رسالة تفسيرية في قوله تعالى : (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون)[سورة الأنعام 110].
هذه الآية تحمل بيانا لحكمة الله وعدله ، فجاء العقاب مناسبا لحال المعرضين ، فكما لم يقبلوا بالحق بعد بيانه لهم ، وصدهم عنه فإن الله يعاقبهم عقابا مناسبا لحالهم ،فيحول بينهم وبين الإيمان ، فلا يوفقهم للصراط المستقيم .
ومعنى نقلب :
التقليب مصدر قلب الدال على شدة قلب الشيء عن حاله الأصلية.
وذكر ابن عاشور في التحرير والتنوير معنيان:
1) القلب يكون بمعنى جعل المقابل للنظر من الشيء غير مقابل ، كقوله تعالى فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها ، وقولهم : قلب ظهر المجن.
2) ويكون بمعنى تغيير حالة الشيء إلى ضدها لأنه يشبه قلب ذات الشيء .
المراد بالأفئدة :
يراد بالأفئدة القلب وسمي القلب فؤادا القلب لتفؤده وتوقده وتوسطه .
الفرق بين لفظة القلب والأفئدة :
بعض أهل اللغة يرى أنه لافرق بين اللفظتين ، وبعضهم يرى أنه هناك فرق بين اللفظتين ؛فذكر ابن منظور في لسان العرب أن لفظة القلب أخص من الفؤاد في الإستعمال ؛ لذلك قال عليه الصلاة والسلام : (أتاكم أهل اليمن هم أرق قلوبا وألين أفئدة) فوصف القلوب بالرقة والأفئدة باللين، ويقول الدكتور فاضل السامرائي في لمسات بيانية :الفؤاد هو غشاء القلب لكن لما يتحدث عن الفؤاد يعني الغشاء وما في داخله ؛لأن هو أصل الفؤاد من التفؤد ويعني التوقّد والإشتعال والحرقة فكأن القلب هو موضع هذه الأشياء فلذلك إستعمل هكذا في هذا المكان.
فائدة تقديم الأفئدة على الأبصار :
تقديم الأفئدة على الأبصار؛ لأن الأفئدة بمعنى العقول ، وهي محل الدواعي والصوارف، فإذا حصلت الداعية في القلب انصرف البصر.
وفي متى يكون تقليب القلوب والأبصار قولان :
1) منهم من قال أن ذلك التقليب يكون الآخرة ؛ فيقلب الله قلوبهم وأبصارهم في النار .
2) ومنهم من قال أن التقليب يكون في الدنيا، فيحول الله بينهم وبين الحق ، ويزيغهم عن الإيمان .
والراجح هو القول الثاني وهو الذي رجحه محمد بن جرير الطبري في تفسيره جماع البيان عن تأويل آي القرآن(324- 340هجري) وغيره ، ودليله في ذلك هو قوله : ( كما لم يؤمنوا به أول مرة ) ، دليل على محذوف من الكلام وأن قوله : " كما " تشبيه ما بعده بشيء قبله .
عقوبة الإعراض عن الحق وعدم الإيمان به أول مرة :
1) تقليب الأفئدة والأبصار .
2) يتركهم الله في طغيانهم وكفرهم وضلالهم وحيرتهم .
ختاما :
لذلك علينا الإذعان وقبول الحق بعد وضوحه ،وعدم الصد عنه ، لئلا يعاقبنا الله بتقليب القلب والبصر ، وكما قال تعالى في موضوع آخر : ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ) سورة الأنفال24 ، ولنكثر من دعاء الله أن يثبت قلوبنا ولا يزيغنا بعد إذ هدانا ، كما قال تعالى : ( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ) سورة آل عمران 8، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من هذا الدعاء : (يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك ).
-------------------------------------------