دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 08:55 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي أحكام معمول الخبر


لا يَلِي العاملَ معمولُ الْخَبَرْ = إلَّا إذا ظَرْفًا أَتَىأوْ حَرْفَ جَرّ
مُضْمَرَ الشانِ اسْمًا انْوِ إنْ وَقَعْ = مُوهِمُ ما استبانَ أنَّهُ امْتَنَعْ


  #2  
قديم 20 ذو الحجة 1429هـ/18-12-2008م, 10:08 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ابن عقيل (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)

ولا يَلِي الْعَامِلَ مَعْمُولُ الْخَبَرْ = إِلاَّ إِذَا ظَرفاً أَتَى أَوْ حَرْفَ جَرْ ([1])
يعني أنه لا يَجُوزُ أنْ يَلِيَ (كانَ) وأَخَوَاتِها معمولُ خبرِها الذي ليسَ بظرفٍ ولا جارٍّ ومجرورٍ، وهذا يَشْمَلُ حاليْنِ:
أحدُهما: أنْ يَتَقَدَّمَ معمولُ الخبرِ وحدَه على الاسمِ، ويكونَ الخبرُ مؤخَّراً عن الاسمِ، نحوُ: (كانَ طَعَامَكَ زَيْدٌ آكِلاً)، وهذه مُمْتَنِعَةٌ عندَ البَصْرِيِّينَ، وأَجَازَهَا الكُوفِيُّونَ.
الثاني: أنْ يَتَقَدَّمَ المعمولُ والخبرُ على الاسمِ، ويَتَقَدَّمَ المعمولُ على الخبرِ، نحوُ: (كانَ طَعَامَكَ آكِلاً زَيْدٌ)، وهي مُمْتَنِعَةٌ عندَ سِيبَوَيْهِ، وأَجَازَهَا بعضُ البَصريِّينَ، ويَخْرُجُ من كلامِه أنه إذا تَقَدَّمَ الخبرُ والمعمولُ على الاسمِ وقُدِّمَ الخبرُ على المعمولِ جَازَتِ المسألةُ؛ لأنَّه لم يَلِ (كانَ) معمولُ خَبَرِها، فتقولُ: (كانَ آكِلاً طَعَامَكَ زيدٌ)، ولا يَمْنَعُها البَصْرِيُّونَ.
فإنْ كانَ المعمولُ ظرفاً أو جارًّا ومجروراً جازَ إيلاؤُه (كانَ) عندَ البصريينَ والكُوفِيِّينَ، نحوُ: (كانَ عندَكَ زيدٌ مُقِيماً، وكانَ فيكَ زيدٌ راغباً).
ومُضْمَرَ الشَّأْنِ اسْماً انْوِ إِنْ وَقَعْ = مُوهِمُ مَا اسْتَبَانَ أَنَّهُ امْتَنَعْ ([2])
يعني: أنه إذا وَرَدَ مِن لسانِ العربِ ما ظَاهِرُه أنه وَلِيَ (كانَ) وأَخَوَاتِها معمولُ خبرِها فأَوِّلْهُ على أنَّ في (كانَ) ضميراً مستتراً هو ضميرُ الشأنِ؛ وذلك نحوُ قولِهِ:
67- قَنَافِذُ هَدَّاجُونَ حَوْلَ بُيُوتِهِمْ = بِمَا كَانَ إِيَّاهُمْ عَطِيَّةُ عَوَّدَا ([3])
فهذا ظاهرُه أنه مثلُ (كانَ طعامَكَ زيدٌ آكلاً)، ويَتَخَرَّجُ على أنَّ في (كانَ) ضميراً مستتراً هو ضميرُ الشأنِ، وهو اسمُ كانَ.
وممَّا ظاهرُه أنه مثلُ (كانَ طعامَكَ آكلاً زيدٌ) قولُه:
68- فأَصْبَحُوا وَالنَّوَى عَالِي مُعَرَّسِهِمْ = وليسَ كُلَّ النَّوَى تُلْقِي الْمَسَاكِينُ ([4])
إذا قُرِئَ بالتاءِ المثنَّاةِ مِن فوقُ فيَخْرُجُ البيتانِ على إضمارِ الشأنِ، والتقديرُ في الأوَّلِ: بما كانَ هو؛ أي: الشأنُ، فضميرُ الشأنِ اسمُ كانَ، وعَطِيَّةُ مبتدأٌ، وعَوَّدَ خبرٌ، وإيَّاهم مفعولُ عَوَّدَ، والجملةُ من المبتدأِ وخبرِه خبرُ كانَ، فلم يَفْصِلْ بينَ كانَ واسمِها معمولُ الخبرِ؛ لأنَّ اسمَها مُضْمَرٌ قبلَ المعمولِ.
والتقديرُ في البيتِ الثاني: وليسَ هو؛ أي: الشأنُ، فضميرُ الشأنِ اسمُ ليسَ، وكلَّ النَّوَى منصوبٌ بتُلْقِي، وتُلْقِي المساكينُ فعلٌ وفاعلٌ، والمجموعُ خبرُ ليسَ. هذا بعضُ ما قِيلَ في البيتيْنِ.



([1]) (ولا) نافيةٌ، (يَلِي) فعلٌ مضارعٌ، (العَامِلَ) مفعولٌ به لِيَلِي مُقَدَّمٌ على الفاعلِ، (معمولُ) فاعلُ يَلِي، ومعمولُ مضافٌ و(الخبرْ) مضافٌ إليه، (إلاَّ) أداةُ استثناءٍ، (إِذَا) ظرفٌ لِمَا يُسْتَقْبَلُ من الزمانِ تَضَمَّنَ معنى الشرطِ، (ظَرْفاً) حالٌ مُقَدَّمٌ على صاحبِه، وهو الضميرُ المستَتِرُ في أَتَى، (أَتَى) فعلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه جوازاً تَقْدِيرُهُ هو يعودُ على (معمولُ الخبرِ) السابقِ، (أو) حرفُ عطفٍ، (حرفَ) معطوفٌ على قولِه: (ظَرْفاً)، وحرفَ مضافٌ و(جَرْ) مضافٌ إليه، وجملةُ (أَتَى) وفاعلِه في محلِّ جرٍّ بإضافةِ إذا إليها، وهي فعلُ الشرطِ، وجوابُ الشرطِ محذوفٌ يُفْصِحُ عنه الكلامُ، وتَقْدِيرُهُ: فإنَّه يَلِيهِ، وهذه الجملةُ كلُّها في موضِعِ الاستثناءِ مِن مُسْتَثْنًى منه محذوفٍ، وهو عمومُ الأوقاتِ، وكأنه قالَ: لا يلي معمولَ الخبرِ العاملُ في وقتٍ ما من الأوقاتِ إلاَّ في وقتِ مجيئِه ظرفاً أو حرفَ جرٍّ.

([2]) (مُضْمَرَ) مفعولٌ به مُقَدَّمٌ على عاملِه، وهو قولُه: (انْوِ) الآتي، ومضمَرَ مضافٌ و(الشأنِ) مضافٌ إليه، (اسماً) حالٌ مِن مضمَرَ، (انْوِ) فعلُ أمرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مستترٌ فيه وجوباً تَقْدِيرُهُ أنتَ، (إنْ) شرطيَّةٌ، (وَقَعْ) فعلٌ ماضٍ فِعْلُ الشرطِ، مبنيٌّ على الفتحِ في محَلِّ جزمٍ، وسُكِّنَ للوقفِ، (مُوهِمُ) فاعلُ وَقَعْ، ومُوهِمُ مضافٌ و(ما) اسمٌ موصولٌ مضافٌ إليه مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ جرٍّ، (اسْتَبَانَ) فعلٌ ماضٍ، (أنَّه) أنَّ حرفُ توكيدٍ ونصبٍ، والهاءُ ضميرُ الغائبِ اسمُها مبنيٌّ على الضمِّ في محَلِّ نصبٍ، (امْتَنَعْ) فعلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه جوازاً تَقْدِيرُهُ هو، والجملةُ من الفعلِ والفاعلِ في محَلِّ رفعِ خبرِ أنَّ، وأنَّ ومَعْمُولُهَا في تأويلِ مصدرٍ فاعلٌ لاسْتَبَانَ، وتَقْدِيرُهُ: استبانَ امتناعُه، وجملةُ (استبانَ) وفاعلِه لا محَلَّ لها من الإعرابِ؛ صلةُ الموصولِ.
وتقديرُ البيتِ: وانْوِ مُضْمَرَ الشأنِ حالَ كونِه اسماً لكانَ إنْ وَقَعَ في بعضِ الكلامِ ما يُوهِمُ الأمرَ الذي تَبَيَّنَ امتناعُه، وهو إيلاءُ كانَ معمولَ خبرِها.

([3]) البيتُ للفرزدقِ، من كَلِمَةٍ يَهْجُو فيها جَريراً وعبدَ القَيْسِ، وهي مِن النقائِضِ بينَ جَرِيرٍ والفَرَزْدَقِ، وأَوَّلُها قولُه:
رَأَى عَبْدُ قَيْسٍ خَفْقَةً شَوَّرَتْ بِهَا = يَدَا قَابِسٍ أَلْوَى بِهَا ثُمَّ أَخْمَدَا
اللغةُ: (قَنَافِذُ) جمعُ قُنْفُذٍ، وهو ـ بضمَّتَيْنِ بينَهما سكونٌ، أو بضمِّ القافِ وسكونِ النونِ وفتحِ الفاءِ، وآخرُه ذالٌ معجمةٌ أو دالٌ مهملةٌ ـ حيوانٌ يُضْرَبُ به المَثَلُ في السُّرَى، فيقالُ: هو أَسْرَى مِن القُنْفُذِ، وقالوا أيضاًً: (أَسْرَى مِن أَنْقَدَ)، وأَنْقَدُ: اسمٌ للقُنْفُذِ، ولا يَنْصَرِفُ ولا تَدْخُلُه الألفُ واللامُ، كقولِهِ للأسدِ: أُسَامَةُ، وللذِّئْبِ: ذُؤَالَةُ. قالَه المَيْدَانِيُّ (1/ 239 الخيرية)، ثمَّ قالَ: والقُنْفُذُ لا يَنامُ الليلَ، بل يَجُولُ ليلَه أَجْمَعَ. اهـ.
ويُقالُ في مَثَلٍ آخَرَ: (باتَ فلانٌ بليلِ أَنْقَدَ)، وفي مَثَلٍ آخَرَ: (جَعَلُوا لَيْلَكُمْ لَيْلَ أَنْقَدَ). وذَكَرَ مِثْلَه العَسْكَرِيُّ في (جَمْهَرَةِ الأمثالِ) (بهامشِ المَيْدَانِيِّ 2 / 7)، (هَدَّاجُونَ) جمعُ هَدَّاجٍ، وهو صيغةُ مبالغةٍ من الهَدْجِ أو الهَدَجَانِ، والهَدَجَانُ ـ بفَتَحَاتٍ ـ ومثلُه الهَدْجُ ـ بفتحٍ فسكونٍ ـ مِشْيَةُ الشيخِ، أو مِشْيَةٌ فيها ارتعاشٌ، وبابُ فِعْلِه ضَرَبَ، ويُرْوَى (قَنَافِذُ دَرَّاجُونَ)، والدَّارَّجُ: صيغةُ مبالغةٍ أيضاً من (دَرَجَ الصبيُّ والشيخُ) من بابِ دَخَلَ، إذا سارَ سَيْراً متقارِبَ الخَطْوِ، (عَطِيَّةُ) هو أبو جَرِيرٍ.
المعنى: يُرِيدُ وَصْفَهُم بأنهم خَوَنَةٌ فُجَّارٌ، يُشْبِهُونَ القنافِذَ حيثُ يَسِيرُونَ بالليلِ طَلَباً للسرقةِ أو الدِّعارةِ والفَحْشَاءِ، وإنما السببُ عندَه في ذلك تعويدُ أَبِيهِم إيَّاهُم ذلكَ.
الإعرابُ: (قَنَافِذُ) خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ تَقْدِيرُهُ: هم قَنَافِذُ، وأصلُه: هم كالقَنَافِذِ، فحَذَفَ حرفَ التشبيهِ مبالغةً، (هَدَّاجُونَ) صفةٌ لقنافذُ، مرفوعٌ بالواوِ نيابةً عن الضمَّةِ؛ لأنَّه جمعُ مذكَّرٍ سالِمٌ، والنونُ عِوَضٌ عن التنوينِ في الاسمِ المفردِ، (حَوْلَ) ظرفُ مكانٍ متعلِّقٌ بهَدَّاجُونَ، وحولَ مضافٌ وبُيُوتِ من (بُيُوتِهِمْ) مضافٌ إليه، وبيوتِ مضافٌ والضميرُ مضافٌ إليه، (بِمَا) الباءُ حرفُ جرٍّ، وما: يَحْتَمِلُ أنْ تكونَ موصولاً اسْمِيًّا، والأحسنُ أنْ تكونَ موصولاً حَرْفِيًّا، (كانَ) فعلٌ ماضٍ ناقصٌ، (إيَّاهُمْ) إيَّا: مفعولٌ مُقَدَّمٌ على عاملِه، وهو عَوَّدَ، وسَتَعْرِفُ ما فيه، وقولُه: (عَطِيَّةُ) اسمُ كانَ، (عَوَّدَا): فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتحِ، لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، والألفُ للإطلاقِ، والفاعلُ ضميرٌ مستترٌ فيه جوازاً تَقْدِيرُهُ هو يعودُ على عَطِيَّةُ، وجملةُ الفعلِ والفاعلِ في محلِّ نصبِ خبرِ (كانَ).
وهذا الإعرابُ إنما هو بحَسَبِ الظاهرِ، وهو الذي يُعْرِبُ الكُوفِيُّونَ البيتَ عليه ويَسْتَدِلُّونَ به، وهو إعرابٌ غيرُ مَرْضِيٍّ عندَ جَمْهَرَةِ علماءِ النحوِ من البصريينَ، وسَتَعْرِفُ الإعرابَ المقبولَ عندَهم عندَ بيانِ الاستشهادِ بالبيتِ.
الشاهدُ فيه: قولُه: (بِمَا كانَ إيَّاهُم عطيَّةُ عَوَّدَا)؛ حيثُ إنَّ ظاهِرَه يُوهِمُ أنَّ الشاعرَ قد قَدَّمَ معمولَ خبرِ كانَ، وهو (إيَّاهم) على اسمِها، وهو (عَطِيَّةُ) معَ تأخيرِ الخبرِ، وهو جملةُ (عَوَّدَا) عن الاسمِ أيضاًً، فلَزِمَ أنْ يَقَعَ معمولُ الخبرِ بعدَ الفعلِ ويَلِيَهُ، هذا هو ظاهرُ البيتِ.
والقولُ بجوازِ هذا الظاهرِ هو مَذْهَبُ الكُوفِيِّينَ، وهم يُعْرِبُونَ البيتَ على الوجهِ غيرِ المَرضيِّ الذي ذَكَرْنَاه في الإعرابِ، والبصريونَ يَأْبَوْنَ ذلك، ويَمْنَعُون أنْ يكونَ (عَطِيَّةُ) اسمَ كانَ، ولهم في البيتِ ثلاثةُ توجيهاتٍ:
أحدُها، وهو الذي ذَكَرَه الشارحُ العلاَّمَةُ تَبَعاً للمصنِّفِ: أنَّ اسمَ كانَ ضميرُ الشأنِ، وقولُه: (عَطِيَّةُ) مبتدأٌ، وجملةُ (عَوَّدَا) في مَحَلِّ رفعِ خبرِ المبتدأِ، وإيَّاهم مفعولٌ به لعَوَّدَ، وجملةُ المبتدأِ وخبرِه في محلِّ نصبِ خبرِ كانَ، فلم يَتَقَدَّمْ معمولُ الخبرِ على الاسمِ؛ لأنَّ اسمَ كانَ مضمَرٌ عَقِبَ (كانَ) نفسِها، فهو الذي وَلِيَها، و(إيَّاهم) معمولٌ لخبرٍ مبتدأٌ، وعلى هذا ليسَ في البيتِ معمولٌ لخبرِ كانَ.
والتوجيهُ الثاني: أنَّ (كانَ) في البيتِ زائدةٌ، و(عَطِيَّةُ عَوَّدَا) مبتدأٌ وخَبَرٌ، وجملةُ المبتدأِ والخبرِ لا مَحَلَّ لها من الإعرابِ؛ صلةُ الموصولِ، وهو (ما)؛ أي: بالذي عطيَّةُ عَوَّدَهُمُوهُ.
والثالثُ: أنَّ اسمَ (كانَ) ضميرٌ مستترٌ يعودُ على (ما) الموصولةِ، وجملةُ عطيَّةُ عَوَّدَ من المبتدأِ والخبرِ في محلِّ نصبِ خبرِ كانَ، وجملةُ كانَ ومعمولَيْها لا مَحَلَّ لها من الإعرابِ؛ صِلَةُ الموصولِ.
والعائدُ ـ على هذا التوجيهِ والذي قبلَه ـ محذوفٌ تَقْدِيرُهُ هنا: بما كانَ عطيَّةُ عَوَّدَهُمُوهُ.
والثالثُ: أنَّ اسمَ (كانَ) ضميرٌ مستترٌ يعودُ على (ما) الموصولةِ، وجملةُ عطيَّةُ عَوَّدَ من المبتدأِ والخبرِ في محلِّ نصبِ خبرِ كانَ، وجملةُ كانَ ومعمولَيْها لا محلَّ لها من الإعرابِ؛ صلةُ الموصولِ.
والعائدُ – على هذا التوجيهِ والذي قبلَه – محذوفٌ تَقْدِيرُهُ هنا: بما كانَ عطيَّةُ عَوَّدَهُمُوهُ.
ومنهم مَن يقولُ: هذا البيتُ من الضروراتِ التي تُباحُ للشاعرِ، ولا يجوزُ لأحدٍ من المتكلِّمينَ أنْ يَقِيسَ في كلامِه عليها.
قالَ المُحَقِّقُونَ من العلماءِ: والقولُ بالضرورةِ مُتَعَيِّنٌ في قَوْلِ الشاعرِ، ولم نَقِفْ على اسمِه:
باتَتْ فُؤَادِيَ ذاتُ الخَالِ سَالِبَةً = فالعَيْشُ إنْ حُمَّ لي عَيْشٌ مِنَ العَجَبِ
فذاتُ الخالِ: اسمُ باتَ، وسالبةً: خبرُه، وفيه ضميرٌ مستترٌ هو فاعلُه يعودُ على ذاتُ الخالِ، وفؤادي: مفعولٌ به مُقَدَّمٌ على عاملِه الذي هو قولُه: سالبةً. وزَعَمُوا أنه لا يُمْكِنُ في هذا البيتِ أنْ يَجْرِيَ على إحدَى التوجيهاتِ السابقةِ، ومثلُه
قولُ الآخَرِ:
لَئِنْ كانَ سَلْمَى الشَّيْبُ بالصَّدِّ مُغْرِياً = لقدْ هَوَّنَ السُّلْوَانَ عَنْهَا التَّحَلُّمُ
فالشيبُ: اسمُ كانَ، ومُغْرِياً: خبرُه، وفيه ضميرٌ مستترٌ يعودُ على الشيبُ هو فاعلُه، وسلمَى مفعولٌ به لمُغْرِياً تَقَدَّمَ على اسمِ كانَ، ولا تَتَأَتَّى فيها التوجيهاتُ السابقةُ.

ومن العلماءِ مَن خَرَّجَ هذين البيتيْنِ تخريجاً عَجِيباً، فزَعَمَ أنَّ (فُؤَادِيَ) مُنَادًى بحرفِ نداءٍ محذوفٍ، وكذلك سَلْمَى، وكأنَّ الشاعرَ قد قالَ: باتَتْ يا فُؤَادِي ذاتُ الخالِ سالبةً إيَّاكُ، ولَئِنْ كانَ يا سَلْمَى الشيبُ مُغْرِياً إيَّاكِ بالصدِّ، وجملةُ النداءِ في البيتيْنِ لا محلَّ لها من الإعرابِ معترضةً بينَ العاملِ ومعموليْهِ.


([4]) البيتُ لحُمَيْدٍ الأَرْقَطِ، وكانَ بخيلاً، فنَزَلَ به أضيافٌ، فقَدَّمَ لهم تَمْراً، والبيتُ مِن شواهدِ (كتابِ) سِيبَوَيْهِ (ج1 ص 35) وقبلَه قولُه:
بَاتُوا وَجُلَّتُنَا الصَّهْبَاءُ بَيْنَهُمُ = كَأَّنَ أَظْفَارَهُمْ فِيهَا السَّكَاكِينُ
اللغةُ: (جُلَّتُنَا) بضمِّ الجيمِ وتشديدِ اللامِ مفتوحةً: وِعاءٌ يُتَّخَذُ من الخُوصِ يُوضَعُ فيه التمرُ يُكْنَزُ فيه، وجمعُه جُلَلٌ ـ بوزنِ غُرْفَةٍ وغُرَفٍ ـ ويُجْمَعُ أيضاًً على جُلاَلٍ، وهي عربيَّةٌ معروفةٌ، (الصَّهْبَاءُ) يريدُ أنَّ لَوْنَها الصُّهْبَةُ، قالَ الأعلَمُ في شرحِ شواهدِ سِيبَوَيْهِ: الجُلَّةُ قُفَّةُ التمرِ تُتَّخَذُ مِن سَعَفِ النخلِ ولِيفِه؛ فلذلك وَصَفَها بالصُّهْبَةِ. اهـ.
(فَأَصْبَحُوا) دَخَلُوا في الصباحِ، (مُعَرَّسِهِمْ) اسمُ مكانٍ من (عَرَّسَ بالمكانِ) ـ بتشديدِ الراءِ مفتوحةً ـ أي: نزَلَ به ليلاً.

المعنى: يَصِفُ أضيافاً نَزَلُوا به فَقَرَاهُم تَمْراً، يقولُ: لَمَّا أَصْبَحُوا ظَهَرَ على مكانِ نُزُولِهِم نَوَى التمرِ كَوْمَةً مرتفعةً، معَ أنهم لم يكونوا يَرْمُونَ كلَّ نواةٍ يَأْكُلُون تَمْرَتَها، بل كانوا يُلْقُونَ بعضَ النوَى ويَبْلَعُونَ بَعْضاً؛ إشارةً إلى كثرةِ ما قَدَّمَ لهم مِنه، وكثرةِ ما أكلوا، ووَصْفِهِم بالشَّرَهِ.
الإعرابُ: (فأَصْبَحُوا) فعلٌ وفاعلٌ، (و) حاليَّةٌ، (النَّوَى) مبتدأٌ، (عَالِي) خبرٌ، وعالي مضافٌ ومعرَّسِ من (مُعَرَّسِهِمْ) مضافٌ إليه، ومعرَّسِ مضافٌ والضميرُ مضافٌ إليه، والجملةُ من المبتدأِ والخبرِ في محلِّ نصبِ حالٍ من الواوِ في أَصْبَحُوا، (ليسَ) فعلٌ ماضٍ ناقصٌ، واسمُها ضميرُ الشأنِ، (كُلَّ) مفعولٌ به مُقَدَّمٌ لقولِهِ: (تُلْقِي)، وكلُّ مضافٌ و(النَّوَى) مضافٌ إليه، (تُلْقِي) فعلٌ مضارعٌ، (المَسَاكِينُ) فاعلُ تُلْقِي، والجملةُ من الفعلِ والفاعلِ في محلِّ نصبِ خبرِ لَيْسَ، وهذا الإعرابُ جارٍ على الذي اخْتَارَهُ العلماءُ؛ كما سَتَعْرِفُ.
الشاهدُ فيه: قولُه: (وليسَ كلَّ النَوَى تُلْقِي المساكِينُ)، ولكي يَتَّضِحَ أمرُ الاستشهادِ بهذا البيتِ تمامَ الاتضاحِ نُبَيِّنُ لكَ أوَّلاً أنه يُرْوَى برفعِ كلُّ وبنصبِه، ويُرْوَى: (يُلْقِي المساكينُ) بياءِ المضارعةِ، كما يُرْوَى: (تُلْقِي المساكينُ) بالتاءِ، فهذه أربعُ رواياتٍ :
أمَّا روايةُ رَفْعِ (كلُّ)، سواءٌ أكانَتْ: (وَلَيْسَ كلُّ النوَى يُلْقِي المساكِينُ) بياءِ المضارعةِ أم كانَتْ: (وليسَ كلُّ النوَى تُلْقِي المساكينُ) بالتاءِ، فليسَ فعلٌ ماضٍ ناقصٌ، وكلُّ: اسمُ ليسَ، وكلُّ مضافٌ والنوَى: مضافٌ إليه، ويُلْقِي أو تُلْقِي: فعلٌ مضارعٌ، والمساكينُ فاعلُه، وجملةُ الفعلِ والفاعلِ في محلِّ نصبِ خبرِ ليسَ، ولا شاهدَ في هذا البيتِ على هاتيْن الروايتيْنِ لِمَا نحنُ فيه، وليسَ فيه إيهامٌ لأمرٍ غيرِ جائزٍ، غيرَ أنَّ الكلامَ يَحْتَاجُ إلى تقديمِ ضميرٍ يَرْبُطُ جملةَ خبرِ ليسَ باسمِها، وأصلُ الكلامِ: وليسَ كلُّ النَّوَى يُلْقِيه المساكينُ، أو تُلْقِيهِ المساكينُ.
فإنْ قلتَ: كيفَ جازَ أنْ يُرْوَى (تُلْقِيهِ المساكينُ) بتأنيثِ الفعلِ، معَ أنَّ فاعلَه مذكَّرٌ؛ إذِ المساكينُ جمعُ مِسْكِينٍ؟
فالجوابُ عن ذلك: أنَّ المساكينَ جمعُ تَكْسِيرٍ، وجمعُ التكسيرِ يجوزُ في فعلِه التذكيرُ والتأنيثُ بإجماعِ النُّحاةِ؛ بَصْرِيِّهِم وكُوفِيِّهِم، سواءٌ أكانَ مفردُ جمعِ التكسيرِ مذكَّراً أم كانَ مفردُه مؤنثاً، ومِن وُرُودِ فِعْلِه مؤنثاً، معَ أنَّ مفردَه مذكَّرٌ ـ قولُ اللهِ تعالى: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا}؛ فإنَّ مفردَ الأعرابِ أَعْرَابِيٌّ.
وأمَّا روايةُ نصبِ كلَّ، والفعلُ (يُلْقِي) بياءِ المضارعةِ، فليسَ: فعلٌ ماضٍ ناقِصٌ، واسمُها ضميرُ شأنٍ محذوفٌ، وكلَّ: مفعولٌ مُقَدَّمٌ لِيُلْقِي، وكلَّ مضافٌ والنوَى: مضافٌ إليه، ويُلْقِي: فعلٌ مضارعٌ، والمساكينُ: فاعلُه، والجملةُ مِن الفعلِ والفاعلِ في محَلِّ نصبِ خبرِ ليسَ، ولا يجوزُ في البيتِ على هذه الروايةِ غيرُ هذا الوجهِ من الإعرابِ.
نَعْنِي أنه لا يجوزُ أنْ يكونَ قولُه: المساكينُ اسمَ ليسَ مُؤَخَّراً، ويُلْقِي فعلاً مضارعاً فاعلُه ضميرٌ مستترٌ يعودُ إلى المساكينُ، وجملةُ يلقي وفاعلُه في محلِّ نصبِ خبرِ ليسَ تَقَدَّمَ على اسمِها، لا يجوزُ ذلكَ بَتَّةً.
فإنْ قلتَ: فلِمَ لا يجوزُ أنْ يكونَ المضارِعُ مسنداً إلى ضميرٍ مستترٍ يعودُ إلى المساكينُ إذا رُوِيَ البيتُ: (وليسَ كلَّ النوَى يُلْقِي المساكينُ) بنصبِّ كلَّ؟
فالجوابُ: أنْ نُنَبِّهَكَ إلى أنَّ الفعلَ المسنَدَ إلى ضميرٍ يعودُ إلى جمعِ التكسيرِ لا يجوزُ أنْ يكونَ كفعلِ الواحدِ المذكَّرِ، فأنتَ لا تقولُ: الأعرابُ قالَ، ولا تقولُ: المساكينُ يُلْقِي، وإنما يجوزُ فيه حينَئذٍ أنْ يكونَ ضميرَ الجماعةِ: فتقولُ: الأعرابُ قالُوا، وتقولُ: المساكينُ يُلْقُونَ، ويَجوزُ فيه أنْ يكونَ مثلَ فعلِ الواحدِ المؤنَّثِ، فتقولُ: الأعرابُ قالَتْ، أو تقولُ: المساكينُ أَلْقَتْ أو تُلْقِي، وكذا إذا تَقَدَّمَ الفعلُ وأُسْنِدَ إلى ضميرِ جمعِ التكسيرِ المُؤَخَّرِ عنه يَجِبُ أنْ تقولَ: يُلْقُونَ المساكينُ، أو تقولَ: تُلْقُونَ المساكينُ، أو تقولَ: تُلْقِي المساكينُ، فلَمَّا لم يَقُلْ شيئاً من ذلك عَلِمْنَا أنه أَسْنَدَهُ إلى الاسمِ الظاهرِ بعدَه.
وأما روايةُ نصبِ (كُلَّ)، والفعلُ (تُلْقِي) بالتاءِ الفوقيَّةِ فالكُوفِيُّونَ يُعْرِبُونَها هكذا: كلَّ: مفعولٌ مُقَدَّمٌ لتُلْقِي، وكلَّ مضافٌ والنوَى: مضافٌ إليه، وتُلْقِي: فعلٌ مضارعٌ، وفاعلُه ضميرٌ مستترٌ فيه جوازاً تَقْدِيرُهُ هي يعودُ إلى المساكينُ، والجملةُ من الفعلِ وفاعلِه المستَتِرِ فيه في محلِّ نصبِ خبرِ ليسَ تَقَدَّمَ على اسمِه، والمساكينُ: اسمُ ليسَ تأخَّرَ عن خبرِه، ويَسْتَدِلُّ الكُوفِيُّونَ بهذا البيتِ ـ على هذا الإعرابِ ـ على أنه يجوزُ أنْ يَقَعَ بعدَ ليسَ وأَخَوَاتِها معمولُ خبرِها إذا كانَ خبرُها مُقَدَّماً على اسمِها، كما في البيتِ.
والبصريُّونَ يقولونَ: إنَّ هذا الإعرابَ غيرُ لازمٍ في هذا البيتِ؛ وعلى هذا لا يكونُ البيتُ دليلاً على ما زَعَمْتُمْ، والإعرابُ الذي نَرَاهُ هو أنْ يكونَ ليسَ فعلاً ماضياً ناقصاً، واسمُه ضميرُ شأنٍ محذوفٌ، وكلَّ مفعولٌ مُقَدَّمٌ لِتُلْقِي، والنوَى: مضافٌ إليه، وتُلْقِي: فعلٌ مضارِعٌ، والمساكينُ: فاعلُه، والجملةُ من الفعلِ والفاعلِ في محلِّ نصبِ خبرِ ليسَ، والتقديرُ: وليسَ (هو؛ أي: الحالُ والشأنُ)، كلَّ النوى تُلْقِي المساكينُ، فلم يَقَعْ بعدَ ليسَ معمولُ خبرِها عندَ التحقيقِ، بل الواقِعُ بعدَها هو اسمُها المحذوفُ ومَوْضِعُه بعدَها.
وإذا عَلِمْتَ هذا فاعْلَمْ أنَّ ابنَ الناظِمِ قدِ اسْتَشْهَدَ بهذا البيتِ لمذهبِ الكُوفِيِّينَ على الوجهِ الذي ذَكَرْناه عنهم من الإعرابِ، فأَنْكَرَ العَيْنِيُّ عليه ذلك.
وقالَ: وهذا وَهْمٌ منه؛ لأنَّه لو كانَ المساكينُ اسمَ ليسَ لقالَ: (يُلْقُونَ المساكينُ) كما تقولُ: قاموا الزيدونَ، على أن الجملةَ من الفعلِ وفاعلِه خبرٌ مُقَدَّمٌ، والاسمَ بعدَها مبتدأٌ مُؤَخَّرٌ، والبيتُ لم يُرْوَ إلاَّ: (يُلْقِي المساكينُ) بالياءِ التحتيَّةِ، واسمُ ليسَ في هذا البيتِ ضميرُ الشأنِ عندَ الكُوفِيِّينَ والبصريِّين. اهـ كلامُه بحروفِه.
والعبدُ الضعيفُ غَفَرَ اللهُ لَهُ ولوالديْهِ يَرَى أنَّ في كلامِ العَيْنِيِّ هذا تَحَامُلاً على ابنِ الناظمِ لا يُقِرُّه الإنصافُ، وأنَّ فيه خَلَلاً مِن عِدَّةِ وجوهٍ:
الأوَّلُ: أنَّ قولَه: (والبيتُ لم يُرْوَ إلاَّ: يُلْقِي المساكينُ، بالياءِ التحتيَّةِ) غيرُ صحيحٍ؛ فقد عَلِمْتَ أنه يُرْوَى بالياءِ التحتيَّةِ والتاءِ الفوقيَّةِ، وهذه عبارةُ الشارحِ العلاَّمَةِ تُنَادِي بأنه قد رُوِيَ بالتاءِ، وأن الاستشهادَ بالبيتِ لمذهَبِ الكُوفِيِّينَ إنما يَتَّجِهُ على روايةِ التاءِ، فكانَ عليه أنْ يُمْسِكَ عن تَخْطِئَتِه في الروايةِ؛ لأنَّ الروايةَ تَرْجِعُ إلى الحفظِ، لا إلى العقلِ، ولا شكَّ أنه اطَّلَعَ على كلامِ شارِحِنَا؛ لأنَّه شَرَحَ شَوَاهِدَه.
الثاني: في قولِه: (ولو كانَ المساكينُ اسمَ ليسَ لقالَ: يُلْقُونَ المساكينُ)، ليسَ بصوابٍ؛ إذ لا يَلْزَمُ على كونِ المساكينُ اسمَ ليسَ أنْ يقولَ الشاعرُ: يُلْقُونَ المساكينُ، بل يجوزُ له أنْ يقولَ ذلك، وأنْ يقولَ: تُلْقِي المساكينُ؛ كما بَيَّنَّا لكَ، وقد قالَ العبارةَ الثانيةَ على روايةِ الجماعةِ من أثباتِ العلماءِ.
الثالثُ: أنَّ تنظيرَه بقَوْلِهِ: (كما تقولُ: قاموا الزيدونَ، على أن الجملةَ خبرٌ مُقَدَّمٌ، والاسمَ بعدَها مبتدأٌ مُؤَخَّرٌ) ليسَ تنظيراً صحيحاً؛ لأنَّ الاسمَ في الكلامِ الذي نَظَّرَ به جمعُ مذكَّرٍ سالِمٌ، ومذهَبُ البصريينَ أنه لا يجوزُ في فعلِه إلاَّ التذكيرُ، فلم يَتِمَّ له التنظيرُ. واللهُ يَغْفِرُ لنا وله.
ومِن مجموعِ ما قَدَّمْنَا ذِكْرَه من الكلامِ على هذا البيتِ تَتَبَيَّنُ لكَ خمسةُ أمورٍ:
الأوَّلُ: أنَّ ثلاثَ رواياتٍ لا يجوزُ على كلِّ روايةٍ منها في البيتِ إلاَّ وجهٌ واحدٌ من وجوهِ الإعرابِ.
الثاني: أنه لا شاهدَ في البيتِ لمذهَبِ الكُوفِيِّينَ على كلِّ روايةٍ من هذه الرواياتِ الثلاثِ.
الثالثُ: أن استشهادَ الكُوفِيِّينَ بالبيتِ على ما ذَهَبُوا إليه لا يجوزُ إلاَّ على الروايةِ الرابعةِ، وهي (وليسَ كلَّ النوَى تُلْقِي المساكينُ).
الرابِعُ: أنَّ البيتَ يَحْتَمِلُ على الروايةِ الرابعةِ وَجهاً من الإعرابِ غيرَ ما أَعْرَبَه عليه الكُوفِيُّونَ.
الخامِسُ: أنَّ استدلالَ الكُوفِيِّينَ بالبيتِ لم يَتِمَّ؛ لأنَّ الدليلَ متى تَطَرَّقَ إليه الاحتمالُ سَقَطَ به الاستدلالُ، وأنتَ خبيرٌ أنَّ الاستدلالَ والاستشهادَ غيرُ التمثيلِ.


  #3  
قديم 20 ذو الحجة 1429هـ/18-12-2008م, 10:12 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)

فصلٌ: ويَجُوزُ باتِّفَاقٍ أَنْ يَلِيَ هذه الأفعالَ مَعْمُولُ خبرِها إن كانَ ظَرْفاً أو مَجروراً، نحوُ: (كانَ عِنْدَكَ، أو في المَسْجِدِ زَيْدٌ مُعْتَكِفاً) ([1])، فإن لم يَكُنْ أحدُهما فجُمهورُ البَصْرِيِّينَ يَمْنَعُونَ مُطْلقاً، والكُوفِيُّونَ يُجِيزُونَ مُطلقاً([2])، وفَصَّلَ ابنُ السَّرَّاجِ والفَارِسِيُّ وابنُ عُصْفُورٍ فأَجَازُوهُ إن تَقَدَّمَ الخبرُ معَه، نحوُ: (كانَ طَعَامَكَ آكِلاً زَيْدٌ) ومَنَعُوه إن تَقَدَّمَ وَحْدَه، نحوُ: (كَانَ طَعَامَكَ زَيْدٌ آكِلاً)، واحتَجَّ الكُوفِيُّونَ بنحوِ قولِه:

88 - بِمَا كَانَ إِيَّاهُمْ عَطِيَّةُ عَوَّدَا=........

وخُرِّجَ على زِيَادَةِ كانَ أو إضمارِ الاسمِ مُرَاداً به الشأنُ، أو رَاجِعاً إلى (ما)، وعليهنَّ فعَطِيَّةُ مُبتدأٌ، وقيلَ: ضَرُورَةٌ، وهذا مُتَعَيَّنٌ في قولِه:

89 - بَاتَتْ فُؤَادِيَ ذَاتُ الخَالِ سَالِبَةً=.............
لظُهُورِ نَصْبِ الخبرِ.


([1]) ممَّا جَاءَ مِن ذلك في أَفْصَحِ كلامٍ وأَعْرَبِه قولُه تعَالَى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ}، فإِنَّ {له} جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِه: {كُفُواً}؛ إذْ معنَاهُ مُكَافِئٌ، وقد وَلِيَ {يَكُنْ} وهذا النصُّ يَرِدُ على جُمهورِ البَصْرِيِّينَ الذين يَمْنَعُونَ مُطلَقاً، ويُؤَيِّدُ ابنُ السَّرَّاجِ والفَارِسِيُّ وابنُ عُصْفُورٍ الذين يُجِيزُونَ إذا تَقَدَّمَ الخبرُ مع المعمولِ فوَلِيَ كانَ، ألا تَرَى أنَّ {كُفُواً} الذي هو خبرُ {يَكُنْ} قد تَقَدَّمَ على الاسمِ الذي هو {أَحَدٌ} معَ أنَّ {له} الذي هو معمولُ الخبرِ قد وَلِيَ {يَكُنْ}.

([2]) أنت تَعْلَمُ أنَّ اسمَ كانَ وأخَوَاتِها وخَبرَهُنَّ مَعْمُولانِ لكان، والمعمولُ الذي هو مَوْضِعُ الكلامِ في هذا الفصلِ هو معمولُ الخبرِ، واعْلَمْ الآنَ أَنَّ مَنْشَأَ الخِلافِ بينَ هؤلاءِ جميعاً هو: هل مَعمولُ المعمولِ يُعْتَبَرُ مَعْمُولاً للعاملِ الأصلِ الذي هو هنا كَانَ؟ فالذي يُؤْخَذُ مِن تعليلِهم لهذا الخلافِ أنَّ البَصْرِيِّينَ يَرَوْنَ أنَّ معمولَ المعمولِ لا يُعْتَبَرُ مَعْمُولاً للعامِلِ الأصلِيِّ، ولهذا حَكَمُوا بأنَّه لا يَجُوزُ أن يَلِيَ كانَ أو إِحْدَى أَخَوَاتِهَا مَعْمُولُ خَبَرِها؛ لأنَّه أَجْنَبِيٌّ مِن كَانَ، فإذا وَلِيَهَا لَزِمَ أن يُفْصَلَ بينَ العاملِ الذي هو كانَ، والمعمولِ الذي هو الاسمُ والخبرُ بالأجنَبِيِّ الذي هو معمولُ الخبرِ، وأنَّ جُمهورَ الكُوفِيِّينَ يَعْتَبِرُونَ معمولَ المعمولِ مَعمُولاً للعاملِ الأصلِيِّ، فلهذا أَجَازُوا أنْ يَلِيَ كانَ معمولُ خبَرِها؛ لأنَّه ليسَ أَجنبِيًّا، فلَمْ يَلْزَمِ المَحظورُ المَذْكُورُ.
88 - هذا عَجُزُ بيتٍ مِن الطويلِ، وصدرُه قولُه:
قَنَافِذُ هَدَّاجُونَ حَوْلَ بُيُوتِهِمْ =.............
والبيتُ للفَرَزْدَقِ مِن كلمةٍ يَهْجُو فيها جَرِيراً وعَبْدَ القَيْسِ، وهِي مِن النَّقَائِضِ بينَ جَرِيرٍ والفَرَزْدَقِ، وأوَّلُها قولُه:
رَأَى عَبْدُ قَيْسٍ خَفْقَةً شَوَّرَتْ بِهَا = يَدَا قَابِسٍ أَلْوَى بِهَا ثُمَّ أَخْمَدَا
اللغةُ: (قَنَافِذُ) جمعُ قُنْفُذٍ، وهو - بضَمَّتَيْنِ بينَهما سُكونٌ، أو بضَمِّ القَافِ وسُكونِ النونِ وفَتْحِ الفاءِ وآخِرُه ذالٌ مُعجَمَةٌ أو دَالٌ مُهْمَلَةٌ - حيوانٌ يُضْرَبُ به المَثَلُ فِي السَّرَى، فيُقَالُ: هو أَسْرَى مِنَ القُنْفُذِ. وقَالُوا أيضاً: (أَسْرَى مِن أَنْقَدَ)، وأَنْقَدُ اسمٌ للقُنْفُذِ، ولا يُصْرَفُ، ولا تَدْخُلُه الألفُ واللامُ، كقولِهِم للأسَدِ: أُسَامَةُ، وللذئبِ: ذُؤَالَةُ. قالَه المَيْدَانِيُّ. [1/239 الخيرية] ثُمَّ قالَ: وَالقُنْفُذُ لا يَنَامُ الليلَ، بل يَجُولُ ليلَه أَجْمَعَ. ويُقَالُ في مَثَلٍ آخَرَ: (بَاتَ فُلانٌ بلَيْلِ أَنْقَدَ) وفي مَثَلٍ آخَرَ: (اجْعَلُوا لَيْلَكُمْ لَيْلَ أَنْقَدَ) وذَكَرَ مِثلَه العَسْكَرِيُّ في (جَمْهَرَةِ الأَمْثَالِ) بهامشِ المَيْدَانِيِّ. (2/7) (هَدَّاجُونَ) جمعُ هَدَّاجٍ وهو صيغةُ مُبالغةٍ مِن الهَدْجِ أو الهَدَجَانِ، والهَدَجَانِ - بفَتَحَاتٍ - ومِثْلُه الهَدْجُ - بفَتْحٍ فسُكونٍ - مِشْيَةُ الشيخِ، أو هو مِشْيَةٌ فيها ارتِعَاشٌ، وبابُ فِعْلِه ضَرَبَ. ويُرْوَى: (قَنَافِذُ دَرَّاجُونَ) والدَّرَّاجُ صِيغةُ مُبالغةٍ أَيْضاً مِن دَرَجَ الصَّبِيُّ والشيخُ - مِن بابِ دَخَلَ - إذا سَارَ سَيْراً مُتَقَارِبَ الخَطْوِ. (عَطِيَّةُ) هو أَبُو جَرِيرٍ.
المَعْنَى: إِنَّهُم خَوَنَةٌ فُجَّارٌ يُشْبِهُونَ القَنَافِذَ في سَيْرِهم بالليلِ طَلَباً للدعَارَةِ والفَحْشَاءِ، وإنَّمَا السببُ في ذلك تعويدُ أبيهِم لهم ذلك.
الإعرابُ: (قَنَافِذُ) خبرٌ لمُبتدأٍ محذوفٍ تقديرُه: هُم قَنَافِذُ، وأَصْلُه كالقَنَافِذِ، فحَذَفَ حرفَ التشبيهِ مُبَالغةً، (هَدَّاجُونَ) صِفَةٌ لقَنَافِذَ، مَرفوعٌ بالواوِ نِيَابةً عَن الضمَّةِ؛ لأنَّه جمعُ مُذَكَّرٍ سَالِمٌ، والنونُ عِوَضٌ عَن التنوينِ في الاسمِ المُفردِ، (حَوْلَ) ظرفٌ مُتعلِّقٌ بهَدَّاجُونَ، وهو مُضافٌ وبُيُوتِ مِن (بُيُوتِهِم) مُضافٌ إليه، وبُيُوتِ مُضافٌ، والضميرُ مُضافٌ إليه، (بِمَا) الباءُ حرفُ جَرٍّ، و(ما) يُحْتَمَلُ أن تَكُونَ مَوْصُولاً اسمِيًّا، والأوضحُ أن تَكُونَ مَوْصُولاً حرفِيًّا. (كَانَ) فِعْلٌ ماضٍ ناقصٌ. (إِيَّاهُمْ) مَفعولٌ مُقَدَّمٌ على عامِلِه وهو (عَوَّدَ) وستَعْرِفُ ما فيه، وقولُه: (عَطِيَّةُ) اسمُ كانَ. (عَوَّدَا) فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتحِ لا مَحَلَّ له، والألفُ للإطلاقِ، والفاعلُ ضميرٌ مُستتِرٌ فيه جَوَازاً تقديرُه هو يَعُودُ على عَطِيَّةَ، وجملةُ الفعلِ والفاعلِ في مَحَلِّ نصبٍ خَبَرُ (كانَ) وهذا الإعرابُ إنَّمَا هو بحَسَبِ الظاهِرِ، وهذا إِعْرَابٌ غيرُ مَرْضِيٍّ عندَ جَمْهَرَةِ عُلماءِ النحوِ، وستَعْرِفُ الإعرابَ المقبولَ عندَهم.
الشاهدُ فيه: قولُهُ: (بِمَا كَانَ إِيَّاهُمْ عَطِيَّةُ عَوَّدَ) حيثُ إِنَّ ظَاهِرَه يُوهِمُ أَنَّ الشاعرَ قَد قَدَّمَ معمولَ خبرِ كَانَ - وهو (إِيَّاهُمْ) - على اسمِها وهو (عَطِيَّةُ) معَ تأخيرِ الخبرِ وهو جُملةُ (عَوَّدَ) عن الاسمِ أيضاً، فلَزِمَ أن يَقَعَ معمولُ الخبرِ بعدَ الفِعْلِ ويَلِيهِ، هذا هو الظاهرُ مِن البيتِ، والقولُ بجَوَازِهِ مَذْهَبُ الكُوفِيِّينَ.
والبَصْرِيِّونَ يَأْبَوْنَ ذلك، ويَمْنَعُونَ أن يَكُونَ (عَطِيَّةُ) اسمُ كانَ، ولهم في البيتِ عِدَّةُ تَوجِيهَاتٍ:
أحدُها: - وهو الثانِي فيما ذَكَرَه المُؤلِّفُ العَلاَّمَةُ تَبَعاً للنَّظْمِ - أنَّ اسمَ كانَ ضميرُ الشأنِ، وقولُه: (عَطِيَّةُ) مُبتدأٌ وجملةُ (عَوَّدَا) خبرُه، وجملةُ المُبتدأِ والخبرِ في مَحَلِّ نَصبٍ خبرُ كانَ، فلم يَتَقَدَّمْ معمولُ الخبرِ على اسمِ كانَ.
والتوجيهُ الثانِي: - وهو الأوَّلُ في كلامِ المُؤَلِّفِ - أنَّ (ما) اسمٌ مَوصولٌ مجرورُ المَحَلِّ بالباءِ، و(كَانَ) زَائِدَةٌ، وجُملةُ المبتدأِ والخبرِ لا مَحَلَّ لها صِلَةُ الموصولِ وهو (ما).
والثالثُ: أنَّ اسمَ (كان) ضَميرٌ مُستتِرٌ يَعُودُ على (ما) الموصولَةِ، وجملةُ المبتدأِ والخبرِ في مَحَلِّ نَصبٍ خَبَرُ كَانَ، وجُملةُ كَانَ ومعمُولَيْهَا لا مَحَلَّ لها صِلَةٌ، والعَائِدُ - على هذا التوجيهِ والذي قبلَه - مَحذوفٌ تقديرُه: بِمَا كَانَ عَطِيَّةُ عَوَّدَهُمُوهُ.
ومِنهُم مَن يَقُولُ: إِنَّ هذا البيتَ مِن الضروراتِ التي تُبَاحُ للشاعرِ، ولا يَجُوزُ لأحدٍ مِن المُتكَلِّمِينَ أنْ يَقِيسَ في كَلامِه عليها، والقولُ بالضرورَةِ عندَ البَصْرِيِّينَ تَعَيَّنَ في قَوْلِ الشاعرِ، ولم نَقِفْ على اسمِه، وهو الشاهِدُ الآتِي. (89):
بَاتَتْ فُؤَادِيَ ذَاتُ الخَالِ سَالِبَةً = فَالْعَيْشُ إِنْ حُمَّ لِي عَيْشٌ مِنَ العَجَبِ
فذَاتُ الخَالِ اسمُ بَاتَتْ، وسَالِبَةً خَبَرُه، وفيه ضميرٌ مُستتِرٌ هو فَاعِلُه يَعُودُ على ذَاتِ الخَالِ، وفُؤَادِيَ مَفعولٌ به مُقَدَّمٌ على عامِلِه، وهو قولُه: سَالِبَةً، ولا يُمْكِنُ في هذا البيتِ أن يُوَجَّهَ بإِحْدَى التوجيهاتِ السابقَةِ، ومِثْلُه قولُ الآخَرِ:
لَئِنْ كَانَ سَلْمَى الشَّيْبُ بِالصَّدِّ مُغْرِياً = لَقَدْ هَوَّنَ السُّلْوَانَ عَنْهَا التَّحَلُّمُ
فإنَّ قولَه: الشيبُ اسمُ كانَ، ومُغْرِياً خَبَرُه، وفيه ضميرٌ مُستتِرٌ يَعُودُ على الشَّيْبِ هو فَاعِلُه، وسَلْمَى مفعولٌ به لمُغْرِياً تَقَدَّمَ على اسمِ كَانَ، ولا يَحْتَمِلُ شَيْئاً مِمَّا سَبَقَ ذِكْرُه مِن التخريجَاتِ.
لكنْ خَرَّجَ هذَيْنِ البيتَيْنِ جَمَاعةٌ مِن العلماءِ على أنَّ كَلِمَةَ (فُؤَادِيَ) فِي أوَّلِهِما و(سَلْمَى) في ثانِيهُما مُنَادًى بحرفِ نداءٍ محذوفٍ، ويَكُونُ الشاعرُ قد حَذَفَ مفعولَ (سَالِبَةً) في البيتِ الأوَّلِ، ومفعولَ (مُغْرِياً) في البيتِ الثانِي، وأصلُ الكَلامِ على هذَا: بَاتَتْ يا فُؤَادِي ذَاتُ الخَالِ سَالِبَةً إيَّاكَ، ولَئِنْ كانَ يَا سَلْمَى الشَّيْبُ مُغْرِياً إِيَّاك بالصَّدِّ. وهو تخريجٌ ظاهرُ التكَلُّفِ، وقد ذَكَرْنَاهُ في شَرْحِ الشاهدِ 89.
89 - هذا صدرُ بيتٍ مِن البسيطِ، وعَجُزُه قولُه:
فَالعَيْشُ إِنْ حُمَّ لِي عَيْشٌ مِنَ العَجَبِ=.. ..
ولم أَقِفْ لهذا البيتِ على نِسْبَةٍ إلى قائلٍ مُعَيَّنٍ، ولا عَثَرْتُ له على سَوَابِقَ أو لَوَاحِقَ تَتَّصِلُ به، وقد ذَكَرْنَاهُ في أَثْنَاءِ شَرْحِ الشاهدِ السابقِ.
اللغةُ: (ذَاتُ الخَالِ)؛ أي: صَاحِبَةُ الخَالِ، والخَالُ شامةٌ سَوْدَاءُ في البَدَنِ، وقِيلَ: نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فيه، وفي (التَّهْذِيبِ): بَثْرَةٌ في الوَجْهِ تَضْرِبُ إلى السوَادِ. (سَالِبَةً) اسمُ فاعلٍ مِن سَلَبَ الشيءَ - مِن بابِ نَصَرَ - إِذَا أَخَذْتَ خِلْسَةً. (حُمَّ) بالبناءِ للمجهولِ - قُدِّرَ وهُيِّئَ.
المَعْنَى: يَصِفُ أنَّ امرأةً مَوصُوفةً بالجَمَالِ قد استَوْلَت بجَمَالِها على قَلْبِه، واستَلَبَتْهُ مِنه، ثُمَّ بَيَّنَ أنَّه لنْ يَسْتَطِيعَ الحياةَ بعدَ ذَلِكَ، وأنَّه إذا بَقِيَ حيًّا كانَ ذلك مِن عَجَائِبِ الأُمُورِ.
الإعرابُ: (بَاتَتْ) بَاتَ فِعْلٌ ماضٍ ناقصٌ، والتاءُ عَلامةُ التأنيثِ (فُؤَادِيَ) مفعولٌ به لسَالِبَةٍ الآتِي، وفُؤَداِيَ مُضافٌ وياءُ المُتكلِّمِ مُضافٌ إليه. (ذَاتُ) اسمُ بَاتَ مَرفوعٌ بالضَّمَّةِ الظاهِرَةِ، وهو مُضافٌ و(الخَالِ) مُضافٌ إليه. (سَالِبَةً) خبرُ بَاتَ، (فَالعَيْشُ) الفاءُ حرفُ تَفْرِيعٍ، العَيْشُ مبتدأٌ، (إِنْ) حرفُ شرطٍ (حُمَّ) فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ للمَجْهُولِ فعلُ الشرطِ، (لِي) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بحُمَّ. (عَيْشٌ) نَائِبُ فَاعلِ حُمَّ ، (مِنَ العَجَبِ) جَارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خَبَرُ المُبتدأِ، ويَجُوزُ أن يَكُونَ نَائِبُ فَاعِلِ حُمَّ ضَميراً مُستتِراً فيه جوازاً تقديرُه هو يَعُودُ إلى العَيْشِ، ويَكُونَ قولُه: (عَيْشٌ) خبرَ المبتدأِ، وقولُه: (مِنَ العَجَبِ) جَارًّا ومَجروراً مُتَعَلِّقاً بمحذوفٍ صِفَةٌ لعَيْشٍ، وعلى كُلِّ حالٍ فجوَابُ الشرطِ محذوفٌ يَدُلُّ عليه سِيَاقُ الكلامِ، وجُملةُ الشرطِ وجَوَابِه لا مَحَلَّ لها مِن الإعرابِ مُعترِضَةٌ بينَ المُبتدأِ وخبرِه.
الشاهدُ فيه: قولُهُ: (بَاتَتْ فُؤَادِيَ ذَاتُ الخَالِ سَالِبَةً) حيثُ وَرَدَ فيه ما ظَاهِرُه أنَّ معمولَ خبرِ الفعلِ الناسخِ قد وَلِيَ الفعلَ، أمَّا الفعلُ الناسخُ فهو قولُه: (بَاتَتْ) وأَمَّا خَبَرُه فهو قولُه: (سَالِبَةً)، وأمَّا معمولُ الخبرِ فهو قولُه: (فُؤَادِيَ) فقد عَرَفْتَ في إعرابِ البيتِ أنَّه مفعولٌ به لسالبةٍ، وقد وَقَعَ المفعولُ بعدَ الفِعْلِ الناسِخِ كما تَرَى.
وبهذا البيتِ ونحوِه استَدَلَّ الكُوفِيُّونَ على أنَّهُ يَجُوزُ أن يَقَعَ معمولُ خبرِ الفعلِ الناسِخِ بعدَه، ولا يَتَأَتَّى في هذا البيتِ الرَّدُّ عليهِم بما ذَكَرَه الناظِمُ - وذَكَرَه المُؤَلِّفُ تبَعاً له، وذَكَرْنَاه نحن في توجيهِ البيتِ السابقِ - مِن أنَّ اسمَ الفعلِ الناسِخِ ضميرُ شأنٍ مَحذوفٌ، وما بعدَه جُملةٌ مِن مبتدأٍ وخبرٍ في مَحَلِّ نصبٍ خَبَرُ الفِعْلِ الناسخِ، وإنَّمَا امتَنَعَ ذلك - كما قَالَ المُؤلِّفُ - لظُهورِ نَصْبِ الخبرِ الذي هو سَالِبَةٌ، فإمَّا أن يَكُونَ ما ذَهَبَ إليه الكُوفِيُّونَ صَحِيحاً، وإمَّا أن يَكُونَ هذا البيتُ ضَرورةً، وقد اختَارَ جُمهورُ العلماءِ المُشَايِعِينَ للبَصْرِيِّينَ الثَّانِيَ، وهو أنَّ البيتَ ضرورةٌ.
ولكنَّ بعضَ المُتأخِّرِينَ قد ذَكَرَ في هذا البيتِ تأويلاً يَفْسُدُ به استدلالُ الكُوفِيِّينَ وحَاصِلُه أنَّ قولَ الشاعرِ: (فُؤَادِيَ) ليسَ مَفْعُولاً به لِسَالِبَةٍ على ما يَتَوَهَّمُ الكُوفِيُّونَ، ولكنَّه مُنَادًى بحَرْفِ نِدَاءٍ محذوفٍ، ومَعمُولُ الخبرِ محذوفٌ أيضاً، وتقديرُ الكلامِ: بَاتَتْ يَا فُؤَادِي ذَاتُ الخَالِ سَالِبَةً إِيَّاكَ، وفيه تَكَلُّفٌ ظَاهرٌ كما قُلْنَاهُ في شَرْحِ الشاهدِ 88.
ومِثْلُ ما ذَكَرْنَاهُ في هذا البيتِ مِن الاستشهادِ والتأويلِ يَجْرِي في قَوْلِ الآخَرِ:
لَئِنْ كَانَ سَلْمَى الشَّيْبُ بِالصَّدِّ مُغْرِياً = لَقَدْ هَوَّنَ السُّلْوَانَ عَنْهَا التَّحَلُّمُ
تقديرُه عند الكُوفِيِّينَ: لَئِنْ كَانَ الشَّيْبُ مُغْرِياً سَلْمَى بِالصَّدِّ، وعندَ المُؤَوِّلِينَ: لَئِنْ كَانَ يَا سَلْمَى الشَّيْبُ مُغْرِياً بِالصَّدِّ، وقد ذَكَرْنَا ذلك فيما مَضَى أيضاً.


  #4  
قديم 20 ذو الحجة 1429هـ/18-12-2008م, 10:13 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني

152 - وَلَا يَلِي العَامِلَ مَعْمُولُ الخَبَرْ = إِلَّا إِذَا ظَرْفًا أَتَى أَوْ حَرْفَ جَرّ
(وَلَا يَلِي العَامِلَ) أي: كانَ وَأَخَوَاتُهَا (مَعْمُولُ الخَبَرْ) مطلقًا عندَ جمهورِ البَصْرِيِّينَ سواءٌ تقدَّمَ الخبرُ على الاسمِ نحوُ: "كانَ طعامَكَ آكِلًا زَيْدٌ" خِلافًا لابنِ السَّرَّاجِ والفَارِسِيِّ وابنِ عُصْفُورٍ أمْ لمْ يتقَدَّمْ: نحوُ: "كَانَ طَعَامَكَ زَيْدٌ آكِلًا". وأجازَهُ الكُوفِيُّونَ مطلقًا تَمَسُّكًا بقولِهِ [مِنَ الطَّوِيلِ]:
190 - قَنَافِذُ هَدَّاجُونَ حَوْلَ بُيُوتِهِمْ = بِمَا كَانَ إِيَّاهُمْ عَطِيَّةُ عَوَّدَا
وخُرِّجَ على زيادَةِ "كانَ" أو إضمارِ اسمٍ مرادٍ بهِ الشأنُ أو راجعٍ إلى "مَا" وعليهِنَّ فَـ(عَطِيَّةُ) مبتدَأٌ.
وقيلَ: ضرُورَةٌ وهذا التأويلُ مُتَعَيِّنٌ في قولِهِ [مِنَ البَسِيطِ]:
191 - بَاتَتْ فُؤَادِي ذَاتُ الخَالِ سَالِبَةً = فَالعَيْشُ إِنْ حُمَّ لِي عَيْشٌ مِنَ العَجَبِ
وقولِهِ [مِنَ الطَّوِيلِ]:
192 - لَئِنْ كَانَ سَلْمَى الشَّيْبُ بِالصَّدِّ مُغْرِيًا =لَقَدْ هَوَّنَ السُّلْوَانَ عَنْهَا التَّحَلُّمُ
لظهورِ نصبِ الخبرِ وأصلُ تركيبِ النظْمِ: ولَا يَلِي معمولُ الخبرِ العاملَ فقدَّمَ المفعولَ – وهو العاملُ – وأخَّرَ الفاعلَ – وهو معمولُ الخبرِ – لمراعاةِ النظمِ وليعودَ الضميرُ إلى أقرَبِ مذكورٍ مِنْ قولِهِ (إَلَّا إِذَا ظَرْفًا أَتَى) أي: معمولُ الخبرِ (أوْ حَرْفَ جَرّ) معَ مجرورِهِ؛ فإنَّهُ حينئذٍ يَلِي العاملَ اتِّفَاقًا نحوُ: "كَانَ عِنْدَكَ – أَوْ فِي الدَّارِ – زَيْدٌ جَالِسًا أو جَالِسًا زَيْدٌ" للتوَسُّعِ في الظرْفِ والمجرورِ.
153 - وَمُضْمَرُ الشَّأْنِ اسْمًا انْوِ إِنْ وَقَعْ = مُوهِمُ مَا اسْتَبَانَ أَنَّهُ امْتَنَعْ
(وَمُضْمَرُ الشَّأْنِ اسْمًا انْوِ) في العاملِ (إِنْ وَقَعْ) شَيْءٌ مِنْ كَلامهِمْ (مُوهِمُ) جوازَ (مَا اسْتَبَانَ) لكَ (أنَّهُ امْتَنَعْ) كما تقدَّمَ بيانُهُ في قولِهِ: قَنَافِذُ هَدَّاجُونَ...... البيت وقولِهِ [من البسيط]:
193 - فَأَصْبَحُوا وَالنَّوَى عَالِي مُعَرَّسِهِمْ = وَلَيْسَ كُلَّ النَّوى تُلْقِي المَسَاكِينُ
في روايةٍ "تُلْقِي" بالتاءِ المُثَنَّاةِ مِنْ فوقُ وبهِ احتجَّ مَنْ أجازَ ذلك معَ تقديمِ الخبرِ.
وقالَ الجمهورُ: التقديرُ: ليسَ هو ـ أيِ: الشأْنُ ـ وقَدْ عَرَفْتَ إنَّهُ يُقَدَّرُ ضميرُ الشأنِ حيثُ أمكَنَ تقديرُهُ ومِنَ الدليلِ على صحَّةِ تقديرِ ضميرِ الشأنِ في "كَانَ" قولُهُ [مِنَ الطَّوِيلِ]:
194 - إِذَا مِتُّ كَانَ النَّاسُ صِنْفَانِ شَامِتٌ = وآخَرُ مُثْنٍ بِالَّذِي كُنْتُ أَصْنَعُ


  #5  
قديم 20 ذو الحجة 1429هـ/18-12-2008م, 10:14 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان

أحكامُ معمولِ الخبَرِ
152- ولا يَلِي العاملَ معمولُ الْخَبَرْ = إلاَّ إذا ظَرْفاً أَتَى أو حَرْفَ جَرْ
لَمَّا ذَكَرَ الناظِمُ -فيما مَضَى- حكْمَ تَقَدُّمِ الخبَرِ على الاسمِ؛ بَيَّنَ هنا حكْمَ تَقَدُّمِ معمولِ الخبرِ، وهو توسُّطُه بينَ الناسخِ واسمِه.
والمرادُ بالمعمولِ: ما عَمِلَ فيه الخبرُ؛ مِن ظرْفٍ أو جارٍّ ومجرورٍ أو مفعولٍ به، نحوُ: كان هشامٌ قارئاً الكتابَ.
فإنْ كانَ المعمولُ ظَرْفاً أو جارًّا ومجروراً فسيأتي حُكْمُه، وإنْ كانَ غيرَهما - كالمفعولِ به - فهنا صُورتانِ:
الأُولَى: أنْ يَتَقَدَّمَ معمولُ الخبرِ وَحْدَه على الاسمِ، ويكونُ الخبرُ مُؤَخَّراً عن الاسمِ، نحوُ: كانَ القادِمُ راكباً سَيَّارَةً، فتقولُ: كانَ سيارةً القادِمُ راكِباً.
وهذه الصورةُ ممنوعةٌ عندَ البَصريِّينَ؛ لِمُخالَفَتِها القاعدةَ العامَّةَ، وهي أنه لا يَجوزُ أنْ يَلِيَ العاملَ مباشَرَةً معمولٌ لعامِلٍ آخَرَ، ويُجِيزُها الكوفِيُّونَ؛ لقولِ الفَرزدَقِ:
قَنَافِذُ هَدَّاجُونَ حَوْلَ بُيُوتِهِمْ = بِمَا كانَ إيَّاهُمْ عَطِيَّةُ عَوَّدَا
فقَدَّمَ الشاعرُ معمولَ خبرِ كانَ، وهو (إيَّاهُمْ)، على اسْمِها، وهو (عَطِيَّةُ) معَ تأخيرِ الخبرِ، وهو جُملةُ (عَوَّدَا) عن الاسمِ.
الثانيةُ: أنْ يَتَقَدَّمَ المعمولُ والخبرُ على الاسْمِ، ويَتَقَدَّمَ المعمولُ على الخبرِ، فتقولَ: كانَ سَيَّارَةً راكِباً القادمُ، وهذه الصورةُ ممنوعةٌ عندَ سِيبَوَيْهِ وأكثَرِ البَصرِيِّينَ، ويُجيزُها الكوفِيُّونَ وبعضُ البَصريِّينَ؛ لقولِ الشاعرِ:
فأَصْبَحُوا والنَّوَى عالِي مُعَرِّسِهم = وليسَ كلَّ النَّوَى تُلْقِي المساكينُ
فقَدَّمَ الشاعرُ معمولَ خبرِ ليس، وهو (كلَّ النوَى)؛ لأنه مفعولُ (تُلْقِي) - على اسْمِها، وهو (المساكينُ)، معَ تَقَدُّمِ الخبرِ أيضاً، وهو جُملةُ (تُلْقِي)، وتَأَخُّرِهِ عن المعمولِ، وهذا على أحَدِ الأعاريبِ.
وبَقِيَ صورةٌ ثالثةٌ في هذه المسألةِ، وهي أنْ يَتَقَدَّمَ الخبرُ والمعمولُ على الاسمِ، ويَتَقَدَّمَ الخبرُ على المعمولِ، نحوُ: كانَ قارئاً الكتابَ خالدٌ، وهذه الصورةُ جائزةٌ باتِّفاقٍ؛ لأنه لم يَلِ كانَ معمولُ الخبرِ، وإنما وَلِيَها الخبرُ.
هذا إذا كانَ المعمولُ غيرَ ظَرْفٍ ولا جارٍّ ومجرورٍ، فإنْ كانَ واحِداً مِنهما فإنه يَجُوزُ أنْ يَلِيَ كانَ مَعمولُ خَبَرِها باتِّفاقٍ؛ للتوسُّعِ فيهما، نحوُ: كانَ عِنْدَكَ خالدٌ مُقِيماً، وما زالَ في المسجِدِ عليٌّ مُعْتَكِفاً.
وهذا معنَى قولِه: (ولا يَلِي العاملَ.. إلخ)؛ أيْ: لا يَقعُ معمولُ الخبرِ بعدَ العاملِ، وهو (كانَ وأَخَوَاتُها)، إلاَّ إذا أَتَى المعمولُ ظَرْفاً أو حرْفَ جَرٍّ معَ مجرورِه.
والقولُ بالمنْعِ وَجيهٌ جِدًّا؛ لمخالَفَةِ هذا الأسلوبِ للنَّهْجِ العامِّ الذي تَسيرُ عليه الجُمْلَةُ في نِظامِ تكوينِها المأثورِ، وتَرتيبِ كَلِمَاتِها، وهذا مُلاحَظٌ في الْجُمَلِ التي عَرَضْنَاهَا.


تأويلُ ما خالَفَ قاعِدَةَ المعمولِ

153- ومُضْمَرَ الشانِ اسْماً انْوِ إنْ وَقَعْ = مُوهِمُ ما استبانَ أنَّهُ امْتَنَعْ

هذا البيتُ على رأيِ المانعينَ في الصورتيْنِ السابقتيْنِ - وهم البَصْرِيُّونَ - يُبَيِّنُ طريقتَهم في تأويلِ ما خالَفَ القاعدةَ، ومعناه: أنه إذا وَرَدَ مِن كلامِ العرَبِ ما ظاهِرُه أنه وَلِيَ كانَ وأخواتِها معمولُ خَبَرِها - كالبيتيْنِ السابقينِ - فإنه يُؤَوَّلُ على أنَّ في (كانَ) - مَثَلاً - ضَميراً مُستَتِراً هو ضميرُ الشأنِ، وهو اسْمُها، فلم يلِ المعمولُ العاملَ، وإنما وَلِيَ العاملَ اسْمُه.

وهناك تأويلاتٌ وتَخريجاتٌ أُخْرَى، لا تَخْلُو مِن التكلُّفِ؛ كلُّ ذلك لإدخالِ الواردِ عن العرَبِ تحتَ القاعدةِ العامَّةِ التي ذَكَرْنَا قبلَ هذا البيتِ، ولا داعيَ لهذه التأويلاتِ والأعاريبِ المتكَلَّفَةِ، والعربيُّ لا يَعرِفُ شيئاً منها، فتُحْفَظُ مثلُ هذه الأمثلةُ ولا يُقاسُ عليها؛ لقِلَّتِها، ومخالَفَتِها النسَقَ الصحيحَ الواردَ في تَركيبِ الجُمْلَةِ.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أحكام, معمول

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:15 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir