دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج الإعداد العلمي العام > خطة المهارات العلمية > منتدى المسار الثاني

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21 شعبان 1443هـ/24-03-2022م, 05:52 AM
هيئة الإشراف هيئة الإشراف غير متواجد حالياً
معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,790
افتراضي التطبيق الأول من دورة أصول القراءة العلمية

التطبيق الأول من دورة أصول القراءة العلمية

التطبيقات:
بعد قراءة الدرس وتأمّل الأمثلة أودّ أن يؤدي الطالب تطبيق واحد من التطبيقات التالية:
التطبيق الأول: تلخيص مقاصد "الرسالة التبوكية" لابن القيم.
التطبيق الثاني:تلخيص مقاصد رسالة "الفرق بين العبادات الشرعية والعبادات البدعية" لشيخ الإسلام ابن تيمية.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 15 ذو القعدة 1443هـ/14-06-2022م, 07:17 PM
عبدالرحمن محمد عبدالرحمن عبدالرحمن محمد عبدالرحمن غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الرابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 368
افتراضي

المقصد الرئيسي للرسالة:
الهجرة إلى الله ورسوله أهمّ ما يحصل به التعاون على البرّ والتقوى.
المقاصد الفرعية:
- الواجبات التي على العبد:
o واجب بينه وبين الله.
o وواجب بينه وبين الخلق.

- أنواع الهجرة: هجرة بالبدن، هجرة بالقلب.
- الهجرة إلى الله تعالي.
- الهجرة إلى رسوله صلى الله عليه وسلم.
o تحقيق الهجرة إلى رسوله صلى الله عليه وسلم بعدة أمور منها:
 تحكيم النبي صلي الله عليه وسلم في كل ما شجر من مسائل النزاع في جميع أبواب الدين.
 أن يكون النبي أولي بالمؤمن من نفسه.
 أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما.
 طاعة الله ورسوله واتباع هديه.
o أقسام الخلائق بالنسبة إلى دعوة النبي صلي الله عليه وسلم وما بعثه الله به من الهدي.
o الأتباع والمتبوعين يوم القيامة.
- زاد الهجرة إلى الله تعالي ورسوله وطريقه ومركبه.

[B]أولاً: مقدمة الرسالة
[/B]
 قال الله تعالي: {وتعاونوا على البرّ والتّقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتّقوا اللّه إنّ اللّه شديد العقاب (2)}.
- اشتملت هذه الآية على جميع مصالح العباد في معاشهم ومعادهم، فيما بينهم في بعضهم بعضا، وفيما بينهم وبين ربهم.
- بينت الآيه الواجبات التي على العبد: واجب بينه وبين الله، وواجب بينه وبين الخلق.
أولاً: الواجب بين العبد وبين الخلق:
أن تكون معاشرة العبد للخلق وصحبته لهم وتعاونه معهم على طاعة الله عز وجل ومرضاته وهي البر والتقوي لا علي الإثم والعدوان.
البر والتقوي
- البر والتقوي هما جماع الدين كله.
- لفظا "البر والتقوي" إذا أفرد كلّ واحد من الاسمين دخل فيه المسمّى الآخر، إما تضمنا وإمّا لزوما، ودخوله فيه تضمنا أظهر.
- حقيقة البرّ: هو الكمال المطلوب من الشيء، والمنافع التي فيه والخير، كما يدلّ عليه اشتقاق هذه اللفظة وتصاريفها في الكلام، ومنه "البرّ" بالضم؛ لكثرة منافعه وخيره بالإضافة إلى سائر الحبوب، ومنه رجل بارٌ، وبرٌّ.
فالبرّ كلمة لجميع أنواع الخير والكمال المطلوب من العبد، فيدخل في مسمى البرّ الإيمان وأجزاؤه الظاهرة والباطنة، ولا ريب أن التّقوى جزء هذا المعنى .
- نظائر البر والتقوي من الألفاظ: لفظ "الإيمان والإسلام"، "والإيمان والعمل الصالح"، و"الفقير والمسكين"، و"الفسوق والعصيان"، و"المنكر والفاحشة".

فائدة: أهمية فهم ألفاظ القرآن ودلالتها:
فهم ألفاظ القرآن ودلالته، ومعرفة حدود ما أنزل الله على رسوله؛ فإنه هو العلم النافع، وقد ذمّ سبحانه في كتابه من ليس له علم بحدود ما أنزله على رسوله.
وعدم العلم بذلك مستلزم مفسدتين عظيمتين:
إحداهما: أن يدخل في مسمّى اللفظ ما ليس منه؛ فيحكم له بحكم المراد من اللفظ؛ فيسوّى بين ما فرق الله بينهما.
والثانية: أن يخرج من مسمّاه بعض أفراده الداخلة تحته؛ فيسلب عنه حكمه؛ فيفرّق بين ما جمع الله بينهما، ومن هذا لفظ "الخمر"؛ فإنه اسم شامل لكل مسكر، فلا يجوز إخراج بعض المسكرات منه، وينفى عنها حكمه.

- بر القلب: أكثر ما يعبر بالبرّ عن برّ القلب، وهو وجود طعم الإيمان [فيه] وحلاوته، وما يلزم ذلك من طمأنينته وسلامته وانشراحه وقوته وفرحه بالإيمان، فإن للإيمان فرحة وحلاوة ولذاذة في القلب، فمن لم يجدها فهو فاقد للإيمان أو ناقصه.
- خصال البرّ: جمع [الله] تعالى خصال البرّ في قوله: {ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكنّ البرّ من آمن باللّه واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنّبيّين وآتى المال على حبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل والسّائلين وفي الرّقاب وأقام الصّلاة وآتى الزّكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصّابرين في البأساء والضّرّاء وحين البأس أولئك الّذين صدقوا وأولئك هم المتّقون (177)}.
فأخبر سبحانه أن البرّ هو الإيمان به، وبملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وهذه هي أصول الإيمان الخمس التي لا قوام للإيمان إلا بها، وأنه الشرائع الظاهرة: من إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنفقات الواجبة، وأنه الأعمال القلبية التي هي حقائقه؛ من الصبر والوفاء بالعهد.
فتناولت هذه الخصال جميع أقسام الدين: حقائقه وشرائعه، والأعمال المتعلقة بالجوارح وبالقلب، وأصول الإيمان الخمس.
- معني التقوي فى اللغة: على وزن فعلى، مشتقة من وقى يقي، وكان أصلها وقوى، فقلبوا الواو تاء، كما قالوا: تراث من الوراثة، وتجاه من الوجه، وتخمة من الوخم، ونظائره، فلفظها دالٌ على أنها من الوقاية، فإن المتّقي قد جعل بينه وبين النار وقاية.
- تعريف التقوي شرعاً: قال طلق بن حبيب: "إذا وقعت الفتنة فادفعوها بالتقوى"، قالوا: وما التقوى؟ قال: "أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله، تخاف عقاب الله".
ولا ريب أن هذا جامع لجميع أصول الإيمان وفروعه، وأن البرّ داخل فى هذا المسمى.
- ضابط كون العمل طاعة وقربة لله عز وجل: ( كلّ عمل لابدّ له من مبدأ وغاية، فلا يكون العمل طاعة وقربة حتى يكون مصدره عن الإيمان، فيكون الباعث عليه هو الإيمان المحض، لا العادة ولا الهوى ولا طلب المحمدة والجاه وغير ذلك، بل لابدّ أن يكون مبدؤه محض الإيمان، وغايته ثواب الله تعالى، وابتغاء مرضاته، وهو الاحتساب.
و[لهذا] كثيرا ما يقرن بين هذين الأصلين في مثل قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من صام رمضان إيمانا واحتسابًا" و"من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا"... وهكذا.
- اقتران لفظ البر والتقوي: إذا اقترن لفظ البر مع التقوي فالفرق بينهما فرق بين السّبب المقصود لغيره والغاية المقصودة لنفسها؛ فإن البرّ مطلوب لذاته، إذ هو كمال العبد وصلاحه الذي لا صلاح له بدونه، كما تقدّم، وأما التقوى فهي الطريق الموصلة إلى البرّ، والوسيلة إليه.
فالوقاية من باب دفع الضرر، والبرّ من باب تحصيل النفع، فالتقوى كالحمية، والبرّ كالعافية والصحة.
الإثم والعدوان

- الإثم مقابل البر، والإثم كلمة جامعة للشرّ والعيوب التي يذمّ العبد عليها.
- العدوان: هو تعدّي حدود الله التي قال فيها: {تلك حدود اللّه فلا تعتدوها ومن يتعدّ حدود اللّه فأولئك هم الظّالمون (229)}، وقال في موضع آخر: {تلك حدود اللّه فلا تقربوها}، فنهى عن تعدّيها في آية، وعن قربانها في آية؟ وهذا لأن حدوده سبحانه هي النهايات الفاصلة بين الحلال والحرام، ونهاية الشيء تارة تدخل فيه فتكون منه، فيكون النهي عن تعديها، وتارة لا تكون داخلةً فيه فيكون لها حكم مقابله، فيأتي النهي عن قربانها.
- الإثم والعدوان في جانب النهي نظير البرّ والتّقوى في جانب الأمر.
- الفرق ما بين الإثم والعدوان: الفرق ما بين الإثم والعدوان فوق ما بين محرّم الجنس ومحرّم القدر:
فالإثم: ما كان حراما لجنسه، فالزنا، وشرب الخمر، والسرقة، ونحوها إثم.
والعدوان: ما حرّم الزيادة في قدره، وتعدي ما أباح الله منه؛ مثال ذلك: نكاح الخامسة، واستيفاء المجنيّ عليه أكثر من حقه، ونحوه عدوان.

ثانياً: الواجب علي العبد فيما بينه وبين الله تعالى:
 وهو إيثار طاعة الله عز وجل، وتجنّب معصيته، وهو قوله تعالى: {واتّقوا اللّه}.
ولا يتمّ الواجب الأول إلا بعزل نفسه من الوسط، والقيام بذلك لمحض النصيحة والإحسان ورعاية الأمر، ولا يتم له أداء الواجب الثاني إلا بعزل الخلق من البين، والقيام به لله إخلاصا ومحبةً وعبودية.
وهذا هو معنى قول الشيخ عبد القادر -قدّس الله روحه-: "كن مع الحقّ بلا خلق، ومع الخلق بلا نفس، ومن لم يكن كذلك لم يزل في تخبيط، ولم يزل أمره فرطا".

ثانياً: مسائل الرسالة
الهجرة إلى الله ورسوله
- الهجرة إلى الله ورسوله هي أهمّ ما يقطع به العبد منازل سفره إلى الله عز وجل، فإنها فرض عين على كلّ أحد في كلّ وقت، وأنه لا انفكاك لأحد من وجوبها، وهي مطلوب الله ومراده من العباد.
- العبد مطالب بهاتين الهجرتين فى الدنيا ومسئول عنهم فى دار البرزخ ويوم القيامة، قال قتادة: "كلمتان يسأل عنهما الأولون والآخرون: ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟ ".
- أعظم التعاون على البرّ والتّقوى التعاون على سفر الهجرة إلى الله ورسوله, باليد واللسان والقلب، مساعدةً، ونصيحةً، وتعليمًا، وإرشادًا، ومودةً.

أنواع الهجرة
الهجرة هجرتان:
- هجرة بالجسم من بلد إلى بلد، وهذه انقطعت بالفتح.
- والهجرة الثانية هجرة بالقلب إلى الله ورسوله، وهذه الهجرة هي الهجرة الحقيقية، وهي الأصل، وهجرة الجسد تابعةٌ لها.

الهجرة إلى الله تعالي
- وهي هجرة تتضمن "من" و"إلى"؛ فيهاجر بقلبه من محبة غير الله إلى محبته، ومن عبودية غيره إلى عبوديته، ومن خوف غيره ورجائه والتوكل عليه إلى خوف الله ورجائه والتوكل عليه، ومن دعاء غيره وسؤاله والخضوع له والذّلّ له والاستكانة له إلى دعاء ربّه وسؤاله والخضوع له والذلّ والاستكانة له.
- الهجرة إلى الله أصلها الحبّ والبغض؛ فإن المهاجر من شيء إلى شيء لابد أن يكون ما يهاجر إليه أحبّ إليه مما يهاجر منه.
- الهجرة إلى الله هي مقتضي شهادة أن لا إله إلا الله.
- الهجرة إلي الله تقوى وتضعف؛ الهجرة تقوى وتضعف بحسب قوة داعي المحبة وضعفه، فكلما كان داعي [المحبة] في قلب العبد أقوى كانت هذه الهجرة [أقوى و] أتمّ وأكمل، وإذا ضعف الداعي ضعفت الهجرة، حتى إنه لا يكاد يشعر بها علما، ولا يتحرك بها إرادة.

الهجرة إلي النبي صلى الله عليه وسلم

- هذه الهجرة شأنها شديد، وسالكها بين العباد غريب.
- الهجرة إلي النبي صلي الله عليه وسلم فرض على كل مسلم، وهي مقتضى شهادة أن محمدا رسول الله.
- حدّهذه الهجرة: هو سفر الفكر في كل مسألة من مسائل الإيمان، ونازلة من نوازل القلوب، وحادثةٍ من حوادث الأحكام، إلى معدن الهدى ومنبع النور المتلقى من فم الصادق المصدوق.

تحقيق الهجرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم
أولاً: أن يحكم المسلم النبي صلي الله عليه وسلم في كل ما شجر من مسائل النزاع في جميع أبواب الدين؛ وينشرح صدره بحكمه صلى الله عليه وسلم، ويسلم لحكم نبيه تسليم الراضى المحب لا تسليم المقهور المكره
قال تعالى: {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجًا ممّا قضيت ويسلّموا تسليمًا (65)}.

ثانياً: أن يكون النبي أولي به من نفسه؛ قال تعالى: {النّبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم}.
- وهذه الأولوية تتضمن:
o أن يكون أحبّ إلى العبد من نفسه؛ لأن الأولوية أصلها الحب.
o أن لا يكون للعبد حكمٌ على نفسه أصلًا، بل الحكم، على نفسه للرسول، يحكم عليها أعظم من حكم السيد على عبده، والوالد على ولده.
- هذه الأولوية لا تتحقق إلّا بعزل كل ما سواه، وتوليته في كل شيء، وعرض ما قاله كل أحد سواه على ما جاء به؛ فإن شهد له بالصحة قبله، وإن شهد له بالبطلان ردّه.
- تنتفي هذه الأولوية لمن كان سعيه واجتهاده ونصبه في الاشتغال بأقوال غيره وتقريرها، والغضب والحمية لها، والرضى بها والتحاكم إليها، وعرض ما قال الرسول عليها؛ فإن وافقها قبله، وإن خالفها التمس وجوه الحيل، وبالغ في ردّه.
ثالثاً: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما
- من مقتضيات أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما: القيام بالقسط والعدل فى حق كل أحد ولو على الوالدين والأقربين؛ قال تعالى: {ياأيّها الّذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء للّه ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيًّا أو فقيرًا فاللّه أولى بهما فلا تتّبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإنّ اللّه كان بما تعملون خبيرًا (135)}.
- أحقّ ما قام له العبد بالقسط: الأقوال والآراء والمذاهب؛ إذ هي متعلقة بأمر الله وخبره؛ فالقيام فيها بالهوى والعصبية مضادٌّ لأمر الله, منافٍ لما بعث به رسله، والقيام فيها بالقسط وظيفة خلفاء الرسول في أمته أولئك هم الوارثون حقًا, لا من يجعل أصحابه ونحلته ومذهبه عيارًا على الحق وميزانًا له؛ يعادي من خالفه ويوالي من وافقه لمجرد موافقته ومخالفته.
- السّببين الموجبين لكتمان الحق : اللّيّ والإعراض.
فإن الحقّ إذا ظهرت حجّته، ولم يجد من يروم دفعها طريقًا إلى دفعها، أعرض عنها وأمسك عن ذكرها، فكان شيطانًا أخرس، وتارةً يلويها أو يحرّفها.

رابعاً: طاعة الله ورسوله واتباع هديه
- أمر الله تعالي بطاعته وطاعة رسوله وتحكيمهما فيما ينشئ من نزاع فى كل شئ ؛ قال تعالي: {يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيءٍ فردّوه إلى اللّه والرّسول إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسن تأويلًا}.
- الشّرور الواقعة في العالم سببها مخالفة الرسول والخروج عن طاعته، وكل خير في العالم فإنما هو بسبب طاعة الرسول، وكذلك شرور الآخرة وآلامها وعذابها إنما هي موجبات مخالفة الرسول ومقتضياتها.
- كل من اتخذ خليلًا غير الرسول، يترك لأقواله وآرائه ما جاء به الرسول يتحسر يوم القيامة؛ قال تعالى: {ويوم يعضّ الظّالم على يديه يقول ياليتني اتّخذت مع الرّسول سبيلًا (27) ياويلتى ليتني لم أتّخذ فلانًا خليلًا (28) لقد أضلّني عن الذّكر بعد إذ جاءني وكان الشّيطان للإنسان خذولًا (29)}.
- المتخالّين على خلاف طاعة الرسول، مآل خلتهم إلى العداوة واللعنة؛ كما قال تعالى: {الأخلّاء يومئذٍ بعضهم لبعضٍ عدوٌّ إلّا المتّقين (67)}.

- نجاة العبد فى الدنيا والآخرة وتحقيق الكمال الإنساني، تنحصر فى أربعة أمور:
o اجتهاده في معرفة ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم – علمًا.
o والقيام بما علمه عملًا.
o دعوة الخلق إليه.
o صبره وجهاده على تلك الدّعوة.

الأتباع والمتبوعين يوم القيامة
الأتباع الأشقياء يوم القيامة:
o النوع الأول: أتباع اشتركوا فى الضلالة مع متبوعيهم؛ فهؤلاء كلاهما فى النار يتبرأ كل منمهم من الآخر؛ قال تعالي: {يوم تقلّب وجوههم في النّار يقولون ياليتنا أطعنا اللّه وأطعنا الرّسولا (66) وقالوا ربّنا إنّا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلّونا السّبيلا (67) ربّنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنًا كبيرًا (68)}.
o النوع الثاني: المتبوعون كانوا على الهدى، وأتباعهم ادّعوا أنهم على طريقتهم ومنهاجهم، وهم مخالفون لهم سالكون غير طريقهم، يزعمون أنّهم يحبونهم، وأن محبّتهم لهم تنفعهم مع مخالفتهم لهم، فيتبرءون منهم يوم القيامة، قال تعالي: {إذ تبرّأ الّذين اتّبعوا من الّذين اتّبعوا ورأوا العذاب وتقطّعت بهم الأسباب (166) وقال الّذين اتّبعوا لو أنّ لنا كرّةً فنتبرّأ منهم كما تبرّءوا منّا كذلك يريهم اللّه أعمالهم حسراتٍ عليهم وما هم بخارجين من النّار (167)}.

الأتباع السعداء يوم القيامة:

o النوع الأول: هم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكل من تبعهم بإحسان، وهذا يعمّ كل من اتبعهم بإحسان إلى يوم القيامة، وهم الذين قال الله -عز وجل- فيهم: {والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والّذين اتّبعوهم بإحسانٍ رضي اللّه عنهم ورضوا عنه}.
o النوع الثاني: فهم أتباع المؤمنين من ذريّتهم، الذين لم يثبت لهم حكم التكليف في دار الدنيا، وإنما هم مع آبائهم تبعٌ لهم، قال الله تعالى فيهم: {والّذين آمنوا واتّبعتهم ذرّيّتهم بإيمانٍ ألحقنا بهم ذرّيّتهم وما ألتناهم من عملهم من شيءٍ كلّ امرئٍ بما كسب رهينٌ (21)}.

أقسام الخلائق بالنسبة إلى دعوة النبي صلي الله عليه وسلم وما بعثه الله به من الهدى
شبّه - صلى الله عليه وسلم - العلم الذي جاء به بالغيث؛ لأن كلًّا منهما سبب الحياة، فالغيث سبب حياة الأبدان، والعلم سبب حياة القلوب.
وكما أن الأرضين ثلاثة بالنسبة إلى قبول الغيث فكذلك القلوب فى قبول العلم:
إحداها: أرضٌ زكيّةٌ قابلةٌ للشّرب والنبات؛ فهي مثل القلب الزّكي الذّكي؛ فهو قابلٌ للعلم، مثمرٌ لموجبه وفقهه وأسرار معادنه.
والثانية: أرضٌ صلبة قابلة لثبوت الماء فيها وحفظه، فهذه مثل القلب الحافظ للعلم، الذي يحفظه كما سمعه، ولا تصرّف له فيه ولا استنباط، وهو من القسم الذين قال فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، وربّ حامل فقه غير فقيه".
والأرض الثالثة: أرض قاعٌ؛ وهو المستوي الذي لا يقبل النبات، ولا يمسك ماءً، فهذه مثل القلب الذي لا يقبل العلم ولا الفقه والدراية فيه.
فالأول: عالمٌ معلّمٌ، داعٍ إلى الله على بصيرة، فهذا من ورثة الرّسل.
والثاني: حافظٌ مؤدٍّ لما سمعه، فهذا يحمل إلى غيره ما يتّجر به ويستثمر.
والثالث: لا هذا ولا هذا، فهو الذي لم يقبل هدى الله، ولا رفع به رأسًا.

زاد الهجرة إلى الله تعالي ورسوله وطريقه ومركبه
- زاد الهجرة إلى الله ورسوله: هو العلم الموروث عن خاتم الأنبياء - صلى الله عليه وسلم -، ولا زاد له سواه.
- وأما طريقه: فهو بذل الجهد, واستفراغ الوسع ، ولا سبيل لذلك إلا بالصبر.
- وأما مركبه: فصدق اللّجأ إلى الله, والانقطاع إليه بكلّيته, وتحقيق الافتقار إليه من كل وجه, والضراعة إليه, وصدق التوكل عليه، والاستعانة به.
ورأس مال الأمر وعموده في ذلك إنما هو دوام التفكر وتدبر آيات القرآن.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 19 محرم 1444هـ/16-08-2022م, 01:23 PM
الصورة الرمزية جٓنّات محمّد الطيِّب
جٓنّات محمّد الطيِّب جٓنّات محمّد الطيِّب غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: May 2013
الدولة: في دار الكبَد
المشاركات: 1,584
افتراضي

تلخيص مقاصد الرسالة التبوكية


للإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر المشهور بابن قيّم الجوزيةّ (ت 751ه)

المقصد الرئيسي:
الهجرة إلى الله ورسوله وأنّها من أعظم التعاون على البرّ والتقوى.

المقاصد الفرعية:
  • توطئة : البرّ والتقوى جماع الدين كلّه.
  • الهجرة إلى الله.
  • الهجرة إلى رسوله ﷺ.
  • معالم سفر الهجرة إلى الله ورسوله.
  • كلمة نصح لمن أراد اللحاق بركب المهاجرين إلى الله ورسوله.


1. توطئة: البرّ والتقوى جماع الدين كله
  • قال تعالى :{وَتَعَاوَنُوا۟ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُوا۟ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَ ٰنِۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} [المائدة 2]
    اشتملت الآية على مصالح العباد كلها في معاشهم ومعادهم؛ فواجب العبد تجاه ربّه طاعته وتجنب معصيته لنيل مرضاته وهي البرّ والتقوى، وواجبه تجاه الخلق التعاون على مرضاة الله ولا يٌنال إلا بالتعاون على البرّ والتقوى، فعاد الأمر كلّه إلى هذين الأصلين العظيمين.


    البر
  • البرّ كلمة لجميع أنواع الخير والكمال المطلوب من العبد، كما أنّ الإثم كلمة جامعة للشرّ والعيوب وفي حديث سمعان رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال [له]: ((جئت تسأل عن البرّ والإثم)) .والبرّ جامع لحقائق الدين وشرائعه، والأعمال المتعلقة بالجوارح وبالقلب، وأصول الإيمان؛ كما في قوله تعالى : {ليس البّر أن تولوا وجهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنّبيّين وآتى المال على حبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل والسّائلين وفي الرّقاب وأقام الصّلاة وآتى الزّكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصّابرين في البأساء والضّرّاء وحين البأس أولئك الّذين صدقوا وأولئك هم المتّقون}177 البقرة.
  • وهذه الخصال هي بعينها خصال التقوى حيث قال :{أولئك الّذين صدقوا وأولئك هم المتّقون}.

    التقوى.
  • وأمّا التقوى فحقيقتها العمل بطاعة الله إيمانا واحتسابًا، أمرًا ونهيًا فيفعل ما أمره الله به إيمانا بالأمر، وتصديقا بموعده، ويترك ما نهى الله عنه إيمانا بالنهي، وخوفا من وعيده.
  • وأحسن ما قيل في حدّ التقوى ما قاله طلق بن حبيب: «إذا وقعت الفتنة فادفعوها بالتقوى» ، قالوا: وما التقوى؟ قال: «أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله، تخاف عقاب الله».

    البر والتقوى إذا افترقا اجتمعا وإذا اجتمعا افترقا.
  • نفهم ممّا تقدمّ أنه عند افتراق البر والتقوى، يدخل البرّ فى مسمى التقوى والتقوى جزء منه، وأنّ خصاله هي عين خصالها.
  • وعند اقترانها كما في قوله تعالى: {وتعاونوا على البرّ والتّقوى} يكون الفرق بينهما فرق بين السّبب المقصود لغيره والغاية المقصودة لنفسها؛ فإن البرّ مطلوب لذاته، إذ هو كمال العبد وصلاحه، وأما التقوى فهي الوسيلة الموصلة إلى البرّ، ولفظها يدلّ على هذا.(وقى، يقي، وقاية ) ولتقريب المعنى: التقوى كالحمية، والبرّ كالعافية والصحة.

    الإثم والعدوان.
  • الإثم والعدوان في جانب النهي نظير البرّ والتّقوى في جانب الأمر.
  • الإثم ما كان حراما لجنسه كالخمر والزنا والسرقة، والعدوان: ما حرّم الزيادة في قدره، وتعدي ما أباح الله منه كنكاح الخامسة؛ وهو تعدّي حدود الله التي قال فيها: {تلك حدود اللّه فلا تقربوها} {ومن يتعدّ حدود اللّه فأولئك هم الظالمون } فنهى تعالى عن تعدي حدوده وعن قربانها ، باعتبار أنّ حدود الشيء تدخل فيه تارة ، وتارة لا تدخل.

    أعظم التعاون على البرّ والتّقوى
    التعاون على سفر الهجرة إلى الله ورسوله أعظمه ، فاجتماع الناس وتعاشرهم مقصوده التعاون على البر والتقوى علما وعملا؛ فإنّ العبد وحده لا يستقلّ بعلم ذلك ولا بالقدرة عليه؛ والسفر إلى الله تعالى هو أعظم البر والتقوى، فأصبح بذلك التعاون على سفر الهجرة إلى الله ورسوله ﷺ من أعظم البرّ وأفضل القربات.

2. الهجرة إلى الله تعالى.
  • الهجرة هجرتان :هجرة بالجسد من بلد إلى بلد ، وهجرة بالقلب إلى الله ورسوله وهي مراد الرب من عباده وهي الهجرة الحقيقية والأولى تابعة لها وإنّما شرعت لأجلها، لذا فهي فرض عين على كل عبد في كل زمان ومكان بعدد أنفاسه.
  • حقيقة هجرة القلب إلى الله تحقيق التوحيد وتخليصه بالفرار إليه: من محبة غيره إلى محبته ومن الخوف من غيره إلى الخوف منه وحده ومن رجاء غيره إلى رجائه وحده، وهكذا مع سائر العبادات القلبية ، فهي متضمنة لتوحيد الألوهية، وهو معنى قوله تعالى :{ففروا إلى الله}. وأما الفرار منه إليه؛ فهو متضمن لتوحيد الربوبية وإثبات القدر، فكل ما يقع في ملكه إنّما هو محض مشيئته، والفّارّ من محذور أيّا كان، إنّما يفرّ إلى الله من قدره ، كما في قوله ﷺ: ((لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك)).
  • الهجرة إلى الله مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله، لذا كثيرا ما يقترن ذكرها في القرآن بالإيمان لتلازمهما واقتضاء أحدهما للآخر فلا يكون القلب مهاجرا إلى الله على الحقيقة حتى يحقق النفي والإثبات في الشهادة، وهو معنى قوله ﷺ:((المهاجر من هجر ما نهى الله عنه))
  • وأصل الهجرة إلى الله الحب والبغض فهي تقوى وتضعف بحسب داعي المحبة والبغض في قلب المهاجر، وما غلب عليه: داعي الإيمان أو داعي نفسه وهواه وشيطانه.
  • البصير هو من اشتغل عمره كلّه بالهجرة القلبية إلى الله، وانشغاله عنها بما سواها إنّما هو انشغال عمّا خُلق له، والعارف هو من صرف علمه وإرادته لتحصيل هذه الهجرة
3. الهجرة إلى الرسول ﷺ
  • الهجرة إلى رسول الله ﷺ فرض على كل مسلم، وهي مقتضى شهادة أنّ محمدا رسول الله.
  • حدّها: سفر الفكر في كل مسألة من مسائل الإيمان، علما وعملا. وهي الهجرة إليه في حياته وهجرة إلى سنته بعد موته.
مقتضيات هذه الهجرة:
1. التصديق الجازم برسالته وأنّه لا سبيل إلى النجاة إلاّ من طريقه؛ فلا هدى إلا ما جاء به الوحي وصحّ عن الصادق المصدوق {وما ينطق عن الهوى إن هو إلّا وحيٌ يوحى}، وماعدا ذلك فمحلّ تهمة وطريق ضلال.


2. المحبة التّامّة وأولويّته في قلب المهاجر إليه وهي مقياس إيمانه، كما في قوله تعالى:{النّبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم} ومقتضاها: [*] أن يكون أحبّ إليه من نفسه؛ لأن الأولوية أصلها الحب، وبذلك يحصل له اسم الإيمان. [*] أن لا يكون للعبد حكمٌ على نفسه أصلًا، بل الحكم على نفسه للرسول ﷺ ؛ حكم السيد على عبده، والوالد على ولده. فلا بدّ له من تحكيم أمره في جميع موارد النزاع والانشراح به والخضوع والانقياد لما حكم به مع التسليم التامّ ليسلم له إيمانه، كما في قوله تعالى: {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجًا ممّا قضيت ويسلّموا تسليمًا(65)} النساء.
فائدة:
تنوع التوكيد في أية النساء :{فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك} لتقوية القسم ووتقرير شدّة الحاجة لهذا الأمر في النفوس وأنّه أمر العظيم: فصدّر القسم ب (لا) النافية ،وأكدّه بنفس القسم و بالمقسم به و بانتفاء الحرج، ووجود التسليم ثمّ أكّدّ الفعل بالمصدر.


3. طاعة الرسول ﷺ ، وتحتها عدّة مسائل منها:
  • أنّ طاعة الرسول ﷺ شرط لحصول الهداية وتنتفي بانتفائه، قال تعالى: {قل أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول فإن تولّوا فإنّما عليه ما حمّل وعليكم ما حمّلتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرّسول إلّا البلاغ المبين(54)} النور.
  • طاعة الرسول ﷺ طاعة لله، وهي واجبة مفردة ومقرونة، قال تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول}، فأمر سبحانه بطاعته وطاعة رسوله، وقال: {وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم} لدفع وهم من قد يتوهم أنّ طاعة الرسول ﷺ لا تلزم إلا فيما ذكر في القرآن. كما في قوله ﷺ :(( يوشك رجلٌ شبعان متكئٌ على أريكته يأتيه الأمر من أمري؛ فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، ما وجدنا فيه من شيء اتبعناه، ألا وإنّي أوتيت الكتاب ومثله معه)).
  • طاعة أولي الأمر تندرج تحت طاعة الرسول ﷺ وليست طاعة مستقلة ؛ وقد صح عن النبي ﷺ أنه قال: (( على المرء السّمع والطاعة فيما أحبّ وكره ما لم يؤمر بمعصية الله، فإن أمر بمعصية الله، فلا سمع ولا طاعة)).وأولي الأمر هم الأمراء أو العلماء في روايتين عن أحمد، والصحيح أنها متناولة للصنفين.
  • طاعة الله ورسوله، وتحكيم الله ورسوله، هو سبب السعادة عاجلًا وآجلًا، فطاعته هي الحصن الحصين الذي من دخله كان من الآمنين ؛ الأمنين الحسي والمعنوي.
مسائل مهمّة حول المتابعة:
  • قال تعالى :{اتّبعوا ما أنزل إليكم من ربّكم ولا تتّبعوا من دونه أولياء قليلًا ما تذكّرون}؛ فأمر سبحانه باتباع ماأنزل على رسوله، ونهى عن اتباع غيره؛ فكل من لم يتّبع الوحي فإنما اتبع الباطل واتبع أولياء من دون الله، ولو زعم غير ذلك.
  • كمال المتابعة يقتضي القيام بالقسط والشهادة به لله : قال تعالى: {ياأيّها الّذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء للّه ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيًّا أو فقيرًا فاللّه أولى بهما فلا تتّبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإنّ اللّه كان بما تعملون خبيرًا(135)}؛ فمن قام بالقسط وشهد به لله خاصة فيما يتعلق بالأقوال والآراء والمذاهب عُصم من اتباع الهوى وحصل له مسمى الإيمان، إذ أنّ الهوى هو الحامل على ترك العدل أو كتمان الحق مع المخالف أو الصديق ، ليّا أو إعراضاً.
  • تخليص المتابعة يكون باتباع ما كان عليه الصحابة في تحقيق الإيمان الكامل ويتحقق بأمور أربعة :
    العلم بما جاء به الرسول ﷺ ، العمل به، بثّه في الناس، ودعوتهم إليه، صبره وجهاده في أدائه وتنفيذه. وهذا عين الهجرة إلى سنة الرسول ﷺ.
أصناف الناس من حيث المتابعة:
أ. المخالفون:
  1. الأتباع والمتبوعين المشتركين في الضلالةـ. كما في قوله تعالى : {فمن أظلم ممّن افترى على اللّه كذبًا أو كذّب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب} إلى أن قال:{ قال لكلٍّ ضعفٌ ولكن لا تعلمون} فمنشئ الضلالة الصادّ عن الحق والمعرض عنه كلاهما في العذاب كل بحسب مخالفته للحق.
  2. الأتباع المخالفون لمتبوعيهم. المذكورون في قوله تعالى: {إذ تبرّأ الّذين اتّبعوا من الّذين اتّبعوا ورأوا العذاب وتقطّعت بهم الأسباب} ولا يبقى إلاّ السبب الواصل بين العبد وبين ربه، وهو حظه من الهجرة إليه وإلى رسوله، وتجريد عبادته وحده، ولوازمها من الحبّ والبغض، والعطاء والمنع، والموالاة والمعاداة، وتجريد متابعة رسوله وترك أقوال غيره لقوله، وترك كل ما خالف ما جاء به، والإعراض عنه فضلًا عن تقديم قول غيره عليه.
ب.الأتباع السعداء:
  1. السّابقون الأوّلون وتابعوهم بإحسان وهم الذين قال الله تعالى فيهم: {والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والّذين اتّبعوهم بإحسانٍ رضي اللّه عنهم ورضوا عنه} استحقوا هذا الجزاء لأنّ تبعيتهم مصاحبة للإحسان لا لمجرد النسبة والدعاوى. فالأولون هم الذين أدركوا رسول الله ﷺ وصحبوه، والآخرون هم كل من بعدهم على منهاجهم إلى يوم القيامة ،سواء كان معنى التّأخّر وعدم اللّحاق بهم في الزمان أو المرتية والفضل.
  2. أتباع المؤمنين من ذريّتهم : الذين لم يثبت لهم حكم التكليف في الدنيا، وإنما هم مع آبائهم تبعٌ لهم، قال الله تعالى فيهم: {والّذين آمنوا واتّبعتهم ذرّيّتهم بإيمانٍ ألحقنا بهم ذرّيّتهم وما ألتناهم من عملهم من شيءٍ كلّ امرئٍ بما كسب رهينٌ}
ج. المعرضون بالكلية.
كل من لم يقبل هدى الله الذي بعث به رسوله، ولم يرفع به رأسًا، فهو داخل في هذا الصنف
وقد قسمّ النبي ﷺ الناس بالنسبة إلى دعوته إلى ثلاثة أقسام في قوله ﷺ : ((مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم: كمثل غيثٍ أصاب أرضًا؛ فكانت منها طائفةٌ طبّبةٌ قبلت الماء؛ فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء؛ فسقى الناس وزرعوا، وأصاب طائفة أخرى إنما هي قيعانٌ لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا, ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به)) ؛
  • فعالمٌ معلّمٌ، داعٍ إلى الله على بصيرة.
  • وحافظٌ مؤدٍّ لما سمعه، فينتفع بحمله و تأديته لمن هو أعلم منه.
  • ثمّ الذي لم يقبل هدى الله، ولا رفع به رأسًا.
4 معالم سفر الهجرة إلى الله ورسوله: زاده، طريقه ، مركبه ورأس ماله.
  • زاده العلم الموروث عن خاتم الأنبياء ﷺ ولا يحل محله زاد بحال، لا عقل فلان ورأي علاّن. وهذا الزاد هو الوحي: القرآن والسنّة الصحيحة، كما في قوله ﷺ :(( يوشك رجلٌ شبعان متكئٌ على أريكته يأتيه الأمر من أمري؛ فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، ما وجدنا فيه من شيء اتبعناه، ألا وإنّي أوتيت الكتاب ومثله معه)).
  • طريقه: بذل الجهد, واستفراغ الوسع لأنّ التعاون على سفر الهجرة إلى الله ورسوله يحتاج إلى أن تفنى فيه الأعمار، وتبذل لأجله الأنفاس باليد واللسان والقلب، مساعدةً، ونصيحةً، وتعليمًا، وإرشادًا، ومودةً، ولا سبيل لذلك إلاّ بالصبر، فبه تهون النفس في سبيل الحق ، وتمضي قدما ، لا تخشى فيه لومة لائم.
  • مركبه: صدق اللّجأ إلى الله, والانقطاع إليه بكلّيته, وتحقيق الافتقار إليه من كل وجه... فلا سبيل لنيل ما عند الله من الهداية والرشاد والثبات إلا بإظهار الضعف والعجز ولزوم بابه، وبهذا يتميز الطيّب من الخبيث والصادق من صاحب الدعاوى.
  • رأس مال الأمر وعموده دوام التفكر وتدبر آيات القرآن ، حتى تستولي معانيه على القلب وتحل محل الخواطر منه؛ فيصبح القرآن مرشده ومفزعه وخلقه وصاحبه الذي لا يأنس إلا به.
  • ومن كان هذا حاله فتح الله عليه فتوح العارفين في فهم معانيه وتدبرها وانتفع به أيّما انتفاع. وتفاوت الأفهام في معرفة القرآن عائد إلى مدى الإقبال عليه والاستهداء والاستبشار به وتثوير تربته لجنيِ ثماره، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء.

5. كلمة نصح لمن أراد اللحاق بركب المهاجرين إلى الله ورسوله والثبات عليه.
  • مهما قطع المهاجر إلى الله من أشواط في سفره أو تعثر وزلت قدمه وجب عليه أن يحسن الظنّ بربه وأن يتبرأ من حوله وقوته، فالأمر كلّه لله من قبل ومن بعد {وما توفيقي إلاّ بالله} ويلخص هذا كلّه كلمتان كان السلف يتواصون بها في الحضر والسفر : ((من أصلح سريرته أصلح الله علانيته، ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن عمل لآخرته كفاه الله مؤونة دنياه))
  • غربة المهاجر مستحكمة في كل زمن، فمن توهم أن طريق الهجرة معبد لا عقبة فيه فقد أبعد. فالمهاجر إلى الله ورسوله محكوم عليه أن يعيش غريبا في أوطانه، مستهجن بين أقرانه. ولعله يجد أنسه مع الأموات ممن سبقوه على الطريق أكثر مما يجده مع الأحياء، والحيّ لا تؤمن عليه الفتنة ، وطوبى للغرباء.

  • استشعار غربة الطريق وندرة المؤنسين فيه تورث الهمة العالية في التعاون على البرّ والتقوى والإعراض عن قطاع الطرق من نفس وهوى وشيطان الإنس والجنّ.
  • مقتضى هذه المعاونة : حسن المعاشرة مع الخلق، وأداء حقّ الله فيهم، والسلامة من شرهم وقد جمعت هذه المعاني كلها في قوله تعالى :{خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} ويرقى لهذه المعاني من كانت له عينان : عين بها يمشي فيهم بأمر الله ونهيه، ويؤدي حقوقهم ويستوفيها، وعين بها يرحمهم ويستغفر لهم ويلتمس لهم بها المعاذير والموفق من وفقه الله.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 8 صفر 1444هـ/4-09-2022م, 06:43 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالرحمن محمد عبدالرحمن مشاهدة المشاركة
المقصد الرئيسي للرسالة:
الهجرة إلى الله ورسوله أهمّ ما يحصل به التعاون على البرّ والتقوى.
[هذا الصياغة تُشعر أن مقصد الرسالة الحديث عن البر والتقوى؛ والأصل أن تقول: الهجرة إلى الله ورسوله وما يعين عليها من التعاون على البر والتقوى (على سبيل المثال)]

المقاصد الفرعية:
- الواجبات التي على العبد:
O واجب بينه وبين الله.
O وواجب بينه وبين الخلق.

- أنواع الهجرة: هجرة بالبدن، هجرة بالقلب.
- الهجرة إلى الله تعالي.
- الهجرة إلى رسوله صلى الله عليه وسلم.
O تحقيق الهجرة إلى رسوله صلى الله عليه وسلم بعدة أمور منها:
 تحكيم النبي صلي الله عليه وسلم في كل ما شجر من مسائل النزاع في جميع أبواب الدين.
 أن يكون النبي أولي بالمؤمن من نفسه.
 أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما.
 طاعة الله ورسوله واتباع هديه.
O أقسام الخلائق بالنسبة إلى دعوة النبي صلي الله عليه وسلم وما بعثه الله به من الهدي.
O الأتباع والمتبوعين يوم القيامة.
- زاد الهجرة إلى الله تعالي ورسوله وطريقه ومركبه.

[b]أولاً: مقدمة الرسالة [لم تذكر ضمن المقاصد الفرعية عنوانا كهذا؛ وإنما ذكرت الواجبات التي على العبد وهو أولى]
[/b]
 قال الله تعالي: {وتعاونوا على البرّ والتّقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتّقوا اللّه إنّ اللّه شديد العقاب (2)}.
- اشتملت هذه الآية على جميع مصالح العباد في معاشهم ومعادهم، فيما بينهم في بعضهم بعضا، وفيما بينهم وبين ربهم.
- بينت الآيه الواجبات التي على العبد: واجب بينه وبين الله، وواجب بينه وبين الخلق.
أولاً: الواجب بين العبد وبين الخلق:
أن تكون معاشرة العبد للخلق وصحبته لهم وتعاونه معهم على طاعة الله عز وجل ومرضاته وهي البر والتقوي لا علي الإثم والعدوان.
البر والتقوي
- البر والتقوي هما جماع الدين كله.
- لفظا "البر والتقوي" إذا أفرد كلّ واحد من الاسمين دخل فيه المسمّى الآخر، إما تضمنا وإمّا لزوما، ودخوله فيه تضمنا أظهر.
- حقيقة البرّ: هو الكمال المطلوب من الشيء، والمنافع التي فيه والخير، كما يدلّ عليه اشتقاق هذه اللفظة وتصاريفها في الكلام، ومنه "البرّ" بالضم؛ لكثرة منافعه وخيره بالإضافة إلى سائر الحبوب، ومنه رجل بارٌ، وبرٌّ.
فالبرّ كلمة لجميع أنواع الخير والكمال المطلوب من العبد، فيدخل في مسمى البرّ الإيمان وأجزاؤه الظاهرة والباطنة، ولا ريب أن التّقوى جزء هذا المعنى .
- نظائر البر والتقوي من الألفاظ: لفظ "الإيمان والإسلام"، "والإيمان والعمل الصالح"، و"الفقير والمسكين"، و"الفسوق والعصيان"، و"المنكر والفاحشة".

فائدة: أهمية فهم ألفاظ القرآن ودلالتها: [هذه من المسائل الاستطرادية، وتلخيص المقاصد نعتني فيه بمسائل العماد وأدلتها فقط، وهي التي قصدها المؤلف من تأليفه، ومن أهم المهارات المطلوبة أن يميز الطالب بين مسائل العماد فلا يفوتها، والمسائل الاستطرادية فلا يذكرها في تلخيصه]
فهم ألفاظ القرآن ودلالته، ومعرفة حدود ما أنزل الله على رسوله؛ فإنه هو العلم النافع، وقد ذمّ سبحانه في كتابه من ليس له علم بحدود ما أنزله على رسوله.
وعدم العلم بذلك مستلزم مفسدتين عظيمتين:
إحداهما: أن يدخل في مسمّى اللفظ ما ليس منه؛ فيحكم له بحكم المراد من اللفظ؛ فيسوّى بين ما فرق الله بينهما.
والثانية: أن يخرج من مسمّاه بعض أفراده الداخلة تحته؛ فيسلب عنه حكمه؛ فيفرّق بين ما جمع الله بينهما، ومن هذا لفظ "الخمر"؛ فإنه اسم شامل لكل مسكر، فلا يجوز إخراج بعض المسكرات منه، وينفى عنها حكمه.

- بر القلب: أكثر ما يعبر بالبرّ عن برّ القلب، وهو وجود طعم الإيمان [فيه] وحلاوته، وما يلزم ذلك من طمأنينته وسلامته وانشراحه وقوته وفرحه بالإيمان، فإن للإيمان فرحة وحلاوة ولذاذة في القلب، فمن لم يجدها فهو فاقد للإيمان أو ناقصه.
- خصال البرّ: جمع [الله] تعالى خصال البرّ في قوله: {ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكنّ البرّ من آمن باللّه واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنّبيّين وآتى المال على حبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل والسّائلين وفي الرّقاب وأقام الصّلاة وآتى الزّكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصّابرين في البأساء والضّرّاء وحين البأس أولئك الّذين صدقوا وأولئك هم المتّقون (177)}.
فأخبر سبحانه أن البرّ هو الإيمان به، وبملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وهذه هي أصول الإيمان الخمس التي لا قوام للإيمان إلا بها، وأنه الشرائع الظاهرة: من إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنفقات الواجبة، وأنه الأعمال القلبية التي هي حقائقه؛ من الصبر والوفاء بالعهد.
فتناولت هذه الخصال جميع أقسام الدين: حقائقه وشرائعه، والأعمال المتعلقة بالجوارح وبالقلب، وأصول الإيمان الخمس.
- معني التقوي فى اللغة: على وزن فعلى، مشتقة من وقى يقي، وكان أصلها وقوى، فقلبوا الواو تاء، كما قالوا: تراث من الوراثة، وتجاه من الوجه، وتخمة من الوخم، ونظائره، فلفظها دالٌ على أنها من الوقاية، فإن المتّقي قد جعل بينه وبين النار وقاية.
- تعريف التقوي شرعاً: قال طلق بن حبيب: "إذا وقعت الفتنة فادفعوها بالتقوى"، قالوا: وما التقوى؟ قال: "أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله، تخاف عقاب الله".
ولا ريب أن هذا جامع لجميع أصول الإيمان وفروعه، وأن البرّ داخل فى هذا المسمى.
- ضابط كون العمل طاعة وقربة لله عز وجل: ( كلّ عمل لابدّ له من مبدأ وغاية، فلا يكون العمل طاعة وقربة حتى يكون مصدره عن الإيمان، فيكون الباعث عليه هو الإيمان المحض، لا العادة ولا الهوى ولا طلب المحمدة والجاه وغير ذلك، بل لابدّ أن يكون مبدؤه محض الإيمان، وغايته ثواب الله تعالى، وابتغاء مرضاته، وهو الاحتساب.
و[لهذا] كثيرا ما يقرن بين هذين الأصلين في مثل قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من صام رمضان إيمانا واحتسابًا" و"من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا"... وهكذا.
- اقتران لفظ البر والتقوي: إذا اقترن لفظ البر مع التقوي فالفرق بينهما فرق بين السّبب المقصود لغيره والغاية المقصودة لنفسها؛ فإن البرّ مطلوب لذاته، إذ هو كمال العبد وصلاحه الذي لا صلاح له بدونه، كما تقدّم، وأما التقوى فهي الطريق الموصلة إلى البرّ، والوسيلة إليه.
فالوقاية من باب دفع الضرر، والبرّ من باب تحصيل النفع، فالتقوى كالحمية، والبرّ كالعافية والصحة.
الإثم والعدوان

- الإثم مقابل البر، والإثم كلمة جامعة للشرّ والعيوب التي يذمّ العبد عليها.
- العدوان: هو تعدّي حدود الله التي قال فيها: {تلك حدود اللّه فلا تعتدوها ومن يتعدّ حدود اللّه فأولئك هم الظّالمون (229)}، وقال في موضع آخر: {تلك حدود اللّه فلا تقربوها}، فنهى عن تعدّيها في آية، وعن قربانها في آية؟ وهذا لأن حدوده سبحانه هي النهايات الفاصلة بين الحلال والحرام، ونهاية الشيء تارة تدخل فيه فتكون منه، فيكون النهي عن تعديها، وتارة لا تكون داخلةً فيه فيكون لها حكم مقابله، فيأتي النهي عن قربانها.
- الإثم والعدوان في جانب النهي نظير البرّ والتّقوى في جانب الأمر.
- الفرق ما بين الإثم والعدوان: الفرق ما بين الإثم والعدوان فوق ما بين محرّم الجنس ومحرّم القدر:
فالإثم: ما كان حراما لجنسه، فالزنا، وشرب الخمر، والسرقة، ونحوها إثم.
والعدوان: ما حرّم الزيادة في قدره، وتعدي ما أباح الله منه؛ مثال ذلك: نكاح الخامسة، واستيفاء المجنيّ عليه أكثر من حقه، ونحوه عدوان. [يمكن أن يختصر كل هذا بما يكفي في بيان أهمية هذا الواجب في تحقيق المقصد الرئيس من الرسالة (الهجرة إلى الله ورسوله)]

ثانياً: الواجب علي العبد فيما بينه وبين الله تعالى:
 وهو إيثار طاعة الله عز وجل، وتجنّب معصيته، وهو قوله تعالى: {واتّقوا اللّه}.
ولا يتمّ الواجب الأول إلا بعزل نفسه من الوسط، والقيام بذلك لمحض النصيحة والإحسان ورعاية الأمر، ولا يتم له أداء الواجب الثاني إلا بعزل الخلق من البين، والقيام به لله إخلاصا ومحبةً وعبودية.

[بما أنك صنفت الواجبين على عنوانين فالأولى تصنيف هذه العبارة ليلحق ما يخص كل واجب به]

وهذا هو معنى قول الشيخ عبد القادر -قدّس الله روحه-: "كن مع الحقّ بلا خلق، ومع الخلق بلا نفس، ومن لم يكن كذلك لم يزل في تخبيط، ولم يزل أمره فرطا".

ثانياً: مسائل الرسالة [تصنيف التلخيص في تلخيص المقاصد يكون بحسب ما استخرجته من مقاصد الفرعية]
الهجرة إلى الله ورسوله
- الهجرة إلى الله ورسوله هي أهمّ ما يقطع به العبد منازل سفره إلى الله عز وجل، فإنها فرض عين على كلّ أحد في كلّ وقت، وأنه لا انفكاك لأحد من وجوبها، وهي مطلوب الله ومراده من العباد.
- العبد مطالب بهاتين الهجرتين فى الدنيا ومسئول عنهم فى دار البرزخ ويوم القيامة، قال قتادة: "كلمتان يسأل عنهما الأولون والآخرون: ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟ ".
- أعظم التعاون على البرّ والتّقوى التعاون على سفر الهجرة إلى الله ورسوله, باليد واللسان والقلب، مساعدةً، ونصيحةً، وتعليمًا، وإرشادًا، ومودةً.

أنواع الهجرة
الهجرة هجرتان:
- هجرة بالجسم من بلد إلى بلد، وهذه انقطعت بالفتح. [الهجرة بالبدن هي الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام ولم تنقطع ليومنا هذا طالما أن العبد لا يستطيع إقامة دينه في البلد الذي يقيم فيه، وأما الهجرة التي انقطعت بالفتح فهي الهجرة من مكة إلى المدينة لأنها أصبحت دار إسلام]
- والهجرة الثانية هجرة بالقلب إلى الله ورسوله، وهذه الهجرة هي الهجرة الحقيقية، وهي الأصل، وهجرة الجسد تابعةٌ لها.

الهجرة إلى الله تعالي
- وهي هجرة تتضمن "من" و"إلى"؛ فيهاجر بقلبه من محبة غير الله إلى محبته، ومن عبودية غيره إلى عبوديته، ومن خوف غيره ورجائه والتوكل عليه إلى خوف الله ورجائه والتوكل عليه، ومن دعاء غيره وسؤاله والخضوع له والذّلّ له والاستكانة له إلى دعاء ربّه وسؤاله والخضوع له والذلّ والاستكانة له.
- الهجرة إلى الله أصلها الحبّ والبغض؛ فإن المهاجر من شيء إلى شيء لابد أن يكون ما يهاجر إليه أحبّ إليه مما يهاجر منه.
- الهجرة إلى الله هي مقتضي شهادة أن لا إله إلا الله.
- الهجرة إلي الله تقوى وتضعف؛ الهجرة تقوى وتضعف بحسب قوة داعي المحبة وضعفه، فكلما كان داعي [المحبة] في قلب العبد أقوى كانت هذه الهجرة [أقوى و] أتمّ وأكمل، وإذا ضعف الداعي ضعفت الهجرة، حتى إنه لا يكاد يشعر بها علما، ولا يتحرك بها إرادة.

الهجرة إلي النبي صلى الله عليه وسلم

- هذه الهجرة شأنها شديد، وسالكها بين العباد غريب.
- الهجرة إلي النبي صلي الله عليه وسلم فرض على كل مسلم، وهي مقتضى شهادة أن محمدا رسول الله.
- حدّهذه الهجرة: هو سفر الفكر في كل مسألة من مسائل الإيمان، ونازلة من نوازل القلوب، وحادثةٍ من حوادث الأحكام، إلى معدن الهدى ومنبع النور المتلقى من فم الصادق المصدوق.

تحقيق الهجرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم
أولاً: أن يحكم المسلم النبي صلي الله عليه وسلم في كل ما شجر من مسائل النزاع في جميع أبواب الدين؛ وينشرح صدره بحكمه صلى الله عليه وسلم، ويسلم لحكم نبيه تسليم الراضى المحب لا تسليم المقهور المكره
قال تعالى: {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجًا ممّا قضيت ويسلّموا تسليمًا (65)}.

ثانياً: أن يكون النبي أولي به من نفسه؛ قال تعالى: {النّبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم}.
- وهذه الأولوية تتضمن:
O أن يكون أحبّ إلى العبد من نفسه؛ لأن الأولوية أصلها الحب.
O أن لا يكون للعبد حكمٌ على نفسه أصلًا، بل الحكم، على نفسه للرسول، يحكم عليها أعظم من حكم السيد على عبده، والوالد على ولده.
- هذه الأولوية لا تتحقق إلّا بعزل كل ما سواه، وتوليته في كل شيء، وعرض ما قاله كل أحد سواه على ما جاء به؛ فإن شهد له بالصحة قبله، وإن شهد له بالبطلان ردّه.
- تنتفي هذه الأولوية لمن كان سعيه واجتهاده ونصبه في الاشتغال بأقوال غيره وتقريرها، والغضب والحمية لها، والرضى بها والتحاكم إليها، وعرض ما قال الرسول عليها؛ فإن وافقها قبله، وإن خالفها التمس وجوه الحيل، وبالغ في ردّه.
ثالثاً: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما
- من مقتضيات أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما: القيام بالقسط والعدل فى حق كل أحد ولو على الوالدين والأقربين؛ قال تعالى: {ياأيّها الّذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء للّه ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيًّا أو فقيرًا فاللّه أولى بهما فلا تتّبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإنّ اللّه كان بما تعملون خبيرًا (135)}.
- أحقّ ما قام له العبد بالقسط: الأقوال والآراء والمذاهب؛ إذ هي متعلقة بأمر الله وخبره؛ فالقيام فيها بالهوى والعصبية مضادٌّ لأمر الله, منافٍ لما بعث به رسله، والقيام فيها بالقسط وظيفة خلفاء الرسول في أمته أولئك هم الوارثون حقًا, لا من يجعل أصحابه ونحلته ومذهبه عيارًا على الحق وميزانًا له؛ يعادي من خالفه ويوالي من وافقه لمجرد موافقته ومخالفته.
- السّببين الموجبين لكتمان الحق : اللّيّ والإعراض.
فإن الحقّ إذا ظهرت حجّته، ولم يجد من يروم دفعها طريقًا إلى دفعها، أعرض عنها وأمسك عن ذكرها، فكان شيطانًا أخرس، وتارةً يلويها أو يحرّفها.

رابعاً: طاعة الله ورسوله واتباع هديه
- أمر الله تعالي بطاعته وطاعة رسوله وتحكيمهما فيما ينشئ من نزاع فى كل شئ ؛ قال تعالي: {يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيءٍ فردّوه إلى اللّه والرّسول إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسن تأويلًا}.
- الشّرور الواقعة في العالم سببها مخالفة الرسول والخروج عن طاعته، وكل خير في العالم فإنما هو بسبب طاعة الرسول، وكذلك شرور الآخرة وآلامها وعذابها إنما هي موجبات مخالفة الرسول ومقتضياتها.
- كل من اتخذ خليلًا غير الرسول، يترك لأقواله وآرائه ما جاء به الرسول يتحسر يوم القيامة؛ قال تعالى: {ويوم يعضّ الظّالم على يديه يقول ياليتني اتّخذت مع الرّسول سبيلًا (27) ياويلتى ليتني لم أتّخذ فلانًا خليلًا (28) لقد أضلّني عن الذّكر بعد إذ جاءني وكان الشّيطان للإنسان خذولًا (29)}.
- المتخالّين على خلاف طاعة الرسول، مآل خلتهم إلى العداوة واللعنة؛ كما قال تعالى: {الأخلّاء يومئذٍ بعضهم لبعضٍ عدوٌّ إلّا المتّقين (67)}.

- نجاة العبد فى الدنيا والآخرة وتحقيق الكمال الإنساني، تنحصر فى أربعة أمور:
O اجتهاده في معرفة ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم – علمًا.
O والقيام بما علمه عملًا.
O دعوة الخلق إليه.
O صبره وجهاده على تلك الدّعوة.

الأتباع والمتبوعين يوم القيامة
الأتباع الأشقياء يوم القيامة:
o النوع الأول: أتباع اشتركوا فى الضلالة مع متبوعيهم؛ فهؤلاء كلاهما فى النار يتبرأ كل منمهم من الآخر؛ قال تعالي: {يوم تقلّب وجوههم في النّار يقولون ياليتنا أطعنا اللّه وأطعنا الرّسولا (66) وقالوا ربّنا إنّا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلّونا السّبيلا (67) ربّنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنًا كبيرًا (68)}.
O النوع الثاني: المتبوعون كانوا على الهدى، وأتباعهم ادّعوا أنهم على طريقتهم ومنهاجهم، وهم مخالفون لهم سالكون غير طريقهم، يزعمون أنّهم يحبونهم، وأن محبّتهم لهم تنفعهم مع مخالفتهم لهم، فيتبرءون منهم يوم القيامة، قال تعالي: {إذ تبرّأ الّذين اتّبعوا من الّذين اتّبعوا ورأوا العذاب وتقطّعت بهم الأسباب (166) وقال الّذين اتّبعوا لو أنّ لنا كرّةً فنتبرّأ منهم كما تبرّءوا منّا كذلك يريهم اللّه أعمالهم حسراتٍ عليهم وما هم بخارجين من النّار (167)}.

الأتباع السعداء يوم القيامة:

o النوع الأول: هم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكل من تبعهم بإحسان، وهذا يعمّ كل من اتبعهم بإحسان إلى يوم القيامة، وهم الذين قال الله -عز وجل- فيهم: {والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والّذين اتّبعوهم بإحسانٍ رضي اللّه عنهم ورضوا عنه}.
O النوع الثاني: فهم أتباع المؤمنين من ذريّتهم، الذين لم يثبت لهم حكم التكليف في دار الدنيا، وإنما هم مع آبائهم تبعٌ لهم، قال الله تعالى فيهم: {والّذين آمنوا واتّبعتهم ذرّيّتهم بإيمانٍ ألحقنا بهم ذرّيّتهم وما ألتناهم من عملهم من شيءٍ كلّ امرئٍ بما كسب رهينٌ (21)}.

أقسام الخلائق بالنسبة إلى دعوة النبي صلي الله عليه وسلم وما بعثه الله به من الهدى
شبّه - صلى الله عليه وسلم - العلم الذي جاء به بالغيث؛ لأن كلًّا منهما سبب الحياة، فالغيث سبب حياة الأبدان، والعلم سبب حياة القلوب.
وكما أن الأرضين ثلاثة بالنسبة إلى قبول الغيث فكذلك القلوب فى قبول العلم:
إحداها: أرضٌ زكيّةٌ قابلةٌ للشّرب والنبات؛ فهي مثل القلب الزّكي الذّكي؛ فهو قابلٌ للعلم، مثمرٌ لموجبه وفقهه وأسرار معادنه.
والثانية: أرضٌ صلبة قابلة لثبوت الماء فيها وحفظه، فهذه مثل القلب الحافظ للعلم، الذي يحفظه كما سمعه، ولا تصرّف له فيه ولا استنباط، وهو من القسم الذين قال فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، وربّ حامل فقه غير فقيه".
والأرض الثالثة: أرض قاعٌ؛ وهو المستوي الذي لا يقبل النبات، ولا يمسك ماءً، فهذه مثل القلب الذي لا يقبل العلم ولا الفقه والدراية فيه.
فالأول: عالمٌ معلّمٌ، داعٍ إلى الله على بصيرة، فهذا من ورثة الرّسل.
والثاني: حافظٌ مؤدٍّ لما سمعه، فهذا يحمل إلى غيره ما يتّجر به ويستثمر.
والثالث: لا هذا ولا هذا، فهو الذي لم يقبل هدى الله، ولا رفع به رأسًا.

زاد الهجرة إلى الله تعالي ورسوله وطريقه ومركبه
- زاد الهجرة إلى الله ورسوله: هو العلم الموروث عن خاتم الأنبياء - صلى الله عليه وسلم -، ولا زاد له سواه.
- وأما طريقه: فهو بذل الجهد, واستفراغ الوسع ، ولا سبيل لذلك إلا بالصبر.
- وأما مركبه: فصدق اللّجأ إلى الله, والانقطاع إليه بكلّيته, وتحقيق الافتقار إليه من كل وجه, والضراعة إليه, وصدق التوكل عليه، والاستعانة به.
ورأس مال الأمر وعموده في ذلك إنما هو دوام التفكر وتدبر آيات القرآن.


التقويم: ب+
أرجو مراجعة التعليقات أعلاه، وتجنب الكتابة باللون الأحمر حتى تتميز ملحوظات التصحيح.

أحسنت، بارك الله فيك ونفع بك.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 8 صفر 1444هـ/4-09-2022م, 06:59 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جٓنّات محمّد الطيِّب مشاهدة المشاركة
تلخيص مقاصد الرسالة التبوكية


للإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر المشهور بابن قيّم الجوزيةّ (ت 751ه)

المقصد الرئيسي:
الهجرة إلى الله ورسوله وأنّها من أعظم التعاون على البرّ والتقوى.

المقاصد الفرعية:
  • توطئة : البرّ والتقوى جماع الدين كلّه.
  • الهجرة إلى الله.
  • الهجرة إلى رسوله ﷺ.
  • معالم سفر الهجرة إلى الله ورسوله.
  • كلمة نصح لمن أراد اللحاق بركب المهاجرين إلى الله ورسوله.


1. توطئة: البرّ والتقوى جماع الدين كله
  • قال تعالى :{وَتَعَاوَنُوا۟ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُوا۟ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَ ٰنِۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} [المائدة 2]
    اشتملت الآية على مصالح العباد كلها في معاشهم ومعادهم؛ فواجب العبد تجاه ربّه طاعته وتجنب معصيته لنيل مرضاته وهي البرّ والتقوى، وواجبه تجاه الخلق التعاون على مرضاة الله ولا يٌنال إلا بالتعاون على البرّ والتقوى، فعاد الأمر كلّه إلى هذين الأصلين العظيمين.


    البر
  • البرّ كلمة لجميع أنواع الخير والكمال المطلوب من العبد، كما أنّ الإثم كلمة جامعة للشرّ والعيوب وفي حديث سمعان رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال [له]: ((جئت تسأل عن البرّ والإثم)) .والبرّ جامع لحقائق الدين وشرائعه، والأعمال المتعلقة بالجوارح وبالقلب، وأصول الإيمان؛ كما في قوله تعالى : {ليس البّر أن تولوا وجهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنّبيّين وآتى المال على حبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل والسّائلين وفي الرّقاب وأقام الصّلاة وآتى الزّكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصّابرين في البأساء والضّرّاء وحين البأس أولئك الّذين صدقوا وأولئك هم المتّقون}177 البقرة.
  • وهذه الخصال هي بعينها خصال التقوى حيث قال :{أولئك الّذين صدقوا وأولئك هم المتّقون}.

    التقوى.
  • وأمّا التقوى فحقيقتها العمل بطاعة الله إيمانا واحتسابًا، أمرًا ونهيًا فيفعل ما أمره الله به إيمانا بالأمر، وتصديقا بموعده، ويترك ما نهى الله عنه إيمانا بالنهي، وخوفا من وعيده.
  • وأحسن ما قيل في حدّ التقوى ما قاله طلق بن حبيب: «إذا وقعت الفتنة فادفعوها بالتقوى» ، قالوا: وما التقوى؟ قال: «أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله، تخاف عقاب الله».

    البر والتقوى إذا افترقا اجتمعا وإذا اجتمعا افترقا.
  • نفهم ممّا تقدمّ أنه عند افتراق البر والتقوى، يدخل البرّ فى مسمى التقوى والتقوى جزء منه، وأنّ خصاله هي عين خصالها.
  • وعند اقترانها كما في قوله تعالى: {وتعاونوا على البرّ والتّقوى} يكون الفرق بينهما فرق بين السّبب المقصود لغيره والغاية المقصودة لنفسها؛ فإن البرّ مطلوب لذاته، إذ هو كمال العبد وصلاحه، وأما التقوى فهي الوسيلة الموصلة إلى البرّ، ولفظها يدلّ على هذا.(وقى، يقي، وقاية ) ولتقريب المعنى: التقوى كالحمية، والبرّ كالعافية والصحة.

    الإثم والعدوان.
  • الإثم والعدوان في جانب النهي نظير البرّ والتّقوى في جانب الأمر.
  • الإثم ما كان حراما لجنسه كالخمر والزنا والسرقة، والعدوان: ما حرّم الزيادة في قدره، وتعدي ما أباح الله منه كنكاح الخامسة؛ وهو تعدّي حدود الله التي قال فيها: {تلك حدود اللّه فلا تقربوها} {ومن يتعدّ حدود اللّه فأولئك هم الظالمون } فنهى تعالى عن تعدي حدوده وعن قربانها ، باعتبار أنّ حدود الشيء تدخل فيه تارة ، وتارة لا تدخل.

    أعظم التعاون على البرّ والتّقوى
    التعاون على سفر الهجرة إلى الله ورسوله أعظمه ، فاجتماع الناس وتعاشرهم مقصوده التعاون على البر والتقوى علما وعملا؛ فإنّ العبد وحده لا يستقلّ بعلم ذلك ولا بالقدرة عليه؛ والسفر إلى الله تعالى هو أعظم البر والتقوى، فأصبح بذلك التعاون على سفر الهجرة إلى الله ورسوله ﷺ من أعظم البرّ وأفضل القربات.
[وبذلك تبينين أنه من الواجب بين العبد وبين الخلق، ثم تبينين السبيل لتحقيق ذلك وهو بعزل حظ النفس من الوسط؛ فيقوم بمعاونة إخوانه على البر والتقوى لمحض النصيحة والإحسان ورعاية الأمرلا لأجل حظ نفسه من ذلك].
2. الهجرة إلى الله تعالى.
  • الهجرة هجرتان :هجرة بالجسد من بلد إلى بلد ، وهجرة بالقلب إلى الله ورسوله وهي مراد الرب من عباده وهي الهجرة الحقيقية والأولى تابعة لها وإنّما شرعت لأجلها، لذا فهي فرض عين على كل عبد في كل زمان ومكان بعدد أنفاسه.
  • حقيقة هجرة القلب إلى الله تحقيق التوحيد وتخليصه بالفرار إليه: من محبة غيره إلى محبته ومن الخوف من غيره إلى الخوف منه وحده ومن رجاء غيره إلى رجائه وحده، وهكذا مع سائر العبادات القلبية ، فهي متضمنة لتوحيد الألوهية، وهو معنى قوله تعالى :{ففروا إلى الله}. وأما الفرار منه إليه؛ فهو متضمن لتوحيد الربوبية وإثبات القدر، فكل ما يقع في ملكه إنّما هو محض مشيئته، والفّارّ من محذور أيّا كان، إنّما يفرّ إلى الله من قدره ، كما في قوله ﷺ: ((لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك)).
  • الهجرة إلى الله مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله، لذا كثيرا ما يقترن ذكرها في القرآن بالإيمان لتلازمهما واقتضاء أحدهما للآخر فلا يكون القلب مهاجرا إلى الله على الحقيقة حتى يحقق النفي والإثبات في الشهادة، وهو معنى قوله ﷺ:((المهاجر من هجر ما نهى الله عنه))
  • وأصل الهجرة إلى الله الحب والبغض فهي تقوى وتضعف بحسب داعي المحبة والبغض في قلب المهاجر، وما غلب عليه: داعي الإيمان أو داعي نفسه وهواه وشيطانه.
  • البصير هو من اشتغل عمره كلّه بالهجرة القلبية إلى الله، وانشغاله عنها بما سواها إنّما هو انشغال عمّا خُلق له، والعارف هو من صرف علمه وإرادته لتحصيل هذه الهجرة
3. الهجرة إلى الرسول ﷺ
  • الهجرة إلى رسول الله ﷺ فرض على كل مسلم، وهي مقتضى شهادة أنّ محمدا رسول الله.
  • حدّها: سفر الفكر في كل مسألة من مسائل الإيمان، علما وعملا. وهي الهجرة إليه في حياته وهجرة إلى سنته بعد موته.
مقتضيات هذه الهجرة:
1. التصديق الجازم برسالته وأنّه لا سبيل إلى النجاة إلاّ من طريقه؛ فلا هدى إلا ما جاء به الوحي وصحّ عن الصادق المصدوق {وما ينطق عن الهوى إن هو إلّا وحيٌ يوحى}، وماعدا ذلك فمحلّ تهمة وطريق ضلال.


2. المحبة التّامّة وأولويّته في قلب المهاجر إليه وهي مقياس إيمانه، كما في قوله تعالى:{النّبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم} ومقتضاها: [*] أن يكون أحبّ إليه من نفسه؛ لأن الأولوية أصلها الحب، وبذلك يحصل له اسم الإيمان. [*] أن لا يكون للعبد حكمٌ على نفسه أصلًا، بل الحكم على نفسه للرسول ﷺ ؛ حكم السيد على عبده، والوالد على ولده. فلا بدّ له من تحكيم أمره في جميع موارد النزاع والانشراح به والخضوع والانقياد لما حكم به مع التسليم التامّ ليسلم له إيمانه، كما في قوله تعالى: {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجًا ممّا قضيت ويسلّموا تسليمًا(65)} النساء.
فائدة:
تنوع التوكيد في أية النساء :{فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك} لتقوية القسم ووتقرير شدّة الحاجة لهذا الأمر في النفوس وأنّه أمر العظيم: فصدّر القسم ب (لا) النافية ،وأكدّه بنفس القسم و بالمقسم به و بانتفاء الحرج، ووجود التسليم ثمّ أكّدّ الفعل بالمصدر.


3. طاعة الرسول ﷺ ، وتحتها عدّة مسائل منها:
  • أنّ طاعة الرسول ﷺ شرط لحصول الهداية وتنتفي بانتفائه، قال تعالى: {قل أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول فإن تولّوا فإنّما عليه ما حمّل وعليكم ما حمّلتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرّسول إلّا البلاغ المبين(54)} النور.
  • طاعة الرسول ﷺ طاعة لله، وهي واجبة مفردة ومقرونة، قال تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول}، فأمر سبحانه بطاعته وطاعة رسوله، وقال: {وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم} لدفع وهم من قد يتوهم أنّ طاعة الرسول ﷺ لا تلزم إلا فيما ذكر في القرآن. كما في قوله ﷺ :(( يوشك رجلٌ شبعان متكئٌ على أريكته يأتيه الأمر من أمري؛ فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، ما وجدنا فيه من شيء اتبعناه، ألا وإنّي أوتيت الكتاب ومثله معه)).
  • طاعة أولي الأمر تندرج تحت طاعة الرسول ﷺ وليست طاعة مستقلة ؛ وقد صح عن النبي ﷺ أنه قال: (( على المرء السّمع والطاعة فيما أحبّ وكره ما لم يؤمر بمعصية الله، فإن أمر بمعصية الله، فلا سمع ولا طاعة)).وأولي الأمر هم الأمراء أو العلماء في روايتين عن أحمد، والصحيح أنها متناولة للصنفين.
  • طاعة الله ورسوله، وتحكيم الله ورسوله، هو سبب السعادة عاجلًا وآجلًا، فطاعته هي الحصن الحصين الذي من دخله كان من الآمنين ؛ الأمنين الحسي والمعنوي.
مسائل مهمّة حول المتابعة:
  • قال تعالى :{اتّبعوا ما أنزل إليكم من ربّكم ولا تتّبعوا من دونه أولياء قليلًا ما تذكّرون}؛ فأمر سبحانه باتباع ماأنزل على رسوله، ونهى عن اتباع غيره؛ فكل من لم يتّبع الوحي فإنما اتبع الباطل واتبع أولياء من دون الله، ولو زعم غير ذلك.
  • كمال المتابعة يقتضي القيام بالقسط والشهادة به لله : قال تعالى: {ياأيّها الّذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء للّه ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيًّا أو فقيرًا فاللّه أولى بهما فلا تتّبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإنّ اللّه كان بما تعملون خبيرًا(135)}؛ فمن قام بالقسط وشهد به لله خاصة فيما يتعلق بالأقوال والآراء والمذاهب عُصم من اتباع الهوى وحصل له مسمى الإيمان، إذ أنّ الهوى هو الحامل على ترك العدل أو كتمان الحق مع المخالف أو الصديق ، ليّا أو إعراضاً.
  • تخليص المتابعة يكون باتباع ما كان عليه الصحابة في تحقيق الإيمان الكامل ويتحقق بأمور أربعة :
    العلم بما جاء به الرسول ﷺ ، العمل به، بثّه في الناس، ودعوتهم إليه، صبره وجهاده في أدائه وتنفيذه. وهذا عين الهجرة إلى سنة الرسول ﷺ. [كان من الممكن تصنيف جميع هذه المسائل تحت (مقتضيات الهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) فالمتابعة ومثلها الطاعة داخلتان تحتها، وراجعي تلخيص الأخ عبد الرحمن لهذه المسألة فقد أحسن فيها]
أصناف الناس من حيث المتابعة:
أ. المخالفون:
  1. الأتباع والمتبوعين المشتركين في الضلالةـ. كما في قوله تعالى : {فمن أظلم ممّن افترى على اللّه كذبًا أو كذّب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب} إلى أن قال:{ قال لكلٍّ ضعفٌ ولكن لا تعلمون} فمنشئ الضلالة الصادّ عن الحق والمعرض عنه كلاهما في العذاب كل بحسب مخالفته للحق.
  2. الأتباع المخالفون لمتبوعيهم. المذكورون في قوله تعالى: {إذ تبرّأ الّذين اتّبعوا من الّذين اتّبعوا ورأوا العذاب وتقطّعت بهم الأسباب} ولا يبقى إلاّ السبب الواصل بين العبد وبين ربه، وهو حظه من الهجرة إليه وإلى رسوله، وتجريد عبادته وحده، ولوازمها من الحبّ والبغض، والعطاء والمنع، والموالاة والمعاداة، وتجريد متابعة رسوله وترك أقوال غيره لقوله، وترك كل ما خالف ما جاء به، والإعراض عنه فضلًا عن تقديم قول غيره عليه.
ب.الأتباع السعداء:
  1. السّابقون الأوّلون وتابعوهم بإحسان وهم الذين قال الله تعالى فيهم: {والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والّذين اتّبعوهم بإحسانٍ رضي اللّه عنهم ورضوا عنه} استحقوا هذا الجزاء لأنّ تبعيتهم مصاحبة للإحسان لا لمجرد النسبة والدعاوى. فالأولون هم الذين أدركوا رسول الله ﷺ وصحبوه، والآخرون هم كل من بعدهم على منهاجهم إلى يوم القيامة ،سواء كان معنى التّأخّر وعدم اللّحاق بهم في الزمان أو المرتية والفضل.
  2. أتباع المؤمنين من ذريّتهم : الذين لم يثبت لهم حكم التكليف في الدنيا، وإنما هم مع آبائهم تبعٌ لهم، قال الله تعالى فيهم: {والّذين آمنوا واتّبعتهم ذرّيّتهم بإيمانٍ ألحقنا بهم ذرّيّتهم وما ألتناهم من عملهم من شيءٍ كلّ امرئٍ بما كسب رهينٌ}
ج. المعرضون بالكلية.
كل من لم يقبل هدى الله الذي بعث به رسوله، ولم يرفع به رأسًا، فهو داخل في هذا الصنف
وقد قسمّ النبي ﷺ الناس بالنسبة إلى دعوته إلى ثلاثة أقسام في قوله ﷺ : ((مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم: كمثل غيثٍ أصاب أرضًا؛ فكانت منها طائفةٌ طبّبةٌ قبلت الماء؛ فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء؛ فسقى الناس وزرعوا، وأصاب طائفة أخرى إنما هي قيعانٌ لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا, ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به)) ؛
  • فعالمٌ معلّمٌ، داعٍ إلى الله على بصيرة.
  • وحافظٌ مؤدٍّ لما سمعه، فينتفع بحمله و تأديته لمن هو أعلم منه.
  • ثمّ الذي لم يقبل هدى الله، ولا رفع به رأسًا.
4 معالم سفر الهجرة إلى الله ورسوله: زاده، طريقه ، مركبه ورأس ماله.
  • زاده العلم الموروث عن خاتم الأنبياء ﷺ ولا يحل محله زاد بحال، لا عقل فلان ورأي علاّن. وهذا الزاد هو الوحي: القرآن والسنّة الصحيحة، كما في قوله ﷺ :(( يوشك رجلٌ شبعان متكئٌ على أريكته يأتيه الأمر من أمري؛ فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، ما وجدنا فيه من شيء اتبعناه، ألا وإنّي أوتيت الكتاب ومثله معه)).
  • طريقه: بذل الجهد, واستفراغ الوسع لأنّ التعاون على سفر الهجرة إلى الله ورسوله يحتاج إلى أن تفنى فيه الأعمار، وتبذل لأجله الأنفاس باليد واللسان والقلب، مساعدةً، ونصيحةً، وتعليمًا، وإرشادًا، ومودةً، ولا سبيل لذلك إلاّ بالصبر، فبه تهون النفس في سبيل الحق ، وتمضي قدما ، لا تخشى فيه لومة لائم.
  • مركبه: صدق اللّجأ إلى الله, والانقطاع إليه بكلّيته, وتحقيق الافتقار إليه من كل وجه... فلا سبيل لنيل ما عند الله من الهداية والرشاد والثبات إلا بإظهار الضعف والعجز ولزوم بابه، وبهذا يتميز الطيّب من الخبيث والصادق من صاحب الدعاوى.
  • رأس مال الأمر وعموده دوام التفكر وتدبر آيات القرآن ، حتى تستولي معانيه على القلب وتحل محل الخواطر منه؛ فيصبح القرآن مرشده ومفزعه وخلقه وصاحبه الذي لا يأنس إلا به.
  • ومن كان هذا حاله فتح الله عليه فتوح العارفين في فهم معانيه وتدبرها وانتفع به أيّما انتفاع. وتفاوت الأفهام في معرفة القرآن عائد إلى مدى الإقبال عليه والاستهداء والاستبشار به وتثوير تربته لجنيِ ثماره، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء.

5. كلمة نصح لمن أراد اللحاق بركب المهاجرين إلى الله ورسوله والثبات عليه.
  • مهما قطع المهاجر إلى الله من أشواط في سفره أو تعثر وزلت قدمه وجب عليه أن يحسن الظنّ بربه وأن يتبرأ من حوله وقوته، فالأمر كلّه لله من قبل ومن بعد {وما توفيقي إلاّ بالله} ويلخص هذا كلّه كلمتان كان السلف يتواصون بها في الحضر والسفر : ((من أصلح سريرته أصلح الله علانيته، ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن عمل لآخرته كفاه الله مؤونة دنياه))
  • غربة المهاجر مستحكمة في كل زمن، فمن توهم أن طريق الهجرة معبد لا عقبة فيه فقد أبعد. فالمهاجر إلى الله ورسوله محكوم عليه أن يعيش غريبا في أوطانه، مستهجن بين أقرانه. ولعله يجد أنسه مع الأموات ممن سبقوه على الطريق أكثر مما يجده مع الأحياء، والحيّ لا تؤمن عليه الفتنة ، وطوبى للغرباء.
  • استشعار غربة الطريق وندرة المؤنسين فيه تورث الهمة العالية في التعاون على البرّ والتقوى والإعراض عن قطاع الطرق من نفس وهوى وشيطان الإنس والجنّ.
  • مقتضى هذه المعاونة : حسن المعاشرة مع الخلق، وأداء حقّ الله فيهم، والسلامة من شرهم وقد جمعت هذه المعاني كلها في قوله تعالى :{خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} ويرقى لهذه المعاني من كانت له عينان : عين بها يمشي فيهم بأمر الله ونهيه، ويؤدي حقوقهم ويستوفيها، وعين بها يرحمهم ويستغفر لهم ويلتمس لهم بها المعاذير والموفق من وفقه الله.

التقويم: ب+

أحسنتِ، بارك الله فيك ونفع بكِ.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الأول, التطبيق


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:03 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir