دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > عمدة الأحكام > كتاب الطهارة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 6 ذو القعدة 1429هـ/4-11-2008م, 08:20 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي حديث عثمان في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم

عن حُمْرانَ مولى عثمانَ بنِ عفَّانَ رضى اللهُ عنهُما، أنهُ رأى عثمانَ رَضِيَ اللهُ عنهُ دَعَا بِوَضُوءٍ، فأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ مِن إِنَائِهِ، فَغَسَلَهُمَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الْوَضُوءِ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا، وَيَدَيْهِ إِلى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلاَثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ كلْتَا رِجْلَيْهِ ثَلاثًا، ثُمَّ قالَ: رَأَيْتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هذا، وقَالَ: ((مَن تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هذَا، ثُمَّ صلَّى رَكْعَتَيْنِ لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ))


  #2  
قديم 10 ذو القعدة 1429هـ/8-11-2008م, 01:38 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تصحيح العمدة للإمام بدر الدين الزركشي (النوع الأول: تصحيح الرواية)

وقولُهُ: ((وَلَهَ )) في حديثِ عبدِ اللهِ بنِ مُغَفَّلِ صريحٌ في انفرادِ مُسْلِمٍ بهذهِ الروايةِ , وَوَهِمَ ابنُ الجَوْزِيِّ في كتابِ (التحقيقِ) فقالَ: " تَفَرَّدَ بها البخاريُّ " . وهو سَبْقُ قَلَمٍ.


  #3  
قديم 10 ذو القعدة 1429هـ/8-11-2008م, 01:40 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تصحيح العمدة للإمام بدر الدين الزركشي (النوع الثاني: التصحيح اللغوي)

قولُهُ: ((دَعَا بِوَضُوءٍ)).

هو بِفَتْحِ الواوِ اسمٌ للماءِ.
قولُهُ: (نحوَ وُضُوئِي) منصوبٌ؛ لأنَّهُ موضعُ المصدرِ، والتقديرُ: مَن تَوَضَّأَ وُضُوءًا نَحْوَ وُضُوئِي هذا.

قولُهُ: (( لا يُحَدِّثُ فِيهَا نَفْسَهُ)):
زادَ الطَّبَرَانِيُّ في (مُعْجَمِهِ الكبيرِ):
(( إلا بِخَيْرٍ)).


  #4  
قديم 10 ذو القعدة 1429هـ/8-11-2008م, 01:41 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي خلاصة الكلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

الْحَدِيثُ السابعُ


عنْ حُمْرانَ مولى عثمانَ بنِ عفَّانَ رضى اللَّهُ عنهُمَا، أنهُ رأى عثمانَ دَعَا بِوَضُوءٍ، فأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ إِنَائِهِ، فَغَسَلَهُمَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الْوَضُوءِ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَيَدَيْهِ إِلى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ كلْتَا رِجْلَيْهِ ثَلاثًا، ثُمَّ قالَ: رَأَيْتُ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هذا، وقَالَ: ((مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هذَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)).


  #5  
قديم 10 ذو القعدة 1429هـ/8-11-2008م, 01:42 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تيسير العلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

(7) غريبُ الحديثِ:


1- ((وَضُوءُ)) بفتحِ الواوِ: الماءُ الذي يُتوضَّأُ بهِ. قالَ النوويُّ: يُقالُ: الوُضُوءُ والطُّهُورُ بضَمِّ أوَّلِهما، إذا أُرِيدَ الفعلُ الذي هو المصدرُ، وبفتحِ أوَّلِهما إذا أُريدَ الماءُ الذي يُتَطَهَّرُ بهِ. وأصلُ الوضوءِ من الوضاءةِ، وهي الحُسْنُ والنظافةُ، فسمِّيَ وُضوءُ الصلاةِ وُضوءاً؛ لأنَّهُ يُنَظِّفُ صاحبَهُ.
2- (( فأفرغَ )) : قلبَ من ماءِ الإناءِ علَى يدِهِ.
3- (( لا يُحدِّثُ فيهما نفسَه ُ)) : حديثُ النفسِ: هو الوسواسُ والخطراتُ. والمرادُ بهَا هنا ما كانَ في شؤونِ الدنيا.
يعني: فلا يَسْتَرْسِلْ في ذلك، وإلا فالأفكارُ يَتَعَذَّرُ السلامةُ منهَا.
4- ((إلَى المرْفقيْنِ)) : ( إلَى ) بمعنَى معَ، يعني: مع المرفقيْنِ.
5- (( ثم )) : لم يقصدْ بهَا هنا التراخي، كما هو الأصلُ في معناهَا، وإنَّما قصدَ بهَا مجرَّدَ الترتيبِ. وقد أشارَ ابنُ هشامٍ في المُغْنِي والرضِيُّ في شرحِ الكافيةِ إلَى أنَّهَا قدْ تأتِي لمجرَّدِ الترتيبِ.
6- (( نحوَ وضوئِي )) : جاءَ في بعضِ ألفاظِ هذا الحديثِ: ( مثلَ وضوئِي هذا ) ومعنَى ( نحوَ ) و ( مثلَ ) متفاوِتٌ: فإنَّ لفظةَ (مثْلَ ) تقتضي ظاهرَ المساواةِ من كلِّّ وجهٍ، أمَّا ( نحْوَ ) فما تُعطِي معنَى المثليَّةِ إلا مجازاً. والمجازُ هنا مُتعيِّنٌ، لارتباطِ الثوابِ بالمماثلةِ.




المعنَى الإجماليُّ:


اشتملَ هذا الحديثُ العظيمُ علَى الصفةِ الكاملةِ لوضوءِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فإنَّ عثمانَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ ـ من حُسْنِ تعليمِهِ وتفهيمِهِ ـ علَّمَهم صفةَ وضوءِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بطريقٍ عَمَليَّةٍ؛ ليكونَ أبلغَ تفهُّماً، وأتمَّ تصوُّراً في أذهانِهمْ، فإنَّهُ دعا بإناءٍ فيهِ ماءٌ، ولئلا يُلوِّثَهُ، لم يَغْمِسْ يدَهُ فيهِ. وإنَّما صبَّ علَى يدَيْهِ ثلاثَ مرَّاتٍ حتَّى نظفتَا، وبعدَ ذلكَ أدخلَ يدَهُ اليمنَى في الإناءِ، وأخذَ بهَا ماءً تمضمضَ منهُ واستنشقَ، ثم غسلَ وجهَهُ ثلاثَ مرَّاتٍ، ثم غسلَ يدَيْهِ مع المرفقيْنِ ثلاثاً، ثم مسحَ جميعَ رأسِهِ مرَّةً واحدةً، ثم غسلَ رجليْهِ مع الكعبيْنِ ثلاثاً.
فلما فرغَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ من هذا التطبيقِ، أخبرَهم أنَّهُ رأَى النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضَّأَ مثلَ هذا الوضوءِ.
ولمَّا فرَغَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من هذا الوضوءِ الكاملِ، أخبرَهم بأنَّهُ مَن توضَّأَ مثلَ وضوئِهِ، وصلَّى ركعتيْنِ، مُحضراً قلبَهُ بينَ يدَيْ ربِّهِ عزَّ وجلَّ فيهما فإنَّهُ ـ بفضلِهِ تعالَى - يُجازيهِ علَى هذا الوضوءِ الكاملِ، وهذهِ الصلاةِ الخالصةِ بغفرانِ ما تقدَّمَ من ذنبِهِ.




اختلافُ العلماءِ:


ذهبَ الأئمَّةُ: أبو حنيفةَ، ومالكٌ، والشَّافعيُّ، وسفيانُ، وغيرُهم، إلَى أنَّ الاستنشاقَ مُستحبٌّ في الوضوءِ، لا واجبٌ.
والمشهورُ عندَ الإمامِ (أحمدَ) الوجوبُ، فلا يصحُّ الوضوءُ بدونِِهُ، وهو مذْهَبُ ابنِ أبي ليلَى، وإسحقَ، وغيرِهما.
استدلَّ الأوَّلونَ علَى قولِهم بحديثِ: ( عَشْرٌ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ )، ومنهَا الاستنشاقُ. والسنَّةُ غيرُ الواجبِ، واستدلَّ المُوجِبونَ بقولِهِ تعالَى: {فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ} والأنفُ من الوجْهِ، وبالأحاديثِ الكثيرةِ الصحيحةِ من صفةِ فعلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمْرِهِ بذلك. وأجابوا علَى دليلِ غيرِ الموجبينَ بأنَّ المرادَ بالسُّنَّةِ في الحديثِ الطريقةُ، لأنَّ تسميةَ السُّنَّةِ بغيرِ الواجبِ اصطلاحٌ من الفقهاءِ المتأخِّرينَ.

ولهذا وردَ في كثيرٍ من الأحاديثِ ومنهَا: ( عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ ). ولا شكَّ في صحَّةِ المذهبِ الأخيرِ لقوَّةِ أدلَّتِهِ، وعدمِ ما يُعارضُهَا - في عِلْمِي - واللَّهُ أعلمُ.
وقد اتَّفقَ العلماءُ علَى وجوبِ مسحِ الرأسِ، واتَّفقوا أيضاً علَى استحبابِ مسحِ جميعِهِ، ولكن اختلفوا: هلْ يُجزئُ مسحُ بعضِهِ أو لا بدَّ من مسحِهِ كلِّهِ؟
فذهبَ النوويُّ، والأوْزاعيُّ، وأبو حنيفةَ، والشَّافعيُّ، إلَى جوازِ الاقتصارِ علَى بعضِهِ علَى اختلافِهم في القَدْرِ المُجزئِ منهُ.
وذهبَ مالكٌ، وأحمدُ، إلَى وجوبِ استيعابِهِ كلِّهِ.

استدلَّ الأوَّلونَ بقولِهِ تعالَى: { وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ } علَى أنَّ الباءَ للتبعيضِ، وبما رواهُ مُسلمٌ عن المغيرةِ بلفظِ: ( أنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضَّأَ فمسحَ بناصيتِهِ وعلَى العمامةِ ). واستدلَّ المُوجبونَ لمسحِهِ كلِّهِ بأحاديثَ كثيرةٍ، كلُّهَا تَصِفُ وضوءَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، منهَا حديثُ البابِ، ومنهَا ما رواهُ الجماعةُ: ( مسحَ رأسَهُ بيدَيْهِ، فأقبلَ بهما وأدبرَ. بدأَ بمُقدَّمِ رأسِهِ، ثم ذهبَ بهما، ثم ردَّهما إلَى المكانِ الذي بدأَ منهُ ). وأجابوا عن أدلَّةِ المُجيزينَ لمسحِ بعضِهِ، بأنَّ الباءَ لم ترِدْ في اللغةِ للتبعيضِ، وإنَّما معناهَا في الآيةِ الإلصاقُ، أيْ: أَلصِقوا المسحَ برؤوسِكم، والإلصاقُ هو المعنَى الحقيقيُّ للباءِ. وقد سُئلَ نِفْطَوَيْهِ وابنُ دُريدٍ عن معنَى التبعيضِ في الباءِ فلم يعْرِفاهُ. وقالَ ابنُ بَرهانَ: مَن زعمَ أنَّ الباءَ للتبعيضِ فقد جاءَ عن أهلِ العربيةِ بما لا يعرفونَهُ.
قالَ ابنُ القيِّمِ: لم يصحَّ في حديثٍ واحدٍ أنَّهُ اقتصرَ علَى مسحِ بعضِ رأسِهِ ألبتَّةَ.


ما يُؤخذُ من الحديثِ:

1- مشروعيَّةُ غسلِ اليدينِ ثلاثاً قبلَ إدخالِهما في ماءِ الوضوءِ عند التوضُّؤِ.
2- التيامُنُ في تناولِ ماءِ الوضوءِ لغسلِ الأعضاءِ.
3- مشروعيَّةُ التمضمضِ، والاستنشاقِ، والاستنثارِ علَى هذا الترتيبِ.
ولا خلافَ في مشروعيَّتِهما، وإنَّما الخلافُ في وجوبِهما، وتقدَّمَ أنَّهُ هو الصحيحُ.
4- غسلُ الوجهِ ثلاثاً، وحدَهُ: من منابتِ شعرِ الرأسِ إلَى الذقنِ طولاً، ومن الأذنِ إلَى الأذنِ عرضاً، وكذلك يُثلَّثُ في المضمضةِ والاستنشاقِ، لأنَّ الأنفَ والفمَ من مُسمَّى الوجْهِ. فالوجهُ عندَ العربِ ما حصلتْ بهِ المواجهةُ.
5- غسلُ اليدينِ مع المرفقينِ ثلاثاً.
6- مسحُ جميعِ الرأسِ مرَّةً واحدةً. يُقْبِلُ بيدَيْهِ عليهِ، ثم يُدْبِرُ بهما.
7- غسلُ الرجليْنِ مع الكعبيْنِ ثلاثاً.
8- وجوبُ الترتيبِ في ذلك، لإدخالِ الشارعِ الممسوحَ، وهو الرأسُ، بينَ المغسولاتِ. ملاحظةً للترتيبِ بينَ هذهِ الأعضاءِ.
9- أنَّ هذهِ الصفةَ هي صفةُ وضوءِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه ِوَسَلَّمَ الكاملةُ.
10- مشروعيَّةُ الصلاةِ بعدَ الوضوءِ.
11- أنَّ سببَ تمامِ الصلاةِ وكمالِهَا، حضورُ القلبِ بينَ يدَيِ اللَّهِ تعالَى، وفيهِ الترغيبُ بالإخلاصِ، والتحذيرُ من عدمِ قبولِ الصلاةِ ممَّن لَهَا فيهَا بأمورِ الدنيا. ومَن طرأتْ عليهِ الخواطرُ الدنيويَّةُ، وهو في الصلاةِ، فطردَهَا يُرجَى لهُ حصولُ هذا الثوابِ.
12- فضيلةُ الوضوءِ الكاملِ، وأَنَّهُ سببٌ لغفرانِ الذنوبِ.
13- إنَّ الثوابَ الموعودَ بهِ يترتَّبُ علَى مجموعِ الأمْرَيْنِ، وهما الوضوءُ علَى النحوِ المذكورِ، وصلاةُ ركعتيْنِ بعدَهُ علَى الصفةِ المذكورةِ، ولا يترتَّبُ علَى أحدِهما فقطْ، إلا بدليلٍ خارجيٍّ. وقد خصَّ العلماءُ الغفرانَ الذي هنا بصغائرِ الذنوبِ، أمَّا الكبائرُ فلا بدَّ لغُفرانِهَا من التوبةِ منهَا، قالَ تعالَى: { إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } [ سورةُ النساء آية31].


  #6  
قديم 10 ذو القعدة 1429هـ/8-11-2008م, 01:43 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي إحكام الأحكام لتقي الدين ابن دقيق العيد

7 - الحَدِيثُ السَّابِعُ:

عَن حُمْرَانَ - مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ دَعَا بِوَضُوءٍ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ مِن إِنَائِهِ، فَغَسَلَهُمَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الوَضُوءِ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثاً، وَيَدَيْهِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ ثَلاَثاً، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ، ثُمَّ غَسَلَ كِلْتَا رِجْلَيْهِ ثَلاَثاً، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، وَقَالَ: ((مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)).



((عُثمانُ)) بنُ عفَّانَ بنِ أبي العَاصِ بنِ أُمَيَّةَ بنِ عَبْدِ شَمْسِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ، يَجْتَمِعُ مَعَ رسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَبْدِ مَنَافٍ، أَسْلَمَ قَدِيماً، وَهَاجَرَ الهِجْرَتَيْنِ، وَتزَوَّجَ بِنْتَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَلِيَ الخِلاَفَةَ بَعْدَ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وقُتِلَ يَومَ الجُمُعَةِ لِثَمَانِي عَشْرَةَ خَلَوْنَ مِن ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِينِ مِن الهِجْرَةِ، ومَولاَهُ ((حُمْرَانُ)) بنُ أبَانَ بنِ خَالِدٍ، كانَ مِن سَبْيِ عَيْنِ التَّمْرِ، ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى البَصْرَةِ، احْتَجَّ بِهِ الجَمَاعَةُ، وَكَانَ كَبِيراً.

الكَلاَمُ عَلَى هَذَا الحَدِيثِ مِنْ وُجُوُهٍ:
أَحَدُهَا: ((الوَضُوءُ)) بِفَتْحِ الوَاوِ، اسمٌ للمَاءِ، وَبِضَمِّهَا اسمٌ للفِعْلِ عَلَى الأَكْثَرِ، وَإِذَا كَانَ بِفَتْحِ الوَاوِ اسْماً للمَاءِ - كَمَا ذكَرْنَاهُ - فَهَلْ هُوَ اسمٌ لمُطلَقِ المَاءِ أَو للْمَاءِ بقيْدِ كَوْنِهِ مُتَوَضَّئاً بِهِ، أَو مُعَدّاً لِلوُضُوءِ بِهِ؟ فِيهِ نَظَرٌ يَحْتَاجُ إِلَى كَشْفٍ، وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ فَائِدَةٌ فِقْهِيَّةٌ، وَهُوَ أنَّهُ فِي بَعْضِ الأَحَادِيثِ الَّتِي اسْتُدِلَّ بِهَا عَلَى أنَّ المَاءَ المُستَعْمَلَ طَاهِرٌ: قَولُ جَابِرٍ: ((فَصَبَّ عَلَيَّ مِن وَضُوئِهِ))، فَإِنَّا إِنْ جَعَلْنَا ((الوَضُوءَ)) اسْماً لِمُطْلَقِ المَاءِ لَمْ يَكُنْ فِي قَوْلِهِ: (( فَصَبَّ عَلَيَّ مِن وَضُوئِهِ)) دَلِِيلٌ عَلَى طَهَارَةِ المَاءِ المُستَعْمَلِ؛ لأَنَّهُ يَصِيرُ التَّقْدِيرُ: فَصَبَّ عَلَيَّ مِن مَائِهِ، وَلا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَاؤُهُ هُوَ الَّذِي اسْتُعْمِلَ فِي أَعْضَائِهِ؛ لأَنَّا نَتَكَلَّمُ عَلَى أنَّ (( الوَضُوءَ )) اسمٌ لمُطْلَقِ المَاءِ، وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ، جَازَ أَنْ يَكُونَ المُرَادُ بِوَضُوئِهِ فَضْلَةَ مَائِهِ الَّذِي تَوَضَّأَ بِبَعْضِهِ، لا مَا اسْتَعْمَلَهُ فِي أَعْضَائِهِ، فَلاَ يَبْقَى فِيهِ دَلِيلٌ مِن جِهَةِ اللَّفْظِ عَلَى مَا ذُكِرَ مِن طَهَارةِ المَاءِ المُستَعْمَلِ، وَإِنْ جَعَلْنَا (( الوَضُوءَ )) بِالفَتْحِ المَاءَ مُقَيَّداً بِالإِضَافَةِ إِلَى الوُضُوءِ - بِالضَّمِّ، أَعْنِي اسْتِعْمَالَهُ فِي الأَعْضَاءِ، أَوْ إِعْدَادَهُ لِذَلِكَ، فَهَهُنَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: فِيهِ دَلِيلٌ؛ لأَنَّ (( وَضُوءَهُ )) بِالفَتْحِ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ مَائِهِ المُعَدِّ لِلوُضُوءِ بِالضَّمِّ، وَبَيْنَ مَائِهِ المُسْتَعْمَلِ فِي الوُضُوءِ، وَحَمْلُهُ عَلَى الثَّانِي أَوْلَى؛ لأنَّهُ الحَقِيقَةُ، أَو الأقْرَبُ إِلَى الحَقِيقَةِ، وَاسْتعْمَالُهُ بِمَعْنَى المُعَدِّ مَجَازٌ، والحَمْلُ عَلَى الحَقِيقَةِ أَو الأقْرَبِ إِلَى الحَقِيقَةِ أَولَى.

الثَّانِي: قَولُهُ: (( فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ))، فِيهِ اسْتِحْبَابُ غَسْلِ اليَدَيْنِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي الإِنَاءِ فِي ابْتِدَاءِ الوُضُوءِ مُطْلَقاً، وَالحَدِيثُ الَّذِي مَضَى يُفِيدُ اسْتِحْبَابَهُ عِنْدَ القِيَامِ مِنَ النَّومِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الفَرْقَ بَينَ الحُكْمَيْنِ، وَأَنَّ الحُكْمَ عِنْدَ عَدَمِ القِيَامِ الاسْتِحْبَابُ، وَعِنْدَ القِيَامِ الكَرَاهِيَةُ لإِدْخَالِهِمَا فِي الإِنَاءِ قَبْلَ غَسْلِهِمَا.

الثَّالِثُ: قَولُهُ: ((عَلَى يَدَيْهِ))، يُؤخَذُ مِنْهُ الإِفْرَاغُ عَلَيْهِمَا مَعاً، وَقَد تَبَيَّنَ فِي رِوَايَةٍِ أُخْرى: ((أَنَّهُ أَفْرَغَ بِيَدِهِ اليُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى ثُمَّ غَسَلَهُمَا)). قَوْلُهُ: (( غَسَلَهُمَا )) قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ كَونِهِ غَسَلَهُمَا مَجْمُوعَتَيْنِ أَو مُفْتَرِقَتَيْنِ، وَالفُقَهَاءُ اخْتَلَفُوا أيُّهُمَا أَفْضَلُ؟.

الرَّابِعُ: قَولُهُ: (( ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ))، مُبَيِّنٌ لِمَا أُهْمِلَ مِن ذِكْرِ العَدَدِ فِي حَدِيثِ أَبِي الزِّنَادِ، عَن الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ المُتَقَدِّمِ الذِّكْرِ فِي قَوْلِهِ: ((إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ )) مِن رِوَايَةِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ أيضاً ذِكْرُ العَدَدِ فِي الصَّحِيحِ، وَقَدْ ذَكَرَه صَاحِبُ الكِتَابِ.

الخَامِسُ: قَولُهُ: (( ثُمَّ تَمَضْمَضَ ))، مُقْتَضٍ لِلتَّرْتِيبِ بَيْنَ غَسْلِ اليَدَيْنِ وَالمَضْمَضَةِ، وَأَصْلُ هَذِهِ اللَّفْظَةِ مُشْعِرٌ بِالتَّحْرِيكِ، وَمِنْهُ: مَضْمَضَ النُّعَاسُ فِي عَينَيْهِ، وَاسْتُعْمِلَتْ فِي هَذِهِ السُّنَّةِ - أعْنِي المَضْمَضَةَ فِي الوُضُوءِ - لِتَحْريكِ المَاءِ فِي الفَمِ، وَقَالَ بَعْضُ الفُقَهَاءِ: ((المَضْمَضَةُ)) أَنْ يَجْعَلَ المَاءَ فِي فِيهِ ثُمَّ يَمُجُّهُ - هَذَا أَو مَعْنَاهُ - فَأَدْخَلَ المَجَّ فِي حقِيقَةِ المَضْمَضَةِ، فَعَلَى هَذَا لَو ابْتَلَعَهُ لَمْ يَكُنْ مُؤدِّيًا لِلسُنَّةِ، وَهَذَا الَّذِي يَكْثُرُ فِي أفْعَالِ المُتَوَضِّئيِنَ، [ أَعْنِي الجَعْلَ وَالمَجَّ ]، ويُمكِنُ أَنْ يكُونَ ذِكرُ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ الأَغْلَبُ وَالعَادَةُ، لا أَنَّهُ يَتَوقَّفُ تَأَدِّي السُنَّةِ على مَجِّهِ، واللهُ أَعْلَمُ.

السَّادِسُ: قَولُهُ: ((ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ))، دَلِيلٌ عَلَى التَّرْتِيبِ بَيْنَ غَسْلِ الوَجْهِ وَالمَضْمَضَةِ وَالاسْتِنشَاقِ، وَتَأَخُّرِهِ عَنهُمَا، فَيُؤْخَذُ مِنهُ التَّرْتيِبُ بَيْنَ المَفْرُوضِ وَالمَسْنُونِ، وَقَدْ قِيلَ فِي حِكْمَةِ تَقْدِيمِ المَضْمَضَةِ وَالاسْتِنْشَاقِ عَلَى غَسْلِ الوَجْهِ المَفْرُوضِ: إنَّ صِفَاتِ المَاءِ ثَلاَثٌ - أَعْنِي المُعْتَبَرَةَ فِي التَّطْهِيرِ - لَونٌ يُدْرَكُ بَالبَصَرِ، وَطَعْمٌ يُدْرَكُ بِالذَّوقِ، وَرِيحٌ يُدْرَكُ بِالشَّمِّ، فقُدِّمَتْ هَاتَانِ السُنَّتَانِ لِيُخْتَبَرَ حَالُ المَاءِ قَبْلَ أَدَاءِ الفَرْضِ بِهِ، وبَعْضُ الفُقَهَاءِ رَأَى التَّرْتيِبَ بَيْنَ المَفْرُوضَاتِ، وَلَمْ يَرَهُ بَيْنَ المَفْرُوضِ وَالمَسْنُونِ، كَمَا بَيْنَ المَفْرُوضَاتِ. وَ((الوَجْهُ)) مُشْتَقٌّ مِن المُوَاجَهَةِ، وَقَد اعْتبَرَ الفُقَهَاءُ هَذَا الاشْتِقَاقَ، وَبَنَوْا عَلَيْهِ أَحْكَاماً. وَقَولُهُ: ((ثَلاَثاً)) يُفيِدُ اسْتِحْبَابَ هَذَا العَدَدِ فِي كُلِّ مَا ذُكِرَ فِيهِ.

السَّابِعُ: قَولُهُ ((وَيَدَيْهِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ)) المِرْفَقُ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: بِفَتْحِ المِيمِ وَكَسْرِ الفَاءَ. وَالثَّانِي: عَكْسُهُ، لُغَتَانِ. وَقَولُهُ: ((إِلَى المِرْفَقَيْنِ)) لَيْسَ فِيهِ إِفْصَاحٌ بِكَونِهِ أَدْخلَهُمَا فِي الغَسْلِ، أَو انْتَهَى إليْهِمَا، وَالفُقَهَاءُ اخْتَلَفُوا فِي وجُوبِ إدْخَالِهِمَا فِي الغَسْلِ، فَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ الوُجُوبُ، وَخَالَفَ زُفَرُ وَغَيْرُهُ. وَمَنْشَأُ الاخْتِلاَفِ فِيهِ أَنَّ كَلِمَةَ ((إِلَى)) المَشْهُورُ فِيهَا أنَّهَا لاِنتِهَاءِ الغَايَةِ، وَقَد تَرِدُ بِمَعْنَى ((مَعَ)) فَمِن النَّاسِ مَن حَمَلَهَا عَلَى مَشْهُورِهَا، فَلَمْ يُوجِبْ إِدْخَالَ المِرْفقَيْنِ فِي الغَسْلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهَا عَلَى مَعْنَى ((مَعَ ))، فَأَوْجَبَ إِِدْخَالَهَا.

وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: يُفَرَّقُ بَيْنَ أََنْ تَكُونَ الغَايَةُ مِن جِنْسِ مَا قَبْلَهَا أَوْ لا، فَإِنْ كَانَتْ مِن الجِنْسِ دَخَلَتْ، كَمَا فِي آيَةِ الوُضُوءِ، وَإِنْ كَانَتْ مِن غَيْرِ الجِنْسِ لَمْ تَدْخُلْ، كَمَا فِي قَولِهِ عَزَّ وَجَلَّ: { ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ } [البَقَرَةُ: 187]. وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنَّمَا دَخَلَ المِرْفَقَانِ هَهُنا لأَنَّ ((إِلَى)) هَهُنا غَايَةٌ للإِخْرَاجِ، لا للإِدْخَالِ، فَإِنَّ اسمَ ((اليَدِ)) يَنْطَلِقُ عَلَى العُضْوِ إِلَى المَنْكِبِ، فَلَوْ لَمْ تَرِدْ هَذِهِ الغَايَةُ لَوَجَبَ غَسْلُ اليَدِ إِلَى المَنْكِبِ، فَلَمَّا دَخَلَتْ أَخْرَجَتْ عَن الغَسْلِ مَا زَادَ عَلَى المِرْفَقِ، فَانْتَهَى الإِخْرَاجُ إِلَى المِرْفَقِ، فَدَخَلَ فِي الغَسْلِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: لَمَّا تَرَدَّدَ لَفْظُ ((إِلَى)) بَيْنَ أَنْ تَكُونَ لِلغَايَةِ، وَبَيْنَ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى ((مَعَ))، وَجَاءَ فِعْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ((أَدَارَ المَاءَ عَلَى مِرْفَقَيْهِ))، كَانَ ذَلِكَ بَيَانًا لِلمُجْمَلِ، وَأفْعَالُ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيَانِ الوَاجِبِ المُجْمَلِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الوُجُوبِ، وَهَذَا عِنْدَنَا ضَعِيفٌ؛ لأَنَّ (( إِلَى )) حَقِيقَةٌ فِي انتِهَاءِ الغَايَةِ، مَجَازٌ بِمَعْنَى (( مَعَ )) وَلا إِجْمَالَ فِي اللَّفْظِ بَعْدَ تَبَيُّنِ حَقِيقَتِهِ. وَيَدُلُّ عَلَى أنَّها حَقِيقَةٌ فِي انتِهَاءِ الغَايَةِ كَثْرَةُ نُصُوصِ أَهْلِ العَرَبيَّةِ عَلَى ذَلِكَ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّها بِمَعْنَى ((مَعَ))، فلَمْ يَنُصَّ عَلَى أَنَّها حَقِيقَةٌ فِي ذَلِكَ، فَيَجُوزُ أَنْ يُريدَ المَجَازَ.

الثَّامِنُ: قَولُهُ: ((ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ)) ظَاهِرُهُ اسْتِيعَابُ الرَّأْسِ بِالمَسْحِ؛ لأَنَّ اسْمَ ((الرَّأْسِ)) حَقِيقَةٌ فِي العُضْوِ كُلِّهِ. وَالفُقَهَاءُ اخْتَلَفُوا فِي القَدْرِ الوَاجِبِ مِن المَسْحِ، وَلَيْسَ فِي الحَديثِ مَا يَدُلُّ عَلَى الوُجُوبِ؛ لأَنَّهُ فِي آخِرِهِ إِنَّمَا ذُكِرَ تَرتِيبُ ثَوَابٍ مَخْصُوصٍ عَلَى هَذِهِ الأفْعَالِ، وَلَيسَ يَلْزَمُ مِن ذَلِكَ عَدَمُ الصِّحَّةِ عِنْدَ عَدَمِ كُلِّ جُزْءٍٍ مِن تِلْكَ الأَفْعَالِ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الثَّوَابُ مُرَتَّباً عَلَى إِكْمَالِ مَسْحِ الرَّأسِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِباً إِكْمَالُهُ، كَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى المَضْمَضَةِ وَالاسْتِنْشَاقِ، وَإِنْ لَمْ يَكُونَا وَاجِبيْنِ عِنْدَ كَثِيرٍ مِن الفُقَهَاءِ، أَو الأَكْثَرِينَ مِنْهُمْ.
فَإِنْ سَلَكَ سَالِكٌ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي المِرْفَقَيْنِ - مِن ادِّعَاءِ الإِجْمَالِ فِي الآيَةِ، وَأَنَّ الفِعْلَ بَيَانٌ لَهُ - فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لأَنَّ الظَّاهِرَ مِن الآيَةِ مُبيِّنٌ، إِمَّا عَلَى أَنْ يَكُونَ المُرَادُ مُطْلَقَ المَسْحِ، عَلَى مَا يَرَاهُ الشَّافِعِيُّ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ مُقتَضَى البَاءِ فِي الآيَةِ التَّبْعِيضُ [ أَو غَيْرُ ذَلِكَ ]، أوْ عَلَى أنَّ المُرَادَ الكُلُّ، عَلَى مَا قَالَهُ مَالِكٌ، بِنَاءً عَلَى أنَّ اسْمَ ((الرَّأْسِ)) حَقِيقَةٌ فِي الجُمْلَةِ، وَأَنَّ ((البَاءَ)) لا تُعَارِضُ ذَلِكَ، وَكَيفَمَا كَانَ فَلاَ إِجْمَالَ.

التَّاسِعُ: قَولُهُ: ((ثُمَّ غَسَلَ كِلْتَا رِجْلَيْهِ))، صَرِيحٌ فِي الرَّدِّ عَلَى الرَّوَافِضِ فِي أَنَّ وَاجِبَ الرِّجْلَيْنِ المَسْحُ، وَقَدْ تَبَيَّنَ هَذَا مِن حَدِيثِ عُثمَانَ، وَجَمَاعَةٍ وَصَفُوا وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمِن أَحْسَنِ مَا جَاءَ فِيهِ حَدِيثُ عَمْرِو بنِ عَبَسَةَ - بِفَتْحِ العَيْنِ وَالبَاءِ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يُقَرِّبُ وَضُوءَهُ)) إِلَى أَنْ قَالَ: ((ثُمَّ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ))، فَمِن هَذَا الحَدِيثِ انْضَمَّ القَولُ إِلَى الفِعْلِ،وَتبَيَّنَ أَنَّ المَأْمُورَ بِهِ الغَسْلُ فِي الرِّجْلَينِ.

العَاشِرُ: قَولُهُ: (( ثَلاَثًا )) يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّكْرَارِ فِي غَسْلِ الرِّجْلَينِ ثَلاَثاً، وَبَعْضُ الفُقَهَاءِ لا يَرى هَذَا العَدَدَ فِي الرِّجْلِ، كَمَا فِى غَيْرِهَا مِن الأَعْضَاءِ، وَقَد وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: (( فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ حَتَّى أَنقَاهُمَا))، وَلَمْ يَذْكُرْ عَدَداً، فَاسْتُدِلَّ بِهِ لِهَذَا المَذْهَبِ، وَأُكِّدَ مِن جِهَةِ المَعْنَى بِأَنَّ الرِّجْلَ لِقُرْبِهَا مِن الأرْضِ فِي المَشْي عَليْهَا يَكْثُرُ فِيهَا الأَوْسَاخُ والأدْرَانُ، فَيُحَالُ الأَمْرُ فِيهَا عَلَى مُجَرَّدِ الإِنْقَاءِ مِن غَيْرِ اعْتِبَارِ العَدَدِ، وَالرِّوَايَةُ الَّتِي ذُكِرَ فِيهَا العَدَدُ زَائِدَةٌ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا، فَالأَخْذُ بِهَا مُتَعَيِّنٌ، وَالمَعْنَى المَذكُورُ لا يُنَافِي اعْتِبَارَ العَدَدِ، فَلْيُعْمَلْ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُ (( مِثْلَ )).

الحَادِي عَشَرَ: قَولُهُ: ((نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا)) لَفْظَةُ: ((نَحْوَ)) لا تُطَابِقُ لَفْظَةَ ((مِثْلَ))، فَإِنَّ لَفْظَةَ ((مِثْلَ)) يَقْتَضِي ظَاهِرُهَا المُسَاوَاةَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، إِلاَّ فِي الوَجْهِ الَّذِي يَقْتَضِي التَّغَايُرَ بَيْنَ الحَقِيقَتَيْنِ، بِحَيْثُ يُخْرِجُهُمَا عَن الوَحْدَةِ، وَلفْظَةُ: ((نَحْوَ)) لا تُعْطِي ذَلِكَ، وَلَعَلَّهَا اسْتُعْمِلَتْ بِمَعْنَى المِثْلِ مَجَازًا، أَوْ لَعَلَّهُ لَمْ يَتْرُكْ مِمَّا يَقتَضِي المِثْلِيَّةَ إِلاَّ مَا لا يَقْدَحُ فِي المَقْصُودِ، يَظْهَرُ فِي الفِعْلِ المَخْصُوصِ أَنَّ فِيهِ أَشْيَاءَ مُلْغَاةٌ عَن الاعْتِبَارِ فِي المَقْصُودِ مِن الفِعْلِ، فَإِذَا تُرِكَتْ هَذِهِ الأَشْيَاءُ لَمْ يَكُنِ الفِعْلُ مُمَاثِلاً حَقِيقَةً لِذَلِكَ الفِعْلِ، ولمْ يَقْدَحْ تَرْكُهَا فِي المَقْصُودِ مِنْهُ، وَهُوَ رَفْعُ الحَدَثِ، وَتَرَتُّبُ الثَّوَابِ.
وَإنَّمَا احْتَجْنَا إِلَى هَذَا وَقُلْنَا بِهِ؛ لأَنَّ هَذَا الحَدِيثَ ذُكِرَ لِبَيَانِ فِعْلٍ يُقْتَدَى بِهِ، وَيَحْصُلُ الثَّوَابُ المَوْعُودُ عَلَيْهِ، فَلاَبُدَّ أَنْ يَكُونَ الوُضُوءُ المَحْكِيُّ المَفْعُولُ مُحَصِّلاً لِهَذَا الغَرَضِ، فَلِهَذَا قُلْنَا: إِمَّا أَنْ يَكُونَ اسْتَعْمَلَ ((نَحْوَ)) في حَقِيقَتِها، مَعَ عَدَمِ فَوَاتِ المَقْصُودِ، لا بِمَعْنَى ((مِثْلَ))، أَوْ يَكُونَ تَرَكَ مَا عَلِمَ قَطْعاً أَنَّهُ لا يُخِلُّ بِالمَقْصُودِ، فَاسْتَعْمَلَ ((نَحْوَ)) فِي ((مِثْلَ)) مَعَ عَدَمِ فَوَاتِ المَقْصُودِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الثَّوَابَ يَتَرتَّبُ عَلَى مُقَارَنَةِ ذَلِكَ الفِعْلِ، تَسْهِيلاً وَتَوْسِيعاً عَلَى المُخَاطَبِينَ، مِن غَيْرِ تَضْيِيقٍ، وَنُقَيِّدُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ أوَّلاً، إِلاَّ أَنَّ الأَوَّلَ أَقرَبُ إِلَى مَقْصُودِ البَيَانِ.

الثَّانِي عَشَرَ: هَذَا الثََّوَابُ المَوعُودُ بِهِ يَتَرتَّبُ عَلَى مَجْمُوعِ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الوُضُوءُ عَلَى النَّحْوِ المَذْكُورِ. وَالثَّانِي: صَلاَةُ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَهُ بَالوَصْفِ المَذْكُورِ بَعْدَهُ فِي الحَدِيثِ، وَالمُرَتَّبُ عَلَى مَجْمُوعِ أَمْرَيْنِ، لا يَلْزَمُ تَرتُّبُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا إِلاَّ بِدَلِيلٍ خَارِجٍ. وَقَدْ أَدْخَلَ قَومٌ هَذَا الحَدِيثَ فِي فَضْلِ الوُضُوءِ، وَعَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ هَذَا السُّؤَالُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.
وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ كَوْنَ الشَّيءِ جُزْءاً مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الثَّوابُ العَظِيمُ، كَافٍ فِي كَوْنِهِ ذَا فَضْلٍ، فَيَحْصُلُ المَقْصُودُ مِنْ كَوْنِ الحَدِيثِ دَالاًّ عَلَى فَضِيلَةِ الوُضُوءِ، وَيَظْهَرُ بِذَلِكَ الفَرْقُ بَيْنَ حُصُولِ الثَّوابِ المَخصُوصِ، وَحُصُولِ مُطْلَقِ الثَّوابِ، فَالثَّوابُ المَخْصُوصُ يَتَرتَّبُ عَلَى مَجْمُوعِ الوُضُوءِ عَلَى النَّحْوِ المَذْكُورِ، وَالصَّلاَةِ المَوصُوفَةِ بِالوَصْفِ المَذْكُورِ، ومُطْلقُ الثَّوَابِ قَدْ يَحْصُلُ بِِمَا دُونَ ذَلِكَ.

الثَّالِثُ عَشَرَ: قَولُهُ: (( لا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ ))، إِشَارةٌ إِلَى الخَوَاطِرِ وَالوَسَاوِسِ الوَارِدَةِ عَلَى النَّفْسِ، وَهِيَ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَا يَهْجُمُ هَجْماً يَتَعَذَّرُ دَفْعُهُ عَن النَّفْسِ. وَالثَّانِي: مَا تَسْتَرْسِلُ مَعَهُ النَّفْسُ، وَيُمْكِنُ قَطْعُهُ وَدَفْعُهُ، فَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ هَذَا الحَدِِيثُ عَلَى هَذَا النَّوعِ الثَّانِي، فَيَخْرُجُ عَنْهُ النَّوعُ الأَوَّلُ، لِعُسْرِ اعْتِبَارِهِ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ لَفْظَةُ: (( يُحَدِّثُ نَفْسَهُ ))، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي تَكَسُّباً مِنْهُ وَتَفَعُّلاً لِهَذَا الحَدِيثِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى النَّوعَينِ مَعاً، إِلاَّ أنَّ العُسْرَ إنَّمَا يَجِبُ دَفْعُهُ عَمَّا يَتَعَلَّقُ بِالتَّكَالِيفِ.
وَالحَدِيثُ إنَّمَا يَقتَضِي تَرَتُّبَ ثَوَابٍ مَخْصُوصٍ عَلَى عَمَلٍ مَخْصُوصٍ، فَمَن حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ العِلْمُ، حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ الثَّوابُ، وَمَن لا فَلاَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِن بَابِ التَّكَالِيفِ، حَتَّى يَلْزَمَ رَفْعُ العُسْرِ عَنْهُ، نَعَمْ لاَبُدَّ وَأَنْ تَكُونَ تِلْكَ الحَالَةُ مُمْكِنَةَ الحُصُولِ - أَعْنِي الوَصْفَ المُرَتَّبَ عَلَيهِ الثَّوابُ المَخْصُوصُ - وَالأَمْرُ كَذلِكَ، فَإِنَّ المُتَجَرِّدِينَ عَن شَوَاغِلِ الدُّنيَا، الَّذِينَ غَلَبَ ذِكْرُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى قُلوبِهِمْ وَغَمَرَهَا، تَحْصُلُ لَهُمْ تلْكَ الحَالَةُ، وَقَدْ حُكِىَ عَن بَعْضِهِمْ ذَلِكَ.

الرَّابِعُ عَشَرَ: (( حَدِيثُ النَّفْسِ )) يَعُمُّ الخَوَاطِرَ المُتَعَلِّقَةَ بِالدُّنيا، وَالخَوَاطِرَ المُتَعَلِّقَةَ بِالآخِرَةِ، وَالحَدِيثُ مَحْمُولٌ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالدُّنيا، إِذْ لاَبُدَّ مِن حَدِيثِ النَّفْسِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالآخِرَةِ، كَالفِكْرِ فِي مَعَانِي المَتْلُوِّ مِن القُرْآنِ العَزِيزِ، وَالمَذْكُورِ مِن الدَّعَواتِ وَالأذْكَارِ، وَلاَ نُرِيدُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِأَمْرِ الآخِرَةِ كُلَّ أَمْرٍ مَحْمُودٍ أَو مَنْدُوبٍ إليْهِ، فَإِنَّ كَثِيراً مِن ذَلِكَ لا يَتَعَلَّقُ بِأَمْرِ الصَّلاَةِ، وَإِدْخَالُهُ فِيهَا أَجْنَبِيٌّ عَنْهَا، وَقَدْ رُوِيَ عَن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ قَالَ: (( إِنِّي لأُجَهِّزُ الجَيْشَ وَأنَا فِي الصَّلاَةِ ))، أَو كَمَا قَالَ، وَهَذِهِ قُرْبَةٌ، إِلاَّ أنَّهَا أجْنَبِيَّةٌ عَن مَقْصُودِ الصَّلاَةِ.

الخَامِسُ عَشَرَ: قَولُهُ: ((غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ))، ظَاهِرُهُ العُمُومُ فِي جَميعِ الذُّنُوبِ، وَقَدْ خَصُّوا مِثْلَهُ بِالصَّغَائِرِ، وَقَالُوا: إنَّ الكَبائِرَ إِنَّمَا تُكَفَّرُ بِالتَّوْبَةِ، وَكَأنَّ المُسْتَنَدَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ وَرَدَ مُقَيَّداً فِي مَوَاضِعَ، كقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، كَفَّارَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ، مَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ))، فَجَعَلُوا هَذَا القَيْدَ فِي هَذِهِ الأُمُورِ مُقَيِّداً للْمُطلَقِ فِي غَيْرِهَا.


  #7  
قديم 10 ذو القعدة 1429هـ/8-11-2008م, 01:52 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح عمدة الأحكام لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز (مفرغ)

المتن:


7- عن حمران مولى عثمان بن عفان أنه رأى عثمان رضي الله عنه دعا بِوَضوء فأفرغ على يديه من إنائه فغسلهما ثلاث مرات ، ثم أدخل يمينه في الوَضوء ، ثم تمضمض واستنشق واستنثر ، ثم غسل وجهه ثلاثا ، ويديه إلى المرفقين ثلاثا ، ثم مسح برأسه ، ثم غسل كلتا رجليه ثلاثا، ثم قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا وقال: " من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه " الحديث.

8- عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه قال: شهدت عمرو بن أبي حسن سأل عبد الله بن زيد عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بتور من ماء فتوضأ لهم وُضوءَ النبي صلى الله عليه وسلم ، فأكفأ على يديه من التور فغسل يديه ثلاثا ، ثم أدخل يده في التور فمضمض واستنشق واستنثر ثلاثا بثلاث غُرفات ، ثم أدخل يده في التور فغسل وجهه ثلاثه ثم أدخل يديه فغسلها مرتين إلى المرفقين ، ثم أدخل يديه فمسح بهما رأسه فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة ، ثم غسل رجليه إلى الكعبين" . وفي رواية " بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ، ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ " وفي رواية " أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجنا له ماءً في تور من صفر " الحديث.
9- عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره، وفي شأنه كله)).
10- عن نعيم المجمر عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل " وفي لفظ لمسلم " رأيت أبا هريرة يتوضأ ، فغسل وجهه ويديه حتى كاد يبلغ المنكبين، ثم غسل رجليه حتى رفع إلى الساقين ، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء ، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته وتحجيله فليفعل " الحديث . وفي لفظ مسلم " سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول: " تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء " .

الشرح:
هذه الأحاديث الأربعة تتعلق بالوضوء.
الحديث الأول حديث عثمان رضي الله عنه، وهو عثمان بن عفان الأموي القرشي رضي الله عنه، ثالث الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة رضي الله عنهم أجمعين.
يخبر أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ غسل يديه ثلاث مرات، وهذا الغسل سنة، فيستحب للمتوضئ أن يبدأ وضوءه بغسل كفيه ثلاث مرات في جميع الأوقات، إلا إذا قام من النوم فإنه يغسلها وجوبا ثلاث مرات.
((ثم تمضمض واستنشق واستنثر)): في حديث عبد الله بن زيد وحديث علي رضي الله عنهما وأحاديث أخرى أنه تمضمض واستنشق واستنثر ثلاث مرات، بثلاث غرفات، وهذا السنة، وإذا اقتصر على واحدة أجزأ ذلك، لكن الفضل والكمال ثلاثة.
((ثم غسل وجهه ثلاثا)) هذا هو الكمال، وإن غسل واحدة كفى، لأنها فرض.
((ثم غسل يديه)) اليمنى ثلاثا، واليسرى ثلاثا، كما في حديث عثمان رضي الله عنه وفي حديث عبد الله بن زيد: ((غسلها مرتين))، وذلك يدل على جواز الاقتصار على ثنتين. وجاء في الحديث عن ابن عباس ((أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة)) كما رواه البخاري في الصحيح، وهو يدل على جواز الاقتصار على المرة، والثنتان أفضل، والثلاث هي الكمال.
((ثم مسح رأسه)) في حديث عبد الله بن زيد مرة واحدة، وقد جاء في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أنه مسح رأسه وأذنيه.
((ثم غسل رجليه)) اليمنى ثلاثا، واليسرى ثلاثا، وفي حديث أبي هريرة عند مسلم أنه غسل ذراعيه حتى أشرع في العضد، وغسل رجليه حتى أشرع في الساق، يعني غسل الكعبين مع الرجلين، وغسل المرفقين مع اليدين، فدل ذلك على أن المرافق تغسل، وهكذا الكعبان يغسلان، وهذا هو معنى قوله جل وعلا ( وأيديكم إلى المرافق) يعني مع المرافق، وقوله تعالى: { وأرجلكم إلى الكعبين } يعني مع الكعبين.
وفي حديث عثمان الدلالة على شرعية صلاة ركعتين بعد الوضوء، يقبل عليهما بقلبه وقالبه ويخشع فيهما لربه، وأن هذا من أسباب المغفرة، فإذا توضأ الإنسان وضوءه الشرعي ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه، وهذا فضل عظيم، وهذه يقال لها صلاة سنة الوضوء.


  #8  
قديم 13 محرم 1430هـ/9-01-2009م, 03:52 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح عمدة الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)

القارئ: عن حمران مولى عثمان بن عفان أنه رأى عثمان رضي الله عنه دعا بوضوء فأفرغ على يديه من إنائه فغسلهما ثلاث مرات ثم أدخل يمينه في الوضوء ثم تمضمض واستنشق واستنثر ثم غسل وجهه ثلاثا ويديه إلى المرفقين ثلاثاً ثم مسح برأسه ثم غسل كلتا رجليه ثلاثاً , ثم قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا وقال: ((من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه)) .
الشيخ: هذا حديث يتعلق بصفة الوضوء , مِن أصح وأكمل الأحاديث التي في صفة الوضوء , والوضوء مشتق من الضوء , قيل إنه سمي بذلك لأنه يضيء الأعضاء , يعني ينيرها كقوله صلى الله عليه وسلم: (( إن أمتي يُدعون يوم القيامه غراً محجلين من آثار الوضوء)) وهو اسم شرعي , الوضوء اسم شرعي لا يُعرف قبل الإسلام ولا يعرف إلا في الإسلام هذا الاسم .
شرع الله تطهير هذه الاعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث حتى يصير المصلي نظيف البدن , وحتى يحصل له النشاط والقوة والمنعة , وحتى يقبل إلي الصلاة بصدق ومحبة ورغبة .
بيّن الله أصل الوضوء في القرآن قال تعالى:{ياأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين} فالآية بينت أعضاء الوضوء أنها أربعة: الوجه واليدان والرأس والرجلان , وهذا في الحدث الأصغر الوضوء .
بعد ذلك جاءت السنة ففصلت ذلك وبينه النبي صلى الله عليه وسلم لأن الله أمره بالبيان لقوله:{لتبين للناس ما نزل إليهم} فبينه بقوله وبينه بفعله , وتحفَّظ ذلك صحابته وبينوه بأفعالهم , فهذا عثمان ثالث الخلفاء الراشدين - رضي الله عنه -حفظ عنه هذا الوضوء وحفظ أيضاً عن غيره . ففي هذا الوضوء أولاً أنه دعا بوَضوء , الوَضوء هو الماء المعد للطهارة .دعا بوَضوء: بفتح الواو يعني بماء في إناء ليتوضأ به .
ونعرف أن الوضوء هو استعمال الماء في الأعضاء الأربعة والوَضوء هو الماء الذي يُتوضأ به هذا الفرق بين الوضوء والوَضوء فهو دعاء بوَضوء يعني بماء فتوضأ وضوءً يعني استعمل ذلك الماء في أعضاء الوضوء الأربعة , ولم يذكر في هذا الحديث الاستنجاء الذي هو غسل أثر النجاسة من السبيلين ؛ لأنه ليس من أعضاء الوضوء وإنما هو إزالة نجاسة , الاستنجاء أو الاستجمار بالأحجار ليس هو من أعضاء الوضوء خلافاً لما يعتقده بعض العامة إنما هو تطهير لمحل المتنجس وإزالة لأثر النجاسة منه , أعضاء الوضوء هي التي ذُكرت في هذا الحديث .
لكن ذكر أولاً أنه غسل يديه , والمراد بهما الكفان أي غسَل كفيه ثلاثاً وهذا الغسل سنة ليس بواجب إنما هو مسنون لأجل أن ينظف اليدين حيث أنهما الآلة التي يغسل بهما أعضاءه , فباليد اليمنى يغترف وباليدين جميعاً يباشر غسل اليدين , يباشر غسل الوجه يباشر غسل الرجلين يمسح بهما الرأس , فغسلهما هنا لأجل التنظيف , غسَلهما حتى نظفهما, والثلاث كافية .
وقد تقدم أن من استيقظ من النوم لزمه غسلهما قبل أن يدخلهما في الاناء من استيقظ من نوم الليل , وأما غسلهما لغير نوم فهو سنة ليس بواجب إنما هو لأجل التنظيف , فإذا كانت يداه نظيفتين فلا مانع من أن يستعملهما ولو لم يغسلهما , ولكن مع ذلك الأصل أن يتوضأ وأنه يُسَّن لكل متوضئ تنظيف يديه وغسلهما قبل استعمال الماء . ذكر أنه بعد ما غسل يديه أدخل يده في الإناء ليغترف بها فمضمض واستنشق واستنثر ثلاثة .
المضمضة: تحريك الماء في الفم .
والاستنشاق: اجتذاب الماء بالأنف بقوة النفس .
والاستنثار: إخراج الماء من الأنف بعد إدخاله بدفع النفس كما هو معروف .
لم يذكر في أكثر الرويات العدد , وفي بعضها ذكر أنه مضمض ثلاًثا واستنثر ثلاثاً وهذا هو الأرجح والأكثر أنه يتمضمض ثلاثاً ويستنشق ثلاثاً . والصحيح أنه يجعلهما بثلاث غرفات:كل غرفة يضع بعضها في فمه وبعضها في أنفه فيتمضمض ويستنثر ويستنشق من غرفة واحدة , ثم يغترف غرفة ثانية بمضمضةٍ واستنشاق ثم ثالثة كذلك , هذا الأرجح.
ويجوز أن يغترف ست غرفات: لكل مضمضة غرفة ولكل استنشاق غرفة , فيجوز أن يتمضمض من غرفتين يعني يتمضمض من غرفة ويستنشق من غرفة , كل غرفة تكفيه ثلاثاً إذا تمكن من ذلك.
المضمضة والاستتنشاق من تمام الوضوء ومن تمام غسل الوجه , هذا هو الراجح وإن كان كثير من العلماء يقولون إنها من السنن . ولكن الأدله تدل علي أنها واجبة وأن من توضأ ولم يتمضمض ولم يستنشق عمداً فإنه يعيد لأنه ترك جزءاً من أعضاء الوضوء , فإن الذين نقلوا وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ذكروا أنه حافظ علي المضمضة والاستنشاق وكذلك أمر بهما في أحاديث كقوله: ((إذا توضأت فمضمض)) وقوله في حديث لقيط: ((وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)) فهذا أمر بالوضوء وأمر بالمضمضة والاستنشاق فيهما.
والذين قالوا إنها سنة ليست بواجبة قالوا إنها لم تذكر في القرآن ما ذكر إلا غسل الوجه , والوجه ما تحصل به المواجهة والمنخران خفيان , وكذلك الفم خفي فلا تحصل بهما المواجهة.
نقول: الأمر ورد بغسل الوجه مجملاً والرسول عليه الصلاة والسلام بينه فذكر أن من تمامه المضمضة والاستنشاق, ولا شك أن القصد الأساسي هو التنظيف وأن الفم قد يكون محل تغير , فإن كثيراً تتغير أفواههم لطول السكوت أو لأكل شيء يبقى بعضه في الفم فيتغير الفم , فغسله وتحريك الماء فيه بالإصبع تنظيف له وإزالة لتلك الرائحة . وكذلك الأنف قد يتحلل منه أيضا أشياء قد تؤذي ونحو ذلك فتنظيفة إزالة لما قد يتحلل منه مما له نتناً أو مما هو أذى . فشرعية المضمضة والاستنشاق محافظة علي تنظيف الظاهر الذي يمكن ظهوره .
الوجه الثاني
ولا شك أن الفم له حكم الظاهر فإن الظاهر غير الباطن , دليل ذلك أن الصائم لو وضع طعاماً في فمه ثم مجه لم يحكم بأنه أفطر وأن إنساناً لو وضع خمراً لو وضعها في فمه ثم مجَّها لم يجب عليه الحد , فهذا دليل على أنه لا يعد من الباطن. ولو أن طفلاً صُبَّ اللبن من المرأة في فمه ولكنه لم يبتلعه ما عُدَّ بذلك راضعاً منها , فالحاصل أن القول الصحيح وجوب المضمضمة ووجوب الاستنشاق على ما دلت عليه هذه الاحاديث التي بيَّن فيها النبي عليه الصلاة والسلام ما أجمله الله في الآيات.
أما الوجه فالمأمور به غسله . الوجه : ما تحصل به المواجهة , حددوه بأنه ما تحت منابت الشعر المعتاد , شعر الرأس المعتاد له نهاية موجودة في أغلب الناس ولا عبرة بمن ينحسر شعره مثلاً وهو الأصلع لا عبرة به إنما العبرة بأغلب الناس فالجبين التي هي الجبهة نهايتها منابت الشعر فهي من جملة الوجه , أما النهاية من أسفله فهو الذقن .
الذقن: هو مجمع اللحيين , اللحي: منبت الأسنان. اللحيان: منبت الأسنان السفلى , ومجمعهما من تحت أسفل الوجه الذي تحت الشفة ويسمى ذقن ولو لم يكن فيه شعر اسمه ذقن ولو لم يكن فيه شعر فليس الذقن اسم للشعر بل الذقن اسم لأسفل الوجه فيقال ذقن المرأة يعني أسفل وجهها وذقن الصبي يعني أسفل وجهه ولو لم يكن فيه شعر فيغسله إلى الذقن ويغسل الشعر ..الشعر الذي على الوجه على الخدين وعلى الذقن هو الذي يسمى لحية فيغسله فإن كانت اللحية كثيفة اكتفى بغسل ظاهرها وسُنَّ أن يخللها بإدخال أصابعه أو بعركها حتى يدخل الماء بين الشعر , وإن كانت خفيفة غسل داخلها وخارجها لأنها في هذه الحال لم تستر البشرة ستراً كاملاً .
الحاصل أنه يغسل مافيه من الشعر , أما حده عرضاً فإلى أصول الأذنين , يغسل إلى أصل الأذن من هنا وإلى أصل الأذن من هنا , يستوفي عرضه الخدين كليهما لأنهما مما تحصل به المواجهة , فهذا هو اسم الوجه وردت السنة بالتثليث أنه يغسل الوجه ثلاثاً كما يتمضمض ويستنشق ثلاثاً ثلاثاً بعد ذلك يغسل يديه .
ذكر أن عثمان غسل يديه كل واحدة ثلاثاً , واليد المأمور بغسلها من رؤوس الأصابع إلى المرافق.
المرفق: هو مفصل الذراع من العضد , المفصل الذي بين الذراع والعضد ,يسمى مرفقاً لأنه يرتفق به يعني يُتكأ عليه ويعتمد عليه , والمرفق داخل في الغسل كما في حديث طلحة أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يدير الماء علي مرفقيه. فيدل علي أنهما مغسولان , يغسل المرفقين مع الزراع .
بعض الناس يقتصر علي غسل الذراع ولا يغسل الكف ويدعي أنه قد غسلها أول مرة . نقول: هذا لا يكفي ؛ غسلها قبل الوجه سنة وغسلها بعد الوجه واجب , فلا بد أن يغسل كفه من رؤوس أصابعه ويخللها ثم يغسل باطنها وظاهرها ثم يغسل الذراع , فيغترف غرفة فيغسل الكف ثم الذراع ثم يغترف ثانية وهكذا , ثم اليد الأخرى يغترف لها باليمنى فيغسل الكف ويخلل الأصابع ثم يغسل الذراع وهكذا يغترف غرفة أخرى ثم ثالثة حتى يغسل كل واحدة ثلاثاً , هذا هو الأكمل من رؤوس الأصابع إلي نهاية المرفق.
أما الرأس فذكر أنه مسح برأسه ولم يذكر عدده , وهذا دليل علي أنه لا يكرر لأنه لا يقصد منه إلا مجرد الامتثال فيمسح برأسه من مقدمة رأسه إلى نهاية رأسه وهذا هو الصحيح . فيه خلاف بين بعض العلماء ولكن الجمهور على أنه لابد من تكميل رأسه , أو الدليل القوي.
ثم بعد ذلك يغسل قدميه كل واحدة ثلاثة . الله تعالى قد أمر بغسل القدمين إلى الكعبين , والكعبان داخلان في الغسل فيغسل قدميه , والقدم هو الذي يطأ عليه الذي يمشي عليه يغسل القدم إلى نهاية الكعبي ,ن الكعبان ينتهيان بمستدق الساق , الكعب يمتد إلى أن ينتهي بمستدق الساق , أدق ما يكون من الساق هو نهاية الكعب , إذا أراد أن يحتاط فإنه يغسل إلى أن ينتهي الكعب , هذا الغسل واجب .
وقد تقدم لنا عليه السلام قال: ((ويل للأعقاب من النار)) يعني تأكيدا لغسل القدمين حتى لا يتساهل أحد في غسلهما بل.. فإن كثيراً يتساهلون بالغسل فيغسل غسلاً خفيفياً فيبقى مؤخر الرجل أبيضاً لم يمسه الماء وهو العقب فلا جرم قال: ((ويل للأعقاب من النار)) هذا هو الوضوء الكامل الوضوء المجزي .
إذا غسل كل عضو مرة واحدة كافية اكتفى بذلك وحصل الإجزاء والثنتان أكمل من الواحدة والثلاث غسلات أكمل من الغسلتين وأفضل , ولا تجوز الزيادة على الثلاث لأنه لم ينقل , بل ورد النهي عن الإسراف , الإسراف الذي هو استعمال الزائد أو زيادة على ما ورد.
في هذا الحديث أنه يقول رأيت النبي صلي الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا , ثم قال: ((من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه))فيكون هذا ثواباً على هذا العمل:
أولاً: أنه امتثل بهذا الوضوء الكامل الشرعي .
ثانياً: أنه كمّله أتى به كاملاً وهو التثليث .
ثالثاً: أنه بادر وصلى بعده تطوعاً واختياراً منه .
رابعاً: أنه أخلص في صلاته وكملها .
خامساً: أنه حفظها عما ينقصها فلم يحدّث فيها نفسه بشيء من أمور الدنيا التي تنافي ما هو فيه من العبادة .
فإذا فعل ذلك فإنه دليل على إيمانه وقوة يقينه فيترتب على ذلك أن الله يغفر له ذنوبه إذا كان ذلك عن عزم ونية صادقة .
والحاصل إن هذا من الاحاديث التي بين فيها النبي صلي الله عليه وسلم ما أجمله الله تعالى من الآيات وأمر نبيه ببيانها البيان الفعلي , وقد وردت أحاديث أيضاً تبين البيان القولي .
فهذه ..ما يؤخذ من الحديث معلوم أن فيه التعليم بالفعل لأنه قد يكون أتم من التعليم بالقول , الإنسان إذا قلت له إذا توضأت فقل كذا وقل كذا قد لا يفهم حتى تأتي بالماء وتقول هكذا هو الوضوء : اغسل يديك مثلي هكذا , امسح رأسك هكذا , فإذا شاهد بعينيه كان ذلك أبلغ لفهمه ومعرفته , هكذا فعل النبي عليه السلام وهكذا فعل عثمان وغيره من الصحابة الذين علّموا الناس بالأفعال زيادة على التعليم بالأقوال .


  #9  
قديم 11 رجب 1430هـ/3-07-2009م, 01:57 AM
أم مجاهد أم مجاهد غير متواجد حالياً
المستوى الأول - الدورة الأولى
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 137
افتراضي الشرح الصوتي لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله





موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
حديث, عثمان

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:34 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir