دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > عمدة الأحكام > كتاب الطهارة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 6 ذو القعدة 1429هـ/4-11-2008م, 08:17 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي حديث أبي هريرة: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه)

عن أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم قالَ: ((لا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي المَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لاَ يَجْرِي، ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ)).
ولِمسلمٍ ((لاَ يَغْتَسِلْ أَحَدُكُمْ فِي المَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ)).


  #2  
قديم 10 ذو القعدة 1429هـ/8-11-2008م, 01:21 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تصحيح العمدة للإمام بدر الدين الزركشي (النوع الثاني: التصحيح اللغوي)

قولُهُ: (( لا يَبُولَنَّ أَحَدُكُم في الماءِ الدائمِ الذي لا يَجْرِي، ثم يَغْتَسِلُ مِنْهُ)) .

هو بِرَفْعِ اللامِ، وهي الروايةُ الصحيحةُ، كما قالَ القُرْطُبِيُّ في (المُفْهِمِ)، والنَّوَوِيُّ في (شَرْحُ مُسْلِمٍ) أي: (( لا يَبُلْ، ثمَّ هو يَغْتَسِلُ مِنْهُ )).

قال القُرْطُبِيُّ: ولا يَجُوزُ نَصْبُهَا، إذْ لا يَنْتَصِبُ بإضمارِ "أنْ" بعدَ "ثُمَّ"، قال: وَقَيَّدَهُ بعضُهم بجزمِ اللامِ عَطْفًا على "يَبُولَنَّ" وليس بشيءٍ؛ إذ لو أَرَادَ ذلكَ لقالَ: ثم لا يَغْتَسِلَنَّ؛ لأنَّهُ إذْ ذاكَ يكونُ عَطْفَ فِعْلٍ على فِعْلٍ، لا جملةٍ على جملةٍ، والأصلُ مساواةُ الفِعْلَيْنِ في النَّهْيِ عنهما، وتَأْكِيدِهِ بالنونِ الشديدةِ، وأنَّ المَحَلَّ الذي تَوَارَدَا عليهِ هو شيءٌ واحدٌ، وهو الماءُ، فَعُدُولُهُ عن: " ثم لا يَغْتَسِلَنَّ". دليلٌ على أنَّهُ لم يُرِد العَطْفَ، وإنَّمَا جاءَ ثم يَغْتَسِلُ على التنبيهِ على مَآلِ الحالِ، ومعناهُ: إذا بالَ فيهِ قد يحتاجُ إليهِ، فَيَمْتَنِعُ عليهِ استعمالُهُ؛ لِمَا وَقَعَ فيه مِن البَوْلِ.
وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ عن شيخِهِ ابنِ مالكٍ أنَّهُ جَوَّزَ فيهِ الجَزْمَ عطفًا على "يَبُولَنَّ"، والنصبَ بإضمارِ "أنْ"، بإعطاءِ "ثم" حُكْمَ واوِ الجَمْعِ.

قال النَّوَوِيُّ: فأمَّا الجزمُ فظاهِرٌ، وأمَّا النصبُ فلا يجوزُ؛ لأنَّهُ يَقْتَضِى أنَّ المَنْهِيَّ عنهُ الجَمْعُ بينَهما دونَ إفرادِ أَحَدِهِما.
وهذا لم يَقُلْهُ أَحَدٌ، بل البَوْلُ فيهِ مَنْهِيٌّ عنهُ، سواءٌ أرادَ الاغتسالَ منهُ، أو فيهِ، أو لَا انتهى.
قالَ ابنُ دَقِيقِ العِيدِ رَادًّا على النَّوَوِيِّ: وهذا التعليلُ الذي عَلَّلَ بهِ امتناعَ النصبِ ضعيفٌ؛ لأنَّهُ ليسَ فيهِ أكثرُ مِن كونِ هذا الحديثِ لا يَتَنَاوَلُ النَّهْيَ عن البَوْلِ في الماءِ الراكِدِ بِمُفْرَدِهِ، وليس يَلْزَمُ أنْ يُدَلَّ على الأحْكَامِ المُتَعَدِّدَةِ بلفظٍ واحدٍ، فَيُؤْخَذُ النَّهْيُ عن الجميعِ مِن الحديثِ، ويُؤْخَذُ النَّهْيُ عن الإفرادِ مِن حديثٍ آخَرَ.
قولُهُ: (( في الماءِ الدائمِ)):
فَسَّرَهُ بَعْضُهُم بالراكدِ، وحَكَى حَرْمَلَةُ، عن الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، فقالَ: الماءُ الدائمُ الذي لهُ نَبْعٌ، والرَّاكِدُ الذي لا نَبْعَ لَهُ.
كَذا رَأَيْتُهُ في فوائدِ رحلةِ ابنِ الصلاحِ عن مناقبِ الشافعيِّ، لأبى عبدِ اللهِ الحسنِ بنِ أحمدَ بنِ الحُسَيْنِ الأَسْدِيِّ.
وعلى هذا يكونُ قولُهُ: ((الذي لا يَجْرِي)) تفسيرًا لهُ، وأيضًا جاءَ بمعناهُ، ومنهم مَن جَعَلَهُ للتأسيسِ احْتِرَازًا عن راكدٍ لا يَجْرِي بعضُهُ، كالبِرَكِ ونحوِهَا.


  #3  
قديم 10 ذو القعدة 1429هـ/8-11-2008م, 01:22 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي خلاصة الكلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام


الْحَدِيثُ الخامسُ
عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ: أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((لا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي المَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي، ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ)).
ولِمسلمٍ ((لَا يَغْتَسِلْ أَحَدُكُمْ فِي المَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ)).

فِيهِ مَسَائِلُ:
الْأُولَى: النَّهْيُ عن البَوْلِ والاغْتِسَالِ في الماءِ الذي لا يَجْرِي.
الثانِيَةُ: جَوَازُ ذلكَ في الماءِ الجَارِي.


  #4  
قديم 10 ذو القعدة 1429هـ/8-11-2008م, 01:24 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تيسير العلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

(5) غريبُ الحديثِ:
1- (( لا يبُولنَّ )) : ( لا ) ناهيةٌ، والفعلُ مجزومُ المحلِّ بهَا، وحُرِّكَ بالفتحِ، لاتِّصالِهِ بنونِ التوكيدِ الثقَيلةِ.
2- ((الذي لا يجرِي)) : تفسيرٌ للدائمِ، وهو المُستقِرُّ في مكانِهِ، كالغُدْرانِ في البرِّيَّةِ، أو المواردِ.
3- ((ثم يغتسلُ منه ُ)) : برفعِ الفعلِ علَى المشهورِ، والجملةُ خبرٌ، لمُبْتَدَأ، تقديرُهُ: هو يغتسلُ منهُ. وجملةُ المبتدأِ والخبرِ محلُّهَا الجزمُ، عطفاً علَى ( لا يبولنَّ ).
4- (( لا يغتسلْ )): مجزومٌ لفظاً بـ ( لا ) الناهيةِ.
5- (( وهو جُنُبٌ)) : الجملةُ في موضعِ نصبٍ علَى الحالِ.

المعنَى الإجماليُّ:
نهَى النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن البولِ في الماءِ الدائمِ، الذي لا يجرِي، كالخزَّاناتِ والصهاريجِ، والغُدرانِ في الفلواتِ، والمواردِ التي يَسْتَسْقِى منهَا الناسُ؛ لئِلا يُلوِّثَهَا عليهم ويُكرِّهَهَا؛ لأنَّ هذهِ الفضلاتِ القذِرةَ سببٌ في انتشارِ الأمراضِ الفتَّاكةِ.
كما نهَى عن الاغتسالِ بغمسِ الجسمِ أو بعضِهِ في الماءِ الذي لا يجري، حتَّى لا يُكَرِّهَهُ ويُوسِّخَهُ علَى غيرِهِ، بلْ يتناولُ منهُ تناولاً، وإذا كانَ المُغتسِلُ جُنباً فالنهْيُ أشدُّ.
فإنْ كانَ الماءُ جارياً، فلا بأسَ من الاغتسالِ فيهِ والبولِ، مع أنَّ الأحسنَ تجنيبُهُ البولَ؛ لعدمِ الفائدةِ في ذلك، وخشيةِ التلويثِ وضررِ الغيرِ.

اختلافُ العلماءِ:
اختلفَ العلماءُ: هلْ النهيُ للتحريمِ أو الكراهيةِ؟
فذهبَ المالكيَّةُ: إلَى أنَّهُ مكروهٌ.
وذهبَ الحنابلةُ والظاهريَّةُ: إلَى أنَّهُ للتحريمِ.
وذهبَ بعضُ العلماءِ: إلَى أنَّهُ مُحرَّمٌ في القليلِ، مكروهٌ في الكثيرِ.
وظاهرُ النهيِ، التحريمُ في القليلِ والكثيرِ، لكنْ يُخَصُّ من ذلك المياهُ المُستبحرةُ باتِّفاقِ العلماءِ. واختلفوا في الماءِ الذي بِيلَ فيهِ: هلْ هو باقٍ علَى طهوريَّتِهِ أو تنجَّسَ؟
فإنْ كانَ متغيِّراً بالنجاسةِ، فإنَّ الإجماعَ منعقدٌ علَى نجاستِهِ، قليلاً كانَ أو كثيراً.
وإنْ كانَ غيرَ متغيِّرٍ بالنجاسةِ، وهو كثيرٌ، فالإجماعُ أيضاً علَى طُهوريَّتِهِ. وإنْ كانَ قليلاً غيرَ متغيِّرٍ بالنجاسةِ. فذهبَ أبو هريرةَ، وابنُ عباسٍ، والحسنُ البصريُّ، وابنُ المسيَّبِ، والثوريُّ، وداودُ، ومالكٌ، والبخاريُّ: إلَى عدمِ تنجُّسِهِ. وقد سردَ البُخاريُّ عدَّةَ أحاديثَ ردّاً علَى مَن قالَ إنَّهُ نَجِسٌ. وذهبَ ابنُ عمرَ، ومجاهدٌ، والحنفيَّةُ، والشَّافعيَّةُ، والحنابلةُ: إلَى أنَّهُ تنجَّسَ بمجردِ ملاقاةِ النجاسةِ، ولو لم يتغيَّرْ، ما دامَ قليلاً، مُستدلِّينَ بأدلَّةٍ منهَا: حديثُ البابِ. وكلُّهَا يمكنُ ردُّهَا.
واستدلَّ الأوَّلونَ بأدلَّةٍ كثيرةٍ.
منهَا: ما رواهُ أبو داودَ، والترمذيُّ وحسَّنَهُ: ( الْمَاءُ طَهُورٌ لا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ ).
وأجابوا عن حديثِ البابِ بأنَّ النهيَ لتكريهِهِ علَى السقاةِ والواردينَ، لا لتنجيسِهِ.
والحقُّ ما ذهبَ إليهِ الأوَّلونَ، فإنَّ مدارَ التنجُّسِ علَى التغييرِ بالنجاسةِ، قلَّ الماءُ أو كثُرَ. وهذا هو اختيارُ شيخِ الإسلامِ (ابنِ تيميَّةَ) رحمهُ اللَّهُ. ومن هذا نعلمُ أنَّ الراجحَ أيضاً طُهوريَّةُ الماءِ المُغتَسَلِ فيهِ من الجنابةِ، وإنْ قلَّ، خلافاً للمشهورِ من مذهبِنا، ومذْهَبِ الشَّافعيِّ، من أنَّ الاغتسالَ يسلبُهُ صفةَ الطهوريَّةِ، ما دامَ قليلاً.

ما يُؤخذُ من الحديثِ:
1- النهيُ عن البولِ في الماءِ الذي لا يجرِي وتحريمُهُ، وأولَى بالتحريمِ التغوُّطُ، سواءٌ أكانَ قليلاً أو كثيراً، دونَ المياهِ المُستبحِرةِ، فإنَّ ماءَهَا لا يتنجَّسُ بمجردِ الملاقاةِ، بل يُنتَفَعُ بهِ لحاجاتٍ كثيرةٍ غيرِ التطهُّرِ بهِ من الأحداثِ.
2- النهيُ عن الاغتسالِ بالماءِ الدائمِ بالانغماسِ فيهِ، لا سيَّما الجُنُبُ، ولو لم يَبُلْ فيهِ، كما في روايةِ مسلمٍ. والمشروعُ أنْ يُتناوَلَ منهُ تناولاً.
3- جوازُ ذلك في الماءِ الجارِي، والأحسنُ اجتنابُهُ.
4- النهيُ عن كلِّّ شيءٍ من شأنِهِ الأذَى والاعتداءُ.
5- جاءَ في بعضِ رواياتِ الحديثِ: ( ثمَّ يغتسلُ منهُ )، وجاءَ في بعضِهَا: ( ثم يغتسلُ فيهِ ) ومعنياهما مختلفانِ، إذْ إنَّ (فِي) ظرفيَّةٌ فتُفيدُ الانغماسَ في الماءِ المتبوَّلِ فيهِ، و ( مِن ) للتبعيضِ، فتفيدُ معنَى التناولِ منهُ. وقد ذكرَ الحافظُ ابنُ حجرٍ أنَّ روايةَ: ( فيهِ ) تدلُّ علَى معنَى الانغماسِ بالنصِّ، وتمنعُ معنَى التناولِ بالاستنباطِ، وروايةُ: ( منهُ ) بعكسِ ذلك.


  #5  
قديم 10 ذو القعدة 1429هـ/8-11-2008م, 01:25 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي إحكام الأحكام لتقي الدين ابن دقيق العيد

الحديثُ الخامسُ:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لا يَجْرِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ)).
ولِمُسْلِمٍ: ((لاَ يَغْتَسِلْ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ)).
الكَلاَمُ عَلَيْهِ مِن وُجُوهٍ:
الأَوَّلُ: (( الْمَاءُ الدَّائِمُ )) هُو الرَّاكِدُ، وَقَولُهُ: ((الَّذِي لاَ يَجْرِي)) تَأْكِيدٌ لِمعْنَى الدَّائِمِ، وَهَذَا الحَدِيثُ مِمَّا يَسْتَدِلُّ بِهِ أصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى تَنْجِيسِ المَاءِ الرَّاكِدِ، وَإِنْ كَانَ أكْثَرَ مِن قُلَّتَيْنِ، فَإِنَّ الصِّيغَةَ صِيغَةُ عُمُومٍ، وَأصْحَابُ الشَّافِعِيِّ يَخُصُّونَ هَذَا العُمُومَ، وَيَحْمِلُونَ النَّهيَ عَلَى مَا دُونَ القُلَّتَيْنِ، وَيَقُولُونَ بِعَدَمِ تَنْجِيسِ القُلَّتَيْنِ - فَمَا زَادَ - إِلاَّ بِالتَّغَيُّرِ، مَأْخُوذٌ مِن حَدِيثِ القُلَّتَيْنِ، فَيُحْمَلُ هَذَا الحَدِيثُ العَامُّ فِي النَّهيِ عَلَى مَا دُونَ القُلَّتَيْنِ، جَمْعًا بَيْنَ الحَدِيثَينِ، فَإِنَّ حَدِيثَ القُلَّتَيْنِ يَقْتَضِي عَدَمَ تَنجِيسِ القُلَّتَيْنِ فمَا فَوقَهُمَا، وَذَلِكَ أخَصُّ مِن مُقْتَضَى الحَدِيثِ العَامِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَالخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى العَامِّ.
وَلأَحْمَدَ طَرِيقَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ الفَرْقُ بَيْنَ بَولِ الآدَمِيِّ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِن عَذِرَتِهِ المَائِعَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِن النَّجَاسَاتِ، فَأَمَّا بَولُ الآدَمِيِّ وَمَا فِي مَعْنَاهُ، فيُنَجِّسُ المَاءَ، وَإِنْ كانَ أَكْثَرَ مِن قُلَّتَيْنِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ مِن النَّجَاسَاتِ فتُعتَبَرُ فِيهِ القُلَّتَانِ، وَكَأَنَّهُ رَأَى الخَبَثَ المَذْكُورَ فِي حَدِيثِ القُلَّتَيْنِ عَامَّاً بِالنِّسبَةِ إِلَى الأَنْجَاسِ، وَهَذَا الحَدِيثُ خَاصٌّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَولِ الآدَمِيِّ، فيُقَدَّمُ الخَاصُّ عَلَى العَامِّ، بِالنِّسْبَةِ إِلَى النَّجَاسَاتِ الوَاقِعةِ فِي المَاءِ الكَثِيرِ، ويُخْرَجُ بَولُ الآدمِيِّ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِن جُمْلَةِ النَّجَاسَاتِ الوَاقِعَةِ فِي القُلَّتَيْنِ بِخُصُوصِهِ، فَيُنَجِّسُ المَاءَ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ، وَيُلْحَقُ بالبَوْلِ المَنْصُوصِ عَلَيهِ مَا يُعْلَمُ أنَّهُ فِي مَعْنَاهُ.
واعْلَمْ أَنَّ هَذَا الحَدِيثَ لاَبُدَّ مِن إِخرَاجِهِ عَن ظَاهِرهِ بالتَّخْصِيصِ أَو التَّقْيِيدِ؛ لأَنَّ الاتِّفَاقَ وَاقِعٌ عَلَى أَنَّ المَاءَ المُستَبْحِرَ الكَثِيرَ جِدّاً لا تُؤثِّرُ فِيهِ النَّجَاسَةُ، وَالاتِّفَاقُ وَاقِعٌ عَلَى أنَّ المَاءَ إِذَا غَيَّرَتْهُ النَّجَاسَةُ امْتَنَعَ اسْتِعْمَالُهُ، فَمَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إِذَا حَمَلَ النَّهْيَ عَلَى الكَرَاهَةِ لاعْتقَادِهِ أَنَّ المَاءَ لا يَنْجُسُ إِلاَّ بِالتَّغيُّرِ - لاَبُدَّ أَنْ يُخْرِجَ عَنْهُ صُورَةَ التَّغَيُّرِ بِالنَّجَاسَةِ، أعْنِي عَن الحُكْمِ بِالكَرَاهِيَةِ، فَإِنَّ الحُكْمَ ثَمَّ التَّحْرِيمُ، فَإِذَن لاَبُدَّ مِن الخُرُوجِ عَن الظَّاهِرِ عِنْدَ الكُلِّ.
فَلأَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَقُولُوا: خَرَجَ عَنْهُ المُسْتَبْحِرُ الكَثِيرُ جِدّاً بِالإِجْمَاعِ، فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى حُكْمِ النَّصِّ، فَيَدْخُلُ تَحْتَهُ مَا زَادَ عَلَى القُلَّتَيْنِ. وَيَقُولُ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: خَرَجَ الكَثِيرُ المُسْتَبْحِرُ بِالإِجْمَاعِ الَّذِي ذَكَرْتُمُوهُ، وَخَرَجَ القُلَّتَانِ فَمَا زَادَ بِمُقتَضَى حَدِيثِ القُلَّتَيْنِ، فَيَبْقَى مَا نَقَصَ عَن القُلَّتَيْنِ دَاخِلاً تَحْتَ مُقتَضَى الحَدِيثِ. وَيقُولُ مَن نَصَرَ قَوْلَ أَحْمَدَ المَذْكُورَ: خَرَجَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ وَبقِيَ مَا دُونَ القُلَّتَيْنِ دَاخِلاً تَحْتَ النَّصِّ، إِلاَّ أنَّ مَا زَادَ عَلَى القُلَّتَيْنِ مُقْتَضَى حَدِيثِ القُلَّتَيْنِ فِيهِ عَامٌّ فِي الأَنْجَاسِ، فيُخَصُّ بِبَولِ الآدَمِيِّ، وَلِمُخَالِفِهِمْ أَنْ يَقُولَ: قَد عَلِمْنَا جَزْمًا أنَّ هَذَا النَّهْيَ إِنَّمَا هُوَ لمَعْنًى فِي النَّجَاسَةِ، وعَدَمِ التَّقرُّبِ إِلَى اللَّهِ بِمَا خَالَطَهَا، وَهَذَا المَعْنَى يَسْتَوِي فِيهِ سَائِرُ الأَنْجَاسِ، وَلا يَتَّجِهُ تَخْصِيصُ بَوْلِ الآدَمِيِّ مِنْهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى هَذَا المَعْنَى، فَإِنَّ المُنَاسِبَ لِهَذَا المَعْنَى - أعْنِي التَّنزُّهَ عَن الأَقْذَارِ - أنْ يَكُونَ مَا هُوَ أشَدُّ اسْتِقْذَارًا أَوْقَعَ فِي هَذَا المَعْنَى وَأنَسَبَ لَهُ، وَليسَ بَوْلُ الآدَمِيِّ بِأَقْذَرَ مِن سَائِرِ النَّجَاسَاتِ، بَلْ قَد يُسَاوِيهِ غَيْرُهُ، أَوْ يَرْجَحُ عَلَيْهِ، فَلاَ يَبْقَى لِتَخْصِيصِهِ دُونَ غَيْرِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى المَنْعِ مَعْنًى، فَيُحْمَلُ الحَدِيثُ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ البَوْلِ وَرَدَ تَنْبِيهًا عَلَى غَيْرِهِ، مِمَّا يُشَارِكُهُ فِي مَعْنَاهُ مِن الاسْتِقْذَارِ، وَالوُقُوفُ عَلَى مُجَرَّدِ الظَّاهِرِ هَهُنا - مَعَ وُضُوحِ المَعْنَى وشُمُولِهِ لِسَائِرِ الأَنْجَاسِ - ظَاهِرِيَّةٌ مَحْضَةٌ.
وَأَمَّا مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - فَإِذَا حَمَلَ النَّهْيَ عَلَى الكَرَاهِيَةِ يَسْتَمِرُّ حُكْمُ الحَدِيثِ فِي القَلِيلِ وَالكَثِيرِ، غَيْرِ المُسْتَثْنَى بِالاتِّفَاقِ [ وَهُوَ المُستَبْحِرُ ] مَعَ حُصُولِ الإِجْمَاعِ عَلَى تَحْرِيمِ الاغْتِسَالِ بَعْدَ تَغَيُّرِ المَاءِ بِالبَوْلِ، فَهَذَا يَلْتَفِتُ إِلَى حَمْلِ اللَّفْظِ الوَاحِدِ إِلَى مَعْنَيَيْنِ مُخَتَلِفَيْنِ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ أُصُولِيَّةٌ، فَإِنْ جَعَلْنَا النَّهْيَ لِلتَّحِريمِ، كَانَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الكَرَاهَةِ وَالتَّحْرِيمِ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ الوَاحِدِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، وَالأَكْثَرُونَ عَلَى مَنْعِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[وَقَدْ يُقَالُ عَلَى هَذَا: إنَّ حَالَةَ التَّغَيُّرِ مَأْخُوذَةٌ مِن غَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ، فَلاَ يَلْزَمُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ الوَاحِدِ فِي مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَهَذَا مُتَّجِهٌ، إِلاَّ أنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ التَّخْصِيصُ فِي هَذَا الحَدِيثِ، وَالمُخَصِّصُ الإِجْمَاعُ عَلَى نَجَاسَةِ المُتَغَيِّرِ ].

الوَجْهُ الثَّانِى: اعلَمْ أَنَّ النَّهْيَ عَن الاغْتِسَالِ لا يَخُصُّ الغُسْلَ، بَل التَّوَضُّؤُ فِي مَعْنَاهُ، وَقَد وَرَدَ مُصَرَّحاً بِهِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: ((لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي المَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ))، وَلَوْ لَمْ يَرِدْ لَكَانَ مَعْلُومًا قَطْعًا؛ لاسْتِوَاءِ الوُضُوءِ وَالغُسْلِ فِي هَذَا الحُكْمِ، لِفَهْمِ المَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَأََنَّ المَقْصُودَ التَّنَزُّهُ عَن التَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِالمُسْتَقْذَرَاتِ.

الثَّالِثُ: وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوايَاتِ: ((ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ)) وَفِي بَعْضِهَا: ((ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ))، وَمَعْنَاهُمَا مُخْتَلِفٌ، يُفِيدُ كَلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْماً بِطَرِيقِ النَّصِّ، وَآخَرَ بِطَرِيقِ الاسْتِنْبَاطِ، وَلَوْ لَمْ يَرِدْ فِيهِ لَفْظَةُ ((فِيهِ)) لاسْتَوَيا لِمَا ذَكَرْنَا.

الرَّابِعُ: مِمَّا يُعْلَمُ بُطلاَنُهُ قَطْعاً مَا ذَهَبَتْ إِلَيهِ الظَّاهِرِيَّةُ الجَامِدَةُ مِنْ أَنَّ الحُكْمَ مَخْصُوصٌ بِالبَولِ فِي المَاءِ، حَتَّى لَوْ بَالَ فِِي كُوزٍ وَصَبَّهُ فِي المَاءِ لَمْ يَضُرَّ عِنْدَهُمْ، أَوْ لَوْ بَالَ خَارِجَ المَاءِ فَجَرَى البَولُ إِلَى المَاءِ لَمْ يَضُرَّ عِنْدَهُمْ أيضًا، وَالعِلْمُ القَطْعِيُّ حَاصِلٌ بِبُطلاَنِ قَوْلِهِمْ؛ لاِسْتِوَاءِ الأَمْرَيْنِ فِي الحُصُولِ فِي المَاءِ، وَأنَّ المَقْصُودَ اجْتِنَابُ مَا وَقَعَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ مِن المَاءِ، وَلَيسَ هَذَا مِن مَجَالِ الظُّنُونِ، بَلْ هُوَ مَقطُوعٌ بِهِ.
وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، وَهِي قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لاَ يَغْتَسِلْ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ ))، فَقَد اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى مَسْألَةِ المُسْتَعْمَلِ، وَأَنَّ الاغْتِسَالَ فِي المَاءِ يُفْسِدُهُ؛ لأَنَّ النَّهْيَ وَارِدٌ هَهُنَا عَلَى مُجَرَّدِ الغُسْلِ، فَدَّلَ عَلَى وُقُوعِ المَفْسَدَةِ بِمُجرَّدِهِ، وَهِيَ خُرُوجُهُ عَن كَونِهِ أَهْلاً لِلتَّطهِيرِ بِهِ، إمَّا لِنَجَاسَتِهِ، أَوْ لِعَدَمِ طَهُورِيَّتِهِ، وَمَعَ هَذَا فَلاَبُدَّ فِيهِ مِن التَّخْصِيصِ؛ فَإِنَّ المَاءَ الكَثِيرَ - إِمَّا القُلَّتَانِ فمَا زَادَ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، أَوْ المُسْتَبْحِرُ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - لا يُؤثِّرُ فِيهِ الاسْتِعْمَالُ، ومَالِكٌ لَمَّا رَأَى أنَّ المَاءَ المُستَعْمَلَ طَهُورٌ، غَيْرَ أنَّهُ مَكْرُوهٌ , يَحْمِلُ هَذَا النَّهْيَ عَلَى الكَرَاهَةِ.
وَقَد يُرَجِّحُهُ أنَّ وُجُوهَ الانْتِفَاعِ بِالمَاءِ لاَ تَخْتَصُّ بالتَّطْهِيرِ، وَالحَدِيثُ عَامٌّ فِي النَّهْيِ، فَإِذَا حُمِلَ عَلَى التَّحْرِيمِ لِمَفْسَدَةِ خُرُوجِ المَاءِ عَن الطَّهُورِيَّةِ، لَمْ يُنَاسِبْ ذَلِكَ؛ لأَنَّ بَعْضَ مَصَالِحِ المَاءِ تَبْقَى بَعْدَ كَوْنِهِ خَارِجًا عَن الطَّهُورِيَّةِ، وَإِذَا حُمِلَ عَلَى الكَرَاهَةِ كَانَت المَفْسَدَةُ عَامَّةً؛ لأَنَّهُ يُسْتَقْذَرُ بَعْدَ الاغْتِسَالِ فِيهِ، وَذَلِكَ ضَرَرٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَن يُرِيدُ اسْتِعْمَالَهُ فِي طَهَارَةٍ أَوْ شُرْبٍ، فَيَسْتَمِرُّ النَّهْيُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى المَفَاسِدِ المُتَوقَّعَةِ، إِلاَّ أَنَّ فِيهِ حَمْلَ اللَّفْظِ عَلَى المَجَازِ، أَعْنِي حَمْلَ النَّهْيِ عَلَى الكَرَاهَةِ، فَإِنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي التَّحرِيمِ.


  #6  
قديم 10 ذو القعدة 1429هـ/8-11-2008م, 01:26 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح عمدة الأحكام لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز (مفرغ)

في الحديث الثاني دلالة على أن الجنب لا يغتسل في الماء الدائم ولا يبول فيه، فلا يجوز البول في الماء الدائم مطلقا، ولا يجوز للجنب أن يغتسل فيه، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا وعن هذا ، وما ذلك – والله أعلم – إلا لأنه وسيلة إلى تقذيره وتنجيسه، لأنه إذا توالى فيه البول والغسل من الجنابة أفضى إلى تنجيسه، أو على الأقل تقذيره على الناس، حتى لا يُشتهى ولا يرغب فيه بسبب ما يحصل فيه من الغسل من الجنابة والأبوال التي قد تتكرر وتكثر، فتؤثر فيه في طعمه أو لونه أو ريحه، فيكون نجسا، وهكذا الغسل من الجنابة قد يؤثر في الماء لأن الجنب يكون عليه آثار من الجنابة، مني، أو مذي، فيؤثر ذلك في الماء كدرًا وتقذيرًا، وربما كانت عليه نجاسة فأثر في الماء أيضا، فلهذا نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن ذلك بالكلية، حسماً لمادة إفساد الماء، فلا يبول فيه، ولا يغتسل فيه، ولكن يغترف لحاجته.

ومفهوم ذلك أنه إذا كان جارياً لا يضر الاغتسال فيه ولا البول، وإنما يضر إذا كان الماء دائما، كالأحواض الدائمة وأشباهها، فلا يجوز حينئذ.


  #7  
قديم 13 محرم 1430هـ/9-01-2009م, 03:44 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح عمدة الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)

القارئ:وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه)) , ولمسلم: ((لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب)) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً )) , ولمسلم: (( أولاهن بالتراب)) .
الشيخ : في قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يبولن أحدكم في المال الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل منه)) , وفي الرواية الثانية: ((لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب)) . في هذه الأحاديث الأمر بالمحافظة على النظافة والنزاهة والبعد عن الأقذار والنجاسات ؛ وذلك أن المياه يُحتاج إليها للشرب وللسقي وللطبخ وللطهارة , ولا شك أن البول فيها والانغماس فيها يفسدها وإما عاجلا وإما آجلا ؛ فنهيى عليه الصلاة والسلام عن البول في الماء الدائم.
الماء الدائم: هو الراكد الذي لا يجرى الذي لا يتحرك من موضعه كمياه السهبان والخزانات التي هي مستقرة ليس لها مادة وليست تستخلف وليست تجري ونحو ذلك , فهذا الماء الراكد الذي في هذا الخزان أو في هذه الجابية أو نحوه لا شك أنه راكد , البول فيه لأول مرة قد لا يظهر أثرة ولكن قد يكثر البول فيفسده ويظهر أثره , وقد يكرهه على النفوس فإن النفس تشمئز إذا رأى هذا الإنسان ولو صغيراً يبول في هذا الماء ولو كثيراً اشمئزت النفس منه وكرهته , وقد يكثرمن يبول فيه أو ينجسه فيظهر بعد ذلك أثر هذه النجاسة ويصير نجساً نجاسة عينية , ولا شك أن الإنسان مأمور بالإبعاد عن الأشياء التي تفسد عليه أو على غيره شيئاً محتاجاً إليه , ومعلوم أن الحاجة إلى الماء حاجة ضرورية ولو لم يكن إلا للدواب فالدواب قد تشم فيه روائح البول ونحوه فتتقزره عند الضرورة وما أشبه ذلك.
الحاصل أنه عليه الصلاة والسلام أدب الأمة بالنهي عن التبول في المياه الراكدة . المياه الراكدة عرفنا أنها هي المستنقعات ونحوها , هذه المستنقعات لا شك أنه إذا كثر التبول فيها أثر ذلك ولو بعد حين فحينئذ تكون نجسة , ولكن لو وقع مرة واحدة ولم يظهر تغير في ذلك الماء فإنه لا ينجس إن شاء الله ؛ لأن النجاسة إنما تكون بالتغير بظهور طعم البول في الماء أو ريحه أو لونه , ومع ذلك فإنه منهي عن استعماله في هذه الحال في قوله: ((ثم يغتسل منه)) أو فيه ((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه)) كأنه يقول إنه إذا اغتسل منه أو توضأ منه هو أو غيره بقي في نفسه حواز وحساسية أنه تطهر بغير طَهور فلا تطمئن نفسه في العبادة .
كذلك الرواية الثانيه التي فيها النهي عن الانغماس في الماء , إذا كان الانسان جنباً يقول: ((لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب)) يعني إذا كنت جنباً فلا تنغمس في هذا الماء الراكد المستنقع وتقول قد طهرت , قد يمكن أنك تطهر ولكن مع كثرة الانغماس ينغمس هذا وينغمس هذا , قد يتغير الماء بعد حين فيسلب الطهورية .
قيل لأبي هريرة كيف أصنع ؟ فقال: يتناوله تناولاً . إذا كان ولابد ليس معه إناء فإنه يقف على حافته ويغترف منه لا ينغمس فيه , يغترف منه ويغسل بذلك جسده حتى لا يفسده على نفسه أو على غيره .
والصحيح أن الماء لا ينجس إلا إذا تغير أحد أوصافه الثلاثة: لونه أو طعمه أو ريحه . ولكن بعض العلماء يقول بموجب هذا الحديث أن البول فيه ينجِّسه ولو لم يتغير , ولكن مادام أنه لم يتغير فنبقى على قوله عليه الصلاة والسلام: ((الماء طهور لا ينجسه شيء)), وفي رواية: ((إلا ما غلب على ريحه أو طعمه أو لونه بنجاسة تحدث فيه)) .


  #8  
قديم 11 رجب 1430هـ/3-07-2009م, 12:31 AM
أم مجاهد أم مجاهد غير متواجد حالياً
المستوى الأول - الدورة الأولى
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 137
افتراضي الشرح الصوتي لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أبي, حديث

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:37 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir