دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > متون التفسير وعلوم القرآن الكريم > متون علوم القرآن الكريم > المقدمة الجزرية

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #5  
قديم 27 ذو القعدة 1429هـ/25-11-2008م, 02:41 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح المقدمة الجزرية للشيخ المقرئ: عبد الباسط هاشم (مفرغ)


الشرح الصوتي للشيخ عبد الباسط هاشم:



المبحث الثاني عشر: في بيان الوقف والابتداء
وهو مبحث من أهم المباحث وأنفسها، قال العلماء: إن بيان الوقف والابتداء نصف علوم التجويد، وسئل الإمام علي عن قوله تبارك وتعالى: {ورتل القرآن ترتيلا} فقال: هو تجويد الحروف، ومعرفة الوقوف. وقال الإمام الهذلي في (كامله): الوقف حلية التلاوة، وزينة القارئ، وبلاغ التالي، وفهم المستمع، وفخر العالم.
والأصل فيه ماروي عن القاسم بن عوف البكري قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما: يقول لقد عشنا برهة من دهرنا، وإن أحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فنتعلم حلالها وحرامها، وما ينبغي أن يوقف عنده منها كما تتعلمون أنتم القرآن اليوم، ولقد رأينا اليوم رجالاً يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان، فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته، ما يدري ما أمره ولا زجره، ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه.
قال النحاس: هذا دليل على أنهم كانوا يتعلمون الوقوف.
وقول ابن عمر: كنا، فيه دليل على أن ذلك إجماع من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والوقف لغة: هو الكف عن الشيء مطلقاً.
واصطلاحاً: قطع الصوت على الكلمة زمناً يتنفس فيه بنية استئناف التلاوة، ويأتي في رؤوس الآيات ووسطها مع النفس ولابد، وأما السكت فلا تنفس فيه.
والقطع لغة: هو الإبانة والازالة، واصطلاحاً: هو قطع صوت القارئ عن القراءة بنية الانتهاء منها، ولا يكون إلا على ما تم معناه. وهناك جم غفير من العلماء لايفرقون بين الوقف والقطع، ويقولون هو بمعنى واحد. ولسنا من هؤلاء إذ كيف يتفق قطع القراءة والوقف بنية استئنافها؟‍ لايستويان. هذا والوقف بنية الواقف ينقسم إلى أربعة أقسام: -
أولاً: وقف اختياري، وهو ما يستحسنه القارئ فيقف عليه.
ثانياً: وقف اضطراري، وهو ما يضطر القارئ للوقوف عليه لنفس ضاق أو سعلة أو غير ذلك.
ثالثا ً: وقف انتظاري، وهو ما وقف القارئ عليه لعطف قراءة أو رواية أخرى إن كان يقرأ بالقراءات.
رابعاً: وقف اختباري، وهو ما يطلب الشيخ من تلميذه الوقف عليه بنية اختباره كيف يقف؟ وسمى العلماء هذا النوع بوقف الابتلاء. قال الإمام الداني: من لم يعلم وقف الابتلاء لم يكن يوماً من العلماء.
والابتلاء هو الاختبار.
والكلام في هذا الباب إن شاء الله في النوع الأول من هذه الأربعة، وهو الوقف الاختيارى.
وينقسم الوقف الاختياري عند الإمام ابن الجزري وأتباعه إلى أربعة أقسام:
تام، وكاف، وحسن، وقبيح. وإليك بيانها.
فالتام: مالا تعلق قبله ولا بعده معنى ولا لغة، فهو قائم بذاته، وقد بلغنا أن جبريل عليه السلام أوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على عشر كلمات أثناء العرضة الأخيرة، وقالوا إن جميعها تامة فلننظر.
أولها: {ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات} بسورة البقرة، وفي رأيي أنه تام.
ثانياً: {قل صدق الله} وهو عندي ليس بتام؛ لفاء السببية بعده، والراجح أنه من الوقوف الكافية.
الثالث: {ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات} بسورة المائدة، وهو عندي تام.
الرابع: {قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ماليس لي بحق} وهو كاف ليس تاماً؛ لأن مقول القائل لم ينته.
خامساً: {قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله} بسورة يوسف، وهو كاف ليس بتام؛ لأن الدعوة إلى الله لا تكون إلا على بصيرة.
سادساً: {كذلك يضرب الله الأمثال} بسورة الرعد، وهو تام لا شك فيه
سابعاً: {والأنعام خلقها} بسورة النحل وهو كاف ليس بتام؛ لتعلق ما بعده به معنى ولغة.
الثامن: {أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً}، وهو تام لا مرية فيه لانتهاء الاستفهام.
تاسعاً: {ثم أدبر يسعى فحشر}، بوصل يسعى بحشر، وهو تام عندي؛ لأن قوله {فنادى فقال أنا ربكم} غير السعي في حشر الناس ضد الدعوة.
عاشراً: قوله تعالى {ليلة القدر خير من ألف شهر}، وهو تام لا مرية فيه، ورأس آية.
هذا ومن علامات الوقف التام الابتداء بعده بالاستفهام ملفوظاً أو مقدَّراً، وأيضاً الابتداء بياء النداء {يا أيها الناس} {يا أيها الذين آمنوا} {يا أهل الكتاب}.
أو بفعل أمر مثل قوله: {ادخلوها بسلام} {اقتلوا يوسف} {ادفع بالتي هي أحسن}.
أو بالشرط مع جوابه كقوله تعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه}.
أو بفصل بين آية رحمة وعذاب، أو بالعدول عن الإخبار إلى الحكاية، أو بانتهاء الاستثناء والقول، أو بابتداء بعده بنفي، أو ابتداء بعده بنهي أو فصل بين الصفتين المتضادتين.
ومن الوقف التام الوقف على ما قبل إن الإخبارية، إذا كانت من كلام الحق جل وعلا كقوله: {إن الله غفور رحيم} {إن الله عليم حكيم} {إن الشيطان لكم عدو} وما شابه ذلك.
ولفظ إن في القرآن الكريم على أربعة أنواع: -
أولاً: إن من مقول القائل مثل قوله: {وتب علينا إنك} {وهب لنا من لدنك رحمة إنك}، {ولا تخزنا يوم القيامة إنك}. والوقف على ما قبل هذه الأنواع من قبيل الحسن لامن الكافي ولا من التام.
النوع الثاني: إن السببية كقوله {فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان}، {ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم}، { لا تعبد الشيطان إن الشيطان}. والوقف على مثل هذا النوع من قبيل الحسن لامن الكافي ولا من التام.
النوع الثالث: ما قصد به تحقيق الاستفهام كقوله: {أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور إن}، بسورة العاديات، والوقف على {حصل ما في الصدور} مع أنه رأس آية إلا أنه من قبيل الحسن لا التام ولا الكافي.
النوع الرابع: ما كان من كلام الحق لا يرتبط بماقبله معنى ولا لغة، فالوقف على ما قبله تام كقوله: {فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم} {واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما}، {إن الله كان عليكم رقيبا}، وقد سبق بيان ذلك.
ومن علامات الوقف التام أيضاً، الوقف على ماقبل حرف الإضراب وهو بل كقوله: {أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون }، {أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون}، وقوله: {ولا هم ينصرون} {بل تأتيهم بغتة} وقوله: {سبحان الله عما يصفون}، {بل أتيناهم بالحق}.
ومعنى الإضراب نفي ما زعموه، وتصديق ما كذبوه. فإن أتت لمضاعفة الذم كقوله: {إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل}، فلا يوقف على ما قبلها؛ لأنها ليست للإضراب.
وإن أتت لمقول القائل، كقوله:{فسيقولون بل تحسدوننا} فليست للإضراب، فلا يوقف على ما قبلها.
ومن الوقف التام: الوقف على بلى قبل إن مثل قوله تعالى: {بلى إن ربه كان به بصيرا}، فيوقف على بلى، ومثل قوله تعالى: {بلى إنه على كل شيء قدير} أما {بلى وهو الخلاق} فهو من قبيل الوقف الكافي، تلك علامات الوقف التام فلتعيها.
النوع الثاني: الوقف الكافي، هو الوقف على كلمة تعلق ما قبلها وما بعدها بها معنى لا لغة، كقولك: {الحمد لله رب العالمين} فهو كاف، لأن ما بعده متعلق به، وهو {الرحمن الرحيم} والوقف على {الرحمن الرحيم} كاف؛ لأن ما بعده متعلق به معنى، وهو {مالك يوم الدين}، وهذا تام، فـ{الرحمن الرحيم} نعت لـ{رب العالمين}، و{مالك يوم الدين} صفة لـ{لرحمن الرحيم}، وعند {مالك يوم الدين} تم المعنى.
ونحو ذلك {هدى للمتقين} فقوله: {الذين يؤمنون} نعت للمتقين. وقوله: {والذين يؤمنون بما أنزل إليك} نعت أيضاً، فالوقف التام على قوله {وأولئك هم المفلحون} فمن قوله تعالى: {هدى للمتقين} إلى {المفلحون} كلها نعوت وصفات، والتام عند قوله: {وأولئك هم المفلحون}، ولا أعني بذلك منع الوقوف عليها فهي رؤوس آي وإنما أعني معرفة التام من الكافي.
وتارة يتفاضل الكافي فهناك كاف وهناك أكفى وهناك أكفى وأكفى، مثل قوله تعالى: {في قلوبهم مرض} هذا كاف، وأكفى منه {فزادهم الله مرضا}، وأكفى منهما {ولهم عذاب أليم}. والتام {بما كانوا يكذبون}.
النوع الثالث من الوقوف:
الوقف الحسن: وهو أقلها شأناً والأحب وصله إن طال النفس إلا في رؤوس الآي، ويعفى عنه أيضاً في القصص الطويل وتعريفه:
هو الوقف على لفظ تم معناه وتعلق ما قبله وما بعده به معنى ولغة، ولا يحسن الوقف عليه إلا في رؤوس الآي كما تقدم، وفيما طالت قصته، مثل قوله تبارك وتعالى: {أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله}... إلى آخر الآية. ومثل قوله تعالى: {ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا} إلى آخر الآية.
فإن اتسع النفس استحب وصله في غير رؤوس الآي، وإليك أمثلة من الوقف الحسن كقولك: {إياك نعبد} وتقف {الذين يؤمنون بالغيب} وتقف {ويقيمون الصلاة} وتقف {والذين يؤمنون بما أنزل إليك} وتقف {وما أنزل من قبلك}، {أولئك على هدى من ربهم} وتقف، وهكذا...
كل هذا من قبيل الحسن، ووصله أفضل واجود.
ولنا هنا كلام في الوقوف ينبغي تفصيله والتنبيه عليه، فمثلاً الوقوف على رؤوس الآيات كقوله تعالى: {كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون}، ثم يبدأ {في الدنيا والآخرة}. إذا قلت له لم؟ قال لك الوقوف على رؤوس الآي سنة.
أقول: إن الوقوف على رؤوس الآي سنة، وتتحقق السنة بالوقوف على سبع آيات أو ثمان آيات في الربع، وعشر آيات في الجزء، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم)). وكان رسول الله يقف على رؤس الآيات؛ ليبين رأس الآية. فإذا تعارض الوقف على رأس الآية مع المعنى قدم المعنى؛ لقول الله تبارك وتعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب} وأنى لنا أن نتدبر مع اختلال المعنى ونقصه؟ لذا يفضل وصل الآية بقوله: {في الدنيا والآخرة} فتقول {كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة } وإلا فأنبئني إذا قلت: {أعوذ بالله من الشيطان الرجيم في الدنيا والآخرة}. هل يستقيم المعنى؟ كلا والله، وكذلك قوله تبارك وتعالى: {وأنزل التوراة والإنجيل} وتبدأ: {من قبل هدى للناس}. أيليق أن أقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من قبل هدى للناس؟‍
هذا اختلال في المعنى، فإذا وصلنا مثل هذه الآيات المرتبطة معنى لانخل بسنة رسول الله أبدا فإن مراعاة المعنى في القرآن واجب، فاذا لم يختل المعنى سُن لنا أن نقف على رؤوس الآيات سنة مؤكدة، {وقيل لهم أين ما كنتم تشركون} وبعد (هذا) أبدأ وأقول: {من دون الله قالوا ضلوا عنا} ألذلك معنى؟‍
{أعوذ بالله من الشيطان الرجيم في الدنيا والآخرة} وهل للشيطان سلطان علينا في الآخرة {من دون الله هل ينصرونكم أوينتصرون} ما معنى ذلك؟ ‍
فمثل هذه الآيات ينبغي وصلها، ولا أرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يسن ما يتعارض مع معاني القرآن وتدبره، فإن قلت أليست رؤوس آيات قلت للبيان لا لحتمية الوقف، وإنما يوقف على رؤوس الآيات إذا لم تخل بالمعنى، وإلا فقل لي بربك أتستطيع أن تقول: {بسم الله الرحمن الرحيم من دون الله قالوا ضلوا عنا } ما معنى هذا؟ وكأني بقائل يقول لي الوقوف على رؤوس الآي سنة متبعة. أقول: وتدبر كلام الله فرض وهو أقوى وأعظم من السنة.
ومن الوقوف التامة التي لم يشر إليها كتَّاب المصحف رحمهم الله قول الله تبارك وتعالى في سورة البقرة: {ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم} فالوقف على سمعهم تام؛ لأن الواو عطف مغايرة بين ما يستحق الختم وما يستحق الغشاوة، وإلم يكن تاما فهو كاف، ومنه في سورة النحل: {وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر} وتقف ثم تبدأ {والنجومُ مسخرات}، على أنه عطف مغايرة، وإنما لايصلح الوقف عليه على قراءة من قرأ: {والنجومَ}. أما على قراءة من قرأ: {والنجومُ} وهو حفص، فالوقف على هذا كاف على الأقل على أن الشمس والقمر والليل والنهار نعَم كبرى والنجوم أقل منها شأوا، ومثال قوله تبارك وتعالى {ففدية من صيام أو صدقة أو نسك}، ثم يبدأ القارئ فيقول: {فاذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة} أهذا كلام؟ أين جواب شرط {فإذا أمنتم}؟ لابد من الوقف على قوله: {فإذا أمنتم} أي فإذا أمنتم يا من أحصرتم ولم تتموا العمرة فأتموا العمرة، فجواب الشرط محذوف تقديره: فإذا أمنتم يا من لم تتموا العمرة وأحصرتم فأتموا، هذا جواب الشرط في {فإذا أمنتم}. {فمن تمتع} كلام أخر جوابه: {فما استيسر من الهدي }، وبذلك يستقيم المعنى.
ومن الوقوف الشائعة في سورة البقرة أيضاً. قول الله تعالى: {واتقوا الله ويعلمكم الله} وأصبح هذا الوقف مثلا فكلما كلمت أحداً في نقصان العلم وزيادته قال لك: { واتقوا الله ويعلمكم الله} فكم من تقي ليس بعالم وكم من فاجر عالم، فالوقف الصحيح: {واتقوا الله } ثم نقول: {ويعلمكم الله} فقد يكون العالم غير تقي، وقد يكون التقي أفضل من العالم، كيف لا وقد...

الوجه الثاني
...قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أخوف ما أخاف على أمتي منافق عليم اللسان)) فأوضح صلى الله عليه وسلم أن من المنافقين علماء، ومن الممكن أن يكون حافظا للقرآن قارئا له ومنافق، من الذين قال فيهم رسول الله: ((يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم))، ومن الذين قال فيهم صلى الله عليه وسلم ((تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم)) يعني بهم الخوارج فالعالم شيء، والتقي شيء، وقد يكون العالم أفضل من التقي، وقد يكون التقي أفضل من العالم، فارتباط العلم بالتقوى لا يشترط. فالمطلوب الوقف على {فاتقوا الله} ثم نقف {ويعلمكم الله}.
هذا والوقف على ما قبل الاستدراك ممنوع، والاستدراك هو ولكن المشمولة بالواو، أما لكنّ يجوز الوقف على ما قبلها، لأن لكن بدون واو للفصل بين الشيء والشيء كقوله تبارك وتعالى: {لكن الذين اتقوا} فإن لكن هنا للفصل بين من مأواهم جهنم وبين المتقين، وكذلك { لكن الرسول والذين آمنوا } فإن لكن هنا للفصل بين من جاهد في سبيل الله وبين من لم يجاهد، وقوله { لكنا هو الله ربي} للفصل ما بين الكافر والمؤمن، فالمحذور الوقف على ما قبل ولكن المشمولة بالواو فهي للاستدراك.
وكذلك { ولكن ليبلوكم } لا يوقف على ما قبلها، { والله غالب على أمره ولكن }، {قال بلى ولكن }، { لكل ضعف ولكن } هذه أمثلة الاستدراك الذي لا يوقف على ما قبله.
ومن الوقوف التي لم يشر إليها راسمو المصحف قوله تعالى في سورة النساء: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } جميع القراء يصلونها، يقولون: { فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم } فهل الخوف مرتبط بصلاة السفر؟ لنفرض أننا سافرنا بلا خوف هل نقصر الصلاة أم لا؟
الوقف الواجب هنا {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} ونقف، فهذا جواب شرط إذا، وأما شرط {إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } فجوابه محذوف، تقديره فاقصروا، فالوقف على { أن تقصروا من الصلاة }،والوقف أيضا على قوله: { إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} ليتم بيان الحكمين.
ومن الوقوف التامة التي غفل عنها كتَّاب المصحف قوله تبارك وتعالى: { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم} لابد أن يوقف على {حرم ربكم} وألا توصل ولا يوقف بـ{عليكم}، لأننا لو وصلناها وقلنا {قل تعالوا أتل ماحرم ربكم عليكم ألا تشركوا } أو لو وقفنا على {حرم ربكم عليكم} لوقعنا في مأزق لغوي خطير، إذ أننا لو قلنا: {حرم ربكم عليكم } وقلنا { ألا تشركوا} (يبقى) حرم علينا ربنا ألا نشرك فماذا أحل لنا؟ أحل لنا أن نشرك {حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا } وحرم علينا أن نحسن إلى والدينا، ولا تقتلوا وحرم علينا ألا نقتل، وأحل لنا أن نقتل،وهكذا، لذا فالوقف {حرم ربكم}، ثم نبدأ {عليكم ألا تشركوا به شيئا}، أي فرض عليكم، وكتب عليكم، وأوجب عليكم ألا تشركوا، وبذا يستقيم المعنى.
وقد غفل مصححوا المصحف عن هذا، فغفر الله لنا ولهم.
ومن قوله { عليكم ألا تشركوا به شيئا } إلى { ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق } هذا هو الوقف التام، وما سوى ذلك فحسن، ومن الوقوف التامة قوله تعالى: { ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة } ونقف، ثم نبدأ { من الأرض إذا أنتم تخرجون }، باقي القراء وجميع القراء يقولون: { ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره} ويقف {ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض } من الداعي؟ الله، فكيف نقول دعوة من الأرض، وهو منزه عن الحلول والجهه والاتصال الانفصال والسفة؟، فلو وصلنا دعوة بالأرض، فقد حوزنا ربنا وجعلنا له مكانا.
قال العلامة الكسائي في بيان الوقف والابتداء: من وصل دعوة بما بعدها بالروم، فقد جهل ربه، وإنما الحال أن تقوم السماء والأرض بأمره روحا، لقول الله تعالى: { قل الروح من أمر ربي ثم إذا دعاكم دعوة} تقومون أجسادا، حينما ينادي المنادي أيتها اللحوم المتناثرة، والشعور المتبعثرة، والعظام النخرة، إن الله يدعوكن لفصل القضاء، تقومون أجسادا، فبأمره أرواحا، وبدعوته أجسادا، ثم نبدأ: {من الأرض إذا أنتم تخرجون } فالوقف هكذا: { ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون } فتعالى صاحب الدعوة عن المكان والزمان.
وجميع المصاحف تجد الوقف على قوله بأمره، ويصلون ما سوى ذلك، وهذا من الخطأ بمكان.
كما يجب الوقف على قوله { ماكان لله أن يتخذ من ولد} بسورة مريم، {وقالوا اتخذ الرحمن ولدا} بسورة الأنبياء، { وقالوا اتخذ الله ولدا} بالبقرة، فيجب الوقف على الولد في كل هذا، ولا توصل بسبحانه؛ لئلا يكون التسبيح للولد، فإنك لو قلت { ولدا سبحانه } أقررت لله باتخاذ الولد والعياذ بالله، وقليل بل أقل من القليل من المصاحف من ينبه على هذا.
ومما ينبغي الوقوف عليه قوله تعالى في سورة القتال: { إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم } ولا توصل أبدا بقوله: {وأملى لهم }؛ لأن الإملاء تأخير الآجال، وليس ذلك في يد الشيطان، وإنما معنى ذلك: الشيطان سول لهم وأخر الله آجالهم ليعظم ذنبهم. ولكن جميع القراء يقولون: { الشيطان سول لهم وأملى لهم } وهذا من الخطأ بمكان، وليس في جميع المصاحف الإشارة إلى هذا الوقف أبدا.
وكذلك في سورة الفتح في قوله تعالى: { إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا } من المسبَّح هنا؟ هل الله أم رسوله؟ الواجب الوقف على قوله: { لتؤمنوا بالله ورسوله وتعذروه وتوقروه } لنفصل بين ضمير رسول الله وضمير الحق جل وعلا، إذ لا يعقل أن يقول: مسلم سبحانك يا محمد. وقد غفلت المصاحف عن هذا الوقف، ولم ينبه أحد عليه.
والوقف على {مبشرا ونذيرا} ليس بتام، لوجود لام التعليل، ولكنه من قبيل الحسن، ولو وصل لكان أجود، نقول: { إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله وتعذروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا }.
والوقف قبل لام التعليل ليس تاما، ولا كافيا، وإنما يتجاوز عنه لو كان رأس آية، فإن لم يكن رأس آية فلابد من وصله، مثال {لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله} {وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص } { وكف أيدي الناس عنكم ولتكون آية } وقس على ذلك.





وإذا طال المعنى في آية مثل قوله تعالى: { ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله } هذا حسن، ولكنه معفو عنه، لطول القصة {قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا} هذا أيضا حسن، { قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا } هذا هو الكافي.
فالأولين حسن والثالث كاف، وقد يعفى عن مثل ذلك لطول الكلام، لكن إذا طال النفس استحب الوصل، والوقف على{ تولوا إلا قليلا منهم } تام، وما ذكرته من الوقوف ليس على سبيل الحصر، وإنما لنقيس عليها ما شابهها، فليس المصحف مرجعا للوقوف، فليراعى ذلك.
ومما ينبغي التنبيه عليه الوقف على كلمة: كلا، وقد ذكرت في القرآن الكريم، في النصف التحتي منه ثلاتاً وثلاثين مرة، وخلا منها النصف الفوقي، وقد جوز معقل بن يسار وسيبويه الوقف على جميع: كلا. وفيه نظر، وقال أهل الأداء: الوقف على كلا نوعان:
_ نوع من قبيل الحسن والكافي.
_ ونوع من قبيل التام.
و لنبين ذلك جيدا فنقول: أما التام في كلا فخمس مواضع:
أولاً وثانيا: قوله تعالى:{ أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهداً كلا} في سورة مريم، وقوله: {واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا }.
الثالث والرابع: في سورة الشعراء { ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون قال كلا } , { قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا }.
والخامس: في سورة سبأ { قل أروني الذين ألحقتم به شركاء كلا } فهذه خمس مواضع، الوقف عليها من الوقوف التامة لا محالة.
وثم تسع مواضع الوقف عليها إما حسن، وإما كاف، وهي أولا في سورة (المؤمنون) {قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا} الوقف عليه كاف.
الثاني والثالث: بسورة المعارج { ومن في الأرض جمعياً ثم ينجيه كلا } { أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم كلا } والوقف على هذين كاف.
الرابع والخامس: في سورة المدثر { ثم يطمع أن أزيد كلا } { أن يؤتى صحفا منشرة كلا } والوقف عليهما كاف.
السادس: { كلا لا وزر} بسورة القيامة، والوقف عليه حسن، وينبغي وصلها بـ{أين المفر كلا}. وكذلك كل أنواع كلا الموقوف عليها ينبغي وصلها بما قبلها.
السابع: { قال أساطير الأولين كلا } وتستأنف { بل ران } بالتطفيف، وهو من قبيل الحسن.
الثامن: { فيقول ربي أهانن كلا } بسورة الفجر، وهو حسن.
التاسع: في سورة الهمزة { يحسب أن ماله أخلده كلا } وهو حسن.
هذا ما أخبر به أهل الأداء في الوقف على كلا، وأما باقيها فلا وقف عليها، إلا في رأي سيبويه و معقل بن يسار، ولم يؤخذ به، واختلفوا في معنى كلا، فبعضهم قال: هي بمعنى نعم، وبعضهم قال: هي بمعنى لا، وبعضهم قال: هي بمعنى ألا للتنبيه، وبعضهم قال أنها بمعنى الردع... إلى غير ذلك، وقد نظمها بعض العلماء فقال:


ثلاثين كلا أتبعت بثلاثة = جميع الذي في الذكر منها تنزلا
ومجموعها في خمس عشرة سورة = ولا شيء منها جاء في النصف أولا
فخمس عليها قف تماما بمريم = وفي الشعرا اعدده وفي سبأ حلا
وفي تسعة خيِّر قد افلح سائل = ومدثر بدء وثالثه حلا
وأول حرف في القيامة قد أتى = ومطفف ثان وفي الفجر أولا
وفي عمد حرف ولا وقف عندهم = على ما سوى هذا لمن قد تأملا
وعند إمام النحو في فرقة سموا = عليها يكون الوقف فيما تحصلا
وليس لها معنى سوى الردع عندهم = وإن أوهمت شيئا سواه تؤولا
وقال سواهم إنما الردع غالب = وتأتي لمعنى غير ذاك محصلا
كحقا ومعنى سوف في ناجر أتت = ومثل نعم أيضا ومشبهة ألا
فقف إن أتت للردع وابدأ بها إذا = أتت لسوى هذا على ما تحصلا
ومهما عليه كان وقفك دائما = تجد سندا من سيبويه ومعقلا

يعني: إن وقفت على جميع كلا، فعندك رخصة من سيبويه و معقل بن يسار ومن تبعهما.
وخلاصة القول: أن الوقف لا حكم له في القرآن، وإنما هو ذوق عربي، ففقهك في اللغة يزيدك خبرة في الوقوف، فلا يحرم الوقف ولا يمنع، ولا يجب إلا بسنب لغوي، كما قال الناظم:
وليس في القرآن من وقف وجب = ولا حرام غير ما له سبب

وسنعود إلى الباب من قول الناظم معلقين عليه إن شاء الله. ولا يحرم الوقف أو يكره إلا بتغيير معنى، أو وقف على مضاف دون مضافه، أو على ظرف دون مظروفه، أو ما إلى ذلك من محظورات الوقوف التي تقدمت.
قال الناظم:
وبعد تجويدك للحروف = لابد من معرفة الوقوف

لذا جعلناه في آخر الأحكام، قال الناظم:

والابتدا وهي تقسم إذن = ثلاثة تام وكاف وحسن

أي لابد أن تعرف الوقف والابتداء. والوقف يقسم إلى ثلاثة أقسام:، تام، وكاف، وحسن.
وإنما قال: والابتداء؛ لأن من الناس من يحسنون الوقف، ولا يحسنون الابتداء، كأن يقول مثلا: { يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم } ويضيق نفسه، فيبدأ {وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم} فالابتداء قبيح، لذا لابد من معرفة الابتداء كما تُعرف الوقوف، ومثل قوله { ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله }، ثم يبدأ { ولد الله وإنهم لكاذبون } فهذا ابتداء بقبيح، ومثل قوله: {ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي } ثم يبدأ { إني كفرت بما أشركتمون }.
من أجل هذا قال الناظم:

(لابد من معرفة الوقوف)
(والابتداء ... )
قال الناظم:
وهو لما تم فإلم يوجد = تعلق....

وهو: أي الوقف التام، الذي لا يوجد تعلق له بما قبله، ولا بما بعده، لا معنى ولا لغة، وقوله: (أو كان معنى فابتدي، فالتام فالكاف)، يعني الأول هو التام، والذي تعلق بما قبله أو بما بعده معنى فالكافي.
وقوله: (ولفظا فامنعن)، أي الذي تعلق بما قبله وبما بعده لفظا ومعنى فامنع الوقوف عليه، إلا رؤوس الآي فقد جاز ذلك، ولفظا فامنعن إلا رؤوس الآي جوز، واسم هذا النوع الحسن، فما لا يتعلق، تام وما تعلق بمعنى، كاف وما تعلق بمعنى ولغة حسن، ولا يوقف عليه مع طول النفس إلا على رؤوس الآي، فإن ضاق النفس أبيح.

وقوله وغير ما تم قبيح وله = يوقف مضطرا ويبدأ قبله

كأن يقول: { يأيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة } أو أن يقول: { لهو القصص الحق وما من إله } أو أن يقول: { فويل للمصلين } أو أن يقول: { يعلم السر وأخفى الله } هذا معنى قوله: (وغير ما تم قبيح، وله يوقف مضطرا) فلا يوقف على مثل هذا إلا عند الاضطرار وضيق النفس، ولكن يبدأ قبل الوقف لتصحيح المعنى، ولذا قال: يوقف مضطرا، ويبدأ قبله.
ثم قال:

وليس في القرآن من وقف وجب = ولا حرام غير ما له سبب

يعني: أن الوقف ليس له حكم شرعي يمنعه، أو يحرمه، أو يحله إلا بسبب خطأ في اللغة أو فساد في المعنى، كما تقدم.
أما السكت فهو لغة: المنع، واصطلاحا: الوقف على آخر كلمة أو وسطها مقدار حركتين بلا تنفس بنية استئناف القراءة، ولحفص من روايتنا هذه أربع سكتات:
قوله تعالى { ولم يجعل له عوجا قيما } بسورة الكهف، فالسكت على عوجا مقدار حركتين مستأنفا قيما.
الثاني: { من بعثنا من مرقدنا } والسكت حركتين بلا تنفس، ثم يبدأ { هذا ما وعد الرحمن } بـ يس.
والثالث: { وقيل من } ثم يبدأ { راق } والسكت على {من} مقدار حركتين بلا تنفس بسورة القيامة.
والرابع: {كلا بل} والسكت على {بل} مقدار حركتين بلا تنفس، ثم يستأنف { ران على قلوبهم } بالتطفيف.
قال الإمام الشاطبي:

وسكتة حفص دون قطع لطيفة = على ألف التنوين في عوجا بَلى
وفي نون من راق ومرقدنا ولام بل = ران والباقون لا سكت موصلا

ويلحق بهذه المواضع، السكت ما بين الأنفال والتوبة، وقد ذكرناه في أحكام البسملة آنفا.
وثم موضع سادس، وهو في قوله { ما أغنى عني ماليه هلك} بسورة الحاقة، فلحفص وجهان هنا:
_ إما أن يقرأ { ماليه هلك } بإدغام الهاء في الهاء، ويسمى إدغام مثلين صغير.
_ وإما أن يسكت على {ماليه} مقدار حركتين بلا تنفس مستأنفا { هلك }، هكذا: {ما أغنى عني ماليه هلك}.
وقد نظم العلامة السمنودي في الوقف والقطع والسكت كلاما نفيسا قال: في كتابه لآلئ البيان:
الوقف تام حيث لا تعلقا = فيه وكاف حيث معنى علقا
قف وابتدأ وحيث لفظا فحسن = فقف ولا تبدأ وفي الآي يسن
وحيث لم يتم فالقبيح قف = ضرورة و ابدأ بما قبل عرف
ولم يجب وقف ولم يحرم عدا = ما يقتضي من سبب إن قصدا
والقطع كالوقف وفي الآيات جا = واسكت على مرقدنا وعوجا
بالكهف مع بل ران من راق ومر = خلف بماليه ففي الخمس انحصر
وأعتقد أني قد أطلت النفس بما فيه الكفاية في هذا الباب، وأسأل الله أن أكون قد رزقت توفيقا، والله تعالى أعلم.


 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
معرفة, باب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:36 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir