دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى الخامس

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11 ربيع الأول 1443هـ/17-10-2021م, 01:51 AM
هيئة الإشراف هيئة الإشراف غير متواجد حالياً
معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,790
افتراضي مجلس أداء التطبيق الثامن (المثال الثاني) من تطبيقات دورة مهارات التفسير

مجلس أداء التطبيق الثامن (المثال الثاني) من تطبيقات دورة مهارات التفسير

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 17 ربيع الأول 1443هـ/23-10-2021م, 10:47 PM
فروخ الأكبروف فروخ الأكبروف غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Sep 2019
المشاركات: 302
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله.

اختلف العلماء في معنى "ضريع" في قول الله تعالى: {ليس لهم طعام إلا من ضريع} على أقوال:

القول الأول: هو نبت يُقال له الشِّبْرِق، وتسميه أهل الحجاز الضَّريع إذا يبس، ويسميه غيرهم: الشِّبْرق، وهو سمّ.
وهو قول ابن عباس، وأبي الجوزاء، وعكرمة، ومجاهد، وقتادة، وعطاء الخراساني، وشريك بن عبد الله، وابن زيد، والكلبي، ومقاتل، وأبي حنيفة، وابن الأعرابي.
وبه قال الخليل بن أحمد، والفراء وأبو عبيدة، والليث، وأبو عُبيد القاسم بن سلاّم، وابن قتيبة، والزجاج.
قال الزجاج: وهو شوك كالعَوْسَج.
وهذا القول اختاره ابن جرير الطبري.
ونسبه مكي: إلى كثير من أهل اللغة.
وقال الواحدي: "ونحو هذا قال أكثر المفسرين".
ورجحه أيضا القرطبي ونسبه إلى عامة المفسرين.
وقال الألوسي أيضا: "والظاهر أن المراد ما هو ضريع حقيقة".
- أما قول ابن عباس فرواه ابن جرير الطبري فقال: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِنْ ضَرِيعٍ} قال: الضريع: الشِّبْرق.
- أما قول أبي الجوزاء فرواه ابن أبي شيبة فقال: "حدثنا عفان قال: حدثنا سعيد بن زيد قال: حدثنا عمرو بن مالك قال: سمعت أبا الجوزاء يقول: {ليس لهم طعام إلا من ضريع} [الغاشية: 6] السلم كيف يسمن من يأكل الشوك".
ورواه ابن المنذر وابن أبي حاتم كما في الدر المنثور للسيوطي.
- أما قول عكرمة فرواه ابن جرير الطبري فقال: حدثني محمد بن عُبيد المحاربيّ، قال: ثنا عباد بن يعقوب الأسديّ، قال محمد: ثنا، وقال عباد: أخبرنا محمد بن سليمان، عن عبد الرحمن الأصبهانيّ، عن عكرِمة في قوله: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِنْ ضَرِيعٍ} قال: الشِّبرق.
ورواه ابن أبي حاتم كما في الدر المنثور.
- أما قول مجاهد فرواه ابن جرير الطبري من طريق سفيان ومن طريق مهران عن ليث ومن طريق ابن أبي نجيح عنه.
- أما قول قتادة فرواه عبد الرزاق من طريق معمر، وابن جرير الطبري عن سعيد عنه.
- أما قول عطاء الخرساني فهو في تفسيره الذي رواه رشدين بن سعد، عن يونس بن يزيد عنه.
- أما قول شريك بن عبد الله فرواه ابن جرير الطبري فقال: حدثني محمد بن عبيد، قال: ثنا شريك بن عبد الله، في قوله: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِنْ ضَرِيعٍ} قال: الشبرق.
- أما قول ابن زيد فرواه ابن جرير الطبري فقال: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِنْ ضَرِيعٍ} قال: الضريع: الشَّوك من النار. قال: وأما في الدنيا فإنَّ الضريع: الشوك اليابس الذي ليس له ورق، تدعوه العرب الضريع، وهو في الآخرة شوك من نار.
- أما قول الكلبي فذكره الواحدي، والبغوي.
- أما قول مقاتل فذكره الواحدي.
- أما قول ابن الأعرابي فرواه أبو نعيم الأصبهاني في "الطب النبوي" فقال: "أخبرنا أبو عُمَر غلام ثعلب في كتابه، عَن ثعلب، عَن ابن الأعرابي قال: "الضريع الشبرق وهي العوسج ما دام رطبا ويقال لقشوره: العرام".
ويستشهد له بقول أبي عيزارة الهذلي:

وحبسن في هزم الضريع فكلها ... جرباء دامية اليدين حرود
وبما قال أبو ذؤيب:
رعى الشبرق الريان حتى إذا ذوى ... وعاد ضريعا بان منه الخائض

القول الثاني: هو شي يرمي به البحر، يسمى الضريع، من أقوات الانعام لا الناس، فإذا وقعت فيه الإبل لم تشبع، وهلكت هزلا.
وهذا القول روي عن ابن عباس من طريق الضحاك، كما ذكره القرطبي، وذكره ابن سيده، والراغب الأصفهانى، وابن منظور.
وضعفه ابن جزي في تفسيره.

القول الثالث: الحجارة.
وهو قول سعيد بن جبير، وعكرمة.
- أما قول سعيد بن جبير فرواه يحي بن اليمان وابن جرير الطبري من طريق جعفر عنه.
- أما قول عكرمة فذكره النحاس، ومكي بن أبي طالب، والقرطبي.
وهذا القول استغربه السمعاني فقال: "ويقال: "الضريع هو الحجارة"، وهو مروي عن سعيد بن جبير وغيره، وهو قول غريب".
واعترض عليه أيضا الشيخ مساعد الطيار فقال: "ولم أجد من فسَّره بهذا التفسير، كما لم أجده في كتب اللغة، فهل هي لغة علِمَها سعيد وجهِلَها غيره، أم ماذا؟!"
والظاهر أنه غريب من جهة اللغة، ولعل تزول غرابته إذا حمل على التفسير على المعنى، وربما يدل على هذا ما ذكره ابن عطية قال: "وقال سعيد بن جبير: "الضريع: الحجارة من النار"".

القول الرابع: هو الجلدة التي على العظم تحت اللحم من الضلع. وهو قول الليث، نقله عنه الأزهري في التهذيب، وذكره ايضا ابن عطبة.
قال ابن عطية: ولا أعرف من تأول الآية بهذا.

القول الخامس: هو الخمر أو رقيقها، ذكره الزبيدي عن ابن عباد.

القول السادس: هو مما لا تعرفه العرب.
ذكره ابن عطية، وذكره السيوطي في "معترك الأقران".
ورده ابن قتيبة قال: "وكان ما أراد الله بهذا معلوما عندهم مفهوما، ولو لم يكن كذلك لأنكروه..."
ولعله يراد به التفسير على المعنى، لا التفسير على اللفظ. ويؤيد هذا ما قال ابن سيده: "وَقيل: الضَّريع: طَعَام أهل النَّار. وهذا لَا تعرفه العَرَب".
وقال عبد الكريم يونس الخطيب: والرأى- والله أعلم- أنه من طعام أهل النار، لا يعرف له شبيه فى الحياة الدنيا، ولهذا وصفه الله سبحانه بأنه {لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ}، أي: أنه لا تتقبله الأجسام، ولا تتفاعل معه، كما أنه لا يشبع جوع الجياع.. ولو كان معروفا عند العرب، لما وصف هذا الوصف الكاشف!.

ولا تنافي بين هذه الأقوال؛ لأن أصل الضريع الخضوع والذل. قال الجوهري: "وضَرَعَ الرجلُ ضَراعةً، أي خضع وذلَّ. وأضْرعَهُ غيره. وفي المثل: "الحُمَّى أضْرَعَتْني لَكَ ". والضَرَعُ، بالتحريك: الضعيف. وإنَّ فلاناً لضارِعُ الجسم، أي نحيفٌ ضعيفٌ".
وإن قيل: تسمية النبت بذلك شاذ، يرد عليه بما قال ابن فارس: "...ومما شذ عن هذا الباب: الضريع، وهو نبت. وممكن أن يحمل على الباب فيقال ذلك لضعفه، إذا كان لا يسمن ولا يغني من جوع. وقال:
وتركن في هزم الضريع فكلها ... حدباء دامية اليدين حرود". ه
فكل قول يدل على هذا الأصل، وقد قال الراغب الأصفهانى: وأما قوله: {لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}، فقيل: هو يَبِيسُ الشَّبْرَقِ، وقيل: نباتٌ أحمرُ منتنُ الرّيحِ يرمي به البحر، وكيفما كان فإشارة إلى شيء منكر".
وقال ابن جزي: "ولله در من قال: الضريع طعام أهل النار فإنه أعم وأسلم من عهدة التعيين".
وفي معنى "ضريع" عدة احتمالات:
الأول: أنه بمعنى "مضرع"، أي: مضعف للبدن مهزل؛ ويستدل له بما رواه مالك عن حميد بن قيس المكي، أنه قال: "دخل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بابني جعفر بن أبي طالب فقال لحاضنتهما: ما لي أراهما ضارعين؟ فقالت حاضنتهما: يا رسول الله، إنه تسرع إليهما العين، ولم يمنعنا أن نسترقي لهما إلا أنا لا ندري ما يوافقك من ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استرقوا لهما، فإنه لو سبق شيء القدر لسبقته العين". والحديث سنده منقطع.
ولكن يمكن الاستدلال بما رواه مسلم في صحيحه من طريق أبي عاصم عن ابن جريج عن أبي الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: "رخص النبي -صلى الله عليه وسلم- لآل حزم في رقية الحية، وقال لأسماء بنت عميس: "ما لي أرى أجسام بني أخي ضارعة تصيبهم الحاجة"، قالت: "لا، ولكن العين تسرع إليهم"، قال: "ارقيهم"، قالت: فعرضت عليه، فقال: "ارقيهم".
الثاني: أنه من "فعيل" بمعنى مفعل؛ ويستشهد لهذا بقول عمرو بن معد يكرب:
أمن ريحانة الداعي السميع ... يؤرقني وأصحابي هجوع
يريد: السمع.
الثالث: أنه من المضارعة، أي: الاشتباه لأنه يشبه المرعى الجيد ويضارعه في الظاهر وليس به.
وهذا أيضا يدل على الضعف.
الرابع: أنه مشتق من الضارع، وهو الذليل، أي ذو ضراعة، والمعنى: من شربه ذليل تلحقه ضراعة. فسمي بذلك؛ لأن آكله يتضرع في أن يعفى منه للكراهة وخشونته. وهذا معنى قول النحاس، وابن كيسان، والبقاعي.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 18 ربيع الأول 1443هـ/24-10-2021م, 01:19 AM
هنادي الفحماوي هنادي الفحماوي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Sep 2019
المشاركات: 283
افتراضي

سم الله الرحمن الرحيم
تحرير قول المفسرين في معنى الحفدة
اختلف العلماء في معنى الحفدة من قوله تعالى { وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة} على أقوال:
القول الأول: ولد الولد 1-
وأصحاب هذا القول: ابن عباس ،عكرمة، الضحاك، ابن زيد ، الحسن
أما قول ابن عباس فرواه محمد بن إسماعيل البخاري قال ابن عباس{الحفدة}: من ولد الرجل. ورواه الطبري عنه من طرق عدة وزاد : بنوك حين يحفدونك ويرفدونك ويعينونك ويخدمونك قال جميل: حفد الولائد حولهن وأسلمت بأكفهن أزمة الأجمال
أما قول عكرمة فرواه عبد الرزاق الصنعاني من طريق الحكم بن أبان قال عكرمة الحفدة من يخدمك من ولدك وولد ولدك)
أما قول الضحاك رواه الطبري عن الضحاك في قوله{بنين وحفدة} ولد الرجل يحفدونه ويخدمونه وكانت العرب إنما تخدمهم أولادهم الذكور.
أما قول ابن زيد فرواه الطبري عن ابن وهب قال: قال ابن زيد: الحفدة : الخدم من ولد الرجل هم ولده ويخدمونه قال: وليس تكون العبيد من الأزواج كيف يكون من زوجي عبدا؟ إنما الحفدة ولد الرجل وخدمه.
أما قول الحسن فرواه يحيى بن سلام البصري عن أبي هلال الراسبي عن الحسن قال: بنوك وبنو بنيك البنون والحفدة كل شيء يحفدونك ويخدمونك
قال قطرب البصري: كان الكلبي يقول الحفدة البنون الكبار الين خدموه.
وقال القاضي أبو محمد:وهذا يستقيم على أن تكون الواو عاطفة صفة لهم، كما لو قال: جعلنا لهم بنين وأعوانا، أي: وهم لهم أعوان، فكأنه قال: وهم حفدة.
قال محمد بن الطاهر بن عاشور: وَالْحَفَدَةُ: جَمْعُ حَافِدٍ، مِثْلُ كَمَلَةٍ جَمْعُ كَامِلٍ. وَالْحَافِدُ أَصْلُهُ الْمُسْرِعُ فِي الْخِدْمَةِ وَأُطْلِقَ عَلَى ابْنِ الِابْنِ لِأَنَّهُ يَكْثُرُ أَنْ يَخْدِمَ جَدَّهُ لِضَعْفِ الْجَدِّ بِسَبَبِ الْكِبَرِ، فَأَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى الْإِنْسَانِ بِحِفْظِ سِلْسِلَةِ نَسَبِهِ بِسَبَبِ ضَبْطِ الْحَلْقَةِ الْأُولَى مِنْهَا وَهِيَ كَوْنُ أَبْنَائِهِ مِنْ زَوْجِهِ ثُمَّ كَوْنُ أَبْنَاءِ أَبْنَائِهِ مِنْ أَزْوَاجِهِمْ، فَانْضَبَطَتْ سِلْسِلَةُ الْأَنْسَابِ بِهَذَا النِّظَامِ الْمُحْكَمِ الْبَدِيعِ
وقال محمد الأمين الشنقيطي: وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْحَفَدَةَ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى اشْتِرَاكِ الْبَنِينَ وَالْحَفَدَةِ فِي كَوْنِهِمْ مِنْ أَزْوَاجِهِمْ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ مِنْ أَوْلَادِ أَزْوَاجِهِمْ. وَدَعْوَى أَنَّ قَوْلَهُ: «وَحَفَدَةً» مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: «أَزْوَاجًا»، غَيْرُ ظَاهِرَةٍ. كَمَا أَنَّ دَعْوَى أَنَّهُمُ الْأَخْتَانُ، وَأَنَّ الْأَخْتَانَ أَزْوَاجُ بَنَاتِهِمْ، وَبَنَاتُهُمْ مِنْ أَزْوَاجِهِمْ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَقْوَالِ كُلُّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ. وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ هُوَ مَا ذُكِرَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيِّ وَالْقُرْطُبِيِّ وَغَيْرِهِمَا. وَمَعْلُومٌ: أَنَّ أَوْلَادَ الرَّجُلِ، وَأَوْلَادَ أَوْلَادِهِ: مِنْ خَدَمِهِ الْمُسْرِعِينَ فِي خِدْمَتِهِ عَادَةً. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى
فيتضح من هذه الاقوال وما ذكره قطرب والقاضي أبو محمد والطاهر بن عاشور والشنقيطي أن الأولاد وأولاد الأولاد معنى معتبر للحفدة لأن من معاني الحفد الخدمة وأولى الناس بخدمة أهلهم هم أبنائهم وهو ما ذكره الضحاك أن العرب كانت تخدمهم أولادهم الذكور.

2- القول الثاني: الأعوان والأنصار والخدم
القائلون به: ابن عباس ، عكرمة ، الحسن، مجاهد، مالك، قتادة، أبو مالك، ابن قتيبة
أما قول مالك فرواه عبد الله وهب المصري وقال لي مالك في قول الله {بنين وحفدة} الحفدة الأعوان والخدم
أما قول ابن عباس فرواه قطرب البصري عن ابن عباس: الحفدة: الأعوان، ورواه الطبري في تفسيره من طريق محمد بن خالد قال ابن عباس: من أعانك فقد حفدك.
أما قول عكرمة رواه الطبري من طرق مختلفة؛ قال عكرمة : هم الذين يعينون الرجل من ولده وخدمه.
أما قول الحسن فرواه الطبري من طريق أبي هلال عن الحسن في قوله {بنين وحفدة} من أعانك من أهل وخادم فقد حفدك. وقال الحفدة : الخدم.
أما قول مجاهد فرواه الطبري عن أبي نجيح عن مجاهد قال: الحفدة الخدم ورواه الطبري وعبد الرحمن بن الحسن الهمذاني في تفسير مجاهد قال: { بنين وحفدة} يعني أنصارا وأعوانا وخدما.
أما قول قتادة فرواه يحيى بن سلام البصري في تفسيره و الطبري في تفسيره عن سعيد عن قتادة: مهنة يمهنونك ويخدمونك من ولدك كرامة أكرمكم الله بها.
قال ابن قتيبة: الحفدة: الخدم والأعوان ويقال: هم بنون وخدم ويقال الحفدة الأصهار وأصل الحفد مداركة الخطو والإسراع في المشي وإنما يفعل هذا الخدم
قال أبو الفرج الجوزي في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم محفود وهو الذي يخدمه أصحابه ويعظمونه.
فكان من قال بأن الحفدة هم الأعوان والأنصار والحفدة قد فهم من معنى الحفد الإعانة والسرعة في الخدمة
3- القول الثالث: الأختان
القائلون به: عبد الله بن مسعود ، ابن عباس، مجاهد، أبي الضحى ، إبراهيم، سعيد بن جبر، الخليل بن أحمد الفراهيدي ، ابن عطية
أما قول ابن مسعود رواه عبد الرزاق الصنعاني في تفسيره والطبري في تفسيره ومحمد بن عبد الله النيسابوري في تفسيره والنحاس في معاني القرآن : قال ابن مسعود لزر بن حبيش أتدري ما الحفدة يا زر قلت: نعم هم حفاد الرجل من ولده وولد ولده قال لا هم الأصهار، وفي رواية الطبري عن ابن مسعود قال: الأختان. ورواه النحاس عن سفيان الثوري عن عاصم عن زر عن عبد الله بن مسعود.
أما قول ابن عباس: فرواه الطبري عن عكرمة وعلي عن ابن عباس.
أما قول أبي الضحى: فرواه الطبري عن ابن بشار وأحمد بن الوليد القرشي وابن وكيع وغيرهم عن أبي الأضحى.
أما قول إبراهيم رواه الطبري عن عن ابن حميد غن مغيرة عن إبراهيم
أما قول سعيد بن جبير: رواه الطبري عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير.
قال محمد بن الحسن الختن الزوج ومن كان من ذوي رحمه والصهر من كان من قبل المرأة نحو أبيها وعمتها وخالها
وقال ابن الأعرابي ضد هذا في الأختان والأصهار وقال الأصمعي الختن من كان من قبل المرأة مثل أبيها وأخيها وما أشبههما والأصهار منهما جميعا يقال أصهر فلان إلى بني فلان وصاهر
وقول عبد الله بن مسعود هم الأختان يحتمل المعنيين جميعا يجوز أن يكون أراد أبا المرأة وما أشبه من أقربائها ويجوز أن يكون أراد وجعل لكم من أزواجكم بنين وبنات وتزوجونهم فيكون لكم بسببهن أختان.
قال الطبري: وأختاننا الّذين هم أزواج بناتنا من أزواجنا، وخدمنا من مماليكنا، إذا كانوا يحفدوننا فيستحقّون اسم حفدة
وقال قطرب البصري: وقال بعضهم أيضا الحفدة الأصهار؛ (بنين واصهارا) في التفسير لا في اللغة.
.فيتبين لنا من هذه الأقوال أن الحفد والذي من من معانيه الإعانة أنه متحقق في الأختان والأصهار. لذك قال بها القول ابن مسعود ومن شابهه. وأيضا فإن الأختان والاصهار يحيطون حول الشخص ويسارعون في خدمه حفاظا على ود أخواتهن. .
4- القول الرابع: بنو إمرأة الرجل من غيره
القائلون به: ابن عباس
أما قول ابن عباس فرواه الطبري في تفسيره قال: حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس: بنو امرأة الرجل ليسوا منه وقال:الحفدة الرجل عمل بين يدي الرجل يقول: فلانا يحفد لنا.
5- القول الخامس: البنات
القائلون به: الخليل بن احمد الفراهيدي
قال الخليل بن احمد الفراهيدي: وقول الله عز وجل بنين وحفدة: يعني البنات وهن خدم الأبوين في البيت ويقال الحفدة وعند العرب الحفدة الخدم
وحكى الزجاج أن الحفدة البنات في قول بعضهم، قال الزهراوي: لأنهن خدم الأبوين، ولأن لفظة "البنين" لا تدل عليهن، ألا ترى أنهن ليس في قول الله تبارك وتعالى: {المال والبنون زينة الحياة الدنيا}، وإنما الزينة في الذكور.
فمن قال بأن البنات هم الحفدة جعل الواو العاطفة للمغايرة فيكون المعنى بنين وبنات وفي قول الزهراوي أن البنات هن خدم أبويهن لأن الزينة جاءت مع لفظ الذكور في آية أخرى .
الدراسة:
من بعد مدارستنا للأقوال في معنى الحفدة لا بد أن نشير أولامن أن الحفد مصدرا يحتمل معاني السرعة في العمل والخدمة والإعانة لذلك كان من المنطقي أن تتعدد الأقوال في معنى الحفدة فكل من انطبق عليه معنى من هذه المعاني الثلاث استحق اسم الحفدة.
فمن حيث المعنى للحفد قال الخليل بن أحمد الفراهيدي: حفد: الحفد: الخفة في العمل والخدمة، والاحتفاد السرعة في كل شيء وقال ابن عطية: ولا خلاف أن معنى "الحفد" هو الخدمة والبر والمشي في الطاعة مسرعا، ومنه في القنوت: "وإليك نسعى ونحفد"، والحفدان: خبب فوق المشي
وقد جمع بعض المفسرين الأقوال كلها وجعلها من باب اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد؛ قال الزجاج :وقوله: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة}
اختلف الناس في تفسير الحفدة، فقيل الأولاد، وقيل البنات وقيل الأختان، وقيل الأصهار، وقيل الأعوان.
وحقيقة هذا أن اللّه عزّ وجلّ جعل من الأزواج بنين ومن يعاون على ما يحتاج إليه بسرعة وطاعة، يقال حفد يحفد حفدا وحفدا وحفدانا إذا أسرع.
وقَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ:وقالت طائفة: كل من أسرع في حاجتك، فهو حافد، قرابة كان أو غير قرابة
وقال الطبري: إذ كان معنى الحفدة ما ذكرنا من أنّهم المسرعون في خدمة الرّجل المتخفّفون فيها، وكان اللّه تعالى ذكره أخبرنا أنّ ممّا أنعم به علينا أن جعل لنا حفدةً تحفد لنا، وكان أولادنا وأزواجنا الّذين يصلحون للخدمة منّا ومن غيرنا، وأختاننا الّذين هم أزواج بناتنا من أزواجنا، وخدمنا من مماليكنا، إذا كانوا يحفدوننا فيستحقّون اسم حفدةً، ولم يكن اللّه تعالى دلّ بظاهر تنزيله ولا على لسان رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم ولا بحجّة عقلٍ، على أنّه عنى بذلك نوعًا من الحفدة دون نوعٍ منهم، وكان قد أنعم بكلّ ذلك علينا، لم يكن لنا أن نوجّه ذلك إلى خاصٍّ من الحفدة دون عامٍ، إلاّ ما اجمعت الأمّة عليه أنّه غير داخلٍ فيهم.
أما من مايز بين الأنواع فقد ذكر ابن كثير في تفسيره أسبابا له فقال: فمن جعل {وحفدة} متعلقا بأزواجكم فلا بد أن يكون المراد الأولاد وأولاد الأولاد والأصهار لأنهم أزواج البنات وأولاد الزوجة كما قال الشعبي والضحاك فإنهم غالبا ما يكونون تحت كنف الرجل وفي خدمته وقد يكون هذا المراد من قوله صلى الله عليه وسلم في حديث بصرة بن اكثم (والولد عبد لك ) رواه ابن داوود.
وأما من جعل الحفدة هم الخدم فعنده أنه معطوف على قوله {وجعل لكم من أنفسكم أزواجا} أي وجعل لكم الأزواج والأولاد وهذا ما ذكره أيضا النحاس :وقول من قال هم الخدم حسن على هذا إلا إنه يكون منقطعا مما قبله عند أبي عبيد وينوي به التقديم والتأخير كأنه قال وجعل لكم حفدة أي خدما وجعل لكم من أزواجكم بنين.
وفصل محمد حسن جبل في معنى الحفد فجعله على معنيين السرعة والخفة في الخدمة ومعنى آخر يزد عليه باللطف وهو ما فسر به اتجاهات التفسير المختلفة فقال: وفي قوله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} قيل إن الحفدة الخدَم والأعوان، والبنات، وأولاد الأولاد، والأصهار، وبنو المرأة من زوجها الأول -نظروا في الكل إلى معنى السرعة وخفة الحركة في الخدمة.
وبالنظر إلى معنى الإحاطة مع اللطف والخفة في المعنى المحوري نجد أن أقربها إلى هذا المعنى هم أولاد الأولاد- إذ ينشئون حول جدهم. ويقوي هذا ذكر الأزواج في الآية. ويليه تفسير الحفدة بالبنات ثم بالأصهار. والتفسيرات الأخرى تجوز لأنها مبنية على خفة الحركة مع الإحاطة لكن دون اللطف.
وقد اختار البعض مثل الطاهر بن عاشور والشنقيطي انه فقط لأولاد الأولاد لظاهر القرآن كما جاء في سرد الأقوال سابقا

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 18 ربيع الأول 1443هـ/24-10-2021م, 04:35 AM
إيمان جلال إيمان جلال غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Sep 2019
المشاركات: 380
افتراضي

حل التطبيق الثامن


معنى الحفدة في قوله تعالى: "وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة".

تفسيرها في قوله تعالى: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72) )


رأس المسألة:
اختلف العلماء في معنى حفدة على عدة أقوال:

القول الأول: الخفة والسرعة في العمل. (وهو من الاحتفاد أي السرعة في كل شيء، والحفدان هو فوق المشي كالخبب، وهو تدارك السير).
وهو قول الخليل بن أحمد، وقطرب، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وعبد الله بن يحيى بن المبارك، وابن قتيبة، واختاره ابن جرير، كما قاله الأزهري، والزجاج، والأزهري، وابن فارس، وابن سيده، وابن منظور، واختاره ابن كثير.
- قال الخليل بن أحمد وقطرب وابن قتيبة: (أصل الحفد: الخفة في العمل ومداركة الخطو والإسراع في المشي).
واستدل الخليل بقول الشاعر: (حَفَدَ الولائدُ بينَهُنَّ وأُسلِمَتْ ... بأكُفّهِنَّ أزِمَّةُ الأجمالِ).
وسَمِعتُ في شعْرٍ مُحدَث حُفَّداً أقدامُها، أي سِراعاً خِفافاً.
وفي سورة القُنوت: وإليك نَسعَى ونحفد: أي نخفّ في مَرْضاتك
قال الأعشى: (وُمْحَتفد الوَقْعِ ذو هَبَّةٍ ... أجاد جلاه يد الصيقل).
- قال قطرب: (حفد يحفد حفدًا، وحفودًا وحفدانًا؛ وهو الخفة في العمل والخدمة).
- قال أبو عبيد القاسم بن سلام في حديث عمر رضي الله عنه في قنوت الفجر قوله: "وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكفار ملحق" قوله: (نحفد، أصل الحفد الخدمة والعمل، يقال: حفد يحفد حفدا
- قال الزجاج: (يقال حفد يحفد حفدا وحفدا وحفدانا إذا أسرع). وقال: (وحقيقة هذا أن الله جعل من يعاون على ما يحتاج إليه بسرعة وطاعة).
- قال ابن فارس: (الْحَاءُ وَالْفَاءُ وَالدَّالُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى الْخِفَّةِ فِي الْعَمَلِ، وَالتَّجَمُّعِ، ويقال سيف محتفد أي سريع القطع).
- قال ابن منظور: (الحَفْدُ والحَفدان والإِحفاد فِي الْمَشْيِ دُونَ الخَبَبِ؛ وَقِيلَ: الحَفَدان فَوْقَ الْمَشْيِ كَالْخَبَبِ، وَقِيلَ: هُوَ إِبطاء الرَّكَكِ).

القول الثاني: الخدم، (الأعوان والأنصار من غير القرابة). (خدم وحفد وحفدة جميعا، ورجل محفود أي مخدوم، وهو الذي يخدمه أصحابه ويعظمونه ويسرعون في طاعته).
وهو قول الخليل بن أحمد، وعبد الله بن وهب، ويحيى بن سلام، عبد الرزاق، ومسلم بن خالد الزنجي، وابن جرير، وابن شميل، وأبو عبيدة، وقطرب، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وعبد الله بن يحيى بن المبارك، وابن قتيبة، والزجاج، والسجستاني، والنحاس، وغلام ثعلب، وابن فارس، زابن سيده، وابن منظور.
- قال الخليل بن أحمد عند العرب: (الحفدة الخدم، واحدهم: حافد، خرج مخرج كامل والجميع كملة).
قال الشاعر جميل: (حفد الولائد بينهن وأسلمت بأكفهن أزمة الأجمال).
- قال ابن جرير: (فأطلق على من يسعى في خدمة الشّخص ذلك).
- قال ابن شميل: (وهو أتبع لكلام العرب ممن قال الأصهار).
- قال قطرب: (حفد البكر يحفد حفدانًا؛ وهو عمله، ويكون الواحد من الحفدة حافدًا، مثل الفسقة والبررة).
- قال أبو عبيد القاسم بن سلام وابن منظور: (في حديث عمر رضي الله عنه
في قنوت الفجر: قوله: نحفد، أصل الحفد الخدمة والعمل، يقال: حفد يحفد حفدا وقال الأخطل:
أراد خدمهن الولائد وقال الشاعر: حفد الولائد حولهن وأسلمت بــأكـــفـــهـــن أزمـــــــــــة الأجــــــمــــــال).
- قال أبو عبيد القاسم بن سلام: (وأما المعروف في كلامهم فإن الحفد هو الخدمة، فقوله: نسعى ونحفد، هو من ذاك، يقول: إنا نعبدك ونسعى في طلب رضاك. وفيها لغة أخرى: أحفد إحفادا قال الراعي:
مزايد خرقـاء اليديـن مسيفـة أخب بهن المخلفان وأحفدا
فقد يكون قوله: أحفدا أخدما، وقد يكون أحفدا غيرهما أعملا بعيرهما، فأراد عمر بقوله: وإليك نسعى ونحفد: العمل لله بطاعته).
- قال ابن قتيبة: (واحدهم حافد، مثل كافر وكفرة).
- قال النحاس: (وقول من قال هم الخدم حسن على هذا إلا إنه يكون منقطعا مما قبله عند أبي عبيد وينوي به التقديم والتأخير كأنه قال وجعل لكم حفدة أي خدما وجعل لكم من أزواجكم بنين).
- قال ابن فارس: (لأنه يجتمع فيهم التجمع والتخفف). وقد اختاره.
- قال ابن منظور: (خدم وحفد وحفدة جميعا، ورجل محفود أي مخدوم، وهو الذي يخدمه أصحابه ويعظمونه ويسرعون في طاعته، ويقال: حفدت وأحفدت وأنا حافد ومحفود، وحفد وحفدة جمع حافد).
الحجج والاعتراضات:
- قال الفراء: ولو قيل الحفد كان صوابا، لأن واحدهم حافد فيكون بمنزلة الغائب والغيب، والقاعد والقعد.
التوجيه:
نلحظ من كلام الفراء أنه إنما رجح القول الأول، والحقيقة أن كلا القولين متلازمين لغة، فالسرعة تكون في العمل والخدمة لذاك العمل، فمما لاحظته من كلام أهل اللغة أنهم يستشهدوا بنفس الأدلة من قول الشعراء، وكذلك أثر عمر في القنوت، ف "حفدة" تأتي بمعنى السرعة والخفة في العمل، وتأتي من الخدمة والعمل، وهكذا فسرت أدلة القولين (دعاء القنوت، وقول الشاعر): تارة في السرعة والخفة بلطف، وتارة بالخدمة والعمل. مع صحة كليهما لغة، فعلى قول الشاعر: حفد الولائد...: أي خدمتهن، وأيضا سرعتهن وخفتهن في خدمتهن. ومثله في أثر ابن عمر: إما أن نسعى ونسرع في نيل رضاك يارب، وإما نعبدك ونعمل على طاعتك.
وقد بيّن ابن عطية أن "من أزواجكم" بمعنى من آدم وحواء، لعموم اشتراك البشر فيهما، فجعل الله لهم البنين والخدمة من غير القرابة، فمن لم يكن له زوجة، فقد جعل الله له الخدم وحصلت تلك النعمة، فتستقيم لفظة "الحفدة" على مجراها في اللغة، إذ البشر بجملتهم لا يستغني أحد منهم عن حفدة.
وقد وجه بعض المفسرين معنى "الحفدة" هنا بأنها الخدم من ناحية الإعراب: أن هناك انقطاع عما قبله ينوى به التقديم، وكأنه قال: جعل لكم حفدة، وجعل لكم من أزواجكم بنين.

القول الثالث: ولد الولد. (وهو حفدة من جمع حفيد، ويجوز أن يكون الجمع: حفداء).
وهو قول الخليل بن أحمد، وابن فارس، وابن سيده، والقرطبي، وابن منظور، وابن عاشور.
- قال ابن عاشور: (والحَفَدَةُ: جَمْعُ حافِدٍ، مِثْلُ كَمَلَةٍ جَمْعُ كامِلٍ، والحافِدُ أصْلُهُ المُسْرِعُ في الخِدْمَةِ، وأُطْلِقَ عَلى ابْنِ الِابْنِ؛ لِأنَّهُ يَكْثُرُ أنْ يَخْدِمَ جَدَّهُ لِضَعْفِ الجَدِّ بِسَبَبِ الكِبَرِ).

التوجيه:
وقال أيضا: (فَأنْعَمَ اللَّهُ عَلى الإنْسانِ بِحِفْظِ سِلْسِلَةِ نَسَبِهِ بِسَبَبِ ضَبْطِ الحَلْقَةِ الأُولى مِنها، وهِيَ كَوْنُ أبْنائِهِ مِن زَوْجِهِ ثُمَّ كَوْنُ أبْناءِ أبْنائِهِ مِن أزْواجِهِمْ، فانْضَبَطَتْ سِلْسِلَةُ الأنْسابِ بِهَذا النِّظامِ المُحْكَمِ البَدِيعِ، وغَيْرُ الإنْسانِ مِنَ الحَيَوانِ لا يَشْعُرُ بِحَفَدَتِهِ أصْلًا، ولا يَشْعُرُ بِالبُنُوَّةِ إلّا أُنْثى الحَيَوانِ مُدَّةً قَلِيلَةً قَرِيبَةً مِنَ الإرْضاعِ، والحَفَدَةُ لِلْإنْسانِ زِيادَةٌ في مَسَرَّةِ العائِلَةِ، قالَ تَعالى ﴿فَبَشَّرْناها بِإسْحاقَ ومِن وراءِ إسْحاقَ يَعْقُوبَ﴾)
قال القرطبي نقلا عن المهدوي [وقد بحثت في كتب المهدوي لأجد أصل هذا القول فلم أوفق]: (وهو ظاهر القرآن بل نصه)، وقال: (والظاهر عندي أن "بنين" هم أولاد الرجل لصلبه، و "حفدة" أولاد أولاده، وليس في قوة اللفظ أكثر من هذا، ويكون تقدير الآية: وجعل لكم من أزواجكم بنين، ومن البنين حفدة).

القول الرابع: الأصهار والأختان (الأعوان والأنصار من القرابة من أهل الزوج والزوجة).

وهو قول يحيى بن سلام، وعبد الرزاق، ومسلم بن خالد الزنجي، وابن جرير، وصححه الحاكم، ابن شميل، الفراء، وعبد الله بن يحيى بن المبارك، وابن قتيبة، والزجاج، والسجستاني، والنحاس، وغلام ثعلب، وابن فارس، وابن سيده، والقرطبي، وابن منظور.
الحجج والاعتراضات:
- روى ابن جرير عن ابن عباس: (ويزعم رجال أن الحفدة أختان الرجل).
- قال ابن شميل: (والقول بأنهم الخدم هو أتبع لكلام العرب ممن قال الأصهار).
- قال قطرب عبد الله بن يحيى بن المبارك: (هذا معناها بالتفسير لا باللغة).
- قالها ابن سيده بصيغة التمريض (قيل).
التوجيه:
أما معنى "حفدة" لغة أنها الأصهار والأختان: لم أجد لها تخريجا أو أصلا لغويا عند أهل اللغة، مما يدل على أن هذا هو معناها في التفسير وليس في اللغة. وهو غير مطلوب هنا كون المطلوب هنا [معنى حفدة] وليس [المراد بحفدة].
ويكون توجيهها تفسيريا بأن هذا من عادة القرابة أن يخدم بعضهم بعضا غالبا، وأن "من أنفسكم أزواجا" أنه من الزوج والزوجة مباشرة، فبالمصاهرة تحصل القرابة التي من شأنها أن يخدم بعضهم البعض غالبا.
ونلاحظ أن معنى الخدمة والإسراع فيها بيّنا واضحا هنا، وتحته يندرج خدمة البشر بعضهم لبعض مع اختلاف مسمياتهم ودرجة قربهم وبعدهم، ولذلك تبنى بعض اللغويين هذا المعنى، كونه سائغ شرعا.
ملاحظة: معنى الأختان: قد نقل النحاس عن الأصمعي قوله: (الختن من كان من قبل المرأة مثل أبيها وأخيها وما أشبهها، والأصهار من الرجل والمرأة جميعا. يقال: أصهر فلان إلى بني فلان وصاهر). [وقد بحثت عن أصل كلام الأصمعي منه مباشرة فلم أوفق لذلك]. وقال القرطبي: (يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَبَا الْمَرْأَةِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ أَقْرِبَائِهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَبَنَاتٍ تُزَوِّجُونَهُنَّ، فَيَكُونُ لَكُمْ بِسَبَبِهِنَّ أَخْتَانٌ).
والمعنى: أن الله امتن عليكم بأن جعل لكم من أزواجكم بنين، وجعل لكم من أزواجكم حفدة أي أعوانا يخدمونكم: إما بأن يخدمنكم الأزواج بأنفسهن، أو تحصل بسببهن مصاهرتكم لمن يعينكم.
قال القرطبي نقلا عن المهدوي [وقد بحثت في كتب المهدوي لأجد أصل هذا القول فلم أوفق]: (فَقَدْ خَرَجَتْ خِدْمَةُ الْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ مِنَ الْقُرْآنِ بِأَبْدَعِ بَيَانٍ، قاله ابن العربي رَوَى الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ أَبَا أُسَيْدٍ السَّاعِدِيَّ دَعَا النَّبِيَّ ﷺ لِعُرْسِهِ فَكَانَتِ امْرَأَتُهُ خَادِمَهُمْ ... الْحَدِيث". وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: (أَنَا فَتَلْتُ قَلَائِدَ بُدْنِ النَّبِيِّ ﷺ بِيَدِي. الْحَدِيثَ). وَلِهَذَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا: عَلَيْهَا أَنْ تَفْرِشَ الْفِرَاشَ وَتَطْبُخَ الْقِدْرَ وَتَقُمَّ الدَّارَ، بِحَسَبِ حَالِهَا وَعَادَةِ مِثْلِهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فكَأَنَّهُ جَمَعَ لَنَا فِيهَا السَّكَنَ وَالِاسْتِمْتَاعَ وَضَرْبًا مِنَ الْخِدْمَةِ بِحَسَبِ جَرْيِ الْعَادَةِ). وأضاف: (وَهَذَا أَمْرٌ دَائِرٌ عَلَى الْعُرْفِ الَّذِي هُوَ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ، فَإِنَّ نِسَاءَ الْأَعْرَابِ وسكان البوادي يخدمن أزواجهن (حتى فِي اسْتِعْذَابِ الْمَاءِ وَسِيَاسَةِ الدَّوَابِّ).

القول الخامس: الأولاد والبنات.
وهو قول لخليل بن أحمد، ويحيى بن سلام، وعبد الرزاق، والبخاري، وابن جرير، والزجاج، السجستاني، وابن سيده، وابن منظور، وابن كثير.
- قال الخليل بن أحمد: (البنات هن خدم الأبوين في البيت).
- قال ابن جرير: (هن البنات يخدمن في البيوت أتم خدمة).
- ذكر ابن كثير عن الضحاك قوله: (وكانت العرب إنما تخدمهم الذكور).
التوجيه:
وبذات الشأن نلحظ أن معنى الأولاد والبنات قد فسره المفسرون، وذكره أهل اللغة كونه يسوغ معناه في التفسير لا على أن "حفدة" تعني الأبناء من بنات وأولاد. ويندرج هذا المعنى تحت "حفدة" كون الأبناء من بنات وبنين عادة هم خدم لوالديهم في البيت. فمن فسرها على أنها البنات، جعل العطف في "بنين وحفدة" عطف لتغاير الجنسين، فجنس الإناث يختلف عن جنس الذكور، ومن جعل معنى "حفدة" البنين: جعل العطف هو لعطف تغاير الصفات لموصوف واحد. فتكون منة الله أن جعل للناس بنين، وجعلهم خدمة لوالديهم، قد جمعوا بين البنوة والخدمة. وكما ذكر ابن الجوزي: كانوا في الجاهلية تخدمهم أولادهم.
وكأنه قال" بنين وهم حفدة". ويتم توجيه "من أزواجكم" على أنها من الزوجة المباشرة ليكون النسل لهم من البنات والبنين المذكورين في الآية.

القول السادس: بنو المرأة من زوجها الأول.
وهو قول ابن جرير، والسجستاني، وابن منظور.
التوجيه:
وهنا نلحظ أن هذا القول ليس له أصل في اللغة، ولكنه قول أهل التفسير.
وقد يلحق بالقول الرابع، فأبناء الزوجة من غير الرجل قد يدخلون في الأختان والأصهار وهم الأعوان والأصهار من قبل أقارب الزوجة.
الدراسة:
الراجح من الأقوال هو القول الأول والثاني والثالث، وهو قول جمهور المفسرين وعلماء اللغة، ودلالة اللفظ عليها ظاهرة على ما يقتضيه الاشتقاق.
أما القولان الأول والثاني: فاشتقاقهما باللغة من "حفد يحفد" أي الخفة والسرعة في العمل، وأيضا تأتي بمعنى الخدمة التي اسم فاعلها حافد أي خادم.
والقول الثالث: فاشتقاقه من "حفيد" وهو ولد الولد.
أما الأقوال: (الرابع والخامس والسادس) فهي مما يحتملها المعنى تفسيريا، فالأبناء والبنات والأصهار والأختان، وبنو المرأة من غير الرجل التي هي في عصمته، كلهم من الأعوان الذين سخرهم الله تعالى لخدمة الرجل بخفة وسرعة كما هو الحال غالبا، وهذا هو المعنى المحوري للكلمة. فنلاحظ كيف أن كل المعاني يحتملها لفظ "حفدة"، وهذه هي الكرامة التي أكرم الله بها عباده، بأن رزقهم البنين، ورزقهم كل من يعاونهم على ما يحتاجون إليه بسرعة وطاعة. فكل من أسرع في حاجتك فهو حافد قرابة كان أو غير قرابة.
فمن جعل "وحفدة" متعلقة بأزواجكم فلا بد أن يكون المراد الأولاد والبنات، وأولاد الأولاد وأولاد البنات، والأصهار لأنهم أزواج البنات، وأولاد الزوجة من غير الرجل التي هي في عصمته.
أما من جعل الحفدة هم الخدم فعنده أنه معطوف على قوله تعالى: "والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا" أي وجعل لكم الخدم، وجعل لكم الأزواج والأولاد، فتكون "حفدة" منصوبة ب (جعل) مضمرة وليسوا داخلين في كونهم من الأزواج.
قال ابن جرير: (وإذ كان معنى الحفدة ما ذكرنا من أنّهم المسرعون في خدمة الرّجل المتخفّفون فيها، وكان اللّه تعالى ذكره أخبرنا أنّ ممّا أنعم به علينا أن جعل لنا حفدةً تحفد لنا، وكان أولادنا وأزواجنا الّذين يصلحون للخدمة منّا ومن غيرنا، وأختاننا الّذين هم أزواج بناتنا من أزواجنا، وخدمنا من مماليكنا، إذا كانوا يحفدوننا فيستحقّون اسم حفدةً، ولم يكن اللّه تعالى دلّ بظاهر تنزيله ولا على لسان رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم ولا بحجّة عقلٍ، على أنّه عنى بذلك نوعًا من الحفدة دون نوعٍ منهم، وكان قد أنعم بكلّ ذلك علينا، لم يكن لنا أن نوجّه ذلك إلى خاصٍّ من الحفدة دون عامٍ، إلاّ ما أجمعت الأمّة عليه أنّه غير داخلٍ فيهم).

وعلى ما ذكر أعلاه، فالأقوال الأول والثاني مدارها على الخدمة والسرعة فيها، وأيضا القول الثالث وهم أبناء البنات والأولاد، كلها مما يحتملها معنى "حفدة".
وللاستزادة:
ذكرت الأقوال (الرابع والخامس والسادس) لأن العلماء ذكروها، وهي المراد ب "حفدة" في الآية، لا على أنها معنى "حفدة".
فلما ذكر تعالى امتنانه بالإيجاد ثم بالرزق، ذكر امتنانه بما يقوم بمصالح الإنسان مما يأنس به ويستنصر به ويخدمه، وهَكَذا رَتَّبَتِ الآيَةُ النِّعْمَةَ الَّتِي تَشْمَلُ العالَمَ. ويَسْتَقِيمُ لَفْظُ الحَفَدَةِ عَلى مَجْراها في اللُّغَةِ، إذِ البَشَرُ بِجُمْلَتِهِمْ لا يَسْتَغْنِي أحَدٌ مِنهم عَنْ حَفَدَةٍ.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 18 ربيع الأول 1443هـ/24-10-2021م, 04:54 AM
سعاد مختار سعاد مختار غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Sep 2019
المشاركات: 307
افتراضي

⚪ التطبيق الثامن ⚪


تحرير معنى ( الحفدة ) في قوله تعالى ؛ { وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ۚ }
🔷 وأصل الحفد : مدراكة الخطر والإسراع في المشي ، فقيل لكل من أسرع في الخدمة والعمل حفدة
وقيل معنى الحفد الخفة في العمل والخدمة وقيل الحفد البر والمشي مسرعاً في الطاعة ،
ومنه القول في دعاء الوتر : ( وإليك نسعى ونحفد )
🔹قال ابن عرفة : الحفدة عند العرب الأعوان
🔹قال الخليل بن أحمد : الحفدة عند العرب الخدم
🔹ابن منظور : الحافد ، العون والخادم وولد الولد وفي التنزيل العزيز :
{ وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة }
🔹الفيروزبادي : حفدة الرجل بناته ، أو أولاد أولاده
🔹ابو عبيد القاسم بن سلام : وأما المعروف في كلامهم (أي كلام العرب ) فإن الحفد هو الخدمة
🔹الزمخشري :هم حفدته أي خدنه وأعوانه ، ومنه قيل لأولاد الإبن الحفدة
🔹ابن عاشور : أطلق على ابن الإبن ( حفيد ) لأنه يكثر أن يخدم جده لضعفه


🔶 القول الأول ( أعوان الرجل من بنيه وخدمه - المماليك - الحفيد )
🔸 قال ابن عباس : من أعانك فقد حفدك
🔸قال عكرمة والحسن ومجاهد وطاووس : هم الذين يعينون الرجل من ولده وخدمه
🔸قال مالك : الحفدة الخدم والأعوان
▪ مجموع هذه الأقوال ، هي عن :
ابن عباس - وعكرمة - والحسن- مجاهد - طاووس - قتادة - أبو مالك الأنصاري - عطاء روى هذا عنهم ابن جرير بسنده في تفسيره ، وذكر الثعلبي عن مقاتل والكلبي : والحفدة هم كبار الأولاد الذين يعينونه ، وذكر ابن الجوزي أنهم المماليك عن ابن الأنباري ،
- قال بها من أهل اللغة : يحي. بن سلام - الفراء - أبو عبيدة - الأخفش سعيد - قطرب - أبو عبيد القاسم بن سلام
اليزيدي - الدينوري - مكي بن أبي طالب - السجستاني - النّحاس - ابن قتيبة - غلام ثعلب - الزمخشري - الجفني - ابن منظور - الهائم - الفيروز بادي - ابن عاشور - المعجم الوسيط .


- قال ابن عطية في تفسيره بعد أن ذكر الأقوال في معنى الحفدة :
ويحتمل عندي أن قوله: مِنْ أَزْواجِكُمْ إنما هو على العموم والاشتراك، أي من أزواج البشر جعل الله لهم البنين، ومنهم جعل الخدمة فمن لم تكن له قط زوجة فقد جعل الله له حفدة، وحصل تحت النعمة، وأولئك الحفدة هم من الأزواج، وهكذا تترتب النعمة التي تشمل جميع العالم، وتستقيم لفظة «الحفدة» على مجراها في اللغة، إذ البشر بجملتهم لا يستغني أحد منهم عن حفدة (أي خدم وأعوان ) وقد تعقب الآلوسي قول ابن عطية هذا قائلاً : لا يخفى أن فيه بعداً . ( أي فيه تمحل وتكلف )


🔸🔸قول من قال : أن ( الحفدة ) هم أبناء الأبناء خاصة
- قال الحافظ ابن كثير في تفسيره : ذكر الله تعالى أنه جعل من الأزواج البنين والحفدة ، وهم : أولاد البنين ولم يورد غيره رحمه الله
- قال ابن العربي : الأظهر عندي ان البنين أولاد الرجل لصلبه والحفدة أولاد ولده ، ذكره عنه القرطبي في تفسيره ، وقال الآلوسي : وهو اختيار ابن العربي .
- قال الشوكاني في تفسيره : رجحّ كثير من العلماء أنهم أولاد الأولاد .


🔷 القول الثاني : ( الأٓختٓان - الأ صهار )
- قال الأصمعي :
- الختن من كان من قبل المرأة مثل أبيها وأخيها وما أشبهها والأصهار منهما جميعاً - وختن الرجل على بناته
🔹هو قول عبد الله بن مسعود - ابن عباس - أبو الضحى - سعيد بن جبير - إبراهيم النخعي
ورواه عنهم بسنده ابن جرير الطبري في تفسيره ،
وقاله الفراء وذكره ابن قتيبة والسجستاني والنحاس وغلام ثعلب والجفني وابن الهائم والفيروز بادي ، في حين - قال قطرب واليزيدي : أصهار وأختان : في التفسير لا في اللغة
قال النّحاس : بعد أن ذكر قول عبد الله بن مسعود هذا : ويجوز أنه أراد انه جعل لكم من أزواجكم بنين وبنات يتزوجن فيكون لكم بهن أختان ( و تعقيب كل من قطرب واليزيدي والنحاس على هذا القول ، معناه ان هذا يُساق كوجه من وجوه التفسير للمراد ، وليس معنىً لغوياً للمفردة )
- ربما كما قال البغوي في تفسيره : وعن ابن مسعود انهم الأصهار ( أي الحفدة ) فيكون معنى الآية على هذا القول :
وجعل لكم من أزواجكم بنين وبنات ، تزو جونهم فيحصل بسببهم الأختان والأصهار
- قال ابن شميل : من قال الحفدة الأعوان فهو أتبع لكلام العرب ممن قال الأصهار
وقيل تطلق على الأختان إذا كانوا أعوانا .


🔶 القول الثالث ( بنو المرأة من الزوج الأول )
🔸هو قول ابن زيد وهي رواية العوفي عن ابن عباس ، ذكر هذا عنهم الثعلبي في تفسيره ، وذكر الماوردي في تفسيره أن هذا مروي عن ابن عباس وكذا ذكره ابن عطيه وابن الجوزي زاد عليه أنه قول الضحاك أيضاً
و ذكره السجستاني في وجوه المعنى والزمخشري والفيروز بادي .
، ُروى هذا القول عن ابن عباس بسند العوفيين ، وقد قال عنه المحدث أحمد شاكر : هو إسناد مسلسل بالضعفاء من أسرة واحدة ، وهو معروف عند العلماء ب تفسير العوفي .


و🔷 القول الرابع
الحافد : صانع الوشي
🔹ذكر هذا القول ابن منظور في لسان العرب ، وأورده البقاعي في نظم الدرر ، وعقب عليه بقول : لإسراعهم فيه
(أي في الوشي ، ليربط بينه وبين أصل معنى الحفد وهو الخفة والسرعة في العمل )


🔹🔹بالرجوع إلى أصل الكلمة وجذرها ، وهو الحفد ، أي السرعة والخفة في المشي ومدركة الخطو ،ومنه السرعة والخفة والطاعة في أداء العمل والخدمة ، يكون مسمى كل من : الأعوان والخدم والأحفاد وحتى البنين والبنات
والمماليك الأرقاء ، كلها فيها معنى الحفد ، فهم حفدة لمن يخدمونه
ودخل صانع الوشي في معنى اللفظ من ناحية الإنجاز في سرعة وخفة

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 18 ربيع الأول 1443هـ/24-10-2021م, 01:14 PM
رولا بدوي رولا بدوي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Sep 2019
المشاركات: 341
افتراضي

مسألة إعراب إن هذان لساحرن من المسائل المشهورة ، و كتبت فيها الرسائل و ضمت إلى نظائرها من مشكل إعراب القرآن عند الرد على شبهات الطعن في القرآن و أن به لحنًا .
هذه المسألة مركبة ، فهي لا تتعلق بباب الإعراب فقط ، بل تجمع عددًا من العلوم؛ علم القراءات، علم النحو و الصرف، علم التفسير و نضم للقائمة علم الحديث.
فمنشأ المسألة أنه رُويَ لهذه الآية قراءات متعددة،منها المتواتر و منها دون ذلك، و لكل قراءة وجه من الإعراب يوافق وجهًا في اللغة العربية ، و لكل قراءة ما يؤيدها و ما يردها.
و من خلال بحثنا نحاول أن نبين المسألة و نفصل الأقوال بما يساعدنا على بيان الأمر، و نشرع في البيان مستعينين بالله سائلين التيسير و التوفيق .
القراءات التي عليها ( إن هذان لساحران ) و بيان القراءات المتواتر منها و الشاذ:
 1- قراءة ”إنَّ هَذَيْنِ لَساحِرانِ“:
- رُويت هذه القراءة عن أبو عمرو البري من القراء السبع كما ذكر الفراء ، أبو عبيدة معمر بن المثنى ، الأخفش الأوسط ،أبوبكر البغدادي،أبوبكر الأصبهاني، أبومكي القيسي، أبوعمرو الداني،الأنصاري، ابن عطية،ابن الجوزي، محمد بن أحمد الموصلي (، الدمياطي.
- و قَرَأ بها عِيسى بْنُ عُمَرَ: ذكر ذلك أبو عبيدة معمر بن المثنى ،الأخفش الأوسط،و أبو جعفر النَّحَّاس، الرازي و غيرهم.
 و رويت عن عدد من الصحابة و التابعين ؛ منهم عائشة رضي الله عنها و عثمان و الحسن وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وعاصم الجحدري، و غيرهم ، مجموع ما ذكره كلًا من النحاس و الرازي، القرطبي، الألوسي و غيرهم .
 2- قراءة ”إنْ هَذانِ“ بِتَخْفِيفِ النُّونَيْنِ.
- قرأ بها الزهري وإسماعيل بن قسطنطين والخليل بن أحمد وعاصم في إحدى الروايتين إن هذان لساحران بتخفيف إن، ذكر ذلك النحاس.
- و قرأ بها حفص عن عاصم ذكر ذلك ابن مجاهد التميمي البغدادي ،مكي بن أبي طالب القَيْسِي ،أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني ،بن حيان أثير الدين الأندلسي .
- وَقَرَأَ بها أَبُو بَحْرِيَّةَ وَأَبُو حَيْوَةَ وَالزُّهْرِيُّ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَحُمَيْدٌ وَابْنُ سَعْدَانَ وَحَفْصٌ ، كما ذكر ابن حيان
- و قرأ بها بو حيوة، وَحُمَيْد بن الوزير عن يَعْقُوب، والزَّعْفَرَانِيّ، ومكي غير ابْن مِقْسَمٍ، وابن جبير عن أبي بكر، وجبلة عن المفضل، وحفص إلا البحتري، وابن صبيح، ذكر ذلك أبو القاسم يوسف بن علي بن جبارة الهذلي المغربي .
- و قد استحسنها الزجاج ، واختارها مكي القيسي ،، و أبو القاسم يوسف بن علي بن جبارة الهذلي المغربي ،و هي قراءة الخليل ( ذكر ذلك عنه علم الدين علي بن محمد السخاوي ،واستحسنها أبوشامة الدمشقي، و قال عنها الدمياطي أوضح القراءات
و سبب استحسان الزجاج ما قاله في كتابه معاني القرآن و إعرابه : أن فيها إمامان: عاصم والخليل، وموافقة أُبَيٍّ في المعنى، وإن خالفه اللفظ، يروى عنه أنه قرأ: "ما هذان إلا ساحران"، وفي رواية: "إن ذان إلا ساحران" قال ويستحسن أيضا: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ}؛ لأنه مذهب أكثر القراء وبه يقرأ.
و يصدق قراءة عاصم قرءاة أُبي (ما هذان إِلَّا سَاحِرَانِ) ذكر ذلك الزمخشري في الكشاف، ورُوِيَ أيضاً عنه أنه قرأ: إنْ هَذَان إِلا سَاحِرانِ .
و القراءة الثالثة قَرَأ بها ابْنُ كَثِيرٍ: ”إنْ هَذانِّ“ بِتَخْفِيفِ ”إنَّ“ وتَشْدِيدِ نُونِ ”هَذانِ“ .
ذكر ذلك عنه : ابن مجاهد التميمي البغدادي ، مكي بن أبي طالب القَيْسِي ، أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني ، بن حيان أثير الدين الأندلسي و غيرهم.
و القراءة الرابعة: إنَّ هَذانِ لَساحِرانِ:
- وقرأ بها المدنيون والكوفيون ( عامة الأمصار كما قال ابن جرير) بتشديد ( إن ) .
- وَقَرَأَ بها أَبُو جَعْفَرٍ وَالْحَسَنُ وَشَيْبَةُ وَالْأَعْمَشُ وَطَلْحَةُ وَحُمَيْدٌ وَأَيُّوبُ وَخَلَفٌ فِي اخْتِيَارِهِ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ وَابْنُ عِيسَى الْأَصْبَهَانِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ جُبَيْرٍ الْأَنْطَاكِيُّ وَالْأَخَوَانِ وَالصَّاحِبَانِ مِنَ السَّبْعَةِ ، كما ذكر ابن حيان في تفسيره.
- و قرأ بها نافع وابن عامر وأبو بكر وحمزة والكسائي وأبو جعفر ويعقوب، وافقهم الشنبوذي والحسن كما ذكر أحمد بن محمد بن البناء الدمياطي (في إتحاف فضلاء البشر: 2/248)
القراءة الخامسة: قَرَأ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: (وأسَرُّوا النَّجْوى، أنْ هَذانِ ساحِرانِ) بِفَتْحِ الألِفِ وجَزْمِ نُونِهِ [ و] ساحِرانِ بِغَيْرِ لامٍ.ذكر ذلك الديلمي الفراء و النحاس .
القراءة السادسة: رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: ”ما هَذانِ إلّا ساحِرانِ“، ورُوِيَ عَنْهُ أيْضًا: [ إنْ هَذانِ لَساحِرانِ ] وعَنِ الخَلِيلِ مِثْلُ ذَلِكَ، وعَنْ أُبَيِّ أيْضًا: [ إنْ ذانِ لَساحِرانِ ] ؛ الرازي ، الديلمي الفراء ،وقال عقب ذكرها :فَهَذِهِ هي القِراءاتُ الشّاذَّةُ المَذْكُورَةُ في هَذِهِ الآيَةِ.

و يتبين مما سبق أن هناك ثلاث قراءات عليها مدار الحديث ؛ و هي:((إن هذان لساحران )المخففة من الثقيلة ،و (إنَ هذان لساحران ) بالتشديد، و القراءة التي أثارت الأمر و استحثت العلماء للكلام قراءة (إن هذين لساحران)، و التي قرأ بها ابن عمرو و عيسى ابن يونس و أنكرا قراءة هذان، حتى أن ابن عمرو قال أنه يستحي أن يقرأ ب(هذان) .
بالنظر إلى قراءة إن هذين لساحران :
الإعراب: كما قال السمين الحلبي في الدر المصون: «هذَيْن» اسمُ «إنَّ» وعلامةُ نصبِه الياءُ. و «لَساحِران» خبرُها، ودخَلَتِ اللام توكيداً.
و هي قراءة على الأصل في إعراب المثنى بالياء نصبًا و على إعمال إن المشددة، قال عنها الماوردي والقرطبي: موافقة للإعراب مخالفة للمصحف.
و قال السمين الحلبي (المتوفى: 756هـ) في الدر المصون: وأمَّا قراءةُ أبي عمروٍ فواضحةٌ من حيث الإِعرابُ والمعنى.
المعنى( التفسير) : فإنَّهم أَثْبتوا لهما السحرَ بطريق تأكيديٍّ من طرفيه،( كما قال السمين الحلبي)
وجه الاستشكال:
1- ولكنهم استشكلُوها من حيث خَطُّ المصحفِ.
2- ورود غيرها من القراءات المتواترة.
حجة أبو عمرو و عيسى في اتباع هذه القراءة :
1- احتجا بما رُوي عن عائشة رضي الله عنها أن هناك خطأ في القرآن و ما رويَ عن عثمان أن هناك لحنًا ستقيمه العرب ذكر ذلك عددًا من أهل اللغة و التفسير كالفراء و الزجاج و غيرهم .
2- أن القياس هو أن هذا هو إعراب المثنى،كما قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه الهمذاني النحوي الشافعي (ت ٣٧٠ هـ): لأنّ تثنية المنصوب، والمجرور بالياء فى لغة فصحاء العرب .
*وقد كان يقرأنها كذلك لكن اللفظ في الكتاب كما هو ( هذن دون ألف)، كما قال أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمى البصري (المتوفى: 209هـ -و لعل هذا في المصاحف قبل التنقيط و التشكيل -.
«إنّ هذين لساحران» فى اللفظ وكتب «هذان» كما يزيدون وينقصون فى الكتاب واللفظ صواب، و قال ذلك ابن جرير أيضا في تفسيره.( مجاز القرآن ،ج2/20-23).
قال ابن جرير (310) وحُدثت عن أبي عُبيدة معمر بن المثنى، قال: قال أبو عمرو وعيسى بن عمر ويونس: إن هذين لساحران في اللفظ، وكتب هذان كما يريدون الكتاب، واللفظ صواب
و هي اللغة العالية التي يتكلم بها جماهير العرب كما ذكر محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، أبو منصور ، و قال صاحب الكشاف: قرأ أبو عمرو (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) على الجهة الظاهرة المكشوفة.
قال محمد بن أحمد الموصلي (شعلة) (ت: 656هـ
قال الشاطبي وَهذَيْنِ فِي هذَانِ "حَـ"ـجَّ وَثِقْلُهُ،.. "دَ"نا فَاجْمَعُوا صِلْ وَافْتَحِ الْميمَ "حُـ"ـوَّلا
أي: وقرأ أبو عمرو "إن هذين" بنصب "هذين"؛ لأنه اسم "إن" فهذه قراءة جلية أيضا فلهذا قال: حج؛ أي: غلب في حجته لذلك (إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/373]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفوائد : (وكان أبو عمرو إماما في العربية فقرأ بما يعرف من العربية: [إن هذين لساحران] وقد ذُكر أن له سلفاً في هذه القراءة وهو الظن به: أنه لا يقرأ إلا بما يرويه لا بمجرد ما يراه.\
قال الفراء(207) وقرأ أبو عمرو " إن " بتشديد النون " هذين " بالياء على الأصل و قال ولست أشتهي عَلَى (أن أخالف «8» الكتاب(معاني القرآن، ج2/183-184
و لم يجز الزجاج القراءة بها لمخالفتها رسم المصحف ،لأن اتباعه سنة. ( [معاني القرآن و إعرابه: 3/361،360] .
و قد بين السمين الحلبي في كتابه علوم الكتاب المكنون الاستشكال في رسم المصحف ؛وذلك أنَّ رَسْمَه «هذن» بدونِ ألفٍ ولا ياءٍ، فإثباتُه بالياءِ زيادةٌ على خطِّ المصحفِ ، قال أبو عبيد: «رأيتُهما في الإِمام مصحفِ عثمان» هذن «ليس فيها ألفٌ، وهكذا رأيتُ رفعَ الاثنين في ذلك المصحفِ بإسقاط الألفِ، وإذا كتبوا النصبَ والخفضَ كتبُوه بالياء، ولا يُسْقِطونها» .
قلت: وهذا لا ينبغي أَنْ يُرَدَّ به على أبي عمرو، وكم جاء في الرسم أشياءُ خارجةٌ عن القياسِ، وقد نَصُّوا هم أنه لا يجوزُ القراءةُ بها فليكنْ هذا منها، أعني ممَّا خَرَجَ عن القياس.
فإن قلتَ: ما نَقَلْتَه عن أبي عبيد مشتركُ الإِلزامِ بين أبي عمروٍ وغيرِه، فإنهم كما اعترضوا عليه بزيادةِ الياء يُعْترض عليهم بزيادةِ الألفِ: فإنَّ الألفَ ثابتةٌ في قراءتِهم، ساقطةٌ من خَطِّ المصحفِ. فالجواب ما تقدَّم مِنْ قولِ أبي عبيدٍ أنهم رآهم يُسْقِطون الألفَ مِنْ رفع الاثنين، فإذا كتُبوا النصبَ والخفضَ كتبُوه بالياء.
و يرد على الحجة الأولى تعقب العلماء لأقوال عثمان بن عفان و عائشة رضي الله عنهما بالنقد و التحليل.
الأقوال التي رويت عن عثمان ابن عفان رضي الله عنه :
- أخرج ابن أبي داود في كتاب المصاحب و ابن أشتة كما في الاتقان للسيوطي و ابن مجاهد كما في الانتصار لصحة نقل القرآن للباقلاني بألفاظ متقاربة من طريق عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر القرشي: قد أحسنتم وأجملتم، أرى فيه شيئاً من لحن ستقيمه العرب بألسنتها .
- وأخرج ابن أبي داود والداني في كتابه المقنع والباقلاني في الانتصار لصحة نقل القرآن من طريق عمران بن داور القطان عن قتادة عن نصر بن عاصم الليثي عن عبد الله بن فطيمة عن يحى ابن يعمر عن عثمان مثله.
- و روى مثله ابن مجاهد كما الانتصار لصحة نقل القرآن للباقلاني من طريق أبو عمرو بن العلاء عن قتادة عن عثمان
- أخرج أبو عبيد في كتاب فضائل القرآن و ابن ابي داود في كتاب المصاحف و الداني في كتابه المقنع بألفاظ متقاربة من طريق عكرمة الطائي عن عثمان لو كان المملي من هذيل والكاتب من ثقيف لم يوجد فيه هذا.
و قد عقب أبو عمرو الداني على رواياته في المقنع في رسم مصاحف ما ملخصه بتصرف:
1- حكم الداني عما روى عن عثمان أنه لا تقوم به حجة :
1- لتخليط إسناده و اضطراب ألفاظه و لأن إسناده مرسل فابن يعمر و عكرمة لم يسمعا من عثمان .
2- نكارة المتن في حق عثمان رضي الله عنه وذلك لمكانته في الإسلام و لأنه يُعارض ما قام جمع القرآن بسببه في عهده بإزالة الخلاف و توحيد المصاحف و رسالته لابن مسعود أن يقرأ بحرف قريش و يترك غيره،و كل ذلك لمنع أسباب الخلاف بين المسلمين في القرآن ، كما أن مثل هذا القول يكون سببًا في الطعن فيمن جمع و فيمن نقل ، فكيف يترك فيه لحنًا رآه؟
و قد أول الداني ما رواه عن عثمان رضي الله عنه إن صح أنه المراد التلاوة دون الرسم.
و ووجه أبو عمرو الداني قول عثمان رضي الله عنه في آخر هذا الخبر لو كان الكتاب من ثقيف والمملي من هذيل لم توجد هذه الحروف فقال: معناه أي توجد فيه مرسومة بتلك الصور المبنية على المعاني دون الالفاظ المخالفة لذلك اذ كانت قريش ومن ولي نَسْخ المصاحف من غيرها قد استعملوا ذلك في كثير من الكتابة وسلكوا فيها تلك الطريقة ولم تكن ثقيف وهذيل مع فصاحتهما يستعملان ذلك فلو انهما وليتا من امر المصاحف ما وليه من تقدم من المهاجرين والانصار لرستما جميع تلك الحروف على حال استقرارها في اللفظ ووجدها في المنطق دون المعاني والوجوه اذ ذلك هو المعهود عندهما والذي جرى عليه استعمالها هذا تأويل قول عثمان عندي لو ثبت وجاء مجيء الحجّة وبالله التوفيق.
و هذه الأسباب مما اتفق عليها إجمالًا و تفصيلًا علماء اللغة و علماء القراءات و التفسير.
و من أمثلة ذلك:
- أن ا بن خالويه الهمذاني أرجع معنى لحنًا في ما روي عن عثمان أنه الخروج من لغة إلى لغة. فقول عثمان:نجد فى مصاحفكم لحنا، لم يرد اللّحن الذى لا يجوز البتّة، ولكنّه أراد الخروج من لغة إلى لغة؛ لأنّ القرآن نزل بلغة قريش، لا بلغة بلحرث بن كعب. ألم تسمع أنّ عمر بن الخطّاب رضى الله عنه بلغه أنّ ابن مسعود يقرئ الناس بلغة هذيل «عتّى حين» بالعين فكتب إليه: أمّا بعد، فإذا ورد عليك كتابى فأقرئ النّاس بلغة هذا الحىّ من قريش. وكلّ قد ذهب مذهبا، والحمد لله واجتهدوا.
- و عزى علم الدين علي بن محمد السخاوي قول أبو عمرو: «ما وجدت في القرآن لحنا غير {إن هذن} و{أكن من الصلحين}» ، أنه من الظن ، كما أنه يرى أن الرواية عن عثمان غير ثابتة و متنها لا يليق بمثل عمر.». فتح الوصيد: 2/1102
و قال ابن تيمية في مجموع الفوائد: قَالَ الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِهِ: {الْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ} قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ خَطَأٌ - بَعِيدٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ الَّذِينَ جَمَعُوا الْقُرْآنَ هُمْ أَهْلُ اللُّغَةِ وَالْقُدْوَةُ فَكَيْفَ يَتْرُكُونَ شَيْئًا يُصْلِحُهُ غَيْرُهُمْ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْسَبَ هَذَا إلَيْهِمْ وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: حَدِيثُ عُثْمَانَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّصِلٍ وَمُحَالٍ أَنْ يُؤَخِّرَ عُثْمَانُ شَيْئًا لِيُصْلِحَهُ مَنْ بَعْدَهُ. قُلْت: وَمِمَّا يُبَيِّنُ كَذِبَ ذَلِكَ: أَنَّ عُثْمَانَ لَوْ قُدِّرَ ذَلِكَ فِيهِ فَإِنَّمَا رَأَى ذَلِكَ فِي نُسْخَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ جَمِيعُ الْمَصَاحِفِ اتَّفَقَتْ عَلَى الْغَلَطِ وَعُثْمَانُ قَدْ رَآهُ فِي جَمِيعِهَا وَسَكَتَ: فَهَذَا مُمْتَنِعٌ عَادَةً وَشَرْعًا: مِنْ الَّذِينَ كَتَبُوا وَمِنْ عُثْمَانَ ثُمَّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ وَصَلَتْ إلَيْهِمْ الْمَصَاحِفُ وَرَأَوْا مَا فِيهَا وَهُمْ يَحْفَظُونَ الْقُرْآنَ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ فِيهِ لَحْنًا.
- و قال السيوطي في الاتقان: وَلَعَلَّ مَنْ رَوَى تِلْكَ الْآثَارَ السَّابِقَةَ عَنْهُ حَرَّفَهَا وَلَمْ يُتْقِنِ اللَّفْظَ الَّذِي صَدَرَ عَنْ عُثْمَانَ فَلَزِمَ مِنْهُ مَا لَزِمَ مِنَ الْإِشْكَالِ فَهَذَا أَقْوَى مَا يُجَابُ عَنْ ذَلِكَ. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
الأقوال عن عائشة رضي الله عنها :
- روى أبو عبيد وسعيد بن منصور وابن جرير من طريق أبي معاوية عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: سألتُ عائشة عن لَحْنِ القرآن: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون}، {والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة}، و{إن هذان لساحران}؛ فقالت: «يا ابن أختي، هذا عَمَلُ الكُتَّاب، أخطأوا في الكِتَاب».
ورواه عمر بن شبّة من طريق علي بن مسهر عن هشام بن عروة عن أبيه، قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن لحن القرآن: إن هذان لساحران، وقوله: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى} ، {والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة}، وأشباه ذلك فقالت: «أي بني إنَّ الكتاب يخطئون»
قال أبو عمرو الداني في كتابه حدثنا الخاقاني قال حدثنا احمد بن محمد قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا أبو عبيد قال حدثنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أَبيه قال سأَلتُ عائشة رضي الله عنها عن لحن اُلقرآن عن قول الله عز وجل " إن هذين لسحرن " وعن قوله " والمقيمين اُلصلوة والمؤتون الزكوة " وعن قوله تبارك وتعلى " اِنّ الذين ءامنوا والذين هادوا..والصبئون " فقالت ياابن اختي عمل الكتاب اخطئوا في الكتاب
و قد تأول الداني هذه الرواية فقال: تأويله ظاهر وذلك إن عروة لم يسأل عائشة فيه عن حروف الرسم التي تزاد فيها لمعنى وتنقصى منها لأخر تأكيداً للبيان وطلبا للخفّة وانما سأله فيه عن حروف من القراءة المختلفة الالفاظ المحتملة الوجوه على اختلاف اللغات التي اذن الله عز وجل لنبيّه عليه السلام ولاُمّته في القراءة بها.
و قال: كذلك الخطأ على جهة الاتّساع في الاخبار وطريق المجاز في العبارة اذ كان ذلك مخالفا لمذهبهما وخارجا عن اختيارهما وكان الأوجه والأولى عندهما الأكثر والافشى لديهما لا على وجه الحقيقية والتحصيل والقطع.
و قال: على إن أم المؤمنين رضي الله عنها مع عظيم محلّها وجليل قدرها واتّساع علمها ومعرفتها بلغة قومها لّحنت الصحابة وخطأت الكتبة وموضعهم من الفصاحة والعلم باللغة موضهم الذي لا يجهل ولا ينكر هذا مالا يسوغ ولا يجوز. .( في كتابه المقنع 120-122)
-و قال السمين الحلبي في تأويل ما نقل عن عائشة رضي الله عنها و غيرها : يَعْنُون أنه كان مِنْ حقه أن يكتبَه بالياءِ فلم يفعلْ، فلم يقرَأْه الناسُ إلاَّ بالياءِ على الصوابِ.
-قال السيوطي في الاتقان: أَمَّا الْجَوَابُ بِالتَّضْعِيفِ فَلِأَنَّ إِسْنَادَهُ صَحِيحٌ كَمَا تَرَى وَأَمَّا الْجَوَابُ بِالرَّمْزِ وَمَا بَعْدَهُ فَلِأَنَّ سُؤَالَ عُرْوَةَ عَنِ الأحرف المذكور لَا يُطَابِقُهُ فَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ ابْنُ أُشْتَةَ وَتَبِعَهُ ابْنُ جُبَارَةَ فِي شَرْحِ الرَّائِيَةِ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهَا " أَخْطَئُوا " أَيْ فِي اخْتِيَارِ الْأَوْلَى مِنَ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ لِجَمْعِ النَّاسِ عَلَيْهِ لَا أَنَّ الَّذِي كَتَبُوا مِنْ ذَلِكَ خَطَأٌ لَا يَجُوزُ. قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَالَا يَجُوزُ مَرْدُودٌ بِإِجْمَاعٍ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَإِنْ طَالَتْ مُدَّةُ وُقُوعِهِ. قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: لَحْنٌ مِنَ الْكَاتِبِ فَيَعْنِي بِاللَّحْنِ الْقِرَاءَةَ وَاللُّغَةَ يَعْنِي أَنَّهَا لُغَةُ الَّذِي كَتَبَهَا وَقِرَاءَتُهُ وَفِيهَا قِرَاءَةٌ أُخْرَى.
-و قالَ الجَلالُ السُّيُوطِيُّ في الإتقان : وهَذا مُشْكِلٌ جِدًّا إذْ كَيْفَ يُظَنُّ بِالصَّحابَةِ أوَّلًا أنَّهم يَلْحَنُونَ في الكَلامِ فَضْلًا عَنِ القُرْآنِ وهُمُ الفُصَحاءُ اللَّدُّ، ثُمَّ كَيْفَ يُظَنُّ بِهِمْ ثانِيًا الغَلَطُ في القُرْآنِ الَّذِي تَلَقَّوْهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ كَما أنْزِلُ ولَمْ يَأْلُوا جُهْدًا في حِفْظِهِ وضَبْطِهِ وإتْقانِهِ، ثُمَّ كَيْفَ يُظَنُّ بِهِمْ ثالِثًا اجْتِماعُهم كُلُّهم عَلى الخَطَأِ وكِتابَتِهِ، ثُمَّ كَيْفَ يُظَنُّ بِهِمْ رابِعًا عَدَمُ تَنَبُّهِهِمْ ورُجُوعِهِمْ عَنْهُ، ثُمَّ كَيْفَ يُظَنُّ خامِسًا الِاسْتِمْرارُ عَلى الخُطا وهو مَرْوِيٌّ بِالتَّواتُرِ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ ولَوْ ساغَ مِثْلَ ذَلِكَ لارْتَفَعَ الوُثُوقُ بِالقُرْآنِ.
قال الشيخ عبد العزيز الداخل في دورة جمع القرآن : هذا الأثر إسناده في ظاهره صحيح، فقد رواه عن هشام بن عروة رجلان هما: أبو معاوية محمد بن خازم الضرير، وعلي بن مسهر؛ فبرئت عهدة أبي معاوية من التفرّد به كما أعلّه به بعضهم، وإن كان أبو معاوية قد انتقد بسبب اضطراب بعض حديثه، لكنّه قد توبع في هذا الأثر، وتابَعَه ثقة ثبت وهو علي بن مسهر
ومتنه منكر جداً، يبعد أن يصدر عن مثل عائشة رضي الله عنها، وهي تقرأ هذه الآيات كما يقرؤها المسلمون، وتعلم أنَّ الأصل في القراءة الرواية مشافهة، وتعلم أيضاً أنّ كتابة المصاحف كانت عن إجماع من الصحابة رضي الله عنهم، وأن الذين انتدبوا لكتابته ومراجعته جماعة يستحيل تواطؤهم على الخطأ واللحن.
و قال : من رووا هذا الحديث عن هشام عراقيّان، وحديث العراقيين عن هشام بن عروة متكلّم فيه.
وقال :قال يعقوب بن شيبة: (هشام ثبت لم ينكر عليه إلا بعد ما صار إلى العراق، فإنه انبسط في الرواية، وأرسل عن أبيه بما كان سمعه من غير أبيه عن أبيه
و قال هذا الحديث مما أخطأ فيه هشام بن عروة؛ فرواه عن أبيه من غير ذكر الواسطة.
وهذه العلّة مع نكارة المتن كافية في ردّه.
وعلى فرض صحة المنسوب إلى عائشة رضي الله عنها فالجواب عنه أن تخطئتها للكتّاب اجتهاد منها إذْ تركوا القراءة التي كانت تقرأ بها وتعرفها واختاروا غيرها، وقولهم مقدّم على قولها في ذلك، لكثرتهم واجتماعهم وشدّة عنايتهم بالقراءة والإقراء.
و للخروج من هذا الاشكال قال السيوطي أن ابن اشتة َّ أَخْرَجَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} و " إِنْ هَذَيْنِ لَسَاحِرَانِ " سَوَاءٌ لَعَلَّهُمْ كَتَبُوا الْأَلِفَ مَكَانَ الْيَاءِ وَالْوَاوَ فِي قَوْلِهِ: {وَالصَّابِئُونَ} مَكَانَ الْيَاءِ قَالَ ابْنُ أُشْتَةَ: يَعْنِي أَنَّهُ مِنْ إِبْدَالِ حَرْفٍ فِي الْكِتَابِ بحرف مثل الصلاة والزكاة والحياة.
-و رد السيوطي هذا الرأي فقال: هَذَا الْجَوَابُ إِنَّمَا يَحْسُنُ لَوْ كَانَتِ الْقِرَاءَةُ بِالْيَاءِ فِيهَا وَالْكِتَابَةُ بِخِلَافِهَا وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ عَلَى مُقْتَضَى الرَّسْمِ فَلَا وَقَدْ تَكَلَّمَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى هَذِهِ الْأَحْرُفِ وَوَجَّهُوهَا عَلَى أَحْسَنِ تَوْجِيهٍ
<<
 -قال الألوسي في روح المعاني بعدما ذكر ما قاله السيوطي و رأي الأنباري في تضعييف الروايات : والَّذِي أجْنَحُ أنا إلَيْهِ والعاصِمُ هو اللَّهُ تَعالى تَضْعِيفُ جَمِيعِ ما ورَدَ مِمّا فِيهِ طَعْنٌ بِالمُتَواتِرِ ولَمْ يَقْبَلْ تَأْوِيلًا يَنْشَرِحُ لَهُ الصَّدْرُ ويَقْبَلُهُ الذَّوْقُ وإنْ صَحَّحَهُ مَن صَحَّحَهُ. والطَّعْنُ في الرُّواةِ أهْوَنُ بِكَثِيرٍ مِنَ الطَّعْنِ بِالأئِمَّةِ الَّذِينَ تَلَقَّوُا القُرْآنَ العَظِيمَ الَّذِي وصَلَ إلَيْنا بِالتَّواتُرِ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ ولَمْ يَأْلُوا جُهْدًا في إتْقانِهِ وحِفْظِهِ.
وقَدْ ذَكَرَ أهْلُ المُصْطَلَحِ أنَّ مِمّا يُدْرَكُ بِهِ وضْعُ الخَبَرِ ما يُؤْخَذُ مِن حالِ المَرْوِيِّ كَأنْ يَكُونَ مُناقِضًا لِنَصِّ القُرْآنِ أوِ السُّنَّةِ المُتَواتِرَةِ أوِ الإجْماعِ القَطْعِيِّ أوْ صَرِيحِ العَقْلِ حَيْثُ لا يَقْبَلْ شَيْءٌ مِن ذَلِكَ التَّأْوِيلَ أوْ لَمْ يَحْتَمِلْ سُقُوطَ شَيْءٍ مِنهُ يَزُولُ بِهِ المَحْذُورُ فَلَوْ قالَ قائِلٌ بِوَضْعِ بَعْضِ هاتِيكَ الأخْبارِ لَمْ يَبْعُدْ، واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ. ( روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المؤلف:8/ 533- 536).
و مما سبق يتيبن أن لا حجة لأبو عمرو و عيسى فيما بنوا عليه اعتقادهم بوجود خطأ في القرآن ، ترتب عليه إنكارهم ما عليه رسم المصحف.
و الرد على حجة أبو عمرو البصري و عيسى في انكار القراءة بالقراءات التي فيها( هذان) بالألف نشرع في بيان هذه القراءات و أوجهها و مدى موافقتها للعربية، و فيها الرد الوافي على أبو عمرو و عيسى .
2- القراءة ( إن هذان لساحران) بسكون نون إن و ألف هذان و إن هذان لساحران ؛ بسكون النون و ألف هذان و تشديد نون ساحران:
الإعراب على قولين:
1- القول الأول : إن بمعنى ما ( ما هذان إلا ساحران)، ونافية واللام بمعنى (إلا) عند الكوفيين نحو: {إن نظنك لمن الكاذبين} [الشعراء: 186] ، ذكر ذلك : محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، أبو منصور ، محمد بن أحمد الموصلي ، أبو شامة الدمشقي، السخاوي.
و هذه اللغة هي لغة صحيحة عبر عن هذا الأمر أبو منصور الأزهري فقال :وهذا صحيح في المعنى، وفي كلام العرب.
عبر ابن حيان و السمين عن هذا التقدير ب( الكوفيين يزعمون)، و قال السمين وهو خلافٌ مشهورٌ وقد وافقَ تخريجُهم هنا قراءةَ بعضِهم «ما هذانِ إلاَّ ساحران.
و قال السيوطي في الاتقان : أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ " إِنْ " فَهُوَ إِنْكَارٌ.
قال الألوسي : قالَ الكُوفِيُّونَ: إنْ نافِيَةٌ واللّامُ بِمَعْنى إلّا أيْ ما هَذانِ إلّا ساحِرانِ. ويُؤَيِّدُهُ أنَّهُ قُرِئَ كَذَلِكَ. وفي رِوايَةٍ عَنْ أُبَيٍّ أنَّهُ قُرى ( إنْ هَذانِ إلّا ساحِرانِ ) . وقُرِئَ ( إنْ ذانِ ) بِدُونِ هاءِ التَّنْبِيهِ ( إلّا ساحِرانِ ) . وعَزاها ابْنُ خالَوَيْهِ إلى عَبْدِ اللَّهِ وبَعْضُهم إلى أُبَيٍّ وهي تُؤَيِّدُ ذَلِكَ أيْضًا. وقُرِئَ ( إنْ ذانِ لَساحِرانِ ) بِإسْقاطِ هاءِ التَّنْبِيهِ فَقَطْ.
المعنى: توكيد كونهما ساحران ( الاستثناء بعد النفي يفيد التوكيد و قصر الصفة )
القول الثاني: {إن} مخففة من الثقيلة ألغيت من العمل، و اللام فارقة بينها و بين التي تكون في معنى ما ؛ و ذلك عند البصريين كما ذكر السخاوي و الموصلي .
و قال الأخفش الأوسط، و ابن جرير: وهي لغة لقوم يرفعون بها، ويدخلون اللام ليفرقوا بينها وبين التي تكون في معنى ما.
 قال الزجاج في معاني القرآن و إعرابه(311) : روي عن الخليل: "إن هذان لساحران" بالتخفيف، قال: والإجماع أنه لم يكن أحد بالنحو أعلم من الخليل.
قال مكي القيسي (المتوفى: 437هـ) : فَهِيَ قِرَاءَة حَسَنَة لِأَنَّهُ أصلح الاعراب وَلم يُخَالف الْخط.
و استحسن تقدير الكوفيين أن لا بمعنى إلا فقال عنه( فَهُوَ من أحسن شَيْء لأَنهم يقدرُونَ إِن الْخَفِيفَة بِمَعْنى مَا وَاللَّام بِمَعْنى إِلَّا فتقدير الْكَلَام مَا هَذَانِ إِلَّا ساحران فَلَا خلل فِي هَذَا التَّقْدِير إِلّا َ مَا ادعوهُ أَن اللَّام تَأتي بِمَعْنى إِلَّا (إعراب القراءات السبع وعللها، 2/466).
المعنى: توكيد خبر أنهما ساحران
و توجيه قراءة ابن كثير بتشديد نون هاذان على أوجه هي:
- الوجه الأول قاله الموصلي(235) للدلالة على بعد المشار إليهما .
-قال ابن زنجلة(403) في كتابه حجة القراءات(وقرأ ابن كثير {إن} بالتخفيف {هذان} بالتشديد و {إن} تكون أيضا بمعنى ما والأ في هذان هذا ان فحذف الألف وجعل التشديد عوضا من الألف المحذوفة التي كانت في هذا ومن العرب من إذا حذف عوض ومنهم من إذا حذف لم يعوض فمن عوض آثر تمام الكلمة ومن لم يعوض آثر التخفيف ومثل ذلك في تصغير مغتسل منهم من يقول مغيسل فلم يعوض ومنهم من يقول مغيسيل فعوض من التاء ياء.( 456)
و الوجه الثالث:قاله الألوسي (المتوفى: 1270هـ):قال هو عَلى خِلافِ القِياسِ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الأسْماءِ المُتَمَكِّنَةِ وغَيْرِها.
عبر عنها أبو منصور الأزهري فقال : وتشديد النون من (هذانِّ) لغة معروفة، وقُرِئ (فَذَانِّكَ بُرهَانَانِ) على هذه اللغة.
و قد وصف أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل الدمشقي قراءة حفص و ابن كثير بأنها قراءة واضحة جيدة غير محوجة إلى تكلف في تأويل رفع هذان بعدها.
و وصف السمين الحلبي في كتابه و الدمياطي: قراءةُ ابنِ كثير وحفص أنها أوضحُ القراءاتِ معنىً ولفظاً وخَطَّاً.
و أضاف السمين :وافَقَتْ خَطَّ المصحفِ؛ فإن الرسم «هذن» بدونِ ألفٍ ولا ياءٍ.
و هذا الإعراب يحتاج لبيان :
• وجه تخفيف إن و تركها العمل:
- قال فخر الدين الرازي (٦٠٦ هـ):
أمّا اللُّغَةُ الظّاهِرَةُ وهي تَرْكُ إعْمالِ ”إنِ“ الخَفِيفَةِ دالَّةٌ عَلى أنَّ الشَّبَهَ اللَّفْظِيَّ في ”إنَّ“ الثَّقِيلَةِ أحَدُ جُزْأيِ العِلَّةِ في حَقِّ عَمَلِها وعِنْدَ الخِفَّةِ زالَ الشَّبَهُ فَلَمْ تَعْمَلْ بِخِلافِ السُّكُونِ فَإنَّهُ عامِلٌ بِمَعْناهُ لِكَوْنِهِ فِعْلًا مَحْضًا ولا عِبْرَةَ لِلَفْظِهِ ( للاستزادة في تفصيل القاعدة يُرجع لتفسير الرازي ).
- و قال ابن حيان أثير الدين الأندلسي و السمين الحلبي :أن إن إذا خففت جاز أن لا تعمل النصب في الاسم( تُهمل) نحو: {وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ}، {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا}، ويرتفع ما بعدها على الابتداء والخبر، واللام في الخبر هي الفارقة بين المخففة من الثقيلة وبين النافية؛ هذه عبارة البصريين في كل ما جاء من هذا القبيل نحو: {وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ}، {وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} و عبر السمين عن هذا الوجه(ولَمَّا أُهْمِلَتْ كما هو الأفصحُ مِنْ وجهيها خِيْفَ التباسُها بالنافية فجيء باللامِ فارقةً في الخبر.
وقال أحمد بن محمد بن البناء الدمياطي : و مبينًا أن دخول لام الابتداء أو دخول إلا هو مما يُجَوز تخفيف نون إن و إسكانها.( مجاز القرآن ،ج2/20-23) بتصرف.
- و الاعتراض على هذا الإعراب بسبب أن دُخُول اللَّام فِي الْخَبَر يَعْتَرِضهُ على مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ لِأَنَّهُ يقدر أَنَّهَا المخففة من الثَّقِيلَة ارْتَفع مَا بعْدهَا بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر لنَقص بنائها فَرجع مَا بعْدهَا الى أَصله وَاللَّام لَا تدخل فِي خبر ابْتِدَاء أَتَى على أصلة إِلَّا فِي شعر، ذكره ابن خالويه في كتابه إعراب القراءات السبعة و عللها و أجاب عليه فقال : أنّ من العرب من يدخل لام التّأكيد فى خبر المبتدأ، فيقول زيد لأخوك. وهى لغة مستقيمة، قال الشّاعر : -
خالى لأنت ومن جرير خاله ... ينل العلاء ويكرم الأخوالا
وقال آخر:
أمّ الحليس لعجوز شهربه ... ترضى من اللّحم بعظم الرّقبه
و أضاف أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان أثير الدين الأندلسي وجهًا آخرًا فقال: بِأنَّها دَخَلَتْ بَعْدَ إنْ هَذِهِ لِشَبَهِها بِإنَّ المُؤَكِّدَةِ لَفْظًا كَما زِيدَتْ إنْ بَعْدَ ما المَصْدَرِيَّةِ لِمُشابَهَتِها لِلنّافِيَةِ في قَوْلِهِ:
ورَجِّ الفَتى لِلْخَيْرِ ما إنْ رَأيْتَهُ ∗∗∗ عَلى السِّنِّ خَيْرًا لا يَزالُ يَزِيدُ

- قال محمد الطاهر بن عاشور (1393 هـ :
وقَرَأهُ حَفْصٌ بِكَسْرِ الهَمْزَةِ وتَخْفِيفِ نُونِ (إنْ) مُسَكَّنَةً عَلى أنَّها مُخَفَّفَةُ (إنَّ) المُشَدَّدَةِ. ووَجْهُ ذَلِكَ أنْ يَكُونَ اسْمُ (إنِ) المُخَفَّفَةِ ضَمِيرَ شَأْنٍ مَحْذُوفًا عَلى المَشْهُورِ. وتَكُونُ اللّامُ في (﴿لَساحِرانِ﴾) اللّامَ الفارِقَةَ بَيْنَ (إنِ) المُخَفَّفَةِ وبَيْنَ (إنِ) النّافِيَةِ.
القراءة الثالثة: على القراءة المشهورة: إنَ هذان لساحران ، بتشديد النون
قال القرطبي (671) في تفسيره : وافقوا المصحف وخالفوا الإعراب - و هذا ظاهرًا و على القياس فقد بين كثير من العلماء أن هذه القراءة لها أوجه إعرابية توافق اللغة و ليست منكرة كما ذكر أبو عمرو و عيسى .
اختلفت الوجوه التي قالها العلماء منهم من ذكر أنهم ثلاثة و منهم من قال أنهم ستة و منهم من ذكر توجيهات دون أخرى و نجمعهم بإذن الله هنا ) :
1- القول الأول أن يكون إن بمعنى نعم:
- المعنى :
1- نعم هذانِ لهُما سَاحِران، قاله الزجاج( 311) ، و يكن إعرابه: هذان مبتدأ و ساحران خبر لمبتدأ محذوف تقديره هما.
قال ابن زنجلة(403)في كتابه حجة القراءات ( قال قطرب يجوز أن يكون المعنى أجل فيكون المعنى والله أعلم {فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى} قالوا أجل تصديقا من بعضهم لبعض ثم قالوا {هذان لساحران} ويجوز أن يكون اللام داخلة في الخبر على التوكيدئ( ٤٥٥)
- 2- نعم هذان لساحران ؛ فيكونا مبتدأ و خبر؛ قاله المبرد و إسماعيل القاضي ،ذكر ذلك عنهم ابن خالويه.
وقال عنه الزجاج :أجود ما سمعت في هذا: أن (إن) وقعت موقع (نَعْم) ، وأن اللام وقعت موقعها، قال: والذي سلى هذا في الجودة مذهب بني كِنَانة في ترك ألف التثنية على هيئة واحد
كما حكى الكسائي عن عاصم قال العرب: تأتي بإن بمعنى نعم، وحكى سيبويه: أن «إن» تأتي بمعنى أجل ، وإلى هذا القول كان محمد بن يزيد وإسماعيل بن إسحاق يذهبان ، ذكر ذلك النحاس في كتابه إعراب القرآن.
قال بشر بن هلال: أن إن هنا تكون بمعنى الابتداء و الإيجاب ؛فتعمل فيما يليها و لا تعمل فيما بعدها ( ترفع الخبر ) ذكر ذلك عنه أبو عبيدة المثني، وقال هذا من المجاز الذي يؤيده قول العرب ، و ألا ترى أنهم يرفعون المشرك و استدل بأشعار من أقوال العرب منها :
فمن يك أمسى بالمدينة رحله ... فإنّى وقيّار بها لغريب (مجاز القرآن ،ج2/20-23)
و مما يُستدل به على صحة هذه القراءة ما ذكره أبو عبيدة المثني عن رفع الملائكة على شركة الابتداء في «إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ» ولا يعملون فيها «إن» ، و ما نسبه إلى الفصحاء من المحرمين قولهم: إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك «.( مجاز القرآن ،ج2/20-23)
و ذكر مثل هذا الاستشهاد أبو جعفر النحاس( 338) حيث أخرج عن لي بن أبي طالب رضي الله عنه. قال: لا أحصي كم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على منبره يقول: «إن الحمد لله نحمده ونستعينه ثم يقول: أنا أفصح قريش كلها وأفصحها بعدي أبان بن سعيد بن العاص» ، و هو ما استشهد به علم الدين علي بن محمد السخاوي (ت: 643هـ( فتح الوصيد) و قال : هذا أوضح دليل على صحة هذه القراءة.
و قال أبو عبيدة المثني: قال عمير: إعرابه عند أهل العربية في النحو إن الحمد لله بالنصب إلا أن العرب تجعل «إن» في معنى نعم كأنه أراد: نعم الحمد لله، وذلك أن خطباء الجاهلية كانت تفتتح في خطبتها بنعم.
و بنا على ما ذُكِر من لغة العرب جَوز النحاس هذا التقدير و استدرك عليه بما يُستشكل فيه فقال :أن هذا القول أحسن إلا أن فيه شيئا لأنه إنما قال: إنما يقال: نعم زيد خارج، ولا يكاد يقع اللام هاهنا، وإن كان النحويون قد تكلموا في ذلك فقالوا: اللام ينوى بها التقديم.
و قد قال ابن الحاجب في "الأمالي": "إنْ" بمعنى "نعم": شاذ ،ذكر ذلك عنه الطيببي قال شرف الدين الحسين بن عبد الله الطيبي (المتوفى: 743 هـ):
و مما عورض به هذا القول:
1- عدمُ ثبوتِ «إنَّ» بمعنى نعم أو ندرة وروده.
2- دخولُ اللامِ على خبرِ المبتدأ غيرِ المؤكَّد ب «إنَّ» المكسورةِ، لأَنَّ مثلَه لا يقعُ إلاَّ ضرورةً رأى مكي القيسي ( 437) أن هذا القول َفِيه بعد لدُخُول اللَّام فِي الْخَبَر وَذَلِكَ لَا يكون الا فِي شعر كَقَوْلِه ... أم الْحُلَيْس لعجوز شهر بِهِ ... ترْضى من اللَّحْم بِعظم الرقبه ...
وَكَانَ وَجه الْكَلَام لأم الْحُلَيْس عَجُوز وَكَذَلِكَ كَانَ وَجه الْكَلَام فِي الْآيَة ان حملت ان على معنى نعم إِن لهذان ساحران كَمَا تَقول نعم لهذان ساحران وَنعم لمُحَمد رَسُول الله وَفِي تَأَخّر اللَّام مَعَ لفظ ان بعض الْقُوَّة على نعم.
3- و من الاعتراضات أيضًا سياق الكلام.
و الرد على الاعتراض الأول و الثاني مترابط و ممن فصل في الرد على هذا الاعتراض فخر الدين الرازي و الالوسي:
فذكرا وجه الاعتراض قائلاً: اللّامُ لا تَدْخُلُ في الخَبَرِ عَلى الِاسْتِحْسانِ إلّا إذا كانَتْ ”إنَّ“ داخِلَةً في المُبْتَدَأِ، فَأمّا إذا لَمْ تَدْخُلْ ”إنَّ“ عَلى المُبْتَدَأِ فَمَحَلُّ اللّامِ المُبْتَدَأُ إذْ يُقالُ: لَزَيْدٌ أعْلَمُ مِن عَمْرٍو، ولا يُقالُ: زَيْدٌ لَأعْلَمُ مِن عَمْرٍو.
و الرد على هذا الاعتراض هو الرد على كل من رد هذا التقدير و خاصة الفارسي و ابن الجني.
ذكر كلًا من الرازي في تفسيره و الطيبي في حاشية الكشاف تفصيلًا لاعتراضات على أبو علي الفارسي في الإغفال و تلميذه ابْنُ جِنِّي على قول الزجاج، و هي من وجوه:
الوَجْهُ الأوَّلُ: أنَّ الأصْلَ أنَّ المُبْتَدَأ إنَّما يَجُوزُ حَذْفُهُ لَوْ كانَ أمْرًا مَعْلُومًا جَلِيًّا ولَوْلا ذَلِكَ لَكانَ في حَذْفِهِ مَعَ الجَهْلِ بِهِ ضَرْبٌ مِن تَكْلِيفِ عِلْمِ الغَيْبِ لِلْمُخاطَبِ، وإذا كانَ مَعْرُوفًا فَقَدِ اسْتَغْنى بِمَعْرِفَتِهِ عَنْ تَأْكِيدِهِ بِاللّامِ لِأنَّ التَّأْكِيدَ إنَّما يَحْتاجُ إلَيْهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنِ العِلْمُ بِهِ حاصِلًا.
الوَجْهُ الثّانِي: أنَّ الحَذْفَ مِن بابِ الِاخْتِصارِ، والتَّأْكِيدَ مِن بابِ الإطْنابِ، فالجَمْعُ بَيْنَهُما غَيْرُ جائِزٍ، ولِأنَّ ذِكْرَ المُؤَكَّدِ وحَذْفَ التَّأْكِيدِ أحْسَنُ في العُقُولِ مِنَ العَكْسِ.
الوَجْهُ الثّالِثُ: امْتِناعُ أصْحابِنا البَصْرِيِّينَ مِن تَأْكِيدِ الضَّمِيرِ المَحْذُوفِ العائِدِ عَلى المُبْتَدَأِ في نَحْوِ قَوْلِكَ: زَيْدٌ ضَرَبْتُ فَلا يُجِيزُونَ: زَيْدٌ ضَرَبْتُ نَفْسَهُ، عَلى أنْ يُجْعَلَ النَّفْسُ تَوْكِيدًا لِلْهاءِ المُؤَكِّدَةِ المُقَدَّرَةِ في ”ضَرَبْتُ“ أيْ ضَرَبْتُهُ؛ لِأنَّ الحَذْفَ لا يَكُونُ إلّا بَعْدَ التَّحْقِيقِ والعِلْمِ بِهِ، وإذا كانَ كَذَلِكَ فَقَدِ اسْتَغْنى عَنْ تَأْكِيدِهِ فَكَذا هَهُنا.
الوَجْهُ الرّابِعُ: أنَّ جَمِيعَ النَّحْوِيِّينَ حَمَلُوا قَوْلَ الشّاعِرِ:
أمُّ الحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ
عَلى أنَّ الشّاعِرَ أدْخَلَ اللّامَ عَلى الخَبَرِ ضَرُورَةً ولَوْ كانَ ما ذَهَبَ إلَيْهِ الزَّجّاجُ جائِزًا لَما عَدَلَ عَنْهُ النَّحْوِيُّونَ، ولَما حَمَلُوا الكَلامَ عَلَيْهِ عَلى الِاضْطِرارِ إذا وجَدُوا لَهُ وجْهًا ظاهِرًا.
ويُمْكِنُ الجَوابُ عَنِ اعْتِراضِ ابْنِ جِنِّي
1- بِأنَّهُ إنَّما حَسُنَ حَذْفُ المُبْتَدَأِ لِأنَّ في اللَّفْظِ ما يَدُلُّ عَلَيْهِ وهو قَوْلُهُ: ”هَذانِ“ أمّا لَوْ حُذِفَ التَّأْكِيدُ فَلَيْسَ في اللَّفْظِ ما يَدُلُّ عَلَيْهِ، فَلا جَرَمَ كانَ حَذْفُ المُبْتَدَأِ أوْلى مِن حَذْفِ التَّأْكِيدِ،
2- وأمّا امْتِناعُهم مِن تَأْكِيدِ الضَّمِيرِ في قَوْلِهِمْ: زَيْدٌ ضَرَبْتُ نَفْسَهُ، فَذاكَ إنَّما كانَ لِأنَّ إسْنادَ الفِعْلِ إلى المُظْهَرِ أوْلى مِن إسْنادِهِ إلى المُضْمَرِ، فَإذا قالَ: زَيْدٌ ضَرَبْتُ نَفْسَهُ كانَ قَوْلُهُ: ”نَفْسَهُ“ مَفْعُولًا، فَلا يُمْكِنُ جَعْلُهُ تَأْكِيدًا لِلضَّمِيرِ، فَتَأْكِيدُ المَحْذُوفِ إنَّما امْتَنَعَ هَهُنا لِهَذِهِ العِلَّةِ، لا لِأنَّ تَأْكِيدَ المَحْذُوفِ مُطْلَقًا مُمْتَنِعٌ،
3- وأمّا قَوْلُهُ: النَّحْوِيُّونَ حَمَلُوا قَوْلَ الشّاعِرِ:
أمُّ الحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ
عَلى أنَّ الشّاعِرَ أدْخَلَ اللّامَ عَلى الخَبَرِ ضَرُورَةً، فَلَوْ جازَ ما قالَهُ الزَّجّاجُ لَما عَدَلَ عَنْهُ النَّحْوِيُّونَ، فَهَذا اعْتِراضٌ في نِهايَةِ السُّقُوطِ؛ لِأنَّ ذُهُولَ المُتَقَدِّمِينَ عَنْ هَذا الوَجْهِ لا يَقْتَضِي كَوْنَهُ باطِلًا، فَما أكْثَرَ ما ذَهَلَ المُتَقَدِّمُ عَنْهُ وأدْرَكَهُ المُتَأخِّرُ فَهَذا تَمامُ الكَلامِ في شَرْحِ هَذا.
و ختم الطيبي رده ب(وكفى بدخول اللام شاهد صدقٍ، ما روي عن أفصح من نطق بالضاد من قوله: "أغبطُ أوليائي عندي، لمؤمنٌ خفيفُ الحاذ". أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه، عن أبي أمامة.
(تفسير الرازي ، فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) ، 10/ 197-200 ).
و أجاب أبي حيان على مقالة أبو علي و ابن جني : بِأنَّ الحَذْفَ لِقِيامِ القَرِينَةِ والِاسْتِغْناءِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ والتَّأْكِيدُ لِمَضْمُونِ الجُمْلَةِ لا لِلْمَحْذُوفِ والحَمْلُ في البَيْتِ مُمْكِنٌ أيْضًا واقْتِصارُهم فِيهِ عَلى الضَّرُورَةِ ذُهُولٌ وكَمْ تَرَكَ الأوَّلُ لِلْآخَرِ، واجْتِماعُ الإيجازِ والإطْنابِ مَعَ اخْتِلافِ الوَجْهِ غَيْرُ مُحالٍ. وأصْدَقُ شاهِدٍ عَلى دُخُولِ اللّامِ في مِثْلِ هَذا الكَلامِ ما رَواهُ التِّرْمِذِيُّ وأحْمَدُ وابْنُ ماجَهْ ( أغْبَطُ أوْلِيائِي عِنْدِي لَمُؤْمِنٌ خَفِيفُ الحاذِ ) نَعَمْ لا نِزاعَ في شُذُوذِ هَذا الحَذْفِ اسْتِعْمالًا وقِياسًا.
وقد استحسن الألوسي الاستدلال بقول ابن الزبير فقال: والجَيِّدُ الِاسْتِدْلالُ بِقَوْلِ ابْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما لِمَن قالَ لَهُ: لَعَنَ اللَّهُ ناقَةً حَمَلَتْنِي إلَيْكَ إنْ وراكِبُها إذْ قَدْ قِيلَ: في البَيْتِ إنّا لا نُسَلِّمُ أنَّ إنْ فِيهِ بِمَعْنى نَعَمْ والهاءُ لِلسَّكْتِ بَلْ هي النّاصِبَةُ والهاءُ ضَمِيرٌ مَنصُوبٌ بِها والخَبَرُ مَحْذُوفٌ أيْ إنَّهُ كَذَلِكَ ولا يَصِحُّ أنْ يُقالَ: إنَّها في الخَبَرِ كَذَلِكَ وحُذِفَ الجُزْءانِ لِأنَّ حَذْفَ الجُزْأيْنِ جَمِيعًا لا يَجُوزُ
قال ابن حيان في تفسيره : وَقِيلَ إِنْ بِمَعْنَى نَعَمْ، وَثَبَتَ ذَلِكَ فِي اللُّغَةِ فَتُحْمَلُ الآية عليه.
3-من الاعتراضات على أن إن بمعنى نعم : سياق الكلام و يتبين ذلك من قول أبو حيان الأندلسي ؛ ضَعَّفَ هَذا الوَجْهَ بِأنَّ كَوْنَها بِمَعْنى نَعَمْ لَمْ يَثْبُتْ، أوْ هو نادِرٌ وعَلى تَقْدِيرِ الثُّبُوتِ مِن غَيْرِ نُدْرَةٍ لَيْسَ قَبْلَها ما يَقْتَضِي جَوابًا حَتّى تَقَعَ نَعَمْ في جَوابِهِ).
حيث استبعد قول من قال ِأنَّهُ يُفْهَمُ مِن صَدْرِ الكَلامِ أنَّ مِنهم مَن قالَ: هُما ساحِرانِ فَصَدَقَ وقِيلَ: نَعَمْ بَعِيدٌ. ومِثْلُهُ القَوْلُ بِأنَّ ذَلِكَ تَصْدِيقٌ لِما يُفْهَمُ مِن قَوْلِ فِرْعَوْنَ: ﴿أجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِن أرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى﴾
و مع استبعاد أبي حيان لكون السياق لا يؤيد منى إن أنه نعم كان الطاهر بن عاشور ممن يقول بموافقة السياق فعبر عن هذا القول أنه أظهر الأقوال في توجيه إن و أن هذا من استعمالات إن و وجه معنى الآية فقال: أيِ اتَّبَعُوا لَمّا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ أمْرُهم بَعْدَ النَّجْوى ، و قال : وعَلى هَذا التَّوْجِيهِ يَكُونُ قَوْلُهُ تَعالى (﴿إنَّ هَذانِ لَساحِرانِ﴾) حِكايَةً لِمَقالِ فَرِيقٍ مِنَ المُتَنازِعِينَ، وهو الفَرِيقُ الَّذِي قَبِلَ هَذا الرَّأْيَ لِأنَّ حَرْفَ الجَوابِ يَقْتَضِي كَلامًا سَبَقَهُ.
و عبر عن توجيه الزجاج: أنه من مبتكراته .
و فسر دخول اللام على الخبر :أنه إمّا عَلى تَقْدِيرِ كَوْنِ الخَبَرِ جُمْلَةً حُذِفَ مُبْتَدَأُها وهو مَدْخُولُ اللّامِ في التَّقْدِيرِ، ووُجُودُ اللّامِ يُنْبِئُ بِأنَّ الجُمْلَةَ الَّتِي وقَعَتْ خَبَرًا عَنِ اسْمِ الإشارَةِ جُمْلَةٌ قَسَمِيَّةٌ؛ وإمّا عَلى رَأْيِ مَن يُجِيزُ دُخُولَ اللّامِ عَلى خَبَرِ المُبْتَدَأِ في غَيْرِ الضَّرُورَةِ.

2- القول الثاني : أن هذا على لغة بني الحارث بن كعب؛ يجعلون الاثنين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف.
قاله كلًا من : أبو زيد والكسائي والأخفش والفراء

و قال أبو جعفر النحاس في كتابه إعراب القرآن: والقول الثاني من أحسن ما حملت عليه الآية إذ كانت هذه اللغة معروفة، وقد حكاها من يرتضى علمه وصدقه وأمانته، منهم أبو زيد الأنصاري، وهو الذي يقول إذا قال سيبويه: حدثني من أثق به فإنما يعنيني.
و اعتبرها أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه الهمذاني النحوي الشافعي : لغة شاذة لا تدخل القرآن و قال فلمّا كانت الكتابة فى المصحف بالألف (إنّ هذان) حمله بعضهم على هذه اللّغة.
وقالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: هي لُغَةٌ لِبَنِي الحارِثِ بْنِ كَعْبٍ وافَقَتْها لُغَةُ قُرَيْشٍ، كما ذكر ابن الجوزي في تفسيره .
و أيد فخر الدين الرازي ، هذا القول و عبر عن ذلك القول : وهو الأقْوى .
- و بين محمد بن أحمد الموصلي في كتابه (كنز المعاني) و أبو زيد- كما قال السمين الحلبي في كتابه الدر المصون) وجه هذه اللغة بأنهم يقلبون كل ياء ساكنة إذا انفتح ما قبلها ألفًا و يجعلون المثنى كالمقصورِ فيُثْبِتون ألفاً في جميع أحواله، ويُقَدِّرون إعرابَه بالحركاتِ،.(كنز المعاني: 2/435) (الدر المصون في علوم الكتاب المكنون ، 8/ 63-68 ).
- و اختاره أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل الدمشقي (ت: 665هـ): و قال :واختارها أبو عبيد وقال: لا يجوز لأحد مفارقة الكتاب وما اجتمعت عليه الأمة، قلتُ: مدار الأقوال المنقولة عنهم في ذلك على وجهين؛ أحدهما: أن يكون هذان اسما؛ لأن، والآخر: أن يكون مبتدأ فإن كان اسما لـ "أن" فلا يتوجه إلا على أنه لغة لبعض العرب يقولون هذان في الرفع والنصب والجر كما يلفظون بسائر الأسماء المقصورة، كعصى وموسى، وكذا ما معناه التثنية نحو كلا [إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/373]
- و اختاره ابن حيان أثير الدين الأندلسي كما ذكر في تفسيره و قال : وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: سَمِعْتُ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقْلِبُ كُلَّ يَاءٍ يَنْفَتِحُ مَا قَبْلَهَا أَلِفًا.
و ممن اختار هذا الوجه الألوسي في روح المعاني و قال: وهو أجْوَدُ الوُجُوهِ وأوْجَهُها، واخْتارَهُ أبُو حَيّانَ وابْنُ مالِكٍ والأخْفَشُ وأبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ وجَماعَةٌ.
و قال الألوسي : أنَّها النّاصِبَةُ واسْمُ الإشارَةِ اسْمُها: واللّامُ لامُ الِابْتِداءِ و( ساحِرانِ ) خَبَرُها ومَجِيءُ اسْمِ الإشارَةِ بِالألِفِ مَعَ أنَّهُ مَنصُوبٌ جارٍ عَلى لُغَةِ بَعْضِ العَرَبِ مِن إجْراءِ المُثَنّى بِالألِفِ دائِمًا .
و لم يردها الطاهر ابن عاشور و قال وهي لُغَةٌ مَشْهُورَةٌ في الأدَبِ العَرَبِيِّ ولَها شَواهِدُ كَثِيرَةٌ.
3- القول الثالث: الألف (من هَذَا دِعامة وليست بلام فعل، فلمّا ثنّيت زدتُ عليها نونًا ثُمَّ تركت الألف) ثابتة عَلَى حالِها لا تزول عَلَى كل حال كما قالت العرب (الَّذِي) ثُمَّ زادوا نونًا تدل عَلَى الجماع، فقالوا: الَّذِينَ فِي رفعهم ونصبهم وخفضهم كما تركوا (هذان) فِي رفعه ونصبه وخفضه. وكنانة يقولون (اللّذون)؛ قاله الفراء و ذكره النحاس في كتابه إعراب القرآن .
(معاني القرآن، ج2/183-184)
القول الرابع: شبهت الألف في قولك: هذان بالألف في يفعلان، فلم تغير؛ قاله أبو جعفر النحاس و ذكره احتمالًا فخر الدين الرازي في تفسيره و بينه فقال : و يُمْكِنُ أنْ يُقالَ أيْضًا: الألِفُ في هَذا مِن جَوْهَرِ الكَلِمَةِ، والحَرْفُ الَّذِي يَكُونُ مِن جَوْهَرِ الكَلِمَةِ لا يَجُوزُ تَغْيِيرُهُ بِسَبَبِ التَّثْنِيَةِ والجَمْعِ؛ لِأنَّ ما بِالذّاتِ لا يَزُولُ بِالعَرَضِ فَهَذا الدَّلِيلُ يَقْتَضِي أنْ لا يَجُوزَ أنْ يُقالَ: ”إنَّ هَذَيْنِ“ فَلَمّا جَوَّزْناهُ فَلا أقَلَّ مِن أنْ يُجَوَّزَ مَعَهُ أنْ يُقالَ: إنْ هَذانِ.
4- القول الخامس: الهاء هاهنا مضمرة، والمعنى: إنه هذان لساحران: نسبه أبو إسحاق الزجاج و أبي حيان الأندلسي و الألوسي إلى النحويين القدماءز
و قدره مكي القيسي في إعراب القراءات السبع و عللها و أبي حيان في تفسيره ( انه هَذَانِ لساحران ) كَمَا تَقول إِنَّه زيد منطلق وَهُوَ قَول حسن لَوْلَا أَن دُخُول اللَّام فِي الْخَبَر يبعد (إعراب القراءات السبع وعللها، 2/466)
و قال محمد بن أحمد الموصلي (شعلة) (ت: 656هـ):في اللام أنها إما أن تكون زائدة أو أريد بها التقديم
- و التقدير لهذان ساحران.
- و ذكر السمين الحلبي وجه إعرابها فقال: أنَّ اسمَها ضميرُ الشأنِ محذوفٌ، والجملةُ من المبتدأ والخبرِبعدَه في محلِّ رفعٍ خبراً ل «إنَّ» ، التقديرُ: إنَّه، أي: الأمرُ والشأنُ.
- وذكر كلًا من السمين الحلبي و أبي حيان :أن هذا القول قد ضُعِّفَ بوجهين،
أحدهما: حَذْفُ اسمِ «إن» ، وهو غيرُ جائزٍ إلاَّ في شعرٍ، بشرطِ أَنْ لا تباشرَ «إنَّ» فعلاً كقولِه:
إنَّ مَنْ يَدْخُلِ الكنيسةَ يوماً ... يَلْقَ فيها جَآذراً وظِباءَ.
و بين الألوسي سبب عدم جواز الحذف فقال : ضَعُفَ بِأنَّ ضَمِيرَ الشَّأْنِ مَوْضُوعٌ لِتَقْوِيَةِ الكَلامِ وما كانَ كَذَلِكَ لا يُناسِبُهُ الحَذْفُ والمَسْمُوعُ مِن حَذْفِهِ كَما في قَوْلِهِ:
إنَّ مَن لامَ في بَنِي بِنْتِ حَسّا ∗∗∗ نَ ألُمْهُ وأعُصِهِ في الخُطُوبِ
وقَوْلِهِ:
إنَّ مَن يَدْخُلِ الكَنِيسَةَ يَوْمًا ∗∗∗ يَلْقَ فِيها جَآذِرًا وظِباءَ
ضَرُورَةٌ أوْ شاذٌّ إلّا في بابِ أنِ المَفْتُوحَةِ إذا خُفِّفَتْ فاسْتَسْهَلُوهُ لِوُرُودِهِ في كَلامٍ بُنِيَ عَلى التَّخْفِيفِ فَحُذِفَ تَبَعًا لِحَذْفِ النُّونِ ولِأنَّهُ لَوْ ذُكِرَ لَوَجَبَ التَّشْدِيدُ إذِ الضَّمائِرُ تَرُدُّ الأشْياءَ إلى أُصُولِها.
والثاني: دخولُ اللام في الخبرِ.
*وقد أجابَ الزجَّاج بأنها داخلةٌ على مبتدأ محذوفٍ تقديرُه: لهما ساحران. وهذا قد استحسنه شيخُه المبردُ، أعني جوابَه بذلك.
وَاسْتَحْسَنَ هَذَا الْقَوْلَ شَيْخُهُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدُ وَالْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ.
*و قال محمود بن عبد الرحيم الصافي 1376 هجري:
(إن) مخفّفة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف ، (هذان) مبتدأ في محلّ رفع مبنيّ على الألف، (اللام) لام الابتداء (ساحران) خبر لمبتدأ محذوف تقديره هما (يريدان) مضارع مرفوع وعلامة الرفع ثبوت النون
وجملة: «إن (هـ) هذان لساحران» في محلّ نصب مقول القول
وجملة: «هذان ل (هما) ساحران» في محلّ رفع خبر إن المخفّفة.
وجملة: « (هما) ساحران» في محلّ رفع خبر المبتدأ (هذان(لجدول في إعراب القرآن(16/885-886)

5- القول السادس: قال أبو جعفر: وسألت أبا الحسن بن كيسان عن هذه الآية فقال: إن شئت أجبتك بجواب النحويين، وإن شئت أجبتك بقولي فقلت: بقولك، فقال: سألني إسماعيل بن إسحاق عنها فقلت: القول عندي أنه لما كان يقال: هذا في موضع الرفع والنصب والخفض على حال واحدة، وكانت التثنية يجب أن لا يغير لها الواحد أجريت التثنية مجرى الواحد، فقال: ما أحسن هذا لو تقدمك بالقول به حتى يؤنس به، فقلت: فيقول القاضي «به» حتى يؤنس به فتبسم.
و قال مكي القيسي : وَقيل إِن الْمُبْهم لما لم يظْهر فِيهِ اعراب فِي الْوَاحِد وَلَا فِي الْجمع جرت التَّثْنِيَة على ذَلِك فَأتي بِالْألف على كل حَال.
و ذكر الطيبي و الألوسي قول ابن الحاجب في "الأمالي": وهذه القراءة مشكلة، وأخرها أن (هذان) مبني لأنه من أسماء الإشارة، فجاء في الرفع والنصب والجر على حالٍ واحدة، وهي لغةٌ واضحةٌ،ومما يُقويها أن اختلاف الصيغ في اللغة الأخرى ليس إعراباً في التحقيق، لوجود علة البناء من غير معارض؛ لأن العلة في هذا وهؤلاء كونها اسم إشارة.
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوي: فَاَلَّذِي يَجِبُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ لُغَةُ قُرَيْشٍ؛ بَلْ وَلَا لُغَةُ سَائِرِ الْعَرَبِ: أَنَّهُمْ يَنْطِقُونَ فِي الْأَسْمَاءِ الْمُبْهَمَةِ إذَا ثُنِّيَتْ بِالْيَاءِ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ مَنْ قَالَهُ مِنْ النُّحَاةِ قِيَاسًا جَعَلُوا بَابَ التَّثْنِيَةِ فِي الْأَسْمَاءِ الْمُبْهَمَةِ كَمَا هُوَ فِي سَائِرِ الْأَسْمَاءِ وَإِلَّا فَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ شَاهِدٌ يَدُلُّ عَلَى مَا قَالُوهُ وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ اسْمٌ مُبْهَمٌ مَبْنِيٌّ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ أَوْ خَفْضٍ إلَّا هَذَا وَلَفْظُهُ (هَذَانِ فَهَذَا نَقْلٌ ثَابِتٌ مُتَوَاتِرٌ لَفْظًا وَرَسْمًا.
و ذكر الألوسي: قول ابْنُ هِشامٍ: وعَلى هَذا فَقِراءَةُ هَذانِ أقْيَسُ إذِ الأصْلُ في المَبْنِيِّ أنْ لا تَخْتَلِفَ صِيغَتُهُ مَعَ أنَّ فِيها مُناسَبَةً لِألِفِ ( ساحِرانِ ) ا هـ.
7- القول السابع : قال سيبويه: اعلم أنك إذا ثنيت الواحد لحقته زائدتان الأولى منهما حرف المد واللين، وهو حرف الإعراب غير متحرك ولا منون يكون في الرفع ألفا، والرفع لا يكون إلا إعرابا، وقد جعله سيبويه رفعا فصح أنه إعراب.
وبين السيرافي قوله: " الأولى منهما حرف المد واللين وهو حرف الإعراب " يعني الأولى ألف أو ياء فأيهما كان فهو حرف المد واللين، وهو حرف الإعراب، يعني حرف المد واللين الذي ذكر هو حرف الإعراب. شرح كتاب سيبويه المؤلف: أبو سعيد السيرافي الحسن بن عبد الله بن المرزبان (المتوفى: 368 هـ) ( 1/135)
و قال أبو جعفر: فقول سيبويه: وهو حرف الإعراب، يوجب أن الأصل أن لا يتغير إن هذان، جاء على أصله ليعلم ذلك وقد قال الله جل وعز: استحوذ عليهم الشيطان [المجادلة: 19] ولم يقل: استحاذ، فجاء على هذا ليدل على الأصل إذ كان الأئمة قد رووها وتبين أنها الأصل، وهذا بين جدا (3/ 331-332، إعراب القرآن)
و بين محمد بن القاسم الأنباري ذلك أن الأصل في ألف التثنية أن تكون/كعصا و رحا، في الرفع و النصب و الجر على صورة واحدة،لان الحركة مقدرة ،كما هي في ألف عصا و رحا، و لكنه جاء الاستعمال على قلبها ياء في النصب و الجر حرصًا على البيان، إذ لم يكن هناك ما في المفرد\ من البيان،ألا تراك تقول: ضرب موسى العاقل عيسى الأديب، فيتبين الرفع بالصفة بعد الفاعل و نصبها بعد المفعول، و هذا المعنى لا يتأتى بالتثنية،لو قلت :ضرب الزيدان العاقلان العمران القائمان ،لم تتغير الصفة فجاء قوله(إن هذان لساحران) على الأصل الذي ينبغي أن يكون عليهم كما (استحوذ ) على ذلك.
(البيان في غريب إعراب القرآن لابن الأنباري، 933)
ِ.8- القول ثامن:
قال عبد القاهر: «(ها): تنبيهٌ، و(ذا): إشارةٌ، زيد على ذلك ألف ونون، فاجتمع ألفان، فلا بد من الحذف، فلم يمكن حذف ألف (ذا)، لأنها كلمة على حرفين، فحذفت ألف التثنية، وبقيت النون دالة عليها. وألف (ذا)، لا تنقلب».
قال فخر الدين الرازي في الجواب قالَ الفَرّاءُ: هَذا أصْلُهُ ”ذا“ زِيدَتِ الهاءُ لِأنَّ ”ذا“ كَلِمَةٌ مَنقُوصَةٌ فَكُمِّلَتْ بِالهاءِ عِنْدَ التَّنْبِيهِ، وزِيدَتْ ألِفًا لِلتَّثْنِيَةِ فَصارَتْ هَذاانِ فاجْتَمَعَ ساكِنانِ مِن جِنْسٍ واحِدٍ فاحْتِيجَ إلى حَذْفِ واحِدٍ، ولا يُمْكِنُ حَذْفُ ألِفِ الأصْلِ لِأنَّ أصْلَ الكَلِمَةِ مَنقُوصَةٌ فَلا تُجْعَلُ أنْقَصَ فَحُذِفَ ألِفُ التَّثْنِيَةِ؛ لِأنَّ النُّونَ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَلا جَرَمَ لَمْ تَعْمَلْ ”إنَّ“ لِأنَّ عَمَلَها في ألِفِ التَّثْنِيَةِ، وقالَ آخَرُونَ: الألِفُ الباقِي إمّا ألِفُ الأصْلِ أوْ ألِفُ التَّثْنِيَةِ. فَإنْ كانَ الباقِي ألِفَ الأصْلِ لَمْ يَجُزْ حَذْفُها لِأنَّ العامِلَ الخارِجِيَّ لا يَتَصَرَّفُ في ذاتِ الكَلِمَةِ، وإنْ كانَ الباقِي ألِفَ التَّثْنِيَةِ فَلا شَكَّ أنَّهم أنابُوها مَنابَ ألِفِ الأصْلِ، وعِوَضُ الأصْلِ أصْلٌ لا مَحالَةَ، فَهَذا الألِفُ أصْلٌ فَلا يَجُوزُ حَذْفُهُ ويَرْجِعُ حاصِلُ هَذا إلى الجَوابِ الأوَّل.
- ثُمَّ قالَ الفَرّاءُ وذَلِكَ وإنْ كانَ قَلِيلًا أقْيَسُ لِأنَّ ما قَبْلَ حَرْفِ التَّثْنِيَةِ مَفْتُوحٌ، فَيَنْبَغِي أنْ يَكُونَ ما بَعْدَهُ ألِفًا، ولَوْ كانَ ما بَعْدَهُ ياءً يَنْبَغِي أنْ تَنْقَلِبَ ألِفًا لِانْفِتاحِ ما قَبْلَها، وقُطْرُبٌ ذَكَرَ أنَّهم يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِرارًا إلى الألِفِ الَّتِي هي أخَفُّ حُرُوفِ المَدِّ، هَذا أقْوى الوُجُوهِ في هَذِهِ الآيَةِ.
- قال محمد بن أحمد الموصلي (ت: 656هـ):
إن الأصل (هذا) زيد الياء والنون عليها، فاجتمع ساكنان، فحذفت الياء، إذ لم يمكن حذف الأول لاختلال الكلمة بها، لأنها على حرفين .
9- القول التاسع: قال السمين الحلبي و أبي حيان في تفسيره و السيوطي في الإتقان:
أنَّ اسمَها ضميرُ القصةِ وهو «ها» التي قبل «ذان» وليست ب «ها» التي للتنبيهِ الداخلةِ على أسماءِ الإِشارةِ، والتقدير: إنَّ القصةَ ذانِ لساحران. وقد رَدُّوا هذا من وجهين، أحدهما: من جهةِ الخَطِّ، وهو أنه لو كان كذلك لكان ينبغي أن تُكتبَ «إنها» فيصِلوا الضميرَ بالحرفِ قبلَه كقوله تعالى: {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبصار} [الحج: 46] فكَتْبُهم إياها مفصولةً من «إنَّ» متصلةً باسمِ الإِشارة يمنع كونَها ضميراً، وهو واضح. الثاني: أنَّه يؤدِّي إلى دخولِ لامِ الابتداءِ في الخبرِ غيرِ المنسوخِ. وقد يُجاب عنه بما تقدَّم.
قال الألوسي 1270: أنَّها النّاصِبَةُ وهاءُ ضَمِيرِ القِصَّةِ اسْمُها وجُمْلَةُ (ذانِ لَساحِرانِ) خَبَرُها، وضَعُفَ بِأنَّهُ يَقْتَضِي وصْلَ ها بِإنْ مِن إثْباتِ الألِفِ وفَصْلِ ها مِن ( ذانِ ) في الرَّسْمِ وما في المُصْحَفِ لَيْسَ كَذَلِكَ، ومَعَ ذَلِكَ يَرِدُ بَحْثُ دُخُولِ اللّامِ.
10- القول العاشر: قال الألوسي: 1270 :أنَّ إنْ مُلْغاةٌ وإنْ كانَتْ مُشَدَّدَةً حَمْلًا لَها عَلى المُخَفَّفَةِ وذَلِكَ كَما أعْمَلْتَ المُخَفَّفَةَ حَمْلًا لَها عَلَيْها في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإنَّ كُلا لَمّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ﴾ أوْ حَطًّا لِرُتْبَتِها عَنِ الفِعْلِ لِأنَّ عَمَلَها لَيْسَ بِالأصالَةِ بَلْ بِالشَّبَهِ لَهُ وما بَعْدَها مُبْتَدَأٌ وخَبَرٌ، وإلى ذَلِكَ ذَهَبَ عَلِيُّ بْنُ عِيسى وفِيهِ أنَّ هَذا الإلْغاءَ لَمْ يُرَ في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ وهو مَحَلُّ النِّزاعِ وبَحْثُ اللّامِ فِيهِ بِحالِهِ.

- قال أبو منصور الأزهري في كتابه معاني القراءات : وأما قراءة العامّة (إِنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) ففى صحته في العربية وجوه كُلهَا حجة( لم يذكر جميع ما ذكرنا من الوجوه بل عددًا منها) .
- وقال القاضي محمد ابن عطية الأندلسي في تفسيره : وهذه الأقوال معترضة، إلا ما قيل من أنها لغة، و"إن" بمعنى: أجل ونعم، أو "إن" في الكلام ضمير.
- و قد ضعف العكبري في كتابه التبيان في إعراب القرآن عددًا من هذه الأقوال: منها أنها بمعنى نعم، وما بعدها مبتدأ وخبر. والثاني: إن فيها ضمير الشأن محذوفا، وما بعدها مبتدأ وخبر أيضا. وكلا الوجهين ضعيف من أجل اللام التي في الخبر ; وإنما يجيء مثل ذلك في ضرورة الشعر، و ضعف القول هي مخففة من الثقيلة، وهو ضعيف أيضا( 2/895).
و ضعف أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل الدمشقي في كتابه إبراز المعاني من حرز الأأماني أقوال منها( "إن": بمعنى نعم فهي أيضا لغة قليلة الاستعمال ويلزم منه شذوذ إدخال لام التوكيد في الخبر كما سبق، وإن حملت على حذف ضمير الشأن فهو أيضا ضعيف ويضعفه أيضا اللام في الخبر وقراءة هذين بالياء ووجهها ظاهر من جهة اللغة الفصيحة لكنها على مخالفة ظاهر الرسم، فليس الأقوى من جهة الرسم واللغة معا إلا القراءة بتخفيف إن ورفع هذان، والله المستعان). [إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/378
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوي : وَأَمَّا قَوْلُهُ: {إنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} فَجَاءَ اسْمًا مُبْتَدَأً: اسْمُ (إنَّ) وَكَانَ مَجِيئُهُ بِالْأَلِفِ أَحْسَنَ فِي اللَّفْظِ مِنْ قَوْلِنَا: " إنَّ هَذَيْنِ لَسَاحِرَانِ " لِأَنَّ الْأَلِفَ أَخَفُّ مِنْ الْيَاءِ؛ وَلِأَنَّ الْخَبَرَ بِالْأَلِفِ فَإِذَا كَانَ كُلٌّ مِنْ الِاسْمِ وَالْخَبَرِ بِالْأَلْفِ كَانَ أَتَمَّ مُنَاسِبَةً وَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مَا يُشْبِهُ هَذَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهُوَ بِالْيَاءِ.
فَتَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا الْمَسْمُوعَ وَالْمُتَوَاتِرَ لَيْسَ فِي الْقِيَاسِ الصَّحِيحِ مَا يُنَاقِضُهُ لَكِنْ بَيْنَهُمَا فُرُوقٌ دَقِيقَةٌ وَاَلَّذِينَ استشكلوا هَذَا إنَّمَا استشكلوه مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ؛ لَا مِنْ جِهَةِ السَّمَاعِ وَمَعَ ظُهُورِ الْفَرْقِ يُعْرَفُ ضَعْفُ الْقِيَاسِ.

الدراسة:
بالنظر لما سبق يتبين لنا:
1- هذه الروايات الثلاث مما صح نقله،( كما قال النحاس في كتابه إعراب القرآن: فهذه ثلاث قراءات قد رواها الجماعة عن الأئمة) ، و لا اعتبار لما قاله أبو عمرو عن رده الرواية (بهذان) (لما تم ذكره في بيان خطأ ما اعتمده من حجج)، أما قول الزجاج أنه لا يجيز الرواية بهذين ، فذلك مرجعه لأنه لا يجوز القراءة بما يخالف مصحف الإمام ، فهذا الحكم عام و فيه إجماع من العلماء بذلك.
2- ما وقع فيه أبو عمرو و عيسى كان سببه ما اختصره و بينه ابن تيمية في رسالته: إجراء القياس، و الذي بما ذكرنا قد تبين خطأوه، فلقراءة هذان أوجه لغوية إعرابية موافقة للعربية و قد أقرها علماء أجلاء، و لم يكتفوا بذلك بل فصلوا و بينوا.
3- نقل القرآن كان مشافهة ثم تلته الكتابة، وما وافق رسم المصحف العثماني يتلى به، و ما خالفها وإن صح فلا يذكر إلا في معرض التعلم أو لزيادة معنى أو لبيانه، فمنه ما نُسخ و منه ما تركه عثمان رضي الله عنه و اكتفى بغيره، و ما كتب في مصحف الإمام تلقته الأمة بالقبول.
قال الطاهر ابن عاشور في تفسيره التحرير و التنوير :
وإن المصحف الإمام ما رسمُوه إلاّ اتّباعاً لأشهر القراءات المسموعة المروية من زمن النبي صلى الله عليه وسلم وقرّاء أصحابه ، فإن حفظ القرآن في صدور القرّاء أقدم من كتابته في المصاحف ، وما كتب في أصول المصاحف إلاّ من حفظ الكاتِبين ، وما كُتب المصحف الإمام إلا من مجموع محفوظ الحُفاظ وما كتبه كتاب الوحي في مدة نزول الوحي .
قال الشيخ عبد العزيز الداخل: ونحن لا ننكر أن تكون تلك الأحرف قد قرئت على قراءات أخرى قرأت بها عائشة وقرأ بها ابن مسعود وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم، لكنّ المصير إلى القراءة التي على مقتضى الرسم العثماني واجب لتقرر الإجماع على ترك الإقراء بما خالف المصحف الإمام، والأقوال المهجورة لا تقدح في صحّة الإجماع.
والمجزوم به أنّ القراءة الموافقة للرسم العثماني صحيحة لغةً لا لحنَ فيها، وهي مقدّمة على غيرها لاختيار قرّاء الصحابة لها على غيرها؛ فإنّ ما تركوه قد يتطرّق إليه احتمال النسخ، وما أثبتوه فغير منسوخ التلاوة،
و نخلص في هذه المسألة أن القراءة المشهورة ( إن هذان لساحران ) هي الأولى بالاتباع ؛ فهي قراءة متواترة ، وافقت رسم المصحف، لها وجه في اللغة العربية، كما قال الزجاج أن اتباع رسم المصحف سنة، و لا يجوز القراءة بغيرها، و لإعراب ( إن هذان لساحران) أوجه إعرابية مختلفة كما بينا، منها ما يؤيد بعضها البعض، و منها ما يستقل بذاته لكنه له توجيهه المقبول لدى العلماء.
و قد جمع ابن جرير في ترجيحه عددًا منها يقوي أحدهم الآخر و يؤيده فقال في تفسيره: والصواب من القراءة في ذلك عندنا(إنّ) بتشديد نونها، وهذان بالألف لإجماع الحجة من القرّاء عليه، وأنه كذلك هو في خطّ المصحف، ووجهه إذا قرئ كذلك مشابهته الذين إذ زادوا على الذي النون، وأقرّ في جميع الأحوال الإعراب على حالة واحدة، فكذلك (إنَّ هَذَانِ) زيدت على هذا نون وأقرّ في جميع أحوال الإعراب على حال واحدة، وهي لغة الحارث بن كعب، وخثعم، وزبيد، ومن وليهم من قبائل اليمن.
و هذا الترجيح لا يمنع باقي الأوجه الإعرابية التي ذكرنا لما ترجح عند أصحابها من أدلة ، كما سبق و بينا؛ كما ترجح عند الزجاج اختياره لأن إن بمعنى نعم ، أو من ترجح لديه عدم العمل بإن.
هذا ما يسر الله و أرى أنه لا زال يحتاج لعمل ، نسأل الله التوفيق و السداد.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 23 ربيع الأول 1443هـ/29-10-2021م, 09:43 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فروخ الأكبروف مشاهدة المشاركة
السلام عليكم ورحمة الله.

اختلف العلماء في معنى "ضريع" في قول الله تعالى: {ليس لهم طعام إلا من ضريع} على أقوال:

القول الأول: هو نبت يُقال له الشِّبْرِق، وتسميه أهل الحجاز الضَّريع إذا يبس، ويسميه غيرهم: الشِّبْرق، وهو سمّ. [الشبرق رطب، فإذا يبس سمي ضريعا]
وهو قول ابن عباس، وأبي الجوزاء، وعكرمة، ومجاهد، وقتادة، وعطاء الخراساني، وشريك بن عبد الله، وابن زيد، والكلبي، ومقاتل، وأبي حنيفة، وابن الأعرابي.
وبه قال الخليل بن أحمد، والفراء وأبو عبيدة، والليث، وأبو عُبيد القاسم بن سلاّم، وابن قتيبة، والزجاج.
قال الزجاج: وهو شوك كالعَوْسَج.
وهذا القول اختاره ابن جرير الطبري.
ونسبه مكي: إلى كثير من أهل اللغة.
وقال الواحدي: "ونحو هذا قال أكثر المفسرين".
ورجحه أيضا القرطبي ونسبه إلى عامة المفسرين.
وقال الألوسي أيضا: "والظاهر أن المراد ما هو ضريع حقيقة".
- أما قول ابن عباس فرواه ابن جرير الطبري فقال: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِنْ ضَرِيعٍ} قال: الضريع: الشِّبْرق.
- أما قول أبي الجوزاء فرواه ابن أبي شيبة فقال: "حدثنا عفان قال: حدثنا سعيد بن زيد قال: حدثنا عمرو بن مالك قال: سمعت أبا الجوزاء يقول: {ليس لهم طعام إلا من ضريع} [الغاشية: 6] السلم كيف يسمن من يأكل الشوك".
ورواه ابن المنذر وابن أبي حاتم كما في الدر المنثور للسيوطي.
- أما قول عكرمة فرواه ابن جرير الطبري فقال: حدثني محمد بن عُبيد المحاربيّ، قال: ثنا عباد بن يعقوب الأسديّ، قال محمد: ثنا، وقال عباد: أخبرنا محمد بن سليمان، عن عبد الرحمن الأصبهانيّ، عن عكرِمة في قوله: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِنْ ضَرِيعٍ} قال: الشِّبرق.
ورواه ابن أبي حاتم كما في الدر المنثور.
- أما قول مجاهد فرواه ابن جرير الطبري من طريق سفيان ومن طريق مهران عن ليث ومن طريق ابن أبي نجيح عنه.
- أما قول قتادة فرواه عبد الرزاق من طريق معمر، وابن جرير الطبري عن سعيد عنه.
- أما قول عطاء الخرساني فهو في تفسيره الذي رواه رشدين بن سعد، عن يونس بن يزيد عنه.
- أما قول شريك بن عبد الله فرواه ابن جرير الطبري فقال: حدثني محمد بن عبيد، قال: ثنا شريك بن عبد الله، في قوله: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِنْ ضَرِيعٍ} قال: الشبرق.
- أما قول ابن زيد فرواه ابن جرير الطبري فقال: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِنْ ضَرِيعٍ} قال: الضريع: الشَّوك من النار. قال: وأما في الدنيا فإنَّ الضريع: الشوك اليابس الذي ليس له ورق، تدعوه العرب الضريع، وهو في الآخرة شوك من نار.
- أما قول الكلبي فذكره الواحدي، والبغوي.
- أما قول مقاتل فذكره الواحدي.
- أما قول ابن الأعرابي فرواه أبو نعيم الأصبهاني في "الطب النبوي" فقال: "أخبرنا أبو عُمَر غلام ثعلب في كتابه، عَن ثعلب، عَن ابن الأعرابي قال: "الضريع الشبرق وهي العوسج ما دام رطبا ويقال لقشوره: العرام".
ويستشهد له بقول أبي عيزارة الهذلي:
وحبسن في هزم الضريع فكلها ... جرباء دامية اليدين حرود
وبما قال أبو ذؤيب:
رعى الشبرق الريان حتى إذا ذوى ... وعاد ضريعا بان منه الخائض

القول الثاني: هو شي يرمي به البحر، يسمى الضريع، من أقوات الانعام لا الناس، فإذا وقعت فيه الإبل لم تشبع، وهلكت هزلا.
وهذا القول روي عن ابن عباس من طريق الضحاك، كما ذكره القرطبي، وذكره ابن سيده، والراغب الأصفهانى، وابن منظور.
وضعفه ابن جزي في تفسيره.

القول الثالث: الحجارة.
وهو قول سعيد بن جبير، وعكرمة.
- أما قول سعيد بن جبير فرواه يحي بن اليمان وابن جرير الطبري من طريق جعفر عنه.
- أما قول عكرمة فذكره النحاس، ومكي بن أبي طالب، والقرطبي.
وهذا القول استغربه السمعاني فقال: "ويقال: "الضريع هو الحجارة"، وهو مروي عن سعيد بن جبير وغيره، وهو قول غريب".
واعترض عليه أيضا الشيخ مساعد الطيار فقال: "ولم أجد من فسَّره بهذا التفسير، كما لم أجده في كتب اللغة، فهل هي لغة علِمَها سعيد وجهِلَها غيره، أم ماذا؟!"
والظاهر أنه غريب من جهة اللغة، ولعل تزول غرابته إذا حمل على التفسير على المعنى، وربما يدل على هذا ما ذكره ابن عطية قال: "وقال سعيد بن جبير: "الضريع: الحجارة من النار"".

القول الرابع: هو الجلدة التي على العظم تحت اللحم من الضلع. وهو قول الليث، نقله عنه الأزهري في التهذيب، وذكره ايضا ابن عطبة.
قال ابن عطية: ولا أعرف من تأول الآية بهذا.

القول الخامس: هو الخمر أو رقيقها، ذكره الزبيدي عن ابن عباد.

القول السادس: هو مما لا تعرفه العرب.
ذكره ابن عطية، وذكره السيوطي في "معترك الأقران".
ورده ابن قتيبة قال: "وكان ما أراد الله بهذا معلوما عندهم مفهوما، ولو لم يكن كذلك لأنكروه..."
ولعله يراد به التفسير على المعنى، لا التفسير على اللفظ. ويؤيد هذا ما قال ابن سيده: "وَقيل: الضَّريع: طَعَام أهل النَّار. وهذا لَا تعرفه العَرَب".
وقال عبد الكريم يونس الخطيب: والرأى- والله أعلم- أنه من طعام أهل النار، لا يعرف له شبيه فى الحياة الدنيا، ولهذا وصفه الله سبحانه بأنه {لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ}، أي: أنه لا تتقبله الأجسام، ولا تتفاعل معه، كما أنه لا يشبع جوع الجياع.. ولو كان معروفا عند العرب، لما وصف هذا الوصف الكاشف!.

ولا تنافي بين هذه الأقوال؛ لأن أصل الضريع الخضوع والذل. قال الجوهري: "وضَرَعَ الرجلُ ضَراعةً، أي خضع وذلَّ. وأضْرعَهُ غيره. وفي المثل: "الحُمَّى أضْرَعَتْني لَكَ ". والضَرَعُ، بالتحريك: الضعيف. وإنَّ فلاناً لضارِعُ الجسم، أي نحيفٌ ضعيفٌ".
وإن قيل: تسمية النبت بذلك شاذ، يرد عليه بما قال ابن فارس: "...ومما شذ عن هذا الباب: الضريع، وهو نبت. وممكن أن يحمل على الباب فيقال ذلك لضعفه، إذا كان لا يسمن ولا يغني من جوع. وقال:
وتركن في هزم الضريع فكلها ... حدباء دامية اليدين حرود". ه
فكل قول يدل على هذا الأصل، وقد قال الراغب الأصفهانى: وأما قوله: {لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}، فقيل: هو يَبِيسُ الشَّبْرَقِ، وقيل: نباتٌ أحمرُ منتنُ الرّيحِ يرمي به البحر، وكيفما كان فإشارة إلى شيء منكر".
وقال ابن جزي: "ولله در من قال: الضريع طعام أهل النار فإنه أعم وأسلم من عهدة التعيين".
وفي معنى "ضريع" عدة احتمالات:
الأول: أنه بمعنى "مضرع"، أي: مضعف للبدن مهزل؛ ويستدل له بما رواه مالك عن حميد بن قيس المكي، أنه قال: "دخل على [يُفضل تشكيل هذه الكلمات: " دُخِل علَى "حتى لا يُتوهم: "دَخلَ عليّ، وحُميد بن قيس ليس صحابيًا] رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بابني جعفر بن أبي طالب فقال لحاضنتهما: ما لي أراهما ضارعين؟ فقالت حاضنتهما: يا رسول الله، إنه تسرع إليهما العين، ولم يمنعنا أن نسترقي لهما إلا أنا لا ندري ما يوافقك من ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استرقوا لهما، فإنه لو سبق شيء القدر لسبقته العين". والحديث سنده منقطع.
ولكن يمكن الاستدلال بما رواه مسلم في صحيحه من طريق أبي عاصم عن ابن جريج عن أبي الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: "رخص النبي -صلى الله عليه وسلم- لآل حزم في رقية الحية، وقال لأسماء بنت عميس: "ما لي أرى أجسام بني أخي ضارعة تصيبهم الحاجة"، قالت: "لا، ولكن العين تسرع إليهم"، قال: "ارقيهم"، قالت: فعرضت عليه، فقال: "ارقيهم".
الثاني: أنه من "فعيل" بمعنى مفعل؛ ويستشهد لهذا بقول عمرو بن معد يكرب:
أمن ريحانة الداعي السميع ... يؤرقني وأصحابي هجوع
يريد: السمع. [الصواب: المُسمِع، " السمع" لعله خطأ في أحد الطبعات لكتاب المحرر الوجيز، ووردت المُسمع في طبعة وزارة الأوقاف القطرية، وهو تابعٌ للمعنى الأول]
الثالث: أنه من المضارعة، أي: الاشتباه لأنه يشبه المرعى الجيد ويضارعه في الظاهر وليس به.
وهذا أيضا يدل على الضعف.
الرابع: أنه مشتق من الضارع، وهو الذليل، أي ذو ضراعة، والمعنى: من شربه ذليل تلحقه ضراعة. فسمي بذلك؛ لأن آكله يتضرع في أن يعفى منه للكراهة وخشونته. وهذا معنى قول النحاس، وابن كيسان، والبقاعي.


التقويم: أ+
أحسنت، بارك الله فيك ونفع بك.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 23 ربيع الأول 1443هـ/29-10-2021م, 11:35 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

متابعة تصحيح التطبيق الثامن من تطبيقات دورة مهارات التفسير




تعليق عام:

- عند بحث معنى مفردة في القرآن الكريم لغة، فمن المهم أن نعلم أنه ليس كل ما ورد في معنى المفردة لغة، يصلح تفسير الآية به، بل ينبغي أن يستبعد الباحث ما لا يحتمله سياق الآيات أو عارض دليلا أو إجماعًا، وتفصيل هذه القاعدة في دورة السبيل إلى فهم القرآن بإذن الله.

- أؤكد على التنبيهات التي أوردها الشيخ في نهاية الدرس التاسع من المهارات المتقدمة في التفسير.



فروخ الأكبروف: أ+

إضافة على التصحيح في المشاركة السابقة:

تفسير الآية بما أورده الزبيدي في تاج العروس بأن ضريع بمعنى الخمر، لا يصح، لأن أهل النار محرومون من الخمر بالنص والإجماع.
وإذا لم نتمكن من إقامة شواهد صحيحة على المعنى الوارد في قواميس اللغة المتأخرة، فالأولى الاعتماد على ما أورده علماء اللغة المتقدمون، لأن المعاجم المتأخرة يقع فيها أخطاء من حيث النسبة.







معنى الحفدة في قوله تعالى: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة}


هنادي الفحماوي: ج+

بارك الله فيكِ ونفع بكِ.

أحسنتِ تصنيف المسألة وتعيين مراجعها واستيعاب الأقوال وتوجيهها في أغلب المواضع

لكن لا زال لديكِ بعض القصور في تخريج الأقوال، والصياغة بأسلوبك بدلا من الاعتماد على نسخ أقوال المفسرين.

- قولك (في القول الأول)
قول ابن عباس فرواه محمد بن إسماعيل البخاري، هذا يفيد أنه رواه بإسناده إلى ابن عباس، وهذا غير صحيح، وإنما أورده معلقًا، وذكرنا أنه إذا أردنا التعرف على إسناد هذا القول نرجع إلى كتاب تغليق التعليق لابن حجر العسقلاني.

تخريج قول عكرمة ناقص.

- قولكِ في القول الثاني:
اقتباس:
أما قول ابن عباس فرواه قطرب البصري عن ابن عباس:

هذا خطأ، فقطرب ناقل ولم يروِ عن ابن عباس.

ما سبق بعض الأمثلة على الأخطاء الواردة في تطبيقك بالنسبة التخريج، ومهارة التخريج تحتاج إلى تأنٍ وصبر لتحصيلها، واتباع الخطوات خطوة خطوة، حتى الإتقان بإذن الله
فأرجو مراجعة التعليقات على التطبيقات السابقة، وبذل مجهود ذاتي على بعض التطبيقات ثم مقارنتها بإجابات الإخوة والأخوات حتى الإتقان بإذن الله.

- القول بأن الحفدة الخدم والأعوان، يبقى بيان دلالة الآية عليه، فلا يصح هنا أن يكون عطف الحفدة على بنين، وإنما يكون المعنى وجعل لكم من أزواجكم بنين، وجعل لكم حفدة.


إيمان جلال: د+

بارك الله فيكِ، ونفع بكِ.

حصل عندكِ إشكال كبير بسبب الخلط بين معنى المصدر (الحَفد) ومعنى (حَفَدة) التي هي جمع حافد.

وتوهم أن معنى حفدة يختلف عن المراد.
ومعنى المفردة لغة أي دلالة الوضع اللغوي لها

للتوضيح: العرب حين يقولون " حفدة " ماذا يعنون بها؟

والمفردة الواحدة قد تُطلق في لسان العرب على عدة معان، مثل كلمة حفدة، والبحث في تفسير الآية يكون في بيان هذه المعاني وبيان ما يمكن أن تحتمله دلالة المفردة في الآية
مثلا في مثالنا هنا يمكن أن تحتمل الآية جميع المعاني، مع اختلاف توجيهها، وفي أمثلة أخرى نرد بعض المعاني لمخالفتها للسياق أو لنص أو إجماع.

- لا يصح تعميم اعتبار أن كل ما يقول فيه المصنف (قيل) أنه بصيغة التمريض.
أرجو مراجعة باقي التطبيقات.



سعاد مختار: ج+

أحسنتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ.

بالنسبة للأقوال: فاتكِ القول بأنهم البنات، والقول بأنه صانع الوشي لا تحمل عليه معنى الآية، مع مراجعة التعليق العام، والتعليق على الأخ فروخ فيما يتعلق بالنقل من معاجم المتأخرين.

بالنسبة للتخريج ففيه اختصار، بارك الله فيكِ.
بالنسبة للتوجيه، أحسنت الأخت هنادي نقل توجيه العلماء، فأرجو مراجعته، مع إضافة توجيه القول بأنهم الخدم والأعوان، ذكرته لها في التعليقات.

وتبقى الملحوظة الرئيسة، وهي أن الغالب على التطبيق نقل أقوال العلماء وليس التعبير بأسلوبك

وأؤكد على ما قاله الشيخ في تنبيهاته في نهاية الدرس التاسع:

اقتباس:
اقتباس:
8. ينبغي أن تظهر شخصية الباحث ولغته العلمية في كتابته وتحريره، وأن لا يكون عمله مقتصراً على مجرّد الجمع والتلخيص؛ بل ينبغي أن يحسن التعبير عن الأقوال، ويبيّنها بما يوضّح المراد بها، ويزيل الإشكالات.

يُتبع بإذن الله ...

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 27 ربيع الأول 1443هـ/2-11-2021م, 11:38 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رولا بدوي مشاهدة المشاركة
مسألة إعراب إن هذان لساحرن من المسائل المشهورة ، و كتبت فيها الرسائل و ضمت إلى نظائرها من مشكل إعراب القرآن عند الرد على شبهات الطعن في القرآن و أن به لحنًا .
هذه المسألة مركبة ، فهي لا تتعلق بباب الإعراب فقط ، بل تجمع عددًا من العلوم؛ علم القراءات، علم النحو و الصرف، علم التفسير و نضم للقائمة علم الحديث.
فمنشأ المسألة أنه رُويَ لهذه الآية قراءات متعددة،منها المتواتر و منها دون ذلك، و لكل قراءة وجه من الإعراب يوافق وجهًا في اللغة العربية ، و لكل قراءة ما يؤيدها و ما يردها. [هذه العبارة غير دقيقة إن أُطلقت على القراءات الصحيحة، فاستشكال علماء اللغة - أو غيرهم - توجيه القراءة، لا يعني رد القراءة الصحيحة، والقاعدة أن القرآن هو الحاكم على قواعد اللغة وليس العكس، وإنما حصل بدء استقراء قواعد اللغة ووضعها في زمن علي بن أبي طالب رضي الله عنه]
و من خلال بحثنا نحاول أن نبين المسألة و نفصل الأقوال بما يساعدنا على بيان الأمر، و نشرع في البيان مستعينين بالله سائلين التيسير و التوفيق .
القراءات التي عليها ( إن هذان لساحران ) و بيان القراءات المتواتر منها و الشاذ:
ïپ¶ 1- قراءة ”إنَّ هَذَيْنِ لَساحِرانِ“:
- رُويت هذه القراءة عن أبو عمرو البري [أبي عمرو البصري] من القراء السبع كما ذكر الفراء ، أبو عبيدة معمر بن المثنى ، الأخفش الأوسط ،أبوبكر البغدادي،أبوبكر الأصبهاني، أبومكي القيسي، أبوعمرو الداني،الأنصاري، ابن عطية،ابن الجوزي، محمد بن أحمد الموصلي (، الدمياطي.
- و قَرَأ بها عِيسى بْنُ عُمَرَ: ذكر ذلك أبو عبيدة معمر بن المثنى ،الأخفش الأوسط،و أبو جعفر النَّحَّاس، الرازي و غيرهم.
ïپ¶ و رويت عن عدد من الصحابة و التابعين ؛ منهم عائشة رضي الله عنها و عثمان و الحسن وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وعاصم الجحدري، و غيرهم ، مجموع ما ذكره كلًا من النحاس و الرازي، القرطبي، الألوسي و غيرهم .
ïپ¶ 2- قراءة ”إنْ هَذانِ“ بِتَخْفِيفِ النُّونَيْنِ.
- قرأ بها الزهري وإسماعيل بن قسطنطين والخليل بن أحمد وعاصم في إحدى الروايتين إن هذان لساحران بتخفيف إن، ذكر ذلك النحاس.
- و قرأ بها حفص عن عاصم ذكر ذلك ابن مجاهد التميمي البغدادي ،مكي بن أبي طالب القَيْسِي ،أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني ،بن حيان أثير الدين الأندلسي .
- وَقَرَأَ بها أَبُو بَحْرِيَّةَ وَأَبُو حَيْوَةَ وَالزُّهْرِيُّ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَحُمَيْدٌ وَابْنُ سَعْدَانَ وَحَفْصٌ ، كما ذكر ابن حيان
- و قرأ بها بو حيوة، وَحُمَيْد بن الوزير عن يَعْقُوب، والزَّعْفَرَانِيّ، ومكي غير ابْن مِقْسَمٍ، وابن جبير عن أبي بكر، وجبلة عن المفضل، وحفص إلا البحتري، وابن صبيح، ذكر ذلك أبو القاسم يوسف بن علي بن جبارة الهذلي المغربي .
- و قد استحسنها الزجاج ، واختارها مكي القيسي ،، و أبو القاسم يوسف بن علي بن جبارة الهذلي المغربي ،و هي قراءة الخليل ( ذكر ذلك عنه علم الدين علي بن محمد السخاوي ،واستحسنها أبوشامة الدمشقي، و قال عنها الدمياطي أوضح القراءات
و سبب استحسان الزجاج ما قاله في كتابه معاني القرآن و إعرابه : أن فيها إمامان: عاصم والخليل، وموافقة أُبَيٍّ في المعنى، وإن خالفه اللفظ، يروى عنه أنه قرأ: "ما هذان إلا ساحران"، وفي رواية: "إن ذان إلا ساحران" قال ويستحسن أيضا: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ}؛ لأنه مذهب أكثر القراء وبه يقرأ.
و يصدق قراءة عاصم قرءاة أُبي (ما هذان إِلَّا سَاحِرَانِ) ذكر ذلك الزمخشري في الكشاف، ورُوِيَ أيضاً عنه أنه قرأ: إنْ هَذَان إِلا سَاحِرانِ .
ïپ¶ و القراءة الثالثة قَرَأ بها ابْنُ كَثِيرٍ: ”إنْ هَذانِّ“ بِتَخْفِيفِ ”إنَّ“ وتَشْدِيدِ نُونِ ”هَذانِ“ .
ذكر ذلك عنه : ابن مجاهد التميمي البغدادي ، مكي بن أبي طالب القَيْسِي ، أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني ، بن حيان أثير الدين الأندلسي و غيرهم.
ïپ¶ و القراءة الرابعة: إنَّ هَذانِ لَساحِرانِ:
- وقرأ بها المدنيون والكوفيون ( عامة الأمصار كما قال ابن جرير) بتشديد ( إن ) .
- وَقَرَأَ بها أَبُو جَعْفَرٍ وَالْحَسَنُ وَشَيْبَةُ وَالْأَعْمَشُ وَطَلْحَةُ وَحُمَيْدٌ وَأَيُّوبُ وَخَلَفٌ فِي اخْتِيَارِهِ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ وَابْنُ عِيسَى الْأَصْبَهَانِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ جُبَيْرٍ الْأَنْطَاكِيُّ وَالْأَخَوَانِ وَالصَّاحِبَانِ مِنَ السَّبْعَةِ ، كما ذكر ابن حيان في تفسيره.
- و قرأ بها نافع وابن عامر وأبو بكر وحمزة والكسائي وأبو جعفر ويعقوب، وافقهم الشنبوذي والحسن كما ذكر أحمد بن محمد بن البناء الدمياطي (في إتحاف فضلاء البشر: 2/248)
ïپ¶القراءة الخامسة: قَرَأ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: (وأسَرُّوا النَّجْوى، أنْ هَذانِ ساحِرانِ) بِفَتْحِ الألِفِ وجَزْمِ نُونِهِ [ و] ساحِرانِ بِغَيْرِ لامٍ.ذكر ذلك الديلمي الفراء و النحاس .
ïپ¶ القراءة السادسة: رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: ”ما هَذانِ إلّا ساحِرانِ“، ورُوِيَ عَنْهُ أيْضًا: [ إنْ هَذانِ لَساحِرانِ ] وعَنِ الخَلِيلِ مِثْلُ ذَلِكَ، وعَنْ أُبَيِّ أيْضًا: [ إنْ ذانِ لَساحِرانِ ] ؛ الرازي ، الديلمي الفراء ،وقال عقب ذكرها :فَهَذِهِ هي القِراءاتُ الشّاذَّةُ المَذْكُورَةُ في هَذِهِ الآيَةِ.

و يتبين مما سبق أن هناك ثلاث قراءات عليها مدار الحديث ؛ و هي:((إن هذان لساحران )المخففة من الثقيلة ،و (إنَ هذان لساحران ) بالتشديد، و القراءة التي أثارت الأمر و استحثت العلماء للكلام قراءة (إن هذين لساحران)، و التي قرأ بها ابن عمرو و عيسى ابن يونس و أنكرا قراءة هذان، حتى أن ابن عمرو قال أنه يستحي أن يقرأ ب(هذان) . [تكرر الخطأ في كتابة الأسماء في بحثكِ فأرجو مراجعته وتصحيحها، أبو عمرو بن العلاء، مع الانتباه للإعراب، هل تُكتب أبو أو أبي، وعيسى بن عمر، ويونس]
بالنظر إلى قراءة إن هذين لساحران :
الإعراب: كما قال السمين الحلبي في الدر المصون: «هذَيْن» اسمُ «إنَّ» وعلامةُ نصبِه الياءُ. و «لَساحِران» خبرُها، ودخَلَتِ اللام توكيداً.
و هي قراءة على الأصل في إعراب المثنى بالياء نصبًا و على إعمال إن المشددة، قال عنها الماوردي والقرطبي: موافقة للإعراب مخالفة للمصحف. (لرسم المصحف)
و قال السمين الحلبي (المتوفى: 756هـ) في الدر المصون: وأمَّا قراءةُ أبي عمروٍ فواضحةٌ من حيث الإِعرابُ والمعنى.
المعنى( التفسير) : فإنَّهم أَثْبتوا لهما السحرَ بطريق تأكيديٍّ من طرفيه،( كما قال السمين الحلبي)
وجه الاستشكال:
1- ولكنهم استشكلُوها من حيث خَطُّ المصحفِ.
2- ورود غيرها من القراءات المتواترة.
حجة أبو عمرو و عيسى في اتباع هذه القراءة :
1- احتجا بما رُوي عن عائشة رضي الله عنها أن هناك خطأ في القرآن و ما رويَ عن عثمان أن هناك لحنًا ستقيمه العرب ذكر ذلك عددًا من أهل اللغة و التفسير كالفراء و الزجاج و غيرهم .
2- أن القياس هو أن هذا هو إعراب المثنى،كما قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه الهمذاني النحوي الشافعي (ت ظ£ظ§ظ هـ): لأنّ تثنية المنصوب، والمجرور بالياء فى لغة فصحاء العرب .
*وقد كان يقرأنها كذلك لكن اللفظ في الكتاب كما هو ( هذن دون ألف)، كما قال أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمى البصري (المتوفى: 209هـ -و لعل هذا في المصاحف قبل التنقيط و التشكيل -.
«إنّ هذين لساحران» فى اللفظ وكتب «هذان» كما يزيدون وينقصون فى الكتاب واللفظ صواب، و قال ذلك ابن جرير أيضا في تفسيره.( مجاز القرآن ،ج2/20-23). [أبو عبيدة معمر بن المثنى، تلميذ أبي عمرو بن العلاء، ونقل عنه هذه العبارة، فهي كلمة أبي عمرو وعيسى ويونس، وليست كلمة أبي عبيدة]
قال ابن جرير (310) وحُدثت عن أبي عُبيدة معمر بن المثنى، قال: قال أبو عمرو وعيسى بن عمر ويونس: إن هذين لساحران في اللفظ، وكتب هذان كما يريدون الكتاب، واللفظ صواب
و هي اللغة العالية التي يتكلم بها جماهير العرب كما ذكر محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، أبو منصور ، و قال صاحب الكشاف: قرأ أبو عمرو (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) على الجهة الظاهرة المكشوفة.
قال محمد بن أحمد الموصلي (شعلة) (ت: 656هـ
قال الشاطبي وَهذَيْنِ فِي هذَانِ "حَـ"ـجَّ وَثِقْلُهُ،.. "دَ"نا فَاجْمَعُوا صِلْ وَافْتَحِ الْميمَ "حُـ"ـوَّلا
أي: وقرأ أبو عمرو "إن هذين" بنصب "هذين"؛ لأنه اسم "إن" فهذه قراءة جلية أيضا فلهذا قال: حج؛ أي: غلب في حجته لذلك (إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/373]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفوائد : (وكان أبو عمرو إماما في العربية فقرأ بما يعرف من العربية: [إن هذين لساحران] وقد ذُكر أن له سلفاً في هذه القراءة وهو الظن به: أنه لا يقرأ إلا بما يرويه لا بمجرد ما يراه.\
قال الفراء(207) وقرأ أبو عمرو " إن " بتشديد النون " هذين " بالياء على الأصل و قال ولست أشتهي عَلَى (أن أخالف «8» الكتاب(معاني القرآن، ج2/183-184
و لم يجز الزجاج القراءة بها لمخالفتها رسم المصحف ،لأن اتباعه سنة. ( [معاني القرآن و إعرابه: 3/361،360] .
و قد بين السمين الحلبي في كتابه علوم الكتاب المكنون الاستشكال في رسم المصحف ؛وذلك أنَّ رَسْمَه «هذن» بدونِ ألفٍ ولا ياءٍ، فإثباتُه بالياءِ زيادةٌ على خطِّ المصحفِ ، قال أبو عبيد: «رأيتُهما في الإِمام مصحفِ عثمان» هذن «ليس فيها ألفٌ، وهكذا رأيتُ رفعَ الاثنين في ذلك المصحفِ بإسقاط الألفِ، وإذا كتبوا النصبَ والخفضَ كتبُوه بالياء، ولا يُسْقِطونها» .
قلت: وهذا لا ينبغي أَنْ يُرَدَّ به على أبي عمرو، وكم جاء في الرسم أشياءُ خارجةٌ عن القياسِ، وقد نَصُّوا هم أنه لا يجوزُ القراءةُ بها فليكنْ هذا منها، أعني ممَّا خَرَجَ عن القياس.
فإن قلتَ: ما نَقَلْتَه عن أبي عبيد مشتركُ الإِلزامِ بين أبي عمروٍ وغيرِه، فإنهم كما اعترضوا عليه بزيادةِ الياء يُعْترض عليهم بزيادةِ الألفِ: فإنَّ الألفَ ثابتةٌ في قراءتِهم، ساقطةٌ من خَطِّ المصحفِ. فالجواب ما تقدَّم مِنْ قولِ أبي عبيدٍ أنهم رآهم يُسْقِطون الألفَ مِنْ رفع الاثنين، فإذا كتُبوا النصبَ والخفضَ كتبُوه بالياء. [حددي بداية قول السمين الحلبي ونهايته بقوسين ثم علامة اهـ. ليظهر انتهاء كلامه، وأن قول (قلتُ) له وليس لكِ]
و يرد على الحجة الأولى تعقب العلماء لأقوال عثمان بن عفان و عائشة رضي الله عنهما بالنقد و التحليل.
الأقوال التي رويت عن عثمان ابن عفان رضي الله عنه :
- أخرج ابن أبي داود في كتاب المصاحب و ابن أشتة كما في الاتقان للسيوطي و ابن مجاهد كما في الانتصار لصحة نقل القرآن للباقلاني بألفاظ متقاربة من طريق عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر القرشي: قد أحسنتم وأجملتم، أرى فيه شيئاً من لحن ستقيمه العرب بألسنتها .
- وأخرج ابن أبي داود والداني في كتابه المقنع والباقلاني في الانتصار لصحة نقل القرآن من طريق عمران بن داور القطان عن قتادة عن نصر بن عاصم الليثي عن عبد الله بن فطيمة عن يحى ابن يعمر عن عثمان مثله.
- و روى مثله ابن مجاهد كما الانتصار لصحة نقل القرآن للباقلاني من طريق أبو عمرو بن العلاء عن قتادة عن عثمان
- أخرج أبو عبيد في كتاب فضائل القرآن و ابن ابي داود في كتاب المصاحف و الداني في كتابه المقنع بألفاظ متقاربة من طريق عكرمة الطائي عن عثمان لو كان المملي من هذيل والكاتب من ثقيف لم يوجد فيه هذا.
و قد عقب أبو عمرو الداني على رواياته في المقنع في رسم مصاحف ما ملخصه بتصرف:
1- حكم الداني عما روى عن عثمان أنه لا تقوم به حجة :
1- لتخليط إسناده و اضطراب ألفاظه و لأن إسناده مرسل فابن يعمر و عكرمة لم يسمعا من عثمان .
2- نكارة المتن في حق عثمان رضي الله عنه وذلك لمكانته في الإسلام و لأنه يُعارض ما قام جمع القرآن بسببه في عهده بإزالة الخلاف و توحيد المصاحف و رسالته لابن مسعود أن يقرأ بحرف قريش و يترك غيره،و كل ذلك لمنع أسباب الخلاف بين المسلمين في القرآن ، كما أن مثل هذا القول يكون سببًا في الطعن فيمن جمع و فيمن نقل ، فكيف يترك فيه لحنًا رآه؟
و قد أول الداني ما رواه عن عثمان رضي الله عنه إن صح أنه المراد التلاوة دون الرسم.
و ووجه أبو عمرو الداني قول عثمان رضي الله عنه في آخر هذا الخبر لو كان الكتاب من ثقيف والمملي من هذيل لم توجد هذه الحروف فقال: معناه أي توجد فيه مرسومة بتلك الصور المبنية على المعاني دون الالفاظ المخالفة لذلك اذ كانت قريش ومن ولي نَسْخ المصاحف من غيرها قد استعملوا ذلك في كثير من الكتابة وسلكوا فيها تلك الطريقة ولم تكن ثقيف وهذيل مع فصاحتهما يستعملان ذلك فلو انهما وليتا من امر المصاحف ما وليه من تقدم من المهاجرين والانصار لرستما جميع تلك الحروف على حال استقرارها في اللفظ ووجدها في المنطق دون المعاني والوجوه اذ ذلك هو المعهود عندهما والذي جرى عليه استعمالها هذا تأويل قول عثمان عندي لو ثبت وجاء مجيء الحجّة وبالله التوفيق.
و هذه الأسباب مما اتفق عليها إجمالًا و تفصيلًا علماء اللغة و علماء القراءات و التفسير.
و من أمثلة ذلك:
- أن ا بن خالويه الهمذاني أرجع معنى لحنًا في ما روي عن عثمان أنه الخروج من لغة إلى لغة. فقول عثمان:نجد فى مصاحفكم لحنا، لم يرد اللّحن الذى لا يجوز البتّة، ولكنّه أراد الخروج من لغة إلى لغة؛ لأنّ القرآن نزل بلغة قريش، لا بلغة بلحرث بن كعب. ألم تسمع أنّ عمر بن الخطّاب رضى الله عنه بلغه أنّ ابن مسعود يقرئ الناس بلغة هذيل «عتّى حين» بالعين فكتب إليه: أمّا بعد، فإذا ورد عليك كتابى فأقرئ النّاس بلغة هذا الحىّ من قريش. وكلّ قد ذهب مذهبا، والحمد لله واجتهدوا.
- و عزى علم الدين علي بن محمد السخاوي قول أبو عمرو: «ما وجدت في القرآن لحنا غير {إن هذن} و{أكن من الصلحين}» ، أنه من الظن ، كما أنه يرى أن الرواية عن عثمان غير ثابتة و متنها لا يليق بمثل عمر.». فتح الوصيد: 2/1102
و قال ابن تيمية في مجموع الفوائد: قَالَ الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِهِ: {الْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ} قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ خَطَأٌ - بَعِيدٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ الَّذِينَ جَمَعُوا الْقُرْآنَ هُمْ أَهْلُ اللُّغَةِ وَالْقُدْوَةُ فَكَيْفَ يَتْرُكُونَ شَيْئًا يُصْلِحُهُ غَيْرُهُمْ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْسَبَ هَذَا إلَيْهِمْ وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: حَدِيثُ عُثْمَانَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّصِلٍ وَمُحَالٍ أَنْ يُؤَخِّرَ عُثْمَانُ شَيْئًا لِيُصْلِحَهُ مَنْ بَعْدَهُ. قُلْت: وَمِمَّا يُبَيِّنُ كَذِبَ ذَلِكَ: أَنَّ عُثْمَانَ لَوْ قُدِّرَ ذَلِكَ فِيهِ فَإِنَّمَا رَأَى ذَلِكَ فِي نُسْخَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ جَمِيعُ الْمَصَاحِفِ اتَّفَقَتْ عَلَى الْغَلَطِ وَعُثْمَانُ قَدْ رَآهُ فِي جَمِيعِهَا وَسَكَتَ: فَهَذَا مُمْتَنِعٌ عَادَةً وَشَرْعًا: مِنْ الَّذِينَ كَتَبُوا وَمِنْ عُثْمَانَ ثُمَّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ وَصَلَتْ إلَيْهِمْ الْمَصَاحِفُ وَرَأَوْا مَا فِيهَا وَهُمْ يَحْفَظُونَ الْقُرْآنَ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ فِيهِ لَحْنًا.
- و قال السيوطي في الاتقان: وَلَعَلَّ مَنْ رَوَى تِلْكَ الْآثَارَ السَّابِقَةَ عَنْهُ حَرَّفَهَا وَلَمْ يُتْقِنِ اللَّفْظَ الَّذِي صَدَرَ عَنْ عُثْمَانَ فَلَزِمَ مِنْهُ مَا لَزِمَ مِنَ الْإِشْكَالِ فَهَذَا أَقْوَى مَا يُجَابُ عَنْ ذَلِكَ. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
الأقوال عن عائشة رضي الله عنها :
- روى أبو عبيد وسعيد بن منصور وابن جرير من طريق أبي معاوية عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: سألتُ عائشة عن لَحْنِ القرآن: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون}، {والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة}، و{إن هذان لساحران}؛ فقالت: «يا ابن أختي، هذا عَمَلُ الكُتَّاب، أخطأوا في الكِتَاب».
ورواه عمر بن شبّة من طريق علي بن مسهر عن هشام بن عروة عن أبيه، قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن لحن القرآن: إن هذان لساحران، وقوله: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى} ، {والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة}، وأشباه ذلك فقالت: «أي بني إنَّ الكتاب يخطئون»
قال أبو عمرو الداني في كتابه حدثنا الخاقاني قال حدثنا احمد بن محمد قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا أبو عبيد قال حدثنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أَبيه قال سأَلتُ عائشة رضي الله عنها عن لحن اُلقرآن عن قول الله عز وجل " إن هذين لسحرن " وعن قوله " والمقيمين اُلصلوة والمؤتون الزكوة " وعن قوله تبارك وتعلى " اِنّ الذين ءامنوا والذين هادوا..والصبئون " فقالت ياابن اختي عمل الكتاب اخطئوا في الكتاب
و قد تأول الداني هذه الرواية فقال: تأويله ظاهر وذلك إن عروة لم يسأل عائشة فيه عن حروف الرسم التي تزاد فيها لمعنى وتنقصى منها لأخر تأكيداً للبيان وطلبا للخفّة وانما سأله فيه عن حروف من القراءة المختلفة الالفاظ المحتملة الوجوه على اختلاف اللغات التي اذن الله عز وجل لنبيّه عليه السلام ولاُمّته في القراءة بها.
و قال: كذلك الخطأ على جهة الاتّساع في الاخبار وطريق المجاز في العبارة اذ كان ذلك مخالفا لمذهبهما وخارجا عن اختيارهما وكان الأوجه والأولى عندهما الأكثر والافشى لديهما لا على وجه الحقيقية والتحصيل والقطع.
و قال: على إن أم المؤمنين رضي الله عنها مع عظيم محلّها وجليل قدرها واتّساع علمها ومعرفتها بلغة قومها لّحنت الصحابة وخطأت الكتبة وموضعهم من الفصاحة والعلم باللغة موضهم الذي لا يجهل ولا ينكر هذا مالا يسوغ ولا يجوز. .( في كتابه المقنع 120-122)
-و قال السمين الحلبي في تأويل ما نقل عن عائشة رضي الله عنها و غيرها : يَعْنُون أنه كان مِنْ حقه أن يكتبَه بالياءِ فلم يفعلْ، فلم يقرَأْه الناسُ إلاَّ بالياءِ على الصوابِ.
-قال السيوطي في الاتقان: أَمَّا الْجَوَابُ بِالتَّضْعِيفِ فَلِأَنَّ إِسْنَادَهُ صَحِيحٌ كَمَا تَرَى وَأَمَّا الْجَوَابُ بِالرَّمْزِ وَمَا بَعْدَهُ فَلِأَنَّ سُؤَالَ عُرْوَةَ عَنِ الأحرف المذكور لَا يُطَابِقُهُ فَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ ابْنُ أُشْتَةَ وَتَبِعَهُ ابْنُ جُبَارَةَ فِي شَرْحِ الرَّائِيَةِ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهَا " أَخْطَئُوا " أَيْ فِي اخْتِيَارِ الْأَوْلَى مِنَ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ لِجَمْعِ النَّاسِ عَلَيْهِ لَا أَنَّ الَّذِي كَتَبُوا مِنْ ذَلِكَ خَطَأٌ لَا يَجُوزُ. قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَالَا يَجُوزُ مَرْدُودٌ بِإِجْمَاعٍ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَإِنْ طَالَتْ مُدَّةُ وُقُوعِهِ. قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: لَحْنٌ مِنَ الْكَاتِبِ فَيَعْنِي بِاللَّحْنِ الْقِرَاءَةَ وَاللُّغَةَ يَعْنِي أَنَّهَا لُغَةُ الَّذِي كَتَبَهَا وَقِرَاءَتُهُ وَفِيهَا قِرَاءَةٌ أُخْرَى.
-و قالَ الجَلالُ السُّيُوطِيُّ في الإتقان : وهَذا مُشْكِلٌ جِدًّا إذْ كَيْفَ يُظَنُّ بِالصَّحابَةِ أوَّلًا أنَّهم يَلْحَنُونَ في الكَلامِ فَضْلًا عَنِ القُرْآنِ وهُمُ الفُصَحاءُ اللَّدُّ، ثُمَّ كَيْفَ يُظَنُّ بِهِمْ ثانِيًا الغَلَطُ في القُرْآنِ الَّذِي تَلَقَّوْهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ كَما أنْزِلُ ولَمْ يَأْلُوا جُهْدًا في حِفْظِهِ وضَبْطِهِ وإتْقانِهِ، ثُمَّ كَيْفَ يُظَنُّ بِهِمْ ثالِثًا اجْتِماعُهم كُلُّهم عَلى الخَطَأِ وكِتابَتِهِ، ثُمَّ كَيْفَ يُظَنُّ بِهِمْ رابِعًا عَدَمُ تَنَبُّهِهِمْ ورُجُوعِهِمْ عَنْهُ، ثُمَّ كَيْفَ يُظَنُّ خامِسًا الِاسْتِمْرارُ عَلى الخُطا وهو مَرْوِيٌّ بِالتَّواتُرِ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ ولَوْ ساغَ مِثْلَ ذَلِكَ لارْتَفَعَ الوُثُوقُ بِالقُرْآنِ.
قال الشيخ عبد العزيز الداخل في دورة جمع القرآن : هذا الأثر إسناده في ظاهره صحيح، فقد رواه عن هشام بن عروة رجلان هما: أبو معاوية محمد بن خازم الضرير، وعلي بن مسهر؛ فبرئت عهدة أبي معاوية من التفرّد به كما أعلّه به بعضهم، وإن كان أبو معاوية قد انتقد بسبب اضطراب بعض حديثه، لكنّه قد توبع في هذا الأثر، وتابَعَه ثقة ثبت وهو علي بن مسهر
ومتنه منكر جداً، يبعد أن يصدر عن مثل عائشة رضي الله عنها، وهي تقرأ هذه الآيات كما يقرؤها المسلمون، وتعلم أنَّ الأصل في القراءة الرواية مشافهة، وتعلم أيضاً أنّ كتابة المصاحف كانت عن إجماع من الصحابة رضي الله عنهم، وأن الذين انتدبوا لكتابته ومراجعته جماعة يستحيل تواطؤهم على الخطأ واللحن.
و قال : من رووا هذا الحديث عن هشام عراقيّان، وحديث العراقيين عن هشام بن عروة متكلّم فيه.
وقال :قال يعقوب بن شيبة: (هشام ثبت لم ينكر عليه إلا بعد ما صار إلى العراق، فإنه انبسط في الرواية، وأرسل عن أبيه بما كان سمعه من غير أبيه عن أبيه
و قال هذا الحديث مما أخطأ فيه هشام بن عروة؛ فرواه عن أبيه من غير ذكر الواسطة.
وهذه العلّة مع نكارة المتن كافية في ردّه.
وعلى فرض صحة المنسوب إلى عائشة رضي الله عنها فالجواب عنه أن تخطئتها للكتّاب اجتهاد منها إذْ تركوا القراءة التي كانت تقرأ بها وتعرفها واختاروا غيرها، وقولهم مقدّم على قولها في ذلك، لكثرتهم واجتماعهم وشدّة عنايتهم بالقراءة والإقراء.
و للخروج من هذا الاشكال قال السيوطي أن ابن اشتة َّ أَخْرَجَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} و " إِنْ هَذَيْنِ لَسَاحِرَانِ " سَوَاءٌ لَعَلَّهُمْ كَتَبُوا الْأَلِفَ مَكَانَ الْيَاءِ وَالْوَاوَ فِي قَوْلِهِ: {وَالصَّابِئُونَ} مَكَانَ الْيَاءِ قَالَ ابْنُ أُشْتَةَ: يَعْنِي أَنَّهُ مِنْ إِبْدَالِ حَرْفٍ فِي الْكِتَابِ بحرف مثل الصلاة والزكاة والحياة.
-و رد السيوطي هذا الرأي فقال: هَذَا الْجَوَابُ إِنَّمَا يَحْسُنُ لَوْ كَانَتِ الْقِرَاءَةُ بِالْيَاءِ فِيهَا وَالْكِتَابَةُ بِخِلَافِهَا وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ عَلَى مُقْتَضَى الرَّسْمِ فَلَا وَقَدْ تَكَلَّمَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى هَذِهِ الْأَحْرُفِ وَوَجَّهُوهَا عَلَى أَحْسَنِ تَوْجِيهٍ
<<
ïپ¶ -قال الألوسي في روح المعاني بعدما ذكر ما قاله السيوطي و رأي الأنباري في تضعييف الروايات : والَّذِي أجْنَحُ أنا إلَيْهِ والعاصِمُ هو اللَّهُ تَعالى تَضْعِيفُ جَمِيعِ ما ورَدَ مِمّا فِيهِ طَعْنٌ بِالمُتَواتِرِ ولَمْ يَقْبَلْ تَأْوِيلًا يَنْشَرِحُ لَهُ الصَّدْرُ ويَقْبَلُهُ الذَّوْقُ وإنْ صَحَّحَهُ مَن صَحَّحَهُ. والطَّعْنُ في الرُّواةِ أهْوَنُ بِكَثِيرٍ مِنَ الطَّعْنِ بِالأئِمَّةِ الَّذِينَ تَلَقَّوُا القُرْآنَ العَظِيمَ الَّذِي وصَلَ إلَيْنا بِالتَّواتُرِ مِنَ النَّبِيِّ ï·؛ ولَمْ يَأْلُوا جُهْدًا في إتْقانِهِ وحِفْظِهِ.
وقَدْ ذَكَرَ أهْلُ المُصْطَلَحِ أنَّ مِمّا يُدْرَكُ بِهِ وضْعُ الخَبَرِ ما يُؤْخَذُ مِن حالِ المَرْوِيِّ كَأنْ يَكُونَ مُناقِضًا لِنَصِّ القُرْآنِ أوِ السُّنَّةِ المُتَواتِرَةِ أوِ الإجْماعِ القَطْعِيِّ أوْ صَرِيحِ العَقْلِ حَيْثُ لا يَقْبَلْ شَيْءٌ مِن ذَلِكَ التَّأْوِيلَ أوْ لَمْ يَحْتَمِلْ سُقُوطَ شَيْءٍ مِنهُ يَزُولُ بِهِ المَحْذُورُ فَلَوْ قالَ قائِلٌ بِوَضْعِ بَعْضِ هاتِيكَ الأخْبارِ لَمْ يَبْعُدْ، واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ. ( روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المؤلف:8/ 533- 536).
و مما سبق يتيبن أن لا حجة لأبو عمرو و عيسى فيما بنوا عليه اعتقادهم بوجود خطأ في القرآن ، ترتب عليه إنكارهم ما عليه رسم المصحف.[هذه العبارة بهذا الجزم تستلزم أنه ثبت لديكِ صحة إسناد هذا القول لأبي عمرو البصري، أما وقد نقلتيها من مصادر ناقلة عنه ولم تبين الإسناد إليه، فأقصى ما يمكنكِ قوله (ما روي عن أبي عمرو البصري) مع ذكر نص الكلام الذي نُسب إليه، خصوصًا وأن الطالب في هذه المرحلة ليس مطلوبًا منه إثبات صحة الإسناد، لكن ما يلزمه هو الدقة في التعبير ونسبة الأقوال لقائليها ومعرفة الحد الذي يلتزم به]
و الرد على حجة أبو عمرو البصري و عيسى في انكار القراءة بالقراءات التي فيها( هذان) بالألف نشرع في بيان هذه القراءات و أوجهها و مدى موافقتها للعربية، و فيها الرد الوافي على أبو عمرو و عيسى .
ïپ¶ 2- القراءة ( إن هذان لساحران) بسكون نون إن و ألف هذان و إن هذان لساحران ؛ بسكون النون و ألف هذان و تشديد نون ساحران:
ïپ¶ الإعراب على قولين:
1- القول الأول : إن بمعنى ما ( ما هذان إلا ساحران)، ونافية واللام بمعنى (إلا) عند الكوفيين نحو: {إن نظنك لمن الكاذبين} [الشعراء: 186] ، ذكر ذلك : محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، أبو منصور [يعرف بأبي منصور الأزهري]، محمد بن أحمد الموصلي ، أبو شامة الدمشقي، السخاوي.
و هذه اللغة هي لغة صحيحة عبر عن هذا الأمر أبو منصور الأزهري فقال :وهذا صحيح في المعنى، وفي كلام العرب.
عبر ابن حيان و السمين عن هذا التقدير ب( الكوفيين يزعمون)، و قال السمين وهو خلافٌ مشهورٌ وقد وافقَ تخريجُهم هنا قراءةَ بعضِهم «ما هذانِ إلاَّ ساحران.
و قال السيوطي في الاتقان : أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ " إِنْ " فَهُوَ إِنْكَارٌ.
قال الألوسي : قالَ الكُوفِيُّونَ: إنْ نافِيَةٌ واللّامُ بِمَعْنى إلّا أيْ ما هَذانِ إلّا ساحِرانِ. ويُؤَيِّدُهُ أنَّهُ قُرِئَ كَذَلِكَ. وفي رِوايَةٍ عَنْ أُبَيٍّ أنَّهُ قُرى ( إنْ هَذانِ إلّا ساحِرانِ ) . وقُرِئَ ( إنْ ذانِ ) بِدُونِ هاءِ التَّنْبِيهِ ( إلّا ساحِرانِ ) . وعَزاها ابْنُ خالَوَيْهِ إلى عَبْدِ اللَّهِ وبَعْضُهم إلى أُبَيٍّ وهي تُؤَيِّدُ ذَلِكَ أيْضًا. وقُرِئَ ( إنْ ذانِ لَساحِرانِ ) بِإسْقاطِ هاءِ التَّنْبِيهِ فَقَطْ.
المعنى: توكيد كونهما ساحران ( الاستثناء بعد النفي يفيد التوكيد و قصر الصفة )
القول الثاني: {إن} مخففة من الثقيلة ألغيت من العمل، و اللام فارقة بينها و بين التي تكون في معنى ما ؛ و ذلك عند البصريين كما ذكر السخاوي و الموصلي .
و قال الأخفش الأوسط، و ابن جرير: وهي لغة لقوم يرفعون بها، ويدخلون اللام ليفرقوا بينها وبين التي تكون في معنى ما.
ïƒک قال الزجاج في معاني القرآن و إعرابه(311) : روي عن الخليل: "إن هذان لساحران" بالتخفيف، قال: والإجماع أنه لم يكن أحد بالنحو أعلم من الخليل.
قال مكي القيسي (المتوفى: 437هـ) : فَهِيَ قِرَاءَة حَسَنَة لِأَنَّهُ أصلح الاعراب وَلم يُخَالف الْخط.
و استحسن تقدير الكوفيين أن لا بمعنى إلا فقال عنه( فَهُوَ من أحسن شَيْء لأَنهم يقدرُونَ إِن الْخَفِيفَة بِمَعْنى مَا وَاللَّام بِمَعْنى إِلَّا فتقدير الْكَلَام مَا هَذَانِ إِلَّا ساحران فَلَا خلل فِي هَذَا التَّقْدِير إِلّا َ مَا ادعوهُ أَن اللَّام تَأتي بِمَعْنى إِلَّا (إعراب القراءات السبع وعللها، 2/466).
المعنى: توكيد خبر أنهما ساحران
و توجيه قراءة ابن كثير بتشديد نون هاذان على أوجه هي:
- الوجه الأول قاله الموصلي(235) للدلالة على بعد المشار إليهما .
-قال ابن زنجلة(403) في كتابه حجة القراءات(وقرأ ابن كثير {إن} بالتخفيف {هذان} بالتشديد و {إن} تكون أيضا بمعنى ما والأ في هذان هذا ان فحذف الألف وجعل التشديد عوضا من الألف المحذوفة التي كانت في هذا ومن العرب من إذا حذف عوض ومنهم من إذا حذف لم يعوض فمن عوض آثر تمام الكلمة ومن لم يعوض آثر التخفيف ومثل ذلك في تصغير مغتسل منهم من يقول مغيسل فلم يعوض ومنهم من يقول مغيسيل فعوض من التاء ياء.( 456)
و الوجه الثالث:قاله الألوسي (المتوفى: 1270هـ):قال هو عَلى خِلافِ القِياسِ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الأسْماءِ المُتَمَكِّنَةِ وغَيْرِها.
عبر عنها أبو منصور الأزهري فقال : وتشديد النون من (هذانِّ) لغة معروفة، وقُرِئ (فَذَانِّكَ بُرهَانَانِ) على هذه اللغة.
و قد وصف أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل الدمشقي قراءة حفص و ابن كثير بأنها قراءة واضحة جيدة غير محوجة إلى تكلف في تأويل رفع هذان بعدها.
و وصف السمين الحلبي في كتابه و الدمياطي: قراءةُ ابنِ كثير وحفص أنها أوضحُ القراءاتِ معنىً ولفظاً وخَطَّاً.
و أضاف السمين :وافَقَتْ خَطَّ المصحفِ؛ فإن الرسم «هذن» بدونِ ألفٍ ولا ياءٍ.
و هذا الإعراب يحتاج لبيان :
• وجه تخفيف إن و تركها العمل:
- قال فخر الدين الرازي (ظ¦ظ ظ¦ هـ):
أمّا اللُّغَةُ الظّاهِرَةُ وهي تَرْكُ إعْمالِ ”إنِ“ الخَفِيفَةِ دالَّةٌ عَلى أنَّ الشَّبَهَ اللَّفْظِيَّ في ”إنَّ“ الثَّقِيلَةِ أحَدُ جُزْأيِ العِلَّةِ في حَقِّ عَمَلِها وعِنْدَ الخِفَّةِ زالَ الشَّبَهُ فَلَمْ تَعْمَلْ بِخِلافِ السُّكُونِ فَإنَّهُ عامِلٌ بِمَعْناهُ لِكَوْنِهِ فِعْلًا مَحْضًا ولا عِبْرَةَ لِلَفْظِهِ ( للاستزادة في تفصيل القاعدة يُرجع لتفسير الرازي ).
- و قال ابن حيان أثير الدين الأندلسي و السمين الحلبي :أن إن إذا خففت جاز أن لا تعمل النصب في الاسم( تُهمل) نحو: {وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ}، {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا}، ويرتفع ما بعدها على الابتداء والخبر، واللام في الخبر هي الفارقة بين المخففة من الثقيلة وبين النافية؛ هذه عبارة البصريين في كل ما جاء من هذا القبيل نحو: {وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ}، {وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} و عبر السمين عن هذا الوجه(ولَمَّا أُهْمِلَتْ كما هو الأفصحُ مِنْ وجهيها خِيْفَ التباسُها بالنافية فجيء باللامِ فارقةً في الخبر.
وقال أحمد بن محمد بن البناء الدمياطي : و مبينًا أن دخول لام الابتداء أو دخول إلا هو مما يُجَوز تخفيف نون إن و إسكانها.( مجاز القرآن ،ج2/20-23) بتصرف.
- و الاعتراض على هذا الإعراب بسبب أن دُخُول اللَّام فِي الْخَبَر يَعْتَرِضهُ على مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ لِأَنَّهُ يقدر أَنَّهَا المخففة من الثَّقِيلَة ارْتَفع مَا بعْدهَا بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر لنَقص بنائها فَرجع مَا بعْدهَا الى أَصله وَاللَّام لَا تدخل فِي خبر ابْتِدَاء أَتَى على أصلة إِلَّا فِي شعر، ذكره ابن خالويه في كتابه إعراب القراءات السبعة و عللها و أجاب عليه فقال : أنّ من العرب من يدخل لام التّأكيد فى خبر المبتدأ، فيقول زيد لأخوك. وهى لغة مستقيمة، قال الشّاعر : -
خالى لأنت ومن جرير خاله ... ينل العلاء ويكرم الأخوالا
وقال آخر:
أمّ الحليس لعجوز شهربه ... ترضى من اللّحم بعظم الرّقبه
و أضاف أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان أثير الدين الأندلسي وجهًا آخرًا فقال: بِأنَّها دَخَلَتْ بَعْدَ إنْ هَذِهِ لِشَبَهِها بِإنَّ المُؤَكِّدَةِ لَفْظًا كَما زِيدَتْ إنْ بَعْدَ ما المَصْدَرِيَّةِ لِمُشابَهَتِها لِلنّافِيَةِ في قَوْلِهِ:
ورَجِّ الفَتى لِلْخَيْرِ ما إنْ رَأيْتَهُ ∗∗∗ عَلى السِّنِّ خَيْرًا لا يَزالُ يَزِيدُ

- قال محمد الطاهر بن عاشور (1393 هـ :
وقَرَأهُ حَفْصٌ بِكَسْرِ الهَمْزَةِ وتَخْفِيفِ نُونِ (إنْ) مُسَكَّنَةً عَلى أنَّها مُخَفَّفَةُ (إنَّ) المُشَدَّدَةِ. ووَجْهُ ذَلِكَ أنْ يَكُونَ اسْمُ (إنِ) المُخَفَّفَةِ ضَمِيرَ شَأْنٍ مَحْذُوفًا عَلى المَشْهُورِ. وتَكُونُ اللّامُ في (ï´؟لَساحِرانِï´¾) اللّامَ الفارِقَةَ بَيْنَ (إنِ) المُخَفَّفَةِ وبَيْنَ (إنِ) النّافِيَةِ.
القراءة الثالثة: على القراءة المشهورة: إنَ هذان لساحران ، بتشديد النون
قال القرطبي (671) في تفسيره : وافقوا المصحف وخالفوا الإعراب - و هذا ظاهرًا و على القياس فقد بين كثير من العلماء أن هذه القراءة لها أوجه إعرابية توافق اللغة و ليست منكرة كما ذكر أبو عمرو و عيسى .
اختلفت الوجوه التي قالها العلماء منهم من ذكر أنهم ثلاثة و منهم من قال أنهم ستة و منهم من ذكر توجيهات دون أخرى و نجمعهم بإذن الله هنا ) :
1- القول الأول أن يكون إن بمعنى نعم:
- المعنى :
1- نعم هذانِ لهُما سَاحِران، قاله الزجاج( 311) ، و يكن إعرابه: هذان مبتدأ و ساحران خبر لمبتدأ محذوف تقديره هما.
قال ابن زنجلة(403)في كتابه حجة القراءات ( قال قطرب يجوز أن يكون المعنى أجل فيكون المعنى والله أعلم {فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى} قالوا أجل تصديقا من بعضهم لبعض ثم قالوا {هذان لساحران} ويجوز أن يكون اللام داخلة في الخبر على التوكيدئ( ظ¤ظ¥ظ¥)
- 2- نعم هذان لساحران ؛ فيكونا مبتدأ و خبر؛ قاله المبرد و إسماعيل القاضي ،ذكر ذلك عنهم ابن خالويه.
وقال عنه الزجاج :أجود ما سمعت في هذا: أن (إن) وقعت موقع (نَعْم) ، وأن اللام وقعت موقعها، قال: والذي سلى هذا في الجودة مذهب بني كِنَانة في ترك ألف التثنية على هيئة واحد
كما حكى الكسائي عن عاصم قال العرب: تأتي بإن بمعنى نعم، وحكى سيبويه: أن «إن» تأتي بمعنى أجل ، وإلى هذا القول كان محمد بن يزيد [هو نفسه المبرد] وإسماعيل بن إسحاق يذهبان [سبق النسبة إليه أعلاه أيضًا] ، ذكر ذلك النحاس في كتابه إعراب القرآن.
قال بشر بن هلال: أن إن هنا تكون بمعنى الابتداء و الإيجاب ؛فتعمل فيما يليها و لا تعمل فيما بعدها ( ترفع الخبر ) ذكر ذلك عنه أبو عبيدة المثني، وقال هذا من المجاز الذي يؤيده قول العرب ، و ألا ترى أنهم يرفعون المشرك و استدل بأشعار من أقوال العرب منها :
فمن يك أمسى بالمدينة رحله ... فإنّى وقيّار بها لغريب (مجاز القرآن ،ج2/20-23)
و مما يُستدل به على صحة هذه القراءة ما ذكره أبو عبيدة المثني عن رفع الملائكة على شركة الابتداء في «إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ» ولا يعملون فيها «إن» ، و ما نسبه إلى الفصحاء من المحرمين قولهم: إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريكïƒک «.( مجاز القرآن ،ج2/20-23)
و ذكر مثل هذا الاستشهاد أبو جعفر النحاس( 338) حيث أخرج عن لي بن أبي طالب رضي الله عنه. قال: لا أحصي كم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على منبره يقول: «إن الحمد لله نحمده ونستعينه ثم يقول: أنا أفصح قريش كلها وأفصحها بعدي أبان بن سعيد بن العاص» ، و هو ما استشهد به علم الدين علي بن محمد السخاوي (ت: 643هـ( فتح الوصيد) و قال : هذا أوضح دليل على صحة هذه القراءة.
[في إسناده، عمرو بن جميع الكوفي، قال عنه الذهبي في ميزان الاعتدال: " كذبه ابن معين، وقال الدارقطني وجماعة: متروك، وقال ابن عدي: كان يتهم بالوضع،وقال البخاري: منكر الحديث" اهـ]
و قال أبو عبيدة المثني: قال عمير: إعرابه عند أهل العربية في النحو إن الحمد لله بالنصب إلا أن العرب تجعل «إن» في معنى نعم كأنه أراد: نعم الحمد لله، وذلك أن خطباء الجاهلية كانت تفتتح في خطبتها بنعم.
و بنا على ما ذُكِر من لغة العرب جَوز النحاس هذا التقدير و استدرك عليه بما يُستشكل فيه فقال :أن هذا القول أحسن إلا أن فيه شيئا لأنه إنما قال: إنما يقال: نعم زيد خارج، ولا يكاد يقع اللام هاهنا، وإن كان النحويون قد تكلموا في ذلك فقالوا: اللام ينوى بها التقديم.
و قد قال ابن الحاجب في "الأمالي": "إنْ" بمعنى "نعم": شاذ ،ذكر ذلك عنه الطيببي قال شرف الدين الحسين بن عبد الله الطيبي (المتوفى: 743 هـ):
و مما عورض به هذا القول:
1- عدمُ ثبوتِ «إنَّ» بمعنى نعم أو ندرة وروده.
2- دخولُ اللامِ على خبرِ المبتدأ غيرِ المؤكَّد ب «إنَّ» المكسورةِ، لأَنَّ مثلَه لا يقعُ إلاَّ ضرورةً رأى مكي القيسي ( 437) أن هذا القول َفِيه بعد لدُخُول اللَّام فِي الْخَبَر وَذَلِكَ لَا يكون الا فِي شعر كَقَوْلِه ... أم الْحُلَيْس لعجوز شهر بِهِ ... ترْضى من اللَّحْم بِعظم الرقبه ...
وَكَانَ وَجه الْكَلَام لأم الْحُلَيْس عَجُوز وَكَذَلِكَ كَانَ وَجه الْكَلَام فِي الْآيَة ان حملت ان على معنى نعم إِن لهذان ساحران كَمَا تَقول نعم لهذان ساحران وَنعم لمُحَمد رَسُول الله وَفِي تَأَخّر اللَّام مَعَ لفظ ان بعض الْقُوَّة على نعم.
3- و من الاعتراضات أيضًا سياق الكلام.
و الرد على الاعتراض الأول و الثاني مترابط و ممن فصل في الرد على هذا الاعتراض فخر الدين الرازي و الالوسي:
فذكرا وجه الاعتراض قائلاً: اللّامُ لا تَدْخُلُ في الخَبَرِ عَلى الِاسْتِحْسانِ إلّا إذا كانَتْ ”إنَّ“ داخِلَةً في المُبْتَدَأِ، فَأمّا إذا لَمْ تَدْخُلْ ”إنَّ“ عَلى المُبْتَدَأِ فَمَحَلُّ اللّامِ المُبْتَدَأُ إذْ يُقالُ: لَزَيْدٌ أعْلَمُ مِن عَمْرٍو، ولا يُقالُ: زَيْدٌ لَأعْلَمُ مِن عَمْرٍو.
و الرد على هذا الاعتراض هو الرد على كل من رد هذا التقدير و خاصة الفارسي و ابن الجني.
ذكر كلًا من الرازي في تفسيره و الطيبي في حاشية الكشاف تفصيلًا لاعتراضات على أبو علي الفارسي في الإغفال و تلميذه ابْنُ جِنِّي على قول الزجاج، و هي من وجوه:
الوَجْهُ الأوَّلُ: أنَّ الأصْلَ أنَّ المُبْتَدَأ إنَّما يَجُوزُ حَذْفُهُ لَوْ كانَ أمْرًا مَعْلُومًا جَلِيًّا ولَوْلا ذَلِكَ لَكانَ في حَذْفِهِ مَعَ الجَهْلِ بِهِ ضَرْبٌ مِن تَكْلِيفِ عِلْمِ الغَيْبِ لِلْمُخاطَبِ، وإذا كانَ مَعْرُوفًا فَقَدِ اسْتَغْنى بِمَعْرِفَتِهِ عَنْ تَأْكِيدِهِ بِاللّامِ لِأنَّ التَّأْكِيدَ إنَّما يَحْتاجُ إلَيْهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنِ العِلْمُ بِهِ حاصِلًا.
الوَجْهُ الثّانِي: أنَّ الحَذْفَ مِن بابِ الِاخْتِصارِ، والتَّأْكِيدَ مِن بابِ الإطْنابِ، فالجَمْعُ بَيْنَهُما غَيْرُ جائِزٍ، ولِأنَّ ذِكْرَ المُؤَكَّدِ وحَذْفَ التَّأْكِيدِ أحْسَنُ في العُقُولِ مِنَ العَكْسِ.
الوَجْهُ الثّالِثُ: امْتِناعُ أصْحابِنا البَصْرِيِّينَ مِن تَأْكِيدِ الضَّمِيرِ المَحْذُوفِ العائِدِ عَلى المُبْتَدَأِ في نَحْوِ قَوْلِكَ: زَيْدٌ ضَرَبْتُ فَلا يُجِيزُونَ: زَيْدٌ ضَرَبْتُ نَفْسَهُ، عَلى أنْ يُجْعَلَ النَّفْسُ تَوْكِيدًا لِلْهاءِ المُؤَكِّدَةِ المُقَدَّرَةِ في ”ضَرَبْتُ“ أيْ ضَرَبْتُهُ؛ لِأنَّ الحَذْفَ لا يَكُونُ إلّا بَعْدَ التَّحْقِيقِ والعِلْمِ بِهِ، وإذا كانَ كَذَلِكَ فَقَدِ اسْتَغْنى عَنْ تَأْكِيدِهِ فَكَذا هَهُنا.
الوَجْهُ الرّابِعُ: أنَّ جَمِيعَ النَّحْوِيِّينَ حَمَلُوا قَوْلَ الشّاعِرِ:
أمُّ الحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ
عَلى أنَّ الشّاعِرَ أدْخَلَ اللّامَ عَلى الخَبَرِ ضَرُورَةً ولَوْ كانَ ما ذَهَبَ إلَيْهِ الزَّجّاجُ جائِزًا لَما عَدَلَ عَنْهُ النَّحْوِيُّونَ، ولَما حَمَلُوا الكَلامَ عَلَيْهِ عَلى الِاضْطِرارِ إذا وجَدُوا لَهُ وجْهًا ظاهِرًا.
ويُمْكِنُ الجَوابُ عَنِ اعْتِراضِ ابْنِ جِنِّي [هذا الجواب لمن؟ ]
1- بِأنَّهُ إنَّما حَسُنَ حَذْفُ المُبْتَدَأِ لِأنَّ في اللَّفْظِ ما يَدُلُّ عَلَيْهِ وهو قَوْلُهُ: ”هَذانِ“ أمّا لَوْ حُذِفَ التَّأْكِيدُ فَلَيْسَ في اللَّفْظِ ما يَدُلُّ عَلَيْهِ، فَلا جَرَمَ كانَ حَذْفُ المُبْتَدَأِ أوْلى مِن حَذْفِ التَّأْكِيدِ،
2- وأمّا امْتِناعُهم مِن تَأْكِيدِ الضَّمِيرِ في قَوْلِهِمْ: زَيْدٌ ضَرَبْتُ نَفْسَهُ، فَذاكَ إنَّما كانَ لِأنَّ إسْنادَ الفِعْلِ إلى المُظْهَرِ أوْلى مِن إسْنادِهِ إلى المُضْمَرِ، فَإذا قالَ: زَيْدٌ ضَرَبْتُ نَفْسَهُ كانَ قَوْلُهُ: ”نَفْسَهُ“ مَفْعُولًا، فَلا يُمْكِنُ جَعْلُهُ تَأْكِيدًا لِلضَّمِيرِ، فَتَأْكِيدُ المَحْذُوفِ إنَّما امْتَنَعَ هَهُنا لِهَذِهِ العِلَّةِ، لا لِأنَّ تَأْكِيدَ المَحْذُوفِ مُطْلَقًا مُمْتَنِعٌ،
3- وأمّا قَوْلُهُ: النَّحْوِيُّونَ حَمَلُوا قَوْلَ الشّاعِرِ:
أمُّ الحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ
عَلى أنَّ الشّاعِرَ أدْخَلَ اللّامَ عَلى الخَبَرِ ضَرُورَةً، فَلَوْ جازَ ما قالَهُ الزَّجّاجُ لَما عَدَلَ عَنْهُ النَّحْوِيُّونَ، فَهَذا اعْتِراضٌ في نِهايَةِ السُّقُوطِ؛ لِأنَّ ذُهُولَ المُتَقَدِّمِينَ عَنْ هَذا الوَجْهِ لا يَقْتَضِي كَوْنَهُ باطِلًا، فَما أكْثَرَ ما ذَهَلَ المُتَقَدِّمُ عَنْهُ وأدْرَكَهُ المُتَأخِّرُ فَهَذا تَمامُ الكَلامِ في شَرْحِ هَذا.
و ختم الطيبي رده ب(وكفى بدخول اللام شاهد صدقٍ، ما روي عن أفصح من نطق بالضاد من قوله: "أغبطُ أوليائي عندي، لمؤمنٌ خفيفُ الحاذ". أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه، عن أبي أمامة.
(تفسير الرازي ، فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) ، 10/ 197-200 ).
و أجاب أبي حيان على مقالة أبو علي و ابن جني : بِأنَّ الحَذْفَ لِقِيامِ القَرِينَةِ والِاسْتِغْناءِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ والتَّأْكِيدُ لِمَضْمُونِ الجُمْلَةِ لا لِلْمَحْذُوفِ والحَمْلُ في البَيْتِ مُمْكِنٌ أيْضًا واقْتِصارُهم فِيهِ عَلى الضَّرُورَةِ ذُهُولٌ وكَمْ تَرَكَ الأوَّلُ لِلْآخَرِ، واجْتِماعُ الإيجازِ والإطْنابِ مَعَ اخْتِلافِ الوَجْهِ غَيْرُ مُحالٍ. وأصْدَقُ شاهِدٍ عَلى دُخُولِ اللّامِ في مِثْلِ هَذا الكَلامِ ما رَواهُ التِّرْمِذِيُّ وأحْمَدُ وابْنُ ماجَهْ ( أغْبَطُ أوْلِيائِي عِنْدِي لَمُؤْمِنٌ خَفِيفُ الحاذِ ) نَعَمْ لا نِزاعَ في شُذُوذِ هَذا الحَذْفِ اسْتِعْمالًا وقِياسًا.
وقد استحسن الألوسي الاستدلال بقول ابن الزبير فقال: والجَيِّدُ الِاسْتِدْلالُ بِقَوْلِ ابْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما لِمَن قالَ لَهُ: لَعَنَ اللَّهُ ناقَةً حَمَلَتْنِي إلَيْكَ إنْ وراكِبُها إذْ قَدْ قِيلَ: في البَيْتِ إنّا لا نُسَلِّمُ أنَّ إنْ فِيهِ بِمَعْنى نَعَمْ والهاءُ لِلسَّكْتِ بَلْ هي النّاصِبَةُ والهاءُ ضَمِيرٌ مَنصُوبٌ بِها والخَبَرُ مَحْذُوفٌ أيْ إنَّهُ كَذَلِكَ ولا يَصِحُّ أنْ يُقالَ: إنَّها في الخَبَرِ كَذَلِكَ وحُذِفَ الجُزْءانِ لِأنَّ حَذْفَ الجُزْأيْنِ جَمِيعًا لا يَجُوزُ
قال ابن حيان في تفسيره : وَقِيلَ إِنْ بِمَعْنَى نَعَمْ، وَثَبَتَ ذَلِكَ فِي اللُّغَةِ فَتُحْمَلُ الآية عليه.
3-من الاعتراضات على أن إن بمعنى نعم : سياق الكلام و يتبين ذلك من قول أبو حيان الأندلسي ؛ ضَعَّفَ هَذا الوَجْهَ بِأنَّ كَوْنَها بِمَعْنى نَعَمْ لَمْ يَثْبُتْ، أوْ هو نادِرٌ وعَلى تَقْدِيرِ الثُّبُوتِ مِن غَيْرِ نُدْرَةٍ لَيْسَ قَبْلَها ما يَقْتَضِي جَوابًا حَتّى تَقَعَ نَعَمْ في جَوابِهِ).
حيث استبعد قول من قال ِأنَّهُ يُفْهَمُ مِن صَدْرِ الكَلامِ أنَّ مِنهم مَن قالَ: هُما ساحِرانِ فَصَدَقَ وقِيلَ: نَعَمْ بَعِيدٌ. ومِثْلُهُ القَوْلُ بِأنَّ ذَلِكَ تَصْدِيقٌ لِما يُفْهَمُ مِن قَوْلِ فِرْعَوْنَ: ï´؟أجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِن أرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسىï´¾
و مع استبعاد أبي حيان لكون السياق لا يؤيد منى إن أنه نعم كان الطاهر بن عاشور ممن يقول بموافقة السياق فعبر عن هذا القول أنه أظهر الأقوال في توجيه إن و أن هذا من استعمالات إن و وجه معنى الآية فقال: أيِ اتَّبَعُوا لَمّا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ أمْرُهم بَعْدَ النَّجْوى ، و قال : وعَلى هَذا التَّوْجِيهِ يَكُونُ قَوْلُهُ تَعالى (ï´؟إنَّ هَذانِ لَساحِرانِï´¾) حِكايَةً لِمَقالِ فَرِيقٍ مِنَ المُتَنازِعِينَ، وهو الفَرِيقُ الَّذِي قَبِلَ هَذا الرَّأْيَ لِأنَّ حَرْفَ الجَوابِ يَقْتَضِي كَلامًا سَبَقَهُ.
و عبر عن توجيه الزجاج: أنه من مبتكراته .
و فسر دخول اللام على الخبر :أنه إمّا عَلى تَقْدِيرِ كَوْنِ الخَبَرِ جُمْلَةً حُذِفَ مُبْتَدَأُها وهو مَدْخُولُ اللّامِ في التَّقْدِيرِ، ووُجُودُ اللّامِ يُنْبِئُ بِأنَّ الجُمْلَةَ الَّتِي وقَعَتْ خَبَرًا عَنِ اسْمِ الإشارَةِ جُمْلَةٌ قَسَمِيَّةٌ؛ وإمّا عَلى رَأْيِ مَن يُجِيزُ دُخُولَ اللّامِ عَلى خَبَرِ المُبْتَدَأِ في غَيْرِ الضَّرُورَةِ.

2- القول الثاني : أن هذا على لغة بني الحارث بن كعب؛ يجعلون الاثنين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف.
قاله كلًا من : أبو زيد والكسائي والأخفش والفراء

و قال أبو جعفر النحاس في كتابه إعراب القرآن: والقول الثاني من أحسن ما حملت عليه الآية إذ كانت هذه اللغة معروفة، وقد حكاها من يرتضى علمه وصدقه وأمانته، منهم أبو زيد الأنصاري، وهو الذي يقول إذا قال سيبويه: حدثني من أثق به فإنما يعنيني.
و اعتبرها أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه الهمذاني النحوي الشافعي : لغة شاذة لا تدخل القرآن و قال فلمّا كانت الكتابة فى المصحف بالألف (إنّ هذان) حمله بعضهم على هذه اللّغة.
وقالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: هي لُغَةٌ لِبَنِي الحارِثِ بْنِ كَعْبٍ وافَقَتْها لُغَةُ قُرَيْشٍ، كما ذكر ابن الجوزي في تفسيره .
و أيد فخر الدين الرازي ، هذا القول و عبر عن ذلك القول : وهو الأقْوى .
- و بين محمد بن أحمد الموصلي في كتابه (كنز المعاني) و أبو زيد- كما قال السمين الحلبي في كتابه الدر المصون) وجه هذه اللغة بأنهم يقلبون كل ياء ساكنة إذا انفتح ما قبلها ألفًا و يجعلون المثنى كالمقصورِ فيُثْبِتون ألفاً في جميع أحواله، ويُقَدِّرون إعرابَه بالحركاتِ،.(كنز المعاني: 2/435) (الدر المصون في علوم الكتاب المكنون ، 8/ 63-68 ).
- و اختاره أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل الدمشقي (ت: 665هـ): و قال :واختارها أبو عبيد وقال: لا يجوز لأحد مفارقة الكتاب وما اجتمعت عليه الأمة، قلتُ: مدار الأقوال المنقولة عنهم في ذلك على وجهين؛ أحدهما: أن يكون هذان اسما؛ لأن، والآخر: أن يكون مبتدأ فإن كان اسما لـ "أن" فلا يتوجه إلا على أنه لغة لبعض العرب يقولون هذان في الرفع والنصب والجر كما يلفظون بسائر الأسماء المقصورة، كعصى وموسى، وكذا ما معناه التثنية نحو كلا [إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/373]
- و اختاره ابن حيان أثير الدين الأندلسي كما ذكر في تفسيره و قال : وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: سَمِعْتُ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقْلِبُ كُلَّ يَاءٍ يَنْفَتِحُ مَا قَبْلَهَا أَلِفًا.
و ممن اختار هذا الوجه الألوسي في روح المعاني و قال: وهو أجْوَدُ الوُجُوهِ وأوْجَهُها، واخْتارَهُ أبُو حَيّانَ وابْنُ مالِكٍ والأخْفَشُ وأبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ وجَماعَةٌ.
و قال الألوسي : أنَّها النّاصِبَةُ واسْمُ الإشارَةِ اسْمُها: واللّامُ لامُ الِابْتِداءِ و( ساحِرانِ ) خَبَرُها ومَجِيءُ اسْمِ الإشارَةِ بِالألِفِ مَعَ أنَّهُ مَنصُوبٌ جارٍ عَلى لُغَةِ بَعْضِ العَرَبِ مِن إجْراءِ المُثَنّى بِالألِفِ دائِمًا .
و لم يردها الطاهر ابن عاشور و قال وهي لُغَةٌ مَشْهُورَةٌ في الأدَبِ العَرَبِيِّ ولَها شَواهِدُ كَثِيرَةٌ.
3- القول الثالث: الألف (من هَذَا دِعامة وليست بلام فعل، فلمّا ثنّيت زدتُ عليها نونًا ثُمَّ تركت الألف) ثابتة عَلَى حالِها لا تزول عَلَى كل حال كما قالت العرب (الَّذِي) ثُمَّ زادوا نونًا تدل عَلَى الجماع [الجمع]، فقالوا: الَّذِينَ فِي رفعهم ونصبهم وخفضهم كما تركوا (هذان) فِي رفعه ونصبه وخفضه. وكنانة يقولون (اللّذون)؛ قاله الفراء و ذكره النحاس في كتابه إعراب القرآن .
(معاني القرآن، ج2/183-184)
القول الرابع: شبهت الألف في قولك: هذان بالألف في يفعلان، فلم تغير؛ قاله أبو جعفر النحاس و ذكره احتمالًا فخر الدين الرازي في تفسيره و بينه فقال : و يُمْكِنُ أنْ يُقالَ أيْضًا: الألِفُ في هَذا مِن جَوْهَرِ الكَلِمَةِ، والحَرْفُ الَّذِي يَكُونُ مِن جَوْهَرِ الكَلِمَةِ لا يَجُوزُ تَغْيِيرُهُ بِسَبَبِ التَّثْنِيَةِ والجَمْعِ؛ لِأنَّ ما بِالذّاتِ لا يَزُولُ بِالعَرَضِ فَهَذا الدَّلِيلُ يَقْتَضِي أنْ لا يَجُوزَ أنْ يُقالَ: ”إنَّ هَذَيْنِ“ فَلَمّا جَوَّزْناهُ فَلا أقَلَّ مِن أنْ يُجَوَّزَ مَعَهُ أنْ يُقالَ: إنْ هَذانِ.
4- القول الخامس: الهاء هاهنا مضمرة، والمعنى: إنه هذان لساحران: نسبه أبو إسحاق الزجاج و أبي حيان الأندلسي و الألوسي إلى النحويين القدماءز
و قدره مكي القيسي في إعراب القراءات السبع و عللها و أبي حيان في تفسيره ( انه هَذَانِ لساحران ) كَمَا تَقول إِنَّه زيد منطلق وَهُوَ قَول حسن لَوْلَا أَن دُخُول اللَّام فِي الْخَبَر يبعد (إعراب القراءات السبع وعللها، 2/466)
و قال محمد بن أحمد الموصلي (شعلة) (ت: 656هـ):في اللام أنها إما أن تكون زائدة أو أريد بها التقديم
- و التقدير لهذان ساحران.
- و ذكر السمين الحلبي وجه إعرابها فقال: أنَّ اسمَها ضميرُ الشأنِ محذوفٌ، والجملةُ من المبتدأ والخبرِبعدَه في محلِّ رفعٍ خبراً ل «إنَّ» ، التقديرُ: إنَّه، أي: الأمرُ والشأنُ.
- وذكر كلًا من السمين الحلبي و أبي حيان :أن هذا القول قد ضُعِّفَ بوجهين،
أحدهما: حَذْفُ اسمِ «إن» ، وهو غيرُ جائزٍ إلاَّ في شعرٍ، بشرطِ أَنْ لا تباشرَ «إنَّ» فعلاً كقولِه:
إنَّ مَنْ يَدْخُلِ الكنيسةَ يوماً ... يَلْقَ فيها جَآذراً وظِباءَ.
و بين الألوسي سبب عدم جواز الحذف فقال : ضَعُفَ بِأنَّ ضَمِيرَ الشَّأْنِ مَوْضُوعٌ لِتَقْوِيَةِ الكَلامِ وما كانَ كَذَلِكَ لا يُناسِبُهُ الحَذْفُ والمَسْمُوعُ مِن حَذْفِهِ كَما في قَوْلِهِ:
إنَّ مَن لامَ في بَنِي بِنْتِ حَسّا ∗∗∗ نَ ألُمْهُ وأعُصِهِ في الخُطُوبِ
وقَوْلِهِ:
إنَّ مَن يَدْخُلِ الكَنِيسَةَ يَوْمًا ∗∗∗ يَلْقَ فِيها جَآذِرًا وظِباءَ
ضَرُورَةٌ أوْ شاذٌّ إلّا في بابِ أنِ المَفْتُوحَةِ إذا خُفِّفَتْ فاسْتَسْهَلُوهُ لِوُرُودِهِ في كَلامٍ بُنِيَ عَلى التَّخْفِيفِ فَحُذِفَ تَبَعًا لِحَذْفِ النُّونِ ولِأنَّهُ لَوْ ذُكِرَ لَوَجَبَ التَّشْدِيدُ إذِ الضَّمائِرُ تَرُدُّ الأشْياءَ إلى أُصُولِها.
والثاني: دخولُ اللام في الخبرِ.
*وقد أجابَ الزجَّاج بأنها داخلةٌ على مبتدأ محذوفٍ تقديرُه: لهما ساحران. وهذا قد استحسنه شيخُه المبردُ، أعني جوابَه بذلك.
وَاسْتَحْسَنَ هَذَا الْقَوْلَ شَيْخُهُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدُ وَالْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ.
*و قال محمود بن عبد الرحيم الصافي 1376 هجري: [الكلام هنا على (إنَّ) المشددة]
(إن) مخفّفة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف ، (هذان) مبتدأ في محلّ رفع مبنيّ على الألف، (اللام) لام الابتداء (ساحران) خبر لمبتدأ محذوف تقديره هما (يريدان) مضارع مرفوع وعلامة الرفع ثبوت النون
وجملة: «إن (هـ) هذان لساحران» في محلّ نصب مقول القول
وجملة: «هذان ل (هما) ساحران» في محلّ رفع خبر إن المخفّفة.
وجملة: « (هما) ساحران» في محلّ رفع خبر المبتدأ (هذان(لجدول في إعراب القرآن(16/885-886)

5- القول السادس: قال أبو جعفر: [حددي من أبو جعفر، فهي كنية لعدد من العلماء] وسألت أبا الحسن بن كيسان عن هذه الآية فقال: إن شئت أجبتك بجواب النحويين، وإن شئت أجبتك بقولي فقلت: بقولك، فقال: سألني إسماعيل بن إسحاق عنها فقلت: القول عندي أنه لما كان يقال: هذا في موضع الرفع والنصب والخفض على حال واحدة، وكانت التثنية يجب أن لا يغير لها الواحد أجريت التثنية مجرى الواحد، فقال: ما أحسن هذا لو تقدمك بالقول به حتى يؤنس به، فقلت: فيقول القاضي «به» حتى يؤنس به فتبسم.
و قال مكي القيسي : وَقيل إِن الْمُبْهم لما لم يظْهر فِيهِ اعراب فِي الْوَاحِد وَلَا فِي الْجمع جرت التَّثْنِيَة على ذَلِك فَأتي بِالْألف على كل حَال.
و ذكر الطيبي و الألوسي قول ابن الحاجب في "الأمالي": وهذه القراءة مشكلة، وأخرها أن (هذان) مبني لأنه من أسماء الإشارة، فجاء في الرفع والنصب والجر على حالٍ واحدة، وهي لغةٌ واضحةٌ،ومما يُقويها أن اختلاف الصيغ في اللغة الأخرى ليس إعراباً في التحقيق، لوجود علة البناء من غير معارض؛ لأن العلة في هذا وهؤلاء كونها اسم إشارة.
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوي: فَاَلَّذِي يَجِبُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ لُغَةُ قُرَيْشٍ؛ بَلْ وَلَا لُغَةُ سَائِرِ الْعَرَبِ: أَنَّهُمْ يَنْطِقُونَ فِي الْأَسْمَاءِ الْمُبْهَمَةِ إذَا ثُنِّيَتْ بِالْيَاءِ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ مَنْ قَالَهُ مِنْ النُّحَاةِ قِيَاسًا جَعَلُوا بَابَ التَّثْنِيَةِ فِي الْأَسْمَاءِ الْمُبْهَمَةِ كَمَا هُوَ فِي سَائِرِ الْأَسْمَاءِ وَإِلَّا فَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ شَاهِدٌ يَدُلُّ عَلَى مَا قَالُوهُ وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ اسْمٌ مُبْهَمٌ مَبْنِيٌّ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ أَوْ خَفْضٍ إلَّا هَذَا وَلَفْظُهُ (هَذَانِ فَهَذَا نَقْلٌ ثَابِتٌ مُتَوَاتِرٌ لَفْظًا وَرَسْمًا. [هذا الاعتراض على القول الأول،أنها جاءت على لغة الحارث بن كعب]
و ذكر الألوسي: قول ابْنُ هِشامٍ: وعَلى هَذا فَقِراءَةُ هَذانِ أقْيَسُ إذِ الأصْلُ في المَبْنِيِّ أنْ لا تَخْتَلِفَ صِيغَتُهُ مَعَ أنَّ فِيها مُناسَبَةً لِألِفِ ( ساحِرانِ ) ا هـ.
7- القول السابع : قال سيبويه: اعلم أنك إذا ثنيت الواحد لحقته زائدتان الأولى منهما حرف المد واللين، وهو حرف الإعراب غير متحرك ولا منون يكون في الرفع ألفا، والرفع لا يكون إلا إعرابا، وقد جعله سيبويه رفعا فصح أنه إعراب.
وبين السيرافي قوله: " الأولى منهما حرف المد واللين وهو حرف الإعراب " يعني الأولى ألف أو ياء فأيهما كان فهو حرف المد واللين، وهو حرف الإعراب، يعني حرف المد واللين الذي ذكر هو حرف الإعراب. شرح كتاب سيبويه المؤلف: أبو سعيد السيرافي الحسن بن عبد الله بن المرزبان (المتوفى: 368 هـ) ( 1/135)
و قال أبو جعفر: فقول سيبويه: وهو حرف الإعراب، يوجب أن الأصل أن لا يتغير إن هذان، جاء على أصله ليعلم ذلك وقد قال الله جل وعز: استحوذ عليهم الشيطان [المجادلة: 19] ولم يقل: استحاذ، فجاء على هذا ليدل على الأصل إذ كان الأئمة قد رووها وتبين أنها الأصل، وهذا بين جدا (3/ 331-332، إعراب القرآن)
و بين محمد بن القاسم الأنباري ذلك أن الأصل في ألف التثنية أن تكون/كعصا و رحا، في الرفع و النصب و الجر على صورة واحدة،لان الحركة مقدرة ،كما هي في ألف عصا و رحا، و لكنه جاء الاستعمال على قلبها ياء في النصب و الجر حرصًا على البيان، إذ لم يكن هناك ما في المفرد\ من البيان،ألا تراك تقول: ضرب موسى العاقل عيسى الأديب، فيتبين الرفع بالصفة بعد الفاعل و نصبها بعد المفعول، و هذا المعنى لا يتأتى بالتثنية،لو قلت :ضرب الزيدان العاقلان العمران القائمان ،لم تتغير الصفة فجاء قوله(إن هذان لساحران) على الأصل الذي ينبغي أن يكون عليهم كما (استحوذ ) على ذلك.
(البيان في غريب إعراب القرآن لابن الأنباري، 933)
ِ.8- القول ثامن:
قال عبد القاهر: «(ها): تنبيهٌ، و(ذا): إشارةٌ، زيد على ذلك ألف ونون، فاجتمع ألفان، فلا بد من الحذف، فلم يمكن حذف ألف (ذا)، لأنها كلمة على حرفين، فحذفت ألف التثنية، وبقيت النون دالة عليها. وألف (ذا)، لا تنقلب».
قال فخر الدين الرازي في الجواب قالَ الفَرّاءُ: هَذا أصْلُهُ ”ذا“ زِيدَتِ الهاءُ لِأنَّ ”ذا“ كَلِمَةٌ مَنقُوصَةٌ فَكُمِّلَتْ بِالهاءِ عِنْدَ التَّنْبِيهِ، وزِيدَتْ ألِفًا لِلتَّثْنِيَةِ فَصارَتْ هَذاانِ فاجْتَمَعَ ساكِنانِ مِن جِنْسٍ واحِدٍ فاحْتِيجَ إلى حَذْفِ واحِدٍ، ولا يُمْكِنُ حَذْفُ ألِفِ الأصْلِ لِأنَّ أصْلَ الكَلِمَةِ مَنقُوصَةٌ فَلا تُجْعَلُ أنْقَصَ فَحُذِفَ ألِفُ التَّثْنِيَةِ؛ لِأنَّ النُّونَ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَلا جَرَمَ لَمْ تَعْمَلْ ”إنَّ“ لِأنَّ عَمَلَها في ألِفِ التَّثْنِيَةِ، وقالَ آخَرُونَ: الألِفُ الباقِي إمّا ألِفُ الأصْلِ أوْ ألِفُ التَّثْنِيَةِ. فَإنْ كانَ الباقِي ألِفَ الأصْلِ لَمْ يَجُزْ حَذْفُها لِأنَّ العامِلَ الخارِجِيَّ لا يَتَصَرَّفُ في ذاتِ الكَلِمَةِ، وإنْ كانَ الباقِي ألِفَ التَّثْنِيَةِ فَلا شَكَّ أنَّهم أنابُوها مَنابَ ألِفِ الأصْلِ، وعِوَضُ الأصْلِ أصْلٌ لا مَحالَةَ، فَهَذا الألِفُ أصْلٌ فَلا يَجُوزُ حَذْفُهُ ويَرْجِعُ حاصِلُ هَذا إلى الجَوابِ الأوَّل.
- ثُمَّ قالَ الفَرّاءُ وذَلِكَ وإنْ كانَ قَلِيلًا أقْيَسُ لِأنَّ ما قَبْلَ حَرْفِ التَّثْنِيَةِ مَفْتُوحٌ، فَيَنْبَغِي أنْ يَكُونَ ما بَعْدَهُ ألِفًا، ولَوْ كانَ ما بَعْدَهُ ياءً يَنْبَغِي أنْ تَنْقَلِبَ ألِفًا لِانْفِتاحِ ما قَبْلَها، وقُطْرُبٌ ذَكَرَ أنَّهم يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِرارًا إلى الألِفِ الَّتِي هي أخَفُّ حُرُوفِ المَدِّ، هَذا أقْوى الوُجُوهِ في هَذِهِ الآيَةِ.
- قال محمد بن أحمد الموصلي (ت: 656هـ):
إن الأصل (هذا) زيد الياء والنون عليها، فاجتمع ساكنان، فحذفت الياء، إذ لم يمكن حذف الأول لاختلال الكلمة بها، لأنها على حرفين .
9- القول التاسع: قال السمين الحلبي و أبي حيان في تفسيره و السيوطي في الإتقان:
أنَّ اسمَها ضميرُ القصةِ وهو «ها» التي قبل «ذان» وليست ب «ها» التي للتنبيهِ الداخلةِ على أسماءِ الإِشارةِ، والتقدير: إنَّ القصةَ ذانِ لساحران. وقد رَدُّوا هذا من وجهين، أحدهما: من جهةِ الخَطِّ، وهو أنه لو كان كذلك لكان ينبغي أن تُكتبَ «إنها» فيصِلوا الضميرَ بالحرفِ قبلَه كقوله تعالى: {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبصار} [الحج: 46] فكَتْبُهم إياها مفصولةً من «إنَّ» متصلةً باسمِ الإِشارة يمنع كونَها ضميراً، وهو واضح. الثاني: أنَّه يؤدِّي إلى دخولِ لامِ الابتداءِ في الخبرِ غيرِ المنسوخِ. وقد يُجاب عنه بما تقدَّم.
قال الألوسي 1270: أنَّها النّاصِبَةُ وهاءُ ضَمِيرِ القِصَّةِ اسْمُها وجُمْلَةُ (ذانِ لَساحِرانِ) خَبَرُها، وضَعُفَ بِأنَّهُ يَقْتَضِي وصْلَ ها بِإنْ مِن إثْباتِ الألِفِ وفَصْلِ ها مِن ( ذانِ ) في الرَّسْمِ وما في المُصْحَفِ لَيْسَ كَذَلِكَ، ومَعَ ذَلِكَ يَرِدُ بَحْثُ دُخُولِ اللّامِ.
10- القول العاشر: قال الألوسي: 1270 :أنَّ إنْ مُلْغاةٌ وإنْ كانَتْ مُشَدَّدَةً حَمْلًا لَها عَلى المُخَفَّفَةِ وذَلِكَ كَما أعْمَلْتَ المُخَفَّفَةَ حَمْلًا لَها عَلَيْها في قَوْلِهِ تَعالى: ï´؟وإنَّ كُلا لَمّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْï´¾ أوْ حَطًّا لِرُتْبَتِها عَنِ الفِعْلِ لِأنَّ عَمَلَها لَيْسَ بِالأصالَةِ بَلْ بِالشَّبَهِ لَهُ وما بَعْدَها مُبْتَدَأٌ وخَبَرٌ، وإلى ذَلِكَ ذَهَبَ عَلِيُّ بْنُ عِيسى وفِيهِ أنَّ هَذا الإلْغاءَ لَمْ يُرَ في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ وهو مَحَلُّ النِّزاعِ وبَحْثُ اللّامِ فِيهِ بِحالِهِ.

- قال أبو منصور الأزهري في كتابه معاني القراءات : وأما قراءة العامّة (إِنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) ففى صحته في العربية وجوه كُلهَا حجة( لم يذكر جميع ما ذكرنا من الوجوه بل عددًا منها) .
- وقال القاضي محمد ابن عطية الأندلسي في تفسيره : وهذه الأقوال معترضة، إلا ما قيل من أنها لغة، و"إن" بمعنى: أجل ونعم، أو "إن" في الكلام ضمير.
- و قد ضعف العكبري في كتابه التبيان في إعراب القرآن عددًا من هذه الأقوال: منها أنها بمعنى نعم، وما بعدها مبتدأ وخبر. والثاني: إن فيها ضمير الشأن محذوفا، وما بعدها مبتدأ وخبر أيضا. وكلا الوجهين ضعيف من أجل اللام التي في الخبر ; وإنما يجيء مثل ذلك في ضرورة الشعر، و ضعف القول هي مخففة من الثقيلة، وهو ضعيف أيضا( 2/895).
و ضعف أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل الدمشقي في كتابه إبراز المعاني من حرز الأأماني أقوال منها( "إن": بمعنى نعم فهي أيضا لغة قليلة الاستعمال ويلزم منه شذوذ إدخال لام التوكيد في الخبر كما سبق، وإن حملت على حذف ضمير الشأن فهو أيضا ضعيف ويضعفه أيضا اللام في الخبر وقراءة هذين بالياء ووجهها ظاهر من جهة اللغة الفصيحة لكنها على مخالفة ظاهر الرسم، فليس الأقوى من جهة الرسم واللغة معا إلا القراءة بتخفيف إن ورفع هذان، والله المستعان). [إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/378
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوي : وَأَمَّا قَوْلُهُ: {إنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} فَجَاءَ اسْمًا مُبْتَدَأً: اسْمُ (إنَّ) وَكَانَ مَجِيئُهُ بِالْأَلِفِ أَحْسَنَ فِي اللَّفْظِ مِنْ قَوْلِنَا: " إنَّ هَذَيْنِ لَسَاحِرَانِ " لِأَنَّ الْأَلِفَ أَخَفُّ مِنْ الْيَاءِ؛ وَلِأَنَّ الْخَبَرَ بِالْأَلِفِ فَإِذَا كَانَ كُلٌّ مِنْ الِاسْمِ وَالْخَبَرِ بِالْأَلْفِ كَانَ أَتَمَّ مُنَاسِبَةً وَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مَا يُشْبِهُ هَذَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهُوَ بِالْيَاءِ.
فَتَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا الْمَسْمُوعَ وَالْمُتَوَاتِرَ لَيْسَ فِي الْقِيَاسِ الصَّحِيحِ مَا يُنَاقِضُهُ لَكِنْ بَيْنَهُمَا فُرُوقٌ دَقِيقَةٌ وَاَلَّذِينَ استشكلوا هَذَا إنَّمَا استشكلوه مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ؛ لَا مِنْ جِهَةِ السَّمَاعِ وَمَعَ ظُهُورِ الْفَرْقِ يُعْرَفُ ضَعْفُ الْقِيَاسِ.

الدراسة:
بالنظر لما سبق يتبين لنا:
1- هذه الروايات الثلاث مما صح نقله،( كما قال النحاس في كتابه إعراب القرآن: فهذه ثلاث قراءات قد رواها الجماعة عن الأئمة) ، و لا اعتبار لما قاله أبو عمرو عن رده الرواية (بهذان) (لما تم ذكره في بيان خطأ ما اعتمده من حجج)، أما قول الزجاج أنه لا يجيز الرواية بهذين ، فذلك مرجعه لأنه لا يجوز القراءة بما يخالف مصحف الإمام ، فهذا الحكم عام و فيه إجماع من العلماء بذلك.
2- ما وقع فيه أبو عمرو و عيسى كان سببه ما اختصره و بينه ابن تيمية في رسالته: إجراء القياس، و الذي بما ذكرنا قد تبين خطأوه، فلقراءة هذان أوجه لغوية إعرابية موافقة للعربية و قد أقرها علماء أجلاء، و لم يكتفوا بذلك بل فصلوا و بينوا.
3- نقل القرآن كان مشافهة ثم تلته الكتابة، وما وافق رسم المصحف العثماني يتلى به، و ما خالفها وإن صح فلا يذكر إلا في معرض التعلم أو لزيادة معنى أو لبيانه، فمنه ما نُسخ و منه ما تركه عثمان رضي الله عنه و اكتفى بغيره، و ما كتب في مصحف الإمام تلقته الأمة بالقبول.
قال الطاهر ابن عاشور في تفسيره التحرير و التنوير :
وإن المصحف الإمام ما رسمُوه إلاّ اتّباعاً لأشهر القراءات المسموعة المروية من زمن النبي صلى الله عليه وسلم وقرّاء أصحابه ، فإن حفظ القرآن في صدور القرّاء أقدم من كتابته في المصاحف ، وما كتب في أصول المصاحف إلاّ من حفظ الكاتِبين ، وما كُتب المصحف الإمام إلا من مجموع محفوظ الحُفاظ وما كتبه كتاب الوحي في مدة نزول الوحي .
قال الشيخ عبد العزيز الداخل: ونحن لا ننكر أن تكون تلك الأحرف قد قرئت على قراءات أخرى قرأت بها عائشة وقرأ بها ابن مسعود وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم، لكنّ المصير إلى القراءة التي على مقتضى الرسم العثماني واجب لتقرر الإجماع على ترك الإقراء بما خالف المصحف الإمام، والأقوال المهجورة لا تقدح في صحّة الإجماع.
والمجزوم به أنّ القراءة الموافقة للرسم العثماني صحيحة لغةً لا لحنَ فيها، وهي مقدّمة على غيرها لاختيار قرّاء الصحابة لها على غيرها؛ فإنّ ما تركوه قد يتطرّق إليه احتمال النسخ، وما أثبتوه فغير منسوخ التلاوة،
و نخلص في هذه المسألة أن القراءة المشهورة ( إن هذان لساحران ) هي الأولى بالاتباع ؛ فهي قراءة متواترة ، وافقت رسم المصحف، لها وجه في اللغة العربية، كما قال الزجاج أن اتباع رسم المصحف سنة، و لا يجوز القراءة بغيرها، و لإعراب ( إن هذان لساحران) أوجه إعرابية مختلفة كما بينا، منها ما يؤيد بعضها البعض، و منها ما يستقل بذاته لكنه له توجيهه المقبول لدى العلماء.
و قد جمع ابن جرير في ترجيحه عددًا منها يقوي أحدهم الآخر و يؤيده فقال في تفسيره: والصواب من القراءة في ذلك عندنا(إنّ) بتشديد نونها، وهذان بالألف لإجماع الحجة من القرّاء عليه، وأنه كذلك هو في خطّ المصحف، ووجهه إذا قرئ كذلك مشابهته الذين إذ زادوا على الذي النون، وأقرّ في جميع الأحوال الإعراب على حالة واحدة، فكذلك (إنَّ هَذَانِ) زيدت على هذا نون وأقرّ في جميع أحوال الإعراب على حال واحدة، وهي لغة الحارث بن كعب، وخثعم، وزبيد، ومن وليهم من قبائل اليمن.
و هذا الترجيح لا يمنع باقي الأوجه الإعرابية التي ذكرنا لما ترجح عند أصحابها من أدلة ، كما سبق و بينا؛ كما ترجح عند الزجاج اختياره لأن إن بمعنى نعم ، أو من ترجح لديه عدم العمل بإن.
هذا ما يسر الله و أرى أنه لا زال يحتاج لعمل ، نسأل الله التوفيق و السداد.

بارك الله فيكِ ونفع بكِ، وأشكر لكِ جهدكِ في جمع مادة هذا البحث، وما أحسنَ ما ختمتِ به تحريركِ، بقولكِ ( وأرى أنه لا زال يحتاج لعمل)

وهذه المسألة كما قدمتِ في تحريركِ مما أشكل على كثير من العلماء، لهذا بحثها وتحريرها فيه شيء من الصعوبة، ويحتاج مراجعة وتهذيب باستمرار

وأول ما أقترحه عليكِ، هو إعادة قراءة ما حررتيه، وفهمه جيدًا ثم صياغته بأسلوبكِ أنت، فكما قرأت لكثير من العلماء تحريرهم للمسألة، بغض النظر عن اختلافهم في تعيين الراجح من الأقوال، لكن يظهر لكِ بوضوح شخصية كل منهم في كلامه وتوجيهاته واعتراضاته وترجيحه
كما قال الشيخ عبد العزيز الداخل في الدرس التاسع من المهارات المتقدمة:
اقتباس:

8. ينبغي أن تظهر شخصية الباحث ولغته العلمية في كتابته وتحريره، وأن لا يكون عمله مقتصراً على مجرّد الجمع والتلخيص؛ بل ينبغي أن يحسن التعبير عن الأقوال، ويبيّنها بما يوضّح المراد بها، ويزيل الإشكالات.
مع التأكيد على أني أعذركِ لصعوبة المسألة وطول بحثها.

وأرجو أن تستفيدي من هذه الملحوظات:

أولا: أبو عمرو بن العلاء البصري من طبقة تابعي التابعين، وهو إمام في العربية والقراءة، يمكنكِ الاطلاع على طرف من سيرته في دورة علماء الأمصار للشيخ عبد العزيز الداخل (هنا)

والقول بأنه أنكر رسم المصحف الذي أجمع عليه الصحابة والتابعون من قبله، ونحو ذلك قول عظيم لابد من التثبت قبل نسبته إليه.

ولو تتبعتِ نص ما نسبه علماء التفسير واللغة له تجدين الآتي:

1. قال الفراء: (وقرأ أبو عمرو {إنّ هذين لساحران} واحتجّ أنه بلغه عن بعض أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن في المصحف لحناً وستقيمه العرب)
قال: " بلغه " ولم يجزم، لأنه رواه عن قتادة، وقتادة لم يسمع من عثمان رضي الله عنه.

2. قال أبو عبيدة معمر بن المثنى - وهو تلميذ أبي عمرو فيُحمل أنه سمعه منه مباشرة -:( قال أبو عمرو وعيسى ويونس " إنّ هذين لساحران " في اللفظ وكتب " هذان " كما يزيدون وينقصون في الكتاب واللفظ صواب) اهـ.
فكأنه هنا يذكر توجيهًا لقراءته تبعًا لرسم المصحف، ولم يقدح في الكُتاب، بل قال بأنه كُتب (هذن) وأسقطوا الياء كما يزيدون حروفًا لا تُقرأ، وينقصون حروفًا وتُقرأ، والمُعول على السماع، وأبو عمرو ثبتت لديه قراءته بالإٍسناد إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

ثم جاء من بعدهم فنسبوا إليه صراحة قوله بأنه غلط من الكتاب ولحن في القرآن.

وما أحسن ما قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وَكَانَ أَبُو عَمْرٍو إمَامًا فِي الْعَرَبِيَّةِ فَقَرَأَ بِمَا يَعْرِفُ مِنْ الْعَرَبِيَّةِ: إنَّ هَذَيْنِ لَسَاحِرَانِ. وَقَدْ ذَكَرَ أَنَّ لَهُ سَلَفًا فِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ وَهُوَ الظَّنُّ بِهِ: أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ إلَّا بِمَا يَرْوِيهِ لَا بِمُجَرَّدِ مَا يَرَاهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إنِّي لَأَسْتَحْيِي مِنْ اللَّهِ أَنْ أَقْرَأَ: {إنْ هَذَانِ} وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ لَهَا وَجْهًا مِنْ جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ"
فانظري إلى لفظ ابن تيمية في نسبة القول إليه (روي عنه) وتأملي اعتذاره لأبي عمرو.
والظن أنكِ لم تقصدي المعنى المفهوم من عبارتك، ولكن وجب التنبيه.

ثانيًا: القراءات الصحيحة، لا يرجح بينها وإنما تصح القراءة بها جميعًا ويبحث في توجيه كل قراءة، ويُعتذر للمتقدمين من أهل اللغة والتفسير أن جمع أسانيد القراءات تأخر إلى زمن أبي بكر بن مجاهد المتوفى سنة 324 هـ، ومع هذا فهد لم يحصر جميع أسانيد القراءات الصحيحة وإنما اختار سبعة منها فقط.

وقبل ذلك كان كلٌ يقرأ بما ثبت لديه من أسانيد القراءة وما أخذه عن مشايخه بالإسناد إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

وبعد معرفة القراءات الصحيحة، فيحرم رد قراءة صحيحة.

ثالثًا: تخريج القراءات يكون من كتب القراءات.

رابعًا: القراءة التي عليها البحث هي قراءة الجمهور: (إنَّ هذان لساحران) لاستشكالهم مخالفتها لقواعد اللغة، ولم يحصل هذا الاستشكال في زمن الصحابة، الذين نزل القرآن عليهم، وإنما استشكل من بعدهم القراءة لمخالفتها للقواعد التي استقروا على وضعها واختيارها من مذاهب العرب، فجاءت مخالفة للقياس لكن ليست مخالفة للسماع، ولا يمكن الجمع بين جميع الأقوال كما أشرتِ في دراستكِ، وإنما لابد من الترجيح بينها، واختلف المفسرون وأهل اللغة في هذا الترجيح، ويمكنكِ تعيين ما ترجح لديكِ من الأقوال بعد البحث.
وأحسب أنكِ إذا قرأت رسالة ابن تيمية بتأن، استفدتِ كثيرًا في تعيين مواضع الإشكال والمآخذ على كل قول.


خامسًا: القول بأن (هذان) مبنية والألف فيها جاءت على الأصل، يدخل تحته عدة أقوال، حسب الخلاف في هذا الأصل الذي جاءت عليه الألف، ومنه قول الفراء أنها دعامة، والقول بأنه شبهت بألف يفعلان، وقول ابن كيسان، وغيرهم..

سادسًا: مع التأكيد على ضرورة التعبير بأسلوبك، بتلخيص ما استفدتيه من أقوال العلماء، أؤكد على الدقة في التعبير عند نسبة الأقوال إليهم، والانتباه للأخطاء الإملائية واللغوية، والأخطاء في كتابة أسماء العلماء؛ فأحيانًا تكتبين (ابن) بدلا من (أبي) وهكذا
وأحيانًا ترفعين (أبو) وهي مجرورة فتكتب (أبي) لأن الأسماء الخمسة ترفع بالواو وتنصب بالألف وتجر بالياء.

ختامًا: هذه المسألة مما لا ينتهي بحثها عند هذا التطبيق بل كلما توسعتِ في القراءة فيها ازددتِ فهما وعلمًا، وما قدمتيه من جهد مشكور، وأعانكِ الله على مزيد من ضبط تحريركِ، وإضافتها لأصلكِ العلمي.



التقويم: ب

شكر الله جهدكِ وزادكِ توفيقًا وسدادًا.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 28 ربيع الأول 1443هـ/3-11-2021م, 10:15 AM
رولا بدوي رولا بدوي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Sep 2019
المشاركات: 341
افتراضي

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
جزاكم الله خيرا على الملاحظات المهمة،استفدت منها، و أعترف أني أرسلته و كان لازال بحاجة لمزيد مراجعة و تنقيح و دراسة.
الحقيقة أنا توسعت جدًا في قراءة المسألة و كنت أرى أنه تحتاج وقت أطول فعًلا، حتى أستطيع فهم كلام العلماء و المفسرين، كنت ألجأ لقراءة ترجمة بعضهم حتى أفهم، أو من علق على تعليقاتهم، و فتحت كتب النحو و كتب في حجة القرءات، و الحقيقة أنا استمتعت جدًا جدًا بما كنت أفتح، لكن الأمر يحتاج إلى مزيد فهم ،للقراءات و كيف نعلق عليها، و في معرفة الطبقات و رأي من مقدم على من في كل علم، حقيقي ما استفدته ليس بالقليل، و لا يتعلق بالمسألة مباشرة،لكن نحتاجه في الطريق، فجزاكم الله خيرًا.
بإذن الله أسعى لإعادة النظر فيها من جديد،أسأل الله السداد و التوفيق و جزاكم الله خيرا.

رد مع اقتباس
  #11  
قديم 1 ربيع الثاني 1443هـ/6-11-2021م, 08:31 AM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رولا بدوي مشاهدة المشاركة
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
جزاكم الله خيرا على الملاحظات المهمة،استفدت منها، و أعترف أني أرسلته و كان لازال بحاجة لمزيد مراجعة و تنقيح و دراسة.
الحقيقة أنا توسعت جدًا في قراءة المسألة و كنت أرى أنه تحتاج وقت أطول فعًلا، حتى أستطيع فهم كلام العلماء و المفسرين، كنت ألجأ لقراءة ترجمة بعضهم حتى أفهم، أو من علق على تعليقاتهم، و فتحت كتب النحو و كتب في حجة القرءات، و الحقيقة أنا استمتعت جدًا جدًا بما كنت أفتح، لكن الأمر يحتاج إلى مزيد فهم ،للقراءات و كيف نعلق عليها، و في معرفة الطبقات و رأي من مقدم على من في كل علم، حقيقي ما استفدته ليس بالقليل، و لا يتعلق بالمسألة مباشرة،لكن نحتاجه في الطريق، فجزاكم الله خيرًا.
بإذن الله أسعى لإعادة النظر فيها من جديد،أسأل الله السداد و التوفيق و جزاكم الله خيرا.

شكر الله لكِ جهدكِ وتقبل منكِ وبارك لك في وقتك وجهدك وعلمك وزادك توفيقًا وسدادًا.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مجلس, أداء

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:17 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir