تطبيق علي الأسلوب المقاصدي
قوله تعالي (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)
في هذه الآية الكريمة بيان لعدة مقاصد من مقاصد الشريعة الإسلامية بيانها كالتالي:
1- بيان أمر الله وأنه نوعان أمر كوني قدري وأمر شرعي, و الفارق بينهما أن الأمر الكوني القدري لابد أن يتحقق ويقع وأنه يشترك فيه المسلم والكافر والبر والفاجر مثل, الأمر بدلوك الشمس وحركة الكواكب كقوله تعالي (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [النحل:40]، وقال تعالى: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} القمر50. أما الأمر الشرعي فقد يقع وقد لا يقع وهو يتعلق بالأوامر الشرعية كالتوحيد والصلاة والزكاة وبر الوالدين كقوله تعالي (أقم الصلاة لدلوك الشمس) , ( وقضي ربك الأ تعبدوا إلا الله) الإسراء. والأمر الكوني والأمرالشرعي بينهما تقاطع في حق المسلم المطيع إذ يتحقق الأمران الكوني والشرعي وبينهما إنفصال في حق الكافر والفاجر فإنهما مطالبان شرعاً بالأوامر الشرعية لكنهما لا يقومان بهما ويتحقق فيهما الأمر الكوني الذي قدره الله بعصيانهما.
2- أن من مقاصد الشريعة الإسلامية إفراد الله بالعبادة وهذا يتضح من قوله تعالي ((وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) وأن هذا الأمر دعا إليه كل رسول أرسل إلي قومه حيث أمرهم بإفراد الله بالعبادة كما قال تعالي ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت).
3- المقصود من العبادة كما عرفه شيخ الإسلام ابن تيمية ( كل ما يحبه الله من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة) أي يشمل الدين كله كما قال عز وجل علي لسان إبراهيم عليه السلام ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين), فالدين والعبادة يشملان كل مناحي الحياة, وهذا كم كمال وتمام الشريعة الإسلامية حيث انها جاءت لتشمل جميع مناحي الحياة من عبادات ومعاملات وحدود وأخلاق وآداب.
4- أن العبادة لكي تقبل لابد من تحقق شرطين وهما الإخلاص والمتابعة, والإخلاص هو إفراد الله بالعبادة بعدم صرفها لغير الله أو مشاركة غير الله في العبادة, فلقد عاب الله علي المشركين لما اتخذوا أولياء ليقربوهم إلي الله زلفي كما في قوله تعالي (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلي الله زلفي) الزمر وأن من أشرك مع الله شيئاً تركه الله وشريكه كما في الحديث القدسي ( أنا أغني الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه غيري تركته وشركه) والمعني أن الله لا يقبل هذا العمل بل هو حابط مردود علي صاحبه وأن صاحبه قد ارتكب أعظم الكبائر وهي الإشراك بالله لما صرف العبادة لغير الله. وأما شرط متابعة النبي صلي الله عليه وسلم وإن كان غير منصوص عليه في الآية ولكنه متضمن الأمر بعبادة الله لأن النبي صلي الله عليه وسلم هو المبلغ عن الرب عز وجل فطاعته واجبة لازمة لمن كان يعبد الله بحق
5- الأمر بالحنيفية وهي من مقاصد الشريعة والمراد منها الميل إلي الله والإنحراف عن غيره كما قال عز وجل عن إبراهيم عليه السلام ( إن إبراهيم كان أمة قانتاُ لله حنيفاً ولم يك من المشركين) فالحنيف المائل إلي الله المعرض عن غيره من الآلهة الباطلة أو العقائد الزائفة والأراء والأهواء الضالة, فهو يقدم رضا الله علي رضي كل أحد سوي الله وهذا مصداق قول النبي صلي الله عليه وسلم (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار).
6- أن الأعمال داخلة في مسمي الإيمان وأن الإيمان الخالي عن العمل إيمان ناقص يعرض صاحبه للعقوبة لذا قال تعالي ( ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة). فالدين الإسلامي لم يأت بعقائد فقط وأقوال او أعمال منفصلة بل الدين يشمل العقائد والأقوال والأعمال وأنها كلها داخلة في مسمي الإيمان ولا يكمل إيمان عبد حتي يستوفي العقائد والأقوال والأعمال, وبقدر ما يؤديه العبد منها يكون إيمانه ومنزلته عند الله عز وجل كما قال تعالي ( كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الماضية)
7- أن الدين القيم يشمل كل ما تقدم وأن هذا هو الدين المذكور في الكتب السماوية الثلاثة وأن من أمتثل إخلاص الله بالعبادة وأقام الصلاة وآتي الزكاة فقد سلك الطريق المستقيم الموصل إلي رضا الله عز وجل.