وحقوق عباده الواجبة والمستحبة، فيكون هذا المباح حسنا في حقه، عبادة لله، لما صحبه من النية الصادقة، حتى أن بعض المؤمنين الصادقين في إيمانهم ومعرفتهم ربما نوى في نومه وراحاته ولذاته التقوي على الخير، وتربية البدن لفعل العبادات، وتقويته على الخير، وكذلك في أدويته وعلاجاته التي يحتاجها؛ وربما نوى في اشتغاله في المباحات أو بعضها الاشتغال عن الشر، وربما نوى بذلك جذب من خالطه وعاشره بمثل الأمور على فعل خير أو انكفاف عن شر.
وربما نوى بمعاشرته الحسنة إدخال السرور والانبساط على قلوب المؤمنين، ولا ريب أن ذلك كله من الإيمان ولوازمه، ولما كان الإيمان بهذا الوصف قال تعالى في عدة آيات من كتابه: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 23]
ومنها: أن الإيمان يشجع العبد، ويزيد الشجاع شجاعة، فإنه لاعتماده على الله العزيز الحكيم ولقوة رجائه وطمعه فيما عنده تهون عليه المشقات، ويقدم على المخاوف واثقا بربه، راجيا له، راهبا من نزوله من عينه لخوفه من المخلوقين؛ ومن الأسباب لقوة الشجاعة أن المؤمن يعرف ربه حقا، ويعرف الخلق حقا، فيعرف أن الله هو النافع الضار، المعطي المانع، الذي لا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يدفع السيئات إلا هو، وأنه الغني من جميع الوجوه، وأنه أرحم بعباده من الوالدة بولدها، وألطف به من كل أحد، وأن الخلق بخلاف ذلك كله؛ ولا ريب أن هذا داع قوي عظيم يدعو إلى قوة الشجاعة، وقصر خوف العبد ورجائه على ربه، وأن ينتزع من قلبه خوف الخلق ورجاءهم وهيبتهم.
ومنها: أن الإيمان هو السبب الأعظم لتعلق القلب بالله في جميع مطالبه الدينية والدنيوية؛ والإيمان القوي يدعو إلى هذا المطلب الذي هو أعلى الأمور على الإطلاق، وهو غاية سعادة العبد؛ وفي مقابلة هذا يدعو إلى التحرر من رق القلب للمخلوقين، ومن التعلق بهم؛ ومن تعلق بالخالق دون المخلوق في كل أحواله حصلت له الحياة الطيبة، والراحة الحاضرة، والتوحيد الكامل، كما أن من عكس القضية نقص إيمانه وتوحيده، وانفتحت عليه الهموم والغموم والحسرات.
ولا ريب أن هذين الأمرين تبع لقوة الإيمان وضعفه، وصدقه وكذبه، وتحققه حقيقة أو دعواه والقلب خال منه.
ومنها: أن الإيمان يدعو إلى حسن الخلق مع جميع طبقات الناس، كما فال النبي صلى الله عليه وسلم: «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا» ، وجماع حسن الخلق: أن يتحمل العبد الأذى منهم، ويبذل إليهم ما استطاع من المعروف القولي والبدني والمالي، وأن يخالقهم بحسب أحوالهم بما يحبون إذا لم يكن في ذلك محذور شرعي، وأن يدفع السيئة بالتي هي أحسن، ولا يقوم بهذا الأمر إلا المؤمنون الكمل؛ قال تعالى: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: 35]
وإذا ضعف الإيمان أو نقص أو انحرف أثر ذلك في أخلاق العبد انحرافا بحسب بعده عن الإيمان.
ومنها: أن الإيمان الكامل يمنع من دخول النار بالكلية، كما منع صاحبه في الدنيا من عمل المعاصي، ومن الإصرار على ما وقع منه منها، والإيمان الناقص يمنع الخلود في النار وإن دخلها كما تواترت بذلك النصوص بأنه يخرج من النار من كان معه مثقال حبة خردل من إيمان.
ومنها: أن الإيمان يوجب لصاحبه أن يكون معتبرا عند الخلق أمينا، ويوجب للعبد العفة عن دماء الناس وأموالهم وأعراضهم؛ وفي الحديث «المؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم» ؛ وأي شرف دنيوي أبلغ من هذا الشرف الذي يبلغ بصاحبه أن يكون من الطبقة العالية من الناس، لقوة إيمانه، وتمام أمانته، ويكون محل الثقة عندهم، وإليه المرجع في أمورهم، وهذا من ثمرات الإيمان الجليلة الحاضرة.
ومنها: أن قوي الإيمان يجد في قلبه من ذوق حلاوته ولذة طعمه واستحلاء آثاره، والتلذذ بخدمة ربه، وأداء حقوقه وحقوق عباده - التي هي موجب الإيمان وأثره - ما يزري بلذات الدنيا كلها بأسرها، فإنه مسرور وقت قيامه بواجبات الإيمان ومستحباته، ومسرور بما يرجوه ويؤمله من ربه من ثوابه وجزائه العاجل والآجل، ومسرور بأنه ربح وقته الذي هو زهرة عمره وأصل مكسبه، ومحشو قلبه أيضا من لذة معرفته بربه ومعرفته بكماله وكمال بره، وسعة جوده وإحسانه ولذة محبته والإنابة إليه الناشئة عن معرفته بأوصافه، وعن مشاهدة إحسانه ومننه.
فالمؤمن يتقلب في لذات الإيمان وحلاوته المتنوعة، ولهذا كان الإيمان مسليا عن المصيبات مهونا للطاعات، ومانعا من وقوع المخالفات، جاعلا إرادة العبد وهواه تبعا لما يحبه الله ويرضاه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به».
ومنها: أن الإيمان هو السبب الوحيد للقيام بذروة سنام الدين، وهو: الجهاد البدني والمالي والقولي، جهاد الكفار بالسيف والسنان، وجهاد الكفار والمنافقين والمنحرفين في أصول الدين وفروعه بالحكمة والحجة والبرهان، فكلما قوي إيمان العبد علما ومعرفة وإرادة وعزيمة قوي جهاده، وقام بكل ما يقدر عليه بحسب حاله ومرتبته، فنال الدرجة العالية والمنزلة الرفيعة، وإذا ضعف الإيمان ترك العبد مقدوره من الجهاد القولي بالعلم والحجة والنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وضعف جهاده البدني لعدم الحامل له على ذلك، ولهذا قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات: 15]
فصادق الإيمان يحمله صدقه على القيام بهذه المرتبة التي هي مرتبة الطبقتين العاليتين بعد النبيين: طبقة الصديقين المجاهدين بالعلم والحجة والتعليم والنصيحة، وطبقة الشهداء الذين قاتلوا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا من دون قتل؛ وهذا كله من ثمرات الإيمان ومن تمامه وكماله؛ وبالجملة فخير الدنيا والآخرة كله فرع عن الإيمان ومترتب عليه، والهلاك والنقص إنما يكون بفقد الإيمان ونقصه؛ والله المستعان). [تيسير اللطيف المنان: 1/47-54]

رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
التوحيد, عموم

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:32 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir