التطبيق الأول
المراد بأسفل سافلين في قوله تعالى: {ثم رددناه أسفل سافلين(5)} التين.
ورد فيه قولان:
الأول : النار
والمعنى :رددناه إلى أسفل النار: قاله مجاهدٌ، وأبو العالية، والحسن، وابن زيدٍ، وغيرهم ذكره عنهم ابن كثير وقال: ثمّ بعد هذا الحسن والنّضارة مصيره إلى النار إن لم يطع الله ويتّبع الرسل و ذكره السعدي و الأشقر. أيضا ولم يذكر السعدي غيره.
و معنى الاستثناء على هدا القول:
إلاَّ منْ منَّ اللهُ عليهِ بالإيمانِ والعملِ الصالحِ، والأخلاقِ الفاضلةِ العاليةِ، فإنهم لا يُرَدُّون إلى النار.
الثاني: أرذل العمر
والمعنى :رددناه إلى أرذل العمر روي هذا القول عن ابن عبّاسٍ وعكرمة، ذكره عنهم ابن كثير وذكره الأشقر وقال
وأرذل العمر َهُوَ الهَرَمُ وَالضَّعْفُ بَعْدَ الشبابِ والقوَّةِ، حَتَّى يَصِيرَ كالصَّبِيِّ، فَيَخْرَفُ وَيَنْقُصُ عَقْلُهُ.
ومعنى الاستثناء على هذا القول:
إلا الذين آمنوا ، فإنهم لا يُرَدُّون إلى الخَرَف وأَرْذَل العُمُر وإن عُمِّروا طويلاً ، وهذا على القول . قال ابن عباس : من قرأ القرآن لم يُرَدَّ إلى أرذل العمر.
الترجيح
اختار ابن جرير القول الثاني
واختار ابن الكثير القول الأول وتعقب ابن جرير بقوله: ولو كان هذا هو المراد لما حسن استثناء المؤمنين من ذلك؛ لأنّ الهرم قد يصيب بعضهم، وإنما المراد ما ذكرناه، كقوله: {والعصر إنّ الإنسان لفي خسرٍ إلاّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات.}
سبب تسمية ليلة القدر بهذا الاسم.
ورد في ذلك قولان:
أولا : أن القدر من العظمة .
فسميت بذلك لعظم قدرها وشرفها وفضلِهَا عندَ الله .. ذكره السعدي و الأشقر
ثانيا: القدر : الحكم
فسميت ذلك لأنَّهُ يقدِّرُ فيهَا ما يكونُ في العامِ منَ الآجالِ والأرزاقِ.و ما شاء من أمره . ذكره السعدي و الأشقر
قال قتادة وغيره: تقضى فيها الأمور وتقدر الآجال والأرزاق كما قال تعالى: فيها يفرق كل أمر حكيم [الدخان: 4] . ذكره ابن كثير
الترجيح :
الأقوال كلها متفقة لا تعارض فيها
معنى الصمد
ورد فيه أقول:
الأول
الذي يصمد إليه الخلائق في حوائجهم ومسائلهم
وهو قول عكرمة عن ابن عباس.ذكره ابن كثير عنهم وذكره السعدي والأشقر
.الثاني :
السيد المتناهي في السؤدد؛ وفي الكمال من كل شيء
هو المتفرد سُبْحَانَهُ بِصِفَاتِ الْجَلَالِ وَالْكَمَالِ كُلِّهَا
فهو السّيّد الذي قد كمل في سؤدده، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد كمل في عظمته، والحليم الذي قد كمل حلمه، والعليم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، وهو الذي قد كمل في أنواع الشّرف والسّؤدد، وهو اللّه سبحانه، هذه صفته لا تنبغي إلاّ له، ليس له كفءٌ، وليس كمثله شيءٌ، سبحان اللّه الواحد القهّار.وهو قول علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس؛ أبو وائل ؛ وابن مسعود؛ وابن زيد ذكره ابن كثير عنهم وذكره السعدي والأشقر
الثالث:
الصمد هو الباقي بعد خلقه. وهو قول الحسن وقتادة؛ قال الحسن :{الصّمد}: الحيّ القيّوم، الذي لا زوال له. ذكره ابن كثير
الرابع
الصمد: المصمت الذي لا جوف له؛ لا يأكل الطعام ولا يشرب الشراب ؛ولم يخرج منه شيء.
وهو قول ابن مسعودٍ وابن عبّاسٍ وسعيد بن المسيّب ومجاهدٌ وعبد اللّه بن بريدة وعكرمة أيضاً وسعيد بن جبيرٍ وعطاء بن أبي رباحٍ وعطيّة العوفيّ والضّحّاك والسّدّيّ و الشعبيذكره ابن كثير
وأورد ابن جرير في ذلك حديثا بسنده إلى عبد الله بن بريدة. مرفوعا لنبي صلى الله عليه وسلم . قال: «الصمد الذي لا جوف له» وقد أنكر ابن كثير كونه مرفوعا وقال والصحيح أنه موقوف على عبد الله بن بريدة.
الخامس
الصمد : نور يتلألأ؛ هو قول عبد الله بن بريدةذكره ابن كثير
السادس
الصمد يفسره ما بعده.؛ ومعناه الذي لم يلد ولم يولد وهو قولالربيع بن أنسذكره ابن كثير وقال ابن كثير وهو تفسير جيد.
واستدل له ابن كثير بما ورد من أحاديث في أسباب النزول
عن أبيّ بن كعبٍ، أنّ المشركين قالوا للنبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: يا محمد، انسب لنا ربّك؟ فأنزل اللّه: {قل هو اللّه أحدٌ (1) اللّه الصّمد (2) لم يلد ولم يولد (3) ولم يكن له كفواً أحدٌ}. رواه الإمام أحمد
زاد ابن جريرٍ والتّرمذيّ، قال: {الصّمد}: الذي لم يلد ولم يولد؛ لأنه ليس شيءٌ يولد إلاّ سيموت، وليس شيءٌ يموت إلاّ سيورّث، وإنّ اللّه جلّ جلاله لا يموت ولا يورّث، {ولم يكن له كفواً أحدٌ}: ولم يكن له شبهٌ ولا عدلٌ، وليس كمثله شيءٌ.
قال ابن كثير : ....وهو صريحٌ فيه
الترجيح
نقل ابن كثير كلام أئمة السلف في كون جميع تلك المعاني يصح جعلها تفسيرا للصمد
قال رحمه الله: وقد قال الحافظ أبو القاسم الطبراني في كتاب السنة له بعد إيراده كثيرا من هذه الأقوال في تفسير الصمد: وكل هذه صحيحة وهي صفات ربنا عز وجل، هو الذي يصمد إليه في الحوائج وهو الذي قد انتهى سؤدده، وهو الصمد الذي لا جوف له ولا يأكل ولا يشرب، وهو الباقي بعد خلقه. وقال البيهقي نحو ذلك.
و استحسن ابن كثير القول الأخير لما ورد من أحاديث في ذلك فكانت بمثابة التفسير الصريح للآية.
والله أعلم