دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الجهاد

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24 صفر 1430هـ/19-02-2009م, 03:44 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي أحكام تتعلق بالأرض التي تفتح عنوة

وإذا غَنِمُوا أَرْضًا فتَحُوها بالسيْفِ خُيِّرَ الإمامُ بينَ قَسْمِها ووَقْفِها على المسلمينَ، ويُضْرَبُ عليها خَراجًا مُسْتَمِرًّا يُؤْخَذُ مِمَّنْ هِيَ بيدِه، والْمَرْجِعُ في الْخَراجِ والْجِزيةِ إلى اجتهادِ الإمامِ، ومَن عَجَزَ عن عِمارةِ أَرْضِه أُجْبِرَ على إجارتِها أو رَفْعِ يدِهِ عنها، ويَجْرِي فيها الْمِيراثُ، وما أُخِذَ منْ مالِ مُشْرِكٍ كجِزيةٍ وخَراجٍ وعُشْرٍ, وما تَرَكُوه فَزَعًا وخُمُسُ خُمُسِ الغَنيمةِ ففَيْءٌ يُصْرَفُ في مَصالِحِ المسلمينَ.


  #2  
قديم 24 صفر 1430هـ/19-02-2009م, 03:54 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

..........................

  #3  
قديم 24 صفر 1430هـ/19-02-2009م, 04:07 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي

(وإذا غَنِمُوا)؛ أي: المسلمُونَ (أَرْضاً) بأَنْ (فَتَحُوها) عُنْوَةً (بالسيفِ) فأَجْلَوا عنها أهلَها (خُيِّرَ الإمامُ بينَ قَسْمِها) بينَ الغَانِمِينَ (ووَقْفِها على المسلمِينَ) بلفظٍ مِن ألفاظِ الوَقْفِ. (ويَضْرِبُ عليها خِراجاً مُسْتَمِرًّا يُؤْخَذُ ممَّن هي بيَدِه) مِن مُسلِمٍ وذِمِّيٍّ يكُونُ أُجْرَةً لها في كُلِّ عامٍ، كما فَعَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عنه فيما فَتَحَه مِن أرضِ الشامِ والعِرَاقِ ومِصْرَ. وكذا الأرضُ التي جَلَوْا عَنْها خَوْفاً منَّا أو صَالَحْنَاهُم على أنَّها لنا ونُقِرُّها معَهم بالخِراجِ، بخلافِ ما صُولِحُوا على أنَّها لهم ولنا الخِرَاجُ عَنها فهي كجِزْيَةٍ تَسْقُطُ بإِسلامِهم.
(والمَرْجِعُ في) مِقدارِ (الخِراجِ والجِزْيَةِ) حينَ وَضْعِهِما (إلى اجتهادِ الإمامِ) الواضعِ لهما فيَضَعُه بحَسَبِ اجتهادِه؛ لأنَّه أُجرَةٌ يَخْتَلِفُ باختلافِ الأزمِنَةِ، فلا يَلْزَمُ الرُّجُوعُ إلى ما وَضَعَه عُمَرُ رَضِيَ اللَّه عنه. وما وَضَعَه هو أو غَيْرُه مِن الأئمَّةِ ليسَ لأحدٍ تغييرُه ما لم يَتَغَيَّرِ السببُ كما في (الأَحْكَامِ السُّلْطَانيَّةِ)؛ لأنَّ تقديرَه ذلك حُكْمٌ. والخِراجُ على أرضٍ لها ماءٌ تُسْقَى به ولو لم تُزْرَعْ لا على مَسَاكِنَ. (ومَن عَجَزَ عَن عِمَارَةِ أَرْضِه) الخِرَاجِيَّةِ (أُجْبِرَ على إِجارَتِها أو رَفْعِ يَدِه عنها) بإجارةٍ أو غيرِها؛ لأنَّ الأرضَ للمُسلمِينَ فلا يَجُوزُ تَعطيلُها عليهم. (ويَجْرِي فيها الميراثُ) فتُنْقَلُ إلى وَارثِ مَن كَانَت بيَدِه على الوَجْهِ التي كَانَت عليه في يَدِ مُوَرِّثِه، فإنْ آثَرَ بها أحداً صَارَ الثَّانِي أَحَقَّ بها كالمُسْتَأَجَرَةِ. ولا خِرَاجَ على مَزَارِعِ مكَّةَ والحَرَمِ. (وما أُخِذَ) بحَقٍّ غيرِ قتالٍ (مِن مالِ مشركٍ)؛ أي: كافرٍ (كجِزْيَةٍ وخِراجٍ وعُشْرِ) تجارةٍ مِن حربِيٍّ، أو نِصْفُه مِن ذمِّيٍّ اتَّجَرَ إلينا. (وما تَرَكُوه فَزَعاً) منَّا أو تَخَلَّفَ عَن مَيِّتٍ ولا وَارِثَ له (وخُمُسُ خُمُسِ الغنيمةِ فـ) هو (فَيْءٌ) سُمِّيَ بذلك؛ لأنَّه رَجَعَ مِن المشركِينَ إلى المُسلمِينَ، وأصلُ الفيءِ الرُّجُوعُ (يُصْرَفُ في مصالحِ المُسلمِينَ) ولا يَخْتَصُّ بالمُقَاتِلَةِ، ويَبْدَأُ بالأهمِّ فالأهمِّ مِن سَدِّ بَثْقٍ وتَعْزِيلِ نَهَرٍ وعَمَلِ قَنْطَرَةٍ ورِزْقِ نحوِ قُضَاةٍ، ويُقَسَّمُ فَاضِلٌ بينَ أحرارِ المُسلمِينَ غَنِيِّهِم وفَقِيرِهم.


  #4  
قديم 24 صفر 1430هـ/19-02-2009م, 04:08 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم

(وإذا غنموا) أي المسلمون (أرضًا) بأن (فتحوها) عنوة (بالسيف) ([1]) فأجلوا عنها أهلها (خير الإمام بين قسمها) بين الغانمين([2]) (ووقفها على المسلمين) بلفظ من ألفاظ الوقف([3]).
(ويضرب عليها خراجًا مستمرًّا يؤخذ ممن هي بيده) ([4]) من مسلم وذمي ، يكون أجرة لها في كل عام([5]) كما فعل عمر رضي الله عنه فيما فتحه من أرض الشام، والعراق، ومصر([6]) وكذا الأرض التي جلوا عنها خوفا منا([7]).
أو صالحناهم على أنها لنا ونقرها معهم بالخراج([8]) بخلاف ما صولحوا على أنها لهم ولنا الخراج عنها، فهو كجزية تسقط بإسلامهم([9]) (والمرجع في) مقدار (الخراج والجزية) حين وضعهما (إلى اجتهاد الإمام) الواضع لهما([10]) فيضعه بحسب اجتهاده لأنه أجرة، يختلف باختلاف الأزمنة([11]) فلا يلزم الرجوع إلى ما وضعه عمر رضي الله عنه([12]).

وما وضعه هو أو غيره من الأئمة ليس لأحد تغييره([13]) ما لم يتغير السبب([14]) كما في الأحكام السلطانية([15]) لأن تقديره ذلك حكم([16]).

والخراج على أرض لها ماء تسقى به، ولو لم تزرع([17]) لا على مساكن([18]) (ومن عجز عن عمارة أرضه) الخراجية([19]) (أجبر على إجارتها([20]) أو رفع يده عنها ) بإجارة أو غيرها([21]) لأن الأرض للمسلمين فلا يجوز تعطيلها عليهم([22]) (ويجري فيها الميراث) فتنتقل إلى وارث من كانت بيده، على الوجه الذي كانت عليه في يد مورثه([23]).
فإن آثر بها أحدًا صار الثاني أحق بها، كالمستأجرة([24]) ولا خراج على مزارع مكة والحرم([25]) (وما أخذ) بحق بغير قتال([26]) (من مال مشرك) أي كافر([27]) (كجزية وخراج، وعشر) تجارة من حربي([28]) أو نصفه من ذمي اتجر إلينا([29]).
(وما تركوه فزعًا) منا([30]) أو تخلف عن ميت لا وارث له([31]) (وخمس خمس الغنيمة([32]) فـ ) هو (فيء) سمي بذلك لأنه رجع من المشركين إلى المسلمين([33]) وأصل الفيء الرجوع([34]).
(يصرف في مصالح المسلمين) ([35]).
ولا يختص بالمقاتلة ، ويبدأ بالأهم فالأهم([36]).
من سد بثق([37]) وتعزيل نهر([38]) وعمل قنطرة([39]) ورزق نحو قضاة([40]) ويقسم فاضل بين أحرار المسلمين، غنيهم وفقيرهم([41]).



([1]) أي غلبة وقهرا، وهذا أحد أصناف الأرضين بالاستقراء.
([2]) تخيير مصلحة، كالتخيير في الأسرى، فيفعل ما يراه أصلح، لأنه نائب المسلمين، فلا يفعل إلا الأصلح لهم، قال الشيخ: ومذهب الأكثرين أن الإمام يفعل ما هو الأصلح للمسلمين، من قسمها، أو حبسها، ولأنه صلى الله عليه وسلم قسم نصف خيبر، ووقف نصفها لنوائبه، رواه أبو داود، فتملك بقسمتها، ولا خراج عليها، لأنها ملك للغانمين.
([3]) لأن الوقف لا يثبت بنفسه، فحكمها قبل الوقف حكم المنقول، وعنه: تصير وقفا بنفس الاستيلاء، قال في الإنصاف: هذا المذهب وعليه الأصحاب، وجزم به في الإقناع، وقال ابن القيم: معنى وقفها إقرارها على حالها، وضرب الخراج عليها، مستمرا في رقبتها، وقال: جمهور الصحابة والأئمة بعدهم على أن الأرض ليست داخلة في الغنائم التي تجب قسمتها ، وهذه كانت سيرة الخلفاء ولما قال بلال وذووه لعمر: اقسمها قال: اللهم اكفينهم فما حال عليهم الحول، ثم وافق سائر الصحابة عمر، وكذلك جرى في سائر البلاد التي فتحت عنوة، لم يقسم منها الخلفاء قرية واحدة، وكان الذي رآه وفعله عين الصواب، فجعلها وقفا على المقاتلة تجرى عليهم، حتى يغزو منها آخر المسلمين.
([4]) يتصرف فيها بنفسه أو يؤجرها، فالخراج في رقبتها.
([5]) تتكرر الجزية بتكرر الأعوام، بلا نزاع في الجملة.
([6]) ضرب عليها خراجًا مستمرًّا يؤخذ ممن هي بيده، وقال: أما والذي نفسي بيده لولا أن أترك آخر الناس ببَّانا، أي لا شيء لهم، ما فتحت عليَّ قرية إلا قسمتها، كما قسم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر، ولكني أتركها لهم خزانة يقتسمونها رواه البخاري، قال الشيخ: وجمهور الأئمة رأوا أن ما فعله عمر بن جعل الأرض مفتوحة عنوة فيئًا حسن جائز، وإن حبسها بدون استطابة الغانمين ولا نزاع أن كل أرض فتحها لم يقسمها.
وقال ابن القيم: إن كان الأصلح للمسلمين قسمتها قسمها، وإن كان الأصلح أن يقفها على جماعتهم وقفها، وإن كان الأصلح قسمة البعض، ووقف البعض فعل، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل الأقسام الثلاثة، وقال الشارح: ولم نعلم أن شيئا مما فتح عنوة قسم بين الغانمين إلا نصف خيبر، فصار لأهله، لا خراج عليه، وسائر ما فتح عمر، ومن بعده لم يقسم منه شيء، قال الشيخ: وتنقلت أحوالها كالعراق، فإن خلفاء بني العباس نقلوه إلى المقاسمة، ومصر رفع عنها الخراج من مدة لا أعلم ابتداءها، وصارت الرقبة للمسلمين، وهذا جائز في أحد قولي العلماء.
([7]) أي كالعنوة في تخيير الإمام بين قسمها ووقفها على المسلمين، وضرب خراج مستمر عليها، وهذا الصنف الثاني.
([8]) فيضرب عليها خراج ، وهذا الصنف الثالث، وهو «نوعان» هذا أحدهما وهي كالعنوة في التخيير، ولا يسقط خراجها بإسلامهم، وعنه: تصير وقفا كالثانية، ويضرب عليها الخراج، ولا يغير إذا ضربه أحد الأئمة، لأنه نقض للحكم اللازم، ما لم يتغير السبب، فيغير المسبب لتغير سببه.
([9]) أي فإن ما يؤخذ من خراجها كجزية، كما ذكر، إن أسلموا ، أو انتقلت إلى مسلم يسقط بإسلامهم، ويقرون فيها بغير جزية، لأنها ليست بدار إسلام، بخلاف ما قبلها، فلا يقرون فيها سنة بلا جزية، وهذا هو النوع الثاني.
([10]) فيرجع في قدر الخراج في ابتداء الوضع إلى تقدير الإمام من زيادة ونقص، على قدر حسب ما يؤدي إليه اجتهاده وتطيقه الأرض.
([11]) فرجع فيه إلى اجتهاد الإمام، قال الشيخ: ويجتهد الإمام في الخراج والجزية، فيزيد وينقص بقدر الطاقة.
([12]) بل يستأنف الوضع فيما استؤنف فتحه، وما وضعه عمر رضي الله عنه على كل جريب درهما وقفيزا، وهو ثمانية أرطال، قيل بالمالكي، والجريب عشر قصبات في مثلها، والقصبة ستة أذرع، بذراع عمر، وهو ذراع متوسط ، وقبضة وإبهام قائمة فيكون الجريب ثلاثة آلاف ذراع وست مائة مكسرًا.
([13]) لأنه حكم من الإمام، ولا نقض لما فعله النبي صلى الله عليه وسلم من وقف أو قسمة، أو فعله الأئمة بعده، ولا تغيير، لأنه نقض للحكم اللازم، وإنما التخيير والاستئناف فيما استؤنف فتحه، قال الوزير وغيره: الزيادة مع عدم الاحتمال لا تجوز، ولا النقصان، ومدار الباب أن تحمل الأرض ما تطيقه، وأن لا يتبع غيره مما لم يأذن فيه الشرع بحال، وأكد بالضمير البارز المنفصل لصحة العطف عليه، على المذهب الراجح.
([14]) كما لو تغيرت حال الأرض بأن غلت، أو رخصت، فيغير المسبب لتغيير سببه، قال الشيخ: ولو يبست الكروم بجراد أو غيره أو بعضها، سقط من خراجها بقدر ذلك، وإذا لم يمكن الانتفاع بها ببيع، أو إجارة، أو غيرها لم تجز المطالبة بخراجها.
([15]) للقاضي أبي يعلى محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن أحمد بن الفراء، عالم زمانه، المتوفى ببغداد، سنة ثمان وخمسين وأربعمائة، وله مصنفات كثيرة منها الأحكام، ذكر فيها ما وضعه عمر وغيره، وأنه يختلف بما يختص بالأرض من جودة وبالزرع من اختلاف أنواعه، وبالسقي والشرب فلا بد لواضع الخراج من اعتبار ما وصف، من اختلاف الأرض، والزرع، والشرب، ليعلم ما تحمله الأرض من خراجها، فيقصد العدل فيما بين أهلها وأهل الفيء.
([16]) أي ما وضعه عمر ومن بعده حكم لازم، وليس لأحد تغييره، ولا نقضه، وإنما التغيير فيما استؤنف فتحه، ما لم يتغير السبب كما تقدم.
([17]) كالمؤجرة ، وواجبها والحال ما ذكر خراج أقل ما يزرع، وهو درهم وقفيز، ولا خراج على ما لا يناله ماء، ولو أمكن زرعه، وإحياؤه ولم يفعل، وما لم ينبت، أو لم ينله إلا عاما بعد عام، نصف خراجه في كل عام، وهو على المالك، لأنه على رقبة الأرض كما تقدم.
([18]) فليس عليها خراج بالاتفاق، وإن حولت مزارع ونحوها فعليها.
([19]) وهي ما فتحت عنوة.
([20]) لئلا يتعطل خراجها على المسلمين.
([21]) أي أو غير الإجارة، كدفعها لمن يعمرها ويقوم بخراجها.
([22]) بسبب عجزه عن عمارتها، ويجوز شراء أرض الخراج استنقاذا، وذلك أن تنتقل إليها بما عليها من خراج، لامتناع الشراء الحقيقي، ويكره شراؤها للمسلم، لما في دفع الخراج من الذل، وإن رأى الإمام المصلحة في إسقاط الخراج عن إنسان، أو تخفيفه جاز، وسيأتي في المساقاة أن القائم في الكلف بالعدل كالمجاهد في سبيل الله.
([23]) كالملك ينتقل من مورث إلى وارث، إلا أنه ليس مثله من كل وجه.
([24]) أي فإن آثر بالأرض الخراجية من كانت بيده أحدًا، صار المؤثر أحق بها، كالأرض المستأجر، إذا آثر بها المستأجر أحدًا، بإجارة ونحوها، كان الثاني أحق بها، لقيامه مقام الأول.
([25]) وإن كانت فتحت عنوة، كما هو مذهب أبي حنيفة، ومالك، ويحرم، بيعها، وإجارتها، وفاقًا لهما، كبقاع المناسك واختار الشيخ جواز البيع فقط، وتابعه ابن القيم، لأنه إنما يستحق التقدم على غيره بهذه المنفعة، واختص بها لسبقه وحاجته فهي كالرحاب، والطرق، من سبق إليها، فهو أحق بها، وإنما جاز البيع لوروده على المحل الذي كان البائع أحق به من غيره.
([26]) أي بحق الكفر لا من ذمي غصبًا ونحوه، أو ببيع ونحوه، و «بلا قتال» أخرج الغنيمة.
([27]) والفرق بين المشرك والكافر، أن المشرك هو المتخذ مع الله إلهًا آخر، والكافر هو الجاحد.
([28]) وكخراج وزكاة تغلبي، ولا يؤخذ في السنة إلا مرة واحدة.
([29]) أي نصف عشر تجارة من ذمي اتجر إلينا ففيء.
([30]) وهربوا أو بذلوه فزعًا منا في الهدنة وغيرها، وهذا إذا لم نقصدهم بقتال، وإلا كان غنيمة.
([31]) مسلمًا كان أو كافرًا، يستخرج جميع ماله، فيصرف في مصالح المسلمين، قال الشيخ وغيره: اتفق المسلمون على أنه من مات ولا وارث له معلوم، فماله يصرف في مصالح المسلمين.
([32]) سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم، فإنه يصرف في مصالح المسلمين، قال الشيخ: يقسمه الإمام بنفسه في طاعة الله ورسوله، كما يقسم الفيء وهذا قول أكثر السلف، وهو قول عمر بن عبد العزيز، ومذهب أهل المدينة والرواية الأخرى عن أحمد، وهو أصح الأقوال، وعليه يدل الكتاب والسنة، اهـ وكذا ما يهدى لأمير الجيش، وبعض الغانمين، وغير ذلك مما سيأتي بيانه وغيره.
([33]) لأن المشركين لما أشركوا مع الله غيره، لم يبقوا مستحقين لتلك الأموال، التي إنما جعلها الله للاستعانة بها على عبادته، فأرجعها الله لعباده المسلمين، ليستعينوا بها على عبادته وحده.
([34]) قاله الشيخ وغيره، قال: والله خلق الخلق لعبادته، وأعطاهم الأموال ليستعينوا بها على عبادته، فالكفار لما كفروا بالله، وعبدوا معه غيره، لم يبقوا مستحقين للأموال، فأباح الله لعباده قتلهم، وأخذ أموالهم فصارت فيئا أعاده الله على عباده المؤمنين، لأنهم هم المستحقون له، وكل مال أخذ من الكفارقد يسمى فيئًا، حتى الغنيمة، لقوله في حنين ((ما يحل لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس، وهو مردود عليكم)) لكن لما قال الله {مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ} الآيات، صار اسم الفيء عند الإطلاق، لما أخذ من الكفار بغير قتال.
وجمهور العلماء على أن الفيء لا يخمس، كقول مالك وأبي حنيفة، وأحمد، وهو قول السلف قاطبة، وهو الصواب، فإن السنة الثابتة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه، تقتضي أنهم لم يخمسوا فيئًا قط، ومنشأ الخلاف، أنه لما كان لفظ آية الخمس، وآية الفيء واحدًا، اختلف فهم الناس للقرآن، وصوب: أن مال الخمس والفيء سواء.
([35]) وقاله الشيخ وغيره، قال: وسائر الأموال السلطانية لجميع المصالح اتفاقًا، وقال: وما اجتمع من بيت المال، ولم يرد إلى أصحابه، فصرفه في مصالح أصحابه والمسلمين، أولى من صرفه فيما لا ينفع أصحابه، أو فيما يضر قال: ومثله المظالم المجهول أربابها، والواجب على من حصلت بيد أموال، ردها إلى مستحقها، فإذا تعذر ذلك، فالمجهول كالمعدوم، وقد دل على ذلك قوله في اللقطة «فإن وجدت صاحبها فارددها إليه».
وذكر أن من مات لا وارث له، ففي المصالح، ثم قال: فإن ما لم يعلم بحال، أو لا يقدر عليه بحال، هو في حقنا كالمعدوم، فلا نكلف إلا بما نعلمه ونقدر عليه، وهذا النوع ونحوه، إنما حرم لتعلق حق الغير به، فإذا كان الغير معدومًا، أو مجهولاً بالكلية، أو معجوزًا عنه بالكلية سقط حق تعلقه به مطلقا، والإعدام ظاهر، والإعجاز مثل الأموال التي قبضها الملوك، كالمكوس وغيرها من أصحابها، فهذان قياسان قطعيان من السنة، والدليل الثاني، القياس، وهو إما أن تحبس إلى أن تتلف، وإتلافها حرام، وحبسها أشد فتعين إنفاقها.
وليس لها مصرف معين، فتصرف في جميع جهات البر، والثواب الذي يتقرب به إلى الله، فتصرف في سبيل الله.
قال: والغنيمة والخراج لمصالح المملكة، فيفتقر إلى اجتهاد الإمام، لعدم تعيين مصرفه، ولأن به يجتمع الجند على باب السلطان، فينفذ أحكام الشرع، ويحمي البيضة ، ويمنع القوي من ظلم الضعيف، ويوصل كل ذي حق حقه، فلو فرقه غيره تفرقوا عنه، وزالت حشمته وهيبته وطمع فيه، فجر ذلك إلى الفساد، قال: وبيت المال ملك للمسلمين، يضمنه متلفه، ويحرم الأخذ منه إلا بإذن الإمام، ولا يجوز الصدقة به، ويسلمه إلى الإمام.
قال: ولا تتم رعاية الخلق إلا بالحق الذي هو العطاء، والنجدة التي هي الشجاعة، بل لا يصلح الدين والدنيا إلا بذلك، ولذلك من لم يقم بها سلب الأمر ونقل إلى غيره، وذكر آيات في الإنفاق والشجاعة، ثم قال: فعلق الأمر بالإنفاق الذي هو السخاء، والقتال الذي هو الشجاعة،، وأن هذا مما اتفق عليه أهل الأرض.
وذكر أنه افترق الناس أربع فرق، فريق صاروا نهابين، وهابين، وفريق عندهم خوف ودين، يمنعهم عما يعتقدونه قبيحًا، لكن لا يعتقدون أن السياسة لا تتم بما يفعله أولئك من الحرام، فينهون أحيانا عن ترك واجب يكون النهي عنه من الصد عن سبيل الله، فيقاتلون المسلمين كما فعلت الخوارج، والفريق الثالث الأمة الوسط، دين محمد صلى الله عليه وسلم وخلفائه، وهو إنفاق المال في المنافع للناس، فإن كانوا رؤساء فبحسب الحاجة إلى صلاح الأحوال، وإقامة الدنيا والدين ولا يأخذون ما لا يستحقونه، فيجمعون بين التقوى والإحسان، ولا تتم السياسة الدينية إلا بهذا، والفريق الرابع يأخذ ولا يعطي غيره، فلا يصلح به دين ولا دنيا.
([36]) قاله الشيخ وغيره، وقال: يبدأ بالأهم فالأهم من مصالح المسلمين، المقاتلة الذين هم للنصرة والجهاد، وهم أولى الناس بالفيء لأنه لا يحصل إلا بهم، حتى قيل: إن مال الفييء مختص بهم ، ولا يجب عطاء إلا لبالغ، عاقل، حر، صحيح يطيق القتال، ومن مات بعد حلوله، دفع لورثته حقه، وصغار أولاده كفايتهم، فإذا بلغ ذكرهم أهلا فرض له إن طلب، وإلا ترك ، قال عمرك ما أحد منا بأحق به من أحد، إلا أنا على منازلنا من كتاب الله، الرجل وقدمه، والرجل وبلاؤه، والرجل وغناؤه، والرجل وحاجته.
قال الشيخ: «بلاؤه» هو الذي يجتهد في قتال الأعداء، «وغناؤه» هو الذي يغني عن المسلمين في مصالحهم، كولاة أمورهم، ومعلميهم، وأمثال هؤلاء، والرجل وسابقته، وهو من كان من السابقين الأولين، فإنه كان يفضلهم في العطاء على غيرهم، والرجل وفاقته، فإنه كان يقدم الفقراء على الأغنياء، وذكر نحوه ثم قال: وإذا عرفت أن العطاء بحسب منفعة الرجل، وبحسب حاجته في حال المصالح، وفي الصدقات أيضا، علمت أنه يبدأ بالأهم فالأهم.
قال: فإنه مع وجود المحتاجين، كيف يحرم بعضهم، ويعطي لغني لا حاجة له، ولا منفعة به، لا سيَّما إذا ضاقت أموال بيت المال عن إعطاء كل المسلمين، غنيهم وفقيرهم فكيف يعطى الغني الذي ليس فيه نفع عام،ويحرم الفقير المحتاج، بل الفقير النافع أولى.
قال: ولا يجوز لولي الأمر أن يعطي أحدًا ما لا يستحقه، لهوى نفسه، من قرابة، أو مودة أو نحو ذلك، وليس لولاة الأمور أن يقسموها بحسب أهوائهم، كما يقسم المالك ملكه، فإنما هم أمناء، ونواب، ووكلاء، ونص العلماء أنه يجب أن يقدم في مال الفيء والمصالح أهل المنفعة العامة، وإذا كان العطاء لمنفعة
المسلمين لم ينظر إلى الآخذ، هل هو صالح النية أو فاسدها؟ وإنما العطاء بحسب مصلحة دين الله.
قال: فأقوام من ذوي الحاجات، والدين، والعلم، لا يعطى أحدهم كفايته، ويتمزق جوعًا، وهو لا يسأل، ومن يعرفه فليس عنده ما يعطيه، وأقوام يأكلون أموال الناس بالباطل، ويصدون عن سبيل الله، وأقوام لهم رواتب فوق حاجاتهم، وقوم لهم رواتب مع غناهم، وعدم حاجتهم، ولا يستريب مسلم أن السعي في تمييز الحق من غيره، والعدل بين الناس بحسب الإمكان، من أفضل أعمال ولاة الأمور، بل ومن أوجبها عليهم.
([37]) وهو الخرق في أحد حافتي النهر، وقدم في الإقناع، من سد ثغر، وكفاية أهله، وحاجة من يدفع عن المسلمين.
([38]) أي تنحية ترابه، وإفرازه عنه إلى جانبيه.
([39]) أي جسر وهو آزج يبنى بالآجر ونحوه، أو بالحجارة وغيرها، على الماء يعبر عليه.
([40]) كمفتين ، وفقهاء، ومؤذنين، ومن يحتاج إليه المسلمون، وكل ما يعود نفعه للمسلمين.
([41]) أي يقسم فاضل بيت المال عمن ذكر بين أحرار المسلمين، دون رقيقهم، قال عمر: ما أحد من المسلمين إلا له في هذا المال نصيب إلا العبيد وقرأ {مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ} حتى بلغ {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} فقال: هذه استوعبت
المسلمين عامة، غنيهم وفقيرهم، وقال: والله لئن بقيت لهم لأوتين الراعي بجبل صنعاء حظه من هذا المال، وهو يرعى مكانه، وقال مالك وأحمد: لاحظ للرافضة فيه، واختاره الشيخ، وقال: ليس لولاة الأمور أن يستأثروا منه فوق الحاجة، كالإقطاع يصرفونه فيما لا حاجة إليه، وقال: لو قدر أنه لم يحصل للفقراء من الزكاة ما يكفيهم ، وأموال بيت المال مستغرقة بالمصالح العامة، كان إعطاء العاجز منهم عن الكسب فرض كفاية، فعلى المسلمين جميعًا أن يطعموا الجائع ، ويكسوا العاري ولا يدعوه بينهم محتاجًا.



  #5  
قديم 14 ربيع الثاني 1432هـ/19-03-2011م, 10:51 AM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

َإِذَا غَنِمُوا أَرْضاً فَتَحُوهَا بالسَّيْفِ خُيِّرَ الإِمَامُ بَيْنَ قَسْمِهَا وَوَقْفِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، ويضْرِبُ عَلَيْهَا خَرَاجَاً مُسْتَمِرّاً يُؤْخَذُ مِمَّن هِي بِيَدِه. ............
قوله: «وإذا غنموا أرضاً فتحوها بالسيف خُيِّر الإمام بين قسمها ووقفها على المسلمين، ويضرب عليها خراجاً مستمرّاً يؤخذ ممن هي بيده» ، «إذا غنموا» الواو الفاعل تعود على المسلمين، «أرضاً» أي: من الكفار، «فتحوها بالسيف» ويسمى الفتح بالسيف عَنوة؛ لأنهم أخذوها قهراً.
مثال ذلك: قاتل المسلمون قرية ففتحوها، وجلا عنها أهلها، وصارت بأيدي المسلمين كالغنائم من الأمتعة وغيرها مما ينقل، في هذه الحال يُخير الإمام بين شيئين: إما أن يقسمها بين الغانمين، وإما أن يوقفها على المسلمين عموماً، ويضرب عليها خراجاً مستمرّاً، فإن قسمها على المسلمين فله في ذلك سلف، وهو النبي صلّى الله عليه وسلّم، فإنه قسم أرض خيبر بين المسلمين[(1)]، وإن لم يقسمها وجعلها وقفاً للمسلمين، وأعطاها الناس وضرب عليها خراجاً مستمرّاً فله في ذلك سلف، وهو عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ[(2)]، فإن عمر بن الخطاب قال: «إذا قسمت الأرض بين المقاتلين الآن لم ينتفع بها من بعدهم»، وهي أرض ليست شيئاً منقولاً تتلف بمرّ الزمن، بل هذه ستبقى أبد الآبدين إلى يوم القيامة، فكوني أقسمها بين الغانمين، وتبقى ملكاً لهم يتوارثونها فيما بينهم، ويتبايعونها فيما بينهم، هذا يحرم بقية أجيال المسلمين، فأنا أبقيها وقفاً وأضرب عليها خراجاً.
والخراج أن يقول مثلاً: كل ألف متر عليه ألف ريال سنويّاً يُؤخذ ممن هي بيده، فإن كانت بيد من عمرها بيتاً أخذ من صاحب البيت، وإذا كانت بيد من زرعها وغرسها أُخذت من الزارع والغارس، وهي تشبه ما يسمى عندنا هنا «بالصبرة»، وما يسمى في الحجاز: «بالحكرة أو الحكورة»، أي: أن تبقى الأرض لا تُملك، للمسلمين، لكن من هي بيده أحق بها من غيره، وعليه مقابل كونه ينتفع بها دراهم يقدرها الإمام، ولهذا قال: «بين قسمها ووقفها على المسلمين» ، وهذا التخيير تخيير مصلحة وليس تخيير تَشَهٍّ؛ وذلك للقاعدة التي سبقت (أن من خُيِّر بين شيئين ويتصرف لغيره وجب عليه فعل الأصلح، وإن كان لنفسه فله أن يعدل إلى الأسهل سواء كان أصلح أو غير أصلح)، ولذلك نقول: من عليه كفارة يمين فهو مخير بين أيها شاء: عتق رقبة أو الكسوة أو الإطعام، حتى لو اختار الأقل، وهو الإطعام ـ في الغالب ـ فله ذلك.
ويجب على الإمام أن يستشير أولي الرأي بين أن يقسم الأرض بين الغانمين، ويجعل لكل إنسان أرضاً يتصرف فيها وتورث من بعده، وبين أن يجعلها وقفاً على المسلمين وليست ملكاً ولا يدخل فيها الإرث[(3)]، ويضرب عليها خراجاً مستمرّاً تؤخذ ممن هي بيده، بمعنى أنها تكون كأجرة تؤخذ ممن هي بيده كل عام، قد يكون الأفضل الأول وقد يكون الأفضل الثاني، حسب الحال.

والمَرْجِعُ فِي الخَرَاجِ والجِزْيَةِ إِلَى اجْتِهَاد الإِمَامِ ...............
قوله: «والمرجع في الخراج والجزية إلى اجتهاد الإمام» أي: المرجع في الخراج الذي يوضع على الأرض المغنومة إلى اجتهاد الإمام، أما الجزية ـ فذكرها المؤلف هنا استطراداً ـ وهي التي تُوضع على كل فرد من أفراد أهل الذمة عوضاً عن إقامتهم في دارنا وحمايتهم، وهذه ـ أيضاً ـ مرجعها إلى الإمام، ومعلوم أن هذه تختلف باختلاف الأراضي والأزمان واختلاف الأشخاص في باب الجزية، فيرجع فيها إلى اجتهاد الإمام، لكنهم قالوا: إذا وضعه من سبقه، فإنه لا يجوز للثاني تغييره ما لم يتغير السبب، فمثلاً ما وضعه عمر ـ رضي الله عنه ـ على الأراضي الخراجية ـ وإن كان الأمر الآن قد اندرس ـ لا يجوز أن نغيره الآن بزيادة أو نقص إلا إذا وجد سبب التغيير، بأن تكون الأراضي رخصت فننزل، أو زادت فنرفع الخراج حسب الحال، أما إذا لم يوجد سبب فالواجب اتباع ما ضربه الإمام الأول على هذه الأرض وعلى أهل الذمة، والذي يظهر لي أن مثل هذه المسائل إذا لم تكن صادرة من النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أنها من أمور القضاء الوقتي، أي التي رأى الخلفاء في ذلك الوقت أنها أنسب.
مسألة: هل يتعلق الخراج بذمة المورث؛ ويكون دَيناً في ذمته تتعلق به نفسه بعد موته، أو هو على من انتقلت إليه؟.
الجواب: الثاني، إلا إذا كان بقي من الخراج الذي أدركه الأول حيّاً شيء فإنه يتعلق بذمته، فمثلاً: لو مضى عليه خمس سنوات لم يؤد الخراج، ثم مات فهذا يتعلق بذمته خمس سنوات، وما بعدها يتعلق بمن انتقلت إليه الأرض من الورثة.
وبهذا التقرير يطمئن الإنسان الذي اشترى بيتاً فيه صبرة، ثم أدى الصبرة التي حلت في حياته ومات، فهل نقول: هذه الصبرة تتعلق بذمة الميت؟.
الجواب: لا تتعلق؛ لأنه برئت ذمته في حياته.
وكذلك ـ أيضاً ـ لو أن الأرض المصبرة بيعت من شخص، فهل للذي صبرها الأول أن يرجع على البائع، أو يرجع على المشتري الذي هي بيده؟
الجواب: الثاني؛ لأنه جرت العادة أن الصبرة يُطالب بها من كانت العين في يده فلا يُطالب بها البائع.
قد يقول المصبر الأول: أنا صبرتك أنت فأعطني صبرتي؟ فيقال: لا؛ لأنه جرت العادة على أنه إذا باعها أن يطالب المشتري كالأرض الخراجية سواء.

وَمَنْ عَجَزَ عَن عِمَارَةِ أرْضِهِ أُجْبِرَ عَلَى إِجَارَتِهَا، أوْ رَفْعِ يَدهِ عَنْهَا. وَيَجْرِي فِيهَا المِيرَاثُ، وَمَا أُخِذَ مِنْ مَالِ مُشْرِكٍ كَجِزْيَةٍ وَخَرَاجٍ وَعُشْرٍ، وَمَا تَرَكُوهُ فَزَعاً، وَخُمسِ خُمسِ الغَنِيْمَةِ، فَفَيءٌ يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ المُسْلِمِينَ........
قوله: «ومن عجز عن عمارة أرضه أجبر على إجارتها أو رفع يده عنها» هذا رجل من الناس اقتطع أرضاً من الأرض الخراجية يريد أن يزرعها، مساحتها كيلو مثلاً، فالإمام يجب أن يعطيه؛ لأن هذا من مصلحة المسلمين؛ إذ سيعود الدخل إلى بيت مال المسلمين، وبعد أن أخذها عجز عن عمارتها، نقول له: يجب عليك أحد أمرين، إما أن ترفع يدك ليأخذها غيرك، وإما أن تؤجرها، لأنه إذا عجز عن عمارتها وبقيت أرضاً بيضاء وأردنا أن نطالبه بالخراج فمن أين نأخذ؟ فيضيع حق المسلمين.
ولو طلب مهلة علينا أن نعطيه مهلة بشرط ألا يفوت بها موسم الزرع، فإن طلب مهلة يفوت بها زرعها لم نعطه؛ لئلا تتعطل الأرض ثم يتعطل خراجها.
قوله: «ويجري فيها الميراث» أي: الأرض الخراجية يجري فيها الميراث، فإذا مات إنسان قد استولى على أرض خراجية انتقلت الأرض بخراجها إلى الورثة، فإذا قال الورثة: لا نريدها ما دام قد ضرب عليها خراج، نقول لهم: ارفعوا أيديكم عنها، وتعطى أناساً آخرين، ولا نجبرهم عليها؛ لأن الذي التزم بها هو مورثهم.
قوله: «وما أخذ من مال مشرك» المراد بذلك من لا يدين بالإسلام، سواء كان يهوديّاً، أو نصرانيّاً، أو وثنيّاً، أو غير ذلك، المهم أنه كافر لا يدين بالإسلام.
قوله: «كجزية» التمثيل بالجزية، وما عطف عليها يدل على أنه أخذ بغير قتال؛ وذلك لأن ما أخذ من مال الكفار بالقتال فهو غنيمة، لكن هذا أخذ بغير قتال.
والجزية هي ما يوضع على أفراد أهل الذمة من يهود ونصارى، وغيرهم على القول الراجح.
قوله: «وخراج» كذلك ـ أيضاً ـ الخراج وهو المال المضروب على الأرض الخراجية التي غنمت ثم وقفت على المسلمين.
قوله: «وعشر» العشر يؤخذ من كل كافر اتجر في بلاد الإسلام[(4)]، ثم إن كان حربيّاً أخذنا منه العشر، وإن كان ذميّاً أخذنا منه نصف العشر، وهو حق للمسلمين وليس هذا بمكس، لأنه إذا اتجر في بلاد المسلمين يكون هو المستفيد، ويجوز للحربي أن يطلب الأمان؛ ليدخل التجارة إلى بلاد المسلمين ويبيعها ثم يمشي، فنأخذ عليه عشر التجارة بمعنى أنه إذا كان ما معه يساوي عشرة آلاف نأخذ منه ألفاً، أما إذا دخل بغير أمان فإننا نأخذه هو وماله؛ لأنه حربي.
أما إذا كان ذميّاً فنأخذ منه نصف العشر؛ لأن الذمي له شيء من الحق، وإن كان مسلماً لا نأخذ شيئاً، إذاً الناس ثلاثة أقسام:
الأول: الذمي، فهذا نأخذ منه نصف العشر، أي: واحداً من عشرين.
الثاني: الحربي، الذي دخل بأمان، ونأخذ منه العشر كاملاً أي: واحداً من عشرة.
الثالث: المسلم، ولا يحل لنا أن نأخذ منه شيئاً؛ لأنه محترم بماله ونفسه.
قوله: «وما تركوه فزعاً» أي: ما تركه الكفار فزعاً منا، يعني لما علموا بأن المسلمين أقبلوا عليهم هربوا وتركوا الأموال، فهذه الأموال أخذت بغير قتال فتكون فيئاً؛ وذلك لأن المقاتلين لم يتعبوا في تحصيلها فلا تقسم بينهم، بل تكون فيئاً يصرف في مصالح المسلمين العامة، كرَزْقِ القضاة، والمؤذنين، والأئمة، والفقهاء، والمعلمين، وغير ذلك من مصالح المسلمين.
قوله: «وخمس خمس الغنيمة ففيء يصرف في مصالح المسلمين» خمس خمس الغنيمة هو واحد من خمسة وعشرين جزءاً يصرف في الفيء؛ وخمس خمس الغنيمة هو أن الغنيمة إذا غنمت يؤخذ منها الخمس لخمسة أصناف، وتقسم أربعة الأخماس الباقية على الغانمين، والخمس الذي يؤخذ أولاً يصرف إلى خمس جهات لقوله تعالى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال: 41] ، ولكن كيف يتم صرفه؟.
الجواب: لا بد أن يكون على ما فيه مصلحة للمسلمين، قال شيخ الإسلام في كتاب السياسة الشرعية: لا يجوز أن يُصرف هذا في غير المصالح فضلاً عن أن يعطى المغنِّين والمتمسخرين وما أشبه ذلك؛ لأن هذه منافع محرمة، فلا يجوز أن تبذل الأموال فيها، وإنما تبذل في المصالح، وهنا أسئلة:
أولاً: هل إصلاح الطرق من المصالح؟ الجواب: نعم من المصالح.
ثانياً: هل إقامة السدود على الأودية من المصالح؟ الجواب: نعم من المصالح.
ثالثاً: هل غرس الأشجار في مواقف الناس التي يحتاجون إلى الوقوف فيها من المصالح؟ الجواب: نعم من المصالح.
إذاً المصالح عامة، فكل ما فيه مصلحة للمسلمين في دينهم أو دنياهم فإنه يؤخذ من بيت المال، ولا يجوز أن يصرف هذا الفيء، أعني بيت المال إلا فيما فيه مصلحة للمسلمين، فأما ما لا مصلحة فيه فإنه لا يجوز أن يصرف منه قرش واحد؛ لأن هذا من إضاعة المال، وإذا كان الإنسان منهيّاً عن إضاعة المال الذي يملكه، فكيف بإضاعة المال الذي هو للمسلمين عموماً.
وإذا بذل في محرم صار فيه إثمان:
الأول: اقتطاع جزء من مال المسلمين في غير مصالحهم.
الثاني: أنه صرف في المحرم فهو إعانة على المحرم.
ولهذا نقول: إن مسؤولية من يتولون أموال المسلمين، أشد من مسؤولية من يتولى مال اليتيم، أو مال سفيه، أو مال نفسه؛ لأن هذا يتعلق به جميع حقوق المسلمين، فكل المسلمين لهم حق فيه، ولا يخفى ما جرى لعمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ فيما يذكره أهل التاريخ، أنه كان ـ رضي الله عنه ـ في إحدى الليالي يمشي في شوارع المدينة يتفقد الناس فوجد ناراً فذهب إليها، وكان معه مولى يُقال له: أسلم، فذهب إلى هذه النار فوجد امرأة عجوزاً عندها صبيان جوعى يصيحون، وقد أوقدت النار تحت قِدر ليس فيه إلا الماء لتسكتهم به، فجاء إليها وقال: ما لك يا أمة الله؟ قالت: هؤلاء صبيان، قال: ما الذي في القدر؟ قالت: ماء أسكتهم به، الله بيننا وبين عمر ـ كلمة عظيمة ـ، عمر ولاه الله على العباد لا بد أن يسأله الله عن هذه الولاية، فقال لها ـ وهي لا تعلم أنه عمر ـ: ما أدرى عمر بكم؟ قالت: يتولى أمرنا ولا يدري عنا؟ هذه كلمة أكبر من الأولى.
فذهب مسرعاً ـ رضي الله عنه ـ إلى خزانة الطعام وأخذ كيساً من دقيق، وأخذ ما يقابله من الودك وحمله، فقال له مولاه أسلم: يا أمير المؤمنين أنا أحمله، قال: إنك لو حملته عني لم تحمل عني أوزاري يوم القيامة، ثم خرج به وجعل هو ينفخ في النار حتى إن الدخان يتخلل لحيته، ويصب من الدقيق والودك في هذا القدر حتى طبخ هو بنفسه، خليفة المسلمين من مشرق الأرض إلى مغربها يطبخ بنفسه لهذه العجوز!! لأنه يطبخ مخلصاً لله بذلك ليبرئ ذمته بهذا، ففعل ثم تنحى ناحية وجلس وقال: والله لا أرجع حتى أرى هؤلاء الصبيان الذين يبكون يتضاحكون، فشبعوا من الطعام وجعلوا يضحكون ويتصارعون، فذهب وقال لها: إذا كان غداً فأتي إلى عمر، وذهب وهي لا تدري من هذا الرجل، قالت: والله إنك لخير لنا من عمر[(5)]؛ لأن عمر على زعمها نائم في فراشه، وهذا يتفقد الناس ويأتي إليهم بالطعام، فالمسؤولية عظيمة جداً، نسأل الله تعالى أن يعين ولاة أمورنا على ما فيه خير البلاد والعباد.
يقول صاحب الروض المربع[(6)]:
«فصل في الأمان والهدنة»
«يصح الأمان من مسلم عاقل مختار غير سكران ولو قِنّاً أو أنثى، بلا ضرر في عشر سنين فأقل، منجَّزاً ومعلقاً، من إمام لجميع المشركين، ومن أمير لأهل بلدة جعل بإزائهم، ومن كلِّ أحد لقافلة وحصن صغيرين عرفاً، ويحرم به قتل، ورق، وأسر».
قوله: «يصح الأمان» الأمان: عبارة عن تأمين الكافر مدة محدودة، أي يؤمن حتى يبيع تجارته ويرجع، أو حتى يشاهد بلاد المسلمين ويرجع، أو حتى يسمع كلام الله ويرجع، وهذا التأمين ليس عقداً بل أمان فقط، ولهذا صح من كل إنسان حتى من امرأة، وحتى من قن، لكن لا بد أن يكون المُؤَمِّنُ مسلماً، فلو فرضنا أن في البلد طوائف متعددة، نصارى ومشركين، لكنهم باقون في عهد المسلمين، فهؤلاء لا يصح منهم أن يؤمّنوا كافراً يدخل من بلاد الكفر؛ لأنهم لا يُؤْمَنُونَ، فقد يكون بينهم وبين هذا الطالب للأمان اتفاق فيؤمِّنونه حتى يأتي ليأخذ أسرار المسلمين وأحوالهم.
ولا بد أن يكون عاقلاً، وضده المجنون؛ لأن المجنون لا عقل له ولا قصد له.
ومختاراً لا مكرهاً، فلو دخل كافر مسلح، ووجد رجلاً من المسلمين وقال له: أمّنِّي وإلا قتلتك، فأمَّنه مكرهاً، فهذا الأمان لا يصح، ولكن اشترط المؤلف للأمان ألا يكون فيه ضرر على المسلمين، وأن يكون في عشر سنين فأقل، أي: لا يملك أي إنسان أن يُؤَمِّنَ الكافر أكثر من عشر سنين.
قوله: «منجَّزاً ومعلَّقاً» منجَّزاً مثل: أمَّنتك.
ومعلَّقاً مثل إذا دخل الشهر الفلاني فأنت في أمان.
قوله: «من إمام لجميع المشركين» أي: يصح الأمان من إمامٍ لجميع المشركين؛ لأن ولايته عامة، فجاز أن يكون تأمينه عامّاً.
قوله: «ومن أمير لأهل بلدة جعل بإزائهم» هذا أقل من عموم المشركين، فأهل البلدة يؤمِّنهم أمير جعل بإزائهم، مثل أن يكون هناك قرية مسلمة وعليها أمير مسلم، وبجانبها قرية كافرة فيؤمِّنها هذا الرجل المسلم.
قوله: «ومن كل أحد لقافلة وحصن صغيرين عرفاً» أيُّ واحد من عامة المسلمين يؤمن القافلة الصغيرة والحصن الصغير أو الرجل أو الرجلين وما أشبه ذلك، فإنه جائز.
وما الذي يترتب على الأمان؟.
الجواب: قوله: «ويحرم به» أي: بالأمان.
قوله: «قتل ورق وأسر» أي: إذا أعطينا الأمان لشخص حرم قتله ورقه وأسره؛ لأنه قد أعطي الأمان، والمسلمون هم أشد الناس وفاءً بالعهود. ومن طلب الأمان؛ ليسمع كلام الله، ويعرف شرائع الإسلام لزم إجابته ثم يرد إلى مأمنه، ودليل ذلك قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: 6] ، لكن بشرط ألاَّ نخاف أنه قال ذلك احتيالاً ومكراً، فإن خفنا هذا فإننا لا نؤمنه؛ لأنه يخشى من شره.
قوله: «والهدنة عقد الإمام أو نائبه على ترك القتال مدة معلومة ولو طالت بقدر الحاجة» كلامه هنا لا يخالف كلامه الأول، فالكلام الأول إنما هو تأمين فقط، وكلامه هنا عن عقد يكون بين الإمام وبين الكفار كما فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم في الحديبية[(7)]، واشترط المؤلف بقوله: «عقد الإمام أو نائبه» أن الهدنة لا يعقدها إلا الإمام أو نائبه، ومعروف أن الإمام هو الذي له الولاية العامة على كل المسلمين، ولكن هذا فُقد من أزمنة طويلة، وأقر المسلمون الوضع على ما هو عليه، وقالوا: كل إنسان ولي أمرٍ على البلاد التي تحت سيطرته فتجب طاعته، كما ذكره الصنعاني في سبل السلام، وغيره ـ أيضاً ـ من أهل العلم.
قوله: «على ترك القتال مدة معلومة» فلا يصح أن يقول: نحن عاهدناكم مدة ألاّ نقاتلكم؛ لأنها مجهولة، فلا بد أن تكون معلومة.
ولو قال: نعقد الهدنة بيننا حتى يكون لنا قدرة على القتال، فلا تصح لأنها غير معلومة.
قوله: «ولو طالت لكن بقدر الحاجة» ، «لو» إشارة خلاف؛ لأن بعض العلماء يقول: لا تجوز الهدنة مع الكفار إلا في عشر سنين فأقل، أما أكثر من ذلك فلا تجوز
والحجة في هذا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم سالم قريشاً لمدة عشر سنوات، قالوا: والأصل وجوب قتال وجهاد الكفار، فلا نعدل عن هذا الأصل إلا بمقدار ما جاءت به السنة، والسنة جاءت بعشر سنوات فلا نزيد، فإن زاد على هذا بطلت الزيادة.
وقيل: يبطل العقد كله، وهذا مبني على تفريق الصفقة المعروفة في كتاب البيع.
والصفقة إذا باع الإنسان شيئاً يجوز بيعه وشيئاً لا يجوز، هل يبطل البيع في الجميع أو فيما لا يجوز؟.
الجواب: فيما لا يجوز.
مثاله: باع عبداً وحرّاً، أو باع سيارته وسيارة جاره، وجاره لم يوكله، فيصح بيع سيارته دون سيارة جاره.
وقيل: يبطل البيع كله.
والمذهب أنه لا بأس أن تزيد المدة على عشر سنين إذا كان في ذلك حاجة، وتقدير النبي صلّى الله عليه وسلّم المدة بعشر سنين؛ لأنه رأى أن هذا كافٍ، وأن المسلمين سوف يقوون، وتزيد قوتهم في هذه المدة فيكون تقدير المدة لا لاختصاصها بهذا القدر، ولكن تبعاً للحاجة.
فالمذهب أنها تصح مؤقتة ولو عشرين سنة أو ثلاثين سنة أو أكثر إذا دعت الحاجة لذلك، مثل أن يعرف المسلمون أنهم ضعفاء لا يستطيعون في خلال خمس سنوات، أو عشر سنوات، أو عشرين سنة أن يقابلوا العدو فلهم أن يزيدوا إلى المدة التي تقتضيها الحاجة.
وقال شيخ الإسلام: يجوز عقد الهدنة مطلقاً بدون تحديد إذا كان في ذلك مصلحة، ولكن يكون هذا عقداً جائزاً، بمعنى أن للمسلمين أن ينقضوه إذا رأوا مصلحة في نقضه، فصارت الأقوال ثلاثة:
القول الأول: لا يجوز أن يعقد السلام أو الهدنة أكثر من عشر سنوات[(8)].
القول الثاني: يجوز أكثر لكن يحدد؛ لأن العقد على وجه الإطلاق يعني إبطال الجهاد.
القول الثالث: يجوز مطلقاً بدون تحديد للمصلحة، ولكن هذا القول يجعله عقداً جائزاً، بمعنى أن المسلمين إذا رأوا من أنفسهم القوة نبذوا العهد، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ، ولكن لا بد أن يُعلموا عدوهم بأننا عقدنا معكم هذه الهدنة للحاجة، والآن لا نحتاجها، فإما أن تسلموا، وإما أن نقاتلكم، وهذا الذي قاله شيخ الإسلام هو قياس المذهب في أن المرجع في ذلك إلى المصلحة، ولو زاد على عشر سنين، فما دمتم تقولون: إننا نزيد على عشر السنوات التي حددها الرسول صلّى الله عليه وسلّم في الصلح بينه وبين قريش من أجل المصلحة، فلنقل أيضاً: قد نظن أن المصلحة في عشر سنوات ـ مثلاً ـ أو عشرين سنة، ولكن يتبين أننا نحتاج إلى وقت أطول، فإذا أطلقناها وصار لنا الحق في أن نقول لهؤلاء القوم: نحن أطلقناها ولم نقيد مدة معينة فإذا لم نقيد مدة معينة، فإنكم لا تلزموننا بشيء، ونقول لهم: هذا إذا قوينا وصار عندنا قدرة نستطيع أن نجبرهم على الإسلام، أو دفع الجزية إن كانوا من أهل الجزية.
قوله: «وهي لازمة يجوز عقدها للمصلحة حيث جاز تأخير الجهاد لنحو ضعف بالمسلمين» ، «وهي» الضمير يعود على الهدنة، «لازمة» ؛ لأنها عهد بيننا وبين الكفار، وليعلم أن العهد الذي بيننا وبين الكفار له ثلاث حالات كلها في القرآن:
الحال الأولى: أن ينقضوا العهد هم بأنفسهم، فإذا نقضوا العهد انتقض العهد الذي بيننا وبينهم.
ومثاله: قصة قريش؛ لأن قريشاً نقضوا العهد حين ساعدوا حلفاءهم على حلفاء النبي صلّى الله عليه وسلّم، وحينئذ ينتقض العهد، والدليل قوله تعالى: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ *}{أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ} [التوبة: 12، 13] .
الحال الثانية: أن يستقيموا لنا ولا نخاف منهم خيانة ولم نر منهم خيانة، فحينئذ يجب علينا أن نستقيم لهم كما قال الله تعالى: {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 7] .
الحال الثالثة: أن نخاف منهم نقض العهد، فهنا لا يلزمنا أن نبقى على العهد، ولا يجوز لنا أن نقاتلهم، بل ننبذ إليهم على سواء، وإليه الإشارة في قوله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنفال: 58] ، أي: انبذ العهد على سواء؛ لتكون أنت وإياهم على سواء في أنه لا عهد بينكم، وهذا هو الإنصاف؛ لأن الدين الإسلامي أقوم الأديان وأعدلها، فما استقاموا لنا فإننا نستقيم لهم، وإن نقضوا عهدنا فلا عهد لهم، وإن خفنا منهم ننبذ إليهم على سواء، فنقول: لا عهد بيننا وبينكم، ولا نأتيهم على غرة ونباغتهم؛ لأن الأصل قيام العهد.
قوله: «تجوز بشرط حيث جاز تأخير الجهاد لنحو ضعف بالمسلمين» وفي وقتنا هذا فينا ضعف؛ لذلك تجوز الهدنة على المذهب بدون تقييد، ولكن لا بد أن تكون المدة معلومة مقيدة.
قوله: «ولو بمال منا ضرورة» أي: ولو كان عقد الهدنة بمال، وعقد الهدنة بمال إما أن يكون منهم، وإما أن يكون منا ولا ثالث لذلك، ويكون منهم إذا كانوا هم الضعفاء فيفرحون أن نأخذ منهم ضريبة مالية وندع جهادهم، ويكون منا إذا كان الضعف فينا، ولهذا قيدها المؤلف بقوله: «لو بمال منا ضرورة» وهذا إشارة خلاف؛ لأن بعض العلماء يقول: لا يجوز أن نعطيهم على الهدنة مالاً أبداً، ولهذا «لما شاور النبي صلّى الله عليه وسلّم سعد بن عبادة، وسعد بن معاذ على أن يعطي مالاً في مقابلة المصالحة أبوا، وقالوا: لا يمكن يا رسول الله، في الجاهلية لا يقدرون أن يدخلوا المدينة إلا بأمان ليأخذوا التمر، فكيف نعطيهم الآن تمراً من المدينة[(9)]؟» فوافقهم النبي صلّى الله عليه وسلّم.
فقال بعض العلماء: إن عرض النبي صلّى الله عليه وسلّم ذلك يدل على الجواز، وقال بعض العلماء: إن موافقته للسعدين يدل على المنع، وأن هذا ذل للمسلمين أن يبذلوا مالاً لعدوهم، ولكن يقال: بذل المال أهون من القتل إذا كان العدو قويّاً، وليس لنا به طاقة إطلاقاً، فإن بذل شيء من أموالنا أهون من أن يسحقنا العدو نحن وأموالنا، فالمسألة كلها تعود إلى المصلحة ودفع الضرر، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
قوله: «ويجوز شرط رد رجل جاء منهم مسلماً للحاجة» أي: لو شرط هؤلاء الكفار أنه من جاء منهم مسلماً رددناه إليهم كان ذلك شرطاً جائزاً، لكن إذا دعت الحاجة إليه، ومن دعاء الحاجة إلى ذلك أن يتوقف الصلح على هذا الشرط، فإذا توقف الصلح على هذا الشرط، وقالوا: لا نصالحكم إلا بهذا الشرط، فإن لنا أن نشترطه.
فإن قال قائل: في هذا غضاضة علينا.
قلنا: إن النبي صلّى الله عليه وسلّم فعل ذلك بأمر الله، فإن قريشاً اشترطوا عليه أن من جاء منهم مسلماً رده عليهم وفعل ذلك، وجعل الله لمن جاء مسلماً ورد إليهم فرجاً، حتى إنهم هم بأنفسهم أرسلوا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم يقولون: امنع الذين جاؤوا وأسلموا وألغ الشرط ففعل، والقصة مع أبي بصير ـ رضي الله عنه ـ؛ لأن أبا بصير جاء مسلماً من قريش فأرسلوا في طلبه رجلين، فما إن وصل المدينة حتى وصل الرجلان، ثم طلبا من النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يرد إليهم هذا الرجل الذي جاء مسلماً فرده إليهم حسب الشرط، ولما كان في أثناء الطريق وجلسوا يتغدون، قال لأحدهم: أرني سيفك هذا فإنه سيف جيد فأراه إياه؛ لأنه قال: هذا الرجل أسير في أيدينا؛ فلما أخذه ضرب به عنقه حتى أطار رأسه، وصاحبه الثاني هرب إلى المدينة وجاء إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فلحقه أبو بصير، وقال: يا رسول الله إن الله أبرأ ذمتك وأوفى بعهدك ورددتني إليهم، ولكن الله أنجاني منهم، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((ويل أمه مِسْعَر حرب لو يجد من ينصره)) ففهم أبو بصير ـ رضي الله عنه ـ أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم سيرده، فخرج من المدينة وجلس على قاعدة في البحر، وصار إذا مرت به تجارة لقريش أغار عليها وأخذها، فسمع به أناس من أهل مكة من الشبان فخرجوا إليه، فصاروا طائفة، وحينئذ عجزت قريش عنهم، فانتهى الأمر بردهم إلى المدينة[(10)]، والحمد لله.
قوله: «وأمَرَهُ سرّاً بقتالهم والفرار منهم» أي: نعطيه إياهم، ونقول: إن أمكنك أن تقتل أحداً منهم أو تقاتل فافعل، أو أمكنك أن تفر منهم فافعل، لكن إلى حيث لا يصلون إليك، فلا تأت إلينا، فإنك إن أتيتنا رددناك إليهم.
قوله: «ولو هرب قن فأسلم لم يردّ وهو حرّ» أي: هرب عبدٌ مملوك من سيده من الكفار فأسلم لم يرد إليهم خوفاً من أن يرتد إلى الكفر؛ لأنه قن فيأخذه سيده ويكرهه على الكفر فيكفر.
قوله: «ويؤخذون بجنايتهم على مسلم من مال، وقَوَد، وحَدّ» الضمير في قوله: «يؤخذون» يعود على المعاهدين الذين بيننا وبينهم عهد، فلو أخذوا مال مسلم وجب عليهم رده، ولو قتلوا مسلماً قتلوا إذا أمكن، ولو قذفوا مسلماً حدُّوا للقذف؛ لأنهم معاهدون.
قوله: «ويجوز قتل رهائنهم إن قتلوا رهائننا» أي: لو كان بيننا وبينهم رهائن، وأحياناً يخافون أن ننقض العهد ونحن نخاف أن ينقضوا العهد فنقول: أعطونا رهائن، وهم أيضاً يقولون: أعطونا رهائن، أي: أشخاصاً يكونون عندهم، إذا غدر أحد قُتِل هؤلاء الرهائن، فإن قتلوا رهائننا فلنا أن نقتل رهائنهم.
فإن قال قائل: كيف نقتل رهائنهم وقد قال الله تعالى: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: 15] ؟
قلنا: لأن القوم طائفة واحدة، فجناية واحد منهم جناية من الجميع.
واستفدنا من كلام المؤلف أنه يجوز أن نعطي الكفار رهائن، ولكن بشرط أن يعطونا رهائن، أما أن نعطيهم رجالنا يقتلونهم متى شاؤوا دون أن يكون لدينا رهائن نقتلهم إذا قتلوا رهائننا، فهذا لا شك أنه لا يجوز، لكن إذا أخذوا منا رهائن فإننا نطلب منهم مقابل ذلك.
قوله: «وإن خيف نقض عهدهم أعلمهم أنه لم يبق بينه وبينهم عهد قبل الإغارة عليهم» دليل ذلك قوله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنفال: 58] ، أي: أنت وهم سواء في أنه لا عهد بينكم، أما أن تغير عليهم بدون أن تعلمهم فإن هذا لا يجوز؛ لأن الأصل بقاء العهد، وقد ذكرنا فيما سبق أن المعاهدين ينقسمون إلى ثلاثة أقسام:
الأول: من نقض العهد، فهؤلاء انتقض عهدهم ونقاتلهم.
والثاني: من استقام على العهد، فهؤلاء نستقيم على عهدهم؛ لقوله تعالى: {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} [التوبة: 7] .
والثالث: من خيف منه نقض لعهد، فهذا لا نغير عليه ولا نؤمِّنه، ولكننا نقول له: إن العهد الذي بيننا وبينكم قد نقض، وإذا انتقض العهد جاز لنا أن نغير عليهم.



[1]ـ[2] أخرجه البخاري في الحرث والمزارعة/ باب أوقاف أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم (2334)، وانظر: «الأموال» لأبي عبيد ص(60).
[3] أي: إرث التملك.
[4] روي ذلك عن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه كان يأمر بذلك عماله، أخرجه عبد الرزاق (10124) والبيهقي (20919، 210).
[5] أخرجه الطبري في «تاريخه» (4/205).
[6] الروض مع حاشية ابن قاسم: 4/296.
[7] أخرجه البخاري في الشروط/ باب الشروط في الجهاد (2731)، (2732).
[8] وهو المذهب.
[9] أخرجه البزار (1803) «كشف الأستار» ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه ـ وعزاه الهيثمي في «المجمع» (6/135) للطبراني وقال: «فيه محمد بن عمرو وحديثه حسن وبقية رجاله ثقات».
[10] سبق تخريجه ص(44).


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أحكام, تتعلق

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:20 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir