دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > الرحبية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11 ذو القعدة 1429هـ/9-11-2008م, 05:05 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي باب التعصيب

باب التَّعْصيبِ

وحُقَّ أنْ نَشْرَعَ فِي التَّعْصِيبِ = بِكُلِّ قَوْلٍ مُوجَزٍ مُصِيبِ
فَكُلُّ مَنْ أحْرَزَ كُلَّ الْمَالِ = مِنَ الْقَرَاباتِ أوِ الْمَوَالِي
أوْ كانَ ما يَفْضُلُ بَعْدَ الفَرْضِ لَهْ = فَهْوَ أَخُو العُصُوبَةِ الْمُفَضَّلَه
كالأَبِ والْجَدِّ وَجَدِّ الْجَدِّ = والابْنِ عِنْدَ قُرْبِهِ والْبُعْدِ
والأَخِ وَابْنِ الأَخِ والأَعْمَامِ = والسَّيِّدِ الْمُعْتِقِ ذِي الإنْعامِ
وهَكَذا بَنُوهُمُ جَمِيعَا = فكُنْ لِما أَذْكُرُهُ سَمِيعا
ومَا لِذِي البُعْدَى مَعَ القَرِيبِ = فِي الإرْثِ مِنْ حَظٍّ وَلا نَصِيبِ
والأخُ والعَمُّ لأُمٍّ وَأبِ = أوْلى مِنَ الْمُدْلِي بِشَطْرِ النَّسَبِ
والابْنُ والأَخُ مَعَ الإِنَاثِ = يُعَصِّبَانِهِنَّ فِي الْمِيراثِ
والأَخَواتُ إنْ تَكُنْ بَنَاتُ = فَهُنَّ مَعْهُنَّ مُعَصَّباتُ
وَلَيْسَ فِي النِّساءِ طُرًّا عَصَبَهْ = إلاّ الَّتِي مَنَّتْ بِعِتْقِ الرَّقَبَهْ


  #2  
قديم 3 ذو الحجة 1429هـ/1-12-2008م, 01:24 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الفوائد الشنشورية للشيخ: عبد الله الشنشوري الشافعي


ولمَّا أنْهَى الكلامَ على الفروضِ ومُسْتَحِقِّيها شرعَ في العَصَبَاتِ فقالَ:
(بابُ التَّعْصِيبِ)
بابُ التعصيبِ، مصدرُ عَصَّبَ يُعَصِّبُ تَعْصِيباً فهوَ عَاصِبٌ، ويُجْمَعُ العاصبُ على عَصَبَةٍ، ويُجْمَعُ العَصَبَةُ على عَصَبَاتٍ، ويُسَمَّى بالعصبةِ الواحدُ وغيرُهُ، والعصبةُ لُغَةً: قَرَابَةُ الرجلِ لأَبِيهِ، سُمُّوا بها؛ لأنَّهُم عَصَبُوا بهِ؛ أيْ: أَحَاطُوا بهِ، وكلُّ ما استدارَ حولَ شيءٍ فقدْ عَصَبَ بهِ، ومنهُ العَصَائِبُ؛ أي: العمائمُ.
وقيلَ: سُمُّوا بها لِتَقَوِّي بعْضِهم ببعضٍ، من العَصَبِ وهوَ الشَّدُّ والمنعُ، يُقَالُ: عَصَبْتُ الشيءَ عَصَباً شَدَدْتُهُ، والرأسَ بالعمامةِ شَدَدْتُهَا، ومنهُ العِصَابَةُ يُشَدُّ الرأسُ بها. وقيلَ غيرُ ذلكَ. ومدارُ هذهِ المَادَّةِ على الشدِّ والقُوَّةِ والإحاطةِ.
والعَصَبَةُ اصطلاحاً ما سيأتي في قولِهِ:
وَحُقَّ أَنْ نَشْرَعَ في التَّعْصِيبِ = بكُلِّ قولٍ مُوجَزٍ مُصِيبِ
(وحُقَّ أنْ نشرعَ في التعصيبِ) إلى آخرِهِ؛ أيْ: في الإرثِ بهِ (بكلِّ قولٍ مُوجَزٍ) مختصرٍ (مُصِيبٍ) ليسَ بخطأٍ.
فَكُلُّ مَنْ أَحْرَزَ كُلَّ المالِ = مِنَ القَرَابَاتِ أوِ المَوَالِي
(فكُلُّ مَنْ أَحْرَزَ كُلَّ المالِ) عندَ الانفرادِ (من القراباتِ) جمعُ قَرَابَةٍ؛ أي: الأقاربِ، (أو المَوَالِي) من المُعْتَقِينَ وعَصَبَتِهم إِجْمَاعاً؛ لقولِهِ تعالى: {وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ}، وغيرُ الأخِ كالأخِ.
أَوْ كانَ ما يَفْضُلُ بعدَ الفَرْضِ لهْ = فَهْوَ أَخُو العُصُوبَةِ المُفَضَّلَهْ
(أوْ كانَ ما يَفْضُلُ بعدَ الفرْضِ) الشاملِ للواحدِ وما زادَ (لَهُ) إِجماعاً؛ لقولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ((أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ))، (فَهْوَ أخو العُصُوبَةِ) بالنفسِ (المُفَضَّلَةِ) على غَيْرِها منْ أنواعِ العصوبةِ، وعلى الفرضِ كما اخْتَرْتُهُ في (شرحِ الترتيبِ).
وهذا تعريفٌ للعاصبِ بالحُكْمِ، والتعريفُ بالحُكْمِ دَوْرِيٌّ كما هوَ معلومٌ عندَ العقلاءِ.
وأحكامُ العاصبِ بنفسِهِ ثلاثةٌ، ذكرَ منها اثنيْنِ، وتركَ الثالثَ، وهوَ أنَّهُ إذا اسْتَغْرَقَت الفروضُ التركةَ سقطَ إلاَّ الإخوةَ الأشِقَّاءَ في المُشَرَّكَةِ، وإلاَّ الأختَ في الأَكْدَرِيَّةِ، وَسَيَأْتِيَانِ. وإنَّما تركَ المُصَنِّفُ هذا الثالثَ للعِلْمِ بهِ من الثاني. والعاصبُ بغَيْرِهِ ومعَ غَيْرِهِ كالعاصبِ بالنفسِ في هذهِ الأحكامِ إلاَّ الحكمَ الأَوَّلَ.
ثمَّ بعدَ تعريفِ العاصبِ بهذا التعريفِ المُقَدَّمِ شَرَعَ في عَدِّهِم، وهمْ خمسةَ عشرَ. ولمَّا لمْ يَسْتَوْفِ عِدَّتَهُم أَتَى بكافِ التمثيلِ فقالَ:
كالأبِ والجدِّ وجدِّ الجدِّ = والابْنِ عندَ قُرْبِهِ والبُعْدِ
(كالأبِ والجَدِّ) أَبِي الأبِ وجدِّ الأبِ (وجدِّ الجَدِّ) وإنْ علا (والابنِ عندَ قُرْبِهِ)، وهوَ ولدُ الصُّلْبِ، (والبُعْدِ) وهوَ ابنُ الابنِ وإنْ سَفَلَ بمحضِ الذكورِ، كما تَقَدَّمَ.
والأخِ وابنِ الأخِ والأعمامِ = والسَّيِّدِ المُعْتِقِ ذِي الإِنْعَامِ
(والأَخِ) لأبَوَيْنِ، أوْ لأبٍ لا لأُمٍّ، بدليلِ ما سبقَ في الفروضِ، (وابنِ الأَخِ) لأَبَوَيْنِ، أوْ لأبٍ لا لأُمٍّ، بدليلِ ما سبقَ في المُجْتَمَعِ على إِرْثِهِم من الرجالِ، (والأعمامِ) لأبوَيْنِ أوْ لأبٍ لا لأُمٍّ، بدليلِ ما سبقَ أيضاً، وكأعمامِ الميِّتِ أعمامِ أَبِيهِ وأعمامِ جَدِّهِ وهكذا، (والسَّيِّدِ المُعْتِقِ ذي الإِنْعَامِ) بالعِتْقِ ذكراً كانَ أوْ أُنْثَى.
وهكذا بَنُوهُمُ جَمِيعَا = فَكُنْ لِمَا أَذْكُرُهُ سَمِيعَا
(وهكذا بَنُوهُم جميعاً)؛ أيْ: بَنُو الأعمامِ، وبَنُو المُعْتِقِينَ وإنْ نَزَلُوا بمحضِ الذكورِ. قالَ الشيخُ بدرُ الدِّينِ سَبْطُ المَارِدِينِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ في شرحِ الكتابِ: "وفيهِ نوعُ قُصُورٍ؛ حيثُ اقتصرَ على ابنِ المُعْتِقِ، وسَكَتَ عنْ باقي عَصَبَتِهِ المُتَعَصِّبِينَ بأَنْفُسِهِم"، انتهى.
ويُمْكِنُ الجوابُ عنهُ بأنَّهُم دَخَلُوا في قولِهِ سابقاً: (أَو الموَالِي).
ولمْ يَذْكُر المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ بيتَ المالِ كما لمْ يَذْكُرْهُ سابقاً في الأسبابِ.
فائدةٌ: قالَ البَيْضَاوِيُّ في تفسيرِ قَوْلِهِ تعالَى: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً}: " (جَمِيعاً) حالٌ في اللفظِ، تأكيدٌ في المعنى، كأنَّهُ قالَ: اهبِطُوا أَنْتُمْ أجمعونَ؛ ولذلكَ لا يَسْتَدْعِي اجْتَماعَهُم على الهبوطِ في زمانٍ واحدٍ، كقَوْلِكَ: جَاءُوا جميعاً"، انتهى. فكذا هنا كأنَّهُ قيلَ: بَنُوهُم أجمعونَ، ولا يَسْتَدْعِي أنْ يكونَ المرادُ مُجْتَمِعِينَ. وهوَ حالٌ من المضافِ، وهوَ بَنُوهُم، واللَّهُ أَعْلَمُ.
وقولُهُ: (فَكُنْ لِمَا أَذْكُرُهُ)؛ أيْ: من الأحكامِ، (سَمِيعَا)؛ أيْ: سامعاً سَمْعَ تَفَهُّمٍ وإذعانٍ.
ثمَّ اعْلَمْ أنَّهُ إذا اجتمعَ عَاصِبَانِ فأكثرُ فتارةً يستَوِيَانِ أوْ يَسْتَوُونَ في الجهةِ والدرجةِ والقُوَّةِ، فيشتركانِ أوْ يشتركونَ في المالِ أوْ ما أَبْقَت الفروضُ، وتارةً يختلفونَ في شيءٍ منْ ذلكَ فيَحْجُبُ بعْضُهم بعضاً، وذلكَ مَبْنِيٌّ على قاعدةٍ ذَكَرَهَا الجَعْبَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ في بيتٍ واحدٍ حيثُ قالَ:
فَبالجِهَةِ التقديمُ ثمَّ بِقُرْبِهِ = وبَعْدَهُمَا التقديمُ بالقُوَّةِ اجْعَلا
وذكرَ المُصَنِّفُ بعْضَها بقولِهِ:
فبالجِهَةِ لِذِي البُعْدَى معَ القريبِ = في الإرثِ مِنْ حظٍّ ولا نصيبِ
(وما لِذِي) الدرجةِ (البُعْدَى)، وإنْ كانَ قَوِيًّا، (مَعَ) الوارثِ (القريبِ) إذا كانَ منْ جهةٍ واحدةٍ (في الإرثِ منْ حظٍّ ولا نصيبٍ)؛ لِحَجْبِهِ بالأقربِ منهُ درجةً، وإنْ كانَ ضعيفاً، كابنِ أخٍ لأبٍ وابنِ ابنِ أخٍ شقيقٍ، فلا شيءَ للثاني معَ الأوَّلِ إجماعاً؛ لكَوْنِهِ أبعدَ منهُ درجةً، وإنْ كانَ أَقْوَى من الأوَّلِ.
وكابنٍ وابنِ ابنٍ وإنْ لمْ يُدْلِ بهِ، وكأبٍ وجدٍّ، وكابنِ أخٍ شقيقٍ وابنِ أخٍ شقيقٍ أوْ لأَبٍ، وكعمٍّ شقيقٍ أوْ لأبٍ وابنِ عمٍّ شقيقٍ أوْ لأبٍ، فلا شيءَ للثاني معَ الأوَّلِ في جميعِ هذهِ الصورِ؛ لِبُعْدِهِ.
فائدةٌ: (ما) هذهِ حِجَازِيَّةٌ، و(لِذِي البُعْدَى) خَبَرُها مُقَدَّمٌ، وجازَ تقدِيمُهُ لكَوْنِهِ جَارًّا وَمَجْرُوراً. و(منْ حَظٍّ) اسْمُها مُؤَخَّرٌ، وهوَ مجرورٌ بمِن الزائدةِ لتنصيصِ العمومِ، وسَوَّغَ زِيَادَتَهَا سَبْقُ النفيِ وكونُ مجرُورِها نكرةً. ولا يَخْفَى ما في عَطْفِ النصيبِ على الحظِّ من التأكيدِ؛ فإنَّهُما بمعنًى واحدٍ. قالَ القُرْطُبِيُّ في (مُخْتَصَرِ الصِّحَاحِ): النصيبُ الحظُّ من الشيءِ، واللَّهُ أَعْلَمُ.
والأخُ والعمُّ لأُمٍّ وأَبِ = أَوْلَى منَ المُدْلِي بِشَطْرِ النَّسَبِ
(والأخُ) لأُمٍّ وأَبٍ، (والعمُّ لأُمٍّ وأَبٍ)، وابنُ الأخِ لأُمٍّ وأبٍ، وابنُ العمِّ لأُمٍّ وأبٍ (أَوْلَى من المُدْلِي بشطرِ النسَبِ) وهوَ الأخُ للأبِ في الأُولَى، والعمُّ للأبِ في الثانيَةِ، وابنُ الأخِ للأبِ في الثالثةِ، وابنُ العمِّ للأبِ في الرابعةِ، فيحْجُبُهُ في جميعِها؛ لأنَّهُ أَقْوَى منهُ. لا يُقَالُ: ظاهرُ عِبَارَتِهِ يقتضي حَجْبَ الأخِ للأُمِّ بالأخِ الشقيقِ، فإنَّهُ مُدْلٍ بشطرِ النَّسَبِ؛ لأنَّا نقولُ: كَلامُهُ في المُدْلِي بشطرِ النسبِ من العَصَبَاتِ، وهوَ الأخُ للأبِ. وأمَّا الأخُ للأُمِّ فليسَ من العَصَبَاتِ.
تنبيهانِ:
الأوَّلُ: قدْ ذَكَرْتُ ما ذَكَرَهُ المُصَنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ بعضَ+ القاعدةِ التي ذَكَرَهَا الجَعْبَرِيُّ وغَيْرُهُ. واعْلَمْ قبلَ إيضاحِ ذلكَ أنَّ جِهَاتِ العُصُوبةِ عندَنا سَبْعٌ:
البُنُوَّةُ، ثمَّ الأُبُوَّةُ، ثمَّ الجُدُودَةُ والأُخُوَّةُ، ثمَّ بَنُو الأُخُوَّةِ، ثمَّ العُمُومَةُ، ثمَّ الوَلاءُ، بيتُ المالِ.
إذا عَلِمْتَ ذلكَ، فإذا اجتمعَ عاصبانِ فَمَنْ كانتْ جِهَتُهُ مُقَدَّمَةً فهوَ مُقَدَّمٌ -وإنْ بَعُدَ- على مَنْ كانتْ جِهَتُهُ مُؤَخَّرَةً، فابنُ ابنِ ابنِ أخٍ شقيقٍ أوْ لأبٍ مُقَدَّمٌ على العمِّ، وذلكَ معنى قولِ الجَعْبَرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فَبِالْجِهَةِ التقديمُ)، فإن اتَّحَدَتْ جِهَتُهُما معنًى فالقريبُ درجةً وإنْ كانَ ضعيفاً مُقَدَّمٌ على البعيدِ وإنْ كانَ قَوِيًّا، كما مَثَّلْتُهُ آنفاً.
وذلكَ معنى قولِ الجَعْبَرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ: (ثُمَّ بقُرْبِهِ). فإن اتَّحَدَتْ دَرَجَتُهُما أيضاً فالقويُّ وهوَ ذُو القَرَابَتَيْنِ مُقَدَّمٌ على الضعيفِ وهوَ ذُو القرابةِ الواحدةِ كما سبقَ تَمْثِيلُهُ قريباً، وذلكَ معنى قولِ الجعبريِّ رَحِمَهُ اللَّهُ: (وبَعْدَهُما التَّقْدِيمُ بالقُوَّةِ اجْعَلا).
التنبيهُ الثاني: هذهِ القاعدةُ كما هيَ في العصباتِ قدْ تأتي في أصحابِ الفروضِ، وفي أصحابِ الفروضِ معَ العصباتِ، وعَلَيْهَا معَ قاعدةٍ أُخْرَى -وهيَ: أنَّ كُلَّ مَنْ أَدْلَى بواسطةٍ حَجَبَتْهُ تلكَ الواسطةُ إلاَّ وَلَدَ الأُمِّ- ينبني بابُ الحَجْبِ، واللَّهُ أَعْلَمُ.
ولمَّا أنْهَى الكلامَ على القِسْمِ الأوَّلِ من العصبةِ، وهوَ العصبةُ بنَفْسِهِ، شرعَ في القسمِ الثاني، وهوَ العصبةُ بغَيْرِهِ، فقالَ:
والابنُ والأخُ معَ الإناثِ = يُعَصِّبَانِهِنَّ في الميراثِ
(والابْنُ) ومِثْلُهُ ابنُ الابنِ (والأخُ) شقيقاً كانَ أوْ لأبٍ (معَ الإناثِ) الواحدةِ فأكثرَ، أو المُسَاوِيَاتِ للذَّكَرِ في الدرجةِ والقُوَّةِ (يُعَصِّبَانِهِنَّ في الميراثِ)، فتكونُ الأُنْثَى منهنَّ معَ الذَّكَرِ المُسَاوِي لها عصبةً بالغيرِ. فالعصبةُ بغَيْرِهِ أَربعٌ:
البنتُ، وبنتُ الابنِ، والأختُ الشقيقةُ، والأختُ للأبِ. كُلُّ واحدةٍ منهنَّ معَ أَخِيها، وتزيدُ بنتُ الابنِ عليهنَّ بأنَّهُ يُعَصِّبُهَا ابنُ ابنٍ في دَرَجَتِها مُطْلقاً، ويُعَصِّبُها ابنُ ابنٍ أَنْزَلَ منها إذا لمْ يَكُنْ لها شَيْءٌ في الثُّلُثَيْنِ منْ نِصْفٍ، أوْ سُدُسٍ، أوْ مُشَارَكَةٍ فيهِ أوْ في الثُّلُثَيْنِ.
وتزيدُ الأُخْتُ شقيقةً كانَتْ أوْ لأبٍ بأنَّهُ يُعَصِّبُهَا الجدُّ، كما سيأتي في بابِ الجدِّ والإخوةِ أَمْثِلَةُ بنتٍ فأكثرَ معَ ابنٍ فأكثرَ المالُ بَيْنَهُما، أوْ بَيْنَهُم للذَّكَرِ مثلُ حظِّ الأُنْثَيَيْنِ.
مثلُ ذلكَ: بنتُ ابنٍ معَ ابنِ ابنٍ، سَوَاءٌ كانَ أَخَاها أو ابنَ عَمِّها، وأُخْتٌ شقيقةٌ معَ أخٍ شقيقٍ، وأختٌ لأبٍ معَ أخٍ لأبٍ فأكثرُ في الجميعِ.
بنتٌ، وبنتُ ابنٍ وابنُ ابنٍ في دَرَجَتِهَا، سواءٌ كانَ أَخَاهَا أو ابنَ عَمِّها: للبنتِ النصفُ، ولبنتِ الابنِ معَ ابنِ الابنِ الباقي، للذَّكَرِ مثلُ حظِّ الأُنْثَيَيْنِ.
بنتُ ابنٍ، وابنُ ابنِ ابنٍ أَنْزَلُ منها: لها النصفُ، والباقي لهُ، فلا يُعَصِّبُهَا؛ لاستغنائِها بفَرْضِهَا.
بنتٌ، وبنتُ ابنٍ فأكثرُ، وابنُ ابنِ ابنٍ: للبنتِ النصفُ، ولبنتِ الابنِ فأكثرَ السدسُ تكملةَ الثُّلُثَيْنِ، والباقي لابنِ ابنِ الابنِ النازلِ، فلا يُعَصِّبُهَا كما مرَّ.
بِنْتَا ابنٍ، وابنُ ابنِ ابنٍ، لَهُمَا الثُّلُثَانِ، والباقي لهُ كما مَرَّ.
بنتٌ، وبنتُ ابنٍ، وبنتُ ابنِ ابنٍ، وابنُ ابنِ ابنِ ابنٍ نازلٌ: للبنتِ النصفُ، ولبنتِ الابنِ السدسُ تكملةَ الثُّلُثَيْنِ، والباقي لبنتِ ابنِ الابنِ معَ ابنِ ابنِ ابنِ الابنِ المذكورِ، للذَّكَرِ مِثلُ حظِّ الأُنْثيَيْنِ.
وقِسْ على ذلكَ: أُخْتٌ شقيقةٌ أوْ لأبٍ معَ جدٍّ: المالُ بينَهم للذَّكَرِ مِثلُ حظِّ الأُنْثيَيْنِ كما سيأتي في بابِ الجدِّ والإخوةِ.
والأصلُ في ذلكَ كُلِّهِ قولُهُ تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ}، وقولُهُ تعالى: {وَإِنْ كَانُوا إخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ}. وقياسُ أَوْلادِ الابنِ على أولادِ الصُّلْبِ معَ ما سيأتي في بابِ الجدِّ والإخوةِ إنْ شاءَ اللَّهُ تعالى.
ولمَّا أنْهَى الكلامَ على القسمِ الثاني من العصبةِ شرعَ في القسمِ الثالثِ، وهوَ العصبةُ معَ غَيْرِهِ، وهوَ اثنانِ، فقالَ:
والأخواتُ إنْ تَكُنْ بَنَاتُ = فَهُنَّ مَعَهُنَّ مُعَصَّبَاتُ
(والأخواتُ) الشقيقاتُ أوْ لأبٍ، والمرادُ: الواحدةُ فأكثرُ، (إنْ تَكُنْ)؛ أيْ: تُوجَدْ (بناتُ) واحدةٌ أوْ أكثرُ، أوْ بناتُ ابنٍ كذلكَ، (فهُنَّ)؛ أي: الأخواتُ، (مَعَهُنَّ)؛ أي: البناتِ، (مُعَصَّبَاتٌ) بفتحِ الصادِ، وهذا معنى قولِ الفَرَضِيِّينَ: الأخواتُ معَ البناتِ عَصَبَاتٌ.
والأصلُ في ذلكَ حديثُ ابنِ مسعودٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ السابقُ في بابِ السدسِ، حيثُ قالَ: " وَمَا بَقِيَ فللأخْتِ "، وهذا بشرطِ أنْ لا يكونَ معَ الأختِ أَخُوها. فإنْ كانَ معها أَخُوها فهيَ عصبةٌ بالغيرِ لا معَ الغيرِ.
تَتِمَّةٌ: حيثُ صَارَت الأختُ الشقيقةُ عصبةً معَ الغيرِ صَارَتْ كالأخِ الشقيقِ، فَتَحْجُبُ الإخوةَ للأبِ ذُكُوراًَ كانوا أوْ إناثاً، ومَنْ بعْدَهُم من العَصَبَاتِ. وحيثُ صَارَت الأختُ للأبِ عصبةً معَ الغيرِ صارتْ كالأخِ للأبِ، فَتَحْجُبُ بني الإخوةِ ومَنْ بَعْدَهُم من العصَبَاتِ، واللَّهُ أَعْلَمُ.
ولمَّا فُهِمَ مِمَّا سبقَ أنَّ جميعَ الذكورِ عصباتٌ إلاَّ الزوجَ، والأخَ للأُمِّ، وأنَّ جميعَ النساءِ عَصَبَاتُ+ فَرْضٍ إلاَّ المُعْتِقَةَ، صَرَّحَ بذلكَ في النساءِ بقولِهِ:
وليسَ في النساءِ طَرًّا عَصَبَهْ = إلاَّ التي مَنَّتْ بعِتْقِ الرَّقَبَهْ
(وليسَ في النساءِ) كُلِّهِنَّ (طَرًّا) بفتحِ الطاءِ؛ أيْ: قَطْعاً، وبِضَمِّهَا؛ أيْ: جميعاً، (عَصَبَهْ) بنَفْسِها، (إلا) الأُنْثَى (التي مَنَّتْ)؛ أيْ: أَنْعَمَتْ (بعتقِ الرقبَهْ) الرقيقةِ منْ ذَكَرٍ أوْ أُنْثَى، فهيَ عصبةٌ للعَتِيقِ، ولِمَن انْتَهَى إليهِ بنسبٍ أوْ ولاءٍ على تفصيلٍ مذكورٍ في الولاءِ، وسيأتي بعْضُهُ إنْ شاءَ اللَّهُ تعالى.
تَتِمَّاتٌ:
الأُولَى: ابنُ كُلِّ أخٍ لغَيْرِ أُمٍّ كَأَبِيهِ إلاَّ في مسائلَ: لا يَرُدُّونَ الأُمَّ من الثلثِ إلى السدسِ، ولا يُعَصِّبُونَ أَخَوَاتِهِم، ولا يَرِثُونَ معَ الجدِّ بخلافِ آبائِهِم، وابنُ الأخِ الشقيقِ يَسْقُطُ في المُشَرَّكَةِ، وبالأخِ للأبِ، وبالأختِ شقيقةً كانتْ أوْ لأبٍ، إذا كانتْ عصَبَةً معَ الغيرِ. ولا يَحْجُبُ الأخُ للأبِ بخلافِ أَبِيهِ. وابنُ الأخِ للأبِ يَسْقُطُ بابنِ الأخِ الشقيقِ بخلافِ أَبِيهِ، واللَّهُ أَعْلَمُ.
الثانيَةُ: الورثةُ أربعةُ أقسامٍ: قِسْمٌ يَرِثُ بالفرضِ وحدَهُ، من الجهةِ التي ينتمي بها، وهوَ سبعةٌ: الأُمُّ، ووَلَدَاهَا، والجَدَّتَانِ، والزَّوْجَانِ.
وقسمٌ يَرِثُ بالتعصيبِ وحْدَهُ كذلكَ، وهمْ جميعُ العصبةِ بالنفسِ، غيرَ الأبِ والجدِّ.
وقسمٌ يَرِثُ بالفرضِ مَرَّةً، وبالتعصيبِ أُخْرَى، ولا يَجْمَعُ بينَهُما، وهنَّ ذواتُ النصفِ والثُّلُثَيْنِ كما سَلَفَ.
وقسمٌ يَرِثُ بالفرضِ مَرَّةً، وبالتعصيبِ مَرَّةً، ويَجْمَعُ بينَهُما مَرَّةً وهوَ الأبُ والجدُّ؛ فإنَّ كُلاًّ منهما يَرِثُ السدسَ معَ ابنٍ أو ابنِ ابنٍ، وحيثُ بَقِيَ بعدَ الفروضِ قدرُ السدسِ أوْ دونَ السدسِ أوْ لمْ يَفْضُلْ شيءٌ.
ويرثُ بالتعصيبِ إذا خلا عن الفرعِ الوارثِ منْ ذكرٍ أوْ أُنْثَى. ويجمعُ بينَ الفرضِ والتعصيبِ إذا كانَ معهُ أُنْثَى من الفروعِ، وفَضَلَ بعدَ الفروضِ أكثرُ مِن السدسِ، وسَبَقَت الإشارةُ إلى ذلكَ، واللَّهُ أَعْلَمُ.
الثالثةُ: قدْ يَجْتَمِعُ في الشخصِ جِهَتَا تعصيبٍ، كابنٍ هوَ ابنُ ابنِ عمٍّ، وكأخٍ هوَ مُعْتِقٌ، فيرثُ بأَقْوَاهُما، والأقوى معلومٌ من القاعدتَيْنِ السابقتَيْنِ في العصباتِ.
وقدْ يَجْتَمِعُ في الشخصِ جِهَتَا فرضٍ، ولا يكونُ ذلكَ إِلاَّ في نكاحِ المجوسِ، وفي وَطْءِ الشُّبْهَةِ، فَيَرِثُ بأَقْوَاهِمَا لا بِهِمَا على الأرجحِ. والقُوَّةُ بأحدِ أُمُورٍ ثلاثةٍ:
الأوَّلُ: أنْ تَحْجُبَ إحدَاهُما الأخرى، كَبِنْتٍ هيَ أُخْتٌ منْ أُمٍّ، كأنْ يَطَأَ مجُوسِيٌّ أُمَّهُ فتَلِدُ بِنْتاً ثمَّ يموتُ عنها فَتَرِثُ بالبِنْتِيَّةِ. الثاني: كَأَنْ تكونَ إحدَاهُما لا تَحْجُبُ، كَأُمٍّ أوْ بنتٍ هيَ أُخْتٌ منْ أَبٍ، كأَنْ يَطَأَ مجوسيٌّ بِنْتَهُ فتلدُ بِنْتاً ثمَّ تموتُ الصُّغْرَى عن الكُبْرَى فَتَرِثُها بالأمومةِ، أوْ عَكْسُهُ فَتَرِثُها بالبِنْتِيَّةِ.
الثالثُ: أنْ تكونَ إحدَاهُما أقلَّ حَجْباً، كجَدَّةٍ أُمِّ أُمٍّ هيَ أُخْتٌ منْ أَبٍ، كأنْ يَطَأَ مجوسيٌّ بِنْتَهُ فتلدُ بِنْتاً، ثمَّ تموتُ، يَطَأُ الثانيَةَ فتلدُ بِنْتاً، ثمَّ السُّفْلَى عن العُلْيَا بعدَ موتِ الوُسْطَى والأبِ، فَتَرِثُها بالجُدُودَةِ دونَ الأُخْتِيَّةِ، فلوْ كانت الجهةُ القَوِيَّةُ محجوبةً وَرِثَتْ بالضعيفةِ، كأنْ تموتَ السُّفْلَى في المثالِ الأخيرِ عن الوُسْطَى، والعليا بالأُخْتِيَّةِ، والوُسْطَى بالأُمُومَةِ.
وقدْ يجتمعُ في الشخصِ جِهَتَا فرضٍ وتعصيبٍ، كابنِ عمٍّ هوَ أخٌ لأُمٍّ أوْ زَوْجٌ، فَيَرِثُ بهما حيثُ أَمْكَنَ، واللَّهُ أَعْلَمُ.

  #3  
قديم 3 ذو الحجة 1429هـ/1-12-2008م, 01:38 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الشيخ: إبراهيم الباجوري على الفوائد الشنشورية


(قولُهُ: ولمَّا أَنْهَى الكلامَ إلخ)، دخولٌ على كلامِ المصنِّفِ. وقولُهُ: شرَعَ في العَصَبَاتِ، أيْ: في بيانِ العَصَبَاتِ، وهوَ جوابُ لمَّا. وقولُهُ: فقالَ، عطْفٌ على شرَعَ .
(بـابُ التعصيـبِ، أيْ: بـابُ بيـانِ ذي التعصيـبِ وأقسـامِـه)
(قولُهُ: مصدَرُ عَصَّبَ)، أيْ: هوَ مصدَرُ عصَّبَ بالتشديدِ. وقولُهُ: يُعَصِّبُ بضَمِّ أوَّلِه وتشديدِ ثالثِه. وقولُهُ: تعصيبًا، لا حاجةَ إليه لأنَّهُ المُحَدَّثُ عنهُ، فكانَ الأَوْلَى حذْفُه. وقولُهُ: فهوَ عاصِبٌ، بيانٌ لاسمِ الفاعلِ. وكانَ حقُّ التعبيرِ مُعَصِّبٌ بكسْرِ الصادِ مشدَّدةً؛ لأنَّهُ هوَ اسمُ الفاعلِ لعَصَّبَ بالتشديدِ، وأمَّا عاصِبٌ فهوَ اسمُ فاعلٍ لِعَصَبَ كضَرَبَ.
(قولُهُ: ويُجمَعُ العاصِبُ على عَصَبَةٍ)، أيْ: مِثلُ طَالبٍ وطَلَبَةٍ، وكاتبٍ وكَتَبَةٍ. وقولُهُ: وتُجمَعُ العَصَبَةُ على عَصَبَاتٍ، أيْ: مثلُ قَصَبَةٍ وقَصَبَاتٍ، فعَصَبَاتٌ جَمْعُ الجمْعِ .
(قولُهُ: ويُسَمَّى بالعصَبَةِ الواحدُ وغيرُه)، أيْ: يُطلَقُ على الواحدِ وغيرِه عصَبَةٌ، فيقالُ: زيدٌ عَصَبَةٌ، والزيدانِ عَصَبَةٌ، والزيدونَ عَصَبَةٌ. وظاهِرُ هذا أنَّهُ اسمُ جنْسٍ إفراديٌّ، وهذا يُخالِفُ قولَهُ أوَّلًا أنَّهُ جمْعٌ لعاصِبٍ، إلَّا أنْ يُقالَ إنَّ فيهِ استعمالينِ، فيُستعمَلُ جمْعًا وهوَ الذي أشارَ إليه الشارحُ بقولِهِ: ويُجمَعُ العاصِبُ على عَصَبَةٍ، ويُستعمَلُ اسمَ جنسٍ إفراديٍّ، وهوَ الذي أشارَ إليه الشارحُ بقولِهِ: ويُسَمَّى بالعَصَبَةِ الواحدُ وغيرُه. ويُحتمَلُ أنَّ استعمالَه في الواحدِ مَجازٌ من استعمالِ اسمِ الكلِّ في الجزءِ، وهوَ الذي استَظْهَرَهُ العلَّامَةُ الأميرُ، حتَّى قالَ ابنُ الصلاحِ: إطلاقُها على الواحدِ منْ كلامِ العامَّةِ وأشباهِهم من الخاصَّةِ، كما في اللؤلؤةِ.
(قولُهُ: قَرابةُ الرجلِ)، أيْ: ذَوُو قرابةِ الرجلِ، فهوَ على تقديرِ مضافٍ؛ ليَصِحَّ الإخبارُ بهِ عن العَصَبَةِ، فإنَّ القرابةَ معنًى من المعاني، والعَصَبَةَ اسمٌ للذواتِ، فلا يَصِحُّ الإخبارُ إلَّا بتقديرِ هذا المضافِ. ويَصِحُّ أنْ تكونَ القرابةُ بمعنى الأقاربِ، كما يَدُلُّ له قولُهُ: سُمُّوا بها إلخ، حيثُ أعادَ عليهِ ضميرَ جمعِ الذكورِ. وقولُهُ: لأبيهِ، أيْ: دونَ أمِّه لضعْفِ قرابتِها؛ حيثُ أَدْلَوْا برحِمِ أنثى، وأيضًا فالغالِبُ أنَّهم منْ قبيلةٍ أُخرى. وفي هذا التعريفِ قصورٌ؛ لأنَّهُ لا يَشْمَلُ الآباءَ ولا الأبناءَ معَ أنَّ الإحاطةَ لا تَتِمُّ إلَّا بهم؛ فالأبناءُ منْ تحتٍ، والآباءُ منْ فوقٍ، والإخوةُ وبنوهم والأعمامُ وبنوهم في الجوانبِ القريبةِ والبعيدةِ.
(قولُهُ: سُمُّوا بها لأنَّهم إلخ)، أيْ: سُمِّيَ أقاربُ الرجلِ بالعَصَبَةِ لأنَّهم إلخ. فالعَصَبَةُ مأخوذةٌ من العصَبِ بمعنى الإحاطةِ. وقد استُفيدَ منْ كلامِ الشارحِ أنَّ عَصَّبَ بمعنى أحاطَ يَتَعَدَّى بالباءِ، وبمعنى شدَّ يَتعدَّى بنفسِه.
(قولُهُ: وكلُّ ما استدارَ حولَ شيءٍ فقدْ عَصَّبَ به)، أيْ: أحاطَ بهِ. وقولُهُ: ومنهُ، أيْ: من العصَبِ بمعنى الإحاطةِ. وقولُهُ: أي العمائمُ، سُمِّيَتْ بالعصائبِ لإحاطتِها بالرأسِ .
(قولُهُ: وقيلَ: سُمُّوا بها)، أيْ: وقيلَ سُمِّيَ أقاربُ الرجلِ بالعَصَبَةِ. وقولُهُ: لِتَقَوِّي بعضِهم ببعضٍ، أيْ: لِتَقَوِّي بعضِ الأقاربِ بالبعضِ الآخَرِ. وقولُهُ: من العَصَبِ، أيْ: مأخوذةٌ من العَصَبِ. وقولُهُ: وهوَ الشدُّ والمنْعُ، فبعضُهم يَشُدُّ بعضًا ويَمنَعُ مِنْ تَطاوُلِ الغيرِ عليهِ.
(قولُهُ: يُقالُ إلخ)، استدلالٌ على تفسيرِ العصَبِ بالشدِّ. وقولُهُ: والرأسَ، أيْ: وعصَّبْتُ الرأسَ. وقولُهُ: شَدَدْتُها، الأَوْلَى شَدَدْتُه كما في بعضِ النسَخِ؛ لأنَّ الرأسَ مذكَّرٌ، إلَّا أنَّ المولِّدِينَ ربَّما أَنَّثُوها باعتبارِ أنَّها جارحةٌ أوْ هامَةٌ.
(قولُهُ: ومنهُ)، أيْ: من العَصَبِ بمعنى الشدِّ. وقولُهُ: العِصابةُ، أي: العِمامةُ. وقولُهُ: لشدِّ الرأسِ بها، أيْ: سُمِّيَت العمامةُ بالعِصابةِ لشَدِّ الرأسِ بها.
(قولُهُ: ومَدارُ هذهِ المادَّةِ)، أي: التي هيَ العينُ والصادُ والباءُ. وقولُهُ: على الشدَّةِ والقوَّةِ والإحاطةِ، أيْ: والمنْعِ، لذكْرِهِ لهُ آنِفًا، فهذهِ المادَّةُ تَدُلُّ على هذهِ المعاني .
(قولُهُ: والعَصَبَةُ اصطلاحًا ما سيأتِي)، أي: الذي هوَ كلُّ مَنْ أحْرَزَ كلَّ المالِ إلخ.
(قولُهُ: وحَقَّ أنْ نَشْرَعَ في التعصيبِ إلخ)، أيْ: وَجَبَ صناعةً أنْ نَشرَعَ إلخ. فحَقَّ بفتْحِ الحاءِ مبنيًّا للفاعلِ بمعنى وجَبَ. قالَ في المختارِ: حَقَّ الشيءُ يَحِقُّ بالكسْرِ، أيْ: وَجَبَ، انتهى. وإنَّما وجَبَ صناعةً أنْ نَشْرَعَ في التعصيبِ؛ لأنَّ العادةَ جَرَتْ بذكْرِ التعصيبِ بعد ذكْرِ الفروضِ. ويَصِحُّ كما قالَ النبتيتيُّ أنْ يُقرأَ بضَمِّ الحاءِ مَبنيًّا للمفعولِ، ويُؤَيِّدُهُ قولُ النحاةِ في: زيدٌ أبوك عَطوفًا، التقديرُ أحَقُّهُ عطوفًا؛ لأنَّهُ يَقتضي أنَّهُ يُستعمَلَ متعدِّيًا، فيَصِحُّ بناؤه للمجهولِ. ا هـ ملخَّصًا من الحفنيِّ معَ الأميرِ .
(قولُهُ: إلى آخِرِه)، إنَّما ذكَرَ ذلكَ لأنَّ تعريفَ العَصَبَةِ اصطلاحًا سيأتي بعدُ. وقولُهُ: أيْ في الإرثِ بهِ، أشارَ بذلكَ إلى أنَّ في كلامِ المصنِّفِ توسُّعًا بحذفِ مجرورِ في معَ الباءِ، والأَوْلَى أنْ يقولَ: أيْ في بيانِ ذي التعصيبِ.
(قولُهُ: بكلِّ قولٍ)، أيْ: بكلِّ مقولٍ تيَسَّرَ لهُ. فالقولُ بمعنى المقولِ، والاستغراقُ عُرْفِيٌّ؛ لأنَّهُ بحسَبِ ما تَيَسَّرَ لهُ، وإلَّا فالاستغراقُ الحقيقيُّ غيرُ ممكِنٍ. وبعضُهم قالَ: أيْ بقولٍ كلِّيٍّ، فالمرادُ أنَّهُ يَذكُرُ ذلكَ بقاعدةٍ كلِّيَّةٍ، ثمَّ قالَ: فاندفَعَ الاعتراضُ بأنَّهُ لمْ يَأْتِ بكلِّ قولٍ موجَزٍ، أيْ: لأنَّ كلَّ قولٍ بمعنى القولِ الكلِّيِّ. وفيهِ بُعدٌ لا يَفِي .
(قولُهُ: موجَزٌ) بفتحِ الجيمِ، أيْ: موجَزٌ فيهِ، فهوَ منْ بابِ الحذْفِ والإيصالِ، ويَصِحُّ كسْرُها على أنَّهُ اسمُ فاعلٍ، لكن يكونُ الإسنادُ مجازيًا، أيْ: موجِزٌ صاحبُه. وقولُهُ: مختَصَرٌ، تفسيرٌ لموجَزٍ بناءً على أنَّ الإيجازَ والاختصارَ مترادفانِ على معنًى واحدٍ .
(قولُهُ: مُصِيبٌ)، اسمُ فاعلٍ منْ أصابَ، وأصْلُه: مُصْوَبٌ بوزنِ مُكْرَمٍ، نُقِلَتْ حركةُ الواوِ للساكنِ قَبلَها، ثمَّ قُلِبَت الواوُ ياءً لسكونِها إثْرَ كسرةٍ. وقولُهُ: ليسَ بخطأٍ، تفسيرٌ لمصيبٍ؛ لأنَّهُ من الصوابِ الذي هوَ ضِدُّ الخطأِ، (قولُهُ: فكلُّ مَنْ إلخ)، أيْ: إذا أردْتَ بيانَ العَصَبَةِ فأقولُ: كلُّ مَنْ إلخ، فالفاءُ فاءُ الفصيحةِ، ويَصِحُّ أنْ تكونَ للاستئنافِ، واعْتُرِضَ إتيانُهُ بكلٍّ، بأنَّ التعريفَ لبيانِ الماهيَّةِ، وكلَّ للإفرادِ، فلا يَصِحُّ الإتيانُ بها في التعريفِ. وأُجيبَ بأنَّهُ ضابِطٌ لا تعريفٌ. لكنَّ هذا قدْ يُخالِفُه قولُ الشارحِ: وهذا تعريفُ العاصبِ إلخ. فالأحسَنُ ما قالَه بعضُهم منْ أنَّ التعريفَ ما بَعْدَ كلٍّ، وإنَّما دخَلَتْ عليهِ للدَّلالةِ على أنَّ التعريفَ محيطٌ بأفرادِ المعرَّفِ؛ لأنَّها مفيدةٌ للإحاطةِ، فتَدُلُّ على أنَّهُ لمْ يَخرُجْ عنْ هذا التعريفِ شيءٌ منْ أفرادِ العَصَبَةِ .
(قولُهُ: أَحْرَزَ كلَّ المالِ)، أيْ: جَمَعَ كلَّ التَّرِكَةِ.
(قولُهُ: من القَراباتِ)، تُوقِّفَ فيهِ بأنَّهُ ليسَ بعربِيٍّ؛ لأنَّهُ جمْعُ قرابةٍ كما قالَه الشرْحُ، وهيَ في الأصْلِ مصدرٌ وهوَ لا يُثَنَّى ولا يُجْمَعُ، إلَّا إذا تَنَوَّعَ لأنواعٍ. وأُجيبَ بأنَّ القرابةَ أنواعٌ؛ فلذلكَ جُمِعَتْ، وبأنَّ مَحَلَّ المنْعِ إذا بَقِيَ المصدَرُ على مصدريَّتِه. وما هنا بمعنى اسمِ الفاعلِ، فالقرابةُ بمعنى القريبِ، والقَراباتُ بمعنى الأقاربِ، وإليه يُشيرُ قولُ الشرحِ: أي الأقاربِ.
(قولُهُ: أو الموالي)، أيْ: أوْ من الموالي، فهوَ عطْفٌ على القراباتِ بمعنى الأقاربِ. وقولُهُ: من المعتقِينَ وعصَبَتِهم، بيانٌ للموالي.
(قولُهُ: إجماعًا)، دليلٌ للحكْمِ المستفادِ ممَّا تَقدَّمَ، وهوَ إحرازُ العاصِبِ من النسَبِ أو الولاءِ جميعَ المالِ. وقولُهُ: لقولِهِ تعالى إلخ، سنَدٌ للإجماعِ بالنظَرِ لبعضِ أفرادِ العاصبِ من النسَبِ، وهوَ الأخُ شقيقًا كانَ أوْ لأبٍ، فالضميرُ في الآيةِ راجعٌ للأخِ. وقولُهُ: وغيرُ الأخِ كالأخِ، أيْ: وغيرُ الأخِ منْ سائرِ العَصَبَاتِ مَقيسٌ على الأخِ، فالقياسُ سنَدٌ للإجماعِ بالنظَرِ لغيرِ الأخِ .
(قولُهُ: أوْ كانَ ما يَفْضُلُ إلخ)، عطْفٌ على أَحْرَزَ، فالمعنى: أوْ لمْ يُحرِزْ كلَّ المالِ، بلْ كانَ ما يَفْضُلُ إلخ. وقولُهُ: بعْدَ الفرْضِ، أيْ: جنسِه الصادقِ بالواحدِ والمتعدِّدِ، كما أشارَ إليه الشارِحُ بقولِهِ: الشاملِ للواحدِ وما زادَ. وقولُهُ: لَهُ، أيْ: لمَنْ.
(قولُهُ: إجماعًا)، دليلٌ للحكْمِ المستفادِ ممَّا تَقدَّمَ، وهوَ كونُ ما يَفْضُلُ بعدَ الفرْضِ لهُ. وقولُهُ: لقولِهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ إلخ، سنَدٌ للإجماعِ. وبقولِنا هنا وفيما مَرَّ دليلٌ للحكْمِ المستفادِ ممَّا تَقَدَّمَ اندفَعَ ما يُقالُ: كيفَ يُستَدَلُّ عليهِ كسائرِ التصديقاتِ معَ أنَّهُ هنا للتصوُّرِ؟ ووجْهُ اندفاعِه أنَّهُ دليلٌ للحكْمِ المستفادِ منْ ذلكَ. واعلَمْ أنَّهم قالوا: المعرَّفُ معَ التعريفِ، كقولِهم: الإنسانُ حيوانٌ ناطقٌ، على صورةِ التصديقِ، وهوَ في الحقيقةِ منْ قبيلِ التصوُّرِ، فهوَ على حذْفِ أيْ.
(قولُهُ: أَلْحَقُوا)، بفتحِ الهمزةِ منْ أَلْحَقَ، المزيدُ فيهِ الهمزةُ. وقولُهُ: الفرائضَ، أيْ: جنسَها الصادقَ بالواحدِ والمتعدِّدِ. وقولُهُ: فما بَقِيَ، أيْ: بعدَ الفرائضِ.
(قولُهُ: فلأَوْلَى رجلٍ)، أيْ: فلأَقْرَبِ رجلٍ، فالمرادُ بالأَوْلَى الأَقْرَبُ لا الأحَقُّ؛ لأنَّهُ كما قالَه شيخُ الإسلامِ: لوْ كانَ المرادُ بهِ الأحَقَّ لَخَلَا عن الفائدةِ؛ لأنَّا لا نَدْرِي مَنْ هوَ الأحَقُّ، بخلافِ الأقرَبِ فإنَّهُ معروفٌ، والتقييدُ بالرجُلِ للأغلَبِ وإلَّا فالمعتِقةُ عَصَبَةٌ. وقولُهُ: ذَكَرٍ، بدَلٌ منْ رجُلٍ. فإنْ قيلَ: ما فائدتُه بعدَ رجُلٍ معَ فَهْمِه منهُ؟ أُجيبَ بأنَّهُ لمَّا كانَ الرجُلُ يُطلَقُ في مقابلَةِ المرأةِ وفي مقابَلَةِ الصبيِّ قيلَ ذكَرٍ إشارةً إلى أنَّهُ في مقابَلَةِ المرأةِ، فالمرادُ بهِ الذكَرُ لا البالغُ، فهوَ مبَيِّنٌ للمرادِ. فإنْ قيلَ: هلَّا اقتَصَرَ على قولِهِ ذكَرٍ لحصولِ هذا المعنى معَ الاختصارِ؟ أُجِيبَ بأنَّهُ يَفُوتُ حينئذٍ إفادةُ إطلاقِ الرجُلِ بمعنى الذكَرِ. قالَ في شرْحِ الترتيبِ نَقْلًا عن ابنِ الهائمِ: فإنْ قلتَ: هذا الحديثُ يَقتضي اشتراطَ الذكورةِ في العَصَبَةِ المستحِقَّةِ للباقي، فيَخرجُ العَصَبَةُ بغيرِه ومعَ غيرِه، قلتُ: يَخُصُّ مفهومُ هذا الحديثِ وهوَ أنَّ غيرَ الذكَرِ لا يَستَحِقُّ الباقيَ بالنَّصِّ والإجماعِ الدالَّيْنِ على أنَّ العَصَبَةَ بالغيرِ ومعَ الغيرِ تَستَحِقُّ الباقيَ. اهـ . ببعضِ تغييرٍ.
(قولُهُ: فهوَ أخو العصوبةِ)، أيْ: مُلازمُها والمتَّصِفُ بها، كما في قولِهم: أخو الحِلْمِ؛ لأنَّ شأنَ الأخِ يُصاحِبُ أخاهُ ويُلازِمُه. ومنْ هذا قولُهم: يا أخا العرَبِ، لمَنْ صاحَبَهم ولازَمَهم. وقولُهُ: بالنفْسِ، أيْ: بنفسِه لا بغيرِه ولا معَ غيرِه؛ لأنَّ الحكْمَ الأوَّلَ وهوَ إحرازُ كلِّ المالِ عندَ الانفرادِ مخصوصٌ بالعَصَبَةِ بالنفْسِ. وقولُهُ: المفضَّلَةِ، أي: التي فضَّلَها الفَرَضيُّونَ. وقولُهُ: على غيرِها منْ أنواعِ العصوبةِ، أيْ: وذلكَ الغيرُ هوَ العصوبةُ بالغيرِ والعصوبةُ معَ الغيرِ. وقولُهُ: وعلى الفرْضِ كما اختَرْتُه إلخ. وقدْ تَقدَّمَ الخلافُ في ذلكَ فارْجِعْ إليهِ إنْ شئتَ.
(قولُهُ: وهذا تعريفٌ للعاصِبِ بالحكْمِ)، أي: الذي هوَ إحرازُ جميعِ المالِ عندَ الانفرادِ، وكونُ ما يَفْضُلُ بعدَ الفروضِ لهُ، ولا يَخفَى أنَّ قولَه: بالحكْمِ، متعلِّقٌ بتعريفٍ، والتعريفُ بالحكْمِ منْ قبيلِ التعريفِ بالخاصَّةِ؛ لأنَّ الحكْمَ خاصَّةٌ للمعرَّفِ . وقولُهُ: والتعريفُ بالحُكْمِ دَوْرِيٌّ، أيْ: موجِبٌ للدَّوْرِ؛ لأنَّ الحكْمَ على الشيءِ فرْعٌ عنْ تصوُّرِه، فصارَ التعريفُ متوقِّفًا على المعرَّفِ بواسطةِ أخْذِ الحكْمِ فيهِ. ومن المعلومِ أنَّ المعرَّفَ متوقِّفٌ على التعريفِ، فَتَوَقَّفَ كلٌّ منهما على الآخَرِ فجاءَ الدوْرُ. وغَرَضُ الشارحِ بذلكَ الاعتراضُ على المصنِّفِ. وأُجِيبَ بأنَّهُ تعريفٌ لفظيٌّ، فهوَ لمَنْ يعرِفُ الحكْمَ ويَجهَلُ التسميةَ بلفظِ عاصبٍ، فيَعرِفُ أنَّ الأبَ مَثَلًا إذا انفَرَدَ حازَ جميعَ المالِ، وإذا اجتَمَعَ معَ ذي فرْضٍ أخَذَ ما بَقِيَ، لكنْ يَجْهَلُ أنَّهُ يُسَمَّى بلفظِ عاصبٍ. وأُجِيبَ أيضًا بأنَّ الحكْمَ يَتوقَّفُ على تَصوُّرِ المحكومِ عليهِ بوجهٍ ما، وإنْ لمْ يكُنْ بالتعريفِ حتَّى يَجيءَ الدَّوْرُ على أنَّ الحقَّ أنَّ الحكْمَ إنَّما يَتوقَّفُ على تَصوُّرِ المجعولِ جِنسًا في التعريفِ، كالاسمِ في تعريفِ الفاعلِ بأنَّهُ الاسمُ المرفوعُ إلخ؛ لأنَّهُ هوَ المحكومُ عليهِ، فلمْ يَتوقَّفْ على تَصَوُّرِ المعرَّفِ حتَّى يَجيءَ الدَّوْرُ. أفادَه المحقِّقُ الأميرُ.
(قولُهُ: كما هوَ معلومٌ عندَ العُقلاءِ)، أيْ: مثلُ ما هوَ معلومٌ عندَ علماءِ المعقولِ، وهم المناطقَةُ؛ ولذلكَ قالَ في السلمِ:
وعندَهم منْ جملةِ المردودِ = أنْ تَدخُلَ الأحكامُ في الحدودِ
(قولُهُ: وأحكامُ العاصبِ بنفسِه ثلاثةٌ)، أيْ: والأحكامُ الثابتةُ للعاصِبِ بالنفسِ ثلاثةٌ، وهيَ أنَّهُ إذا انفرَدَ حازَ جميعَ المالِ، وإذا اجتمَعَ معَ أصحابِ الفروضِ أخَذَ ما أَبْقَت الفروضُ، وإذا استَغْرَقَت الفروضُ التَّرِكَةَ سقَطَ.
(قولُهُ: ذكَرَ منها اثنينِ)، أيْ: وهما الأَوَّلانِ.
(قولُهُ: إلَّا الإخوةُ الأشِقَّاءُ في المشَرَّكَةِ)، هذا الاستثناءُ بحسَبِ الظاهرِ، وإلَّا فالأشقَّاءُ في المشَرَّكَةِ انْتَقَلوا للفَرْضِ فليسوا عَصَبَةً حينئذٍ، ا هـ أميرٌ بالمعنى.
(قولُهُ: وإلَّا الأختُ في الأَكْدَريَّةِ)، فيهِ تَسَمُّحٌ؛ لأنَّهُ جَعَلَ موضوعَ كلامِه العاصبَ بنفسِه، والأختُ في الأَكدريَّةِ عَصَبَةٌ بالغيرِ وهوَ الجَدُّ؛ لأنَّهُ كالأخِ في سهمِه والحُكْمِ، لكنْ سهَّلَ الأمْرَ كونُ العاصبِ بنفسِه وبغيرِه سواءً، كما سيَذكُرُه الشارحُ. أفادَه الأميرُ.
(قولُهُ: وستأتيانِ)، أي: المشرَّكَةُ والأكدريَّةُ.
(قولُهُ: وإنَّما تَرَكَ المصنِّفُ إلخ)، غرَضُه بذلكَ الاعتذارُ عن المصنِّفِ في ترْكِه للحكْمِ الثالثِ. ويَعتذِرُ عنه أيضًا بأنَّهُ تَرَكَهُ لأنَّهُ لا يَطَّرِدُ؛ فإنَّ بعضَ العَصَبَةِ كالابنِ لا يتأتَّى معهُ استغراقٌ حتَّى يَسقُطَ بهِ، بلْ لا يَسقُطُ بحالٍ. وشَذَّ بعضُهم فجعلَهُ ليسَ عَصَبَةً كما أنَّهُ ليسَ صاحبَ فرْضٍ. ويَرُدُّه ما تَقدَّمَ منْ حصْرِ الإرثِ في الإرثِ بالفرْضِ أوْ بالتعصيبِ.
(قولُهُ: للعلْمِ بهِ من الثاني)، أيْ: منْ مفهومِه؛ فإنَّهُ قالَ: أوْ كانَ ما يَفضُلُ بعدَ الفرْضِ إلخ. ويُفْهَمُ منهُ أنَّهُ إذا لمْ يَفْضُلْ بعدَ الفرْضِ شيءٌ سقَطَ.
(قولُهُ: والعاصبُ بغيرِه ومعَ غيرِه)، اعلَمْ أنَّهم عرَّفُوا العاصبَ بغيرِه بأنَّهُ كلُّ أُنْثَى عَصَّبَها ذكَرٌ، وعَرَّفُوا العاصِبَ معَ غيرِه بأنَّهُ كلُّ أُنثى تصيرُ عَصَبَةً باجتماعِها معَ أخرى. وهوَ مُجرَّدُ اصطلاحٍ، وإلَّا فكلٌّ من القِسمينِ عَصَبَةٌ بسببِ مصاحبتِه للغيرِ، فكلٌّ منهما عَصَبَةٌ بالغيرِ وعَصَبَةٌ معَ الغيرِ. وفَرَّقَ الرافعيُّ بأنَّ العَصَبَةَ بالغيرِ يَجِبُ فيهِ كونُ الغيرِ عَصَبَةً بنفسِه، بخلافِ العَصَبَةِ معَ الغيرِ فإنَّ الغيرَ فيهِ ليسَ عَصَبَةً؛ وذلكَ لأنَّ الباءَ للإلصاقِ، ولا يَتحقَّقُ الإلصاقُ بينَ الشيئينِ إلَّا بمشاركتِهما في الحُكْمِ، فالباءُ في قولِهم: عَصَبَةٌ بغيرِه، تُفيدُ المشارَكةَ في حكْمِ العصوبةِ، بخلافِ معَ فإنَّها للاقترانِ، وهوَ يَتحقَّقُ بدونِ مشارَكةٍ في الحكْمِ، كما في قولِهِ تعالى: {وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا}، فإنَّ موسى لمْ يُشاركْ هارونَ في الوَزارةِ، فالغيرُ في قولِهم: عَصَبَةٌ معَ غيرِه، لا يكونُ عَصَبَةً كما لمْ يكُنْ موسى وزيرًا.
(قولُهُ: كالعاصبِ بالنفسِ في هذهِ الأحكامِ)، قالَ شيخُ الإسلامِ: وفي كونِ الحُكْمِ الثاني يُشترَطُ فيهِ أقسامُ العَصَبَةِ نظرٌ؛ لأنَّ العاصِبَ بغيرِه لا يَأخُذُ الباقيَ وحدَهُ، بلْ معَ العاصبِ بنفسِه، ويُمكِنُ تصحيحُ ذلكَ بتأويلٍ ا هـ . أيْ: بأن يُقالَ المرادُ أنَّهُ يأخُذُ الباقيَ ولوْ في الجملةِ، فإنَّ العاصِبَ بغيرِه يأخُذُ جزءًا من الباقي.
(قولُهُ: إلَّا الحكْمُ الأوَّلُ)، أي: الذي هوَ كونُه يَحوزُ جميعَ المالِ إذا انفرَدَ. ووجْهُ استثناءِ ذلكَ ظاهِرٌ؛ لأنَّهُ لا يتَأتَّى انفرادُ العاصبِ بغيرِه والعاصِبُ معَ غيرِه.
(قولُهُ: ثمَّ بَعْدَ تعريفِ العاصِبِ إلخ)، فقدْ عقَّبَ التعريفَ المذكورَ بالعَدِّ للإيضاحِ. وقولُهُ: بهذا التعريفِ، أي: الذي هوَ قولُهُ: فكلُّ مَنْ أحرَزَ إلخ. وقولُهُ: المنتقِدُ، بالدالِ المهمَلةِ، أي: المعترِضُ من الانتقادِ، وهوَ الاعتراضُ؛ فإنَّهُ اعترَضَ بأنَّهُ دَوْرِيٌّ كما صرَّحَ بهِ الشارِحُ آنِفًا، وبأنَّهُ دخَلَ فيهِ كلٌّ كما علِمْتَ، وبأنَّهُ قاصِرٌ على العاصِبِ بالنفسِ، ولا نَجِدُ تعريفًا للعاصِبِ سالمًا من الانتقادِ؛ ولذلكَ قالَ ابنُ الهائمِ في كفايتِه:
وليسَ يَخلُو حَدُّه منْ نقْدِ = فيَنبغي تعريفُه بالعَدِّ
(قولُهُ: شرَعَ في عدِّهم)، أيْ: عدِّ العَصَبَةِ المفهومينَ من العاصِبِ، كما قالَه الحفنيُّ.
(قولُهُ: وهمْ خمسةَ عشرَ)، الأَوْلَى عدَمُ حصْرِهم في هذا العددِ؛ إذ الجَدُّ أفرادُه كثيرةٌ، وكذا أفرادُ العَمِّ، فمن الأُولَى جَدُّ الأبِ وجَدُّ الجَدِّ وهكذا، ومن الثانيةِ عمُّ الأبِ وعمُّ الجَدِّ وهكذا.
(قولُهُ: ولمَّا لمْ يَسْتَوْفِ عدَّتَهم أتى بكافِ التمثيلِ)، أيْ: لإدخالِ ما لمْ يَذْكُرْه، كأخِ المعتِقِ وابنِ أخيهِ وهكذا. وحينئذٍ فلا يَرِدُ الاعتراضُ الآتي في الشرْحِ بأنَّ فيهِ نوعَ قُصورٍ، ولا حاجةَ للجوابِ الذي ذكَرَه الشارحُ هناكَ.
(قولُهُ: فقالَ)، عطْفٌ على شرَعَ، أوْ على أتى بكافِ التمثيلِ.
(قولُهُ: كالأبِ إلخ)، قدْ علِمْتَ أنَّ الكافَ للتمثيلِ.
(قولُهُ: أبي الأبِ)، بدَلٌ من الجَدِّ، أوْ على تقديرِ أي التفسيريَّةِ. وقولُهُ: وجَدِّ الأبِ، أيْ: أبِ أبِ الأبِ. وأشارَ الشرْحُ بذلكَ إلى أنَّ في كلامِ المصنِّفِ حذفًا، لكنَّ هذا مستَغْنًى عنهُ بكافِ التمثيلِ.
(قولُهُ: وجَدِّ الجَدِّ)، أيْ: أبِ أبِ أبِ الأبِ. وأشارَ بقولِهِ: وإن عَلَا، إلى ما فوْقَ ذلكَ.
(قولُهُ: والابنِ)، إنَّما أخَّرَه عن الأبِ والجَدِّ معَ أنَّهُ أقوى منهما؛ لأنَّهُ قيلَ بأنَّهُ ليسَ بعاصِبٍ كما حكاهُ المتولِّي، وقدْ تَقدَّمَ التنبيهُ عليه.
(قولُهُ: عندَ قُرْبِه)، أيْ: بأنْ كانَ بلا واسطةٍ. وقولُهُ: وهوَ ولَدُ الصُّلْبِ، الأَوْلَى ابنُ الصُّلْبِ؛ لصدْقِ الولَدِ بالأنثى. وقولُهُ: والبُعْدِ، أيْ: وعندَ بُعدِه. وعُلِمَ منْ ذلكَ أنَّ المرادَ بالابنِ ما يَشمَلُ ابنَ الابنِ وإنْ نَزَلَ. وقولُهُ: بمحْضِ الذكورِ، أيْ: بالذكورِ الْخُلَّصِ، واحترَزَ بذلكَ منْ نحوَ ابنِ بنتِ الابنِ.
(قولُهُ: والأخِ)، أطْلَقَهُ المصنِّفُ، لكنَّهُ أرادَ بهِ الأخَ الشقيقَ أوْ لأبٍ؛ بقرينةِ ذكْرِه الأخَ للأمِّ في أصحابِ الفروضِ، كما أشارَ لذلكَ الشارحُ.
(قولُهُ: بدليلِ ما سَبَقَ في الفروضِ)، أيْ: مِنْ ذكْرِ أنَّ للأخِ للأمِّ السدُسَ.
(قولُهُ: وابنِ الأخِ)، أطلَقَه المصنِّفُ، لكنَّهُ أرادَ بهِ ابنَ الأخِ الشقيقِ أوْ لأبٍ؛ لأنَّ ابنَ الأخِ للأمِّ منْ ذَوِي الأرحامِ، كما أشارَ لذلكَ الشرْحُ.
(قولُهُ: كما سَبَقَ إلخ)، أيْ: فإنَّهُ سَبَقَ التقييدُ بذلكَ؛ لأنَّ ابنَ الأخِ للأمِّ منْ ذَوِي الأرحامِ كما علِمْتَ.
(قولُهُ: والأعمامِ)، يُقالُ فيهِ ما تَقدَّمَ. وقولُهُ: لا لأمٍّ، أيْ: لا الأعمامُ لأمٍّ، وهمْ إخوةُ أبيكَ لأمِّهِ. وقولُهُ: بدليلِ ما سَبَقَ أيضًا، أيْ: أنَّ الأعمامَ للأمِّ منْ ذَوِي الأرحامِ.
(قولُهُ: وكأعمامِ الميِّتِ إلخ)، أنْتَ خبيرٌ بأنَّ المصنِّفَ لمْ يُقَيِّدْ بأعمامِ الميِّتِ، فيَشمَلُ إطلاقُه أعمامَ الميِّتِ وأعمامَ الأبِ وأعمامَ الجَدِّ وإنْ عَلَا. لكنَّ الشارحَ نظَرَ للواقعِ في عبارةِ الفَرَضِيِّينَ من التقييدِ بأعمامِ الميِّتِ.
(قولُهُ: وهكذا)، أيْ: ومِثلُ هذا أعمامُ أبي الجَدِّ وأعمامُ جَدِّ الجَدِّ وإنْ عَلَا.
(قولُهُ: والسيِّدِ المعتِقِ)، المرادُ بهِ ما يَشمَلُ السيِّدَةَ المعتِقةَ كما أشارَ لذلكَ الشرْحُ بقولِهِ: ذكَرًا كانَ أوْ أنثى. وقولُهُ: ذي الإنعامِ بالعِتْقِ، أيْ: صاحبِ الإنعامِ بالعِتقِ، وهذا مستغْنًى عنهُ بقولِهِ: المعتِقِ، فهوَ تَكْملةٌ.
(قولُهُ: وهكذا)، أيْ: ومِثلُ هذا، أي: المذكورِ. وقولُهُ: بنوهُمُ، بإشباعِ الميمِ. وقولُهُ: جميعًا، أيْ: حالَ كونِ بنيهم جميعًا، فهوَ حالٌ في اللفظِ، لكنَّهُ توكيدٌ في المعنى، فكأنَّهُ قالَ: بنوهُمُ أجمعونَ، كما سيَذكُرُه الشارحُ في الفائدةِ.
(قولُهُ: وإنْ نَزَلُوا بمحْضِ الذكورِ )، أيْ: بخلافِ نحوَ ابنِ بنتِ ابنِ العمِّ.
(قولُهُ: قالَ الشيخُ بدرُ الدِّينِ إلخ)، غَرَضُه بهِ الاعتراضُ على المصنِّفِ، وسيَذْكُرُ الجوابَ، لكنْ قدْ علِمْتَ أنَّهُ لا يَرُدُّ هذا الاعتراضَ؛ لأنَّهُ أشارَ لما لمْ يَذكُرْهُ بكافِ التمثيلِ، ولا يَلزَمُه استقصاءُ الأفرادِ.
(قولُهُ: وفيهِ نوعُ قصورٍ)، أيْ: في كلامِ المصنِّفِ نوعٌ من القصورِ. وقولُهُ: حيثُ اقتَصَرَ إلخ، أيْ: لأنَّهُ اقتَصَرَ إلخ، فالحيثيَّةُ للتعليلِ.
(قولُهُ: ويُمكِنُ الجوابُ عنهُ بأنَّهم إلخ)، بحثَ فيهِ بأنَّهُ لو التَفَتَ لهذا ما ذكَرَ هنا شيئًا؛ لأنَّ جميعَ ما ذُكِرَ داخلٌ تحتَ قولِهِ: من القراباتِ أو الموالي، فكلُّ العَصَبَةِ من النسَبِ داخلونَ تحتَ القراباتِ، والسيِّدُ المعتِقُ داخلٌ تحتَ الموالي. فالحقُّ أنَّ كلامَ المصنِّفِ تمثيلٌ للمُجْمَلِ ويَلزَمُه الاستقصاءُ كما تَقدَّمَ.
(قولُهُ: ولمْ يذكُر المصنِّفُ إلخ)، أيْ: فِعْلَةُ عدَمِ ذكْرِه هنا هيَ علَّةُ عدَمِ ذكْرِه سابقًا في الأسبابِ، وهيَ الاختلافُ فيهِ.
(قولُهُ: فائدةٌ)، أيْ: هذهِ فائدةٌ، وغَرَضُه بهذهِ الفائدةِ دفْعُ ما قدْ يُتَوَهَّمُ منْ أنَّهم لا يكونونَ عَصَبَةً إلَّا عندَ الاجتماعِ في زمَنٍ واحدٍ. ووجْهُ الدفْعِ أنَّ جميعًا وإنْ كانَ حالًا في اللفظِ تأكيدٌ في المعنى فلا يَقتضي اشتراطَ الاجتماعِ.
(قولُهُ: قالَ البيضاويُّ إلخ)، هذا تَوطئَةٌ للمقصودِ هنا، فالآيةُ نظيرٌ لما هنا. وقولُهُ: جميعًا حالٌ إلخ، مقولُ قولِ البيضاويِّ. وقولُهُ: ولذلكَ لا يَستدعي إلخ، أيْ: ولكونِه تأكيدًا في المعنى لا يَستلزِمُ إلخ. وقولُهُ: كقولِكَ: جاءوا جميعًا، أيْ: فإنَّهُ يَستدعي اجتماعَهم على المجيءِ في زمَنٍ واحدٍ، فهوَ راجعٌ للمنفيِّ بالميمِ.
(قولُهُ: فكذا هنا)، أيْ: فهوَ حالٌ في اللفظِ تأكيدٌ في المعنى.
(قولُهُ: ولا يُستدْعَى أنْ يكونَ إلخ)، أيْ: لأنَّ كلَّ واحدٍ عَصَبَةٌ عندَ انفرادِه، وكذا عندَ اجتماعِه معَ غيرِه ولوْ حُجِبَ بهِ؛ لأنَّ كلًّا منافِي مجرَّدَ تسميتِه عَصَبَةً، فافْهَمْ. انتهى أميرٌ ببعضِ تغييرٍ.
(قولُهُ: وهوَ بنوهم)، أيْ: بَنُوٌّ منْ بنوهم، إذْ هوَ المضافُ ا هـ . حفنيٌّ. ففي كلامِ الشرْحِ تَسَمُّحٌ.
(قولُهُ: وقولُه)، مبتدأٌ خبرُه متصيَّدٌ منْ كلامِه، أيْ: نقولُ في شرْحِ بعضِه كذا وكذا، كما تَقدَّمَ نظيرُه. وقولُهُ: فكُنْ لمَا أذكُرُه إلخ، أيْ: إذا علِمْتَ ما ذكرْتُه فكُنْ لمَا أذكُرُه إلخ. وقولُهُ: أيْ من الأحكامِ، أيْ: منْ دالِّ الأحكامِ؛ لأنَّهُ الذي يُذْكَرُ ويُسمَعُ لا نَفْسُ الأحكامِ.
(قولُهُ: سَمْعَ تَفَهُّمٍ وإذعانٍ)، أيْ: سَمْعًا معهُ تَفَهُّمٌ للأحكامِ وقَبولٌ لها، لا سَمْعًا خاليًا عنْ ذلكَ؛ لأنَّهُ كالعَدَمِ.
(قولُهُ: ثمَّ اعْلَم إلخ)، غرَضُه التَّوْطِئَةُ لكلامِ المصنِّفِ بعْدُ. وقولُهُ: إنَّهُ، أي: الحالُ والشأنُ. وقولُهُ: فتارةً يَستويانِ أوْ يَستوونَ إلخ، أيْ: كابنيْنِ أوْ بنينَ، وأخوَيْنِ أوْ إخوةٍ، وعَمَّيْنِ أوْ أعمامٍ. ولا يَخفَى أنَّ قولَهُ: يَستويانِ، راجعٌ لقولِهِ: عاصبانِ، وأنَّ قولَه: أوْ يَستوونَ، راجعٌ لقولِهِ: فأكثَرَ، ففيهِ لَفٌّ ونَشْرٌ مُرَتَّبٌ. وكذا يُقالُ في قولِهِ: فيَشتركانِ أوْ يَشتركونَ، المفَرَّعُ على ذلكَ.
وقولُهُ: في المالِ، أيْ: إنْ لمْ يكُنْ هناكَ أصحابُ فروضٍ. وقولُهُ: أوْ ما أبْقَت الفروضُ، أيْ: إنْ كانَ هناكَ أصحابُ فروضٍ.
(قولُهُ: وتارةً يَختلفونَ)، كانَ المناسِبُ لسابقِه أنْ يقولَ: وتارةً يَختلفانِ أوْ يَختلفونَ. وقولُهُ: في شيءٍ منْ ذلكَ، أي: المذكورِ من الجهةِ والدرجةِ والقوَّةِ. فمثالُ الاختلافِ في الجهةِ ما لو اجتَمَعَ ابنٌ وأخٌ، ومثالُ الاختلافِ في الدرجةِ ما لو اجْتَمَعَ ابنٌ وابنُه، ومثالُ الاختلافِ في القوَّةِ ما لو اجتَمَعَ الأخُ الشقيقُ والأخُ للأبِ.
(قولُهُ: فيَحْجُبُ بعضُهم بعضًا)، أيْ: فيَحْجُبُ بعضُ العَصَبَة بعضًا، فالابنُ يَحْجُبُ الأخَ وابنَ الابنِ، والشقيقُ يَحجُبُ الذي لأبٍ.
(قولُهُ: وذلكَ)، أيْ: حجْبُ بعضِهم بعضًا المفهومُ ممَّا قَبلَه. وقولُهُ: على قاعدةٍ ذكَرَها الجعبريُّ إلخ، حاصلُ تلكَ القاعدةِ أنَّهُ عندَ الاختلافِ في الجهةِ، كما لو اجتَمَعَ ابنٌ وأخٌ، يُقَدَّمُ بالجهةِ. وعندَ الاتِّحادِ فيها معَ الاختلافِ في الدرجةِ، كما لو اجتَمَعَ ابنٌ وابنُه، يُقَدَّمُ بقُرْبِ الدرجةِ. وعندَ الاتِّحادِ في الجهةِ والدرجةِ معَ الاختلافِ في القوَّةِ، كما لو اجتَمَعَ أخٌ شقيقٌ وأخٌ لأبٍ، يُقَدَّمُ بالقوَّةِ.
(قولُهُ: حيثُ قالَ)، أيْ: لأنَّهُ قالَ. وقولُهُ: فبالجهةِ التقديمُ، أيْ: فالتقديمُ في الإرْثِ بالجهةِ عندَ الاختلافِ فيها. والجهاتُ سبعٌ، ستأتي في كلامِه. وقولُهُ: ثمَّ بِقُرْبِه، أيْ: ثمَّ التقديمُ بقُرْبِ العاصِبِ في الدرجةِ عندَ الاختلافِ فيها، فالضميرُ عائدٌ على العاصِبِ المعلومِ من المقامِ، خلافًا لمَنْ جَعَلَه راجعًا للمقدَّمِ المفهومِ من التقديمِ؛ لأنَّهُ يصيرُ التقديرُ هكذا: ثمَّ التقديمُ بقُرْبِ المقدَّمِ، وهوَ غيرُ ظاهرِ المعنى كما قالَه الأستاذُ الحفنيُّ. وقولُهُ: وبعدَهما التقديمُ بالقوَّةِ اجْعَلا، أيْ: وبعْدَ الجهةِ والقرْبِ اجْعَلَنَّ التقديمَ بالقوَّةِ عندَ الاختلافِ فيها، وتَقَدَّمَتْ أمثلةُ ذلكَ.
(قولُهُ: وذَكَرَ المصنِّفُ بعضَها)، أي: الذي هوَ التقديمُ بالدرجةِ، وهذا قدْ ذكَرَه بقولِهِ: وما لذي البُعْدَى إلخ. والتقديمُ بالقوَّةِ، وهذا قدْ ذكَرَه بقولِهِ: والأخُ والعمُّ إلخ. ولمْ يَذْكُر المصنِّفُ التقديمَ بالجهةِ، وهذا كلُّه نشأَ منْ قَصْرِ الشارحِ كلامَ المصنِّفِ على الدرجةِ؛ حيثُ قالَ: وما لذي الدرجةِ البُعْدَى إلخ. والأَوْلَى جعْلُه شاملًا للجهةِ أيضًا، فيكونُ المعنى: وما لذي البُعْدَى جهةٌ أوْ درجةٌ إلخ. وعلى هذا فيكونُ المصنِّفُ ذكَرَ كلَّ القاعدةِ لا بعضَها. لكنْ قالَ المحقِّقُ الأميرُ: البُعْدُ والقرْبُ في الاصطلاحِ، إنَّما يُقالُ في درجاتِ جهةٍ واحدةٍ. والقولُ بأنَّهُ ذَكَرَ الجميعَ، وأنَّ المرادَ بُعْدَى جهةٍ أوْ درجةٍ، بَعيدٌ، انتهى. أيْ: فالشارحُ نظَرَ للاصطلاحِ وقَصَرَ كلامَ المصنِّفِ على الدرجةِ، وأخبَرَ بأنَّهُ ذكَرَ بعضَ القاعدةِ.
(قولُهُ: وما لذي إلخ)، ما نافيةٌ مُلْغَاةٌ لا عَمَلَ لها على المختارِ، والجارُّ والمجرورُ خبرٌ مقَدَّمٌ، وحظٌّ مبتدَأٌ مؤخَّرٌ بزيادةِ مِنْ؛ لأنَّهُ يُشتَرَطُ لعملِ ما هذهِ أنْ لا يَتقدَّمَ خبرُها على اسْمِها وإنْ كانَ ظرْفًا أوْ جارًّا ومجرورًا على الأصَحِّ، خلافًا لابنِ عُصفورٍ. فما مَشَى عليهِ الشارِحُ في الفائدةِ مبْنِيٌّ على قولٍ لبعضِ النحاةِ.
(قولُهُ: الدرجةُ الْبُعْدَى)، قدْ عَرَفْتَ ما فيهِ من القصورِ، وعلِمْتَ أنَّ الشارِحَ نظَرَ للاصطلاحِ.
(قولُهُ: وإنْ كانَ قويًّا)، أيْ: وإنْ كانَ ذو الدرجةِ البُعْدَى قويًّا، فلا يُنْظَرُ للقوَّةِ حينئذٍٍ فيُقَدَّمُ ابنُ أخٍ لأبٍ على ابنِ ابنِ أخٍ شقيقٍ، كما سيُصَرِّحُ بهِ الشارِحُ.
(قولُهُ: معَ الوارثِ)، أيْ: حالَ كونِه معَ الوارثِ إلخ. وأشارَ الشارحُ بتقديرِ الوارثِ إلى أنَّ قولَ المصنِّفِ: القريبِ، صفةٌ لموصوفٍ محذوفٍ. وقولُهُ: القريبِ، أيْ: درجةً على كلامِ الشارحِ. وعلى كلامِ غيرِه درجةً وجِهةً.
(قولُهُ: إذا كانا)، أيْ: ذو الدرجةِ البُعْدَى والقريبُ في الدرجةِ. وقولُهُ: منْ جهةٍ واحدةٍ، أيْ: كما لو اجْتَمَعَ ابنٌ وابنُهُ.
وقولُهُ: في الإرثِ، أي: الموروثِ. وقولُهُ: منْ حظٍّ ولا نصيبٍ، العطْفُ فيهِ للتفسيرِ.
(قولُهُ: لِحَجْبِه بالأقربِ منهُ درجةً)، أيْ: لِحَجْبِ ذي الدرجةِ البُعْدَى بالوارثِ الأقربِ منهُ درجةً. وهذا تعليلٌ لقولِ المصنِّفِ: وما لذي البُعْدَى إلخ.
(قولُهُ: وإنْ كانَ ضعيفًا)، أيْ: وإنْ كانَ الأقربُ درجةً ضعيفًا، فيُقَدَّمُ لقُرْبِه في الدرجةِ وإنْ كانَ ضعيفًا في القرابةِ، كما في المثالِ الذي ذكَرَه الشارحُ.
(قولُهُ: كابنِ أخٍ لأبٍ وابنِ ابنِ أخٍ شقيقٍ)، الأوَّلُ قريبُ درجةٍ لكنَّهُ ضعيفُ قرابةٍ، والثاني بعيدُ درجةٍ لكنَّهُ قويُّ قرابةٍ. وقولُهُ: فلا شيءَ للثاني معَ الأوَّلِ، أيْ: فلا شيءَ لابنِ ابنِ الأخِ الشقيقِ معَ ابنِ الأخِ للأبِ. وقولُهُ: إجماعًا، أيْ: بالإجماعِ. وقولُهُ: لكونِه أبعَدَ منهُ درجةً، أيْ: لكونِ الثاني الذي هوَ ابنُ ابنِ الأخِ الشقيقِ أبعدَ من الأوَّلِ الذي هوَ ابنُ الأخِ لأبٍ، وهذهِ العلَّةُ سنَدٌ للإجماعِ؛ فلذلكَ لمْ يأتِ بالعاطِفِ. وقولُهُ: وإنْ كانَ أقوى من الأوَّلِ، أيْ: والحالُ أنَّ الثانيَ أقوى من الأوَّلِ في القرابةِ، فالواوُ للحالِ وإنْ وَصْلِيَّةٌ.
(قولُهُ: وكابنٍ وابنِ ابنٍ)، الأوَّلُ قريبٌ في الدرجةِ، والثاني بعيدٌ فيها. وقولُهُ: وإنْ لمْ يُدْلِ بهِ، أيْ: وإنْ لمْ يُدْلِ ابنُ الابنِ بالابنِ، كأنْ ماتَ الميِّتُ عن ابنٍ وابنِ ابنٍ آخَرَ.
(قولُهُ: وكأبٍ وجَدٍّ)، في هذا المثالِ نظَرٌ؛ لأنَّ كلامَهُ الآن في اختلافِ الدرجةِ معَ اتِّحادِ الجهةِ، وهذا المثالُ اختلَفَتْ فيهِ الجهةُ كالدرجةِ لمَا يأتي منْ أنَّ الأبوَّةَ جهةٌ، والجدودةَ معَ الأُخُوَّةِ جهةٌ. نعم الجدودةُ والأبوَّةُ عندَ الحنفيَّةِ جهةٌ واحدةٌ. وعليهِ فالمثالُ ظاهرٌ، فتَدَبَّرْ.
(قولُهُ: وكابنِ أخٍ شقيقٍ وابنِ ابنِ أخٍ شقيقٍ أوْ لأبٍ)، الأوَّلُ قريبٌ في الدرجةِ، والثاني بعيدٌ فيها معَ الضعْفِ في القرابةِ إنْ كانَ ابنُ ابنِ الأخِ لأبٍ. وقولُهُ: وكعمٍّ شقيقٍ أوْ لأبٍ وابنِ عمٍّ شقيقٍ أوْ لأبٍ، العمُّ بقسمَيْهِ قريبٌ في الدرجةِ عن ابنِ العمِّ بقسمَيْهِ.
(قولُهُ: فلا شيءَ للثاني معَ الأوَّلِ)، راجعٌ لما عَدَا المثالِ الأوَّلِ؛ لأنَّهُ قدْ قالَ فيهِ: فلا شيءَ للثاني معَ الأوَّلِ، فلوْ رجَعَ إليه أيضًا لتَكرَّرَ. وقولُهُ: لبُعْدِه، أيْ: لبُعْدِ الثاني عن الأوَّلِ في الدرجةِ.
(قولُهُ: فائدةٌ)، أيْ: هذهِ فائدةٌ. وقولُهُ: ما حِجازيَّةٌ، بكسْرِ الحاءِ، ويَصِحُّ كونُها تميميَّةً. وقولُهُ: ولذي البُعْدَى خبرُها إلخ، قدْ عَرَفْتَ أنَّ ما جَرَى عليهِ الشارِحُ طريقةٌ لبعضِ النحاةِ، والراجِحُ خلافُه، وعليهِ فما مُلغَاةٌ لا عمَلَ لها، ولذي البُعْدَى خبرٌ مقَدَّمٌ، وحَظٌّ مبتدأٌ مؤخَّرٌ بزيادةِ مِنْ، كما تَقَدَّمَ.
(قولُهُ: وجازَ تقديمُه لكونِه جارًّا ومجرورًا)، أيْ: على قولٍ لبعضِ النحاةِ. قالَ في شرْحِ الكافيةِ: من النَّحْويِّينَ مَنْ يَرى عَمَلَ ما إذا تَقَدَّمَ خبَرُها وكانَ ظرفًا أوْ مجرورًا، انتهى، لكنَّ الراجحَ خلافُه كما مَرَّ. وقولُهُ: ومنْ حظٍّ اسْمُها، فيهِ تَسَمُّحٌ؛ لأنَّ مِنْ ليست من الاسمِ.
(قولُهُ: وهوَ مجرورٌ بمِن الزائدةِ)، لكنْ في مَحَلِّ رفْعٍ؛ لكونِه اسْمَ ما على ما مَشَى عليهِ الشارِحُ، أوْ لكونِه مبتدأً على الراجِحِ. وقولُهُ: لتنصيصِ العمومِ، أيْ: للتنصيصِ على العمومِ، وهذا تعليلٌ لزيادةِ مِنْ، وأصْلُ العمومِ مستفادٌ منْ وقوعِ النكرةِ في سياقِ النفيِ؛ لأنَّ النكرةَ في سياقِ النفيِ تَعُمُّ، وزيادةُ مِنْ للتنصيصِ على العمومِ.
(قولُهُ: وسوَّغَ زيادتَها إلخ)، أيْ: وجَوَّزَ زيادتَها إلخ؛ وذلكَ لأنَّهُ يُشتَرَطُ لجوازِ زيادتِها تَقَدُّمُ النفيِ، وكونُ مجرورِها نكرةً، فلا تُزادُ في الإثباتِ، ولا فيما إذا كانَ مجرورُها معرفةً. وبعضُهم جَوَّزَ زيادتَها مطْلَقًا كما هوَ مقرَّرٌ في علْمِ النحوِ.
(قولُهُ: ولا يَخْفَى ما في عطْفِ النصيبِ على الحظِّ)، أيْ: في قولِ المصنِّفِ منْ حظٍّ ولا نصيبٍ. وقولُهُ: مِن التوكيدِ، بيانٌ لمَا.
وقولُهُ: فإنَّهُما بمعنًى واحدٍ، أيْ: لأنَّهما مُتَلبِّسانِ بمعنًى واحدٍ، فهما مترادفانِ، وعطْفُ أحدِ المترادِفَيْنِ على الآخَرِ يُفيدُ التوكيدَ. وقولُهُ: قالَ القرطبيُّ إلخ، تأييدٌ لقولِهِ: فإنَّهُما بمعنًى واحدٍ.
(قولُهُ: والأخُ إلخ)، هذا شروعٌ في التقديمِ بالقوَّةِ معَ الاتِّحادِ في الجهةِ والدرجةِ. وقولُ الشارحِ: لأمٍّ وأبٍ، أخَذَهُ منْ كلامِ المصنِّفِ بعدَهُ. فقولُ المصنِّفِ: لأمٍّ وأبٍ، راجعٌ لكلٍّ من الأخِ والعمِّ. وقولُهُ: وابنُ الأخِ لأمٍّ وأبٍ وابنُ العمِّ لأمٍّ وأبٍ، أشارَ بذلكَ إلى أنَّ في كلامِ المصنِّفِ حذفًا، وإنَّما حذَفَ المصنِّفُ ذلكَ لأنَّهُ يُعلَمُ بالمُقايسَةِ.
(قولُهُ: أَوْلَى من الْمُدْلِي بشَطْرِ النسَبِ)، أيْ: أحَقُّ من المدْلِي للميِّتِ بنصْفِ النسَبِ من العَصَبَاتِ، فلا يَرُدُّ الأخَ للأمِّ كما سيَذكُرُهُ الشارِحُ، لكنَّ كلامَ المصنِّفِ يَقتضي أنَّ المدْلِي بشَطْرِ النسَبِ لهُ حقٌّ، وليسَ كذلكَ؛ لأنَّهُ لا حَقَّ له بالكلِّيَّةِ معَ المدْلِي بالجهتينِ، ولذلكَ قالَ بعضُهم: أفعَلُ التفضيلِ على غيرِ بابِه، لكنْ نصَّ بعضُ المحقِّقينَ على أنَّ أفعَلَ التفضيلِ متى اقتَرَنَ بمِن لا يكونُ إلَّا على بابِه، فليُتَأَمَّلْ.
(قولُهُ: وهوَ)، أي: الْمُدْلِي بشَطْرِ النسَبِ. وقولُهُ: في الأُولَى، أيْ: صورةِ الأخِ للأبِ والأمِّ. وقولُهُ: في الثانيةِ، أيْ: صورةِ العمِّ للأبِ والأمِّ. وقولُهُ: في الثالثةِ، أيْ: صورةِ ابنِ الأخِ للأبِ والأمِّ. وقولُهُ: في الرابعةِ، أيْ: صورةِ ابنِ العمِّ للأبِ والأمِّ.
(قولُهُ: فيَحْجُبُه)، أيْ: فيَحْجُبُ الْمُدْلِي بالجهتينِ الْمُدْلِيَ بشَطْرِ النسبِ. وقولُهُ: في جميعِها، أيْ: في جميعِ الصوَرِ الأربعةِ.
وقولُهُ: لأنَّهُ أقْوَى منهُ، أيْ: لأنَّ المدْلِي بالجهتينِ أقوى من المدْلِي بجهةٍ واحدةٍ.
(قولُهُ: لا يُقالُ ظاهرُ عبارتِه يَقتضي إلخ)، أيْ: حيثُ عبَّرَ بقولِهِ: أَوْلَى من الْمُدْلِي بشَطْرِ النسَبِ، والأخُ للأمِّ مدلٍ بشَطْرِ النسَبِ، فيَقتضي ظاهرُه أنَّهُ محجوبٌ بالأخِ الشقيقِ، وليسَ كذلكَ، بلْ هوَ صاحبُ فرْضٍ. وقولُهُ: فإنَّهُ مدلٍ إلخ، هوَ تعليلٌ لقولِهِ: يَقتضي إلخ.
(قولُهُ: لأنَّا نقولُ كلامَه إلخ)، أيْ: فالأخُ للأمِّ خارجٌ بقرينةِ السياقِ؛ لأنَّ سياقَ كلامِه في العَصَبَاتِ وليسَ منها الأخُ للأمِّ.
(قولُهُ: تنبيهانِ)، أيْ: هذانِ تنبيهانِ. وقولُهُ: الأوَّلُ، أي: التنبيهُ الأوَّلُ.
(قولُهُ: بعضُ القاعدةِ)، قدْ علِمْتَ ما فيهِ. وقولُهُ: قبلَ إيضاحِ ذلكَ، أي: المذكورِ من القاعدةِ.
(قولُهُ: إنَّ جهاتِ العصوبةِ عندَنا سبعٌ)، وكذلكَ عندَ المالكيَّةِ. وأمَّا عندَ الحنابلةِ فسِتٌّ بإسقاطِ بيتِ المالِ. وعندَ الحنفيَّةِ أنَّها خمْسٌ بإدراجِ الْجُدودةِ في الأبوَّةِ، وإدخالِ بني الأُخُوَّةِ في الأُخُوَّةِ، وإسقاطِ بيتِ المالِ، ولذلكَ قالوا في عَدِّها: البنوَّةُ ثمَّ الأبوَّةُ ثمَّ الأخوَّةُ ثمَّ العمومةُ ثمَّ الولاءُ.
(قولُهُ: البنوَّةُ)، إنَّما كانت البنوَّةُ أقْوَى من الأبوَّةِ معَ اشتراكِهما في الإدلاءِ إلى الميِّتِ بأنفسِهما، كما قالَه السِّبْطُ في شرْحِ الفصولِ؛ لأنَّ اللَّهَ تعالى بَدَأَ بالبنوَّةِ في قولِهِ تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}، والعرَبُ تَبْدَأُ بالأَهَمِّ فالأهَمِّ؛ ولأنَّ الابنَ يُعَصِّبُ أختَه، والأبَ لا يُعَصِّبُ أختَهُ ا هـ . باختصارٍ.
(قولُهُ: ثمَّ الْجُدودةُ والأخوَّةُ)، أيْ: فكلاهما جهةٌ واحدةٌ، وإنَّما كانتا جهةً واحدةً لأنَّ كلًّا من الجَدِّ والأخِ لغيرِ أمٍّ يُدْلِي بالأبِ. وتقديمُ الأخِ وابنِه على الجَدِّ في الولاءِ لأنَّهما فرْعُ الأبِ، والجَدُّ أصلُه، والفرْعُ أَقْوَى من الأصْلِ. وصَدَّنا عنْ ذلكَ الإجماعُ في النسَبِ كما مَرَّ.
(قولُهُ: ثمَّ بنو الإخْوَةِ)، وإنَّما كانوا جهةً مستقلَّةً لأنَّ بني الإخوةِ يُحجَبونَ بالجَدِّ، بخلافِ الإخوةِ فإنَّهُم يُشاركونَهُ. وقدْ عُلِمَ منْ كلامِه أنَّ الأخَ للأبِ مُقدَّمٌ على ابنِ الأخِ الشقيقِ، وهوَ كذلكَ لأنَّ قُرْبَ الدرجةِ آكَدُ منْ قَرابةِ الأمِّ. ألا ترى أنَّ الأخَ للأبِ يُعَصِّبُ أختَهُ، وابنَ الأخِ الشقيقِ لا يُعَصِّبُ أختَهُ؟! وعنْ أبي منصورٍ البَغداديِّ أنَّ ابنَ الأخِ الشقيقِ مُقدَّمٌ على الأخِ للأبِ تنزيلًا لهُ منزِلةَ أبيهِ كما نزَلَ ابنُ الابنِ منزلةَ أبيهِ. والقولُ بهذا يُوجِبُ القولَ بابنِ ابنِ الأخِ الشقيقِ يُقَدَّمُ على الأختِ للأبِ، ولا قائلَ بهِ ا هـ . من اللؤلؤةِ بتصرُّفٍ.
(قولُهُ: ثمَّ العمومةُ)، وأَدْرَجُوا فيها بني العمومةِ، فالترتيبُ بينَ العمِّ وابنِه ترتيبُ قُرْبٍ لا ترتيبَ جهةٍ، بخلافِه في الأخِ وابنِه كما يُعلَمُ ممَّا تَقَدَّمَ.
(قولُهُ: إذا علِمْتَ ذلكَ فإذا اجتَمَعَ إلخ)، أيْ: إذا علِمْتَ ترتيبَ الجهاتِ السبْعِ فأقولُ لكَ: إذا اجتَمَعَ إلخ. وقولُهُ: فمَنْ كانت جهتُه إلخ، أيْ: عندَ الاختلافِ في الجهةِ. وقولُهُ: وإنْ بَعُدَ، أيْ: فلا يُنظَرُ لقُرْبٍ ولا بُعْدٍ، بلْ للجهةِ عندَ الاختلافِ فيها.
وقولُهُ: على مَنْ كانتْ إلخ، متعلِّقٌ بمقدَّمٍ مِنْ قولِهِ: فهوَ مُقدَّمٌ.
(قولُهُ: فابنُ ابنِ ابنِ أخٍ شقيقٍ أوْ لأبٍ مُقَدَّمٌ على العمِّ)، أيْ: لأنَّ جهةَ بني الإخوةِ مقدَّمَةٌ على جهةِ العمومةِ. وقولُهُ: وذلكَ معنى قولِ الجعبريِّ إلخ، اسمُ الإشارةِ راجعٌ لقولِهِ: فمَنْ كانتْ جهتُه مقدَّمَةً إلخ.
(قولُهُ: فإن اتَّحَدَتْ جِهَتُهما)، هذا مقابِلٌ لمقدَّرٍ أشَرْتُ إليهِ بقَوْلِي: أيْ عندَ الاختلافِ في الجهةِ. وقولُهُ: فالقريبُ درجةً، أيْ: عندَ الاختلافِ في الدرجةِ. وقولُهُ: وإنْ كانَ ضعيفًا، أيْ: وإنْ كانَ القريبُ منْ جهةِ الدرجةِ ضعيفًا في القرابةِ. وقولُهُ: على البعيدِ، أيْ: منْ جهةِ الدرجةِ. وقولُهُ: وإنْ كانَ قويًّا، في القرابةِ. وقولُهُ: كما مثَّلْتُه آنِفًا، أيْ: قريبًا بعدَ قولِ المصنِّفِ: وما لذي البُعْدَى إلخ؛ فإنَّهُ قالَ هناكَ: كابنِ أخٍ لأبٍ وابنِ ابنِ أخٍ إلخ. وقولُهُ: وذلكَ معنى قولِ الجعبريِّ إلخ، اسمُ الإشارةِ راجعٌ لقولِهِ: فالقريبُ درجةً إلخ.
(قولُهُ: فإن اتَّحَدَتْ درجتُهما أيضًا)، أيْ: كما اتَّحَدَتْ جِهتُهما. وهذا مقابِلٌ لمقدَّرٍ أشَرْتُ إليه بقولِي: أيْ عندَ الاختلافِ في الدرجةِ. وقولُهُ: فالقوِيُّ وهوَ ذو القرابتينِ، أيْ: كالأخِ الشقيقِ وابنِه. وقولُهُ: على الضعيفِ وهوَ ذو القرابةِ الواحدةِ، أيْ: كالأخِ للأبِ وابنِه. وقولُهُ: كما سَبَقَ تمثيلُه قريبًا، أيْ: في قولِهِ: والأخُ لأمٍّ وأبٍ والعمُّ لأمٍّ وأبٍ إلخ. وقولُهُ: وذلكَ معنى قولِ الجعبريِّ إلخ، اسمُ الإشارةِ راجعٌ لقولِهِ: فالقوِيُّ إلخ.
(قولُهُ: قدْ تأتي في أصحابِ الفروضِ)، أيْ: فقطْ، فيُقَدَّمُ فيهم بالجِهةِ ثمَّ بالقُرْبِ ثمَّ بالقوَّةِ. فمثالُ التقديمِ فيهم بالجهةِ تقديمُ البنتِ أوْ بنتِ الابنِ على ولَدِ الأمِّ. ومثالُ التقديمِ فيهم بالقرْبِ تقديمُ البنتينِ على بِنْتَي ابنٍ لمْ يُعَصَّبَا. ومثالُ التقديمِ فيهم بالقوَّةِ تقديمُ الأختينِ الشقيقتينِ على الأختينِ لأبٍ لمْ يُعَصَّبَا. وقولُهُ: وفي أصحابِ الفروضِ معَ العَصَباتِ، أيْ: فيُقَدَّمُ فيهم بالجهةِ ثمَّ بالقُرْبِ ثمَّ بالقوَّةِ. فمثالُ التقديمِ بالجهةِ تقديمُ الأبِ أو الْجَدِّ على الإخوةِ للأمِّ. ومثالُ التقديمِ بالقرْبِ تقديمُ ابنٍ على بنتِ ابنٍ. ومثالُ التقديمِ بالقوَّةِ تقديمُ الأخِ الشقيقِ على الأختِ للأبِ. فَتَحْصُلُ أنَّ الأمثلةَ ستَّةٌ: ثلاثةٌ للتقديمِ في أصحابِ الفروضِ فقطْ، وثلاثةٌ للتقديمِ في أصحابِ الفروضِ معَ العَصَبَاتِ.
(قولُهُ: وعليها)، أيْ: على تلكَ القاعدةِ، والجارُّ والمجرورُ متعلِّقٌ بقولِهِ الآتي: يَنْبَنِي، كما لا يَخْفَى.
(قولُهُ: وهيَ)، أي: القاعدةُ الأخْرَى. وقولُهُ: أنَّ كلَّ مَنْ أَدْلَى بواسطةٍ حَجَبَتْهُ تلكَ الواسطةُ، أيْ: كابنِ الابنِ معَ الابنِ، وكأمِّ الأمِّ معَ الأمِّ، وكأمِّ الأبِ معَ الأبِ. فلا فَرْقَ بينَ أنْ يكونَ كلٌّ مِن المدْلِي والْمُدْلَى بهِ عَصَبَةً، أوْ صاحبَ فرْضٍ، أوْ صاحبَ فرْضٍ معَ عَصَبَةٍ. أفادَه في اللؤلؤةِ.
(قولُهُ: إلَّا وَلَدَ الأمِّ)، أيْ: إلَّا الأخَ للأمِّ؛ فإنَّهُ يَرِثُ معَ الواسطةِ التي أَدْلَى بها، وهيَ الأمُّ. ووجْهُ استثنائِه أنَّ شرْطَ حجْبِ الْمُدْلَى بهِ إمَّا اتِّحادُ جهتِهما كالابنِ معَ ابنِ الابنِ، وإما استحقاقُ الواسطةِ كلَّ التَّرِكَةِ لو انفرَدَتْ كالأبِ معَ الأخِ، وأمَّا الأمُّ معَ ولَدِها، فليستْ كذلكَ لأنَّها تأخُذُ بالأمومةِ، وهوَ يأخُذُ بالأُخُوَّةِ، ولا تَستَحِقُّ جميعَ التِّرِكَةِ إذا انفَرَدَت. ا هـ . شرْحُ الفصولِ للسِّبْطِ. (قولُهُ: يَنْبَنِي بابُ الحَجْبِ)، قدْ علِمْتَ أنَّهُ يَتعلَّقُ بهِ الجارُّ والمجرورُ.
(قولُهُ: ولمَّا أَنْهَى الكلامَ إلخ)، دخولٌ على كلامِ المصنِّفِ. وقولُهُ: شرَعَ في القِسْمِ الثاني، جوابُ لمَّا. وقولُهُ: فقالَ، عطْفٌ على شرَعَ.
(قولُهُ: والابنُ)، حَمَلَهُ الشارِحُ على الابنِ الحقيقيِّ؛ فلذلكَ قالَ: ومِثْلُه ابنُ الابنِ. ويُحتَمَلُ أنَّ المصنِّفَ أرادَ بهِ ما يَشمَلُ الابنَ المجازيَّ وهوَ ابنُ الابنِ. وقولُهُ: والأخُ، المرادُ بهِ ما يَشمَلُ الشقيقَ والذي لأبٍ دونَ الذي لأمٍّ، كما أشارَ إليه الشارحُ بقولِهِ: شقيقًا كانَ أوْ لأبٍ.
(قولُهُ: معَ الإناثِ)، أيْ: جنسِهنَّ، فَـ أَلْ للجنْسِ، وهيَ إذا دخَلَتْ على جَمْعٍ أبْطَلَتْ منهُ معنى الجمعيَّةِ، فيَصدُقُ بالواحدةِ والأكثرِ، كما أشارَ إليه الشارِحُ بقولِهِ: الواحدةِ فأكثَرَ.
(قولُهُ: المساويةِ أو المساوياتِ)، الأوَّلُ راجعٌ للواحدةِ، والثاني راجعٌ للأكثَرِ، ففيهِ لَفٌّ ونَشْرٌ مُرتَّبٌ. وقولُهُ: للذكَرِ، إنَّما لمْ يَقُلْ للأخِ؛ لأنَّ المعَصِّبَ قدْ يكونُ غيرَ أخٍ كما سيأتي. وقولُهُ: في الدرجةِ والقوَّةِ، أيْ: والجِهةِ أيضًا، فيَخرُجُ نحوَ بنتٍ وأخٍ. وليسَ قولُهُ: في الدرجةِ والقوَّةِ، راجعًا لكلٍّ من البناتِ والأخواتِ، بلْ قولُهُ: في الدرجةِ، راجعٌ للبناتِ. وقولُهُ: والقوَّةِ، راجعٌ للأخواتِ، وإلَّا فليسَ في البناتِ تفاوُتٌ بالقوَّةِ والضعْفِ حتَّى يَظهَرَ التقييدُ فيهِنَّ بالمساواةِ في القوَّةِ، وليسَ في الأخواتِ تفاوتٌ في الدرجةِ حتَّى يَظهَرَ التقييدُ فيهنَّ بالمساواةِ في الدرجةِ.
(قولُهُ: يُعصِّبَانِهِنَّ في الميراثِ)، أيْ: يَجعلانِهِنَّ عَصَبَةً في الإرثِ، فللذكَرِ مثلُ حظِّ الأنثيينِ. وقولُهُ: فتكونُ الأنثى إلخ، تفريعٌ على قولِهِ يُعصِّبانِهِنَّ. وقولُهُ: معَ الذكَرِ المساوي لها، أيْ: في الدرجةِ والقوَّةِ والجهةِ كما تَقَدَّمَ.
(قولُهُ: فالعَصَبَةُ بغيرِه أربعٌ إلخ)، تفريعٌ على قولِ المتْنِ والابنِ والأخِ، أيْ: معَ قولِ الشارحِ: ومثلُه ابنُ الابنِ. وقولُهُ: في الأخِ شقيقًا كانَ أوْ لأبٍ، فيُعْلَمُ منْ ذلكَ أنَّ العَصَبَةَ بغيرِه أربعٌ.
(قولُهُ: وتزيدُ بنتُ الابنِ)، أيْ: في التعصيبِ بالغيرِ. وقولُهُ: عليهنَّ، أيْ: على باقيَهُنَّ، وإلَّا فلا معنى لزيادةِ بنتِ الابنِ على نفسِها كما في الحفنيِّ. وقولُهُ: بأنَّهُ يُعَصِّبُها ابنُ ابنٍ في درجتِها، أيْ: بأنْ كانَ ابنُ عمِّها؛ لأنَّهُ هوَ الذي تَزيدُ بتعصيبِه على الباقي. وأمَّا إذا كانَ أخاها فقَدْ تَقَدَّمَ ولا تَزيدُ بهِ. وقولُهُ: مُطلَقًا، أيْ: سواءٌ كانَ لها شيءٌ من الثلُثينِ أم لا، كما يَدُلُّ عليهِ ما بعدَه.
(قولُهُ: ويُعَصِّبُها ابنُ ابنٍ أَنْزَلُ منها)، أيْ: بأنْ كانتْ عمَّتَه أوْ عمَّةَ أبيهِ أوْ جَدِّه. وقولُهُ: إذا لمْ يكُنْ لها إلخ، أيْ: بأنْ يكونَ هناكَ بنتانِ فأكثرُ فيُعَصِّبُها حينئذٍ لاستغراقِ البنتينِ فأكثَرُ للثلُثينِ، بخلافِ ما إذا كانَ لها شيءٌ من الثلُثينِ فلا يُعَصِّبُها حينئذٍ. وقولُهُ: منْ نصفِ إلخ، ظاهِرُ ذلكَ أنَّ النصْفَ يُقالُ له شيءٌ من الثلُثينِ ولوْ لمْ يُصاحبْهُ سدُسٌ وفيهِ ما فيهِ ا هـ أميرٌ ببعضِ تَصَرُّفٍ. لكنَّ الشارحَ نظَرَ لكونِ النصْفِ يَصْدُقُ عليهِ أنَّهُ شيءٌ من الثلُثينِ في الواقعِ وإنْ لمْ يَعتبِر الفَرَضِيُّونَ ذلكَ بلْ يَعُدُّونَه فرْضًا مستَقِلًّا. وقولُهُ: أوْ سدُسٌ، عطْفٌ على نصْفٍ. وقولُهُ: أوْ مشارَكةٌ فيهِ، أيْ: في السدُسِ. وأمَّا النصفُ فلا يَتأتَّى فيهِ مشارَكةٌ؛ إذْ لا يكونُ لاثنينِ فأكثرَ. وقولُهُ: أوْ في الثلُثينِ، أيْ: أوْ مشارَكةٌ في الثلُثينِ، وهوَ ناظِرٌ لكلِّ بنتٍ على حِدَتِها، فكلُّ واحدةٍ لها مشارَكةٌ في الثلُثينِ، وإلَّا فالمجموعُ لهُ الثلُثانِ بتمامِهما.
(قولُهُ: وتَزيدُ الأختُ)، أيْ: في التعصيبِ بالغيرِ. وقولُهُ: بأنَّهُ يُعَصِّبُها الجَدُّ، أيْ: لأنَّهُ بمنزِلةِ الأخِ في الإدلاءِ بالأبِ.
(قولُهُ: الأمثلةُ)، أيْ: هذهِ الأمثلةُ، فهيَ خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ كسائرِ التراجمِ، وهيَ ترجمةٌ لما سيَذكُرُه منْ أمثلةِ المنطوقِ والمفهومِ، فأمثلةُ المنطوقِ فيها تعصيبٌ، وأمثلةُ المفهومِ لا تَعصيبَ فيها، وكانَ الأظهَرُ أن يَذكُرَ الخارجَ قبلَ الأمثلةِ، كأنْ يقولَ: وخَرَجَ بقولِهِ: إذا لمْ يكُنْ لها شيءٌ من الثلُثينِ، ما إذا كانَ لها شيءٌ منهما فلا يُعَصِّبُها، ثمَّ يقولُ الأمثلةَ.
(قولُهُ: بنتٌ فأكثرُ)، أيْ: منها، كالبنتينِ فما فوقَهُما. وقولُهُ: معَ ابنٍ فأكثرَ، أيْ: منهُ، كالابنينِ فما فوقَهُما. وقولُهُ: المالُ بينهما، أيْ: إنْ كانَ هناكَ بنتٌ معَ ابنٍ. وقولُهُ: أوْ بينَهم، أيْ: إنْ كانَ هناكَ أكثرُ. وقولُهُ: للذكَرِ مثْلُ حظِّ الأنثيينِ، أيْ: مثْلُ نصيبِهما. والحكمَةُ في ذلكَ أنَّ الذكَرَ ذو حاجتينِ حاجةٍ لنفسِه وحاجَةٍ لعيالِه، والأنثى ذاتُ حاجةٍ فقطْ، وأيضًا فالأنثى قليلةُ العقْلِ وكثيرةُ الشهوةِ، فإذا كثُرَ عليها المالُ عظُمَ فسادُها، والرجلُ كامِلُ العقْلِ قليلُ الشهوةِ، فإذا كَثُرَ عليهِ المالُ صَرَفَهُ فيما يُفيدُه الثناءَ الجميلَ في الدنيا والثوابَ الجزيلَ في الآخرةِ. ورُوِيَ أنَّ جَعْفَرَ الصادقَ سُئِلَ عنْ ذلكَ، فقالَ: إنَّ حوَّاءَ أخَذَتْ حَفْنَةً من الْحِنْطَةِ وأَكَلَتْها، وأخذَتْ حَفْنَةً أخرى وخَبَّأَتْها، ثمَّ أخَذَتْ حَفْنَةً أخرى ودَفَعَتْها إلى آدَمَ، فلما جَعَلَتْ نصيبَها ضِعْفَ نصيبِ الذكَرِ قلَبَ اللَّهُ الأمْرَ عليها، فجَعَلَ نصيبَ الذكَرِ ضعْفَ نصيبِ الأنثى. انتهى من اللؤلؤةِ.
(قولُهُ: ومِثلُ ذلكَ)، أي: المذكورُ، وهوَ بنتٌ فأكثرُ معَ ابنٍ فأكثرَ. وقولُهُ: سواءٌ كانَ إلخ، تعميمٌ في ابنِ الابنِ. وقولُهُ: أو ابنَ عمِّها، هذا ممَّا زادَتْ بهِ بنتُ الابنِ على غيرِها.
(قولُهُ: وأختٌ شقيقةٌ معَ أخٍ شقيقٍ)، معطوفٌ على قولِهِ: بنتُ ابنٍ معَ ابنِ ابنٍ، وكذا قولُهُ: وأختٌ لأبٍ معَ أخٍ لأبٍ. وقولُهُ: فأكثَرُ في الجميعِ، أيْ: في جميعِ ما تَقَدَّمَ ما عدا المثالَ الأوَّلَ؛ لأنَّهُ صرَّحَ فيهِ بذلكَ، فهوَ راجعٌ للأمثِلَةِ الثلاثةِ السابقةِ، فالمعنى: بنتُ ابنٍ فأكثرُ معَ ابنِ ابنٍ فأكثرَ، وأختٌ شقيقةٌ فأكثرُ معَ أخٍ شقيقٍ فأكثرَ، وهكذا.
(قولُهُ: بنتٌ وبنتُ ابنٍ وابنُ ابنٍ في درجتِها)، فيُعَصِّبُها في هذا المثالِ، ولوْ كانَ لها شيءٌ من الثلُثينِ لمْ يُعَصِّبْها؛ لأنَّهُ إذا كانَ في درجتِها يُعَصِّبُها مُطلَقًا كما تَقَدَّمَ. وقولُهُ: سواءٌ كانَ إلخ، تعميمٌ في ابنِ الابنِ. وقولُهُ: أو ابنَ عمِّها، قدْ علِمْتَ أنَّهُ ممَّا زادَتْ بهِ بنتُ الابنِ على غيرِها. وقولُهُ: للبنتِ النصْفُ، وهوَ ثلاثةٌ. وقولُهُ: ولبنتِ الابنِ معَ ابنِ الابنِ الباقي، أيْ: وهوَ ثلاثةٌ أيضًا، فلابنِ الابنِ اثنانِ، ولبنتِ الابنِ واحدٌ. وأصْلُ المسألةِ من اثنينِ مَخرَجِ النصْفِ، لكن انكَسَرَ الباقي وهوَ واحدٌ على ثلاثةِ رؤوسٍ؛ لأنَّ ابنَ الابنِ برأسينِ، وبنتَ الابنِ برأسٍ، تَضْرِبُ الثلاثةَ في اثنينِ بستَّةٍ.
(قولُهُ: بنتُ ابنٍ وابنُ ابنِ ابنٍ أَنْزَلُ منها)، هذا مثالٌ لما إذا كانَ لها شيءٌ من الثلُثينِ وهوَ النصْفُ، فهوَ منْ أمثِلَةِ المفهومِ. وقولُهُ: لها النصْفُ، أيْ: وهوَ واحدٌ. وقولُهُ: والباقي لهُ، أيْ: وهوَ واحدٌ أيضًا. والمسألةُ من اثنينِ مَخْرَجِ النصفِ، ولا تعصيبَ في هذهِ الصورةِ؛ لأنَّ لها النصْفَ وهوَ ليسَ في درجتِها بلْ أَنْزَلُ منها؛ ولذلكَ قالَ الشارحُ: فلا يُعَصِّبُها إلخ. (قولُهُ: بنتٌ وبنتُ ابنٍ فأكثَرُ وابنُ ابنِ ابنٍ)، هذا مثالٌ لما إذا كانَ لها شيءٌ من الثلُثينِ وهوَ السدُسُ، أوْ مشارَكةٌ فيهِ، فإنْ كانتْ بنتَ ابنٍ واحدةً فلها السدُسُ معَ البنتِ، وإنْ كانتا اثنتينِ فأكثَرَ فلكلِّ واحدةٍ مشارَكةٌ في السدُسِ. وقولُهُ: للبنتِ النصْفُ، أيْ: وهوَ ثلاثةٌ. وقولُهُ: ولبنتِ الابنِ فأكثرَ السدُسُ، أيْ: وهوَ واحدٌ. ولا يَخفَى أنَّهُ منْكَسِرٌ على أكثَرَ منْ واحدةٍ، والتصحيحُ ظاهِرٌ. وقولُهُ: والباقي، أيْ: وهوَ اثنانِ، فالمسألةُ منْ ستَّةٍ مَخرجِ السدُسِ. وقولُهُ: فلا يُعَصِّبُها لما مَرَّ، أيْ: من استغنائِها بفرْضِها.
(قولُهُ: بِنْتَا ابنٍ وابنُ ابنِ ابنٍ)، هذا مثالٌ لما إذا كانَ لها شيءٌ من الثلُثينِ وهيَ مشاركةٌ في الثلُثينِ، فكلُّ واحدةٍ لها مشارَكةٌ فيهما وإنْ كانَ المجموعُ لهُ الثلُثانِ. وقولُهُ: لهما الثلُثانِ، أيْ: وهما اثنانِ. وقولُهُ: والباقي لهُ، أيْ: وهوَ واحدٌ، فالمسألةُ منْ ثلاثةٍ مَخْرَجِ الثلُثينِ. وقولُهُ: لمَا مَرَّ، أيْ: من استِغْنَائِهما بفرضِهما فلا يُعَصِّبُهما.
(قولُهُ: بنتٌ وبنتُ ابنٍ وبنتُ ابنِ ابنٍ وابنُ ابنِ ابنِ ابنٍ نازلٍ)، هذا المثالُ منْ أمثلةِ المنطوقِ بالنظَرِ لبنتِ ابنِ الابنِ؛ لأنَّها ليسَ لها شيءٌ من الثلُثينِ فيُعَصِّبُها، ومِنْ أمثلةِ المفهومِ بالنظَرِ لبنتِ الابنِ؛ لأنَّ لها شيئًا من الثلُثينِ وهوَ السدُسُ. ولعَلَّ الشارحَ نظَرَ لهذا فذكَرَ ذلكَ منْ أمثلةِ المفهومِ. وقولُهُ: للبنْتِ النصْفُ، أيْ: وهوَ ثلاثةٌ منْ أصْلِ المسألةِ؛ فإنَّ أصْلَها ستَّةٌ مَخرَجُ السدُسِ. وقولُهُ: ولبنتِ الابنِ السدُسُ، أيْ: وهوَ واحدٌ. وقولُهُ: والباقي، أيْ: وهوَ اثنانِ، لكن الاثنانِ لا يَنقسمانِ على بنتِ ابنِ الابنِ وابنِ ابنِ ابنِ الابنِ، وهما بثلاثةِ رؤوسٍ، فتُضْرَبُ الثلاثةُ في أصْلِ المسألةِ وهوَ ستَّةٌ بثمانيةَ عشَرَ، فللبنتِ ثلاثةٌ في ثلاثةٍ بتسعةٍ، ولبنتِ الابنِ واحدٌ في ثلاثةٍ بثلاثةٍ، يَبْقَى ستَّةٌ، فلابنِ ابنِ ابنِ الابنِ أربعةٌ، ولبنتِ ابنِ الابنِ اثنانِ. وقولُهُ: المذكورِ، أي: النازلِ.
(قولُهُ: وقِسْ على ذلكَ)، أيْ: قِسْ على ما ذُكِرَ من الأمثلةِ باقِيهَا.
(قولُهُ: أختٌ شقيقةٌ أوْ لأبٍ معَ جَدٍّ)، هذا هوَ الذي زادَتْ بهِ الأختُ على غيرِها. وقولُهُ: المالُ لهما، أيْ: أثلاثًا، فللجَدِّ اثنانِ، ولها واحدٌ؛ لأنَّ الجَدَّ بمنزِلَةِ الأخِ كَمَا تَقَدَّمَ.
(قولُهُ: والأصْلُ في ذلكَ كلِّه)، أيْ: الدليلُ على ذلكَ كلِّه. وقولُهُ: قولُهُ تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ}، دليلٌ لتعصيبِ الابنِ فأكثرَ البنتِ فأكثرَ. وقولُهُ: قولُهُ تعالى: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً} إلخ، دليلٌ لتعصيبِ الأخِ فأكثَرَ الأختِ فأكثرَ. وقولُهُ: وقياسٌ إلخ، دليلٌ لتعصيبِ ابنِ الابنِ فأكثرَ بنتِ الابنِ فأكثرَ. وقولُهُ: معَ ما سيأتي إلخ، أيْ: مِنْ أنَّهُ معَ الإناثِ كأخٍ، وهذا دليلٌ لتعصيبِ الجَدِّ للأختِ.
(قولُهُ: ولمَّا أنْهَى الكلامَ)، هذا دخولٌ على كلامِ المصنِّفِ. وقولُهُ: شرَعَ في القِسمِ الثالثِ، جوابُ لمَّا. وقولُهُ: وهوَ، أي: القسمُ الثالثُ. وقولُهُ: اثنانِ، أيْ: باعتبارِ كونِ الأخواتِ إمَّا شقيقاتٍ أوْ لأبٍ. وقولُهُ: فقالَ، عطْفٌ على شرَعَ.
(قولُهُ: والأخواتُ)، أيْ: جنسُهنَّ الصادقُ بالواحدةِ فأكثَرَ، كما أشارَ إليه الشارِحُ بقولِهِ: والمرادُ الواحدةُ فأكثَرُ. وقولُهُ: أنْ تكونَ إلخ، لا يَخفَى أنَّ جملةَ الشرْطِ وجوابَه خبرُ المبتدأِ. وقولُهُ: أيْ توجَدُ، إشارةٌ إلى أنَّهُ مضارعُ كانَ التامَّةِ. وقولُهُ: بناتٍ، أيْ: جنسَهُنَّ، كما أشارَ إليه الشارحُ بقولِهِ: واحدةً أوْ أكثرَ. وقولُهُ: أوْ بناتِ ابنٍ كذلكَ، أيْ: واحدةً أوْ أكثرَ.
(قولُهُ: فهُنَّ معَهُنَّ إلخ)، هذهِ الجملةُ جوابُ الشرطِ. ثمَّ إنَّهُ يُحتمَلُ أنْ يكونَ الضميرُ الأوَّلُ للأخواتِ، والثاني للبناتِ، وحينئذٍ فيُقْرَأُ معَصَّبَاتٌ بفتحِ الصادِ على أنَّهُ اسمُ مفعولٍ كما سلَكَهُ الشارحُ. ويُحتَمَلُ أنْ يكونَ الضميرُ الأوَّلُ للبناتِ، والثاني للأخواتِ، وحينئذٍ فيُقْرَأُ معَصِّبَاتٌ بكسْرِ الصادِ على أنَّهُ اسمُ فاعلٍ، وعلى هذا فمعَ بمعنى اللامِ، والأوَّلُ أحسَنُ.
(قولُهُ: وهذا معنى قولِ الفَرَضِيِّينَ إلخ)، أشارَ بهذا إلى أنَّ ما يُوجَدُ في بعضِ كتُبِ الفرائضِ وغيرِها منْ أنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: "اجْعَلُوا الْأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ عَصَبَاتٍ"، ليسَ له أصْلٌ يُعرَفُ، فليسَ منْ كلامِ النبيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنَّما هوَ منْ كلامِ الفَرَضِيِّينَ. وقولُهُ: الأخواتُ معَ البناتِ عَصَبَاتٌ، أيْ: جنْسُ الأخواتِ الصادقُ بالواحدةِ معَ جنْسِ البناتِ الصادقِ بالواحدةِ أيضًا عَصَبَةٌ، وإنَّما كانت الأخواتُ معَ البناتِ عَصَبَاتٍ ليَدْخُلَ النقصُ على الأخواتِ دونَ البناتِ فيما لوْ كانَ هناكَ بناتٌ معَ أخواتٍ؛ فإنَّهُ لوْ فَرَضْنَا للأخواتِ لعَالَت المسألةُ ونَقَصَ نصيبُ البناتِ، ولا يُمكِنُ إسقاطُ الأخواتِ، فجُعِلْنَ عَصَبَاتٍ ليَدْخُلَ النقْصُ عليهنَّ خاصَّةً كما قالَه إمامُ الحرمينِ، وحَكَى غيرُه في ذلكَ الإجماعَ، انتهى لؤلؤةٌ. (قولُهُ: والأصْلُ في ذلكَ حديثُ ابنِ مسعودٍ)، أي: الدليلُ على ذلكَ حديثُ ابنِ مسعودٍ. وقولُهُ: حيثُ قالَ: وما بَقِيَ فللأختِ، أيْ: فيَدُلُّ ذلكَ على أنَّها عَصَبَةٌ.
(قولُهُ: وهذا بشرطِ إلخ)، أيْ: وما ذُكِرَ منْ أنَّ الأختَ معَ البنتِ عَصَبَةٌ معَ الغيرِ متَلَبِّسٌ بشَرْطِ إلخ. وقولُهُ: فإنْ كانَ معها أخوها إلخ، وذلكَ لأنَّ الأخَ أقوَى من البنتِ فيُعَصِّبُ أختَه، فتصيرُ عَصَبَةً بالغيرِ لا معَ الغيرِ.
(قولُهُ: تَتِمَّةٌ)، أصلُها تَتْمِمَةٌ كتَكْمِلَةٍ، نُقِلَتْ حركةُ الميمِ الأُولَى للتاءِ الثانيةِ، وأُدْغِمَت الميمُ في الميمِ فصارَ تَتِمَّةً بفتحِ التاءِ الأُولى وكسْرِ الثانيةِ، ويَجوزُ إتْبَاعُ أوَّلِه لثانِيهِ في الكسْرِ، وهوَ المشهورُ على الألسنةِ.
(قولُهُ: حيثُ صارت الأختُ الشقيقةُ عَصَبَةً معَ الغيرِ)، أيْ: بأنْ كانتْ معَ البنتِ أوْ بنتِ الابنِ. وقولُهُ: صارتْ كالأخِ الشقيقِ، أيْ: صارتْ بمنزلتِه. وقولُهُ: فتَحْجِبُ الإخوةَ للأبِ، تفريعٌ على قولِهِ: صارتْ كالأخِ الشقيقِ، والمرادُ بالإخوةِ ما يَشْمَلُ الأخواتِ بدليلِ قولِهِ: ذكورًا كانوا أوْ إناثًا. وقولُهُ: ومَنْ بعدَهم من العَصَبَاتِ، أيْ: كبَنِي الإخوةِ وكالأعمامِ وبَنِيهِم.
(قولُهُ: وحيثُ صارت الأختُ للأبِ عَصَبَةً معَ الغيرِ)، أيْ: بأنْ كانتْ معَ البنتِ أوْ بنتِ الابنِ. وقولُهُ: صارتْ كالأخِ للأبِ، أيْ: صارتْ بمنزلتِه. وقولُهُ: فتَحْجُبُ بني الإخوةِ، تفريعٌ على قولِهِ: صارتْ كالأخِ للأبِ. وقولُهُ: ومَنْ بعدَهم من العَصَبَاتِ، أيْ: كالأعمامِ وبَنِيهِم.
(قولُهُ: ولمَّا فُهِمَ إلخ)، دخولٌ على كلامِ المصنِّفِ. وقولُهُ: أنَّ جميعَ الذكورِ عَصَبَاتٌ، أيْ: لذِكْرِ المصنِّفِ لهُم في التمثيلِ للعاصِبِ. وقولُهُ: إلَّا الزوجَ والأخَ للأمِّ، أيْ: فلَيْسَا عَصَبَةً لذِكْرِ المصنِّفِ لهما في أصحابِ الفروضِ، معَ كونِه لمْ يذكُر الزوْجَ في بابِ التعصيبِ خصوصًا، وقدْ قالَ فيهِ: من القراباتِ أو الموالي، والزوجُ ليسَ كذلكَ. وتَقدَّمَ أنَّهُ أرادَ بالأخِ خصوصَ الشقيقِ أوْ لأبٍ دونَ الذي لأمٍّ، بقرينةِ ذكْرِه لهُ في أصحابِ الفروضِ. وقولُهُ: وأنَّ جميعَ النساءِ صاحباتُ فرْضٍ، أيْ: لذِكْرِ المصنِّفِ لهنَّ في أصحابِ الفروضِ معَ كونِه عَدَّ في التعصيبِ الذكورَ فقطْ. وقولُهُ: إلَّا المعتِقةُ، أيْ: فهيَ عَصَبَةٌ لدخولِها في قولِهِ: والسيِّدِ المعتِقِ ذي الإنعامِ؛ إذ المرادُ بهِ الشخصُ ذكَرًا كانَ أوأنثى.
(قولُهُ: صرَّحَ إلخ)، جوابُ لمَّا. وقولُهُ: بذلكَ في النساءِ، أيْ: بكونِهنَّ صاحباتِ فرْضٍ إلَّا المعتِقةَ. وقولُهُ: بقولِهِ، أيْ: في قولِهِ: فلا محذورَ.
(قولُهُ: وليسَ في النساءِ)، أيْ: من النساءِ، ففي بمعنى منْ. وقولُهُ: طَرًّا، على قراءتِه بفتْحِ الطاءِ يكونُ مفعولًا مطلَقًا عامِلُه محذوفٌ يُقَدَّرُ من المعنى، أيْ: أقْطَعُ بذلكَ قطْعًا. وعلى قراءتِه بضَمِّ الطاءِ يكونُ حالًا في اللفظِ تأكيدًا في المعنى، فكأنَّهُ قالَ: في النساءِ جميعَهم، كما تَقَدَّمَ نظيرُه في قولِهِ: بنوهم جميعًا. وقولُهُ: عَصَبَةٌ بنفسِها، أيْ: فلا ينافي أنَّ فيهنَّ عَصَبَةً بالغيرِ ومعَ الغيرِ، فليسَ مرادُ المصنِّفِ نَفْيَ العَصَبَةِ منهنَّ مطلَقًا، بلْ خصوصُ العَصَبَةِ بالنفسِ، كما أشارَ إليهِ الشارحُ بالتقييدِ بقولِهِ: بنفسِها.
(قولُهُ: إلَّا الأنثى التي إلخ)، أشارَ الشارحُ إلى أنَّ التي صفةٌ لموصوفٍ محذوفٍ. وقولُهُ: مَنَّتْ، من الْمَنِّ وهوَ الإنعامُ، كما أشارَ إليه الشارحُ بقولِهِ: أيْ أَنْعَمَتْ، ومنهُ اسْمُه تعالى الْمَنَّانُ، فهوَ بمعنى المنْعِمِ. وقولُهُ: بعتْقِ الرقبةِ، أي: الذاتِ، فقدْ أَطْلَقَ اسمَ الجزءِ على الكلِّ، فهوَ مَجازٌ مرسَلٌ علاقتُه الكلِّيَّةُ والجزئيَّةُ، وإنَّما اخْتِيرَ اسمُ الرقبةِ لأنَّ الرِّقَّ كالغُلِّ في الرقبةِ.
(قولُهُ: منْ ذكَرٍ وأنثى)، بيانٌ للرقبةِ بمعنى الذاتِ. وقولُهُ: فهيَ عَصَبَةٌ، بيانٌ لمفَادِ الاستثناءِ. وقولُهُ: للعتيقِ، أيْ: لثبوتِ الولاءِ عليهِ بالمباشرَةِ. وقولُهُ: ولمَن انْتَمى إليهِ، أي: انتَسَبَ إلى العتيقِ لثبوتِ الولاءِ عليهِ بالسِّرَايةِ. وقولُهُ: بنَسَبٍ أوْ وَلاءٍ، متعلِّقٌ بانْتَمَى، فمَن انتمى إليه بنسَبٍ كابنِه، ومَن انْتَمَى إليه بولاءٍ كعتيقِه. وقولُهُ: على تفصيلٍ، أيْ: حالَ كونِ ذلكَ كائنًا على تفصيلٍ. وقولُهُ: سيأتي بعضُه، أيْ: في الفصولِ المذكورةِ في الخاتِمَةِ.
(قولُهُ: تَتِمَّاتٌ)، أيْ: ثلاثةٌ.
(قولُهُ: ابنُ كلِّ أخٍ لغيرِ أمٍّ كأبيهِ)، فابنُ الأخِ الشقيقِ كأبيهِ، وابنُ الأخِ للأبِ كأبيهِ، وأمَّا ابنُ الأخِ للأمِّ فليسَ كأبيهِ بلْ منْ ذوي الأرحامِ.
(قولُهُ: لا يَرُدُّونَ الأمَّ إلخ)، أيْ: لأنَّ ابنَ الأخِ لا يُسَمَّى أخًا بخلافِ ابنِ الابنِ فإنَّهُ يُسَمَّى ابنًا مَجازًا. وقولُهُ: ولا يُعَصِّبُون أخواتِهم، أيْ: لأنَّهُنَّ منْ ذواتِ الأرحامِ. وقولُهُ: ولا يَرِثُون معَ الجَدِّ، أيْ: لِحَجْبِه لهم. وقولُهُ: بخلافِ آبائِهم، أيْ: في الثلاثةِ، فيَرُدُّونَ الأمَّ من الثلُثِ إلى السدُسِ، ويُعَصِّبُون أخواتِهم ويَرِثُون معَ الجَدِّ.
(قولُهُ: وابنُ الشقيقِ يَسْقُطُ في المُشَرَّكَةِ)، أيْ: لأنَّهُ لا قوَّةَ لهُ كأبيهِ. وقولُهُ: وبالأخِ للأبِ، أيْ: ويَسْقُطُ بالأخِ للأبِ؛ لأنَّ جهةَ الأُخُوَّةِ مقدَّمَةٌ على جهةِ بني الأُخُوَّةِ. وقولُهُ: وبالأختِ إلخ، أيْ: لما تَقَدَّمَ منْ أنَّها حيثُ صارتْ عَصَبَةً معَ الغيرِ صارتْ كالأخِ، وهوَ يَحجُبُ ابنَ الأخِ، فكذلكَ ما أُلْحِقَ بهِ. وقولُهُ: ولا يَحْجُبُ الأخَ للأبِ، أيْ: لأنَّ جهةَ بني الأُخُوَّةِ متأخِّرةٌ عنْ جهةِ الأُخُوَّةِ، فالأخُ للأبِ هوَ الذي يَحْجُبُ ابنَ الأخِ كما ذكَرَه قَبلُ. وقولُهُ: بخلافِ أبيهِ، أيْ: في جميعِ هذهِ المسائلِ، فلا يَسقُطُ في المشرَّكَةِ بلْ يُقاسِمُ الإخوةَ للأمِّ فيها كما سيأتي، ولا يَسقُطُ بالأخِ للأبِ بل الأخُ للأبِ هوَ الذي يَسقُطُ بهِ، ولا يَسقُطُ بالأختِ بلْ يُعَصِّبُها إنْ كانتْ شقيقةً، ويَحجُبُها إنْ كانتْ لأبٍ، ويَحجُبُ الأخَ للأبِ.
(قولُهُ: وابنُ الأخِ للأبِ يَسقْطُ بابنِ الأخِ الشقيقِ)، أيْ: لأنَّ ابنَ الأخِ الشقيقِ أقوى من ابنِ الأخِ للأبِ. وقولُهُ: وبالأختِ للأبِ إلخ، أيْ: لما تَقدَّمَ منْ أنَّها حيثُ صارتْ عَصَبَةً معَ الغيرِ صارتْ كالأخِ للأبِ، وهوَ يَحجُبُ ابنَ الأخِ للأبِ، فكذلكَ ما أُلْحِقَ بهِ. وقولُهُ: ولا يَحْجُبُ ابنَ الشقيقِ، أيْ: لما علِمْتَ منْ أنَّ ابنَ الأخِ الشقيقِ أقوى من ابنِ الأخِ للأبِ. وقولُهُ: بخلافِ أبيهِ، أيْ: في هذهِ المسائلِ الثلاثةِ، فلا يَسْقُطُ بابنِ الأخِ الشقيقِ بلْ يَحْجُبُه، ولا يَسْقُطُ بالأختِ للأبِ بلْ يُعَصِّبُها، ويَحْجُبُ ابنَ الشقيقِ؛ لأنَّ جهةَ الأُخُوَّةِ مقدَّمَةٌ على جهةِ بني الأُخُوَّةِ.
(قولُهُ: الورثةُ أربعةُ أقسامٍ)، أيْ: منْ حيثُ الإرثُ بالفرْضِ فقطْ، والإرثُ بالتعصيبِ فقطْ، والإرثُ بهما ولا يُجْمَعُ بينَهما، والإرثُ بهما ويُجْمَعُ بينَهما.
(قولُهُ: قِسمٌ يَرِثُ بالفرْضِ وحدَه)، أيْ: دونَ التعصيبِ. وقولُهُ: من الجهةِ التي يُسَمَّى بها، أيْ: باسمٍ موافِقٍ لها في المادَّةِ، كالزوجِ فإنَّهُ يَرِثُ بالفرْضِ وحدَه من الجهةِ التي يُسَمَّى باسمٍ موافقٍ لها في المادَّةِ وهيَ الزوجيَّةُ، واحْتَرَزَ بذلكَ عمَّا لوْ كانَ الزوجُ ابنَ عمٍّ مثلًا، فإنَّهُ يَرِثُ بالتعصيبِ أيضًا، لا منْ تلكَ الجهةِ بلْ منْ جِهَةِ كونِه ابنَ عمٍّ.
(قولُهُ: وهوَ)، أي: القسمُ الذي يَرِثُ بالفرْضِ وحدَه. وقولُهُ: الأمُّ، فتَرِثُ بالفرْضِ وحدَه منْ جهةِ الأمُومَةِ. وقولُهُ: ووَلَدَاها، أيْ: ولدُ الأمِّ الذكَرُ والأنثى، فيَرِثانِ بالفرْضِ وحدَهُ منْ جهةِ الإخوةِ للأمِّ. وقولُهُ: والجَدَّتانِ، أي: الجدَّةُ منْ جهةِ الأمِّ والجدَّةُ منْ جهةِ الأبِ، فيَرِثانِ بالفرْضِ وحدَه منْ جهةِ الجدودةِ. وقولُهُ: والزوجانِ، أي: الزوجُ والزوجةُ، فيَرِثَانِ بالفرْضِ وحدَهُ منْ جهةِ الزوجيَّةِ.
(قولُهُ: وقِسمٌ يَرِثُ بالتعصيبِ وحدَه)، أيْ: دونَ الفرضِ. وقولُهُ: كذلكَ، أيْ: من الجهةِ التي يُسَمَّى بها، أيْ باسمٍ موافِقٍ لها في المادَّةِ، كابنِ العمِّ فإنَّهُ يَرِثُ بالتعصيبِ وحدَه من الجهةِ التي يُسَمَّى باسمٍ موافقٍ لها في المادَّةِ وهيَ بُنُوَّةُ الأعمامِ. واحتَرَزَ بذلكَ عمَّا لوْ كانَ ابنُ العمِّ زوجًا؛ فإنَّهُ يَرِثُ بالفرْضِ أيضًا لا منْ تلكَ الجهةِ بلْ منْ جهةِ كونِه زوْجًا.
(قولُهُ: وهمْ)، أي: القسمُ الذي يَرِثُ بالتعصيبِ وحدَه، وأتى بضميرِ الجمْعِ مراعاةً للخبرِ وهوَ قولُهُ: جميعُ العَصَبَةِ؛ فإنَّهُ جمْعٌ في المعنى. وقولُهُ: جميعُ العَصَبَةِ بالنفْسِ، أيْ: كالابنِ والأخِ وابنِه والعمِّ وابنِه. وقولُهُ: غيرُ الأبِ والجَدِّ، أيْ: فإنَّهُما ليسَ إرثُهما قاصرًا على الإرثِ بالتعصيبِ وحدَه من الجهةِ التي سُمِّيَا بها، وهيَ الأبوَّةُ والجُدودةُ، كما أنَّهُ ليسَ قاصرًا على الإرْثِ بالفرْضِ وحدَهُ من الجهةِ المذكورةِ، بلْ تارةً يَرِثَانِ بالفرْضِ وحدَهُ، وتارةً بالتعصيبِ وحدَه، وتارةً بهما. والجهةُ في الأحوالِ كلِّها واحدةٌ كما سيوضِّحُه الشارحُ.
(قولُهُ: وقِسمٌ يَرِثُ بالفرْضِ مرَّةً)، وذلكَ إذا لمْ يكُنْ هناكَ مُعَصِّبٌ. وقولُهُ: وبالتعصيبِ أخرى، أيْ: مَرَّةً أخرى، وذلكَ إذا كانَ هناكَ مُعَصِّبٌ. وقولُهُ: ولا يُجمَعُ بينَهما، أيْ: بينَ الفرْضِ والتعصيبِ. وقولُهُ: وهنَّ، أي: القسمُ الذي يَرِثُ بالفرضِ مَرَّةً وبالتعصيبِ أخرى، وإنَّما أتى بضميرِ جمْعِ النسوةِ مراعاةً للخبرِ وهوَ قولُهُ: ذواتُ. وأشارَ بقولِهِ: ذواتُ النصْفِ، إلى خروجِ الزوجِ؛ إذْ لا يَرِثُ بالفرْضِ مَرَّةً وبالتعصيبِ أخرى منْ جهةٍ واحدةٍ. وأمَّا ذواتُ النصفِ فيَرِثْنَ بالفرْضِ إنْ لمْ يكُنْ هناكَ مُعَصِّبٌ لهنَّ، وبالتعصيبِ إنْ كانَ هناكَ مُعَصِّبٌ لهنَّ والجهةُ واحدةٌ فيهما.
(قولُهُ: وقِسمٌ يَرِثُ بالفرْضِ مَرَّةً)، وذلكَ إذا كانَ هناكَ ابنٌ، أو ابنُ ابنٍ، أوْ بَقِيَ بعدَ الفروضِ قدْرُ السدُسِ فأقَلُّ، أوْ لمْ يَبْقَ شيءٌ ويُعَالَ بالسدُسِ. وقولُهُ: وبالتعصيبِ مَرَّةً، وذلكَ إذا لمْ يكُنْ هناكَ فرْعٌ وارثٌ لا ذكَرٌ ولا أنثى. وقولُهُ: ويُجمَعُ بينَهما مَرَّةً، وذلكَ إذا كانَ هناكَ أنثى من الفروعِ وفَضَلَ بعدَ الفروضِ أكثَرُ من السدُسِ.
(قولُهُ: وهوَ)، أي: القسْمُ الذي يَرِثُ بالفرْضِ مرَّةً وبالتعصيبِ مرَّةً ويُجْمَعُ بينَهما مَرَّةً. وقولُهُ: الأبُ والجَدُّ، فيَرِثُ الأبُ بجهةِ الأبوَّةِ، والجَدُّ بجهةِ الجدودةِ. وقولُهُ: فإنَّ كلًّا منهما يَرِثُ، أيْ: بالفرْضِ وحدَه. وقولُهُ: معَ ابنٍ أو ابنِ ابنٍ، فيكونُ للأبِ أو الجَدِّ السدُسُ، وما بَقِيَ للابنِ أو ابنِ الابنِ. وقولُهُ: وحيثُ بَقِيَ إلخ، عطْفٌ على قولِهِ: معَ ابنٍ أو ابنِ ابنٍ، أيْ: وفي حالةٍ، هيَ ما إذا بَقِيَ إلخ. وقولُهُ: قدْرُ السدُسِ، أيْ: كما لوْ ماتَ عنْ أمٍّ وبنتينِ وأبٍ أوْ جَدٍّ، فللأمِّ السدُسُ سهمٌ، وللبنتينِ الثلُثانِ أربعةُ أسهُمٍ، والباقي وهوَ قدْرُ السدُسِ سهمٌ للأبِ أوْ للجَدِّ، فالمسألةُ منْ ستَّةٍ. وقولُهُ: أوْ دونَ السدُسِ، أيْ: ويُعَالُ بما يُكَمِّلُ السدُسَ، وذلكَ كما لوْ مَاتَت الزوجةُ عنْ زوجٍ وبنتينِ وأبٍ أوْ جَدٍّ، للزوجِ الربُعُ ثلاثةٌ، وللبنتينِ الثلُثانِ ثمانيةٌ، والباقي سهْمٌ، وهوَ دونَ السدُسِ، فيُعالُ بسهْمٍ آخَرَ ليُكْمَلَ السدُسُ ويُعْطَى للأبِ أو الجَدِّ. فأصْلُ المسألةِ من اثنَيْ عشَرَ وتَعُولُ لثلاثةَ عشَرَ.
وقولُهُ: أوْ لمْ يَبْقَ شيءٌ، أيْ: ويُعَالُ بالسدُسِ، وذلكَ كما لوْ ماتَت الزوجةُ عنْ زوجٍ وأمٍّ وبنتينِ وأبٍ أوْ جَدٍّ، فللزوجِ الربُعُ ثلاثةٌ، وللأمِّ السدُسُ سهمانِ، وللبنتين الثلُثانِ ثمانيةٌ، معَ أنَّ الباقيَ سبعةٌ، فيُعَالُ لهما بواحِدٍ، ويُعالُ أيضًا للأبِ أوْ للجَدِّ بالسدُسِ سهمينِ، فأصْلُ المسألةِ من اثْنَيْ عشَرَ وتَعولُ لخمسةَ عشَرَ.
(قولُهُ: ويَرِثُ)، أيْ: كلٌّ منهما. وقولُهُ: بالتعصيبِ، أيْ: وحدَهُ. وقولُهُ: إذا خلا، أيْ: كلٌّ منهما. وقولُهُ: عن الفرْعِ الوارثِ، أيْ: ولوْ كانَ هناكَ ذو فرْضٍ آخَرُ كزوجةٍ. وقولُهُ: منْ ذكَرٍ أوْ أنثى، بيانٌ للفرعِ الوارثِ.
(قولُهُ: ويُجْمَعُ)، أيْ: كلٌّ منهما. وقولُهُ: بينَ الفرْضِ والتعصيبِ، أيْ: فيَرِثُ البعضُ بالفرْضِ، والبعضُ بالتعصيبِ. وقولُهُ: إذا كانَ هناكَ إلخ، أيْ: كما لوْ ماتَ عنْ بنتٍ وأمٍّ وأبٍ أوْ جَدٍّ، فللبنتُ النصْفُ ثلاثةٌ، وللأمِّ السدُسُ واحدٌ، يَبقى اثنانِ، وهما أكثرُ من السدُسِ، فيَأخُذُ الأبُ أو الجَدُّ واحدًا بالفرْضِ، وواحدًا بالتعصيبِ.
(قولُهُ: قدْ يَجتمِعُ في الشخْصِ جِهَتَا تعصيبٍ)، أيْ: كجهةِ البُنُوَّةِ وجهةِ العمومةِ في ابنٍ هوَ ابنُ ابنِ عمٍّ، وكجهةِ الأُخوَّةِ وجهةِ الولاءِ في أخٍ هوَ مُعْتِقٌ.
(قولُهُ: كابنٍ هوَ ابنُ ابنِ عمٍّ)، هذا تمثيلٌ للشخْصِ الذي اجْتَمَعَ فيهِ جِهَتَا التعصيبِ، وصورتُه أنْ تَتزوَّجَ امرأةٌ بابنِ عمِّها فتأتيَ منهُ بابنٍ، فذلكَ الابنُ ابنُها وابنُ ابنِ عمِّها. وقولُهُ: وكأخٍ هوَ مُعتِقٌ، صورتُه أنْ يَشتريَ شخْصٌ أخاهُ ثمَّ يُعتِقُه، فهوَ أخوهُ ومعتِقُه.
(قولُهُ: فيَرِثُ بأقواهُما)، أيْ: فيَرِثُ الشخصُ الذي اجتَمَعَ فيهِ جهتا تعصيبٍ بأقوى الجهتينِ. وقولُهُ: والأقوى معلومٌ من القاعدتينِ، أيْ: قاعدةُ الجعبرِيِّ وقاعدةُ كلِّ مَنْ أَدْلَى بواسطةٍ حجَبَتْهُ تلكَ الواسِطةُ، إلَّا أولادُ الأمِّ، فيُعْلَمُ من القاعدتينِ المذكورتينِ أقوى الجهتينِ، فأقوى الجهتينِ في الابنِ الذي هوَ ابنُ ابنِ عمٍّ جهةُ البُنوَّةِ؛ لأنَّها مقدَّمةٌ على جهةِ العمومةِ، وأقوى الجهتينِ في الأخِ الذي هوَ مُعتِقٌ جهةُ الأُخوَّةِ؛ لأنَّها مُقدَّمَةٌ على الولاءِ.
(قولُهُ: وقدْ يَجتمِعُ في الشخصِ جِهَتا فرْضٍ)، أيْ: كالبنتيَّةِ والأختيَّةِ من الأمِّ في بنتٍ هيَ أختٌ منْ أمٍّ، وكالأمومةِ والأختيَّةِ من الأبِ في أمٍّ هيَ أختٌ منْ أبٍ.
(قولُهُ: ولا يكونُ ذلكَ إلَّا في نِكاحِ المجوسِ)، أيْ: ولا يكونُ اجتماعُ جِهَتَي الفرْضِ في شخْصٍ إلَّا في نِكاحِ المجوسِ؛ لاستباحتِهم وَطْءَ المحارِمِ. وقولُهُ: وفي وَطْءِ الشُّبهةِ، أيْ: من المسلمينَ وغيرِهم، وإنَّما لمْ يكُنْ ذلكَ في نِكاحِ المسلمينَ؛ لأنَّ الشرْعَ مَنَعَ منْ نِكاحِ المحارمِ. (قولُهُ: فيَرِثُ بأقواهُما لا بهما)، أيْ: فيَرِثُ الشخصُ الذي اجتَمَعَ فيهِ جِهَتَا فرْضٍ بأقوى الجهتينِ لا بالجهتينِ معًا. وقولُهُ: على الأرجَحِ، وقيلَ: يَرِثُ بالجهتينِ جميعًا، وهوَ قولُ عُمَرَ وعليٍّ وابنِ مسعودٍ وعُمَرَ بنِ عبدِ العزيزِ وابنِ أبي ليلى وقتادةَ والثوريِّ وأبي حنيفةَ وأصحابِه وأحمدَ وإسحاقَ، وبهِ قالَ ابنُ سُرَيْجٍ وابنُ اللَّبَّانِ منْ أصحابِنا. وهناكَ قولٌ ضعيفٌ مصرَّحٌ بهِ عندَ المالكيَّةِ أنَّهُ يَرِثُ بالأكثرِ ا هـ . لؤلؤةٌ بزيادةٍ.
(قولُهُ: والقوَّةُ)، أيْ: قوَّةُ إحدى الجهتينِ على الأخرى. وقولُهُ: بأحدِ أمورٍ ثلاثةٍ، أيْ: وهيَ حَجْبُ إحداهما الأخرى حجْبَ حرمانٍ، وعدَمُ حجْبِ إحداهما حجْبَ حرمانٍ بالشخصِ والأخرى تُحْجَبُ، وكونُ إحداهما أقَلَّ حَجْبًا من الأخرى، كما يُعْلَمُ من الشارحِ.
(قولُهُ: الأوَّلُ أنْ تَحْجُبَ إحداهما الأخرى)، أيْ: حَجْبَ حرمانٍ، فجهةُ البنتيَّةِ تَحْجُبُ جهةَ الأختيَّةِ من الأمِّ حَجْبَ حِرمانٍ.
(قولُهُ: كبنتٍ هيَ أختٌ من الأمِّ)، هذا تمثيلٌ للشخصِ الذي اجتَمَعَ فيهِ جِهَتَا فرْضٍ، والقوَّةُ بِحَجْبِ إحداهما الأخرى.
وقولُهُ: كأنْ يَطَأُ مجوسيٌّ أمَّه، أيْ: أوْ يَطَأُ شخْصٌ أمَّهُ وَطْءَ شُبهةٍ. وقولُهُ: فتَلِدُ بنتًا، أيْ: فتَلِدُ أمُّه بنتًا منهُ. وقولُهُ: ثمَّ يَموتُ عنها، أيْ: عنْ تلكَ البنتِ. وقولُهُ: فتَرِثُ بِالبنتيَّةِ، أيْ: لا بالأختيَّةِ للأمِّ؛ لأنَّ البنتيَّةَ أقوى لِحَجْبِها للأختيَّةِ للأمِّ.
(قولُهُ: الثاني أنْ تكونَ إحداهما لا تُحْجَبُ)، أيْ: حجْبَ حرمانٍ بالشخصِ، والأخرى تُحْجَبُ، فجهةُ الأمُومَةِ أو البنتيَّةِ لا تُحْجَبُ حجْبَ حرمانٍ بالشخصِ، وجهةُ الأختيَّةِ من الأبِ تُحْجَبُ بالابنِ والأبِ والأخِ الشقيقِ.
(قولُهُ: كأمٍّ أوْ بنتٍ هيَ أختٌ منْ أبٍ)، هذا تمثيلٌ للشخصِ الذي اجتَمَعَ فيهِ جِهَتَا فرْضٍ، والقوَّةُ بعدَمِ حجْبِ إحداهما. وقولُهُ: كأنْ يَطَأَ مجوسيٌّ بنتَه، أوْ يَطَأَ شخْصٌ بنتَهُ وَطْءَ شُبهةٍ. وقولُهُ: فتَلِدُ بنتًا، أيْ: فتَلِدُ بنتُهُ بنتًا منهُ. وقولُهُ: ثمَّ تموتُ الصغرى عن الكُبرى، أيْ: فقد اجتمَعَ في الكبرى جِهَتَا فرْضٍ؛ لأنَّها أمُّها وأختُها منْ أبِيها. وقولُهُ: فتَرِثُ بالأمومةِ، أيْ: لا بالأختيَّةِ من الأبِ؛ لأنَّ الأمومةَ لا تُحْجَبُ حرمانًا بالشخصِ، بخلافِ الأختيَّةِ من الأبِ؛ فإنَّها تُحْجَبُ حرمانًا بهِ.
(قولُهُ: أوْ عكْسُه)، بأنْ تموتَ الكُبرى عن الصغرى، فقد اجْتَمَعَ في الصغرى جهتا فَرْضٍ؛ لأنَّها بنتُها وأختُها منْ أبيها. وقولُهُ: فتَرِثُ منها بالبنتيَّةِ، أيْ: لا بالأختيَّةِ للأبِ؛ لأنَّ البنتيَّةَ لا تُحْجَبُ حِرمانًا بالشخصِ، بخلافِ الأختيَّةِ للأبِ كما مَرَّ.
(قولُهُ: الثالثُ أنْ تكونَ إحداهما أقلَّ حَجْبًا)، أيْ: أنْ تكونَ إحدى الجهتينِ أقلَّ مَحجوبيَّةً من الأخرى، فحَجْبٌ مصْدَرُ المبنيِّ للمجهولِ؛ لأنَّهُ بمعنى المحجوبيَّةِ.
(قولُهُ: كجَدَّةٍ أمِّ أمٍّ هيَ أختٌ منْ أبٍ)، هذا تمثيلٌ للشخصِ الذي اجتَمَعَ فيهِ جهتا فرْضٍ، والقوَّةُ بكوْنِ إحداهما أقلَّ حَجْبًا من الأُخرى. وقولُهُ: كأنْ يَطَأَ مجوسيٌّ، أيْ: أوْ يَطَأَ شخصٌ بنتَهُ وَطْءَ شبهةٍ. وقولُهُ: فتَلِدُ بنتًا، أيْ: فتَلِدُ بنتُه الأُولى بنتًا منهُ.
وقولُهُ: ثمَّ يَطَأُ الثانيةَ، أيْ: بنتَهُ الثانيةَ. وقولُهُ: فتَلِدُ بنتًا، أيْ: فتَلِدُ بنتُه الثانيةُ بنتًا منهُ. وقولُهُ: ثمَّ تموتُ السُّفْلَى عن العُليا، أيْ: فقد اجتَمَعَ في العُليا جهتا فرْضٍ؛ لأنَّها جَدَّةُ السُّفْلَى أمُّ أمِّها، وأختُها منْ أبيها. وقولُهُ: بعدَ الوُسْطَى، أيْ: بعدَ موتِ الوسطى؛ لأنَّها لوْ كانتْ حيَّةً لحَجَبَت العُليا منْ جهةِ كونِها جَدَّةً، وتَرِثُ حينئذٍ بالأختيَّةِ كما سيَذكُرُه بعدُ. وقولُهُ: والأبُ، أيْ: وبعدَ موتِ الأبِ، فهوَ معطوفٌ على الوُسْطَى، وإنَّما قُيِّدَ بذلكَ لتكونَ جهةُ الأختيَّةِ غيرَ محجوبةٍ، كما أن جهةَ الجدودةِ غيرُ محجوبةٍ. وبعضُهم جعَلَهُ معطوفًا على العُليا؛ لأنَّ موتَ الأبِ ليسَ شرْطًا في إرثِ العُليا؛ لكونِها تَرِثُ بالجدودةِ منْ جهةِ الأمِّ، والأبُ لا يَحجُبُها منْ تلكَ الجهةِ، وإن حَجَبَها منْ جهةِ الأختيَّةِ للأبِ. وقالَ الشيخُ الأميرُ: لوْ حذَفَهُ ما ضَرَّ عطَفْتَهُ على الوسطى أو العُليا. وقولُهُ: فتَرِثُها بالجدودةِ دونَ الأختيَّةِ، أيْ: لأنَّ الجدودةَ منْ جهةِ الأمِّ وإنْ حُجِبَتْ بالأمِّ، إلَّا إنَّها أقلُّ محجوبيَّةً من الأختيَّةِ للأبِ، فتَرِثُ بالجدودةِ السدُسَ معَ أنَّها لوْ وَرِثَتْ بالأختيَّةِ لاسْتَحَقَّت النصفَ. وهناكَ قولٌ ضعيفٌ مصَرَّحٌ بهِ عندَ المالكيَّةِ أنَّها تَرِثُ بالأكثرِ كما تَقَدَّمَ.
(قولُهُ: فلوْ كانتْ إلخ)، مقابلُ لمحذوفِ، والتقديرُ: هذا إذا لمْ تكُن الجهةُ القويَّةُ محجوبةً، فلوْ كانتْ إلخ، والجهةُ القويَّةُ كالجدودةِ، والضعيفةُ كالأختيَّةِ للأبِ في المثالِ المذكورِ.
وقولُهُ: كأنْ تموتَ السُّفلى، أي: التي هيَ البنتُ الأخيرةُ. وقولُهُ: عن الوُسْطَى، أي: التي هيَ أمُّها وأختُها لأبيها. وقولُهُ: والعُليا، أيْ: وعن العُليا التي هيَ جَدَّتُها أمُّ أمِّها وأختُها منْ أبيها.
وقولُهُ: فتَرِثُ العُليا بالأختيَّةِ، أيْ: فتَرِثُ العُليا التي هيَ جَدَّةٌ أمُّ أمٍّ وأختٌ لأبٍ بالأختيَّةِ للأبِ لا بالجدودةِ لِحَجْبِها بالأمِّ التي هيَ الوُسطى، فتَرِثُ النصْفَ لكونِها أختًا لأبٍ. وقولُهُ: وبالوُسْطَى بالأمومةِ، أيْ: وتَرِثُ الوُسْطَى التي هيَ أمٌّ وأختٌ لأبٍ بالأمومةِ لا بالأختيَّةِ؛ لأنَّ الأمومةَ لا تُحْجَبُ بخلافِ الأختيَّةِ كما تَقَدَّمَ. ويُعَابَا بها، فيُقالُ: أيُّ جَدَّةٍ لها النصْفُ فرْضًا، وأيُّ حاجِبٍ يَزِيدُ نصيبُ محجوبِه بوجودِه، وأيُّ جَدَّةٍ وَرِثَتْ معَ الأمِّ؟ ولذلكَ قالَ الشيخُ الأميرُ مُلْغِزًا فيها:
أمَوْلايَ قُلْ لِي في الفرائضِ: جَدَّةٌ = لها النصْفُ فرْضًا ما سَمِعْتُ بمثلِهِ
وما حاجبٌ قدْ زادَ محجوبُه بهِ = فما حجْبُهُ والإرثُ يَنْمُو لأجْلِهِ
وما جَدَّةٌ نالتْ معَ الأمِّ إرثَها = وأَدْلَتْ بها أرْشِدْ فتاكَ لسُؤْلِهِ
(وقالَ العلَّامَةُ السجاعيُّ مُلْغِزًا فيها أيضًا):
أينَ لي هداكَ اللَّهُ ما هيَ جَدَّةٌ = عن الإرثِ لمْ تُحْجَبْ دوامًا ببنتِها
وبنتٌ لها أمٌّ وقدْ وَرِثَا معها = فثلُثٌ لأمٍّ ثمَّ نصفٌ لأمِّها
وأجابَ بعضُهم بقولِهِ:
جوابُكَ يا هذا الإمامُ يكونُ في = نكاحِ مجوسيٍّ لبنتٍ فبِنْتِها
فأولادُ هَذِي إنْ تَمُتْ كانتْ أمُّهم = لها الثلُثُ ميراثًا ونصفٌ لأمِّها
بأختيَّةٍ للميِّتِ فاسمَحْ فذا الذي = طلَبْتَ حبَاكَ اللَّهُ فضْلَ أُولِي النُّهَى
(قولُهُ: وقدْ يَجتمِعُ في الشخْصِ جِهَتَا فرْضٍ وتعصيبٍ)، أيْ: كجهةِ أُخُوَّةِ الأمِّ أو الزوجيَّةِ، وجهةِ العمومةِ في ابنِ عمٍّ هوَ أخٌ لأمٍّ أوْ زوْجٍ.
(قولُهُ: كابنِ عمٍّ هوَ أخٌ لأمٍّ)، هذا تمثيلٌ للشخصِ الذي اجتَمَعَ فيهِ جهتا فرْضٍ وتعصيبٍ، صورتُه أنْ يَتعاقَبَ أخَوَانِ على امرأةٍ، فتَلِدُ لكلٍّ منهما ابنًا، ثمَّ يموتُ أحدُ الابنينِ عن الآخَرِ، فهوَ ابنُ عمِّه وأخوهُ لأمِّهِ. وقولُهُ: أوْ زوْجٌ، أي: ابنُ عمٍّ هوَ زوجٌ، وصورتُه أنْ تَتزوَّجَ المرأةُ بابنِ عمِّها ثمَّ تموتُ عنهُ فهوَ ابنُ عمِّها وزوجُها.
(قولُهُ: فيَرِثُ بهما حيثُ أمْكَنَ)، أيْ: يَرِثُ بالجهتينِ معًا وقتَ إمكانِه لعَدَمِ الحاجبِ وبقاءِ شيءٍ للعاصبِ، فإنْ لمْ يكُنْ بأنْ وُجِدَ مانعٌ للإرثِ بإحْدَى الجهتينِ وَرِثَ بالأخرى، كما لوْ كانَ معَ ابنِ العمِّ الذي هوَ أخٌ لأمٍّ بنتٌ؛ فإنَّ البنتَ تَمنَعُهُ من الإرْثِ بالأُخُوَّةِ للأمِّ، فيَرِثُ بالتعصيبِ فقطْ.


  #4  
قديم 3 ذو الحجة 1429هـ/1-12-2008م, 01:43 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الهدية في شرح الرحبية للشيخ: رشيد بن سليمان القيسي


(بابُ : التعصيبِ)
وَحُقَّ أنْ نَشْرَعَ فِي التَّعْصِـيبِ = بِكُلِّ قَـوْلٍ مُوجَـزٍ مُصِيبِ
فَكُلُّ مَنْ أحْــرَزَ كُلَّ الْمَـالِ = مِنَ الْقَـرَاباتِ أوِ الْمَـوَالِي
أوْ كانَ ما يَفْضُلُ بَعْدَ الفَرْضِ لَهْ = فَهُوَ أَخُو العُصُــوبَةِ الْمُفَضَّلَهْ

أقولُ : لما فَرَغَ من ذِكْرِ أصحابِ الفروضِ وأحكامِهم، شَرَعَ في ذكْرِ العَصَباتِ وأحكامِهم، لأن العاصِبِ مؤخَّرُ الاعتبارِ عن أصحابِ الفروضِ، وضابطُه : كلُّ من حازَ جميعَ المالِ من القَراباتِ والموالي إذا انْفَرَدَ أو حازَ الفاضلَ بعدَ الفروضِ، وهذا تعريفُ العاصبِ، بحكْمِه، والتعريفُ بالحكْمِ دَوْرِيٌّ، لكنه عَرَّفَهُ بعدَ ذلك بالعَدِّ فقالَ :

كالأَبِ والْجَـدِّ وَجَـدِّ الْجَـدِّ = والابْنِ عِنْدَ قُـرْبِهِ والْبُعْــدِ
والأَخِ وَابْنِ الأَخِ والأَعْمَــامِ = والسَّيِّدِ الْمُعْتِــقِ ذِي الإنْعامِ
وهَكَــذا بَنُوهُـمُ جَمِيعَـا = فكُنْ لِما أَذْكُـرُهُ سَمِيعَــا
ومَا لِذِي البُعْدَى مَعَ القَــرِيبِ = فِي الإرْثِ مِنْ حَظٍّ وَلا نَصِيبِ
والأخُ والعَـــــمُّ لأُمٍّ وَأبِ = أَوْلى مِنَ الْمُدْلِي بِشَطْرِ النَّسَبِ
والابـْنُ والأَخُ مَعَ الإِنَــاثِ = يُعَصِّبَانِهِـنَّ فِي الْمِــيراثِ
والأَخَــواتُ إنْ تَكُنْ بَنــَاتُ = فَهُنَّ مَعْهُــنَّ مُعَصَّبَــاتُ
وَلَيْسَ فِي النِّساءِ طُرًّا عَصَبَهْ = إلا الَّتِي مَنَّتْ بِعِتْقِ الرَّقَبَهْ
أقولُ : العَصَبَةُ يَنقسمون إلى ثلاثةِ أقسامٍ :
عَصَبَةٌ بالنَّفْسِ.
وعَصَبَةٌ بالغَيْرِ.
وعَصَبَةٌ مع الغيرِ.
1- فالعَصَبَةُ بالنفْسِ : أربعةَ عشَرَ :
الابنُ، وابنُ الابنِ مهما نَزَلَ، والأبُ ، والجَدُّ من قِبَلِ الأبِ وإن عَلا، والأخُ الشقيقُ، والأخُ لأبٍ ، وأبناؤهما وإن نَزَلا ، والعمُّ الشقيقُ، والعمُّ لأبٍ وإن عَلَيَا، وأبناؤهما وإن نَزَلَا، والمُعتِقُ والمُعتِقةُ.

وأحكامُ العَصَبَةِ بالنفْسِ ثلاثةٌ :

الأوَّلُ : أن من انفرَدَ منهم حازَ جميعَ المالِ.
الثاني : أن يَأخُذَ ما أَبْقَت الفروضُ.
الثالث : أن يَسقُطَ إذا استُغْرِقَت الفروضُ إلا ثلاثةٌ : الابنُ، الأبُ، والجَدُّ.

وجِهاتُ العَصَبَةِ بالنفسِ سِتٌّ : بنوَّةٌ، ثم أبوَّةٌ، ثم جُدودةٌ وأُخوَّةٌ، ثم بنو أخوَّةٍ، ثم عُمومةٌ، وبنوهم، ثم ولاءٌ فتُقَدَّمُ كلُّ جِهَةٍ على الجهةِ التي بعدَها، ثم بعدَ الاستواءِ في الجهةِ يُعتَبَرُ التقديمُ بالقُرْبِ، أي قُرْبُ الدرجةِ، ثم بعدَ استوائِهم في القُرْبِ يُعتَبَرُ التقديمُ بالقوَّةِ، وعَصَبَةُ المُعتِقِ وأحكامُهم وجهاتُهم كعَصَبَةِ الميِّتِ.

وهنا ثلاثُ قواعدَ مُهمَّةٌ :
الأُولى : لا مِيراثَ لعَصَبَةِ عَصَبَاتِ المُعتِق إلا أن يكونوا عَصَبَةً للمُعْتِقِ.
الثانيةُ : لا ميراثَ لِمُعْتِقِ عَصَبَاتِ المُعتِقِ إلا من أَعْتَقَ أباه أو جَدَّه.
الثالثةُ : لايَرِثُالنساءُ بالولاءِ، إلا من أَعْتَقْنَ أو أَعتَقَه من أَعْتَقْنَ.

القسمُ الثاني من العَصَبَةِ : العَصَبَةُ بالغيرِ وهم أربعةُ أصنافٍ :
البنتُ وأكثرُ مع الابنِ فأكثرَ الذي في درجتِها، وبنتُ الابنِ سواءٌ كان أخاها أو ابنَ عمِّها، أو مع ابنِ الابنِ الذي أَنْزَلُ منها إذا احتاجَتْ إليه، والأختُ الشقيقةُ فأكثرُ مع الأخِ الشقيقِ فأكثرَ، والأختُ لأبٍ فأكثرُ مع الأخِ لأبٍ فأكثرُ.

القسْمُ الثالثُ مع العَصَبَةِ : العَصَبَةُ مع الغيرِ وهم صِنفان :
الأختُ الشقيقةُ فأكثرُ، والأختُ لأبٍ فأكثرُ مع البنتِ فأكثرَ، أو بنتِ الابنِ فأكثرَ.
وترتيبُ العَصَباتِ : أَقربُهم البنون، ثم بنوهم وإن سَفَلوا يُسْقِطُ قريبُهم بعيدَهم، ثم الأبُ، ثم آباؤهم بمَحْضِ الذكورِ وإن عَلَوْا الأقربُ منهم فالأقربُ، الأَخَوَان لأبوين أو لأبٍ ، ثم بنوهم وإن سَفَلُوا الأقربُ منهم فالأقربُ، ويَسْقُطُ البعيدُ بالقريبِ سواءٌ كان القريبُ من ولَدِ الأبوين أو من ولَدِ الأبِ وحدَه، فإن اجْتَمَعوا في درجةٍ واحدةٍ فوَلَدُ الأبوين أَوْلى، لِقُوَّةِ قرابتِه بالأمِّ، فابنُ الأخِ لأبٍ وأمٍّ، أَوْلَى من ابنِ الأخِ لأبٍ، لأنهما بدرجةٍ واحدةٍ، وابنُ الأخِ لأبٍ أَوْلَى من ابنِ ابنِ الأخِ للأبِ والأمِّ.
لأن ابنَ الأخِ لأبٍ أعلى درجةً من ابنِ ابنِ الأخِ للأبِ والأمِّ، وعلى هذا أبداً، ومهما بَقِيَ من بني الأخِ أحَدٌ وإن نَزَلَ فهو أَوْلَى من العَمِّ، لأنه من وَلَدِ الأبِ، والعمُّ من وَلَدِ الْجَدِّ، فإذا انقَرَضَ الإخوةُ وبنوهم، فالميراثُ للأعمامِ ثم بنيهم على هذا النَّسَقِ، إن استَوَتْ درجتُهم قُدِّمَ من هو لأبوين، فإذا اختلَفَتْ قُدِّمَ الأعلى وإن كان لأبٍ، ومهما بَقِيَ منهم أحدٌ وإن نَزَلوا فهم أَوْلَى من عمِّ الأبِ، لأن الأعمامَ من ولَدِ الجدِّ ، وأعمامُ الأبِ من وَلَدِ أبِ الجدِّ، فإذا انقَرَضوا فالميراثُ لأعمامِ الأبِ على هذا النسَقِ، وعلى هذا أبداً، لايَرِثُبنو أبٍ أعلى من بني أبٍ أقرَبَ منه وإن نَزَلَتْ درجتُهم.

مسألتان مُهِمَّتان :
الأُولى: إذا هَلَكَ عن أبي مُعْتِقٍ وعن مُعْتِقِ أبٍ فالمالُ لأبي المُعتِقِ، لأن الميِّتَ عتيقُ ابنِه ، وأما مُعتِقُ الأبِ فليس له وَلاءٌ عليه، لأن من شروطِ ثُبوتِ الولاءِ على فرْعِ العتيقِ أن لا يَمَسَّه رِقٌّ لأحدٍ كما تَقدَّمَ.

مثالُ ذلك : أن صالحاً أَعْتَقَ زيداً فماتَ صالحٌ ثم ماتَ زيدٌ ولصالحٍ أبٌ اسمُه سالمٌ وهو حيٌّ فإن سالماًيَرِثُالميِّتَ زيداً لأن سالماً عَصَبَةٌ بنفسِه لابنِه وليس عليه ولاءٌ لزيْدٍ.

وأما إن كان زيدٌ أَعْتَقَ سالماً المذكورَ وكان صالحٌ أَعْتَقَ زيداً المذكورَ فماتَ صالحٌ ثم ماتَ زيدٌ فإن سالماً لايَرِثُزيداً لأن سالماً عتيقُ زيدٍ وله عليه الولاءُ أي لزيدٍ الولاءُ على سالمٍ المذكورِ فلذا لم يَرِثْ.

الثانيةُ : إذا اشْتَرى ابنٌ وأختُه أباهما فعُتِقَ عليهما، ثم مَلَكَ الأبُ قِنًّا وأَعْتَقَه، ثم ماتَ الأبُ فوَرِثَاه بالنَّسَبِ، ثم ماتَ العتيقُ وليس له عَصَبَةٌ من النسَبِ ولا أصحابُ فرْضٍ من المالِ يَستغرقون المالَ، فميراثُه للابنِ دونَ أختِه لكونِه ابنَ مُعتِقٍ لا لكونِه معْتِقاً. معتِقٌ لأن جهةَ بنوَّةِ المُعتِقِ مقدَّمَةٌ على جهةِ الولاءِ. وتُسمَّى مسألةَ القُضاةِ ؛ لكثرةِ خطئِهم فيها، فوَرِثَ الابنُ بالولاءِ دونَ أختِه لأنه أقربُ وهو عَصَبَةٌ.

فوائدُ:

الأُولى: إذا اجتمَعَ في شخصٍ جِهَتَا تعصيبٍ فأكثرُ، وَرِثَ بالجهةِ المقدَّمَةِ. مثالُ ذلك : أن ابناً أَعْتَقَ أباه، ثم ماتَ الأبُ، فوَرِثَه بالبنوَّةِ لأنها مقدَّمَةٌ على الكلِّ.

الثانيةُ: إذا اجْتَمَعَ في شخصٍ جهةُ فرْضٍ وتعصيبٍ وَرِثَ بهما. مثالُ ذلك : كزوجٍ وهو ابنُ عمٍّ وَرِثَ بالزوجيَّةِ فرْضاً أو بابنِ العمِّ تعصيباً إذا لم يكنْ عاصباً أقربَ منه.

الثالثة : إذا اجتمَعَ في شخصٍ جِهَتا فرْضٍ وَرِثَ بهما إن لم تَحْجُبْ إحداهما الأخرى، فإن حَجَبَتْ وَرِثَ بالحاجبيَّةِ دونَ المحجوبةِ.
مثالُ ذلك : رجُلٌ تَزوَّجَ بنتَ عمَّتِه شقيقةِ أبيه أولأمِّه، أو بنتَ خالتِه شقيقةِ أمِّه أولأمٍّ، ووَلَدَتْ وَلَداً فتكونُ جَدَّتُه هي أمُّ أمِّ أمِّه، وأمُّ أبي أبيه، أو أمُّ أمِّ أبيه، فتَرِثُ ثُلُثَي السدُسِ بالجهتين، ويُتَصَوَّرُ أيضاً في نكاحِ المجوسِ، ما لو تَزوَّجَ مجوسيٌّ أمَّه وأَتَتْ ببنتٍ، وكذا لو وَطِئَ رجلٌ أمَّه بشُبهةٍ أو زِنًا فأَتَتْ ببنتٍ، فالبنتُ في المثالين قد اجتَمَعَ فيها جِهَتَا فرْضٍ : إحداهما : كونُها بنتاً للواطئِ والآخَرُ كونُها أختاً من أُمِّهِ، فتَرِثُ الواطئَ بثبوتِها بنتاً، لا بِثبوتِها أختاً من أمٍّ، لأن البنتَ تَحجُبُ أولادَ الأمِّ.

  #5  
قديم 3 ذو الحجة 1429هـ/1-12-2008م, 01:48 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الرحبية للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم


بابُ التَّعْصِيبِ(1)

وَحُقَّ أنْ نَشْرَعَ فِي التَّعْصِـيبِ(2) = بِكُلِّ قَـوْلٍ مُوجَـزٍ مُصِيبِ(3)
فَكُلُّ مَنْ أحْــرَزَ كُلَّ الْمَـالِ(4) = مِنَ الْقَـرَاباتِ أوِ الْمَـوَالِي(5)
أوْ كانَ ما يَفْضُلُ بَعْدَ الفَرْضِ لَهْ(6) = فَهُوَ أَخُو العُصُــوبَةِ الْمُفَضَّلَهْ(7)
كالأَبِ والْجَـدِّ وَجَـدِّ الْجَـدِّ(8) = والابْنِ عِنْدَ قُـرْبِهِ والْبُعْــدِ(9)
والأَخِ وَابْنِ الأَخِ والأَعْمَــامِ(10) = والسَّيِّدِ الْمُعْتِــقِ ذِي الإنْعامِ(11)
وهَكَــذا بَنُوهُـمُ جَمِيعَـا(12) = فكُنْ لِما أَذْكُـرُهُ سَمِيعَــا(13)
ومَا لِذِي البُعْدَى مَعَ القَــرِيبِ = فِي الإرْثِ مِنْ حَظٍّ وَلا نَصِيبِ(14)
والأخُ والعَـــــمُّ لأُمٍّ وَأبِ = أَوْلى مِنَ الْمُدْلِي بِشَطْرِ النَّسَبِ(15)
والابـْنُ والأَخُ مَعَ الإِنَــاثِ(16) = يُعَصِّبَانِهِـنَّ فِي الْمِــيراثِ(17)
والأَخَــواتُ إنْ تَكُنْ بَنــَاتُ = فَهُنَّ مَعْهُــنَّ مُعَصَّبَــاتُ(18)
وَلَيْسَ فِي النِّساءِ طُرًّا عَصَبَهْ(19) = إلا الَّتِي مَنَّتْ بِعِتْقِ الرَّقَبَهْ(20)


(1) أي: بيانُ ذَوِي التعصيبِ، وأقسامِه؛ والتعصيبُ: مصدرُ، عَصَّبَ، يُعَصِّبُ، تعصيباً، فهو عاصِبٌ، ويُجمَعُ العاصِبُ على عَصَبَةٌ، وتُجمَعُ العَصَبَةُ على عَصَبَاتٍ، ويُسمَّى بالعَصبَةِ الواحدُ، وغيرُه.
والعصَبةُ لغةً: بنو الرجلِ، وقرابتُه لأبيه؛ سُمُّوا بذلك؛ لأنهم عَصَبوا به، أي: أَحاطوا به؛ وقيلَ: لتَقَوِّي بعضِهم ببعضٍ، من العَصَبِ وهو الشدُّ، واصطلاحاً: مَن يَرِثُ بلا تقديرٍ؛ والتعصيبُ، هو: النوعُ الثاني من نَوْعَي الإرْثِ.
(2) أي: في بيانِ الإرثِ به.
(3) مُوجَزٌ، أي: مختَصَرٌ، مُصيبٌ من الصوابِ، ضِدِّ الخطأِ.
(4) أي: عندَ الانفرادِ.
(5) القَراباتُ: جمْعُ قَرابةٍ، أي: الأقاربُ؛ والموالي، أي: المُعْتِقِين، وعَصَبَتِهم إجماعاً؛ لقولِه تعالى: (وَهُوَ يَرِثهَا إِن لَّمْ يَكُنْ لَّهَا وَلَدٌ) وغيرُ الأخِ، كالأخِ.
(6) إجماعاً؛ لقولِه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: ((أَلْحِقُوا الفَرائِضَ بِأَهْلِها، فَما بَقِي فلأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ)).
(7) على غيرِها من أنواعِ العُصُوبةِ، والمرادُ: العُصوبةُ بالنفسِ؛ وأما العاصبُ بغيرِه، أو مع غيرِه، فهو كالعاصبِ بالنفسِ.
(8) أي: كالأبِ، وأبِ الأبِ، وأبِ أبيه، وإنْ علا.
(9) أي: والابنِ، وهو ولدُ الصُّلْبِ، وابنِه، وابنِ ابنِه، وإن سَفَلَ، بمحْضِ الذكورِ.
(10) أي: والأخِ لأبوَيْن، أو لأبٍ، لا لأمٍّ؛ وابنِ الأخِ لأبوين، أو لأبٍ، وإن سَفَلَ؛ والأعمامِ لأبوين، أو لأبٍ، وإن عَلَوْا.
(11) أي: بالعِتْقِ، وكذا المُعتِقَةُ.
(12) أي: وبنو الأعمامِ، وبنو المعتِقين، وإن نَزَلوا بمحْضِ الذكورِ.
(13) أي: فكُنْ للذي أذْكُرُه لك من الأحكامِ، سامِعاً، سمْعَ تَفَهُّمٍ وإذعانٍ.
(14) أي: ليس لصاحبِ الدرجةِ أو الجِهةِ البُعدَى وإن كانت قويًّا مع القريبِ إذا كانا من جهةٍ واحدةٍ فى الميراثِ من حظٍّ ولا نصيبٍ لحَجْبِه بالأقربِمنه درجةً كابنِ الأخِ لأبٍ وابنِ ابنِ أخٍ شقيقٍ فلا شيءَ للثانى مع الأوَّلِ إجماعاً, والحظُّ والنصيبُ بمعنًى واحدٍ.
(15) أي: والأخُ لأمٍّ وأبٍ، والعمُّ لأمٍّ وأبٍ، وابنُ الأخِ لأمٍّ وأبٍ، وابنُ العمِّ لأمٍّ وأبٍ، أَوْلَى من الْمُدْلِي بشَطْرِ النسَبِ، أي: بعضِه؛ وهو الْمُدْلِي بالأبِ فقط، فإذا كان معه في درجتِه، من أَدْلَى بِشَطْرَي النسَبِ، الأمِّ، والأبِ، حَجَبَه؛ لأنه أَقْوَى منه.
(16) أي: والابنُ، ومثلَه ابنُ الابنِ، والأخُ، شقيقاً كان، أو لأبٍ، مع الإناثِ، واحدةً كانت، أو أكثرَ، مع التساوي في الدرجةِ، والقوَّةِ.
(17) وتكونُ الأنثى منهن، مع الذكَرِ، عَصَبَةً بالغيرِ، وهُنَّ: البنتُ، وبنتُ الابنِ، والأختُ الشقيقةُ، والأختُ لأبٍ، كلُّ واحدةٍ عَصَبَةٌ لأخيها، وتَزيدُ بنتُ الابنِ: أن ابنَ الابنِ، يُعَصِّبُها في درجتِها مُطلَقاً، أو أَنْزَلَ منها، إذا لم يكنْ لها حظٌّ في الثلثين، والشقيقةُ، أو لأبٍ، يُعَصِّبُها الجَدُّ، على ما فيه من الخلافِ.
(18) أي: والأخواتُ الشقيقاتُ، أو لأبٍ، الواحدةُ فأكثرُ؛ إن تُوجَدْ بناتٌ، فهُنَّ، أي: الأخواتُ، مع البناتِ، عَصَبَاتٌ؛ فإن كانت الأختُ مع أخيها، فهي عَصَبَةٌ بالغيرِ.
(19) أي: وليس في النساءِ كلِّهنِّ، طَرًّا، بالفتحِ، أي: قَطْعاً، وبالضمِّ أي: جميعاً، عَصَبَةٌ بالنفسِ.
(20) أي: إلا التي من النساءِ، أَنْعَمَتْ بعِتقِ الرقَبةِ، الرقيقةِ، من ذَكَرٍ، أو أنثى، فهي عَصَبةٌ للعتيقِ، ولِمَن انْتَمَى إليه بنَسبٍ، أو ولاءٍ، وعَصَبَةُ الْمُعْتِقِ، وأحكامُهم، وجِهاتُهم، كعَصَبَةِ النَّسَبِ.
والعَصَبةُ ثلاثةُ أقسامٍ: عَصَبةٌ بالنفسِ؛ وعَصَبةٌ بالغيرِ؛ وعَصَبةٌ مع الغيرِ؛ فالعَصَبةُ بالنفسِ، أربعةَ عشرَ: الابنُ وابنُ الابنِ وإن نَزَلَ؛ والأبُ والجَدُّ له، وإن عَلا؛ والأخُ الشقيقُ، والأخُ لأبٍ، وابنُ الأخِ الشقيقِ، وابنُ الأخِ لأبٍ، وإن نَزَلاَ، والعمُّ الشقيقُ، والعمُّ لأبٍ، وإن عَلَيَا؛ وابنُ العمِّ الشقيقُ، وابنُ العمِّ لأبٍ، وإن نَزَلاَ، والْمُعْتِقُ، والمُعتِقَةُ.
وأحكامُ العَصَبةِ بالنفسِ ثلاثةٌ؛ الأوَّلُ: أن من انْفَرَدَ منهم حازَ جميعَ المالِ؛ الثاني: أنه يَأخُذُ ما أَبْقَت الفروضُ؛ الثالثُ: أنه يَسقُطُ إذا استغرَقَت الفروضُ، إلا الابنَ، والأبَ، والجَدَّ.
وجِهاتُ العَصَبةِ بالنفسِ، ستٌّ: بُنوَّةٌ، ثم أُبوَّةٌ، ثم جُدودةٌ، وأُخوَّةٍ، ثم بنو أُخُوَّةٌ، ثم عمومةٌ، وبنوهم، ثم ولاءٌ؛ ومع اتِّحادِ الجهةِ، يُعتبَرُ التقديمُ بالقُرْبِ؛ ومع الاستواءِ في الدرجةِ والقرْبِ، تُعتَبَرُ القوَّةُ، كما قال الْجَعْبَرِيُّ:
فبالجـهةِ التقديـمُ ثـم بقُرْبِهِ وبعدَهما التقديمُ بالقوَّةِ اجْعَلاَ
وهنا ثلاثُ قَوَاعدَ؛ الأُولى: لا ميراثَ لعَصَبةِ عَصَباتِ المعتِقِ، إلا أن يكونوا عَصَبةً للمعتِقِ، الثانيةُ: لا ميراثَ لمعتِقِ عَصَباتِ الْمُعْتِقِ، إلا من أَعْتَقَ أباه، أو جَدَّه، الثالثةُ: لا يَرِثُ النساءُ بالولاءِ، إلا من أَعتَقْنَ، أو أَعتَقَه من أَعْتَقْنَ.
القِسمُ الثاني من العَصَبةِ: العَصَبةُ بالغيرِ، وهم أربعةُ أصنافٍ: البنتُ فأكثرَ، بالابنِ فأكثرُ؛ وبنتُ الابنِ فأكثرُ، بابنِ الابنِ فأكثرَ، الذي في درجتِها، سواءٌ كان أخاها، أو ابنَ عمِّها، أو بابنِ الابنِ الذي أَنْزَلَ منها، إن احتاجَتْ إليه؛ والأختُ الشقيقةُ فأكثرُ، بالأخِ الشقيقِ فأكثرَ، والأختُ لأبٍ فأكثرُ، بالأخِ لأبٍ فأكثرَ.
الثالثُ من العَصَبةِ: العَصَبةُ مع الغيرِ، وهم صِنفان: الأختُ الشقيقةُ فأكثرُ، والأختُ لأبٍ فأكثرُ، مع البنتِ فأكثرَ، أو بنتُ الابنِ فأكثرُ.
مسألةٌ: إذا هَلَكَ هَالِكٌ، عن أبٍ مُعْتِقٍ، وعن مُعْتِقِ أبٍ: المالُ لأبِ المعْتِقِ.
مسألةٌ: إذا اشترى ابنٌ وأختُه: أباهما، فعتَقَ عليهما، ثم مَلَكَ الأبُ قِناًّ، فأَعتَقَه، ثم ماتَ الأبُ، فوَرِثَاه بالنَّسَبِ، ثم ماتَ العتيقُ، فميراثُه للابنِ، دونَ أختِه؛ وتُسمَّى مسألةَ القُضاةِ.
فائدةٌ: إذا اجْتَمَعَ في شخصٍ، جِهَتا تعصيبٍ فأكثرُ، وَرِثَ بالجهةِ المقدَّمةِ؛ كابنٍ، هو معتِقٌ، يَرِثُ بكونِه ابناً.
الثانيةُ: إذا اجتَمَعَ في شخصٍ، جهةُ فرْضٍ، وجهةُ تعصيبٍ، وَرِثَ بهما؛ كزوجٍ، هو ابنُ عمٍّ؛ وأخٌ لأمٍّ، هو ابنُ عمٍّ.
الثالثةُ: إذا اجتمعَ في شخصٍ، جهتا فرْضٍ، وَرِثَ بهما كما تَقدَّمَ، ويُتَصَوَّرُ أيضاً في: مَجُوسيٍّ، تَزوَّجَ أمَّه، فأَتَتْ ببنتٍ؛ أو رجلٍ، وَطِئَ أمَّه بشُبهَةٍ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
التعصيب, باب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:03 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir