دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > البلاغة > عقود الجمان

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28 صفر 1433هـ/22-01-2012م, 07:37 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الباب السادس: الإنشاء

الباب السادس : الْإِنْشَاءُ

346 وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ الطَّلَبِي = طَالِبُ مَا يُفْقَدُ وَقْتَ الطَّلَبِ
347 أَنْوَاعُهُ مِنْهَا التَّمَنِّيْ وَوُضِعْ = (لَيْتَ) لَهُ وَلَوْ مُحَالاً فَاسْتَمِعْ
348 كَمِثْلِ "يَا لَيْتَ الشَّبَابَ عَائِدْ" = وَقَدْ يَجِي بِـ(هَلْ) كَـ"هَلْ مِنْ عَاضِدْ"
349 لِفَقْدِهِ عِلْمًا وَهَكَذَا بِـ(لَوْ) = وَيُوسُفٌ كَأَنَّ مِنْهُمَا حَذَوْا
350 هَلاَّ وَ(أَلاَّ) بِانْقِلاَبِ الْهَاءِ مَعْ = (لَوْلاَ) وَ(لَوْمَا) بِمَزِيد)مَا) وَقَعْ
351 إِذْ أُشْرِبَا مَعْنَى التَّمَنِّي لِيَفِي = فِي الْمَاضِ تَـنْدِيمٌ كَذَا التَّحْضِيضُ فِي
352 مُسْتَقْبَلٍ "هَلاَّ أَتَيْتَ"، "هَلاَّ = تَجِي" وَخُذْ تَمَنِّـيًا بِـ(عَلاَّ)
353 فَانْصِبْ جَوَابَهَا كَـ(لَيْتَ) وَالْخَبَرْ = تَضْمِينُهُ لَفْظَ التَّمَنِّي مُسْتَطَرْ
354 وَمِنْهَا الاِسْتِفْهَامُ بِـ(الْهَمْزِ)وَ(هَلْ) = (مَا)(مَنْ)وَ(أَيٍّ)(كَمْ)وَ(كَيْفَ)(أَيْنَ) (دَلْ)
355 (أَنَّى) (مَتَى) (أَيَّانَ)، فَالْهَمْزَ اذْكُرِ = لِطَلَبِ التَّصْدِيقِ وَالتَّصَوُّرِ
356 نَحْوُ "أَزَيْدٌ قَائِمٌ" "أَذَاكَ خَلْ = أَمْعَسَلٌ"، قُلْتُ: وَذُو التَّصْدِيقِ حَلْ
357 تَالِيهِ (أَمْ) مُنْقَطِعًا وَالثَّانِي = مُتَّصِلاً وَلَمْ يُقَبَّحْ بَانِي
358 نَحْوُ "أَزَيْدٌ قَامَ"، "أَلْجَهُولاَ = عَرَفْتَ" ثُمَّ أَوْلِهَا الْمَسْؤُولاَ
359 بِهَا كَفَاعِلٍ وَمَفْعُولٍ بِمَا = مَضَى وَفِعْلٍ فِي "أَخِلْتَ الْمُنْتَمَى"
360 قُلْتُ: وَذَا الْحُكْمُ لِغَيْرِهَا اسْتَقَرْ = كَذَاكَ فِي الْعَرُوسِ وَالطِّيبِي ذَكَرْ
361 وَ(هَلْ)لِتَصْدِيقٍ فَقَطْ كَـ"هَلْ أَتَى = زَيْدٌ"، وَ"هَلْ عَمْرٌو أَبُو هَذَاالْفَتَى"
362 مِنْ ثَمَّ لاَ يُعْطَفُ بَعْدَهَا بِـ(أَمْ) = وَنَحْوُ"هَلْ زَيْدًا ضَرَبْتَ" الْقُبْحُ أَمْ
363 إِذْ أَفْهَمَ التَّقْدِيمُ تَصْدِيقًا حَصَلْ = بِالْفِعْلِ نَفْسِهِ خِلاَفَ مَا اشْتَغَلْ
364 وَقَالَ فِي الْمِفْتَاحِ: "هَلْ عَبْدٌ عَرَفْ" = قُبْحٌ لَهُ وَلاَزِمٌ عَمَّا وَصَفْ
365 جَوَازُ "هَلْ زَيْدٌ" وَبَعْضٌ عَلَّلاَ = قُبْحَهُمَا بِأَنَّ (هَلْ) تَأَصَّلاَ
366 رَدِيفَ (قَدْ)وَالْهَمْزُ قَبْلُ حُذِفَا = لِكَثْرَةِ الْوُقُوعِ، قُلْتُ :اخْتُلِفَا
367 فِي كَوْنِهَا تُفِيدُ ذَاكَ فَضْلاَ = عَنْ كَوْنِهَا لِذَاكَ وَضْعًا أَصْلاَ
368 وَإِنَّمَا الزَّمَخْشَرِيُّ قَالَهْ = وَكَمْ إِمَامٍ رَدَّ ذِي الْمَقَالَةْ
369 وَخَصَّصَتْ مُضَارِعًا بِمَا يَجِي = فَلاَتَقُلْ "هَلْ تَطْرُدِينَ الْمُرْتَجِي"
370 كَمَا يَجِي فِي هَمْزَةٍ لِأَجْلِ = ذَيْنِ لَهَا تَخَصُّصٌ بِالْفِعْلِ
371 مِنْ ثَمَّ "أَنْتُمْ شَاكِرُونَ" بَعْدَ "هَلْ" = مِنْ "تَشْكُرُوا" لِطَلَبِ الشُّكْرِ أَدَلْ
372 لِأَنَّ إِبْرَازَ الَّذِي جُدِّدَ فِي = مَعْرِضِ ثَابِتٍ أَدَلُّ إِذْ يَفِي
373 عَلَى كَمَالِ الاِعْتِنَا بِأَنْ حَصَلْ = وَمِنْ"أَأَنْتُمُ" الَّذِي الثُّبُوتَ دَلْ
374 لِأَنَّ (هَلْ) لِلْفِعْلِ أَدْعَى مِنْهَا = فَتَرْكُهُ مَعْهَا أَدَلُّ كُنْهَا
375 مِنْ ثَمَّ لاَ يَحْسُنُ "هَلْ مَلِيحِي = مُنْطَلِقٌ" إِلاَّ مِنَ الْفَصِيحِ
376 وَ(هَلْ) بَسِيطٌ لِلْوُجُودِ يَطْلُبُ، = وَمَا وُجُودُهُ لِشَيْ مُرَكَّبُ
377 فَأَوَّلٌ كَـ"هَلْ سُكُونُهُ وُجِدْ" = وَالثَّانِ "هَلْ سُكُونُهُ دَوْمٌ" عُهِدْ



تَنْبِيهٌ

378 مُسْتَفْهَمُ التَّصْدِيقِ يُوسُفٌ وَفَى = لِلْحُكْمِ بِالثُّبُوتِ أَوْ بِالاِنْتِفَا
379 وَمَنْ نَفَى مُسْتَفْهَمَ النَّفْيِ بِهَلْ = كَصَاحِبِ الْمِصْبَاحِ وَالْمُغْنِي وَهَلْ
380 بِالْبَاقِيَاتِ يُطْلَبُ التَّصَوُّرُ = فَـ(مَا) لِشَرْحِ الاِسْمِ قَبْلُ تُذْكَرُ
381 أَوْ لِحَقِيقَةِ الْمُسَمَّى وَ(هَلِ) = بَسِيطَةً رُتْـبَتُهَا الْأُولَى تَلِي
382 وَ(مَنْ) بِهَا يُطْلَبُ أَنْ يُعَيَّـنَا = مُشَخِّصٌ يَعْلَمُ نَحْوُ "مَنْ هُنَا"
383 وَقِيلَ: (مَا) لِلْجِنْسِ وَالْوَصْفِ تَعُمْ = فَفِي جَوَابِ: "مَا لَدَيْكَ؟" الثَّوْبَ أُمْ
384 وَفِي جَوَابِ: "مَاأَخُوكَ؟" الْمُرْتَضَى = وَمَنْ لِجِنْسٍ عَالِمٍ وَمَا ارْتَضَى
385 لاَ وَصْفِهِ، وَاسْأَلْ بِـ(أَيٍّ) عَمَّا = يُمَيِّزُ الشِّرْكَةَ فِيمَا عَمَّا
386 وَاسْأَلْ بِـ(كَمْ) عَنْ عَدَدٍ،وَ(كَيْفَ) عَنْ = حَالٍ،وَ(أَيْنَ) لِلْمَكَانِ، وَالزَّمَنْ
387 (مَتَى)، وَ(أَيَّانَ) لِذِي اسْتِقْبَالِ = قِيلَ وَلِلتَّفْخِيمِ فِي الْأَهْوَالِ
388 (أَنَّى( كَـ(كَيْفَ) تَارَةً كَـ"أَنَّى = شِئْتُمْ"، وَ"مِنْ أَيْنَ" كَثِيرًا عَنَّا
389 وَرُبَّمَا تُسْتَعْمَلُ الْأَدَاةُ فِي = سِوَاهُ كَاسْتِبْطَائِهِ أَوْ أَنْ يَفِيْ
390 لِعَجَبٍ كَمِثْلِ "مَا لِيْ لاَ أَرَى" = كَذَا لِتَنْبِيهِ الضَّلاَلِ قَدْ عَرَى
391 وَلِلْوَعِيدِ كَـ"أَلَمْ أُؤَدِّبِ = زَيْدًا" لِمَنْ يُرَى مُسِيءَ الْأَدَبِ
392 كَذَا لِتَقْرِيرٍ بِهَمْزٍ قَدْ سَبَقْ = مُقَرَّرًا بِهِ وَلِلْإِنْـكَارِ حَقْ(*)
393 وَذَا لِتَكْذِيبٍ وَتَوْبِيخٍ يَرِدْ = وَلِتَـهَكُّمٍ وَتَهْوِيلٍ وَضِدْ
394 كَذَا لِلاِسْتِبْعَادِ، قُلْتُ: أُلِّفَا = فِيهَا كِتَابٌ(**) قَدْ مَحَا عَنْهَاالْخَفَا
395 وَزِيدَ لِلتَّشْوِيقِ وَالتَّرْغِيبِ مَعْ = تَسْوِيَةٍ وَالْعَرْضِ وَالْأُنْسِ وَقَعْ
396 وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ،وَقَدْ يَجْتَمِعَا = مِثْلَ تَعَجُّبٍ وَتَوْبِيخٍ مَعَا
397 وَهَلْ يُرَى الْمَعْنَى الأَصِيلُ يُسْبَرُ = مَعْ هَذِه أَوْ زَالَ فِيهِ نَظَرُ



فَصْلٌ

398 وَالْأَمْرُ مِنْ أَنْوَاعِهِ ثُمَّ الْأَصَحْ = صِيغَتُهُ بِاللاَّمِ أَوْ لاَ قَدْ وَضَحْ
399 لِطَلَبِ الْفِعْلِ مَعَ اسْتِعْلاَءِ = وَقَدْ يَجِي لِلْعَالِ لِلدُّعَاءِ
400 وَلِلْمُسَاوِي فَالْتِمَاسٌ وَيَرِدْ = إِبَاحَةً كَذَا لِتَهْدِيدٍ قُصِدْ
401 وَلِإِهَانَةٍ وَلِلتَّسْخِيرِ = وَالْخَبَرِ التَّعْجِيزِ وَالتَّخْيِـيرِ
402 وَلِلتَّمَنِّي وَامْتِنَانٍ وَالْعَجَبْ = تَسْوِيَةٍ وَالاِحْتِقَارِ وَالْأَدَبْ
403 وَقَالَ فِي الْمِفْتَاحِ: لِلْفَوْرِ اقْتَضَى = قُلْتُ: أَعَمُّ مِنْهُ فِي الْقَوْلِ الرِّضَى
404 وَالنَّهْيَ فَاعْدُدْهُ مِنَ الْإِنْشَاءِ = وَحَرْفُهُ (لاَ) وَهْوَ ذُو اسْتِعْلاَءِ
405 وَقَدْ يَجي طَالِبَ غَيْرِ الْكَفِّ = وَالتَّرْكِ كَالتَّهْدِيدِ لِلتَّشَفِّي
406 قُلْتُ: وَلِلتَّقْلِيلِ وَامْتِنَانِ = وَلِلدُّعَا الْإِرْشَادِ وَالْبَيَانِ
407 وَهَذِهِ الْأَنْوَاعُ قَدْ يُـقَدَّرُ = شَرْطٌ يَلِيهَا جَازِمًا مَا يُذْكَرُ
408 كَـ"لَيْتَ لِيْ مَالاً أَصَدَّقْ"أَيْ إِنِ = أُرْزَقْهُ، "زُرْنِي أُشْفَ" أَيْ إِنْ زُرْتَنِيْ
409 وَوُلِّدَ الْعَرْضُ مِنِ اسْتِفْهَامِ = فَقُلْ: "أَلاَ تَنْزِلْ تُعَدَّ السَّامِي"
410 وَلِدَلِيلٍ جَازَ أَنْ يُقَدَّرَا = فِي غَيْرِهَا فَـ"اللهُ هُوْ" لِمَنْ قَرَا
411 ثُمَّ النِّدَا مِنْهَا وَرُبَّمَا تَرِدْ = صِيغَتُهُ لِغَيْرِ مَا لَهُ قُصِدْ
412 كَمِثْلِ الاِغْرَاءِ كَـ"يَا مَظْلُومُ" = لِمَنْ شَكَا الظُّلْمَ، وَ"يَا مَحْرُومُ"
413 وَالاِخْتِصَاصِ "أَنَا أَيُّهَا الرَّجُلْ = أَفْعَلُهُ" أَيْ مُتَخَصِّصًا فَقُلْ
414 قُلْتُ: وَلاِسْتِغَاثَةٍ تَعَجُّبِ = تَحَسُّرٍ كَـ"يَا دِيَارَ الْعَرَبِ"
415 وَأَصْلُ (يَا) لَدَى النِّدَاءِ لِلْبَعِيدْ = وَقَدْ تَجِي لِغَيْرِهِ مِثْلِ الْبَلِيدْ
416 وَالْحِرْصِ فِي وُقُوعِهِ وَالاِعْتِنَا = أَوْ شَأْنَهُ عَظَّمَهُ أَوْ هَوَّنَا
417 ثُمَّ التَّرَجِّي بِـ(لَعَلَّ) أَهْمَلاَ = وَقَدْ تَـجِي تَوَقُّعًا تَعَلُّلاَ
418 كَذَا لِشَكٍّ وَلِلاِسْتِفْهَامِ = وَيُطْلَبُ الْإِعْطَافُ بِالْأَقْسَامِ



تَنْبِيهٌ

419 وَقَدْ يَـجِي الْإِخْبَارُ مَوْضِعَ الطَّلَبْ = تَحَرُّزًا عَنْ صُورَةِ الْأَمْرِ أَدَبْ
420 وَلِتَفَاؤُلٍ وَقَصْدِ الْحِرْصِ فِي = وُقُوعِهِ وَاحْتَمَلاَ إِذَا يَـفِي
421 مِنَ الْبَلِيغِ صِيغَةُ المَاضِي دُعَا = أَوْ حَمْلِهِ عَلَيْهِ مَنْ قَدْ سَـمِعَا
422 قُلْتُ: وَقَدْ يُعْكَسُ ذَا لِنُكَتِ = تُدْرَكُ فِي مَحَلِّهَا بِالْفِطْنَةِ
423 ثُمَّتَ الاِنْشَاءُ كَمِثْلِ الْخَبَرِ = فِي غَالِبِ الَّذِي مَضَى فَاعْتَبِرِ


(*) هاهنا زيادة في (تلخيص المفتاح) نسي السيوطي أن ينظمها،فنظمها المرشدي في الشرح:
ومن ورود الهمز للإنكار جا = نحوُ "أليس الله" فاحذُ المنهجا
لأن نفيَ النفي إثبات وذا = مرادُ من بالهمز تقريرًا حذا
أي بالذي مدخولَ نفي صار لا = بالنفي فالفعلُ لهمزة تلا
وصورةٌ أخرى لفعل أُنكِرا = وهي "أزيدٌ قد ضربتَ أم فرا"
لمن غدا مُردِّدا بينهما = ضربًا ولم يَخصُص به غيرَهما
(**) هو كتاب (روض الأفهام في أقسام الاستفهام) لابنالصائغ


  #2  
قديم 28 صفر 1433هـ/22-01-2012م, 09:56 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح عقود الجمان للسيوطي


الباب السادس وهو الإنشاء

[وإنما المقصود منه الطلبي = طالب ما يفقد وقت الطلب
أنواعه منها التمني ووضع = ليت له ولو محالا فاستمع
كمثل يا ليت الشباب عائد = وقد يجيء بهل كهل من عاضد
لفقده علما وهكذا بلو = ويوسف كأن منهما حذوا
هلا وألا بانقلاب الهاء مع = لولا ولو ما بمزيد ما وقع
إذ أشربا معنى التمني ليفي = في الماضي تنديم كذا التحضيض في
مستقل هلا أتيت هلا = تجيء وخذ تمنيا بعلا
فالنصب جوابها كليت والخبر = تضمينه لفظ التمني مستطر]
هذا هو الباب السادس وهو الإنشاء وقد تقدم حده وهو ينقسم إلى طلب وغيره كذا قالوه قال الشيخ بهاء الدين والأحسن أن يقال طلب يوقد مثلوا غيره بأفعال التعجب والمدح والذم ورب وكم ونحو ذلك والمقصود هنا الطلبي، وهو ما يستدعي مطلوبًا غير حاصل وقت الطلب لامتناع طلب الحاصل وأنواعه كثيرة: منها التمني وهو طلب حصول شيء على سبيل المحبة واللفظ الموضوع له ليت ولا يشترط إمكان المتمني بخلاف المترجي نحو: ليت الشباب عائد كذا قالوه.
وهنا فوائد: الأولى نوزع في تسمية تمني المحال طلبًا بأن ما لا يتوقع كيف يطلب قال الشيخ بهاء الدين فالأصوب ما ذكره الإمام وأتباعه من أن التمني والترجي والقسم والنداء ليس فيها طلب بل هو تنبيه ولا بدع في تسميته إنشاء.
الثانية: قال التقي السبكي عود الشباب ممكن عقلا ممتنع عادة وعبارة السكاكي تقول ليت زيدا جاءني متطلب غير الواقع في الماضي واقعا فيه مع حكم العقل بامتناعه وليت الشباب يعود مع جزمك بأنه لا يعود وليت زيدا يأتيني فيحدثني في حال لا تتوقعها ولا مطمع لك فيها قال فهذه العبارات أحسن والقدر المشترك بين الثلاثة عدم التوقع قال ابنه وهو سؤال حسن لكن يمكن أن يقال عود الشباب مستحيل عقلا إن فسر بالسن الذي لم يتجاوز الثلاثين وكونه لم يتجاوز ذلك بعد أن جاوزه جمع بين النقيضين فهو مستحيل عقلاً وإن فسر بعود تلك القوة والنشاط الحاصل قبل الشيخوخة جاء ما ذكره الوالد انتهى.
الثالثة: فرق بعضهم بين التمني والترجي بأن الأول في البعيد والثاني في القريب وأن الأول في المعشوق للنفس والثاني في غيره وأن الثاني في المتوقع والأول في غيره. قال شيخنا العلامة الكافيجي: والفرق بين التمني والعرض هو الفرق بينه وبين الترجي وقد يتمنى بهل حيث يعلم فقده نحو: فهل لنا من شفعاء يشفعوا لنا؟ وقد علم أن لا شافع لهم وبلوا إذا نصب جوابها نحو: فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين. وقال السكاكي كأن هلا وألا حرفي التحضيض والتنديم مأخوذتان من هل وكذلك لوما ولولا زيدت على بعضها لا وعلى بعضها ما وإلا قلبت فيها الهاء همزة لتضمن هل ولو معنى
[شرح عقود الجمان: 48]
التمني وركبت ليتولد منها في الماضي التنديم نحو هلا أكرمت زيدا وفي المستقبل التحضيض نحو هلا نقوم وقد يتمنى بلعل في البعيد فتعطي حينئذ حكم ليت في نصب الجواب نحو: لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات فأطلع ونبهت من زيادتي على أن التمني قد يتضمن معنى الخبر قال في الكشاف في قوله تعالى: {ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب} يجوز أن يكون ولا نكذب معطوفا على نرد أو حالاً قال ولا يدفعه قوله تعالى: {وإنهم لكاذبون} لأنه تمن قد تضمن معنى العدة فتعلق به التكذيب:
[ومنها الاستفهام بالهمز وهل = ما من وأي كم وكيف أين دل
أني متى أيان فالهمز اذكر = لطلب التصديق والتصور
نحو أزيد قائم أذاك خل = أم عسل قلت وذو التصديق حل
تاليه أم منقطعًا والثاني = متصلا ولم يقبح باني
نحو أزيد قام الجهولا = عرفت ثم أولها المسئولا
بها كفاعل ومفعول بما = مضى وفعل في أخلت المنتمي
قلت وذا الحكم لغيرها استقر = كذاك في العروس والطيبي ذكر]
من أنواع الإنشاء الاستفهام وهو طلب الفهم وله ألفاظ وهي الهمزة وهل وما ومن وأي وكم وكيف وأين وأنى ومتى وأيان بفتح الهمزة في الأفصح والاستفهام قد يكون لطلب التصور وقد يكون لطلب التصديق فقط وقد يكون لطلب أيهما كان وهذا الحكم يختص بالهمزة لسكونها الأصل وباقي الأدوات نائبة عنها كما صرح به ابن مالك في المصباح وضابط الاستفهام عن التصور والتصديق كما صرح به في المصباح أيضًا واقتصرت عليه في النظم من زيادتي أن الأول يصلح أن يأتي بعده أم المتصلة دون المنقطعة والثاني عكسه وأن الأول يكون عند التردد في تعيين أحد شيئين أحاط العلم بأحدهما لا بعينه والثاني يكون عن نسبة تردد الذهن بين ثبوتها ونفيها ذكره الشيخ بهاء الدين مثال التصور في المسند إليه أهذا زيد أم عمرو وأخل في الإناء أم عسل وفي المسند أفي الخابية دبس أم عسل وفي متعلقه أزيدا أم عمرا ضربت ومثال التصديق أزيد قائم حيث كان التقدير أم لم يقم فإن كان المراد أم عمرو أو أم قعد فليس له نبه عليه الشيخ بهاء الدين وقولي ولم يقبح إلخ أشرت به إلى أنه لا يصح أن يقال أزيد قام أزيدا ضربت الجهول عرفت وإن قبح ذلك في هل لأن تلك للتصديق والهمزة تكون للتصور أيضًا وهذه الأبنية إنما تقبح على التصديق لأن التقديم يستدعى حصول التصديق بنفس الفعل فتكون هل لطلب حصول الحاصل وقولي ثم أولها المسئولا بها إلخ أي المسئول عنه بالهمزة وهو ما يليها كالفاعل في أأنت ضربت والمفعول في أزيدا ضربت والفعل في أضربت زيدا أخلت زيدا قائما والمسند في أقائم أم قاعد زيد والمسند إليه في أزيد أم عمرو قائم قال الشيخ بهاء الدين وذكر صاحب التلخيص لهذه المسألة في هذا المحل وقطعه النظير عن النظير دون ذكره لذلك في أول الكلام أو آخره يقتضي أن غيرها من أدوات الاستفهام لا يطلب بها ما يليها وليس كذلك بل غيرها يشاركها في ذلك، وقد ذكرها الطيبي في التبيان وقد نبهت على ذلك من زيادتي:
[وهل لتصديق فقط كهل أتى = زيد وهل عمرو أبو هذا الفتى
[شرح عقود الجمان: 49]
ومن ثم لا يعطف بعدها بأم = ونحو هل زيدا ضربت القبح أم
إذ أفهم التقديم تصديقا حصل = بالفعل نفسه خلاف ما اشتغل
وقال في المفتاح هل عبد عرف = قبح له ولازم عما وصف
جواز هل زيد وبعض عللا = قبحهما بأن هل تأصلا
رديف قد والهمز قبل حذفا = لكثرة الوقوع قلت اختلفا
في كونها تفيد ذاك فضلا = عن كونها لذاك وضعا أصلا
وإنما الزمخشري قاله = وكم إمام رد ذي المقالة]
هل لطلب التصديق فقط كهل قام زيد وهل زيد قائم ولأجل ذلك امتنع العطف بعدها بأم المتصلة فلا يقال هل زيد قام أم عمرو لأن أم المتصلة إنما تستعمل عند طلب التصور وإرادة التعيين بعد العلم بالنسبة والتصديق طلب النسبة فيلزم طلبها وكونها حاصلة وهما متنافيان بخلاف المنقطعة فيجوز تقول هل قام زيد أم قعد عمرو وقال الشاعر:
ألا ليت شعري هل تغيرت الرحى = رحى الحرب أم أضحت بفلج كما هيا
ولأجل ذلك قبح هل زيدا ضربت لأن التقديم يستدعى حصول التصديق بنفس الفعل المستفهم عنه لا بد أن يكون غير حاصل وقت الطلب فقولك هل زيدا ضربت لا يكون استفهامًا عن التصديق لأنه تحصيل للحاصل ولا عن التصور لأن هل لم توضع له وإنما لم يمتنع لاحتمال أن يكون زيدا مفعول فعل محذوف أو يكون التقديم لا للتخصيص بخلاف باب الاشتغال نحو هل زيدا ضربته فلا يقبح لأن القبح في الأول لتحقق التقديم المقتضى للاختصاص المقتضى لحصول التصديق المنافي للاستفهام، وأما الثانية فيجوز أن يكون العامل في زيدا مقدمًا عليه والتقدير هل ضربت زيدا ضربته فلا يكون فيه تقديم فلا اختصاص فلا مقتضى للتصديق فصح الاستفهام بهل عن التصديق قال صاحب المفتاح ولأجل التقديم المذكور قبح هل رجل عرف لأن الأصل عنده كما تقدم هل عرف رجل على أن رجل بدل من الضمير فيه قدم للتخصيص وهو معنى قولي قبح له أي لما ذكر. قال صاحب التلخيص يلزم على ذلك جواز هل زيد عرف لأن تقديم المظهر والمعرفة ليس للتخصيص عنده كما تقدم مع أنه قبيح بإجماع وبعضهم علل قبح القسمين النكرة والمعرفة بأن هل في الأصل بمعنى قد قال تعالى: {هل أتى على الإنسان حين} فإذا استعملت بمعنى الاستفهام فعلى تقدير الهمزة قبلها حذفت لكثرة الوقوع فكما قبح قد زيد عرف يقبح هل زيد عرف ورد هذا كما زدته في النظم بالمنع بل اختلف في إفادتها معنى قد على سبيل المجاز فضلاً عن كونها موضوعة له والذي وقع قائل هذا القول في ذلك قول الزمخشري في المفصل وعند سيبويه أن هل بمعنى قد إلا أنهم تركوا الألف قبلها لأنها لا تقع إلا في استفهام وقد جاء دخولها عليه في قوله:
سائل فوارس يربوع بشدتنا = أهل رأونا بسفح القاع ذي الأكم
والذي أوقع الزمخشري في ذلك قول سيبويه وكذلك هل إنما هي بمنزلة قد إلا أنهم تركوا الألف قبلها إذ كانت لا تقع إلا في استفهام وقد أول السيرافي كلام سيبويه على أن المراد أن هل يستقبل بها الاستفهام كما أن قد يستقبل بها الخبر قال والراوية في البيت أم هل رأونا وقال ابن مالك إن هل يتعين مرادفتها لقد مع الهمزة ورده أبو حيان بأنها لا تقع مرادفة لها أصلاً وخرج البيت على
[شرح عقود الجمان: 50]
الزيادة وبالجملة فأكثر النحاة متفقون على أنها عند إرادة الاستفهام ليست بمعنى قد:
[وخصصت مضارعا بما يجي = فلا تقل هل تطردين المرتجى
كما يجي في همزة لأجل = ذين لها تخصص بالفعل
من ثم أنتم شاكرون بعد هل = من تشكروا لطلب الشكر أدل
لأن إبراز الذي جدد في = معرض ثابت أدل إذ يفي
على كمال الاعتنا بأن حصل = ومن أأنتم وعلى الثبوت دل
لأن هل للفعل أدعى منها = فتركه معها أدل كنها
من ثم لا يحسن هل مليحي = منطلق إلا من الفصيح]
لما كانت هل فرعا من الهمزة تقاصرت عنها فاختص المضارع بعدها بالاستقبال فلا يجوز أن تقول هل تضرب زيدا وهو أخوك لأنه استفهام توبيخ والتوبيخ إنما يكون على الحال أو الماضي ويصح أن تقول أتضرب زيدا وهو أخوك توبيخا على ضرب واقع والمراد بالحال هنا حال الضرب لا الحال الصناعية ولأجل هذين أي كونها للتصديق وتخصيص المضارع بالاستقبال كان لها مزيد اختصاص بالفعل وهذه العبارة أوضح من قول التلخيص بما كونه زمانيا أظهر كالفعل لأن مقتضى الكاف أن لنا شيئا آخر غير الفعل أظهر في الدلالة على الزمان من غيره. قال السبكي ويحتاج إلى مثال فإن دلالة الفعل على الزمان أظهر من دلالة الاسم وليست دلالة الاسم أظهر من غيرها لا يدل عليه بالكلية أما اقتضاء المضارع تخصيصها بذلك فظاهر لأنها إذا خصصته بالاستقبال صار لها فيه تأثير يوجب اختصاصها به وإذا كان لها تأثير بالمضارع وهو أخص من الفعل صار لها تأثير في مطلق الفعل ضرورة وأما اقتضاء كونها لطلب التصديق لذلك ولم يعرج عليه في التبيان فلأن التصديق هو الحكم بالثبوت أو الانتفاء والنفي والإثبات إنما يتوجهان إلى المعاني والأحداث التي هي مدلولات الأفعال لا إلى الذوات التي هي مدلولات الأسماء ولأجل مزيد اختصاصها بالفعل كان فهل أنتم شاكرون أدل على الطلب من فهل تشكرون ومن فهل أنتم تشكرون لأن إبراز ما يتجدد هو الفعل في قالب الثابت المستقر بحيث تكون الجمة الاسمية والمبتدأ والخبر فيها اسمًا أدل على كمال العناية بحصوله من إبقائه على أصله من الإثبات بالفعل ومن أفأنتم شاكرون وإن كان للثبوت أيضًا لأن ترك الفعل من أصله أدل على كمال العناية لتحويله عن أصله بخلاف الهمزة إذ هل أدعى له منها ولذلك لا يحسن هل زيد منطلق إلا من البليغ لأنه الذي يقصد به الدلالة على الثبوت وإبراز ما يتجدد في معرض الثابت بخلاف غيره:
[وهل بسيط للوجود يطلب = وما وجوده لشيء مركب
تأول كهل سكونه وجد = والثان هل سكونه ذوم عهد]
هل قسمان: بسيطة وهي التي يطلب بها مطلق وجود الشيء كقولنا هل الحركة موجودة، ومركبة وهي التي يطلب بها وجود شيء لشيء كقولنا هل الحركة دائمة.
[تنبيه]
[مستفهم التصديق يوسف وفي = للحكم بالثبوت أو بالانتفا
ومن نفى مستفهم النفي بهل = كصاحب المصباح والمغني وهل]
[شرح عقود الجمان: 51]
هذان البيتان من زيادتي نبهت فيهما على مسألة مهمة وذلك أن بدر الدين بن مالك وهم فقال في المصباح الاستفهام طلب ما في الخارج أن يحصل في الذهن من تصور أو تصديق موجب أو منفي فحكى قولين في أن استفهام التصديق يستفهم به عن النفي أولا وأشار إلى تضعيف الأول وقال ابن هشام في المغني هل لطلب التصديق الإيجابي لا للتصور ولا للتصديق السلبي وكذا قال الشيخ تاج الدين السبكي في جمع الجوامع قال الشيخ جلال الدين في شرحه التقييد بالإيجابي ونفى السلبي على منواله أخذًا من ابن هشام في المغني وهم سري من أن هل لا تدخل على منفي فهي لطلب التصديق أي الحكم بالثبوت أو الانتفاء كما قاله السكاكي وغيره فيقال في جواب هل قام زيد مثلاً نعم أو لا:
[بالباقيات يطلب التصور = فما لشرح الاسم قبل تذكر
أو لحقيقة المسمى وهل = بسيطة رتبتها الأولى تلي
ومن بها يطلب أن يعينا = مشخص يعلم نحو من هنا
وقيل ما للجنس والوصف تعم = ففي جواب ما لديك الثوب أم
وفي جواب ما أخوك المرتضى = ومن لجنس عالم وما ارتضى]
بقية ألفاظ الاستفهام يطلب بها التصور فقط وتختلف من جهة أن المطلوب بكل منها تصور آخر فما يطلب بها أحد الأمرين إما شرح الاسم أي شرح مدلوله لغة كقولك ما العنقاء طالبا شرح هذا الاسم ويبين مدلوله فتجاب بإيراد لفظ أشهر أو حقيقة المسمى التي هو بها وهو عبر عنها في التلخيص بالماهية وهي بمعناها كقولك ما الإنسان طالبا شرح حقيقته الإنسانية وأول هذين القسمين وهو السؤال عن الاسم يكون متقدمًا في الزمان على هل البسيطة لأن شرح الاسم سابق عليها لأن الاستفهام عن ثبوت شيء فرع عن معرفة معنى اسم ذلك الشيء فتقول أولا ما العنقاء ثم تقول هل هي موجودة والثاني متقدم على هل المركبة لأن طلب وجود شيء لشيء مسبوق بالعلم بحقيقة ذلك الشيء تقول ما هي وما حقيقتها فإذا عرفت مدلولها لغة تقول هل هي موجودة فإذا عرفت أنها موجودة تقول ما هي وما حقيقتها فإذا عرفتها تقول هل هي دائمة فهذا ترتيب الأقسام الأربعة من قسمي ما وقسمي هل ومن يطلب بها تعيين الشخص العالم كقولك من هنا فيقال زيد ونحوه مما يفيد تشخيصه وقال السكاكي يسأل بما عن الجنس والوصف تقول ما عندك أي أيّ أجناس من ذوي العلم تقول من جبريل أي أبشر أم ملك أم جني كما قال فرعون فمن ربكما يا موسى أي من أي جنس هو قال في التلخيص وفيه نظر وهو معنى قولي وما ارتضى أي لأنه لا يسلم أنه للسؤال عن الجنس وأنه يصح في جواب من جبريل ملك بل جوابه ملك يأتي بالوحي وكذا وكذا مما يفيد تشخيصه فأما السؤال بما إذ لا فرق بينهما إلا أن ما لما لا يعقل قال الشيخ بهاء الدين وهذا الفرق يلجئ إلى أنه لا يسأل بها عن الوصف لأن الوصف ليس بعاقل فلا يسأل عنه بمن التي هي للعاقل وهذا معنى قولي أول الأبيات الآتية لزيادتي لا وصفه:
[لا وصفه واسأل بأي عما = يميز الشركة فيما عما
واسأل كم عن عدد وكيف عن = حال وأين للمكان والزمان
[شرح عقود الجمان: 52]
متى وأيان لذي استقبال = قيل وللتفخيم في الأهوال
أتى ككيف تارة كأني = شئتم ومن أين كثيرا عنا]
يسأل بأي عما يميز أحد المتشاركين في أمر يعمهما نحو: أي الفريقين خير مقامًا أي أنحن أم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فالمؤمنون والكفار قد اشتركا في الفريقية وسألوا عما يميز أحدهما عن الآخر والأمر الذي يقع به التمييز هو الخبرية والجواب بالتعيين ويسئل بكم عن العدد نحو: كم لبثتم أي كم سنة أو شهرا أو يوما أو ساعة ويسأل بكيف عن الحال نحو: كيف زيد أي صحيح أم سقيم ويسأل بأين عن المكان كأين زيد وجوابه في البيت أو نحوه وبمتى عن الزمان ماضيا كان أو مستقبلا نحو متى تحضر وجوابه اليوم أو غدا ومتى حضرت وجوابه أمس أو أول أمس وبأيان عن الزمان المستقبل نحو: يسألونك عن الساعة أيان مرساها قيل وتستعمل في مواضع التفخيم دون غيره نقله في الإيضاح عن علي بن عيسى الربعي والمشهور عند النحاة أنها كمتى فتستعمل فيه وفي غيره وأنى تستعمل تارة بمعنى كيف ولا يليها إلا فعل نحو: أتى يحيى هذه الله بعد موتها. فأتوا حرثكم أنى شئتم أي كيف شئتم وعلى أي حال ومن أي شق وتارة بمعنى من أين نحو: أنى لك هذا أي من أين لك هذا الرزق الآتي كل يوم قال الشيخ بهاء الدين والفرق بين أين ومن أين أن أين سؤال عن المكان الذي حل فيه الشيء ومن أين سؤال عن المكان الذي برز منه الشيء قيل وتستعمل بمعنى متى ومثل له بقوله تعالى: {أنى شئتم}
تنبيه: يمكن استعمال لفظ أي في جميع ألفاظ التصور تقول في أزيد أم عمرو قال أي الرجلين قام وفي أقائم أم قاعد زيد أي الأمرين فعل وفي ما اسم أبيك أي شيء اسمه وهكذا في الباقي:
[وربما تستعمل الأداة في = سواه كاستبطائه وإن يفي
تعجب كمثل مالي لا أرى = كذا لتنبيه الضلال قد عرى
وللوعيد كألم أؤدب = زيدا لمن يرى مسيء الأدب
كذا لتقرير بهمز قد سبق = مقررا به وللإنكار حق
وذا لتكذيب وتوبيخ يرد = ولتهكم وتهويل وضد
كذا للاستبعاد قلت ألفا = فيها كتاب قد محا عنها الخفا
وزيد للتشويق والترغيب مع = تسوية والعرض والأنس وقع
والأمر والنهي وقد يجتمعا = مثل تعجب وتوبيخ معا
وهل ترى المعنى الأصيل يسير = مع هذه أو زال فيه نظر]
قد تستعمل كلمات الاستفهام في غيره مجازًا عن ذلك الاستبطاء نحوكم أدعوك لمن أكثرت دعاءه وفهم الطيبي أن ذلك خاص بكم وليس كذلك فقد مثله في الإيضاح بقوله تعالى: متى نصر الله وفي التبيان بقولك للغلام هل أنت منطلق أي الناس قد انطلقوا فما وقوفك نعم قال الشيخ بهاء الدين الأحسن أن يجعل الفعل مضارعًا لأنه أدل على بقاء الطلب والاستبطاء بخلاف قول التلخيص كم دعوتك لأنه قد يصدر من موبخ قد انقطع غرضه من إجابة دعائه أو بعد تعذر الإجابة ومنه التعجب ويشارك الاستفهام في أن كلا يكون عما خفي سببه نحو مالي لا أرى الهدهد لأنه لم يكن يغيب عنه إلا بإذنه فلما لم يبصره تعجب من حال نفسه في عدم إبصاره إياه إذ لا معنى لاستفهام العاقل عن
[شرح عقود الجمان: 53]
حال نفسه ومثله في التبيان بقوله تعالى: ما لهذا الرسول يأكل الطعام ومنه التنبيه على ضلال المخاطب نحو: فأين تذهبون. ومنه الوعيد كقولك لمن يسيء الأدب ألم أؤدب فلانا إذا كان عالما بذلك ومنه التقرير أي حمل المخاطب على الإقرار بما يعرفه وإلجاؤه إليه بشرط أن تسبق الهمزة المقرر به ويذكر بعدها فإن أردت التقرير بالجملة قلت أفعلت أو بالمفعول قلت أزيدا ضربت أو الفاعل قلت أنت فعلت ومنه الإنكار بالشرط المذكور فإن كان المنكر الفعل وليها نحو * أيقتلني والمشرفي مضاجعي * أو الفاعل أو المفعول فكذلك نحو أهم يقسمون رحمت ربك أغير الله تدعون ثم الإنكار يرد إما للتكذيب في الماضي أو في المستقبل بمعنى لم يكن أو لا يكون نحو: {أفأصفاكم ربكم بالبنين} أي لم يفعل ذلك {أنلزمكموها وأنتم لها كارهون} لا يكون هذا الإلزام أو للتوبيخ فيهما بمعنى ما كان ينبغي أن يكون أو لا ينبغي أن يكون أعصيت ربك أتعصي ربك وقد أسبغ نعمه عليك ومنه التهكم نحو: {أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا} ومنه التهويل أي التعظيم وضده وهو التحقير نحو من هذا وما هذا {وما أدراك ما هيه} وفي حديث أم زرع زوجي أبو زرع وما أبو زرع ويحتمل الأمرين قراءة ابن عباس من العذاب المهين من فرعون بفتح الميم ورفع فرعون وجعل الشيخ شمس الدين بن الصائغ التهويل وضده وهو التسهيل والتخفيف قسمين غير التعظيم والتحقير ومثل التهويل بقوله تعالى: الحاقة ما الحاقة وضده بقوله تعالى: وماذا عليهم لو آمنوا بالله الآية: والتعظيم بقوله تعالى: من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه * ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها * والتحقير بقوله تعالى: {أهذا الذي بعث الله رسولا} وبقول الشاعر:
ومن أنتم إنا نسينا من أنتم = وريحكم من أي ريح الأعاصر
ومنه الاستبعاد نحو: {أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون} وقد ألف العلامة شمس الدين بن الصائغ في أقسام الاستفهام تأليفًا حسنا سماه روض الأفهام في أقسام الاستفهام ذكر فيه ثمانية وعشرين معنى لكن منها ما لا يسلم وأرجو أن ألخصه في كراسة مع زيادة وتحرير ومما زاده على ما تقدم التشويق والترغيب كقوله تعالى: {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا} {هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم}، والتسوية نحو {سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم} وهذا المعنى نبه عليه الشيخ بهاء الدين وذكر أنه مختص بالهمزة والعرض وقد ذكره ابن مالك في المصباح والشيخ بهاء الدين نحو {ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم} {ألا تحبون أن يغفر الله لكم} والاستئناس نحو {وما تلك بيمينك يا موسى}، والأمر وزاده في الإيضاح نحو {أأسلمتم} أي أسلموا {فهل أنتم منتهون} أي انتهوا وعبر عنه الطيبي في هذه الآية بالاستقصار، والتعبير والنهي نحو: أتخشونهم فالله أحق أي لا تخشوهم ما غرك بربك الكريم أي لا تغترر وربما اجتمع الأمران كالتعجب والتوبيخ معا ذكره في الإيضاح نحو كيف تكفرون بالله وهل يقال لأن معنى الاستفهام في هذه الأشياء موجود وانضم إليه معنى آخر أو تجرد عن الاستفهام بالكلية قال الشيخ بهاء الدين محل نظر والذي يظهر الأول قال ويساعده قول التنوخي في الأقصى القريب أن لعل تكون للاستفهام مع بقاء الترجي ومما يرجح الأول أن الاستبطاء في قولك كم أدعوك معناه أن الدعاء وصل إلى حد لا أعلم عدده فأنا أطلب أن أعلم عدده والعادة تقضي بأن الشخص إنما يستفهم عن عدد ما صدر منه إذا كثر فلم يعلمه وفي طلب فهم عدده ما يشعر بالاستبطاء وأما التعجب فالاستفهام
[شرح عقود الجمان: 54]
معه مستمر لأن من تعجب من شيء فهو بلسان الحال سائل عن سببه وكأنه يقول أي شيء عرض لي حال رؤية الهدهد وقد صرح في الكشاف ببقاء الاستفهام في هذه الآية. وأما التنبيه على الضلال فالاستفهام فيه حقيقي لأن معنى أين تذهب أخبرني إلى أي مكان تذهب فإني لا أعرف ذلك وغاية الضلال لا يشعر بها إلى أين تنتهي. وأما التقرير فإن قلنا المراد به الحكم بثبوته فهو خبر بأن المذكور عقب الأداة واقع أو طلب إقرار المخاطب به مع كون السائل يعلم فهو استفهام يقرر المخاطب أي يطلب منه أن يكون مقرًا به، وفي كلام أهل الفن ما يقتضي الاحتمالين. والثاني أظهر، وفي الإيضاح تصريح به ولا بدع في صدور الاستفهام ممن يعلم المستفهم عنه لأنه طلب الفهم. أما طلب فهم المستفهم أو وقوع فهم لمن يفهم كائنا من كان وبهذا تنحل إشكالات كثيرة في مواضع الاستفهام ويظهر بالتأمل بقاء معنى الاستفهام مع كل أمر من الأمور المذكورة انتهى ملخصًا.
[فصل]
[والأمر من أنواعه ثم الأصح = صيغته باللام أولا قد وضح
لطلب الفعل مع استعلاء = وقد يجي للعال كالدعاء
وللمساوى فالتماس وترد = إباحة كذا لتهديد قصد
ولاهانة وللتسخير = والخبر والتعجيز والتخيير
وللتمني وامتنان والعجب = تسوية والاحتقار والأدب]
من أنواع الإنشاء الأمر، والأصح أن صيغته من المقترنة باللام وغيرها موضوعة لطلب الفعل إيجابًا أو ندبًا استعلاء أي على طريق طلب العلو وعد الآمر نفسه عاليا سواء كان كذلك في نفس الأمر أم لا لتبادر الفهم عند سماع صيغته إلى ذلك والتبادر علامة الحقيقة، هذا هو الأصح عند علماء الفن وهو المختار. وقيل يشترط العلو في نفس الأمر وعليه المعتزلة، وقيل لا يشترط علو ولا استعلاء وعليه الإمام الرازي وأتباعه وهو الأصح عند علماء الأصول مستدلين بقوله تعالى حكاية عن فرعون فماذا تأمرون. وأجيب بأنه من الأمر بمعنى المشورة والفعل وبأن فرعون إذ ذاك كان مستقلا لهم وشملت الصيغة لفظ الأمر عند النحاة كأكرم واسم الفعل كنزال والمضارع باللام نحو ليحضر وقد ترد صيغة الأمر بلا استعلاء كالدعاء من السافل للعالي نحو رب اغفر لي، والالتماس من المساوى كقولك لمن يساويك رتبة اسقني ماء، والإباحة نحو جالس الحسن أو ابن سيرين، والتهديد نحو اعملوا ما شئتم إذ ليس المراد الأمر بكل عمل شاءوه والإهانة ومثله في الإيضاح بقوله تعالى: {ذق إنك أنت العزيز الكريم}، والتسخير أي التذليل نحو كونوا قردة عبر به عن نقلهم من حالة إلى حالة إذلالهم فهو أخص مما قبله، والتعجيز نحو: فأتوا بسورة من مثله إذ ليس المراد طلب ذلك منهم بل إظهار عجزهم، والتخيير نحو أنكح هندا أو أختها فيمتنع الجمع بخلاف الإباحة، والتمني نحو: * ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي = فإن الليل لا يقبل أن يطلب منه الانجلاء وإنما ذلك كناية عن تمنيه، والامتنان نحو: كلوا من ثمره إذا أثمر، وللتعجب نحو: أنظر كيف ضربوا لك الأمثال، والتسوية نحو: فاصبروا أو لا تصبروا، والخبر نحو قوله صلى الله عليه وسلم «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت» رواه البخاري أي الواضع أن من لا يستحي يفعل ما يشاء، وقيل إذا كان الشيء مما لا يستحيأ منه فاصنعه فتكون إباحة والاحتقار نحو: ألقوا ما أنتم ملقون، والأدب
[شرح عقود الجمان: 55]
نحو كل مما يليك، وغالب هذه الأمور من زيادتي على التلخيص والذي فيه الإباحة والتهديد والإهانة والتسخير والتعجيز والتسوية والتمني:
[وقال في المفتاح للفور اقتضى = قلت أعم منه في القول الرضى]
اختلف في صيغة الأمر عند تجردها من القرائن هل تقتضي الإتيان على الفور أو التراخي أولاً؟ ولا بل هي لأعم من ذلك فالجمهور على الأخير، وقيل للفور وعليه السكاكي لأنه الظاهر من الطلب كقولك عند العطش: اسقني ماء ورد بأن ذلك لقرينة، وقيل للتراخي وعليه طائفة من الرافضة ومحل الكلام على هذه الأقوال علم أصول الفقه:
[والنهي فاعدده من الإنشاء = وحرفه لا وهو ذو استعلاء
وقد يجيء طالب غير الكف = والترك كالتهديد للتشفي
قلت: وللتقليل وامتنان = وللدعاء الإرشاد والبيان]
من أنواع الإنشاء النهي، وهو طلب الكف عن الفعل تحريما أو كراهة على جهة الاستعلاء على حد ما سبق في الأمر وحرفه لا الجازمة، وقد يستعمل في غير طلب الكف والترك مجازًا كالتهديد كقولك لمن لا يمتثل أمرك: لا تتمثل أمري، وللتقليل نحو: ولا تمدن عينيك الآية أي فهو قليل حقير والامتنان ذكره الشيخ بهاء الدين وبيض لمثاله، والدعاء نحو: ربنا لا تزغ قلوبنا، والإرشاد نحو: {لا تسألوا عن أشياء} الآية، والبيان للعاقبة نحو: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله} الآية أي عاقبة الجهاد الحياة لا الموت:
[وهذه الأنواع قد يقدر = شرط يليها جازما لا يذكر
كليت لي مالا أصدق أي إن = أرزقه زرني أشف أي إن زرتني
وولد العرض من استفهام = فقل ألا تنزل تعد السامي
ولدليل جاز أن يقدرا = في غيرها فالله هو لمن قرا]
هذه الأنواع الأربعة التمني والاستفهام والأمر والنهي يجوز أن يجزم بعدها المضارع بتقدير شرط بعدها نحو ليت لي مالا أنفقه أي إن أرزقه أنفقه أين بيتك أزرك أي إن تعرفنيه قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة أسلم تسلم أي إن تسلم لا تشتم يكن خيرا لك. ومن مشكله قوله تعالى: فهب لي من لدنك وليا يرثني أي إن تهب لي يرثني. وقد مات حيى قبل أبيه عليهما السلام فيلزم عدم استجابة دعائه وهو ابن موصوف بالإرث. وأجاب الطيبي بأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وإن كانوا مستجابي الدعوة لكن ليس كل ما دعوه أستجيب ألا ترى إلى سيدهم صلى الله عليه وسلم كيف قال سألت الله ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة وهي أن لا يذيق بعض أمتي بأس بعض. وأجاب الشيخ بهاء الدين بأن المراد إرث النبوة والعلم وقد حصل في حياته، وأما العرض فقد تقدم أنه متولد من الاستفهام فيجوز أيضًا تقدير الشرط وجزم الفعل بعده نحو ألا تنزل تصب خيرا أي إن تنزل ويجوز ذلك في غير هذه المواضع لدليل يدل عليه كقوله تعالى: فالله هو الولي أي إن أرادوا أولياء بحق فالله هو الولي والقرينة الفاء {إذا لذهب كل إله بما خلق} والقرنية إذا:
[ثم الندا منها وربما ترد = صيغته لغير ماله قصد
كمثل الإغراء كيا مظلوم = لمن شكا الظلم ويا محروم
[شرح عقود الجمان: 56]
والاختصاص أنا أيها الرجل = أفعله أي متخصصا فقل
قلت والاستغاثة تعجب = تحسر كيا ديار العرب]
من أنواع الإنشاء النداء وهو طلب الإقبال بحرف نائب مناب أدعو لفظا أو تقديرا وقد تستعمل صيغته في غير معناه كالإغراء كقولك لمن يتظلم يا مظلوم فإنه ليس بنداء حقيقة لأن الغرض أن المخاطب أقبل يتظلم ولكنه ترغيب له في شكوى الظلم وحث عليه والاختصاص نحو أنا أفعل كذا أيها الرجل أي متخصصا به دون الرجال، والاستغاثة نحو يالله للمسلمين، وللتعجب نحو:
* يا للكهول والشبان للعجب * والتحسر والتوجع كما في نداء الأطلال والمنازل والمطايا وما أشبه ذلك وهذه الثلاثة من زيادتي كما ترى:
[وأصل يا لدى النداء للبعيد = وقد تجي لغيره مثل البليد
والحرص في وقوعه والاعتنا = أو شأنه عظمه أو هونا]
هذان البيتان من زيادتي نبهت فيهما على أن أصل يا من أدوات النداء أي ينادي بها البعيد بخلاف الهمزة وأي وقد تخرج عن ذلك لنكت، منها كون المدعو بليدا كقول الفرزدق:
فانعق بضأنك يا جرير فإنما = منتك نفسك في الخلاء ضلالا
ومنها إظهار الحرص في وقوعه على إقبال المدعو نحو يا موسى أقبل أو كون المتلو معتني به نحو: يا أيها الناس اعبدوا ربكم، أو قصد تعظيم شأن المدعو نحو يا رب وقد قال تعالى: {إني قريب} وفي الصحيح أنت أعلم أي رب أو قصد انحطاطه نحو قولك: يا هذا إن البغاث بأرضنا يستنسر وقول فرعون: إني لأظنك يا موسى مسحورا وهذه القطعة منبه عليها في التبيان:
[ثم الترجي بلعل أهملا = وقد يجي توقعا تعللا
كذا لشك وللاستفهام = وطلب الاعطاف بالأقسام]
هذان البيتان أيضًا من زيادتي نبهت فيهما على نوع أهمله في التلخيص من الإنشاء وهو الترجي وحرفه لعل نحو لعل الله يأتينا بخير قال الشيخ بهاء الدين ولا عذر له في تركه ونقل القرافي الإجماع على أنه إنشاء، وقد يخرج عن معناه فيرد لتوقع محذور ويسمى إشفاقًا نحو لعل الساعة قريب وللتعليل عند السكاكي والأخفش وللاستفهام عند الكوفيين، وللشك عند الفراء والطوال قال التنوخي في الأقصى القريب، وقد تجيء لعل للإشفاق والتعليل والاستفهام مع بقاء الترجي. وأما القسم فلم يذكره لأنه ليس طلبا وإن كان إنشاء وإنما هو لتأكيد الخبر نعم يرد للطلب على سبيل الاستعطاف مثل بحياتك أخبرني فنبهت على ذلك تكملة للفائدة.
[تنبيه]
[وقد يجي الأخبار موضع الطلب = تحرزا عن صورة الأمر أدب
ولتفاؤل وقصد الحرص في = وقوعه واحتملا إذا يفي
من البليغ صيغة الماضي دعا = أو حمله عليه من قد سمعا
قلت وقد يعكس ذا لنكت = تدرك في محلها بالفطنة
ثمت الإنشاء كمثل الخبر = في غالب الذي مضى فاعتبر]
قد تقع صيغة الخبر ويراد بها الإنشاء، وذلك إما تأدبًا لتحرز عن صورة الأمر كقول العبد للمولى
[شرح عقود الجمان: 57]
إذا حول وجهه ينظر المولى إلى ساعة فإنه أكثر أدبا من قوله انظر إلي؛ أو تفاؤلاً نحو غفر الله لك فإنه أبلغ من رب اغفر لي حيث أتى بصيغة الماضي حتى كأنه وقع أو إظهار للحرص في وقوعه نحو أحيا الله السنة، والدعاء بصيغة الماضي إذا صدر من البليغ يحتمله ويحتمل التفاؤل أو حملاً للسامع على المطلوب بأن يكون يرغب في تصديق الطلب كقولك أنت تحسن إلي غدا مكان أحسن إلي ومن ذلك قوله تعالى: {والوالدات يرضعن}، {والمطلقات يتربصن}، {لا يمسه إلا المطهرون} ثم نبهت من زيادتي على أن لفظ الطلب قد يقع مرادا به الخبر ولذلك في كل محل نكت ولطائف تدرك بالفطنة وذكر منها في التبيان أمثلة منها قوله تعالى: {قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم} الآية لم يقل وإقامة وجوهكم تأكيدا لمكان العناية بالصلاة وقوله تعالى حكاية عن هود: {إني أشهد الله وأشهدوا أني بريء مما تشركون} لم يقل وأشهدكم حذرا من أن يوازي شهادتهم بشهادة الله تعالى تهاونًا بهم وأورد منه استغفر لهم أو لا تستغفر لهم وقول كثير:
أسيئي بنا أو أحسنى لا ملومة = لدينا ولا مقلية إن تقلت
أو ذلك للتسوية كما تقدم في الأمر ثم الإنشاء كالخبر في كثير مما تقدم في الأبواب الخمسة فليعتبر الناظر ذلك.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الباب, السادس

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:04 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir