دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > عمدة الأحكام > النكاح والطلاق والرضاع

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 ذو القعدة 1429هـ/8-11-2008م, 04:13 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي [حديث فاطمة بنت قيس في نفقة المبتوتة وسكناها]

عن فَاطمةَ بنتِ قيسٍ رَضِيَ اللهُ عنهَا، أَنَّ أَبَا عَمْرَو بْنَ حَفْصٍ طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ، وَهُوَ غَائِبٌ - وفي روايَةٍ : طَلَّقَها ثَلاَثًا- فأَرْسَلَ إِلَيْهَا وَكِيلَهُ بِشَعِيرٍ، فَسَخِطَتْهُ، فقالَ: وَاللهِ مَا لَكِ عَلَيْنَا مِن شَيْءٍ، فَجَاءَتْ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ، فَذَكَرَتْ ذلكَ لَهُ، فقالَ: ((لَيْسَ لَكِ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ)) - وفي لفظٍ : ((وَلاَ سُكْنَى)) - فأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ في بيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ، ثُمَّ قالَ ((تِلْكَ امْرَأَةٌ يَغْشَاها أَصْحَابِي، اعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أمِّ مَكْتُومٍ، فإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى، تَضَعِينَ ثَيَابَكِ، فَإِذا حَلْلتِ فَآذِنِينِي)) قلتُ : فَلَمَّا حَلَلْتُ ذَكَرْتُ لهُ : أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، وَأَبا جَهْمٍ خَطَبَانِي . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ : ((أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلاَ يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ. وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ : فَصُعْلُوكٌ لاَ مَالَ لَهُ : انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ)) فَكَرِهَتْهُ، ثُمَّ قَالَ: ((انكِحِي أُسَامَةَ بنَ زَيْدٍ)) فَنَكَحْتُهُ، فَجَعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا، وَاغْتَبَطْتُ بهِ )) .

  #2  
قديم 17 ذو القعدة 1429هـ/15-11-2008م, 09:03 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تصحيح العمدة للإمام بدر الدين الزركشي (النوع الأول: تصحيح الرواية)

حديثُ فاطمةَ بنتِ قَيْسٍ أن أبا عمرِو بنَ حَفْصٍ طَلَّقَها .. الحديثُ .
هو بهذه السياقةِ من أَفْرادِ مسلِمٍ وأما البخاريُّ فذَكَرَ فيه قِصَّةَ انتقالِها .

  #3  
قديم 17 ذو القعدة 1429هـ/15-11-2008م, 09:05 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تصحيح العمدة للإمام بدر الدين الزركشي (النوع الثاني: التصحيح اللغوي)

قولُه : فأَرْسَلَ إليها وكيلَه .
يُحْتَمَلُ أن يكونَ مرفوعًا ويكونَ الوكيلُ هو المرسِلُ ويَحتمِلُ أن يكونَ منصوبًا ويكونَ الوكيلُ هو المرسَلُ كذا قالَ ابنُ دقيقِ العيدِ وقالَ النوويُّ : وكيلُه مرفوعٌ وهو المرسِلُ وهو مخالِفٌ لتصريحِ الرواةِ بابنِ عيَّاشِ بنِ ربيعةَ أتاها بالطلاقِ وبالآصُعِ من الشعيرِ والتمْرِ وبينَ أن اسمَ ابنِ أمِّ مكتومٍ عمرٍو وهو الصحيحُ .
قولُه : ((انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ)) .
هو بكسْرِ الهمزةِ ضبَطَه المطَرِّزِيُّ .

  #4  
قديم 17 ذو القعدة 1429هـ/15-11-2008م, 09:07 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي خلاصة الكلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

الْحَدِيثُ الثانيَ عَشَرَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ
عنْ فَاطمةَ بنتِ قيسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهَا، أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ، وَهُوَ غَائِبٌ- وفي روايَةٍ: طَلَّقَها ثَلَاثًا- فأَرْسَلَ إِلَيْهَا وَكِيلَهُ بِشَعِيرٍ، فَسَخِطَتْهُ، فقالَ: وَاللَّهِ مَا لَكِ عَلَيْنَا مِنْ شَيْءٍ، فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَتْ ذلكَ لَهُ، فقالَ: ((لَيْسَ لَكِ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ))- وفي لفظٍ: ((وَلَا سُكْنَى))- فأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ في بيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ، ثُمَّ قالَ ((تِلْكَ امْرَأَةٌ يَغْشَاها أَصْحَابِي، اعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أمِّ مَكْتُومٍ؛ فإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى، تَضَعِينَ ثَيابَكِ، فَإِذا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي)) قلتُ: فَلَمَّا حَلَلْتُ ذَكَرْتُ لهُ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، وَأَبا جَهْمٍ خَطَبَانِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ. وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ: فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ: انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ)) فَكَرِهْتُهُ، ثُمَّ قَالَ: ((انكِحِي أُسَامَةَ بنَ زَيْدٍ)) فَنَكَحْتُهُ، فَجَعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا، وَاغْتَبَطْتُ بهِ)).

المُفْرَدَاتُ:
قَوْلُهُ: (البَتَّةَ). القَطْعُ، أيْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا.
قَوْلُهُ: (فَسَخِطَتْهُ). اسْتَقَلَّتْهُ.
قَوْلُهُ: (يُنْشِدُهَا أَصْحَابِي). يُكْثِرْنَ التَّرَدُّدَ عَلَيها لِصَلَاحِهَا.
قَوْلُهُ: (فَآذِنِينِي). أيْ أَعْلِمِينِي.
قَوْلُهُ: (فلا يَضَعُ عَصَاهُ عنْ عَاتِقِهِ). العَاتِقُ ما بينَ العُنُقِ والمَنْكِبِ، وهوَ كنايةٌ عنْ شِدَّتِهِ على النساءِ وكثرةِ ضَرْبِهِ إِيَّاهُنَّ.
قَوْلُهُ: (الصُّعْلُوكُ). هوَ الفقيرُ.

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: أنَّ المُطَلَّقَةَ إلى نهايةِ الثلاثِ تَكُونُ بَائِنًا مَبْتُوتَةً.
الثَّانِيَةُ: جَوَازُ التَّعْرِيضِ بِخِطْبَةِ المُعْتَدَّةِ البَائِنِ.
الثَّالِثَةُ: جَوَازُ نِكَاحِ غَيْرِ المُكَافِئِ في النَّسَبِ معَ رِضَا الزَّوْجَةِ والأولياءِ.
الرَّابِعَةُ: النُّصْحُ لِمَن اسْتَشَارَكَ، وَبَرَكَةُ مشورةِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

  #5  
قديم 17 ذو القعدة 1429هـ/15-11-2008م, 09:11 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تيسير العلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

الحَديثُ الرابِعَ عَشَرَ بَعْدَ الثلَاثِمِائَةٍ
314- عن فاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلَّقَهَا ألْبتَّةَ، وَهُوَ غَائِبٌ - وفِي رِوايَةٍ: طَلَّقَها ثَلاَثًا- فأَرْسَلَ إِلَيْهَا وَكِيلَهُ بِشَعِيرٍ، فَسَخِطتْهُ، فقالَ : وَاللهِ مَا لَكِ عَلَيْنَا مِنْ شَيْءٍ. فَجَاءَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَتْ ذلكَ لَهُ، فقالَ: ((لَيْسَ لَكِ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ)) - وفي لَفْظٍ :((وَلاَ سُكْنَى)) - فأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ في بيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ، ثمَّ قالَ: ((تِلْكَ امْرَأَةٌ يَغْشَاها أَصْحَابي، اعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ؛ فإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى، تَضَعِينَ ثَيَابَكِ عِنْدَهُ، فَإِذا حَلَلْتِ فآذِنِينِي)) .قلْتُ : فَلَمَّا حَلَلْتُ ذَكَرْتُ لهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، وَأَبا جَهْمٍ خَطَبَانِي. فقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلاَ يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ , وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لاَ مَالَ لَهُ , انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ)). فكرِهْتُه، ثُمَّ قالَ: ((انكِحِي أُسامَةَ بْنَ زَيْدٍ)). فَنَكَحْتُهُ، فَجَعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا، وَاغْتَبَطْتُ بِهِ(136).
_______________________
(136) الغَرِيبُ:
ألَبَتَّةَ : البَتُّ : القَطْعُ. قالَ في ((المِصْباحِ)): ((بَتَّ الرَّجُلُ طلاقَ امْرَأَتِهِ, فَهِيَ مَبْتُوتَةٌ، والأصْلُ مَبْتوتٌ طَلاقُها)). والمُرادُ هُنا أنَّهُ طَلَّقَها طَلاقًا بائِنًا ، لا رَجْعَةَ فِيهِ.
فَسَخِطَتْهُ : السَّخَطُ ضِدُّ الرِّضا، قالَ في ((مُخْتارِ الصِّحاحِ)) : أَسْخَطَهُ : أَغْضَبَهُ، وتَسَخَّطَ عَطاءَهُ: اسْتَقَلَّهُ . فالمُرادُ هُنا أنَّها اسْتَقَلَّت النَّفَقَةَ.
أُمُّ : شَرِيك: بِفَتْحِ الشِّينِ، وكَسْرِ الرَّاءِ، بَعْدَها ياءٌ، ثُمَّ كافٌ : إِحْدَى فُضْلَيَاتِ نِساءِ الصَّحابَةِ رضي اللهُ عنهمْ.
يَغْشَاها أَصْحابي : يُرادُ بِغِشْيانِهِمْ، كَثْرَةُ تَرَدُّدِهِمْ إليها، لِصلَاحِها وفَضْلِها.
فآذِنيني : بِمَدِّ الهَمْزَةِ، أيْ أَعْلِمِيني.
فَلا يَضَعُ عَصاهُ عن عاتِقِهِ: العاتِقُ ما بَيْنَ العُنُقِ والمَنْكِبِ، وهُوَ مكانُ وَضْعِ العَصا.
وهذا التَّعْبيرُ كِنايَةٌ عن شِدَّتِهِ على النِّساءِ، وكَثْرَةِ ضَرْبِهِ لَهُنَّ، ويُفَسِّرُ هذا المَعْنَى رِوَايَتا ((مُسْلِمٍ)),
الأُولَى : ((وأمَّا أبو جَهْمٍ فَرَجُلٌ ضَرَّابٌ للنِّساءِ )).
والثانِيةُ : ((وأبو جَهْمٍ فيهِ شِدَّةٌ على النِّساءِ)).
و((جَهْمٌ)) مَفْتوحُ الجِيمِ، ساكِنُ الهاءِ.
فَصُعلُوكٌ : بِضَمِّ الصادِ ، التَّصَعْلُكُ، هُو الفَقْرُ، والصُّعْلوكُ هُوَ الفَقيرُ.
انْكِحِي أُسامَةَ: بِكَسْرِ الهَمْزَةِ ، ضَبَطَهُ المُطَرِّزِيُّ.

المَعْنى الإجْمالِيُّ:
بَتَّ أبو عَمْرِو بنُ حَفْصٍ طَلاقَ زَوْجَتِهِ فَاطِمَةَ بِنتِ قَيْسٍ.
والمَبْتوتَةُ لَيْسَ لها نَفَقَةٌ على زَوْجِها، ولكِنَّهُ أَرْسَلَ إليها بِشَعيرٍ، فَظَنَّتْ أنَّ نَفَقَتَها واجِبَةٌ عليهِ ما دامَتْ في العِدَّةِ، فاسْتَقلَّت الشَّعيرَ ، وكَرِهَتْهُ، فَأقْسَمَ أنَّهُ لَيْسَ لها عليهِ شَيْءٌ.
فَشَكَتْهُ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فَأَخْبَرَها أنَّهُ لَيْسَ لها نَفَقَةٌ عَليهِ ، ولا سُكْنَى، وأمَرَها أنْ تَعْتَدَّ في بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ.
ولمَّا ذَكَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ أُمَّ شَرِيكٍ يَكْثُرُ على بَيْتِها تَرَدُّدُ الصحابَةِ، أمَرَها أنْ تَعْتَدَّ عِنْدَ ابنِ أُمِّ مَكْتُومٍ ؛ لِكَوْنِهِ رَجُلًا أَعْمَى، فلا يُبْصِرُها إذا وَضَعَتْ ثِيابَها، وأَمَرَها أنْ تُخْبِرَهُ بانْتِهاءِ عِدَّتِها.
ولَعَلَّهُ أرادَها لِأُسامَةَ بنِ زَيْدٍ، فَخَشِيَ أنْ تَعْتَدَّ, فَتَتَزَوَّجَ قبلَ أنْ يَعْلَمَ.
فلمَّا اعْتَدَّتْ خَطَبَها ((مُعَاوِيَةُ)) و((أبو جَهْمٍ)), فاسْتَشَارَتِ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في ذلكَ.
بِما أنَّ النُّصْحَ واجِبٌ - لا سِيَّما للمُسْتَشِيرِ - فإنَّهُ لم يُشِرْ عَليها بِوَاحِدٍ مِنْهُما, ولَمْ يُرِدْهُ لَها.
لِأنَّ أبا جَهْمٍ شَديدٌ على النِّساءِ، وسَيِّئُ الخُلُقِ، ومُعَاوِيَةَ فَقيرٌ لَيسَ عِندَهُ مالٌ، وأَمَرَها بِنِكاحِ أُسامَةَ، فَكَرِهَتْهُ لِكَوْنِهِ مَوْلًى.
ولكِنَّها امْتَثَلَتْ أَمْرَ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فَقَبِلَتْهُ، فاغْتَبَطَتْ بهِ، وجَعَلَ اللهُ فيهِ خَيرًا كَثيرًا.
ما يُؤخَذُ مِن الحَديثِ:
1- قولُهُ : ((طَلَّقَها ثَلاثًا )) . لَيسَ مَعْنَاهُ تَكَلَّمْ بِهِنَّ دُفْعَةً واحِدَةً, فَهذا مُحَرَّمٌ, غَضِبَ منهُ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم, وقالَ : ((أيُلْعَبُ بِكتابِ اللهِ ، وأنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ ؟)) . ولكِنَّهُ - كما قالَ النَّوَوِيُّ - : ((كانَ قَدْ طَلَّقَها قَبْلَ هذا اثْنَتَيْنِ )).
وكَما وَرَدَ في بَعْضِ ألْفاظِ هذا الحَديثِ في ((مُسْلِمٍ)): [أنَّهُ طَلَّقَها طَلْقَةً كانَتْ بَقِيَتْ لَها مِن طَلاقِها].
2- أنَّ المُطَلَّقَةَ طَلاقًا بَاتًّا، لَيسَ لها نَفَقَةٌ ولا سُكْنَى في عِدَّتِها، ما لمْ تَكُنْ حامِلًا.
3- جَوازُ التَّعْرِيضِ بِخِطْبَةِ المُعْتَدَّةِ البَائِنِ، حَيْثُ قالَ : [فإذا حَلَلْتِ فآذِنِيني].
4- ذِكْرُ الغائِبِ بِما يَكْرَهُ على وَجْهِ النُّصْحِ، ولا يَكونُ ـ حِينَئِذٍ ـ غِيبَةً مُحَرَّمَةً.
5- جَوازُ نِكاحِ غَيْرِ المُكافِئِ في النَّسَبِ، إذا رَضِيَتْ بهِ الزَّوْجَةُ والأَوْلِياءُ ، فـ((أُسامَةُ)) قدْ مَسَّهُ الرِّقُّ، وفاطِمَةُ قُرَشِيَّةٌ.
6- وُجوبُ النُّصْحِ لِكُلِّ أَحَدٍ, لَا سِيَّما المُسْتَشِيرُ،
فمَن اسْتَشارَكَ فقَدْ ائْتَمَنَكَ، وأداءُ الأمَانَةِ واجِبٌ.
7- تَسَتُّرُ المَرْأَةِ عن الرِّجالِ، وابْتِعادُها عنْ أمْكِنَتِهِمْ ومُجْتَمَعاتِهِمْ.
8- لَيْسَ في أمْرِها بالاعْتِدادِ في بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ دَلِيلٌ على جَوازِ نَظَرِ المَرْأَةِ إلى الرَّجُلِ، فقدْ أَمَرَها بالابْتِعادِ عن الرجَالِ عِنْدَ هذا الأعْمَى ، مع أمْرِها بِغَضِّ بَصَرِها عَنْهُ ، كما قالَ اللهُ تعالى : (وَقُلْ لِّلْمُؤْمِنَات يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ ).
وكَما أَمَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أُمَّ سَلَمَةَ ومَيْمُونَةَ بالاحْتِجابِ حِينَ دَخَلَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، فقالَتا : إنَّهُ أعْمَى .
فقالَ :((أَفَعَمْياوانِ أَنْتُما ، فَلَيْسَ تُبْصِرانِهِ؟)) حَديثٌ حَسَنٌ في السُّنَنِ. قالَ النَّوَوِيُّ: الصَّحِيحُ الَّذي عَليهِ الجُمْهُورُ ، وأكْثَرُ أصْحابِنا أنَّهُ يَحْرُمُ على المَرْأَةِ النَّظَرُ إلى الأجْنَبِيِّ، كَما يَحْرُمُ نَظَرُهُ إلَيْها. ثُمَّ اسْتَدَلَّ بالآيَةِ، وقالَ: إنَّ الفِتْنَةَ مُشْتَرَكَةٌ، كَما يُخافُ الافْتِتانُ بِها، يُخافُ الافْتِتانُ بهِ, ويَدُلُّ عليه مِن السُّنَّةِ حَديثُ أُمِّ سَلَمَةَ.
9- جَوازُ الخِطْبَةِ على خِطْبَةِ الغَيْرِ إذا لم يُعْلَمْ بالخاطِبِ، وعَلِمَ أنَّهُ لم يُجَبْ.
10- أنَّ امْتِثالَ أَمْرِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خَيْرٌ وبَرَكَةٌ، سَوَاءٌ أَحَبَّهُ الإنْسانُ أوْ لَا.
اخْتِلافُ العُلَماءِ:
اخْتَلَفَ العُلَماءُ هَلْ للبَائِنِ نَفَقَةٌ وسُكْنَى زَمَنَ العِدَّةِ أو لا؟
فَذَهَبَ الإمامُ أَحْمَدُ إلى أنَّهُ لَيْسَ لَها نَفَقَةٌ، ولَا سُكْنَى، وهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ، وابْنِ عَبَّاسٍ، وجَابِرٍ.
وبِهِ قالَ عَطَاءٌ، وطاوُسٌ، والحَسَنُ، وعِكْرِمَةُ، وإسْحاقُ، وأبو ثَوْرٍ، ودَاودُ، مُسْتَدِلِّينَ بِحَديثِ البابِ.
وَذَهَبَ الحَنَفِيَّةُ إلى أنَّ لَها النَّفَقَةَ والسُّكْنَى، وهُوَ مَرْوِيٌّ عن عُمَرَ، وابنِ مَسْعودٍ، وقالَ بهِ ابنُ أبي لَيْلَى، وسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، مُسْتَدِلِّينَ بما رُوِيَ عن عُمَرَ :((لا نَدَعُ كِتابَ رَبِّنا لِقَوْلِ امْرَأَةٍ )).
وذَهَبَ مالِكٌ، والشافِعِيُّ، إلى أنَّ لَها السُّكْنَى دُونَ النَّفَقَةِ، وهُوَ مَذْهَبُ عائِشَةَ، وفُقَهاءِ المَدِينَةِ السَّبْعَةِ، ورِوايَةٌ عن أَحْمَدَ، مُسْتَدِلِّينَ بقولِهِ تعالى :(أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتم مِِن وُجْدِكُمْ ).
والصَّحيحُ هُوَ القولُ الأَوَّلُ؛ لِقُوَّةِ الدَّلِيلِ، وعَدَمِ المَعارِضِ.
فأمَّا القَولُ الثانِي فَضَعِيفٌ؛ لِأنَّ هذه الكَلِمَةَ الَّتي اسْتَدَلُّوا بِها، لم تَثْبُتْ عن عُمَرَ، فَقَدْ سُئِلَ الإمامُ أَحْمَدُ: أَيَصِحُّ هذا عن عُمَرَ؟ قالَ : لا.
وعلى فَرْضِ صِحَّتِها، فَصَرِيحُ كَلامِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُقَدَّمٌ على اجْتِهادِ كُلِّ أَحَدٍ.
وأمَّا أَصْحابُ القَولِ الثَّالِثِ فَلا يَسْتَقِيمُ لَهُم الاسْتِدْلالُ بالآيَةِ؛ لِأنَّها جَاءتْ في حُكْمِ الرَّجْعِيَّةِ، لا في حُكْمِ البائِنِ.
ويُوَضِّحُ ذلكَ قولُهُ تعالى :(لاَ تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا).
وإحْداثُ الأمْرِمَعْناهُ تغيُّرُهُ نَحْوَ الزَّوْجَةِ وَرَغْبَتُهُ فيها في زَمَنِ العِدَّةِ، وهُوَ مُسْتَحيلٌ في البائِنِ.

  #6  
قديم 17 ذو القعدة 1429هـ/15-11-2008م, 09:12 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي إحكام الأحكام لتقي الدين ابن دقيق العيد

319 – الحديثُ الثَّاني : عَن فَاطِمَةَ بنتِ قيسٍ "أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلَّقَهَا أَلْبَتَّهَ، وَهُوَ غَائِبٌ – وفي روايةٍ : طَلَّقَهَا ثَلاَثًا – فَأَرْسَلَ إِلَيْها وَكِيلَهُ بِشَعِيرٍ ، فَسَخِطَتْهُ . فقالَ :وَاللهِ مَا لَكِ عَلَيْنَا مِنْ شَيءٍ فَجَاءَتْ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ فَذَكَرَتْ ذلِكَ لَهُ ، فقالَ : لَيْسَ لَكِ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ – وفي لفظٍ : وَلاَ سُكْنَى – فَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ في بَيْتِ أَمِّ شَرِيكٍ ، ثمَّ قال : تِلْكَ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي ، اعْتَدِّى عِنْدَ اْبنِ أُمِّ مَكْتُومٍ ؛ فإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى ، تَضَعِينَ ثِيَابَكِ ، فإذَا حَلَلْتِ فآذَنِينِي . قالتْ : فَلَمَّا حَلَلْتُ ذَكَرْتُ لَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي ، فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ : أَمَّا أَبُو جَهْمٍ : فَلاَ يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِِقِهِ . وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ : فَصُعْلُوكٌ ، لاَ مَالَ لَهُ ، انكحي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ ، فَكَرِهْتُه . ثم قالَ : انكحي أُسَامَةَ بنَ زَيدٍ ، فَنَكَحْتُه . فَجَعَلَ اللهُ فيهِ خَيْرًا ، وَاغْتَبَطْتُ بِهِ".
قولُـه: "طَلَّقَها أَلْبَتَّةَ" يُحتَمَلُ أن يكونَ حِكايةً للفظٍ أَوْقَعَ بهِ الطَّلاقَ . وقولُه "طَلّّقَهَا ثَلاثَاً" تَعْبِيرٌ عَمَّا وَقَعَ مِنَ الطَّلاقِ بلفظِ "أَلْبَتَّةَ" وهذَا على مَذْهَبِ مَن يَجْعَلُ لَفْظََ "ألَبَّتَةِ" للثلاثِ . ويُحْتَمَلُ أن يكونَ اللَّفظُ الذيِ وقعَ بهِ الطَّلاقُ هوَ الطَّلاقُ الثَّلاثُ ، كمَا جاءَ في الرِّوايةِ الأُخرىَ . ويكونُ قولُه "طَلَّقَها ألبَّتةَ" تَعْبِيرًا عمَّا وقعَ مِنَ الطَّلاقِ بلفِظِ "الطَّلاقِ ثلاثًا" وهذا يَتَمَسَّكُ بهِ مَن يرَى جـَوَازَ إيقاعِ الطَّلاقِ الثَّلاثِ دُفْعَةً ، لِعَدَمِ الإنكارِِ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ . إلا أنَّه يُحْتَمَلُ أن يكونَ قولُه: "طَلَّقَها ثلاثًا" أيْ : أَوْقَعَ طَلْقَةً تَتِمُّ بها الثَّلاثُ . وقدْ جاءَ في بعضِ الرِواياتِ "ثلاثُ تَطْلِيقَاتٍ".
وقولـُه "وهو غَائِبٌ" فيه دليلٌ على وُقُوعِ الطَّلاقِ في غَيْبَةِ الْمَرْأَةِ ، وهو مُجَمَعٌ عليهِ . وقولُه "فأَرْسَلَ إليهَا وَكِيلَهُ بشعيرٍ" يُحْتَمَلُ أن يكونَ مَرْفُوعًا . ويكونُ الوكيلُ هوَ المرسِلَ . ويُحْتَمَلُ أنْ يكونَ مَنْصُوبًا . ويكونُ الْوَكِيلُ هُوَ الْمُرْسَلَ . وَقَدْ عَيَّنَ بَعضُهمْ للرِّوايةِ الاحتمالَ الأَوَّلَ ، والضَّميرُ في قولِهِ "وكيلَه" يعودُ على أبِي عَمْرِو بنِ حَفْصٍ . وَقِيلَ : اسمُهُ كُنْيَتُهُ . وقيلَ : اسمهُ عبدُ الحميدِ . وقيلَ: اسمُهُ أحمدُ . وقالَ بعضُهم : أبو حفصِ بنُ عَمرٍو . وقيلَ : أبوُ حفصِ بنُ الـمُغيرةِ . ومَن قالَ "أبو عِمرِو بنُ حفصٍ" أكثرُ.
وقولُه عليه السَّلامُ "ليسَ لكَ عليه نفقَةٌ" . هذا مَذْهَبُ الأَكْثَرِينَ ، إذا كانت البائنُ حَائِلاً ، وَأَوْجَبَها أبُو حَنِيفَةَ.
وقولُه "وَلاَ سُكْنَى". هو مَذْهَبُ أحمدَ ، وأَوْجَبَ الشافعيُّ ، ومالكٌ السُّكْنى لقولِه تعالى ( الطلاق : 6 أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ) وأَمَّا سُقُوطِ النَّفقةِ فَأَخَذُوهُ مِن مَفْهُومِ قولِه تَعَالَى (الطلاق : 6 وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ) فَمَفْهُومُه : إِذَا لَمْ يَكُنَّ حَوَامِلَ لا يُنْفَقُ عَلَيْهِنَّ. وقد نُوزِعُوا في تَنَاوُلِ الآيةِ للبائِنِ. أعنى :قولَهُ (أسْكِنُوهُنَّ) ومَنْ قالَ : لـهَا السُّكْنَى فهو مُحْتَاجٌ إلى الاعْتِذَارِ عن حديثِ فَاطِمَةَ . فَقِيلَ في العُذْرِ : ما حَكَوه عن سعيدِ بنِ المسيِّبِ (أنَّها كَانتِ امرأةً لَسِنَةً. اسْتَطَالتْ عَلَى أَحْمائِها ، فَأَمرَهَا بِالانْتِقَالِ" وقيلَ : لأِنها خافَتْ في ذلك المنزلِ وقدْ جاءَ في كتابِ مُسْلِمٍ "أَخافُ أنْ يُقْتَحَمَ عليَّ".
واعْلَمْ أنَّ سياقَ الحديثِ على خِلَافِ هذهِ التَّأَوِيلاِتِ . فإنَّهِ يقتضِِي أنَّ سَببَ الحُكمِ أنها اخْتَلَفَتْ معَ الوكيلِ بسبَبِ سُخْطِها الشَّعيرَ ، وأنَّ الوكيلَ ذكَرَ أنْ لا نَفَقَةَ لها ، وأنَّ ذلكَ اقْتَضَى أنْ سألَتْ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ فأَجَابَهَا بِمَا أَجَابَ. وذلكَ يَقْتَضِي أنَّ التَّعليلَ بسببِ ما جَرَىَ مِن الاخْتلافِ في وُجُوبِ النَّفَقَةِ لا بِسَبَبِ هذِه الأمورِ التَّي ذُكِرَتْ فإنْ قامَ دليلٌ أقْوى وَأَرْجَحُ مِن هذا الظَّاهرِ عُمِِلَ بِه.
وقولُه : "فَأمرَها أنْ تَعْتَدَّ في بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ" قيلَ : اسْمُها غَزِيَّةُ : وقيلَ : غُزَيْلَةُ . وهي قُرَشِيَّةٌ عامِريةٌ وقيلَ : إنَّها أَنْصَارِيَّةٌ.
وقولُه عليه السَّلامُ : "تِلكَ امْرَأَةٌ يغْشَاهَا أَصْحَابِي" ، قيلَ : كانُوا يزُورُونهَا ، وُيكْثِرُونَ مِن التَّردُّدِ إلَيْها؛ لِصَلَاحِها . ففي الاعتدادِ عندَها حرَجٌ ، وَمَشَقَّةٌ في التَّحفُّظِ مِن الرُّؤيةِ : إمَّا رؤيتُهمْ لها ، أو رؤْيتُها لَهُمْ ، على مَذْهَبِ مَن يَرَى تَحْرِيمَ نَظَرِ الْمَرْأَةِ للأَجنبيِّ ، أَوْ لَـهُمَا معًا.
وقولُـه : "اعْتَدِّي عندَ ابنِ أُمِّ مَكْتُومٍ . فَإِنَّه رجلٌ أَعْمَى" ، قد يَحْتَجُّ به مَن يَرى جَوازَ نَظَرِ المَرْأَةِ إلى الأجنبيِّ ؛ فإنَّه عُلِّلَ بالعَمَى ، وهو مُقْْتَضٍ لِعَدَمِ رُؤْيتِهِ ، لا لِعَدَمِ رُؤْيتِهِا . فَيَدُلُّ على أنَّ جوازَ الاعتدِادِ عندَهُ معلَّلٌ بالعَمَى المُنَافِي لرؤْيتِه.
واختارَ بعضُ المتأخِّرينَ تَحْرِيمَ نَظَرِ المرأةِ إلى الأجنبيِّ ، مُسْتَدِِلًّا بقِولِه تعالى ( النور: 30 قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ) (النور : 31 وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ ) وَفِيهِ نظرٌ؛ لأنَّ لفظةَ "مِنْ" للتّبعيضِ . ولا خلافَ أنَّها إذَا خافَت الفِتْنةَ حُرِّمَ عليْها النَّظرُ . فَإِذًا هذِه حالةٌ يَجِبُ فيهَا الغَضُّ. فَيُمْكِنُ حَمْلُ الآيةِ عَليها . ولا تَدُلُّ الآيةُ حينئذٍ على وُجُوبِ الْغَضِّ مُطْلَقًا ، أو فِي غَيرِ هذهِ الحالةِ وهذا إنْ لـمْ يكنْ ظاهرَ اللَّفظِ فَهُو مـُحْتَمِلٌ له احْتِمَالاً جيِّدًا ، يُتَوَقَّفُ مَعَه الاستدْلالُ على مَحَلِّ الخلافِ.
وقالَ هذا المُتَأَخِّرُ : وأما حديثُ فاطمةَ بنتِ قيسٍ ، مع ابنِ أمِّ مَكْتُومٍ فليسَ فيه إذْنٌ لها في النَّظرِ إليْه ، بل فيه أنَّها تَأْمَنُ عندَه مِن نَظَرِ غيرِه ، وهي مأْمورةٌ بغضِّ بصرِها ، فيُمْكِنُها الاحترازُ عن النَّظرِ بلا مَشَقَّةٍ ، بخلافِ مُكْثِها فِي بيتِ أمِّ شَرَيْكٍ.
وهذَا الَّذي قالَهُ : إِعْرَاضٌ عنِ التَّعليلِ بِعمَاهُ . وما ذَكَرَه مِن المَشقَّةِ موجودٌ في نَظَرِها إليه ، مع مُخَالَطَتِها له في البيتِ . ويُمْكِنُ أنْ يُقالَ : إنَّما عَلَّلَ بالعَمَى؛ لكونِها تَضَعُ ثيابَها مِن غيرِ رؤيتِهِ لهَا . فحينئذٍ يخرجُ التَّعليلُ عنِ الحُكْمِ باعْتِدَادِها عندَهُ.
وقولُه عليه السَّلامُ : "فَإِذَا حَلَلْتِ فَآذِنينِـي" مَمْدُودُ الهمْزِ ، أيْ : أَعْلِمِينِـي واسْتُدِلَّ به على جَوَازِ التَّعريضِ بِخِطْبَةِ البائنِِ ، وفيه خلافٌ عندَ الَشافعيَّةِ.
قولُه عليه السَّـلامُ"أمَّا أبُو جَهْمٍ فلا يضعُ عَصَاهُ عَنِ عاتِقِه" فيهِ تَأْوِيلَانِ . أحدُهما : أنَّه كثيرُ الأسْفارِِ : والثَّانيِ : أنَّه كثيرُ الضَّربِ . ويترجَّحُ هذا الثَّانِي بما جاءَ في بعضِ رواياتِ مُسْلِمٍ "أنَّه ضَرَّابٌ للنِّساءِ".
وَفيِ الحديثِِ دليلٌ على جَوَازِ ذِكْرِ الإنسانِ بما فيه عندَ النَّصيحَةِ . ولاَ يكونُ مِن الغِيبَةِ المُحَرَّمةِ . وهذا أحدُ المواضعِ الَّتي أُبِيحَتْ فيها الغيبةُ لأجْلِ المصلحةِ و "العاتِقُ" ما بينَ العُنُقِ والمَنْكِبِ.
وفي الحديثِ دليلٌ على جَوَازِ اسْتِعْمَالِ مَجَازِ المُبَالَغَةِ ، وجَوَازِ إطْلَاقِ مِثْلِ هذهِ العبارةِ ؛ فإنَّ أبا جهْمٍ : لابدَّ وأنْ يَضَعَ عَصَاهُ حالةَ نومِه وأكلِه . وكذلكَ معاويةُ لابدَّ وأن يكونَ لـه ثوبٌ يلْبَسُه مثًلاً ، لكن اعْتُبِرَ حالُ الغَلَبةِ ، وأُهْدِرَ حالُ النادِرِ واليسيرِ . وهذا المجازُ فيمَا قيلَ في أبي جهْمٍ : أظْهَرُ منْهُ فيما قِيلَ في مُعَاوِيةَ؛ لأنَّ لنَا أنْ نقولَ : إنَّ لفظةَ "المالِ" انتَقلتْ في العُرْفِ عن موضوعِها الأصْليِّ إلى ما لَهُ قَدْرٌ مِن المَمْلُوكَاتِ ، أو ذلكَ مجازٌ شائعٌ يتنزَّلُ مَنْزِلَةَ النَّقْلِ ، فلا يَتَنَاوَلُ الشَّيءَ اليسيرَ جِدًّا ، بِخَلَافِ ما قيلَ في أبي جهْمٍ.
وقولُـه "انْكِحِي أسامةَ بنَ زيدٍ" فيِه جوازُ نِكَاحِ القُرَشِيَّةِ للمَوْلى ، وكراهتُها له : إمَّا لكونِه مَولًى ، أو لسوادِه ، و "اغْتَبَطْتُ" مفتوحُ التَّاءِ والباءِ .
وأبو جَهْمٍ الْمَذْكُورُ في الحديثِ مَفْتُوحِ الجِيمِ، ساكنُ الهاءِِ ، وهو غيرُ أبي الْجُهيمِ الذي في حدِيثِ التَّيمُّمِ.

  #7  
قديم 17 ذو القعدة 1429هـ/15-11-2008م, 09:13 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح عمدة الأحكام لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز (مفرغ)

. . .
والحديث الثاني، حديث فاطمة بنت قيس، وهي قرشية فهرية، تقول: إن زوجها أبا عمرو بن حفص طلقها البتة، وهو في اليمن، طلقها، الطلقة الأخيرة، فأرسل إليها وكيله بشعير، فسخطته واشتكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((ليس لك عليه نفقة ولا سكنى)) فدل ذلك على أن المرأة إذا طلقت الطلقة الأخيرة الثالثة البائنة، لا يكون لها سكن ولا نفقة على زوجها، وإنما النفقة والسكنى إذا كانت رجعيةً.
وفيه من الفوائد أنه لا مانع من الجلوس عند الأعمى غير متحجبة؛ لأنه قال: ((اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك))أي فلا يراك، فدل ذلك أنه لا حجاب عن الأعمى، وإنما الحجاب عن البصير، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم ((إنما الاستئذان من أجل النظر)).
أما حديث (أفعمياوان أنتما) في قصة ابن أم مكتوم فهو حديث شاذ غير صحيح مخالف للأدلة الشرعية, والصواب أن الحجاب إنما يجب عن البصير لا عن الأعمى، كما في حديث فاطمة بنت قيس، هذا, وهو من أصح الأحاديث، وفق الله الجميع، وصلى الله وسلم عل نبينا محمد.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
حديث, فاطمة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:12 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir