دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > الملخص الفقهي > كتاب القصاص والجنايات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17 رجب 1433هـ/6-06-2012م, 03:00 PM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي أحكام القتل وأنواعه

وقد عرف فقهاؤنا رحمهم الله الجنايات: بأنها جمع جناية، وهي لغة التعدي على بدن أو مال أو عرض.
وقد عقدوا للنوع الأول منها وهو التعدي على البدن كتاب الجنايات.
وعقدوا للنوع الثاني والثالث وهما التعدي على المال والعرض كتاب الحدود.
والتعدي على البدن: هو ما يوجب قصاصا أو مالاً أو كفارة.
وقد أجمع المسلمون على تحريم القتل بغير حق، ودليل ذلك من الكتاب والسنة.
وقال الله تعالى: {وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاّ بِالْحَقّ}.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة))، رواه مسلم وغيره، والأحاديث بمعناه كثيرة.
فمن قتل مسلما عدوانا؛ فقد توعده الله تعالى بقوله: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً}.
وحكمه: أنه فاسق؛ لارتكابه كبيرة من كبائر الذنوب.
وأمره إلى الله: إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له؛ قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}؛ فهو داخل تحت المشيئة؛ لأن ذنبه دون الشرك.
وهذا إذا لم يتب، أما إذا تاب، فتوبته مقبولة؛ فقد قال الله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.
لكن لا يسقط عنه حق المقتول في الآخرة بمجرد التوبة، بل يأخذ المقتول من حسنات القاتل بقدر مظلمته، أو يعطيه الله من عنده، ولا يسقط حق المقتول بالقصاص؛ لأن القصاص حق لأولياء المقتول.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: "التحقيق: أن القتل تتعلق به ثلاثة حقوق: حق الله، وحق للمقتول، وحق للولي، فإذا سلم القاتل نفسه طوعا للولي ندما وخوفا من الله، وتاب توبة نصوحا؛ سقط حق الله بالتوبة، وحق الأولياء باستيفاء القصاص أو الصلح أو العفو، وبقى حق المقتول، يعوضه الله يوم القيامة عن عبده التائب، ويصلح بينه وبينه".
والقتل ينقسم إلى ثلاثة أقسام عند أكثر أهل العلم، وهي: القتل العمد، والقتل شبه العمد، والقتل الخطأ.
فأما العمد والخطأ؛ فقد ورد ذكرهما في القرآن الكريم؛ قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاّ أَنْ يَصَّدَّقُوا} الآية إلى قوله: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً}.
وأما شبه العمد؛ فثبت في السنة المطهرة؛ كما في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((عقل شبه العمد مغلط مثل عقل العمد، ولا يقتل صاحبه، وذلك أن ينزو الشيطان بين الناس، فتكون دماء في غير ضغينة ولا حمل سلاح))، رواه أحمد وأبو داود.
وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا إن قتيل الخطأ شبه العمد قتيل السوط والعصا فيه مئة من الإبل، منها أربعون في بطونها أولادها))، رواه الخمسة إلا الترمذي.
فالقتل العمد: هو أن يقصد من يعلمه آدميا معصوما فيقتله بما يغلب على الظن موته به.
فنأخذ من هذا التعريف أن القتل لا يكون عمدًا إلا إذا توفرت فيه هذه الشروط:
الشرط الأول: وجود القصد من القاتل، وهي إرادة القتل.
الشرط الثاني: أن يعلم أن الشخص الذي قصد قتله آدمي معصوم الدم.
الشرط الثالث: أن تكون الآلة التي قتله بها مما يصلح للقتل عادة، سواء كان محددًا أو غير محدد.
فإن اختل شرط من هذه الشروط؛ لم يكن القتل عمدًا؛ لأن عدم القصد لا يوجب القود، وحصول القتل بما لا يغلب على الظن موته به يكون اتفاقا لسبب أوجب الموت غيره.
وللعمد تسع صور معلومة بالاستقراء:
إحداها: أن يجرحه لما له نفوذ في البدن؛ كسكين وشوكة ونحو ذلك من المحددات.
قال الموفق: "لا اختلاف فيه بين العلماء فيما علمناه".
الثانية: أن يقتله بمثقل كبير كالحجر ونحوه، فإن كان الحجر صغيراً فليس بعمد؛ إلا إن كان في مقتل، أو في حال ضعف قوة المجني عليه من مرض أو صغر أو كبر أو حر أو برد ونحوه، أو ردد ضربه الحجر الصغير ونحوه حتى مات، ومثل قتله بالمثقل لو ألقى عليه حائطا أو دهسه بسيارة أو ألقاه من مرتفع فمات.
الثالثة: أن يلقيه إلى حيوان مفترس كأسد، أو إلى حية؛ لأنه إذا تعمد إلقاءه إلى هذه القواتل؛ فقد تعمد قتله بما يقتل غالبا.
الرابعة: أن يلقيه في نار أو ماء يغرقه ولا يمكنه التخلص منهما.
الخامسة: أن يخنقه بحبل أو غيره أو يسد فمه وأنفه فيموت من ذلك.
السادسة: أن يحبسه ويمنع عنه الطعام والشراب فيموت من ذلك في مدة يموت فيها غالبا، ويتعذر عليه الطلب؛ لأن هذا يقتل غالبا.
السابعة: أن يقتله بسحر يقتل غالبا، والساحر يعلم أن ذلك غالبا يقتل.
الثامنة: أن يسقيه سمّا لا يعلم به، أو يخلطه بطعامه، فيأكله جاهلاً بوجود السم فيه.
التاسعة: أن يشهد عليه شهود بما يوجب قتله من زنى أو ردة أو قتل، فيقتل ثم يرجع الشهود عن شهادتهم، ويقولون: تعمدنا قتله، فيقتلون به؛ لأنهم توصلوا إلى قتله بما يقتل غالبا.
وشبه العمد: قد عرفه الفقهاء رحمهم الله بقولهم: "هو أن يقصد جناية لا تقتل غالبا، فيموت بها المجني عليه، سواء كان ذلك بقصد العدوان عليه، أو لأجل تأديبه، فيسرف في ذلك، وسمي هذا النوع من الجنايات شبه العمد؛ لأن الجاني قصد الفعل وأخطأ في القتل".
قال ابن رشد: "من قصد ضرب رجل بعينه بآلة لا تقتل غالبا؛ كان حكمه مترددًا بين العمد والخطأ، فشبهه للعمد من جهة قصد ضربه، وشبهه للخطأ من جهة ضربه بما لا يقصد به القتل" انتهى.
ومن أمثله شبه العمد: ما لو ضربه في غير مقتل بسوط أو عصا صغير لكزه بيده أو لكمه في غير مقتل فمات؛ كان ذلك شبه عمد، تجب به الكفارة في مال الجاني، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد؛ صام شهرين متتابعين كما يجب الخطأ، ووجبت الدية مغلظة في مال عاقلة الجاني؛ لحديث أبي هريرة: "اقتتلت امرأتان من هذيل، فرمت إحداهما الأخرى بحجر، فقتلتها وما في بطنها، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدية المرأة على عاقلتها"، متفق عليه.
فدل الحديث على عدم وجوب القصاص في شبه العمد، وعلى أن ديته تكون على عاقلة الجاني؛ لأنه قتل لا يوجب قصاصا فكانت ديته على العاقلة كالخطأ.
قال ابن المنذر: "أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أنها على العاقلة".
وقال الموفق وغيره: "لا نعلم خلافا أنها على العاقلة..." انتهى.
وأما قتل الخطأ؛ فقد عرفه الفقهاء بقولهم: وهو أن يفعل ما له فعله؛ مثل أن يرمي صيدًا أو هدفا، فيصيب آدميا معصوما لم يقصده، فيقتله، أو يقتل مسلما في صف كفار يظنه كافرًا.
وعمد الصبي والمجنون يجري مجرى الخطأ؛ لأنهما ليس لهما قصد؛ فهما كالمكلف المخطئ.
ويجري مجرى الخطأ أيضا القتل بالتسبب؛ كما لو حفر بئرًا أو حفرة في طريق أو أوقف فيه سيارة، فتلف بسبب ذلك إنسان.
ويجب بالقتل الخطأ: الكفارة في مال القاتل، وهي عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد الرقبة، أو وجدها ولم يقدر على ثمنها؛ صام شهرين متتابعين، وتجب الدية على عاقلته، وهم ذكور عصابته.
ومن قتل مسلما في صف كفار يظنه كافرًا؛ لا يجب فيه إلا الكفارة فقط؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً}.
فجعل قتل الخطأ على قسمين:
قسم فيه الكفارة على القاتل والدية على عاقلته، وهو قتل المؤمن خطأ في غير صف الكفار، وفيما إذا كان القتيل من قوم بيننا وبينهم عهد.
وقسم تجب فيه الدية فقط، وهو قتل المؤمن بين الكفار يظنه القاتل كافرًا.
قال الإمام الشوكاني رحمه الله في "فتح القدير": {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}؛ أي: فإن كان المقتول من قوم عدو لكم، وهم الكفار الحربيون، وهذه مسألة المؤمن الذي يقتله المسلمون في بلاد الكفار الذي كان منهم، ثم أسلم ولم يهاجر، وهم يظنون أنه لم يسلم وأنه باق على دين قومه؛ فلا دية على قاتله، بل عليه تحرير رقبة مؤمنة.
واختلفوا في وجه سقوط الدية؛ فقيل: وجهه أن أولياء القتيل كفار، لا حق لهم في الدية، وقيل: وجهه أن هذا الذي آمن ولم يهاجر حرمته قليلة؛ لقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ}، وقال بعض أهل العلم: إن ديته واجبة لبيت المال...." انتهى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "هذا في المسلم الذي هو بين الكفار معذور كالأسير، والمسلم الذي لا تمكنه الهجرة والخروج من صفهم، فأما الذي يقف في صف قتالهم باختياره؛ فلا يضمن بحال؛ أنه عرض نفسه للتلف بلا عذر".
والدليل على وجوب دية قتل الخطأ على عاقلة القاتل حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتا بغرة عبد أو أمة، ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ميراثها لزوجها وبنتيها، وأن العقل على عصبتها"، متفق عليه.
فدل الحديث على أن دية الخطأ على العاقلة، وقد أجمعوا على ذلك.
والحكمة في ذلك والله أعلم: أن إيجاب الدية في مال المخطئ فيه ضرر عظيم من غير ذنب تعمده، والخطأ يكثر وقوعه؛ ففي تحميله ضمان خطئه إجحاف بماله، ولا بد من إيجاب بدل للمقتول؛ لأنه نفس محترمة، وفي إهدار دمه ضرر بورثته، لا سيما عائلته؛ فالشارع الحكيم أوجب على من عليهم موالاة القاتل ونصرته أن يعينوه على ذلك، وذلك كإيجاب النفقات، وفكاك الأسر، ولأن العاقلة يرثون المعقول عنه لو مات في الجملة؛ فهم يتحملون عنه جنايته الخطأ من قبيل: "الغنم بالغرم".
وحمل القاتل الكفارة لأمور:
أولاً: احترام النفس الذاهبة.
ثانيا: لكون القتل لا يخلو من تفريطه.
ثالثا: لئلا يخلو القاتل عن تحمل شيء، حيث لم يحمل من الدية.
فكان في جعل الدية على العاقلة والكفارة على القاتل عدة حكم ومصالح؛ فسبحان الحكيم العليم، الذي شرع للناس ما يصلحهم وينفعهم في دينهم ودنياهم.
ولا يدخل في العاقلة: الرقيق والفقير والصغير والمجنون والأنثى والمخالف لدين الجاني؛ لأن هؤلاء ليسوا من أهل النصرة والمواساة.
وتؤجل دية الخطأ على العاقلة ثلاث سنين، ويجتهد الحاكم في تحميل كل منهم ما يستطيع، ويبدأ بالأقرب فالأقرب.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "لا تؤجل الدية على العاقلة إذا رأى الإمام المصلحة في ذلك..." انتهى.

[الملخص الفقهي: 2/461-470]


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أحكام, القتل

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:32 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir