دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > نخبة الفكر

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #8  
قديم 11 ربيع الثاني 1431هـ/26-03-2010م, 11:01 PM
مسلمة 12 مسلمة 12 غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,159
افتراضي شرح نخبة الفكر-الشيخ عبد الكريم الخضير (مفرغ)




خضيرالمتواتر:
ثم أخذ ينشر ما لفه سابقاً: "فالأول: المتواتر" وتعريف المتواتر مشتق من التواتر وهو التتابع يقال: تواترت الإبل والقطا إذا جاءت في إثر بعض ولم تجئ دفعة واحد.
اصطلاحاً: عرفه ابن الصلاح وتبعه النووي في التقريب: بأنه الخبر الذي ينقله من يحصل العلم بصدقه، ضرورة عن مثلهم من أوله إلى آخره، وعرفه النووي في شرح مسلم بأنه ما نقله عدد لا يمكن مواطأتهم على الكذب عن مثلهم ويستوي طرفاه والوسط، ويخبرون عن حسي لا مظنون، نقله عدد لا يمكن مواطأتهم على الكذب عن مثلهم ويستوي طرفاه والوسط ويخبرون عن حسي لا مظنون، وقريب منه تعريف الحافظ ابن حجر في النخبة وشرحها، شروط المتواتر تؤخذ من العريف: وهو أن يخبر به عدد كثير يحصل العلم الضروري بصدق خبرهم من غير حصر على الصحيح، أن يخبروا عن علم لا عن ظن، يخبروا عن علم لا عن ظن، فلو أخبر أهل بلد عظيم عن طائر مر ببلدهم وقالوا: نظنه حمامة، أو عن شخص مر ببلادهم وهو في طريقه إلى بلد آخر وقالوا: نظن أن هذا زيد، هذا لا يحصل العلم بكلامهم، بل لا بد أن يخبروا عن علم متيقن لا عن ظن.
أن يكون مستند الخبر الحس، فلو أخبروا عن شيء معقول فإنه لا يحصل العلم به، الفلاسفة عدد لا يمكن حصرهم، وتواطئوا على القول بقدم العالم لكن قولهم لا يحصل به التواتر لماذا؟ لأن مستند قولهم العقل، وليس مستنده الحس، الحس المقصود به: ما يدرك بالحواس، ما يدرك بالحواس، يعني لو اجتمع عدد كبير جاءك عشرين ثلاثين أربعين شخص وقالوا: إن ما في هذه البئر ماء مر ملح، أجاج، يحتاج أن تنزل وتشرب، هؤلاء عدد كبير تحيل العادة تواطئهم على الكذب، يعني ما جاءوك دفعة واحدة وأنت في مكان ثاني وأخبروك أن في الطريق ماء هذه صفتها، هؤلاء مستندهم الحس، ذاقوه، كذا لو سمعوا، كل واحد منهم سمع بأذنه أو رأى بعنيه.
أن يكون خبرهم مستنداً إلى الحس إذ لو أخبروا عن معقول لم يحصل لنا العلم فلا بد أن يستند ناقلوه إلى الحواس كالسمع والبصر لا لمجرد إدراك العقل، أن توجد هذه الشروط في جميع طبقات السند؛ لأن كل عصر يستقل بنفسه، وعرفنا أنه لا مانع من تقسيم الأخبار إلى متواتر وآحاد هذا في الدرس الماضي، وأنه لا محظور في ذلك، ولا نلتزم بلوازم المبتدعة الذين بنوا على هذا التقسيم أن خبر الواحد لا يفيد إلا الظن، والظن لا تثبت به العقائد، إذ تنفى جميع العقائد التي جاءت بأخبار الآحاد، نقول: لا، نقسم الأخبار إلى متواتر وآحاد، ومنها ما يفيد العلم ومنها ما يفيد الظن، وكلها موجبة للعمل إذا صحت أسانيدها، وإذا عملنا بحديث في الأحكام فلنعمل به في العقائد وفي الفضائل وفي غيره؛ لأن الكل شرع، والتفريق بين العقائد والأحكام كما قرر شيخ الإسلام ابن تيمية لا أصله له، على أن هذا التقسيم وهو تقسيم الأخبار إلى متواتر وآحاد اعتمده شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، وهو من أشد الناس على المبتدعة، وهذه مسألة عرضناها في الدرس السابق، والله المستعان.
أقسام المتواتر:
المشهور والمعروف عند أهل العلم أن المتواتر ينقسم إلى قسمين: متواتر لفظي ومتواتر معنوي، أو تواتر لفظي وتواتر معنوي، ومثلوا للمتواتر اللفظي وما تواتر لفظه ومعناه بحديث: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) التواتر المعنوي ما تواتر معناه دون لفظه تأتي وقائع كثيرة تدل على شيء واحد لكنها بألفاظ وصيغ مختلفة.
هذا هو التواتر المعنوي وإن اختلفت الألفاظ، ومثلوا لذلك بأحاديث رفع اليدين بالدعاء والحوض والرؤية وغيرها، ومثل له شيخ الإسلام -كما ذكرنا سابقاً- بأحاديث فضائل أبي بكر وعمر هي متواتر تواتراً معنوياً، هذا المعروف من التقسيم عند أهل العلم للمتواتر، محمد أنور الكشميري له كتاب شرح للبخاري اسمه: (فيض الباري) مطبوع في أربعة مجلدات وهو كتاب فيه فوائد، فيه فوائد ولطائف ونكات، (فيض الباري) محمد أنور الكشميري، وفي طبعته الأولى وزع كمية كبيرة جداً منه على نفقة الملك عبد العزيز، لكن هذا الكتاب فيه مسألة خفيت على من أشار على الملك بتوزيعه، وهي أنه رمى الشيخ محمد بن عبد الوهاب بشيء من الغفلة، وعلى كل حال الكتاب مفيد، على ما فيه لكنه مفيد، هذا الكتاب أو هذا المؤلف الذي صنف هذا الكتاب قسم المتواتر إلى أربعة أقسام: فذكر التواتر اللفظي وسماه: تواتر الإسناد، ذكر التواتر المعنوي وسماه: تواتر القدر المشترك، ذكر قسماً ثالثاً من أقسام المتواتر، وقال عنه: إنه تواتر الطبقة، تواتر الطبقة، وقال: كتواتر القرآن الكريم، فقد تواتر على البسيطة شرقاً وغرباً درساً وتلاوة وحفظاً، قراءة وتلقاه الكافة عن الكافة، طبقة عن طبقة إلى حضرت صاحب الرسالة، تواتر الطبقة، وهناك قسم رابع ذكره صاحب فيض الباري وأسماه: تواتر العمل والتوارث، تواتر العمل والتوارث، وهو أن يعمل به في كل قرن من عهد صاحب الشريعة إلى يومنا هذا جم غفير من العاملين، بحيث تحيل العادة تواطئهم على الكذب كأعداد الصلوات الخمس.
يعني لو بحثت في كتب السنة من النصوص التي تدل على أن صلاة الظهر أربع، هل يمكن أن تروي مثل هذا عن جمع غفير؟ ألفاظ الأذان مثلاً، جمل الأذان، لكن العمل والتوارث على هذا من عصر صاحب الرسالة إلى يومنا هذا يعمل به الجمع الغفير، ولذا لو قال شخص: صلاة المغرب أربع أو صلاة العشاء خمس نعم، ويمكن أن يقول: إن الحديث صحيح بأعداد الصلوات، لكن هل هو قطعي؟ هل هو متواتر ينطبق عليه تعريف المتواتر من حيث الإسناد؟ نقول: هو متواتر من حيث العمل والتوارث، العمل والتوارث، الأمة تعمل بهذا من عصر صاحب الشريعة على يومنا هذا، ولا بد لهذا التواتر أن يكون له أصل، وأن يعمل به جمع من الطبقة الأولى من الصحابة فمن بعدهم، ولا يعني هذا أنه يأتينا عمل منقطع ما عمل به القرون المفضلة ثم يأتي في القرن الرابع وما بعده من يعمل به من ألوف المسلمين، يقول: هذا تواتر العمل والتوارث؟ نقول: لا، نقول: هذا مبتدع لو كان خيراً لسبقونا إليه، لعمل به الصحابة والتابعون في القرون المفضلة، وليس في مثل هذا الكلام حجة لمن يثبت تواتر عمل المولد أو ما أشبهه لا، أو غيره من البدع.
وجود المتواتر:
هل المتواتر بالفعل موجود أو غير موجود؟ زعم ابن حبان والحازمي أن الحديث المتواتر غير موجود أصلاً، غير موجود أصلاً، أولاً: المتواتر لا يبحثه أهل علوم الحديث لماذا؟ لأنه ليس من صناعتهم، صناعتهم الإثبات والنفي، القبول والرد البحث في الأسانيد والمتون، الخبر المتواتر لا يحتاج إلى بحث، هو ملزم من غير أن تبحث فيه، يعني لو جاءك شخص وقال: هناك بلد اسمها: بغداد، تقول: عن من؟ من الذي أخبرك بهذا؟ هل هو ثقة أو ليس بثقة؟ تحتاج أن تقول هذا؟ ما تحتاج، ما تحتاج، هل تحتاج إلى أن تبحث في معجم البلدان لتنظر هل كلامه صحيح أو ليس بصحيح؟ الخبر المتواتر يفيد العلم الضروري على ما سيأتي ويلزم صاحبه بقبوله، ما يحتاج إلى نظر ولا استدلال.
كون ابن حبان والحازمي زعما أن الحديث المتواتر غير موجود مع أن أهل العلم يمثلون له بحديث: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) هو موجود، زعم ابن الصلاح والنووي أنه قليل نادر، قليل نادر، لكن ابن حجر -رحمه الله تعالى- في شرح النخبة رد هذين القولين، وقال: "ما ادعاه -يعني ابن الصلاح- من العزة -يعني من القلة والندرة- ممنوع، وكذا ما ادعاه غيره من العدم؛ لأن ذلك نشأ عن قلة اطلاع على الطرق الكثيرة للأحاديث وأحوال الرجال وصفاتهم المقتضية لإبعاد العادة أن يتواطئوا على كذب أو يحصل منهم اتفاقاً".
قال: "ومن أحسن ما يقرر به كون المتواتر موجوداً -وجود كثرة- في الأحاديث أن الكتب المشهورة المتداولة في أيدي أهل العلم شرقاً وغرباً المقطوع عندهم بصحة نسبتها إلى مصنفيها إذا اجتمعت على إخراج الحديث، وتعددت طرقه تعدداً تحيل العادة تواطئهم على الكذب إلى آخر الشروط أفاد العلم اليقيني إلى قائله، ومثل ذلك في الكتب المشهورة كثير".
يقول: كون البخاري يخرج حديث من طرق، ومسلم يخرجه من طرق أخرى، وأبو داود يخرجه من طرق غير هذه الطرق، والترمذي كذلك، وأحمد والطيالسي والطبراني، وأبو يعلى وغيرهم من أهل العلم يخرجون هذا الحديث بطرق متباينة، يقول: يدل على أن هذا الخبر متواتر.
على كل حال الخبر المتواتر موجود وإن زعم ابن حبان والحازمي أنه غير موجود أصلاً، اللهم إلا إن كانوا يريدون أنه لا يدخل في علوم الحديث؛ لأنه ليس من صناعة المحدثين، ليس من صناعة المحدثين لا يعتنون بمثله؛ لأنهم إنما يبحثون في الأخبار من أجل إثباتها أو نفيها، والمتواتر لا يحتاج إلى بحث هو فارض نفسه كما يقولون، ما يحتاج، هناك من الأخبار ما يلزمك بتصديقه على ما سيأتي فيما يفيده خبر المتواتر وخبر الواحد إذا احتفت به قرينة.
حكم الخبر المتواتر وماذا يفيد؟:
الخبر المتواتر يجب تصديقه ضرورة، لماذا؟ لأنه مفيد للعلم القطعي الضروري، فلا حاجة إلى البحث عن أحوال رواته، يقول الحافظ ابن حجر: "المعتمد أن الخبر المتواتر يفيد العلم الضروري وهو الذي يضطر إليه الإنسان بحيث لا يمكن دفعه، وقيل: لا يفيد العلم إلا نظرياً وليس بشيء؛ لأن العلم حاصل به لمن ليس لديه أهلية النظر كالعامي، والنظري يفيد العلم لكن بعد النظر والاستدلال".
في إفادة المتواتر العلم هذا أمر لا إشكال فيه، الخبر المتواتر يفيد العلم بمعنى أنه يكون مقطوعاً به، ويحلف عليه، يحلف عليه، وأنه لا يحتمل النقيض، بمعنى أنه صحيح مائة بالمائة، لكن هل يفيد العلم الضروري أو يفيد العلم النظري؟ العلم سواءً كان ضرورياً أو نظرياً لا يحتمل النقيض وهو مائة بالمائة، لكن العلم الضروري لا يحتاج إلى نظر واستدلال، إذا قيل لك: مكة، خلاص ما يحتاج أن تبحث من أخبرك عن وجود هذا البلد، ولا تبحث في معجم البلدان هل هناك بلد اسمه مكة أو لا؟ مثله البلدان الكبرى مثل: بغداد ودمشق وغيرهما، هذا لا يحتاج إلى نظر واستدلال، إذا قيل لك: كم نصف الاثنين؟ تقول: واحد، النتيجة صحيحة مائة بالمائة، لا تحتاج إلى نظر واستدلال.
علم ضروري، وهناك علم نظري نتيجة مائة بالمائة كالضروري، لكنه يحتاج إلى مقدمات ونظر واستدلال، إذا قيل لك: مررنا ببلد اسمها: قهب الطير، تصدق وإلا ما تصدق؟ نعم، الشخص الذي مر بهذه المدينة علمه مائة بالمائة نعم أنت تحتاج إلى مقدمات ونظر واستدلال حتى تثبت عندك هذه البلدة، فإذا ثبتت عندك صار علماً يفيد مائة بالمائة، تحتاج إلى أن تنظر في معجم البلدان أو تسأل أكثر من واحد أو تذهب بنفسك لكي ترى هذه البلدة، فإذا رأيتها وانتهيت إلى المحسوس، انتهيت إلى الحس يعني شاهدتها بنفسك خلاص، صار العلم ضروري بالنسبة لك، نظري بالنسبة لمن تخبره، هي موجودة خبرك صحيح مائة بالمائة، وهو علم لكنه يحتاج إلى مقدمات ونظر واستدلال.
إذا قيل لك: كم زكاة ثلاثة عشر ألف وسبعمائة وواحد وستين، إذا قيل لك: كم زكاة الأربعين؟ قلت: ريال، يحتاج إلى نظر واستدلال؟ ما يحتاج، ربع العشر، ما يحتاج نعم، زكاة الأربعين ريال واحد، ليس نصاب للزكاة لكن أربعين دينار زكاتها دينار، تحتاج إلى نظر واستدلال؟ الزكاة ربع العشر، لكن إذا قيل: كم زكاة اثني عشر أو سبعة عشر -خليها صعب شوية- سبعة عشر ألف وستمائة وواحد وسبعين، تحتاج إلى نظر واستدلال وآلة وقسمة، ثم بعد ذلك النتيجة واحدة هنا وهناك، مائة بالمائة تطلع صحيحة، لكن فرق بين علم وعلم، علم يضطرك بمجرد سماعه تصدقه، لا يحتاج إلى نظر واستدلال، هذا علم ضروري، علم يحتاج إلى مقدمات ونظر واستدلال هذا علم لكنه نظري، والنتيجة واحدة كلها مائة بالمائة، مائة بالمائة ولذا يقال: علم، إيش معنى علم؟ علم يعني لا يحتمل النقيض، إن قصر هذا العلم، ونزلت النسبة ولو واحد بالمائة حيث صار تسعة وتسعين صار إيش؟ إيش يصير؟ ظن، النظري علم مائة بالمائة، لكنه يحتاج إلى مقدمات ونظر واستدلال، إن نزلت النسبة ولو واحد تسعة وتسعين بالمائة ثمانية وتسعين تسعين بالمائة هذا ظن؛ لأنه الاحتمال الراجح يحتمل النقيض، جاءك شخص من أوثق الناس عندك وقال: جاء زيد ألا يحتمل أن يخطئ هذا الرجل وإن كان أوثق الناس؟ هذا الاحتمال وإن كان ضعيفاً ينزل النسبة، يعني مالك نجم السنن إذا روى حديث هل نجزم أن مالكاً معصوم من أن يخطئ؟
لكن نسبة الخطأ ضعيفة، هذا هو السبب الذي أنزل خبر مالك من كونه علم إلى كونه ظن، افترض أن نسبة ضبط مالك تسعة وتسعين بالمائة فليس بمعصوم لنقول: مائة بالمائة ما يخطئ أبداً، لا، إذا احتفت قرينة بخبر مالك قابلت نسبة احتمال الخطأ فصار أفاد العلم على ما سيأتي تقريره فيما يفيده خبر الواحد.
خالف في إفادة المتواتر العلم فرقة لا عبرة بها ولا يعتد بقولها من عبدة الأصنام يقال لهم: السمنية، السمنية طائفة في الهند، حصروا العلم في الحواس، لو يجي أهل الهند كلهم يحملون خبراً واحداً ما يصدقون حتى يشوفون، يقولون: لا بد نراه أو ندركه بأحد الحواس، لا يعتمدون على الأخبار البتة، لكن هؤلاء إنما يذكر قولهم للعلم به، وإذا ذكر الشيء للعلم به أو لرده لا يعني أن من كتب في علوم الحديث يعتمدون على أقوال الكفار، كما قيل: أنهم يعتمدون على أقوال المتكلمين، يعني هل يضيرنا أن نذكر مثل هذا الكلام؟ للعلم به وللرد عليه وتفنيده، والله المستعان، هذا مذهب باطل كما عرفنا.
وقد نبه الله -سبحانه وتعالى- في مواضع من كتابه على إفادة التواتر العلم اليقيني، القرآن فيه مواضع كثيرة تدل على أن المتواتر يفيد العلم اليقيني بمنزلة المشاهد بالعين، النبي -عليه الصلاة والسلام- أدرك قصة أصحاب الفيل؟ نعم، أدرك قصة عاد؟ لا، جاء قوله تعالى مما يجعل الخبر المتواتر يفيد العلم اليقيني بمنزلة الرؤية البصرية خاطب النبي..، خاطب الله -سبحانه وتعالى- رسوله -عليه الصلاة والسلام- والمؤمنين بأمثال قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [ (1) سورة الفيل]، {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [ (1) سورة الفيل]، مثل قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} [ (6) سورة الفجر]، {أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ}[ (6) سورة الأنعام]، هذه الأخبار بلغت النبي -عليه الصلاة والسلام- بطريق قطعي، فصار كأنه مشاهد بالرؤية البصرية، ولذا جاء التعبير بمثل قوله: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} [ (6) سورة الفجر]، {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ}[ (1) سورة الفيل]، {أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ} [ (6) سورة الأنعام]، هذه الوقائع كانت معلومة عندهم بالتواتر، فعبر عن علمها برؤيتها، وفيه إشارة إلى أنه جعل العلم الحاصل من المتواتر بمنزلة المشاهد في القطعيات.
الكتب المؤلفة في الحديث المتواتر:
المتواتر ألفت فيه الكتب كـ(الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة) للسيوطي، و (قطف الأزهار) له، وهو مختصر من الذي قبله، و(نظم المتناثر من الحديث المتواتر) للكتاني، بقي عندنا إشكال وهو إشكال إشكال يحتاج إلى انتباه شديد، يحتاج إلى انتباه شديد.
عرفنا أن خبر المتواتر لا بد أن يروى من طرق، أن يرويه عدد يحصل العلم بخبرهم من غير حصر، متى نعرف أن العدد اكتمل؟ عدد التواتر اكتمل؟ متى نعرف؟ إذا حصل لنا العلم إذا اقتنعنا واطمأننا إلى صحة هذا الخبر عرفنا أن العدد اكتمل، ومتى يحصل لنا العلم؟ متى؟ إذا اكتمل العدد، ما عرفنا أن المتواتر ما ينقله جمع من غير حصر تحيل العادة تواطئهم على الكذب إلى آخر الشروط، إذا قلنا: من غير حصر فمتى ينتهي العدد؟ إذا حصل لنا العلم، صح وإلا لا؟ إذا حصل لنا علم عرفنا أن العدد المطلوب للتواتر كمل، لكن متى يحصل لنا العلم؟ العلم لا يحصل لنا إلا باكتمال العدد، فهذا يلزم عليه -كما يقول أهل العلم- الدور، يلزم عليه الدور، يلزم عليه الدور، الدور ترتيب شيء على شيء مرتب عليه، الدور ترتيب شيء على شيء مرتب عليه، لو سمعنا قول الشاعر:

لو لا مشيبي ما جفا
ج

لولا جفاه لم أشب
ج

هذا دور، أيهما السبب؟ سبب المشيب الجفا أو سبب الجفا الشيب؟ هذا دور، كل واحد مرتب على الثاني وهو مرتب عليه، وهذا خلاف التسلسل، التسلسل مرتب على شيء والشيء مرتب على ثاني، والثاني مرتب على ثالث إلى ما لا نهاية هذا تسلسل وهو غير الدور، الدور ترتيب شيء مرتب عليه.
أقول: عرفنا في شروط المتواتر أنه لا بد أن يخبر به عدد يحصل به العلم من غير حصر، فهل معنى هذا أننا لا نعرف اكتمال العدد حتى يحصل العلم؟ ولا يحصل العلم إلا إذا اكتمل العدد فيلزم عليه الدور؟ يقول ابن الأثير في جامع الأصول والغزالي في المستصفى: عدد المخبرين ينقسم إلى ناقص فلا يفيد العلم، وإلى كامل فيفيد العلم، وإلى زائد يحصل العلم ببعضه، والكامل وهو أقل عدد يورث العلم ليس معلوماً لنا، لكننا بحصول العلم الضروري نتبين كمال العدد لا أننا بكمال العدد نستدل على حصول العلم، بحصول العلم الضروري نتبين كمال العدد لا أننا بكمال العدد نستدل على حصول العلم.
فجعل حصول العلم يكمل به العدد، يعني لو قلت: أنا عطشان، أعطاك واحد مثل هذه، نعم، ثم زادك ثانية، أنت بتشرب وتمشي ما أنت بجالس، نعم، أو جاء لك بإناء كبير قال: إلا تشرب هذا الإناء، تقول: لا يا أخي هات لي إناء صغير مثل هذا يكفي، يقول: أنت ويش يدريك أنه يكفيك، أنت ما بعد شربت على شان تدري أنه يكفيك وإلا لا؟ تنظير واضح وإلا ما هو بواضح؟ يعني أنت متى تعرف المقدار الذي يكفيك؟ إذا شربت، نعم، إذا شربت عرفت أن المقدار يكفيك، ومتى تعرف أن هذا الإناء يرويك؟ بالقاعدة المطردة يعني جرت عادتك أنك تشرب نصف لتر، هل نقول: إنه ويش يدريك أنه يرويك نصف اللتر؟ نعم، العادة، العادة مطردة،
هنا في (لوامع الأنوار البهية) للسفاريني يقول: "اعلم أن خبر التواتر لا يولد العلم"، اعلم أن خبر التواتر..، وهذا ينبغي الاهتمام له والعناية به، يقول: "اعلم أن خبر التواتر لا يولد العلم، بل يقع العلم عنده بفعل الله تعالى عند الفقهاء وغيرهم من أهل الحق"، هذا الكلام سليم وإلا لا؟ ها؟ خبر التواتر لا يولد العلم، بل يقع العلم عنده بفعل الله تعالى عند الفقهاء وغيرهم من أهل الحق، هذا كلام الأشاعرة، هذا كلام الأشاعرة، المبني على إلغاء الأسباب وعدم الالتفات إليها، هم يقولون: الري يحصل عند الشرب لا به، والشبع يحصل عند الأكل لا به، عنده لا به، الإبصار يحصل عند البصر لا به، ولذا يجوزون بل يصرحون بالحرف يقولون: إنه يجوز أن يرى أعمى الصين البقة في الأندلس، الأعمى وهو في الصين في أقصى المشرق يجوز أن يرى البقة -صغار البعوضة- وهي في الأندلس، أي عقل يقول مثل هذا الكلام؟ لكنهم أصحاب عقول، هذا طرد لمذهبهم أن الأسباب لا قيمة لها، الأسباب لا قيمة لها، الله -سبحانه وتعالى- يوجد الإبصار عند وجود البصر، وليس البصر سبباً للرؤية، الله -سبحانه وتعالى- يوجد الري عند الشرب لا به، هذا مذهب الأشاعرة، فهم يلغون الأسباب تماماً وجودها مثل عدمها عندهم.
وهذا يقابله رأي المعتزلة الذين يعتمدون على الأسباب، وأنها تستقل بالتأثير، ومذهب أهل السنة وسط، يقولون: إن الأسباب تنفع، لكنها لا بذاتها وإنما الذي ينفع هو المسبب وهو الله -سبحانه وتعالى- الذي جعل هذه الأسباب تنفع، على كل حال هذا الكلام جارٍ على قاعدة الأشاعرة في نفي تأثير الأسباب، "فعندهم أن الشبع يحصل عند الأكل لا به، والري يحصل عند الشرب لا به، ولذا يجوز عندهم أن يرى أعمى الصين بقة الأندلس"، فكلام السفاريني منتقد، ومعروف أنه محسوب على أهل السنة, وعقيدته تدرس عند أهل السنة، لكنه لم يتخلص من لوثة الأشعرية، ولذا يقرر في الشرح أن أهل السنة ثلاث طوائف: الأثرية وإمامهم أحمد بن حنبل، والأشعرية وإمامهم: أبو الحسن الأشعري، والماتريدية وإمامهم: أبو منصور، هذا القول مردود.
في مختصر التحرير وشرحه وهذا في أصول الفقه عند الحنابلة كتاب متن متين، ينبغي العناية به لطالب العلم مع شرحه، يقول: "ولا ينحصر التواتر في عدد عند أصحابنا والمحققين، ويعلم حصول العدد إذا حصل العلم ولا دور -ولا دور- إذ حصول العلم معلول الإخبار، ودليله كالشبع والري المشبع والمروي ودليلهما وإن لم يعلم ابتداء القدر الكافي منهما" وإن لم يعلم ابتداء القدر الكافي منهما.
يقول: نعم لو أمكن الوقوف على حقيقة اللحظة التي يحصل لنا العلم بالمخبر عنه فيها أمكن معرفة أقل عدد يحصل العلم بخبره، يعني جاء واحد وثاني وثالث وعاشر، نعم ثم جاء الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر إلى العشرين، قال: خلاص لا يجي أحد حصل لنا العلم، وعرفنا أن العلم حصل بعشرين، أنت ما تدري يمكن في خبر يحصل لك العلم بعشرة، وخبر لا يحصل لك العلم إلا بثلاثين ، تبعاً لما يحتف به.
يقول: "نعم لو أمكن الوقوف على حقيقة اللحظة التي يحصل لنا العلم بالمخبر عنه لأمكن معرفة أقل عدد يحصل العلم بخبره، لكن ذلك متعثر إذ الظن يتزايد بتزايد المخبرين تزايداً خفياً تدريجياً كتزايد النبات"، كتزايد النبات، النخلة تزيد نعم، ما هي بتزيد تنمو وتكبر؟ تكبر، لكن من منا يبي يجلس يشوف نمو هذه النخلة ليراه بأم عينه وهي تنمو، هل أحد يصنع ذلك؟ تنمو شيئاً فشيئاً ببطء ثم بعد ذلك تتم.
يقول: "كتزايد النبات وعقل الصبي ونمو بدنه"، هل الإنسان يجلس ينتظر ولده يقول: لا با أجلس إلين يكبر أبا أشوفه ما شاء الله وهو..، ما هو بالونة أو نفاخ تبي تنفخه بيكبر، نعم يحصل شيئاً فشيئاً حتى يتم ويدرك، وحينئذ نقول: خلاص بلغ، هنا ميز وهنا كلف، وهنا..، من غير أن نتابعه.
"وعقل الصبي ونمو بدنه، ونور الصبح وحركة الفي كل هذا لا يدرك إنما هو بالتدريج" يعني لو تصور أن الساعة اثنا عشر من الليل طلعت الشمس في كبد السماء ما بالتدريج، إيش يصير وضع الناس؟ نعم، أو فجأة مع أذان الظهر صارت ظلام دامس، لكن الله -سبحانه وتعالى- لطيف بعباده، يأتي النور بالتدريج، وينتهي بالتدريج، ولا هي مثل اللمبة ظلام ثم اضغط تشتعل، لا، لكن كيف تتصورون فزع الناس لو كانت بهذه الطريقة اثنا عشر من الليل تطلع الشمس في كبد السماء، ما هو مثل طلوعها بعد الصبح، لا، يحصل الإسفار قبل طلوعها ثم تطلع ضعيفة وينتشر ضوؤها شيئاً فشيئاً إلى أن تكتمل، ومثله الظلام يأتي شيئاً فشيئاً كنمو الإنسان ونمو عقله وبدنه وبهذا تحصل هذه الأمور وتكمل من غير أن يشعر بها الإنسان، والله المستعان.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المتواتر, الخبر

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:33 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir